
يتندر البعض عن النظام الإيراني الذي قام بعد انتصار الثورة الإسلامية في تلك الفترة بقوله:
إن شاشات "التلفزيون" في إيران عادت إلى اللون الأبيض والأسود بعد قيام حكومة الملالي -كما يسمونها! في إشارة إلى كثرة ظهور مشائخ "الشيعة" المعممين على قنوات التلفزة من خلال ما يعرض من برامج في التلفزيون الإيراني حيث أن السادة - من أبناء الرسول - يرتدون العمة السوداء بينما يرتدي المشائخ الآخرون اللون الأبيض.
وكأن هذا البعض يقول إن قيام حكومة إسلامية تسير وفق إرشادات علماء الدين سوف تكون حجر عثرة أمام التقدم العلمي وأنها سوف ترجعنا سنين للوراء، وستؤدي إلى تخلف الشعب الإيراني عن الركب الحضاري والإنساني.
إلا أن كل توقعاتهم باءت بالفشل، ومنيت أحلامهم بالخسران، وأثبت الواقع العكس من ذلك. فالواقع الذي لا يعرف إلا لغة الحقائق يكشف لنا يوماً بعد يوم عن صفحات مشرقة تبرز بكل ألوان الطيف يرسمها هذا الشعب باكتشافاته العلمية والتكنلوجية المتطورة.
فبعد أن قضي على النظام "الملكي" في إيران شنت قوى الاستكبار العالمي حرب الـ (8) سنوات عليها مستخدمة اليد الصدامية -المقبورة الآن- التي اكتسبت تأييداً من الحكومات العربية عموماً والخليجية خصوصاً التي ليس من مصلحتها قيام حكومة منبثقة عن إرادة الشعب لأنه كما يقول الشاعر ( إذا رأيت جنازة محمولة *** فاعلم بأنك بعدها محمول!)، فما حصل في إيران من تغيير والطريقة التي تم بها هذا التغيير هو أكثر ما يؤرق الأنظمة المستبدة، وقد سعوا لتشويه هذه الثورة للحد من إفرازاتها بعد فشلهم في القضاء عليها - كما سيأتي
وقد فرض على إيران بعد قيام الجمهورية الإسلامية على يد مؤسسها الإمام الخميني عام 1979م، حصاراً دولياً، ولكنه لم يجدِ نفعاً وفشلت الحرب في تحقيق أهادافها.
وبالرغم من ذلك كله استطاع المارد الإيراني أن يخرج من القمقم، وأن يبقى صامداً رغم كل المحاولات التي تمت لإجهاض الثورة وإفشال التجربة. وسر صموده يكمن في كونه قد تولد من رحم ثورة قامت بإرادة الشعب، فدافع عنها وحماها.
وتستمر بركات هذه الثورة على الأمة الإيرانية بما حباها الله من تغيير فـ (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) لتسجل تقدماً على مستويات عدة منها الجانب الصناعي والعسكري والاقتصادي والصحي ولتحصل على الطاقة النووية للأغراض السلمية مما دعا بعض الدول للاستفادة من الخبرة الإيرانية، وأخيراً وليس آخراً "تمكنت إيران من إطلاق أول صاروخ فضائي حامل للأقمار الصناعية، خلال تسعة أشهر، والذي يعتبر المرحلة الأولى لإطلاق القمر الصناعي، بعد أن أعلن باحثون إيرانيون أنهم تمكنوا منذ مدة من تدشين أول مركز فضائى للأغراض البحثية والعلمية محلية الصنع" كما صرح بذلك مؤخراً الرئيس الإيراني أحمدي نجاد تزامناً مع فترة الاحتفالات بالذكرى الثلاثين لانتصار الثورة الإسلامية الذي يصادف هذا اليوم الخميس وهو ذكرى عودة الإمام الخميني إلى وطنه من منفاه الأخير في فرنسا.
وفي الوقت الذي استطاعت فيه إيران أن تحلق في الفضاء، فإن طغمة حكام الدول العربية ما زالت جاثمة على صدور شعوب المنطقة تمارس شتى صنوف الاستبداد مستغرقة جلَّ وقتها في البحث عما يكرس بقاءها على كراسي المُلك، فلا يدَّخرون وسيلة إلا استخدموها كيما تستمر انظمتهم ويتمكنوا من إقناعنا بضرورة توريثه لأبنائهم وحفدتهم لحفظ الأمة والأجيال!
وهنا يأتي دور وعي الشعوب في فهم هذه المعادلة ليتعلموا الدرس ويدركوا أن الشعوب لن تتمكن من احترام العقل بفتح باب العلم حتى تقتنع بضرورة التحرر من أنظمتها الشمولية الفاسدة التي ما عادت إلا دليلاً على التخلف ومعلماً للرجعية.
ومن الواضح أن هؤلاء الحكام الذين لم يخترهم شعوبهم في توجس دائم من تسرب هذه الفكرة إلى أذهان من يحكمون فضلاً عن بروز مثال عملي في العصر الحديث يبرهن على نجاح ثورة تقوم على مبدأ التحرر من التبعية والاستبداد، فبدأت منذ الوهلة الأولى إلى تشويه صورتها من خلال عدة أمور منها دعم المناوئين لها كمنظمة "خلق" المتواجدة في العراق حالياً والذي يسعى حالياً للتخلص منها، سواء بالدعم المادي أو الإعلامي، أو من خلال اللعب على الوتر الديني باستخدام الفتوى وتجيير رجال الدين من المذاهب الأخرى لاستصدار فتاوى بكفر أو شرك المسلمين الشيعة، أو من خلال تسليط الأضواء على الأخطاء والسلبيات فقط وترويج الشائعات، أو من خلال التعتيم الإعلامي على هذه الثورة وغيرها من وسائل الزيف والتضليل.
فحريٌ بنا ونحن نمر بهذه الظروف أن نتأمل في هذه التجربة ونقف على أسباب نجاحها بغية الاستفادة منها لكي نرسم لوحتنا بريشة الفنان الذي يتقن استخدام الألوان فيبدع بالشكل الدال على المضمون ونقرر مصيرنا بأيدينا بعيداً عن العبث والظلم والشائعات.
اقتباس من : http://www.wa3ad.org