إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

كتاب له عليه السلام أمر أن يقرأ على الناس كل يوم جمعه

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كتاب له عليه السلام أمر أن يقرأ على الناس كل يوم جمعه

    كتاب له عليه السلام ) أمر أن يُقرأ على الناس كل يوم جمعة
    و ذلك لمّا سألوه عن أبي بكر و عمر و عثمان ، فغضب عليه السلام ، و قال :
    أَوَ قَدْ تَفَرَّغْتُمْ لِلسُّؤَالِ عَمَّا لاَ يَعْنيكُمْ وَ هذِهِ مِصْرُ قَدِ افْتُتِحَتْ ، وَ شيعَتي بِهَا قَدْ قُتِلَتْ ، وَ قَتَلَ مُعَاوِيَةُ بْنُ حَديجٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبي بَكْرٍ .
    فَيَا لَهَا مِنْ مُصيبَةٍ . مَا أَعْظَمَ مُصيبَتي بِمُحَمَّدٍ ، فَوَ اللَّهِ مَا كَانَ إِلاَّ كَبَعْضِ بَنِيَّ .
    سُبْحَانَ اللَّهِ ، بَيْنَا نَرْجُو أَنْ نَغْلِبَ الْقَوْمَ عَلى مَا في أَيْديهِمْ إِذْ غَلَبُونَا عَلى مَا في أَيْدينَا .
    وَ أَنَا مُخْرِجٌ لَكُمْ كِتَاباً فيهِ تَصْريحُ مَا سَأَلْتُمْ ، وَ أَسْأَلُكُمْ أَنْ تَحْفَظُوا مِنْ حَقّي مَا ضَيَّعْتُمْ ، فَاقْرَؤُوهُ عَلى شيعَتي ، وَ كُونُوا عَلَى الْحَقِّ أَعْوَاناً .
    [ ثم أخرج عليه السلام لهم الكتاب و فيه : ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلَيٍّ أَميرِ الْمُؤْمِنينَ إِلى شيعَتِهِ مِنَ الْمُؤْمِنينَ وَ الْمُسْلِمينَ .
    وَ هُوَ اسْمٌ شَرَّفَهُ اللَّهُ تَعَالى فِي الْكِتَابِ ، فَإِنَّهُ يَقُولُ : وَ إِنَّ مِنْ شيعَتِهِ لإِبْرَاهيمَ 1 .
    وَ أَنْتُمْ شيعَةُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، كَمَا أَنَّ مُحَمَّداً مِنْ شيعَةِ إِبْرَاهيمَ .
    إِسْمٌ غَيْرُ مُخْتَصٍّ ، وَ أَمْرٌ غَيْرُ مُبْتَدَعٍ .
    وَ سَلاَمُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ، وَ اللَّهُ هُوَ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ أَوْلِيَاءَهُ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهينِ ، الْحَاكِمُ عَلَيْهِمْ بِعَدْلِهِ .
    أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بَشيراً وَ نَذيراً لِلْعَالَمينَ ، وَ مُهَيْمِناً عَلَى الْمُرْسَلينَ ، وَ أَميناً عَلَى التَّنْزيلِ ، وَ شَهيداً عَلى هذِهِ الأُمَّةِ .
    وَ أَنْتُمُ مَعْشَرَ الْعَرَبِ يَوْمَئِذٍ عَلى شَرِّ دينٍ ، وَ في شَرِّ دَارٍ .
    مُتَنَخُّونَ بَيْنَ حِجَارَةٍ خُشْنٍ ، وَ حَيَّاتٍ صُمٍّ ، وَ أَوْثَانٍ مُضِلَّةٍ ، وَ شَوْكٍ مَبْثُوثٍ فِي الْبِلاَدِ .
    تَشْرَبُونَ الْمَاءَ [ الْكَدِرَ ، وَ تَأْكُلُونَ الطَّعَامَ الْجَشِبَ .
    وَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ ، وَ تَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ .
    يَغْذُو أَحَدُكُمْ كَلْبَهُ ، وَ يَقْتُلُ وُلْدَهُ ، وَ يُغيرُ عَلى غَيْرِهِ ، فَيَرْجِعُ وَ قَدْ أُغيرَ عَلَيْهِ .
    وَ يَسْبي بَعْضُكُمْ بَعْضاً ، وَ تَأْكُلُونَ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ .
    اَلأَصْنَامُ فيكُمْ مَنْصُوبَةٌ ، وَ الآثَامُ بِكُمْ مَعْصُوبَةٌ ، وَ سُبُلُكُمْ خَائِفَةٌ .
    تَأْكُلُونَ الْعِلْهِزَ وَ الْهَبيدَ وَ الْميتَةَ وَ الدَّمَ .
    فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، فَبَعَثَهُ إِلَيْكُمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ ، وَ قَالَ فيمَا أَنْزَلَ مِنْ كِتَابِهِ : هُوَ الَّذي بَعَثَ فِي الأُمِّيّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَ يُزَكّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفي ضَلاَلٍ مُبينٍ .
    وَ قَالَ : لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَريصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْْمِنينَ رَؤُوفٌ رَحيمٌ .
    وَ قَالَ : لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنينَ إِذْ بَعَثَ فيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ .
    وَ قَالَ : ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتيهِ مَنْ يَشَاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظيمِ .
    فَكَانَ الرَّسُولُ إِلَيْكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ بِلِسَانِكُمْ ، وَ كُنْتُمْ أَوَّلَ الْمُؤْمِنينَ تَعْرِفُونَ وَجْهَهُ وَ شِعْبَهُ وَ عِمَارَتَهُ ، فَعَلَّمَكُمْ الْكِتَابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ الْفَرَائِضَ وَ السُّنَّةَ .
    وَ أَمَرَكُمْ بِصِلَةِ أَرْحَامِكُمْ ، وَ حَقْنِ دِمَائِكُمْ ، وَ صَلاَحِ ذَاتِ بَيْنِكُمْ ، وَ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلى أَهْلِهَا 6 ، وَ أَنْ تُوفُوا بِالْعَهْدِ وَ لاَ تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكيدِهَا .
    وَ أَمَرَكُمْ أَنْ تَعَاطَفُوا ، وَ تَبَارُّوا ، وَ تَبَاشَرُوا ، وَ تَبَاذَلُوا ، وَ تَرَاحَمُوا .
    وَ نَهَاكُمْ عَنِ التَّنَاهُبِ ، وَ التَّظَالُمِ ، وَ التَّحَاسُدِ ، وَ التَّبَاغي ، وَ التَّقَاذُفِ ، وَ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ ، وَ بَخْسِ الْمِكْيَالِ ، وَ نَقْصِ الْميزَانِ .
    وَ تَقَدَّمَ إِلَيْكُمْ ، فيمَا تَلى عَلَيْكُمْ ، أَنْ لاَ تَزْنُوا ، وَ لاَ تَرْبُوا ، وَ لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَ الْيَتَامى ظُلْمَاً ، وَ لاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدينَ ، وَ لاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدينَ .
    فَكُلُّ خَيْرٍ يُدْني إِلَى الْجَنَّةِ وَ يُبَاعِدُ عَنِ النَّارِ قَدْ أَمَرَكُمْ بِهِ ، وَ حَضَّكُمْ عَلَيْهِ ، وَ كُلُّ شَرٍّ يُدْني إِلَى النَّارِ وَ يُبَاعِدُ عَنِ الْجَنَّةِ قَدْ نَهَاكُمْ عَنْهُ .
    وَ قَدْ خَصَّ اللَّهُ قُرَيْشاً بِثَلاَثِ آيَاتٍ ، وَ عَمَّ الْعَرَبَ بِآيَةٍ .
    فَأَمَّا الآيَاتُ اللَّوَاتي في قُرَيْشٍ فَهِيَ :
    قَوْلُهُ تَعَالى : وَ اذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَليلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَ أَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 3 .
    وَ الثَّانِيَةُ : وَعَدَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَني لاَ يُشْرِكُونَ بي شَيْئاً وَ مَنْ كَفَرَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ .
    وَ الثَّالِثَةُ : قَوْلُ قُرَيْشٍ لِنَبِيِّ اللَّهِ حينَ دَعَاهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ وَ الْهِجْرَةِ ، فَقَالُوا : إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا . فَقَالَ اللَّهُ تَعَالى : أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ .
    وَ أَمَّا الآيَةُ الَّتي عَمَّ بِهَا الْعَرَبَ ، فَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالى : وَ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَ كُنْتُمْ عَلى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ .
    فَيَا لَهَا مِنْ نِعْمَةٍ مَا أَعْظَمَهَا إِنْ لَمْ تَخْرُجُوَا مِنْهَا إِلى غَيْرِهَا .
    وَ يَا لَهَا مَنْ مُصيبَةٍ مَا أَعْظَمَهَا ، إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِهَا ، وَ تَرْغَبُوا عَنْهَا .
    فَلَمَّا اسْتَكْمَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ مُدَّتَهُ مِنَ الدُّنْيَا ، تَوَفَّاهُ اللَّهُ إِلَيْهِ سَعيداً حَميداً ، مَشْكُوراً سَعْيُهُ ، مَرْضِيّاً عَمَلُهُ ، مَغْفُوراً ذَنْبُهُ ، شَريفاً عِنْدَ اللَّهِ نُزُلُهُ .
    فَيَا لَمَوْتُهُ مُصيبَةٌ خَصَّتِ الأَقْرَبينَ ، وَ عَمَّتْ جَميعَ الْمُسْلِمينَ ، مَا أُصيبُوا قبْلَهَا بِمِثْلِهَا ، وَ لَنُ يُعَايِنُوا بَعْدَهَا أُخْتَهَا .
    فَلَمَّا مَضى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ لِسَبيلِهِ ، وَ قَدْ بَلَّغَ مَا أُرْسِلَ بِهِ ، وَ تَرَكَ كِتَابَ اللَّهِ وَ أَهْلَ بَيْتِهِ إِمَامَيْنِ لاَ يَخْتَلِفَانِ ، وَ أَخَوَيْنِ لاَ يَتَخَاذَلاَنِ ، وَ مُجْتَمِعَيْنِ لاَ يَتَفَرَّقَانِ ، تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ الأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ .
    وَ لَقَدْ قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ لأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِهِ مِنِّي بِقَميصي هذَا .
    فَوَ اللَّهِ مَا كَانَ يُلْقى في رَوْعي ، وَ لاَ يَخْطُرُ بِبَالي ، وَ لاَ عَرَضَ في رَأْيي ، أَنَّ وَجْهَ النَّاسِ إِلى غَيْري ، وَ أَنَّ الْعَرَبَ تُزْعِجُ هذَا الأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَ لاَ أَنَّهُمْ مُنَحُّوهُ عَنّي مِنْ بَعْدِهِ .
    فَلَمَّا أَبْطَؤُوا عَنّي بِالْوَلاَيَةِ لِهِمَمِهِمْ ، وَ تَثَبَّطَ الأَنْصَارُ ، وَ هُمْ أَنْصَارُ اللَّهِ وَ كَتيبَةُ الإِسْلاَمِ .
    هُمْ ، وَ اللَّهِ ، رَبُّوا الإِسْلاَمَ كَمَا يُرَبَّى الْفَلْوُ مَعَ غَنَائِهِمْ ، بِأَيْديهِمُ السِّبَاطِ ، وَ أَلْسِنَتِهِمُ السِّلاَطِ .
    وَ قَالُوا : أَمَّا إِذَا لَمْ تُسَلِّمُوهَا لِعَلِيٍّ فَصَاحِبُنَا أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ .
    فَوَ اللَّهِ مَا أَدْري إِلى مَنْ أَشْكُو ؟ .
    فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الأَنْصَارُ ظُلِمَتْ حَقَّهَا ، وَ إِمَّا أَنْ يَكُونُوا ظَلَمُوني حَقّي .
    بَلْ حَقِّيَ الْمَأْخُوذُ ، وَ أَنَا الْمَظْلُومُ .
    فَقَالَ قَائِلُ قُرَيْشٍ : إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ : الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَدَفَعُوا الأَنْصَارَ عَنْ دَعْوَتِهَا ، وَ مَنَعُوني حَقّي مِنْهَا .
    وَا عَجَباً أَتَكُونُ الْخِلاَفَةُ بِالصَّحَابَةِ ، وَ لاَ تَكُونُ بِالْقَرَابَةِ وَ الصَّحَابَةِ ؟ .
    فَإِنْ كُنْتَ بِالشُّورى مَلَكْتَ أُمُورَهُمْ
    فَكَيْفَ بِهذَا وَ الْمُشيرُونَ غُيَّبُ
    وَ إِنْ كُنْتَ بِالْقُرْبى حَجَجْتَ خَصيمَهُمْ
    فَغَيْرُكَ أَوْلى بِالنَّبِيِّ وَ أَقْرَبُ
    وَ لَقَدْ أَتَاني رَهْطٌ يَعْرِضُونَ النَّصْرَ عَلَيَّ ، مِنْهُمْ أَبْنَاءُ سَعيدٍ ، وَ الْمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ ، وَ أَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِي ، وَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، وَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ ، وَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ ، وَ الْبُرَاءُ بْنُ عَازِبٍ .
    فَقُلْتُ لَهُمْ : إِنَّ عِنْدي مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَهْداً ، وَ لَهُ إِلَيَّ وَصِيَّةٌ ، وَ لَسْتُ أُخَالِفُ مَا أَمَرَني بِهِ .
    فَوَ اللَّهِ لَوْ خَزَمُوني بِأَنْفي لأَقْرَرْتُ للَّهِ تَعَالى سَمْعاً وَ طَاعَةً .
    فَمَا رَاعَني إِلاَّ انْثِيَالُ النَّاسَ عَلى فُلاَنٍ ] وَ إِجْفَالُهُمْ إِلَيْهِ يُبَايِعُونَهُ .
    فَأَمْسَكْتُ يَدِي ، وَ رَأَيْتُ أَنّي أَوْلى وَ أَحَقُّ بِمَقَامِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فِي النَّاسِ مِمَّنْ تَوَلَّى الأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ .
    وَ قَدْ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ أَمَّرَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ عَلى جَيْشٍ وَ جَعَلَهُمَا في جَيْشِهِ ، وَ مَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ تَخَلَّفَ عَنْ جَيْشِ أُسَامَةَ ، إِذْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَدْ أَمَّرَهُ عَلَيْهِ وَ عَلى صَاحِبِهِ .
    وَ مَا زَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلى أَنْ فَاضَتْ نَفْسُهُ يَقُولُ : أَنْفِذُوا جَيْشَ أُسَامَةَ . أَنْفِذُوا جَيْشَ أُسَامَةَ .
    فَلَبِثْتُ بِذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، حَتَّى رَأَيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الإِسْلاَمِ ، يَدْعُونَ إِلى مَحْقِ دينِ اللَّهِ ، وَ مَحْوِ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ إِبْرَاهيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .
    فَخَشيتُ ، إِنْ أَنَا قَعَدْتُ وَ لَمْ أَنْصُرِ الإِسْلاَمَ وَ أَهْلَهُ ، أَنْ أَرى فيهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً ، تَكُونُ الْمُصيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمُ مِنْ فَوْتِ وِلاَيَتِكُمُ الَّتي إِنَّمَّا هِيَ مَتَاعُ أَيَّامٍ قَلاَئِلَ ، ثُمَّ يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ كَمَا يَزُولُ السَّرَابُ ، أَوْ يَنْقَشِعُ كَمَا يَنْقَشِعُ السَّحَابُ .
    وَ رَأَيْتُ النَّاسَ قَدِ امْتَنَعُوا بِقُعُودي عَنِ الْخُرُوجِ إِلَيْهِمْ ، فَمَشَيْتُ عِنْدَ ذَلِكَ إِلى أَبي بَكْرٍ فَبَايَعْتُهُ ، وَ كَانَتْ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَ لَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ .
    وَ لَوْ لاَ أَنّي فَعَلْتُ ذَلِكَ لَبَادَ الإِسْلاَمُ .
    وَ لَقَدْ كَانَ سَعْدٌ ، لَمَّا رَأَى النَّاسَ يُبَايِعُونَ أَبَا بَكْرٍ ، نَادى : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنّي ، وَ اللَّهِ ، مَا أَرَدْتُهَا حَتَّى رَأَيْتُكُمْ تَصْرِفُونَهَا عَنْ عَلِيٍّ ، وَ لاَ أُبَايِعُكُمْ حَتَّى يُبَايِعَكُمْ عَلِيٌّ ، وَ لَعَلّي لاَ أَفْعَلُ وَ إِنْ بَايَعَ . ثُمَّ رَكِبَ دَابَّتَهُ وَ أَتى « حَوْرَانَ » ، وَ أَقَامَ في خَانٍ في « عِنَان » حَتَّى هَلَكَ ، وَ لَمْ يُبَايِعْ .
    وَ قَامَ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرِو الأَنْصَارِيُّ ، وَ كَانَ يَقُودُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَرَسَيْنِ ،
    وَ يَصْرِمُ أَلْفَ وَسَقٍ مِنْ تَمْرٍ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْمَسَاكينَ ، فَنَادى : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، أَخْبِرُوني هَلْ فيكُمْ رَجُلٌ تَحِلُّ لَهُ الْخِلاَفَةُ وَ فيهِ مَا في عَلِيٍّ ؟ .
    فَقَالَ قَيْسُ بْنُ مَحْزَمَةَ الزُّهْرِيُّ : لَيْسَ فينَا مَنْ فيهِ مَا في عَلِيٍّ .
    فَقَالَ : صَدَقْتَ . فَهَلْ في عَلِيٍّ مَا لَيْسَ في أَحَدٍ مِنْكُمْ ؟ .
    قَالَ : نَعَمْ .
    قَالَ فَمَا صَدَّكُمْ عَنْهُ ؟ .
    قَالَ : اجْتِمَاعُ النَّاسِ عَلى أَبي بَكْرٍ .
    قَالَ : أَمَا ، وَ اللَّهِ ، لَئِنْ أَصَبْتُمْ سُنَّتَكُمْ فَقَدْ أَخْطَأْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ ، وَ لَوْ جَعَلْتُمُوهَا في أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ لأَكَلْتُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ .
    فَتَولَّى أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الأُمُورَ فَيَسَّرَ وَ سَدَّدَ ، وَ قَارَبَ وَ اقْتَصَدَ ، حَسَبَ اسْتِطَاعَتِهِ ، عَلى ضَعْفٍ وَ حَدٍّ كَانَا فيهِ ، فَصَحِبْتُهُ مُنَاصِحاً ، وَ أَطَعْتُهُ فيمَا أَطَاعَ اللَّهَ فيهِ جَاهِداً .
    وَ مَا طَمِعْتُ ، أَنْ لَوْ حَدَثَ بِهِ حَادِثٌ وَ أَنَا حَيٌّ أَنْ يَرُدَّ إِلَيَّ الأَمْرَ الَّذي نَازَعْتُهُ فيهِ طَمَعَ مُسْتَيْقِنٍ ،
    وَ لاَ يَئِسْتُ مِنْهُ يَأْسَ مَنْ لاَ يَرْجُوهُ .
    وَ لَوْ لاَ خَاصَّةٌ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ عُمَرَ ، وَ أَمْرٌ كَانَا رَضِيَاهُ بَيْنَهُمَا ، لَظَنَنْتُ أَنَّهُ لاَ يَعْدِلُهُ عَنّي .
    وَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِبُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ ، حينَ بَعَثَني وَ خَالِدَ بْنَ الْوَليدِ إِلَى الْيَمَنِ : إِذَا افْتَرَقْتُمَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا عَلى حِيَالِهِ ، وَ إِذَا اجْتَمَعْتُمَا فَعَلِيُّ عَلَيْكُمْ جَميعاً .
    فَغَزَوْنَا ، وَ أَصَبْنَا سَبْياً فيهِمْ بِنْتُ جَعْفَرَ جَارِ الصَّفَا . وَ إِنَّمَا سُمِّيَتْ جَارُ الصَّفَا لِحُسْنِهَا .
    فَأَخَذْتُ الْحَنَفِيَّةَ خَوْلَةَ وَ اغْتَنَمَهَا خَالِدٌ مِنّي ، وَ بَعَثَ بُرَيْدَةَ إِلى رَسُولِ اللَّهِ مُحَرِّشاً عَلَيَّ ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَخْذي خَوْلَةَ .
    فَقَالَ [ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ] : يَا بُرَيْدَةُ ، حَظُّهُ فِي الْخُمُسِ أَكْثَرُ مِمَّا أَخَذَ ، إِنَّهُ وَلِيُّكُمْ بَعْدي .
    سَمِعَهَا أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ ، وَ هذَا بُرَيْدَةُ حَيٌّ لَمْ يَمُتْ .
    فَهَلْ بَعْدَ هذَا مَقَالٌ لِقَائِلٍ ؟ .
    فَلَمَّا احْتُضِرَ بَعَثَ إِلى عُمَرَ فَوَلاَّهُ دُونَ الْمَشُورَةِ .
    وَ تَوَلَّى عُمَرُ الأَمْرَ فَأَقَامَ وَ اسْتَقَامَ ، فَسَمِعْنَا وَ أَطَعْنَا ، وَ بَايَعْنَا وَ نَاصَحْنَا ، عَلى عَسْفٍ وَ عَجْرَ فِيَّةٍ كَانَا فيهِ ، حَتَّى ضَرَبَ الدّينُ بِجِرَانِهِ .
    فَكَانَ مَرْضِيَّ السِّيَرةِ مِنْ النَّاسِ ، مَيْمُونَ النَّقيبَةِ عِنْدَهُمْ .
    حَتَّى إِذَا احْتُضِرَ قُلْتُ في نَفسي : لَيْسَ يَعْدِلُ بِهذَا الأَمْرِ عَنّي لِلَّذي قَدْ رَأى‏ مِنّي فِي الْمَوَاطِنَ ،
    وَ بَعْدَ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَا سَمِعَ .
    فَجَعَلَهَا عُمَرُ شُورى ، وَ جَعَلَني سَادِسَ سِتَّةٍ ، وَ أَمَرَ صُهَيْباً أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ، وَ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ زَيْدَ بْنَ سَعْدٍ الأَنْصَارِيَّ فَقَالَ لَهُ : كُنْ في خَمْسينَ رَجُلاً مِنْ قَوْمِكَ ، فَاقْتُلْ مَنْ أَبى أَنْ يَرْضى مِنْ هؤُلاَءِ السِّتَّةِ .
    ثُمَّ اخْتَلَفُوا عُثْمَانَ ثَالِثاً [ وَ هُوَ ] لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُ مِنْ أَمْرِ نَفْسِهِ شَيْئاً ، غَلَبَ عَلَيْهِ أَهْلُهُ ، فَقَادُوهُ إِلى أَهْوَائِهِمْ كَمَا تَقُودُ الْوَليدَةُ الْبَعيرَ الْمَخْطُومَ .
    فَلَمْ يَزَلِ الأَمْرُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ النَّاسِ يَبْعُدُ تَارَةً وَ يَقْرُبُ أُخْرى ، حَتَّى نَزَوْا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ .
    فَالْعَجَبُ مِنِ اخْتِلاَقِ الْقَوْمِ ، إِذْ زَعَمُوا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَخْلَفَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ .
    فَلَوْ كَانَ هذَا حَقّاً لَمْ يَخْفَ عَلَى الأَنْصَارِ فَبَايَعَهُ النَّاسُ عَلى شُورى .
    ثُمَّ جَعَلَهَا أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ بِرَأْيِهِ خَاصَّةً .
    ثُمَّ جَعَلَهَا عُمَرُ بِرَأْيِهِ شُورى بَيْنَ سِتَّةٍ .
    فَهذَا الْعَجَبُ مِنِ اخْتِلاَقِهِمْ .
    وَ الدَّليلُ عَلى مَا لاَ أُحِبُّ أَنْ أَذْكُرَ قَوْلُهُ : هؤُلاَءِ الرَّهْطُ الَّذينَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ ، فَكَيْفَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ قَوْمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَسُولُهُ ؟ .
    إِنَّ هذَا لأَمْرٌ عَجيبٌ .
    وَ لَمْ يَكُونُوا لِوِلاَيَةِ أَحَدٍ أَشَدَّ كَرَاهِيَةً مِنْهُمْ لِوِلاَيَتي عَلَيْهِمْ ، لأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْمَعُونَني عِنْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ أَنَا أُحَاجُّ أَبَا بَكْرٍ وَ أَقُولُ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ أَحَقُّ بِهذَا الأَمْرِ مِنْكُمْ مَا كَانَ مِنْكُمْ مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ، وَ يَعْرِفُ السُّنَّةَ ، وَ يَدينُ بِدينِ اللَّهِ الْحَقِّ ؟ .
    أَنَا ، وَ اللَّهِ ، أَوْلى بَهذَا الأَمْرِ مِنْكُمْ ، وَ أَنْتُمْ أَوْلى بِالْبَيْعَةِ لي .
    وَ إِنَّمَا حُجَّتي أَنّي وَلِيُّ هذَا الأَمْرِ دُونَ قُرَيْشٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَالَ : الْوِلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ .
    فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِعِتْقِ الرِّقَابِ مِنَ النَّار ، وَ بِعِتْقِهَا مِنَ السَّيْفِ ، وَ هذَانِ لَمَّا اجْتَمَعَا كَانَا أَفْضَلَ مِنْ عِتْقِ الرِّقَابِ مِنَ الرِّقِّ .
    فَكَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وِلاَءُ هذِهِ الأُمَّةِ . وَ كَانَ لي بَعْدَهُ مَا كَانَ لَهُ .
    أَخَذْتُمْ هذَا الأَمْرَ مِنَ الأَنْصَارِ وَ احْتَجَجْتُمْ عَلَى الْعَرَبْ بِالْقَرَابَةِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ، وَ تَأْخُذُونَهُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ غَصْباً وَ ظُلْماً ؟ .
    أَلَسْتُمْ زَعَمْتُمْ لِلأَنْصَارِ أَنَّكُمْ أَوْلى بِهذَا الأَمْرِ مِنْهُمْ لِمَكَانِكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ لَمَّا كَانَ مُحَمَّدٌ مِنْكُمْ . فَأَعْطَوْكُمُ الْمَقَادَةَ ، وَ سَلَّمُوا إِلَيْكُمُ الإِمَارَةَ ؟ .
    وَ أَنَا أَحْتَجُّ عَلَيْكُمْ بِمِثْلِ مَا احْتَجَجْتُمْ بِهِ عَلَى الأَنْصَارِ وَ الْعَرَبِ .
    أَنَا أَوْلى بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ مِنْكُمْ حَيّاً وَ مَيِّتاً .
    وَ أَنَا وَصِيُّهُ وَ وَزيرُهُ ، وَ مُسْتَوْدَعُ عِلْمِهِ وَ سِرِّهِ .
    وَ أَنَا الصِّدّيق الأَكْبَرُ ، أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ صَدَّقَهُ .
    وَ أَحْسَنُكُمْ بَلاءً في جِهَادِ الْمُشْرِكينَ ، وَ أَعْرَفُكُمْ بِالْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ ، وَ أَفْقَهُكُمْ في الدّينِ ، وَ أَعْلَمُكُمْ بِعَوَاقِبِ الأُمُورِ ، وَ أَذْرَبُكُمْ لِسَاناً ، وَ أَثْبَتُكُمْ جَنَاناً .
    فَمَا جَازَ لِقُرَيْشٍ مِنْ فَضْلِهَا عَلَى الْعَرَبِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ جَازَ لِبَني هَاشِمٍ عَلى قُرَيْشٍ ، وَ مَا [ جَازَ ] لِبَني هَاشِمٍ عَلى قُرَيْشٍ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ جَازَ لي عَلى بَني هَاشِمٍ ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يَوْمَ غَديرِ خُمٍّ : مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَهذَا عَلِيٌّ مَوْلاَهُ .
    إِلاَّ أَنْ تَدَّعِيَ قُرَيْشٌ فَضْلَهَا عَلَى الْعَرَبِ بِغَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ، فَإِنْ شَاؤُوا فَلْيَقُولُوا ذَلِكَ .
    فَعَلاَمَ تُنَازِعُونَا هذَا الأَمْرَ ؟ .
    أَنْصِفُونَا مِنْ أَنْفُسِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَخَافُونَ اللَّهَ ، وَ اعْرِفُوا لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِثْلَ مَا عَرَفَتْهُ الأَنْصَارُ لَكُمْ ، وَ إِلاَّ فَبُوؤُوا بِالظُّلْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ .
    فَنَظَرْتُ في أَمْري ، فَإِذَا طَاعَتي قَدْ سَبَقَتْ بَيْعَتي ، وَ إِذَا الْميثَاقُ في عُنُقي لِغَيْري .
    فَخَشِيَ الْقَوْمُ إِنْ أَنَا وَليتُ عَلَيْهِمْ أَنْ آخُذَ بِأَنْفَاسِهِمْ ، وَ أَعْتَرِضَ في حُلُوقِهِمْ ، وَ لاَ يَكُونَ لَهُمْ فِي الأَمْرِ نَصيبٌ مَا بَقَوْا ، فَأَجْمَعُوا عَلَيَّ إِجْمَاعَ رَجُلٍ وَاحِدٍ حَتَّى صَرَفُوا الْوِلاَيَةَ إِلى عُثْمَانَ ، وَ أَخْرَجُوني مِنَ الإِمْرَةِ عَلَيْهِمْ رَجَاءَ أَنْ يَنَالُوهَا وَ يَتَدَاوَلُوهَا فيمَا بَيْنَهُمْ إِذْ يَئِسُوا أَنْ يَنَالُوهَا مِنْ قِبَلي .
    فَبَيْنَاهُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادى مُنَادٍ لاَ يُدْرى مَنْ هُوَ ، وَ أَظُنُّهُ جِنِّيّاً ، فَأَسْمَعَ أَهْلَ الْمَدينَةِ لَيْلَةَ بَايَعُوا عُثْمَانَ فَقَالَ :
    يَا نَاعِيَ الإِسْلاَمِ قُمْ فَانْعِهِ
    قَدْ مَاتَ عُرْفٌ وَ بَدَا مُنْكَرُ
    مَا لِقُرَيْشٍ لاَ عَلا كَعْبُهَا
    مَنْ قَدَّمُوا الْيَوْمَ وَ مَنْ أَخَّرُوا
    إِنَّ عَلِيّاً هُوَ أَوْلى بِهِ
    مِنْهُ فَوَلُّوهُ وَ لاَ تُنْكِرُوا
    فَكَانَ لَهُمْ في ذَلِكَ عِبْرَةٌ .
    وَ لَوْ لاَ أَنَّ الْعَامَّةَ قَدْ عَلِمَتْ بِذَلِكَ لَمْ أَذْكُرْهُ .
    ثُمَّ دَعَوْني إِلى بَيْعَةِ عُثْمَانَ ، فَقَالُوا : هَلُمَّ بَايِعْ ، وَ إِلاَّ جَاهَدْنَاكَ . فَبَايَعْتُ مُسْتَكْرَهاً ، وَ صَبَرْتُ مُحْتَسِباً ، وَ عَلَّمْتُ أَهْلَ الْقُنُوتِ أَنْ يَقُولُوا : اللَّهُمَّ لَكَ أَخْلَصَتِ الْقُلُوبُ ، وَ إِلَيْكَ شَخَصَتِ الأَبْصَارُ ،
    وَ أَنْتَ دُعيتَ بِالأَلْسُنِ ، وَ إِلَيْكَ تُحُوكِمَ فِي الأَعْمَالِ ، فَافْتَحْ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ . اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ غَيْبَةَ نَبِيِّنَا ، وَ كَثْرَةَ عَدُوِّنَا ، وَ قِلَّةَ عَدَدِنَا ، وَ هَوَانَنَا عَلَى النَّاسِ ، وَ شِدَّةَ الزَّمَانِ ، وَ وُقُوعَ الْفِتَنِ .
    اَللَّهُمَّ فَفَرِّج ذَلِكَ بِعَدْلٍ تُظْهِرُهُ ، وَ سُلْطَانِ حَقٍّ تَعْرِفُهُ .
    وَ قَالَ لي قَائلٌ مِنْهُمْ : إِنَّكَ عَلَى الأَمْرِ ، يَا ابْنَ أَبي طَالِبٍ ، لَحَريصٌ .
    فَقُلْتُ : لَسْتُ عَلَيْهِ حَريصاً ، بَلْ أَنْتُمْ ، وَ اللَّهِ ، لأَحْرَصُ عَلَيْهِ مِنِّي وَ أَبْعَدُ ، وَ أَنَا أَخَصُّ وَ أَقْرَبُ .
    أَيُّنَا أَحْرَصُ ، أَنَا الَّذي إِنَّمَا طَلَبْتُ ميرَاثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، وَ حَقّاً لي جَعَلَنِيَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَوْلى بِهِ ، وَ أَنَّ وِلاَءَ أُمَّتِهِ لي مِنْ بَعْدِهِ ، أَمْ أَنْتُمُ إِذْ تَحُولُونَ بَيْني وَ بَيْنَهُ ، وَ تَضْرِبُونَ وَجْهِيَ دُونَهُ بِالسَّيْفِ .
    فَلَمَّا قَرَعْتُهُ بِالْحُجَّةِ فِي الْمَلأِ الْحَاضِرينَ ، هَبَّ كَأَنَّهُ بُهِتَ ، لاَ يَدْري مَا يُجيبُني بِهِ ، وَ اللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمينَ .
    اَللَّهُمَّ إِنّي أَسْتَعْديكَ عَلى قُرَيْشٍ وَ مَنْ أَعَانَهُمْ . اَللَّهُمَّ فَخُذْ بِحَقّي مِنْهُم ، وَ لا تَدَعْ مَظْلَمَتي لَهُمْ ، إِنَّكَ الْحَكَمُ الْعَدْلُ ، فَإِنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوا رَحِمي ، وَ أَكْفَأُوا إِنَائِي ، وَ أَضَاعُوا أَيَّامي ، وَ دَفَعُوا حَقّي ،
    وَ صَغَّرُوا قَدْرِي وَ فَضْلي وَ عَظيمَ مَنْزِلَتي ، وَ اسْتَحَلُّوا الْمَحَارِمَ مِنّي ، وَ أَجْمَعُوا عَلى مُنَازَعَتي حَقّاً كُنْتُ أَوْلى بِهِ مِنْ غَيْري ، فَسَلَبُونيهِ ، ثُمَّ قَالُوا : إِنَّكَ لَحَريصٌ مُتَّهَمٌ ، أَلاَ إِنَّ فِي الْحَقِّ أَنْ نَأْخُذَهُ ، وَ فِي الْحَقِّ أَنْ تُمْنَعَهُ ، فَاصْبِرْ مَغْمُوماً كَمِداً ، أَوْ مُتْ مُتَأَسِّفاً حَنِقاً .
    وَ أَيْمُ اللَّهِ لَوِ اسْتَطَاعُوا أَنْ يَدْفَعُوا قَرَابَتي كَمَا قَطَعُوا سَبَبي فَعَلُوا ، وَ لكِنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا إِلى ذَلِكَ سَبيلاً .
    وَ إِنَّمَا حَقّي عَلى هذَهِ الأُمَّةِ كَرَجُلٍ لَهُ حَقٌّ عَلى قَوْمٍ إِلى أَجَلٍ مَعْلُومٍ ، فَإِنْ أَحْسَنُوا وَ عَجَّلُوا لَهُ حَقَّهُ قَبِلَهُ حَامِداً ، وَ إِنْ أَخَّرُوهُ إِلى أَجَلِهِ أَخَذَهُ غَيْرَ حَامِدٍ .
    وَ لاَ يُعَابُ الْمَرْءُ بِتَأْخيرِ حَقِّهِ ، إِنَّمَا يُعَابُ مَنْ أَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ .
    وَ قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَهِدَ إِلَيَّ عَهْداً ، فَقَالَ : يَا ابْنَ أَبي طَالِبٍ ، لَكَ وِلاَءُ أُمَّتي مِنْ بَعْدي ، فَإِنْ وَلَّوْكَ في عَافِيَةٍ ، وَ أَجْمَعُوا عَلَيْكَ بِالرِّضَا ، فَقُمْ بِأَمْرِهِمْ . وَ إِنِ اخْتَلَفُوا عَلَيْكَ فَدَعْهُمْ وَ مَا هُمْ فيهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ سَيَجْعَلُ لَكَ مَخْرَجاً .
    فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لي مُعينٌ وَ لاَ رَافِدٌ وَ لاَ ذَابٌّ ، وَ لاَ مَعي نَاصِرٌ وَ لاَ مُسَاعِدٌ ، إِلاَّ أَهْلُ بَيْتي ،
    فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَنِ الْمَوْتِ [ وَ ] الْمَنِيَّةِ .
    وَ لَوْ كَانَ لي بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَمّي حَمْزَةٌ وَ أَخي جَعْفَرُ لَمْ أُبَايِعْ كُرْهاً ،
    وَ لكِنّي بُليتُ بِرَجُلَيْنِ حَديثَيْ عَهْدٍ بِالإِسْلاَمِ : الْعَبَّاسِ وَ عَقيلٍ .
    فَأَغْضَيْتُ عَيْني عَلَى الْقَذى ، وَ جَرِعْتُ ريقي عَلَى الشَّجَا ، وَ صَبَرْتُ مِنْ كَظْمِ الْغَيْظِ عَلى أَمَرَّ مِنَ طَعْمِ الْعَلْقَمِ ، وَ آلَمَ لِلْقَلْبِ مِنْ وَخْزِ الشِّفَارِ ، وَ أَخْذِ الْكَظَمِ .
    يتبع

  • #2
    [/FONT][/SIZE]
    وَ أَمَّا أَمْرُ عُثْمَانَ فَكَأَنَّهُ عِلْمٌ مِنَ الْقُرُونِ الأُولى عِلْمُهَا عِنْدَ رَبّي في كِتَابٍ لاَ يَضِلُّ رَبّي وَ لاَ يَنْسى .
    خَذَلَهُ أَهْلُ بَدْرٍ ، وَ قَتَلَهُ أَهْلُ مِصْرَ .
    وَ اللَّهِ مَا أَمَرْتُ بِهِ وَ لاَ نَهَيْتُ عَنْهُ ، وَ لَوْ أَنَّني أَمَرْتُ بِهِ لَكُنْتُ قَاتِلاً ، أَوْ أَنّي نَهَيْتُ عَنْهُ لَكُنْتُ نَاصِراً ، وَ كَانَ الأَمْرُ لاَ يَنْفَعُ فيهِ الْعَيَانُ ، وَ لاَ يُشْفي مِنْهُ الْخَبَرُ .
    غَيْرَ أَنَّ مَنْ نَصَرَهُ لاَ يَسْتَطيعُ أَنْ يَقُولَ : خَذَلَهُ مَنْ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ، وَ مَنْ خَذَلَهُ لاَ يَسْتَطيعُ أَنْ يَقُولَ : نَصَرَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنّي .
    وَ أَنَا جَامِعٌ لَكُمْ أَمْرَهُ :
    إِسْتَأْثَرَ عُثْمَانُ [ فَأَسَاءَ الأَثَرَةَ ، وَ جَزِعْتُمْ فَأَسَأْتُمُ الْجَزَعَ ، وَ للَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ حُكْمٌ وَاقِعٌ فِي الْمُسْتَأْثِرِ وَ الْجَازِعِ .
    وَ اللَّهِ مَا يَلْزَمُني في دَمِ عُثْمَانَ تُهْمَةٌ ، مَا كُنْتُ إِلاَّ رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمينَ الْمُهَاجِرينَ في بَيْتي ،
    فَلَمَّا نَقَمْتُمْ عَلَيْهِ أَتَيْتُمُوهُ فَ قَتَلْتُمُوهُ ، ثُمَّ جِئْتُمُوني رَاغِبينَ إِلَيَّ في أَمْرِكُمْ ، حَتَّى اسْتَخْرَجْتُمُوني مِنْ مَنْزِلي [ 10 ] لِتُبَايِعُوني .
    فَأَبَيْتُ عَلَيْكُمْ وَ أَبَيْتُمْ عَلَيَّ ، وَ أَمْسَكْتُ يَدِيَ فَنَازَعْتُمُوني وَ دَافَعْتُمُوني ، [ وَ بَسَطْتُمْ يَدِيَ فَكَفَفْتُهَا ، وَ مَدَدْتُمُوهَا فَقَبَضْتُهَا .
    فَالْتَوَيْتُ عَلَيْكُمْ لأَبْلُوَ مَا عِنْدَكُمْ ، فَرَادَدْتُمُونِيَ الْقَوْلَ مِرَاراً وَ رَادَدْتُكُمْ .
    ثُمَّ تَدَاكَكْتُمْ عَلَيَّ تَدَاكَّ الإِبِلِ الْهيمِ عَلى حِيَاضِهَا يَوْمَ وِرْدِهَا ، وَ قَدْ أَرْسَلَهَا رَاعيهَا ،
    وَ خُلِعَتْ مَثَانيهَا ، حِرْصاً عَلى بَيْعَتي ، حَتَّى انْقَطَعَتِ النَّعْلُ ، وَ سَقَطَ الرِّدَاءُ ، وَ وُطِئَ الضَعيفُ .
    وَ ازْدَحَمْتُمْ عَلَيَّ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّكُمْ قَاتِلي أَوْ أَنَّ بَعْضَكُمْ قَاتِلُ بَعْضٍ لَدَيَّ ، فَقُلْتُمْ : بَايِعْنَا ، فَإِنَّا لاَ نَجِدُ غَيْرَكَ ، وَ لاَ نَرْضى إِلاَّ بِكَ ، بَايِعْنَا ، لاَ نَفْتَرِقُ وَ لاَ تَخْتَلِفُ كَلِمَتُنَا .
    فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ مِنْكُمْ رَوَيْتُ في أَمْري وَ أَمْرِكُمْ ، وَ قُلْتُ : إِنْ أَنَا لَمْ أُجِبْهُمْ إِلَى الْقِيَامِ بِأَمْرِهِمْ لَمْ يُصيبُوا أَحَداً يَقُومُ فيهِمْ مَقَامي ، وَ يَعْدِلُ فيهِمْ عَدْلي .
    وَ قُلْتُ : وَ اللَّهِ لأَلِيَنَّهُمْ وَ هُمْ يَعْرِفُونَ حَقّي وَ فَضْلي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَلُوني وَ هُمْ لاَ يَعْرِفُونَ حَقّي وَ فَضْلي .
    فَبَايَعْتُمُوني ، يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمينَ ، عَلى كِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ فيكُمُ الْمُهَاجِرُونَ وَ الأَنْصَارُ وَ التَّابِعُونَ بِإِحْسَانٍ [ 5 ] .
    وَ بَلَغَ مِنْ سُرُورِ النَّاسِ بِبَيْعَتِهِمْ إِيَّايَ أَنِ ابْتَهَجَ بِهَا الصَّغيرُ ، وَ هَدَجَ إِلَيْهَا الْكَبيرُ ، وَ تَحَامَلَ نَحْوَهَا الْعَليلُ ، وَ حَسَرَتْ إِلَيْهَا الْكِعَابُ .
    فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَني طَلْحَةُ وَ الزُّبَيْرُ ، فَقَالاَ : نُبَايِعُكَ عَلى أَنَّا شُرَكَاؤُكَ في هذَا الأَمْرِ .
    فَقُلْتُ : لاَ ، وَ لكِنَّكُمَا شَريكَانِ فِي الْقُوَّةِ وَ الاِسْتِعَانَةِ ، وَ عَوْنَانِ عَلَى الْعَجْزِ وَ الأَوَدِ .
    فَبَايَعَاني عَلى هذَا الأَمْرِ ، وَ لَوْ أَبَيَا مَا أَكْرَهْتُهُمَا ، كَمَا لَمْ أُكْرِهْ غَيْرَهُمَا .
    وَ كَانَ طَلْحَةُ يَرْجُو الْيَمَنَ ، وَ الزُّبَيْرُ يَرْجُو الْعِرَاقَ ، فَلَمَّا عَلِمَا أَنّي غَيْرُ مُوَلِّيهِمَا لَمْ يَلْبَثَا إِلاَّ يَسيراً حَتَّى اسْتَأْذَنَاني لِلْعُمْرَةِ وَ هُمَا يُريدَانِ الْغَدْرَةَ ، فَأَتَيَا عَائِشَةَ وَ اسْتَخَفَّاهَا مَعَ شَيْ‏ءٍ كَانَ في نَفْسِهَا عَلَيَّ .
    مَعَاشِرَ النَّاسِ ، إِنَّ النِّسَاءَ نَوَاقِصُ الإيمَانِ . نَوَاقِصُ الْعُقُولِ . نَوَاقِصُ الحُظُوظِ .
    فَأَمَّا نُقْصَانُ إيمَانِهِنَّ ، فَقُعُودُهُنَّ عَنِ الصَّلاَةِ وَ الصِّيَامِ في أَيَّامِ حَيْضِهِنَّ .
    وَ أَمَّا نُقْصَانُ عُقُولِهِنَّ ، فَلاَ شَهَادَةَ لَهُنَّ إِلاَّ فِي الدَّيْنِ ، وَ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ مِنْهُنَّ كَشَهَادَةِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ .
    وَ أَمَّا نُقْصَانُ حُظُوظِهِنَّ ، فَمَوَاريثُهُنَّ عَلَى الأَنْصَافِ مِنْ مَوَاريثِ الرِّجَالِ .
    فَاتَّقُوا شِرَارَ النَّسَاءِ وَ كُونُوا مِنْ خِيَارِهِنَّ عَلى حَذَرٍ .
    وَ لاَ تُطيعُوهُنَّ فِي الْمَعْرُوفِ حَتَّى لاَ يَطْمَعْنَ فِي الْمُنْكَرِ .
    [ وَ ] لاَ تُطْلِعُوهُنَّ عَلى حَالٍ ، وَ لاَ تَأْمَنُوهُنَّ عَلى مَالٍ ، وَ لاَ تَذَرُوهُنَّ إِلاَّ لِتَدْبيرِ الْعِيَالِ .
    فَإِنَّهُنَّ إِنْ تُرِكْنَ وَ مَا يُرِدْنَ أَوْرَدْنَ الْمَهَالِكَ ، وَ أَفْسَدْنَ الْمَمَالِكَ [ 9 ] . فَإِنَّا وَجَدْنَاهُنَّ لاَ وَرَعَ لَهُنَّ عِنْدَ حَاجَتِهِنَّ ، وَ لاَ صَبْرَ لَهُنَّ عِنْدَ شَهْوَتِهِنَّ .
    اَلْبَذْخُ لَهُنَّ لاَزِمٌ وَ إِنْ كَبُرْنَ ، وَ الْعُجْبُ لَهُنَّ لاَحِقٌ وَ إِنْ عَجُزْنَ .
    رِضَاهُنَّ في فُرُوجِهِنَّ .
    لاَ يَشْكُرْنَ الْكَثيرَ إِذَا مُنِعْنَ الْقَليلَ .
    يَنْسَيْنَ الْخَيْرَ ، وَ يَحْفَظْنَ الشَّرَّ .
    يَتَهَافَتْنَ فِي الْبُهْتَانِ ، وَ يَتَمَادَيْنَ فِي الطُّغْيَانِ ، وَ يَتَصَيَّدْنَ لِلشَّيْطَانِ .
    فَدَارُوهُنَّ عَلى كُلِّ حَالٍ ، وَ أَحْسِنُوا لَهُنَّ الْمَقَالَ ، لَعَلَّهُنَّ يُحْسِنَّ الْفِعَالَ .
    وَ قَادَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ إِلَى الْبَصْرَةِ ، وَ ضَمِنَ لَهُمَا الأَمْوَالَ وَ الرِّجَالَ .
    فَخَرَجُوا يَجُرُّونَ حُرْمَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ كَمَا تُجَرُّ الأَمَةُ عِنْدَ شِرَائِهَا ،
    مُتَوَجِّهينَ بِهَا إِلَى الْبَصْرَةِ .
    فَبَيْنَاهُمَا يَقُودَانِهَا إِذْ هِيَ تَقُودُهُمَا .
    فَاتَّخَذَاهَا دَريئَةً يُقَاتِلاَنِ بِهَا .
    فَأَيُّ خَطيئَةٍ أَعْظَمُ مِمَّا أَتَيَا ، حَبَسَا نِسَاءَهُمَا في بُيُوتِهِمَا ، وَ أَبْرَزَا حَبيسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ لَهُمَا وَ لِغَيْرِهِمَا مِنْ بَيْتِهَا ، فَكَشَفَا عَنْهَا حِجَاباً سَتَرَهُ اللَّهُ جَلَّ اسْمُهُ عَلَيْهَا ، وَ مَا أَنْصَفَا اللَّهَ وَ لاَ رَسُولَهُ مِنْ أَنْفُسِهِمَا .
    فَأَصَابُوا ثَلاَثاً بِثَلاَثِ خِصَالٍ مَرْجِعُهَا عَلَى النَّاسِ في كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ :
    اَلْبَغْيُ ، وَ النَّكْثُ وَ الْمَكْرُ .
    قَالَ اللَّهُ تَعَالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ .
    وَ قَالَ : وَ مَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ .
    وَ قَالَ : وَ لاَ يَحيقُ الْمَكْرُ السَّيِ‏ءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ .
    فَقَدْ ، وَ اللَّهِ ، بَغَيَا عَلَيَّ ، وَ نَكَثَا بَيْعَتي ، وَ مَكَرَا بي .
    [ أَيُّهَا النَّاسُ ، ] إِنّي مُنيتُ بِأَطْوَعِ النَّاسِ فِي النَّاسِ عَائِشَةَ بِنْتِ أَبي بَكْرٍ ، وَ بِأَشْجَعِ النَّاسِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ ، وَ بِأَخْصَمِ النَّاسِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ . وَ أَعَانَهُمُ عَلَيَّ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ التَّميمِيُّ بِأَصْوُعِ الدَّنَانيرِ . وَ اللَّهِ لَئِنِ اسْتَقَامَ أَمْري لأَجْعَلَنَّ مَالَهُ فَيْئاً لِلْمُسُلِمينَ .
    ثُمَّ أَتَوُا الْبَصْرَةَ في جَيْشٍ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلاَّ وَ قَدْ أَعْطَانِيَ الطَّاعَةَ ، وَ سَمَحَ لي بِالْبَيْعَةِ ،
    طَائِعاً غَيْرَ مُكْرَهٍ ، فَقَدِمُوا عَلى عُمَّالي بِهَا ، وَ خُزَّانِ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمينَ الَّذي في يَدِي ، وَ عَلى غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ مِصْرِي الَّذينَ كُلُّهُمْ مُجْتَمِعُونَ في طَاعَتي وَ عَلى بَيْعَتي ، وَ بِهَا شيعَتي ، فَدَعَوُا النَّاسَ إِلى مَعْصِيَتي ، وَ إِلى نَقْضِ بَيْعَتي وَ طَاعَتي ، فَمَنْ أَطَاعَهُمْ أَكْفَرُوهُ ، وَ مَنْ عَصَاهُمْ قَتَلُوهُ .
    فَشَتَّتُوا كَلِمَتَهُمْ ، وَ أَفْسَدُوا عَلَيَّ جَمَاعَتَهُمْ ، فَنَاجَزَهُمْ حُكَيْمُ بْنُ جَبَلَةَ الْعَبْدِيُّ ، فَقَتَلُوهُ في سَبْعينَ رَجُلاً مِنْ عُبَّادِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَ مُخْبِتيهِمْ يُسَمَّوْنَ الْمُثَفَّنينَ ، كَأَنَّ رَاحَ أَكُفِّهِمْ [ وَ جَبَهَاتِهِمْ ] ثَفِنَاتُ الإِبِلِ .
    وَ أَبى أَنْ يُبَايِعَهُمْ يَزيدُ بْنُ الْحَارثِ الْيَشْكُرِيُّ ، وَ هُوَ شَيْخُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَوْمَئِذٍ ، فَقَالَ : اتَّقِيَا اللَّهَ ، إِنَّ أَوَّلَكُمْ قَادَنَا إِلَى الْجَنَّةِ ، فَلاَ يَقُودُنَا آخِرُكُمْ إِلَى النَّارِ ، فَلاَ تُكَلِّفُونَا أَنْ نُصَدِّقَ الْمُدَّعِيَ ، وَ نَقْضِيَ عَلَى الْغَائِبِ .
    أَمَّا يَميني فَقَدَ شَغَلَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبي طَالِبٍ بِبَيْعَتي إِيَّاهُ ، وَ أَمَّا شِمَالي فَهذِهِ خُذَاهَا فَارِغَةٌ إِنْ شِئْتُمَا .
    فَخُنِقَ حَتَّى مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
    وَ قَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَكيمِ التَّميمي فَقَالَ : يَا طَلْحَةُ ، هَلْ تَعْرِفُ هذَا الْكِتَابَ ؟ .
    قَالَ : نَعَمْ . هذَا كِتَابي إِلَيْكَ .
    قَالَ : هَلْ تَدْري مَا فيهِ ؟ .
    قَالَ : اقْرَأْهُ عَلَيَّ .
    فَقَرَأَ ، فَإِذَا فيهِ عَيْبُ عُثْمَانَ ، وَ دُعَاؤُهُ إِلى قَتْلِهِ .
    فَسَيَّرُوهُ مِنَ الْبَصْرَةِ .
    فَقَامَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنِ الْخُزَاعِيُّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ، وَ هُوَ الَّذي جَاءَتْ فيهِ الأَحَاديثُ ، وَ قَالَ : يَا هذَانِ ، لاَ تُخْرِجَانَا بِبَيْعَتِكُمَا مِنْ طَاعَةِ عَلِيٍّ وَ لاَ تَحْمِلاَنَا عَلى نَقْضِ بَيْعَتِهِ ، فَإِنَّهَا للَّهِ رِضى .
    أَمَا وَسِعَتْكُمَا بُيُوتُكُمَا حَتَّى أَتَيْتُمَا بِأُمِّ الْمُؤْمِنينَ ؟ .
    فَالْعَجَبُ لاخْتَلاَفِهَا إِيَّاكُمَا ، وَ مَسيرِهَا مَعَكُمَا .
    فَكُفَّا عَنَّا أَنْفُسَكُمَا وَ ارْجِعَا مِنْ حَيْثُ جِئْتُمَا ، فَلَسْنَا عَبيدَ مَنْ غَلَبَ ، وَ لاَ أَوَّلَ مَنْ سَبَقَ .
    فَهَمَّا بِهِ ثُمَّ كَفَّا عَنْهُ .
    ثُمَّ أَخَذُوا عَامِلي عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفَ أَميرَ الأَنْصَارِ غَدْراً ، فَمَثَّلُوا بِهِ كُلَّ الْمُثْلَةِ ، وَ نَتَفُوا كُلَّ شَعْرَةٍ في رَأْسِهِ وَ وَجْهِهِ .
    وَ وَثَبُوا عَلى شيعَتي مِنَ الْمُسْلِمينَ ، فَقَتَلُوا طَائِفَةً مِنْهُمْ صَبْراً ، وَ طَائِفَةً مِنْهُمْ غَدْراً ، وَ طَائِفَةٌ غَضِبُوا للَّهِ وَلي فَ عَضُّوا عَلى أَسْيَافِهِمْ فَضَارَبُوا بِهَا حَتَّى لَقُوا اللَّهَ صَادِقينَ .
    فَوَ اللَّهِ لَوْ لَمْ يُصيبُوا مِنَ الْمُسْلِمينَ إِلاَّ رَجُلاً وَاحِداً مُتَعَمِّدينَ لِقَتْلِهِ ، بِلاَ جُرْمٍ جَرَّهُ ،
    لَحَلَّ لي قِتَالُهُمْ وَ قَتْلُ ذَلِكَ الْجَيْشِ كُلِّهِ ، لِرِضَاهُمْ بِقَتْلِ مَنْ قُتِلَ ، إِذْ حَضَرُوهُ فَلَمْ يُنْكِرُوا ، وَ لَمْ يَدْفَعُوا عَنْهُ بِلِسَانٍ وَ لاَ بِيَدٍ .
    دَعْ مَا إِنَّهُمْ قَدْ قَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمينَ مِثْلَ الْعِدَّةِ الَّتي دَخَلُوا بِهَا عَلَيْهِمْ .
    وَ قَدْ أَدَال اللَّهُ مِنْهُمْ ، فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمينَ .
    فَأَمَّا طَلْحَةُ فَرَمَاهُ مَرْوَانُ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ .
    وَ أَمَّا الزُّبَيْرُ فَذَكَّرْتُهُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ : إِنَّكَ تُقَاتِلُ عَلِيّاً وَ أَنْتَ ظَالِمٌ لَهُ .
    فَرَجَعَ مِنَ الْحَرْبِ عَلى عَقِبِهِ .
    وَ أَمَّا عَائِشَةُ فَإِنَّهَا كَانَت نَهَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَنْ مَسيرِهَا ، فَعَضَّتْ يَدَيْهَا نَادِمَةً عَلى مَا كَانَ مِنْهَا .
    وَ قَدْ كَانَ طَلْحَةُ لَمَّا نَزَلَ « ذَاقَارٍ » قَامَ خَطيباً فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّا أَخْطَأْنَا في عُثْمَانَ خَطيئَةً مَا يُخْرِجُنَا مِنْهَا إِلاَّ الطَّلَبُ بِدَمِهِ ، وَ عَلِيٌّ قَاتِلُهُ وَ عَلَيْهِ دَمُهُ .
    وَ قَدْ نَزَلَ دَاراً مَعَ شُكَّاكِ الْيَمَنِ وَ نَصَارى رَبيعَةَ وَ مُنَافِقي مُضَرَ .
    فَلَمَّا بَلَغَني قَوْلُهُ وَ قَوْلٌ كَانَ عَنِ الزُّبَيْرِ قَبيحٌ ، كَتَبْتُ إِلَيْهِمَا أُنَاشِدُهُمَا بِحَقِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ، أَمَا أَتَيْتُمَاني وَ أَهْلُ مِصْرَ مُحَاصِرُو عُثْمَانَ ، فَقُلْتُمَا : اذْهَبْ بِنَا إِلى هذَا الرَّجُلِ فَإِنَّا لاَ نَسْتَطيعُ قَتْلَهُ إِلاَّ بِكَ ، لِمَا تَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَّرَ أَبَا ذَرٍّ ، رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَ فَتَقَ عَمَّاراً ، وَ آوَى الْحَكَمَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ ، وَ قَدْ طَرَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ ، وَ اسْتَعْمَلَ الْفَاسِقَ عَلى كِتَابِ اللَّهِ الْوَليدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبي مُعَيْطٍ ، وَ سَلَّطَ خَالِدَ بْنَ عُرْفُطَةَ الْعُذْرِيَّ عَلى كِتَابِ اللَّهِ يُمَزِّقُهُ وَ يُحْرِقُهُ ؟ .
    فَقُلْتُ : كُلُّ هذَا قَدْ عَلِمْتُ ، وَ لاَ أَرى قَتْلَهُ يَوْمي هذَا ، وَ أَوْشَكَ سِقَاؤُهُ أَنْ يُخْرِجَ الْمَخْضَ زُبْدَتَهُ .
    فَأَقَرَّا بِمَا قُلْتُ .
    وَ أَمَّا قَوْلُكُمَا : إِنَّكُمَا تَطْلُبَانِ بِدَمِ عُثْمَانَ ، فَهذَانِ ابْنَاهُ عَمْروٌ وَ سَعيدٌ ، فَخَلُّوا عَنْهُمَا يَطْلُبَانِ دَمَ أَبيهِمَا .
    وَ مَتى كَانَتْ أَسَدٌ وَ تَيْمٌ أَوْلِيَاءُ دَمِ بَني أُمَيَّةَ ؟ .
    فَانْقَطَعَا عِنْدَ ذَلِكَ .
    وَ كَانَتْ عَائِشَةُ قَدْ شَكَّتْ في مَسيرِهَا وَ تَعَاظَمَتِ الْقِتَالَ ، فَدَعَتْ كَاتِبَهَا عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ النُمَيْرِيَّ فَقَالَتِ : اكْتُبْ ، مِنْ عَائِشَةَ بِنْتِ أَبي بَكْرٍ إِلى عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ .
    فَقَالَ : هذَا أَمْرٌ لاَ يَجْري بِهِ الْقَلَمُ .
    قَالَتْ : وَ لِمَ ؟ .
    قَالَ : لأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبي طَالِبٍ فِي الإِسْلاَمِ أَوَّلٌ ، وَ لَهُ بِذَلِكَ الْبَدْءُ فِي الْكِتَابِ .
    فَقَالَتِ : اكْتُبْ : إِلى عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ مِنْ عَائِشَةَ بِنْتِ أَبي بَكْرٍ .
    أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنّي لَسْتُ أَجْهَلُ قَرَابَتَكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ، وَ لاَ قِدَمَكَ فِي الإِسْلاَمِ ، وَ لاَ عَنَاءَكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ، وَ إِنَّمَا خَرَجْتُ مُصْلِحَةً بَيْنَ بَنِيَّ ، لاَ أُريدُ حَرْبَكَ إِنْ كَفَفْتَ عَنْ هذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ . في كَلاَمٍ لَهَا كَثيرٍ .
    فَلَمْ أُجِبْهَا بِحَرْفٍ ، وَ أَخَّرْتُ جَوَابَهَا لِقِتَالِهَا .
    فَلَمَّا قَضَى اللَّهُ لي بِالْحُسْنى سِرْتُ إِلَى الْكُوفَةِ ، وَ اسْتَخْلَفْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَلَى الْبَصْرَةِ .
    فَقَدِمْتُ إِلَى الْكُوفَةِ وَ قَدِ اتَّسَقَتْ لِيَ الْوُجُوهُ كُلُّهَا إِلاَّ الشَّامَ ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَّخِذَ الْحُجَّةَ ، وَ أُفْضِيَ الْعُذْرَ ، وَ أَخَذْتُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : وَ إِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْخَائِنينَ 1 .
    فَبَعَثْتُ جُرَيْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ إِلى مُعَاوِيَةَ مُعْذِراً إِلَيْهِ ، مُتَّخِذاً لِلْحُجَّةِ عَلَيْهِ .
    فَرَدَّ كِتَابي ، وَ جَحَدَ حَقّي ، وَ دَفَعَ بَيْعَتي ، وَ بَعَثَ إِلَيَّ أَنِ ابْعَثْ إِلَيَّ قَتَلَةَ عُثْمَانَ .
    فَبَعَثْتُ إِلَيْهِ : مَا أَنْتَ وَ قَتَلَةَ عُثْمَانَ ، أَوْلاَدُهُ أَوْلى بِهِ .
    فَادْخُلْ أَنْتَ وَ هُمْ في طَاعَتي ، ثُمَّ خَاصِمِ الْقَوْمَ ، لأَحْمِلَكُمْ وَ إِيَّاهُمْ عَلى كِتَابِ اللَّهِ ، وَ إِلاَّ فَهذِهِ خُدْعَةُ الصَّبِيِّ عَنْ رِضَاعِ الْمَلِيِّ .
    فَلَمَّا يَئِسَ مِنْ هذَا الأَمْرِ بَعَثَ إِلَيَّ أَنِ اجْعَلِ الشَّامَ لي حَيَاتَكَ ، فَإِنْ حَدَثَ بِكَ حَادِثٌ مِنَ الْمَوْتِ لَمْ يَكُنْ لأَحَدٍ عَلَيَّ طَاعَةٌ .
    وَ إِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ يَخْلَعَ طَاعَتي مِنْ عُنُقِهِ ، فَأَبَيْتُ عَلَيْهِ .
    فَبَعَثَ إِلَيَّ : أَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ كَانُوا الْحُكَّامَ عَلى أَهْلِ الشَّامِ ، فَلَمَّا قَتَلُوا عُثْمَانَ صَارَ أَهْلُ الشَّامِ الْحُكَّامَ عَلى أَهْلِ الْحِجَازِ .
    فَبَعَثْتُ إِلَيْهِ : إِنْ كُنْتَ صَادِقاً فَسَمِّ لي رَجُلاً مِنْ قُرَيْشِ الشَّامِ تَحِلُّ لَهُ الْخِلاَفَةُ وَ يُقْبَلُ فِي الشُّورى ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ سَمَّيْتُ لَكَ مِنْ قُرَيْشِ الْحِجَازِ مَنْ يَحِلُّ لَهُ الْخِلاَفَةُ ، وَ يُقْبَلُ فِي الشُّورى .
    ثُمَّ إِنّي نَظَرْتُ في أَمْرِ أَهْلِ الشَّامِ ، فَإِذَا هُمْ حُثَالَةُ أَعْرَابٍ وَ بَقِيَّةُ أَحْزَابٍ ، فَرَاشُ نَارٍ ، وَ ذُبَابُ طَمَعٍ ،
    جُفَاةٌ طُغَاةٌ تَجَمَّعُوا مِنْ كُلِّ أَوْبٍ ، مِمَّنْ كَانَ يَنْبَغي أَنْ يُؤَدَّبَ وَ يُحْمَلَ عَلَى السُّنَّةِ ، أَوْ أَنْ يُوَلَّى عَلَيْهِ وَ يُؤْخَذَ عَلى يَدَيْهِ .
    لَيْسُوا مِنَ الْمُهَاجِرينَ وَ لاَ الأَنْصَارِ وَ لاَ مِنَ التَّابِعينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ .
    فَسِرْتُ إِلَيْهِمْ وَ دَعَوْتُهُمْ إِلَى الطَّاعَةِ وَ الْجَمَاعَةِ ، فَأَبَوْا إِلاَّ فِرَاقاً وَ شِقَاقاً .
    ثُمَّ نَهَضُوا في وُجُوهِ الْمُهَاجِرينَ وَ الأَنْصَارِ وَ التَّابِعينَ يَنْضَحُونَهُمْ بِالنَّبْلِ ، وَ يَشْجُرُونَهُمْ بِالرِّمَاحِ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ نَهَضْتُ إِلَيْهِمْ بِالْمُسْلِمينَ فَقَاتَلْتُهُمْ .
    فَلَمَّا عَضَّهُمُ السِّلاَحُ ، وَ خَافَ عَدُوُّكُمُ الاِجْتِيَاحَ ، وَ اسْتَحَرَّ بِهِمُ الْقَتْلُ ، وَ وَجَدُوا أَلَمَ الْجِرَاحِ ،
    رَفَعُوا الْمَصَاحِفَ يَدْعُونَكُمْ إِلى مَا فيهَا لِيَفْتَؤُوكُمْ عَنْهُمْ ، وَ يَقْطَعُوا الْحَرْبَ فيمَا بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ ،
    وَ يَتَرَبَّصُوا بِكُمْ رَيْبَ الْمَنُونَ .
    فَأَنْبَأْتُكُمْ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ دينٍ وَ لاَ أَصْحَابِ قُرْآنٍ ، وَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا رَفَعُوهَا لَكُمْ غَدْراً وَ مَكيدَةً وَ خَديعَةً وَ وَهْناً وَ ضَعْفاً ، فَامْضُوا ، عِبَادَ اللَّهِ ، عَلى حَقِّكُمْ وَ صِدْقِكُمْ لِقِتَالِهِمْ .
    فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ وَ اتَّهَمْتُمُوني ، وَ قُلْتُمُ : اقْبَلْ مِنْهُمْ ، وَ اكْفُفْ عَنْهُمْ ، فَإِنَّهُمْ إِنْ أَجَابُوا إِلى مَا فِي الْقُرْآنِ جَامَعُونَا عَلى مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ ، وَ إِنْ أَبَوْا كَانَ أَعْظَمَ لِحُجَّتِنَا عَلَيْهِمْ .
    فَقَبِلْتُ مِنْكُمْ ، وَ كَفَفْتُ عَنْهُمْ ، إِذْ وَنَيْتُمْ وَ أَبَيْتُمْ .
    فَكَانَ الصُّلْحُ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ عَلى رَجُلَيْنِ حَكَمَيْنِ لِيُحْيِيَا مَا أَحْيَاهُ الْقُرْآنُ ، وَ يُميتَا مَا أَمَاتَهُ الْقُرْآنُ .
    فَاخْتَلَفَ رَأْيُهُمَا ، وَ تَفَرَّقَ حُكْمُهُمَا ، وَ نَبَذَا مَا فِي الْكِتَابِ ، وَ خَالَفَا مَا فِي الْقُرْآنِ ، وَ اتَّبَعَا هَوَاهُمَا بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ ، فَجَنَّبَهُمَا اللَّهُ السَّدَادَ ، وَ أَهْوى بِهِمَا في غَمْرَةِ الضَّلاَلِ ، وَ كَانَا أَهْلَ ذَلِكَ .
    ثُمَّ إِنَّ طَائِفَةً مِنَّا اعْتَزَلَتْ [ 2 ] فَتَرَكْنَاهُمْ مَا تَرَكُونَا ، حَتَّى إِذَا عَاثُوا فِي الأَرْضِ مُفْسِدينَ يَقْتَلُونَ الْمُؤْمِنينَ ، وَ كَانَ فيمَنْ قَتَلُوهُ أَهْلَ مِيَرَةٍ مِنْ بَني أَسَدٍ ، وَ قَتَلُوا خَبَّاباً وَ ابْنَهُ وَ أُمَّ وَلَدِهِ وَ الْحَارِثَ بْنِ مُرَّةِ الْعَبْدِيِّ . فَبَعَثْتُ إِلَيْهِمْ دَاعِياً ، فَقُلْتُ لَهُمُ : ادْفَعُوا إِلَيْنَا قَتَلَةَ إِخْوَانِنَا ، ثُمَّ كِتَابُ اللَّهِ بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمْ .
    فَقَالُوا : كُلُّنَا قَتَلْنَاهُمْ ، وَ كُلُّنَا اسْتَحَلَلْنَا دِمَاءَهُمْ وَ دِمَاءَكُمْ ، ثُمَّ شَدَّتْ عَلَيْنَا خَيْلُهُمْ وَ رِجَالُهُمْ ،
    فَصَرَعَهُمُ اللَّهُ مَصَارِعَ الْقَوْمِ الظَّالِمينَ .
    فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِمْ ، أَمَرْتُكُمْ أَنْ تَمْضُوا مِنْ فَوْرِكُمْ ذَلِكَ إِلى عَدُوِّكُمْ ، فَإِنَّهُ أَفْزَعُ لِقُلُوبِهِمْ ،
    وَ أَنْهَكُ لِمَكْرِهِمْ ، وَ أَهْتَكُ لِكَيْدِهِمْ .
    فَقُلْتُمْ : كَلَّتْ سُيُوفُنَا ، وَ نَفَدَتْ نِبَالُنَا ، وَ نَصَلَتْ أَسِنَّةُ رِمَاحِنَا ، وَ عَادَ أَكْثَرُهَا قِصْداً ، فَارْجِعْ بِنَا إِلى مِصْرِنَا لِنَسْتَعِدَّ بِأَحْسَنِ عُدَّتِنَا ، وَ إِذَا رَجَعْتَ زِدْتَ في مُقَاتِلَتِنَا عِدَّةَ مَنْ قُتِلَ مِنَّا وَ مَنْ قَدْ فَارَقَنَا ،
    فَإِنَّ ذَلِكَ أَقْوى لَنَا عَلى عَدُوِّنَا .
    فَأَقْبَلْتُ بِكُمْ حَتَّى إِذَا أَطْلَلْتُمْ عَلَى الْكُوفَةِ أَمَرْتُكُمْ أَنْ تَنْزِلُوا بِالنُّخَيْلَةِ ، وَ أَنْ تَلْزَمُوا مُعَسْكَرَكُمْ ،
    وَ أَنْ تَضُمُّوا إِلَيْهِ قَوَاصيكُمْ ، وَ أَنْ تُوَطِّنُوا عَلَى الْجِهَادِ أَنْفُسَكُمْ ، وَ لاَ تُكْثِرُوا زِيَارَةَ أَبْنَائِكُمْ وَ نِسَائِكُمْ ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُرِقُّ قُلُوبَكُمْ وَ يَلْويكُمْ .
    وَ إِنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ الُمُصَابِرُونَ ، وَ أَهْلَ التَّشميرِ فيهَا الَّذينَ لاَ يَتَوَجَّدُونَ وَ لاَ يَتَوَجَّعُونَ ، وَ لاَ يَسْأَمُونَ مِنْ سَهَرِ لَيْلِهِمْ ، وَ لاَ ظَمَأِ نَهَارِهِمْ ، وَ لاَ مِنْ خَمْصِ بُطُونِهِمْ ، وَ لاَ نَصَبِ أَبْدَانِهِمْ ، وَ لاَ فُقْدَانِ أَوْلاَدِهِمْ وَ نِسَائِهِمْ ، حَتَّى يُدْرِكُوا بِثَأْرِهِمْ ، وَ يَنَالُوا بُغْيَتَهُمْ وَ مَطْلَبَهُمْ .
    فَأَقَامَتْ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ مَعِيَ مُعَذِّرَةً ، وَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ دَخَلَتِ الْمِصْرَ عَاصِيَةً ، فَلاَ الَّذي أَقَامَ مِنْكُمْ ثَبَتَ مَعِيَ وَ صَبَرَ ، وَ لاَ مَنْ دَخَلَ الْمِصْرَ عَادَ إِلَيَّ وَ رَجَعَ .
    وَ لَقَدْ أَتَيْتُني وَ نَظَرْتُ إِلى مُعَسْكَري وَ لَيْسَ فيهِ مِنْكُمْ إِلاَّ خَمْسُونَ رَجُلاً .
    فَلَمَّا رَأَيْتُ مَا أَتَيْتُمْ ، دَخَلْتُ إِلَيْكُمْ ، فَمَا قُدِّرَ لَكُمْ أَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ إِلى يَوْمِكُمْ هذَا .
    فَمَا بَالُكُمْ .
    للَّهِ أَنْتُمْ مِنْ أَيْنَ تُؤْتَوْنَ ؟ .
    [ وَ ] أَيْنَ تَذْهَبُونَ ؟ .
    وَ مَا لَكُمْ أَنَّى تُؤْفَكُونَ ؟ .
    وَ أَنَّى تُسْحَرُونَ ؟ .
    وَ لَوْ أَنَّكُمْ عَزَمْتُمْ وَ أَجْمَعْتُمْ لَمْ تُرَامُوا .
    إِلاَّ أَنَّ الْقَوْمَ قَدْ جَدُّوا وَ تَآسَوْا ، وَ اجْتَمَعُوا وَ تَنَاشَبُوا ، وَ تَنَاصَرُوا ، وَ تَنَاصَحُوا ، وَ إِنَّكُمْ قَدْ وَنَيْتُمْ ،
    وَ تَخَاذَلْتُمْ وَ تَغَاشَشْتُمْ وَ اقْتَرَفْتُمْ .
    مَا أَنْتُمْ إِنْ بَقيتُمْ عَلى ذَلِكَ بِمُنْقَذينَ .
    فَانْتَهُوا بِأَجْمَعِكُمْ عَمَّا نَهَيْتُكُمْ ، [ وَ ] أَيْقِظُوا ، رَحِمَكُمُ اللَّهُ ، نَائِمَكُمْ ، وَ أَجْمِعُوا عَلى حَقِّكُمْ ، وَ تَجَرَّدُوا لِحَرْبِ عَدُوِّكُمْ ، ف قَدْ أَبْدَتِ الرَّغْوَةُ عَنِ الصَّريخِ ، وَ أَضَاءَ الصُّبْحُ لِذي عَيْنَيْنِ .
    فَانْتَبِهُوا ، إِنَّمَا أَنْتُمْ تُقَاتِلُونَ الطُّلَقَاءَ وَ أَبْنَاءَ الطُّلَقَاءِ ، وَ أَهْلَ الْجَفَاءِ ، وَ مَنْ أَسْلَمَ كَرْهاً ، فَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَنِفاً ، وَ لِلإِسْلاَمِ كُلِّهِ حَرْباً ، أَعْدَاءَ اللَّهِ وَ السُّنَّةِ وَ الْقُرْآنِ ، وَ أَهْلَ الْبِدَعِ وَ الإِحْدَاثِ ، وَ مَنْ كَانَتْ بَوَائِقُهُ تُتَّقى ، وَ كَانَ عَلَى الإِسْلاَمِ وَ أَهْلِهِ مَخُوفاً .
    فَإِنَّ مِنْهُمُ الَّذي قَدْ شَرِبَ فيكُمُ الْخَمْرَ الْحَرَامَ ، وَ جُلِدَ حَدّاً فِي الإِسْلاَمِ ، وَ كُلُّكُمْ يَعْرِفُهُ بِالْفَسَادِ فِي الدِّينِ وَ الْفِعْلِ السَّيِ‏ءِ .
    وَ إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى رُضِخَتْ لَهُ عَلَى الإِسْلاَمِ الرَّضَائِخُ .
    فَهؤُلاَءِ قَادَةُ الْقَوْمِ ، وَ مَنْ تَرَكْتُ لَكُمْ ذِكْرَ مَسَاوِئِهِ مِنْ قَادَتِهِمْ مِثْلُ مَنْ ذَكَرْتُ مِنْهُمْ ، بَلْ هُوَ شَرُّ مِنْهُمْ وَ أَضَرُّ .
    وَ أَنْتُمْ تَعْرِفُونَهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ وَ أَسْمَائِهِمْ .
    كَانُوا عَلَى الإِسْلاَمِ ضِدّاً ، وَ لِنَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حَرْباً ، وَ لِلشَّيْطَانِ حِزْباً .
    لَمْ يَتَقَدَّمْ إِيمَانُهُمْ ، وَ لَمْ يَحْدُثْ نِفَاقُهُمْ .
    أَكَلَةُ الرُّشَا ، وَ عَبيدُ الدُّنْيَا .
    وَ لأَنْتُمْ عَلى مَا كَانَ مِنْكُمْ مِنْ تَوَاكُلٍ وَ تَخَاذُلٍ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَ أَهْدى سَبيلاً .
    فيكُمُ الْفُقَهَاءُ ، وَ الْعُلَمَاءُ ، وَ النُّجَبَاءُ ، وَ الْحُكَمَاءُ ، وَ الْعُبَّادُ وَ الزُّهَّادُ فِي الدُّنْيَا ، وَ عُمَّارُ الْمَسَاجِدِ بِتِلاَوَةِ الْقُرْآنِ ، وَ حَمَلَةُ الْكِتَابِ ، وَ الْمُتَهَجِّدُونَ بِالأَسْحَارِ .
    أَفَلاَ تَسْخَطُونَ وَ تَنْقِمُونَ أَنْ يُنَازِعَكُمُ الْوِلاَيَةَ عَلَيْكُمْ سُفَهَاؤُكُمْ وَ الأَشْرَارُ وَ الأَرَاذِلُ مِنْكُمُ ، الْبِطَاءُ عَنِ الإِسْلاَمِ ، الْجُفَاةُ فيهِ .
    فَاسْمَعُوا ، هَدَاكُمُ اللَّهُ ، قَوْلي إِذَا قُلْتُ ، وَ أَطيعُوا أَمْري إِذَا أَمَرْتُ ، وَ اعْرِفُوا نَصيحَتي إِذَا نَصَحْتُ ،
    وَ اعْتَقِدُوا حَزْمي إِذَا حَزَمْتُ ، وَ الْتَزِمُوا عَزْمي إِذَا عَزَمْتُ ، وَ انْهَضُوا لِنُهُوضي ، وَ قَارِعُوا مَنْ قَارَعْتُ ،
    فَوَ اللَّهِ لَئِنْ أَطَعْتُمُوني لاَ تَغْوُونَ ، وَ إِنْ عَصَيْتُمُوني لاَ تَرْشُدُونَ .
    قَالَ اللَّهُ تَعَالى : أَفَمَنْ يَهْدي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعُ أَمَّنْ لاَ يَهِدّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ .
    وَ قَالَ اللَّهُ تَعَالى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ : إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ .
    فَالْهَادِي بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ هَادٍ لأُمَّتِهِ عَلى مَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، فَمَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ الْهَادِي إِلاَّ الَّذي دَعَاكُمْ إِلَى الْحَقِّ ، وَ قَادَكُمْ إِلَى الْهُدى ؟ .
    فَخُذُوا لِلْحَرْبِ أُهْبَتَهَا ، وَ أَعِدُّوا لَهَا عُدَّتَهَا ، فَقَدْ شَبَّ لَظَاهَا ، وَ عَلاَ سَنَاهَا ، وَ أُوقِدَ نَارُهَا ، وَ تَجَرَّدَ لَكُمُ الْفَاسِقُونَ الظَّالِمُونَ كَيْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ ، وَ يُعَذِّبُوا عِبَادَ اللَّهِ .
    فَاتَّقُوا اللَّهَ ، وَ قَاتِلُوا مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ حَاوَلَ أَنْ يُطْفِئَ نُورَ اللَّهِ .
    قَاتِلُوا الْخَاطِئينَ الضَّالّينَ الْقَاسِطينَ الْمُجْرِمينَ ، الَّذينَ لَيْسُوا بِقُرَّاءَ لِلْقُرْآنِ ، وَ لاَ فُقَهَاءَ فِي الدّينِ ،
    وَ لاَ عُلَمَاءَ فِي التَّأْويلِ ، وَ لاَ لِهذَا الأَمْرِ بِأَهْلٍ في سَابِقَةِ الإِسْلاَمِ .
    وَ اسْتَشْعِرُوا الصَّبْرَ فَإِنَّهُ أَدْعى إِلَى النَّصْرِ .
    أَلاَ إِنَّهُ لَيْسَ أَوْلِيَاءُ الشَّيْطَانِ مِنْ أَهْلِ الطَّمَعِ وَ الْمَكْرِ وَ الْجَفَاءِ بِأَوْلى بِالْجِدِّ في غَيِّهِمْ وَ ضَلاَلِهِمْ وَ بَاطِلِهِمْ ، مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ أَهْلِ الْبِرِّ وَ الزَّهَادَةِ وَ الإِخْبَاتِ في طَاعَةِ رَبِّهِمْ ، وَ مُنَاصَحَةِ إِمَامِهِمْ .
    سُفَهَاؤُهَا وَ فُجَّارُهَا ، فَيَتَّخِذُوا مَالَ اللَّهِ دُوَلاً ، وَ عِبَادَ اللَّهِ خَوَلاً ، وَ كِتَابَ اللَّهِ دَخَلاً ، وَ الصَّالِحينَ حَرْباً ، وَ الْفَاسِقينَ حِزْباً .
    وَ اللَّهِ لَوْ وَلُوا عَلَيْكُمْ لأَظْهَرُوا فيكُمُ الْفَخْرَ وَ النُّكْرَ ، وَ الْكُفْرَ وَ الْفُجُورَ ، وَ التَّسَلُّطَ بِالْجَبْرِيَّةِ ، وَ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ ، وَ اتَّبَعُوا الْهَوى ، وَ حَكَمُوا بِغَيْرِ الْحَقِّ ، وَ لَعَمِلُوا فيكُمْ بِأَعْمَالِ كِسْرى وَ قَيْصَرَ .
    وَ أَيْمُ اللَّهِ ، لَوْ لاَ ذَلِكَ لَمَا أَكْثَرْتُ تَأْليبَكُمْ وَ تَأْنيبَكُمْ ، وَ جَمْعَكُمْ وَ تَحْريضَكُمْ ، وَ لَتَرَكْتُكُمْ ، إِذْ أَبَيْتُمْ وَ وَنَيْتُمْ ، حَتَّى أَلْقَاهُمْ بِنَفْسي مَتى حُمَّ لي لِقَاؤُهُمْ .
    فَوَ اللَّهِ إِنّي لَعَلَى الْحَقِّ ، وَ إِنّي لِلشَّهَادَةِ لَمُحِبُّ ، وَ إِنّي إِلى لِقَاءِ اللَّهِ لَمُشْتَاقٌ ، وَ لِحُسْنِ ثَوَابِهِ لَمُنْتَظِرٌ رَاجٍ .
    للَّهِ أَبُوكُمْ ، مَا تَنْتَظِرُونَ ؟ .
    أَلاَ تَرَوْنَ إِلى أَطْرَافِكُمْ قَدِ انْتُقِصَتْ ، وَ إِلى أَمْصَارِكُمْ قَدِ افْتُتِحَتْ ، وَ إِلى شيعَتي بِهَا قَدْ قُتِلَتْ ؟ .
    أَلاَ تَرَوْنَ إِلى مَمَالِكِكُمْ تُزْوى ، وَ إِلى مَسَالِحِكُمْ تَعْرى ، وَ إِلى بِلاَدِكُمْ تُغْزى ، وَ إِلى صَفَاتِكُمْ تُرْمى ، وَ أَنْتُمْ ذَوُو عَدَدٍ جَمٍّ كَثيرٍ ، وَ شَوْكَةٍ وَ بَأْسٍ شَديدٍ ؟ .
    إِنّي نَافِرٌ بِكُمْ ، إِنْ شَاءِ اللَّهُ ، فَ انْفِرُوا ، رَحِمَكُمُ اللَّهُ ، إِلى قِتَالِ عَدُوِّكُمْ خِفَافاً وَ ثِقَالاً وَ جَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ .
    إِنَّ أَخَا الْحَرْبِ الأَرِقُ ، إِنْ نَامَ لَمْ تَنَمْ عَيْنُهُ ، وَ مَنْ نَامَ لَمْ يُنَمْ عَنْهُ ، وَ مَنْ غَفِلَ أَوْدى‏ ، وَ مَنْ ضَعُفَ ذَلَّ ، وَ مَنْ كَرِهَ الْجِهَادَ في سَبيلِ اللَّهِ كَانَ الْمَغْبُونَ الْمَهينَ .
    إِنّي لَكُمُ الْيَوْمَ عَلى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ بِالأَمْسِ ، وَ لَسْتُمْ لي عَلى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ .
    وَ اللَّهِ لَوْ نَصَرْتُمْ اللَّهَ لَنَصَرَكُمُ اللَّهُ ، وَ ثَبَّتَ أَقْدَامَكُمْ ، إِنَّهُ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَنْصُرَ مَنْ نَصَرَهُ ، وَ يَخْذُلَ مَنْ خَذَلَهُ .
    اَللَّهُمَّ اجْمَعْنَا وَ إِيَّاهُمْ عَلَى الْهُدى ، وَ زَهِّدْنَا وَ إِيَّاهُمْ فِي الدُّنْيَا ، وَ اجْعَلِ الآخِرَةَ خَيْراً لَنَا وَ لَهُمْ مِنَ الأُولى . وَ السَلاَمُ .
    [/CENTER]

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    x

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

    صورة التسجيل تحديث الصورة

    اقرأ في منتديات يا حسين

    تقليص

    لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

    يعمل...
    X