كتاب له عليه السلام ) أمر أن يُقرأ على الناس كل يوم جمعة
و ذلك لمّا سألوه عن أبي بكر و عمر و عثمان ، فغضب عليه السلام ، و قال :
أَوَ قَدْ تَفَرَّغْتُمْ لِلسُّؤَالِ عَمَّا لاَ يَعْنيكُمْ وَ هذِهِ مِصْرُ قَدِ افْتُتِحَتْ ، وَ شيعَتي بِهَا قَدْ قُتِلَتْ ، وَ قَتَلَ مُعَاوِيَةُ بْنُ حَديجٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبي بَكْرٍ .
فَيَا لَهَا مِنْ مُصيبَةٍ . مَا أَعْظَمَ مُصيبَتي بِمُحَمَّدٍ ، فَوَ اللَّهِ مَا كَانَ إِلاَّ كَبَعْضِ بَنِيَّ .
سُبْحَانَ اللَّهِ ، بَيْنَا نَرْجُو أَنْ نَغْلِبَ الْقَوْمَ عَلى مَا في أَيْديهِمْ إِذْ غَلَبُونَا عَلى مَا في أَيْدينَا .
وَ أَنَا مُخْرِجٌ لَكُمْ كِتَاباً فيهِ تَصْريحُ مَا سَأَلْتُمْ ، وَ أَسْأَلُكُمْ أَنْ تَحْفَظُوا مِنْ حَقّي مَا ضَيَّعْتُمْ ، فَاقْرَؤُوهُ عَلى شيعَتي ، وَ كُونُوا عَلَى الْحَقِّ أَعْوَاناً .
[ ثم أخرج عليه السلام لهم الكتاب و فيه : ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلَيٍّ أَميرِ الْمُؤْمِنينَ إِلى شيعَتِهِ مِنَ الْمُؤْمِنينَ وَ الْمُسْلِمينَ .
وَ هُوَ اسْمٌ شَرَّفَهُ اللَّهُ تَعَالى فِي الْكِتَابِ ، فَإِنَّهُ يَقُولُ : وَ إِنَّ مِنْ شيعَتِهِ لإِبْرَاهيمَ 1 .
وَ أَنْتُمْ شيعَةُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، كَمَا أَنَّ مُحَمَّداً مِنْ شيعَةِ إِبْرَاهيمَ .
إِسْمٌ غَيْرُ مُخْتَصٍّ ، وَ أَمْرٌ غَيْرُ مُبْتَدَعٍ .
وَ سَلاَمُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ، وَ اللَّهُ هُوَ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ أَوْلِيَاءَهُ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهينِ ، الْحَاكِمُ عَلَيْهِمْ بِعَدْلِهِ .
أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بَشيراً وَ نَذيراً لِلْعَالَمينَ ، وَ مُهَيْمِناً عَلَى الْمُرْسَلينَ ، وَ أَميناً عَلَى التَّنْزيلِ ، وَ شَهيداً عَلى هذِهِ الأُمَّةِ .
وَ أَنْتُمُ مَعْشَرَ الْعَرَبِ يَوْمَئِذٍ عَلى شَرِّ دينٍ ، وَ في شَرِّ دَارٍ .
مُتَنَخُّونَ بَيْنَ حِجَارَةٍ خُشْنٍ ، وَ حَيَّاتٍ صُمٍّ ، وَ أَوْثَانٍ مُضِلَّةٍ ، وَ شَوْكٍ مَبْثُوثٍ فِي الْبِلاَدِ .
تَشْرَبُونَ الْمَاءَ [ الْكَدِرَ ، وَ تَأْكُلُونَ الطَّعَامَ الْجَشِبَ .
وَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ ، وَ تَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ .
يَغْذُو أَحَدُكُمْ كَلْبَهُ ، وَ يَقْتُلُ وُلْدَهُ ، وَ يُغيرُ عَلى غَيْرِهِ ، فَيَرْجِعُ وَ قَدْ أُغيرَ عَلَيْهِ .
وَ يَسْبي بَعْضُكُمْ بَعْضاً ، وَ تَأْكُلُونَ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ .
اَلأَصْنَامُ فيكُمْ مَنْصُوبَةٌ ، وَ الآثَامُ بِكُمْ مَعْصُوبَةٌ ، وَ سُبُلُكُمْ خَائِفَةٌ .
تَأْكُلُونَ الْعِلْهِزَ وَ الْهَبيدَ وَ الْميتَةَ وَ الدَّمَ .
فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، فَبَعَثَهُ إِلَيْكُمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ ، وَ قَالَ فيمَا أَنْزَلَ مِنْ كِتَابِهِ : هُوَ الَّذي بَعَثَ فِي الأُمِّيّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَ يُزَكّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفي ضَلاَلٍ مُبينٍ .
وَ قَالَ : لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَريصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْْمِنينَ رَؤُوفٌ رَحيمٌ .
وَ قَالَ : لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنينَ إِذْ بَعَثَ فيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ .
وَ قَالَ : ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتيهِ مَنْ يَشَاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظيمِ .
فَكَانَ الرَّسُولُ إِلَيْكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ بِلِسَانِكُمْ ، وَ كُنْتُمْ أَوَّلَ الْمُؤْمِنينَ تَعْرِفُونَ وَجْهَهُ وَ شِعْبَهُ وَ عِمَارَتَهُ ، فَعَلَّمَكُمْ الْكِتَابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ الْفَرَائِضَ وَ السُّنَّةَ .
وَ أَمَرَكُمْ بِصِلَةِ أَرْحَامِكُمْ ، وَ حَقْنِ دِمَائِكُمْ ، وَ صَلاَحِ ذَاتِ بَيْنِكُمْ ، وَ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلى أَهْلِهَا 6 ، وَ أَنْ تُوفُوا بِالْعَهْدِ وَ لاَ تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكيدِهَا .
وَ أَمَرَكُمْ أَنْ تَعَاطَفُوا ، وَ تَبَارُّوا ، وَ تَبَاشَرُوا ، وَ تَبَاذَلُوا ، وَ تَرَاحَمُوا .
وَ نَهَاكُمْ عَنِ التَّنَاهُبِ ، وَ التَّظَالُمِ ، وَ التَّحَاسُدِ ، وَ التَّبَاغي ، وَ التَّقَاذُفِ ، وَ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ ، وَ بَخْسِ الْمِكْيَالِ ، وَ نَقْصِ الْميزَانِ .
وَ تَقَدَّمَ إِلَيْكُمْ ، فيمَا تَلى عَلَيْكُمْ ، أَنْ لاَ تَزْنُوا ، وَ لاَ تَرْبُوا ، وَ لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَ الْيَتَامى ظُلْمَاً ، وَ لاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدينَ ، وَ لاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدينَ .
فَكُلُّ خَيْرٍ يُدْني إِلَى الْجَنَّةِ وَ يُبَاعِدُ عَنِ النَّارِ قَدْ أَمَرَكُمْ بِهِ ، وَ حَضَّكُمْ عَلَيْهِ ، وَ كُلُّ شَرٍّ يُدْني إِلَى النَّارِ وَ يُبَاعِدُ عَنِ الْجَنَّةِ قَدْ نَهَاكُمْ عَنْهُ .
وَ قَدْ خَصَّ اللَّهُ قُرَيْشاً بِثَلاَثِ آيَاتٍ ، وَ عَمَّ الْعَرَبَ بِآيَةٍ .
فَأَمَّا الآيَاتُ اللَّوَاتي في قُرَيْشٍ فَهِيَ :
قَوْلُهُ تَعَالى : وَ اذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَليلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَ أَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 3 .
وَ الثَّانِيَةُ : وَعَدَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَني لاَ يُشْرِكُونَ بي شَيْئاً وَ مَنْ كَفَرَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ .
وَ الثَّالِثَةُ : قَوْلُ قُرَيْشٍ لِنَبِيِّ اللَّهِ حينَ دَعَاهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ وَ الْهِجْرَةِ ، فَقَالُوا : إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا . فَقَالَ اللَّهُ تَعَالى : أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ .
وَ أَمَّا الآيَةُ الَّتي عَمَّ بِهَا الْعَرَبَ ، فَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالى : وَ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَ كُنْتُمْ عَلى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ .
فَيَا لَهَا مِنْ نِعْمَةٍ مَا أَعْظَمَهَا إِنْ لَمْ تَخْرُجُوَا مِنْهَا إِلى غَيْرِهَا .
وَ يَا لَهَا مَنْ مُصيبَةٍ مَا أَعْظَمَهَا ، إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِهَا ، وَ تَرْغَبُوا عَنْهَا .
فَلَمَّا اسْتَكْمَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ مُدَّتَهُ مِنَ الدُّنْيَا ، تَوَفَّاهُ اللَّهُ إِلَيْهِ سَعيداً حَميداً ، مَشْكُوراً سَعْيُهُ ، مَرْضِيّاً عَمَلُهُ ، مَغْفُوراً ذَنْبُهُ ، شَريفاً عِنْدَ اللَّهِ نُزُلُهُ .
فَيَا لَمَوْتُهُ مُصيبَةٌ خَصَّتِ الأَقْرَبينَ ، وَ عَمَّتْ جَميعَ الْمُسْلِمينَ ، مَا أُصيبُوا قبْلَهَا بِمِثْلِهَا ، وَ لَنُ يُعَايِنُوا بَعْدَهَا أُخْتَهَا .
فَلَمَّا مَضى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ لِسَبيلِهِ ، وَ قَدْ بَلَّغَ مَا أُرْسِلَ بِهِ ، وَ تَرَكَ كِتَابَ اللَّهِ وَ أَهْلَ بَيْتِهِ إِمَامَيْنِ لاَ يَخْتَلِفَانِ ، وَ أَخَوَيْنِ لاَ يَتَخَاذَلاَنِ ، وَ مُجْتَمِعَيْنِ لاَ يَتَفَرَّقَانِ ، تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ الأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ .
وَ لَقَدْ قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ لأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِهِ مِنِّي بِقَميصي هذَا .
فَوَ اللَّهِ مَا كَانَ يُلْقى في رَوْعي ، وَ لاَ يَخْطُرُ بِبَالي ، وَ لاَ عَرَضَ في رَأْيي ، أَنَّ وَجْهَ النَّاسِ إِلى غَيْري ، وَ أَنَّ الْعَرَبَ تُزْعِجُ هذَا الأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَ لاَ أَنَّهُمْ مُنَحُّوهُ عَنّي مِنْ بَعْدِهِ .
فَلَمَّا أَبْطَؤُوا عَنّي بِالْوَلاَيَةِ لِهِمَمِهِمْ ، وَ تَثَبَّطَ الأَنْصَارُ ، وَ هُمْ أَنْصَارُ اللَّهِ وَ كَتيبَةُ الإِسْلاَمِ .
هُمْ ، وَ اللَّهِ ، رَبُّوا الإِسْلاَمَ كَمَا يُرَبَّى الْفَلْوُ مَعَ غَنَائِهِمْ ، بِأَيْديهِمُ السِّبَاطِ ، وَ أَلْسِنَتِهِمُ السِّلاَطِ .
وَ قَالُوا : أَمَّا إِذَا لَمْ تُسَلِّمُوهَا لِعَلِيٍّ فَصَاحِبُنَا أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ .
فَوَ اللَّهِ مَا أَدْري إِلى مَنْ أَشْكُو ؟ .
فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الأَنْصَارُ ظُلِمَتْ حَقَّهَا ، وَ إِمَّا أَنْ يَكُونُوا ظَلَمُوني حَقّي .
بَلْ حَقِّيَ الْمَأْخُوذُ ، وَ أَنَا الْمَظْلُومُ .
فَقَالَ قَائِلُ قُرَيْشٍ : إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ : الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَدَفَعُوا الأَنْصَارَ عَنْ دَعْوَتِهَا ، وَ مَنَعُوني حَقّي مِنْهَا .
وَا عَجَباً أَتَكُونُ الْخِلاَفَةُ بِالصَّحَابَةِ ، وَ لاَ تَكُونُ بِالْقَرَابَةِ وَ الصَّحَابَةِ ؟ .
فَإِنْ كُنْتَ بِالشُّورى مَلَكْتَ أُمُورَهُمْ
فَكَيْفَ بِهذَا وَ الْمُشيرُونَ غُيَّبُ
وَ إِنْ كُنْتَ بِالْقُرْبى حَجَجْتَ خَصيمَهُمْ
فَغَيْرُكَ أَوْلى بِالنَّبِيِّ وَ أَقْرَبُ
وَ لَقَدْ أَتَاني رَهْطٌ يَعْرِضُونَ النَّصْرَ عَلَيَّ ، مِنْهُمْ أَبْنَاءُ سَعيدٍ ، وَ الْمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ ، وَ أَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِي ، وَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، وَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ ، وَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ ، وَ الْبُرَاءُ بْنُ عَازِبٍ .
فَقُلْتُ لَهُمْ : إِنَّ عِنْدي مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَهْداً ، وَ لَهُ إِلَيَّ وَصِيَّةٌ ، وَ لَسْتُ أُخَالِفُ مَا أَمَرَني بِهِ .
فَوَ اللَّهِ لَوْ خَزَمُوني بِأَنْفي لأَقْرَرْتُ للَّهِ تَعَالى سَمْعاً وَ طَاعَةً .
فَمَا رَاعَني إِلاَّ انْثِيَالُ النَّاسَ عَلى فُلاَنٍ ] وَ إِجْفَالُهُمْ إِلَيْهِ يُبَايِعُونَهُ .
فَأَمْسَكْتُ يَدِي ، وَ رَأَيْتُ أَنّي أَوْلى وَ أَحَقُّ بِمَقَامِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فِي النَّاسِ مِمَّنْ تَوَلَّى الأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ .
وَ قَدْ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ أَمَّرَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ عَلى جَيْشٍ وَ جَعَلَهُمَا في جَيْشِهِ ، وَ مَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ تَخَلَّفَ عَنْ جَيْشِ أُسَامَةَ ، إِذْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَدْ أَمَّرَهُ عَلَيْهِ وَ عَلى صَاحِبِهِ .
وَ مَا زَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلى أَنْ فَاضَتْ نَفْسُهُ يَقُولُ : أَنْفِذُوا جَيْشَ أُسَامَةَ . أَنْفِذُوا جَيْشَ أُسَامَةَ .
فَلَبِثْتُ بِذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، حَتَّى رَأَيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الإِسْلاَمِ ، يَدْعُونَ إِلى مَحْقِ دينِ اللَّهِ ، وَ مَحْوِ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ إِبْرَاهيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .
فَخَشيتُ ، إِنْ أَنَا قَعَدْتُ وَ لَمْ أَنْصُرِ الإِسْلاَمَ وَ أَهْلَهُ ، أَنْ أَرى فيهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً ، تَكُونُ الْمُصيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمُ مِنْ فَوْتِ وِلاَيَتِكُمُ الَّتي إِنَّمَّا هِيَ مَتَاعُ أَيَّامٍ قَلاَئِلَ ، ثُمَّ يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ كَمَا يَزُولُ السَّرَابُ ، أَوْ يَنْقَشِعُ كَمَا يَنْقَشِعُ السَّحَابُ .
وَ رَأَيْتُ النَّاسَ قَدِ امْتَنَعُوا بِقُعُودي عَنِ الْخُرُوجِ إِلَيْهِمْ ، فَمَشَيْتُ عِنْدَ ذَلِكَ إِلى أَبي بَكْرٍ فَبَايَعْتُهُ ، وَ كَانَتْ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَ لَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ .
وَ لَوْ لاَ أَنّي فَعَلْتُ ذَلِكَ لَبَادَ الإِسْلاَمُ .
وَ لَقَدْ كَانَ سَعْدٌ ، لَمَّا رَأَى النَّاسَ يُبَايِعُونَ أَبَا بَكْرٍ ، نَادى : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنّي ، وَ اللَّهِ ، مَا أَرَدْتُهَا حَتَّى رَأَيْتُكُمْ تَصْرِفُونَهَا عَنْ عَلِيٍّ ، وَ لاَ أُبَايِعُكُمْ حَتَّى يُبَايِعَكُمْ عَلِيٌّ ، وَ لَعَلّي لاَ أَفْعَلُ وَ إِنْ بَايَعَ . ثُمَّ رَكِبَ دَابَّتَهُ وَ أَتى « حَوْرَانَ » ، وَ أَقَامَ في خَانٍ في « عِنَان » حَتَّى هَلَكَ ، وَ لَمْ يُبَايِعْ .
وَ قَامَ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرِو الأَنْصَارِيُّ ، وَ كَانَ يَقُودُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَرَسَيْنِ ،
وَ يَصْرِمُ أَلْفَ وَسَقٍ مِنْ تَمْرٍ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْمَسَاكينَ ، فَنَادى : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، أَخْبِرُوني هَلْ فيكُمْ رَجُلٌ تَحِلُّ لَهُ الْخِلاَفَةُ وَ فيهِ مَا في عَلِيٍّ ؟ .
فَقَالَ قَيْسُ بْنُ مَحْزَمَةَ الزُّهْرِيُّ : لَيْسَ فينَا مَنْ فيهِ مَا في عَلِيٍّ .
فَقَالَ : صَدَقْتَ . فَهَلْ في عَلِيٍّ مَا لَيْسَ في أَحَدٍ مِنْكُمْ ؟ .
قَالَ : نَعَمْ .
قَالَ فَمَا صَدَّكُمْ عَنْهُ ؟ .
قَالَ : اجْتِمَاعُ النَّاسِ عَلى أَبي بَكْرٍ .
قَالَ : أَمَا ، وَ اللَّهِ ، لَئِنْ أَصَبْتُمْ سُنَّتَكُمْ فَقَدْ أَخْطَأْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ ، وَ لَوْ جَعَلْتُمُوهَا في أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ لأَكَلْتُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ .
فَتَولَّى أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الأُمُورَ فَيَسَّرَ وَ سَدَّدَ ، وَ قَارَبَ وَ اقْتَصَدَ ، حَسَبَ اسْتِطَاعَتِهِ ، عَلى ضَعْفٍ وَ حَدٍّ كَانَا فيهِ ، فَصَحِبْتُهُ مُنَاصِحاً ، وَ أَطَعْتُهُ فيمَا أَطَاعَ اللَّهَ فيهِ جَاهِداً .
وَ مَا طَمِعْتُ ، أَنْ لَوْ حَدَثَ بِهِ حَادِثٌ وَ أَنَا حَيٌّ أَنْ يَرُدَّ إِلَيَّ الأَمْرَ الَّذي نَازَعْتُهُ فيهِ طَمَعَ مُسْتَيْقِنٍ ،
وَ لاَ يَئِسْتُ مِنْهُ يَأْسَ مَنْ لاَ يَرْجُوهُ .
وَ لَوْ لاَ خَاصَّةٌ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ عُمَرَ ، وَ أَمْرٌ كَانَا رَضِيَاهُ بَيْنَهُمَا ، لَظَنَنْتُ أَنَّهُ لاَ يَعْدِلُهُ عَنّي .
وَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِبُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ ، حينَ بَعَثَني وَ خَالِدَ بْنَ الْوَليدِ إِلَى الْيَمَنِ : إِذَا افْتَرَقْتُمَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا عَلى حِيَالِهِ ، وَ إِذَا اجْتَمَعْتُمَا فَعَلِيُّ عَلَيْكُمْ جَميعاً .
فَغَزَوْنَا ، وَ أَصَبْنَا سَبْياً فيهِمْ بِنْتُ جَعْفَرَ جَارِ الصَّفَا . وَ إِنَّمَا سُمِّيَتْ جَارُ الصَّفَا لِحُسْنِهَا .
فَأَخَذْتُ الْحَنَفِيَّةَ خَوْلَةَ وَ اغْتَنَمَهَا خَالِدٌ مِنّي ، وَ بَعَثَ بُرَيْدَةَ إِلى رَسُولِ اللَّهِ مُحَرِّشاً عَلَيَّ ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَخْذي خَوْلَةَ .
فَقَالَ [ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ] : يَا بُرَيْدَةُ ، حَظُّهُ فِي الْخُمُسِ أَكْثَرُ مِمَّا أَخَذَ ، إِنَّهُ وَلِيُّكُمْ بَعْدي .
سَمِعَهَا أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ ، وَ هذَا بُرَيْدَةُ حَيٌّ لَمْ يَمُتْ .
فَهَلْ بَعْدَ هذَا مَقَالٌ لِقَائِلٍ ؟ .
فَلَمَّا احْتُضِرَ بَعَثَ إِلى عُمَرَ فَوَلاَّهُ دُونَ الْمَشُورَةِ .
وَ تَوَلَّى عُمَرُ الأَمْرَ فَأَقَامَ وَ اسْتَقَامَ ، فَسَمِعْنَا وَ أَطَعْنَا ، وَ بَايَعْنَا وَ نَاصَحْنَا ، عَلى عَسْفٍ وَ عَجْرَ فِيَّةٍ كَانَا فيهِ ، حَتَّى ضَرَبَ الدّينُ بِجِرَانِهِ .
فَكَانَ مَرْضِيَّ السِّيَرةِ مِنْ النَّاسِ ، مَيْمُونَ النَّقيبَةِ عِنْدَهُمْ .
حَتَّى إِذَا احْتُضِرَ قُلْتُ في نَفسي : لَيْسَ يَعْدِلُ بِهذَا الأَمْرِ عَنّي لِلَّذي قَدْ رَأى مِنّي فِي الْمَوَاطِنَ ،
وَ بَعْدَ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَا سَمِعَ .
فَجَعَلَهَا عُمَرُ شُورى ، وَ جَعَلَني سَادِسَ سِتَّةٍ ، وَ أَمَرَ صُهَيْباً أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ، وَ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ زَيْدَ بْنَ سَعْدٍ الأَنْصَارِيَّ فَقَالَ لَهُ : كُنْ في خَمْسينَ رَجُلاً مِنْ قَوْمِكَ ، فَاقْتُلْ مَنْ أَبى أَنْ يَرْضى مِنْ هؤُلاَءِ السِّتَّةِ .
ثُمَّ اخْتَلَفُوا عُثْمَانَ ثَالِثاً [ وَ هُوَ ] لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُ مِنْ أَمْرِ نَفْسِهِ شَيْئاً ، غَلَبَ عَلَيْهِ أَهْلُهُ ، فَقَادُوهُ إِلى أَهْوَائِهِمْ كَمَا تَقُودُ الْوَليدَةُ الْبَعيرَ الْمَخْطُومَ .
فَلَمْ يَزَلِ الأَمْرُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ النَّاسِ يَبْعُدُ تَارَةً وَ يَقْرُبُ أُخْرى ، حَتَّى نَزَوْا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ .
فَالْعَجَبُ مِنِ اخْتِلاَقِ الْقَوْمِ ، إِذْ زَعَمُوا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَخْلَفَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ .
فَلَوْ كَانَ هذَا حَقّاً لَمْ يَخْفَ عَلَى الأَنْصَارِ فَبَايَعَهُ النَّاسُ عَلى شُورى .
ثُمَّ جَعَلَهَا أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ بِرَأْيِهِ خَاصَّةً .
ثُمَّ جَعَلَهَا عُمَرُ بِرَأْيِهِ شُورى بَيْنَ سِتَّةٍ .
فَهذَا الْعَجَبُ مِنِ اخْتِلاَقِهِمْ .
وَ الدَّليلُ عَلى مَا لاَ أُحِبُّ أَنْ أَذْكُرَ قَوْلُهُ : هؤُلاَءِ الرَّهْطُ الَّذينَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ ، فَكَيْفَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ قَوْمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَسُولُهُ ؟ .
إِنَّ هذَا لأَمْرٌ عَجيبٌ .
وَ لَمْ يَكُونُوا لِوِلاَيَةِ أَحَدٍ أَشَدَّ كَرَاهِيَةً مِنْهُمْ لِوِلاَيَتي عَلَيْهِمْ ، لأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْمَعُونَني عِنْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ أَنَا أُحَاجُّ أَبَا بَكْرٍ وَ أَقُولُ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ أَحَقُّ بِهذَا الأَمْرِ مِنْكُمْ مَا كَانَ مِنْكُمْ مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ، وَ يَعْرِفُ السُّنَّةَ ، وَ يَدينُ بِدينِ اللَّهِ الْحَقِّ ؟ .
أَنَا ، وَ اللَّهِ ، أَوْلى بَهذَا الأَمْرِ مِنْكُمْ ، وَ أَنْتُمْ أَوْلى بِالْبَيْعَةِ لي .
وَ إِنَّمَا حُجَّتي أَنّي وَلِيُّ هذَا الأَمْرِ دُونَ قُرَيْشٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَالَ : الْوِلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ .
فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِعِتْقِ الرِّقَابِ مِنَ النَّار ، وَ بِعِتْقِهَا مِنَ السَّيْفِ ، وَ هذَانِ لَمَّا اجْتَمَعَا كَانَا أَفْضَلَ مِنْ عِتْقِ الرِّقَابِ مِنَ الرِّقِّ .
فَكَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وِلاَءُ هذِهِ الأُمَّةِ . وَ كَانَ لي بَعْدَهُ مَا كَانَ لَهُ .
أَخَذْتُمْ هذَا الأَمْرَ مِنَ الأَنْصَارِ وَ احْتَجَجْتُمْ عَلَى الْعَرَبْ بِالْقَرَابَةِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ، وَ تَأْخُذُونَهُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ غَصْباً وَ ظُلْماً ؟ .
أَلَسْتُمْ زَعَمْتُمْ لِلأَنْصَارِ أَنَّكُمْ أَوْلى بِهذَا الأَمْرِ مِنْهُمْ لِمَكَانِكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ لَمَّا كَانَ مُحَمَّدٌ مِنْكُمْ . فَأَعْطَوْكُمُ الْمَقَادَةَ ، وَ سَلَّمُوا إِلَيْكُمُ الإِمَارَةَ ؟ .
وَ أَنَا أَحْتَجُّ عَلَيْكُمْ بِمِثْلِ مَا احْتَجَجْتُمْ بِهِ عَلَى الأَنْصَارِ وَ الْعَرَبِ .
أَنَا أَوْلى بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ مِنْكُمْ حَيّاً وَ مَيِّتاً .
وَ أَنَا وَصِيُّهُ وَ وَزيرُهُ ، وَ مُسْتَوْدَعُ عِلْمِهِ وَ سِرِّهِ .
وَ أَنَا الصِّدّيق الأَكْبَرُ ، أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ صَدَّقَهُ .
وَ أَحْسَنُكُمْ بَلاءً في جِهَادِ الْمُشْرِكينَ ، وَ أَعْرَفُكُمْ بِالْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ ، وَ أَفْقَهُكُمْ في الدّينِ ، وَ أَعْلَمُكُمْ بِعَوَاقِبِ الأُمُورِ ، وَ أَذْرَبُكُمْ لِسَاناً ، وَ أَثْبَتُكُمْ جَنَاناً .
فَمَا جَازَ لِقُرَيْشٍ مِنْ فَضْلِهَا عَلَى الْعَرَبِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ جَازَ لِبَني هَاشِمٍ عَلى قُرَيْشٍ ، وَ مَا [ جَازَ ] لِبَني هَاشِمٍ عَلى قُرَيْشٍ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ جَازَ لي عَلى بَني هَاشِمٍ ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يَوْمَ غَديرِ خُمٍّ : مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَهذَا عَلِيٌّ مَوْلاَهُ .
إِلاَّ أَنْ تَدَّعِيَ قُرَيْشٌ فَضْلَهَا عَلَى الْعَرَبِ بِغَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ، فَإِنْ شَاؤُوا فَلْيَقُولُوا ذَلِكَ .
فَعَلاَمَ تُنَازِعُونَا هذَا الأَمْرَ ؟ .
أَنْصِفُونَا مِنْ أَنْفُسِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَخَافُونَ اللَّهَ ، وَ اعْرِفُوا لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِثْلَ مَا عَرَفَتْهُ الأَنْصَارُ لَكُمْ ، وَ إِلاَّ فَبُوؤُوا بِالظُّلْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ .
فَنَظَرْتُ في أَمْري ، فَإِذَا طَاعَتي قَدْ سَبَقَتْ بَيْعَتي ، وَ إِذَا الْميثَاقُ في عُنُقي لِغَيْري .
فَخَشِيَ الْقَوْمُ إِنْ أَنَا وَليتُ عَلَيْهِمْ أَنْ آخُذَ بِأَنْفَاسِهِمْ ، وَ أَعْتَرِضَ في حُلُوقِهِمْ ، وَ لاَ يَكُونَ لَهُمْ فِي الأَمْرِ نَصيبٌ مَا بَقَوْا ، فَأَجْمَعُوا عَلَيَّ إِجْمَاعَ رَجُلٍ وَاحِدٍ حَتَّى صَرَفُوا الْوِلاَيَةَ إِلى عُثْمَانَ ، وَ أَخْرَجُوني مِنَ الإِمْرَةِ عَلَيْهِمْ رَجَاءَ أَنْ يَنَالُوهَا وَ يَتَدَاوَلُوهَا فيمَا بَيْنَهُمْ إِذْ يَئِسُوا أَنْ يَنَالُوهَا مِنْ قِبَلي .
فَبَيْنَاهُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادى مُنَادٍ لاَ يُدْرى مَنْ هُوَ ، وَ أَظُنُّهُ جِنِّيّاً ، فَأَسْمَعَ أَهْلَ الْمَدينَةِ لَيْلَةَ بَايَعُوا عُثْمَانَ فَقَالَ :
يَا نَاعِيَ الإِسْلاَمِ قُمْ فَانْعِهِ
قَدْ مَاتَ عُرْفٌ وَ بَدَا مُنْكَرُ
مَا لِقُرَيْشٍ لاَ عَلا كَعْبُهَا
مَنْ قَدَّمُوا الْيَوْمَ وَ مَنْ أَخَّرُوا
إِنَّ عَلِيّاً هُوَ أَوْلى بِهِ
مِنْهُ فَوَلُّوهُ وَ لاَ تُنْكِرُوا
فَكَانَ لَهُمْ في ذَلِكَ عِبْرَةٌ .
وَ لَوْ لاَ أَنَّ الْعَامَّةَ قَدْ عَلِمَتْ بِذَلِكَ لَمْ أَذْكُرْهُ .
ثُمَّ دَعَوْني إِلى بَيْعَةِ عُثْمَانَ ، فَقَالُوا : هَلُمَّ بَايِعْ ، وَ إِلاَّ جَاهَدْنَاكَ . فَبَايَعْتُ مُسْتَكْرَهاً ، وَ صَبَرْتُ مُحْتَسِباً ، وَ عَلَّمْتُ أَهْلَ الْقُنُوتِ أَنْ يَقُولُوا : اللَّهُمَّ لَكَ أَخْلَصَتِ الْقُلُوبُ ، وَ إِلَيْكَ شَخَصَتِ الأَبْصَارُ ،
وَ أَنْتَ دُعيتَ بِالأَلْسُنِ ، وَ إِلَيْكَ تُحُوكِمَ فِي الأَعْمَالِ ، فَافْتَحْ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ . اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ غَيْبَةَ نَبِيِّنَا ، وَ كَثْرَةَ عَدُوِّنَا ، وَ قِلَّةَ عَدَدِنَا ، وَ هَوَانَنَا عَلَى النَّاسِ ، وَ شِدَّةَ الزَّمَانِ ، وَ وُقُوعَ الْفِتَنِ .
اَللَّهُمَّ فَفَرِّج ذَلِكَ بِعَدْلٍ تُظْهِرُهُ ، وَ سُلْطَانِ حَقٍّ تَعْرِفُهُ .
وَ قَالَ لي قَائلٌ مِنْهُمْ : إِنَّكَ عَلَى الأَمْرِ ، يَا ابْنَ أَبي طَالِبٍ ، لَحَريصٌ .
فَقُلْتُ : لَسْتُ عَلَيْهِ حَريصاً ، بَلْ أَنْتُمْ ، وَ اللَّهِ ، لأَحْرَصُ عَلَيْهِ مِنِّي وَ أَبْعَدُ ، وَ أَنَا أَخَصُّ وَ أَقْرَبُ .
أَيُّنَا أَحْرَصُ ، أَنَا الَّذي إِنَّمَا طَلَبْتُ ميرَاثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، وَ حَقّاً لي جَعَلَنِيَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَوْلى بِهِ ، وَ أَنَّ وِلاَءَ أُمَّتِهِ لي مِنْ بَعْدِهِ ، أَمْ أَنْتُمُ إِذْ تَحُولُونَ بَيْني وَ بَيْنَهُ ، وَ تَضْرِبُونَ وَجْهِيَ دُونَهُ بِالسَّيْفِ .
فَلَمَّا قَرَعْتُهُ بِالْحُجَّةِ فِي الْمَلأِ الْحَاضِرينَ ، هَبَّ كَأَنَّهُ بُهِتَ ، لاَ يَدْري مَا يُجيبُني بِهِ ، وَ اللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمينَ .
اَللَّهُمَّ إِنّي أَسْتَعْديكَ عَلى قُرَيْشٍ وَ مَنْ أَعَانَهُمْ . اَللَّهُمَّ فَخُذْ بِحَقّي مِنْهُم ، وَ لا تَدَعْ مَظْلَمَتي لَهُمْ ، إِنَّكَ الْحَكَمُ الْعَدْلُ ، فَإِنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوا رَحِمي ، وَ أَكْفَأُوا إِنَائِي ، وَ أَضَاعُوا أَيَّامي ، وَ دَفَعُوا حَقّي ،
وَ صَغَّرُوا قَدْرِي وَ فَضْلي وَ عَظيمَ مَنْزِلَتي ، وَ اسْتَحَلُّوا الْمَحَارِمَ مِنّي ، وَ أَجْمَعُوا عَلى مُنَازَعَتي حَقّاً كُنْتُ أَوْلى بِهِ مِنْ غَيْري ، فَسَلَبُونيهِ ، ثُمَّ قَالُوا : إِنَّكَ لَحَريصٌ مُتَّهَمٌ ، أَلاَ إِنَّ فِي الْحَقِّ أَنْ نَأْخُذَهُ ، وَ فِي الْحَقِّ أَنْ تُمْنَعَهُ ، فَاصْبِرْ مَغْمُوماً كَمِداً ، أَوْ مُتْ مُتَأَسِّفاً حَنِقاً .
وَ أَيْمُ اللَّهِ لَوِ اسْتَطَاعُوا أَنْ يَدْفَعُوا قَرَابَتي كَمَا قَطَعُوا سَبَبي فَعَلُوا ، وَ لكِنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا إِلى ذَلِكَ سَبيلاً .
وَ إِنَّمَا حَقّي عَلى هذَهِ الأُمَّةِ كَرَجُلٍ لَهُ حَقٌّ عَلى قَوْمٍ إِلى أَجَلٍ مَعْلُومٍ ، فَإِنْ أَحْسَنُوا وَ عَجَّلُوا لَهُ حَقَّهُ قَبِلَهُ حَامِداً ، وَ إِنْ أَخَّرُوهُ إِلى أَجَلِهِ أَخَذَهُ غَيْرَ حَامِدٍ .
وَ لاَ يُعَابُ الْمَرْءُ بِتَأْخيرِ حَقِّهِ ، إِنَّمَا يُعَابُ مَنْ أَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ .
وَ قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَهِدَ إِلَيَّ عَهْداً ، فَقَالَ : يَا ابْنَ أَبي طَالِبٍ ، لَكَ وِلاَءُ أُمَّتي مِنْ بَعْدي ، فَإِنْ وَلَّوْكَ في عَافِيَةٍ ، وَ أَجْمَعُوا عَلَيْكَ بِالرِّضَا ، فَقُمْ بِأَمْرِهِمْ . وَ إِنِ اخْتَلَفُوا عَلَيْكَ فَدَعْهُمْ وَ مَا هُمْ فيهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ سَيَجْعَلُ لَكَ مَخْرَجاً .
فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لي مُعينٌ وَ لاَ رَافِدٌ وَ لاَ ذَابٌّ ، وَ لاَ مَعي نَاصِرٌ وَ لاَ مُسَاعِدٌ ، إِلاَّ أَهْلُ بَيْتي ،
فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَنِ الْمَوْتِ [ وَ ] الْمَنِيَّةِ .
وَ لَوْ كَانَ لي بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَمّي حَمْزَةٌ وَ أَخي جَعْفَرُ لَمْ أُبَايِعْ كُرْهاً ،
وَ لكِنّي بُليتُ بِرَجُلَيْنِ حَديثَيْ عَهْدٍ بِالإِسْلاَمِ : الْعَبَّاسِ وَ عَقيلٍ .
فَأَغْضَيْتُ عَيْني عَلَى الْقَذى ، وَ جَرِعْتُ ريقي عَلَى الشَّجَا ، وَ صَبَرْتُ مِنْ كَظْمِ الْغَيْظِ عَلى أَمَرَّ مِنَ طَعْمِ الْعَلْقَمِ ، وَ آلَمَ لِلْقَلْبِ مِنْ وَخْزِ الشِّفَارِ ، وَ أَخْذِ الْكَظَمِ .
يتبع
و ذلك لمّا سألوه عن أبي بكر و عمر و عثمان ، فغضب عليه السلام ، و قال :
أَوَ قَدْ تَفَرَّغْتُمْ لِلسُّؤَالِ عَمَّا لاَ يَعْنيكُمْ وَ هذِهِ مِصْرُ قَدِ افْتُتِحَتْ ، وَ شيعَتي بِهَا قَدْ قُتِلَتْ ، وَ قَتَلَ مُعَاوِيَةُ بْنُ حَديجٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبي بَكْرٍ .
فَيَا لَهَا مِنْ مُصيبَةٍ . مَا أَعْظَمَ مُصيبَتي بِمُحَمَّدٍ ، فَوَ اللَّهِ مَا كَانَ إِلاَّ كَبَعْضِ بَنِيَّ .
سُبْحَانَ اللَّهِ ، بَيْنَا نَرْجُو أَنْ نَغْلِبَ الْقَوْمَ عَلى مَا في أَيْديهِمْ إِذْ غَلَبُونَا عَلى مَا في أَيْدينَا .
وَ أَنَا مُخْرِجٌ لَكُمْ كِتَاباً فيهِ تَصْريحُ مَا سَأَلْتُمْ ، وَ أَسْأَلُكُمْ أَنْ تَحْفَظُوا مِنْ حَقّي مَا ضَيَّعْتُمْ ، فَاقْرَؤُوهُ عَلى شيعَتي ، وَ كُونُوا عَلَى الْحَقِّ أَعْوَاناً .
[ ثم أخرج عليه السلام لهم الكتاب و فيه : ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلَيٍّ أَميرِ الْمُؤْمِنينَ إِلى شيعَتِهِ مِنَ الْمُؤْمِنينَ وَ الْمُسْلِمينَ .
وَ هُوَ اسْمٌ شَرَّفَهُ اللَّهُ تَعَالى فِي الْكِتَابِ ، فَإِنَّهُ يَقُولُ : وَ إِنَّ مِنْ شيعَتِهِ لإِبْرَاهيمَ 1 .
وَ أَنْتُمْ شيعَةُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، كَمَا أَنَّ مُحَمَّداً مِنْ شيعَةِ إِبْرَاهيمَ .
إِسْمٌ غَيْرُ مُخْتَصٍّ ، وَ أَمْرٌ غَيْرُ مُبْتَدَعٍ .
وَ سَلاَمُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ، وَ اللَّهُ هُوَ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ أَوْلِيَاءَهُ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهينِ ، الْحَاكِمُ عَلَيْهِمْ بِعَدْلِهِ .
أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بَشيراً وَ نَذيراً لِلْعَالَمينَ ، وَ مُهَيْمِناً عَلَى الْمُرْسَلينَ ، وَ أَميناً عَلَى التَّنْزيلِ ، وَ شَهيداً عَلى هذِهِ الأُمَّةِ .
وَ أَنْتُمُ مَعْشَرَ الْعَرَبِ يَوْمَئِذٍ عَلى شَرِّ دينٍ ، وَ في شَرِّ دَارٍ .
مُتَنَخُّونَ بَيْنَ حِجَارَةٍ خُشْنٍ ، وَ حَيَّاتٍ صُمٍّ ، وَ أَوْثَانٍ مُضِلَّةٍ ، وَ شَوْكٍ مَبْثُوثٍ فِي الْبِلاَدِ .
تَشْرَبُونَ الْمَاءَ [ الْكَدِرَ ، وَ تَأْكُلُونَ الطَّعَامَ الْجَشِبَ .
وَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ ، وَ تَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ .
يَغْذُو أَحَدُكُمْ كَلْبَهُ ، وَ يَقْتُلُ وُلْدَهُ ، وَ يُغيرُ عَلى غَيْرِهِ ، فَيَرْجِعُ وَ قَدْ أُغيرَ عَلَيْهِ .
وَ يَسْبي بَعْضُكُمْ بَعْضاً ، وَ تَأْكُلُونَ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ .
اَلأَصْنَامُ فيكُمْ مَنْصُوبَةٌ ، وَ الآثَامُ بِكُمْ مَعْصُوبَةٌ ، وَ سُبُلُكُمْ خَائِفَةٌ .
تَأْكُلُونَ الْعِلْهِزَ وَ الْهَبيدَ وَ الْميتَةَ وَ الدَّمَ .
فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، فَبَعَثَهُ إِلَيْكُمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ ، وَ قَالَ فيمَا أَنْزَلَ مِنْ كِتَابِهِ : هُوَ الَّذي بَعَثَ فِي الأُمِّيّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَ يُزَكّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفي ضَلاَلٍ مُبينٍ .
وَ قَالَ : لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَريصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْْمِنينَ رَؤُوفٌ رَحيمٌ .
وَ قَالَ : لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنينَ إِذْ بَعَثَ فيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ .
وَ قَالَ : ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتيهِ مَنْ يَشَاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظيمِ .
فَكَانَ الرَّسُولُ إِلَيْكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ بِلِسَانِكُمْ ، وَ كُنْتُمْ أَوَّلَ الْمُؤْمِنينَ تَعْرِفُونَ وَجْهَهُ وَ شِعْبَهُ وَ عِمَارَتَهُ ، فَعَلَّمَكُمْ الْكِتَابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ الْفَرَائِضَ وَ السُّنَّةَ .
وَ أَمَرَكُمْ بِصِلَةِ أَرْحَامِكُمْ ، وَ حَقْنِ دِمَائِكُمْ ، وَ صَلاَحِ ذَاتِ بَيْنِكُمْ ، وَ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلى أَهْلِهَا 6 ، وَ أَنْ تُوفُوا بِالْعَهْدِ وَ لاَ تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكيدِهَا .
وَ أَمَرَكُمْ أَنْ تَعَاطَفُوا ، وَ تَبَارُّوا ، وَ تَبَاشَرُوا ، وَ تَبَاذَلُوا ، وَ تَرَاحَمُوا .
وَ نَهَاكُمْ عَنِ التَّنَاهُبِ ، وَ التَّظَالُمِ ، وَ التَّحَاسُدِ ، وَ التَّبَاغي ، وَ التَّقَاذُفِ ، وَ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ ، وَ بَخْسِ الْمِكْيَالِ ، وَ نَقْصِ الْميزَانِ .
وَ تَقَدَّمَ إِلَيْكُمْ ، فيمَا تَلى عَلَيْكُمْ ، أَنْ لاَ تَزْنُوا ، وَ لاَ تَرْبُوا ، وَ لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَ الْيَتَامى ظُلْمَاً ، وَ لاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدينَ ، وَ لاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدينَ .
فَكُلُّ خَيْرٍ يُدْني إِلَى الْجَنَّةِ وَ يُبَاعِدُ عَنِ النَّارِ قَدْ أَمَرَكُمْ بِهِ ، وَ حَضَّكُمْ عَلَيْهِ ، وَ كُلُّ شَرٍّ يُدْني إِلَى النَّارِ وَ يُبَاعِدُ عَنِ الْجَنَّةِ قَدْ نَهَاكُمْ عَنْهُ .
وَ قَدْ خَصَّ اللَّهُ قُرَيْشاً بِثَلاَثِ آيَاتٍ ، وَ عَمَّ الْعَرَبَ بِآيَةٍ .
فَأَمَّا الآيَاتُ اللَّوَاتي في قُرَيْشٍ فَهِيَ :
قَوْلُهُ تَعَالى : وَ اذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَليلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَ أَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 3 .
وَ الثَّانِيَةُ : وَعَدَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَني لاَ يُشْرِكُونَ بي شَيْئاً وَ مَنْ كَفَرَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ .
وَ الثَّالِثَةُ : قَوْلُ قُرَيْشٍ لِنَبِيِّ اللَّهِ حينَ دَعَاهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ وَ الْهِجْرَةِ ، فَقَالُوا : إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا . فَقَالَ اللَّهُ تَعَالى : أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ .
وَ أَمَّا الآيَةُ الَّتي عَمَّ بِهَا الْعَرَبَ ، فَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالى : وَ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَ كُنْتُمْ عَلى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ .
فَيَا لَهَا مِنْ نِعْمَةٍ مَا أَعْظَمَهَا إِنْ لَمْ تَخْرُجُوَا مِنْهَا إِلى غَيْرِهَا .
وَ يَا لَهَا مَنْ مُصيبَةٍ مَا أَعْظَمَهَا ، إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِهَا ، وَ تَرْغَبُوا عَنْهَا .
فَلَمَّا اسْتَكْمَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ مُدَّتَهُ مِنَ الدُّنْيَا ، تَوَفَّاهُ اللَّهُ إِلَيْهِ سَعيداً حَميداً ، مَشْكُوراً سَعْيُهُ ، مَرْضِيّاً عَمَلُهُ ، مَغْفُوراً ذَنْبُهُ ، شَريفاً عِنْدَ اللَّهِ نُزُلُهُ .
فَيَا لَمَوْتُهُ مُصيبَةٌ خَصَّتِ الأَقْرَبينَ ، وَ عَمَّتْ جَميعَ الْمُسْلِمينَ ، مَا أُصيبُوا قبْلَهَا بِمِثْلِهَا ، وَ لَنُ يُعَايِنُوا بَعْدَهَا أُخْتَهَا .
فَلَمَّا مَضى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ لِسَبيلِهِ ، وَ قَدْ بَلَّغَ مَا أُرْسِلَ بِهِ ، وَ تَرَكَ كِتَابَ اللَّهِ وَ أَهْلَ بَيْتِهِ إِمَامَيْنِ لاَ يَخْتَلِفَانِ ، وَ أَخَوَيْنِ لاَ يَتَخَاذَلاَنِ ، وَ مُجْتَمِعَيْنِ لاَ يَتَفَرَّقَانِ ، تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ الأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ .
وَ لَقَدْ قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ لأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِهِ مِنِّي بِقَميصي هذَا .
فَوَ اللَّهِ مَا كَانَ يُلْقى في رَوْعي ، وَ لاَ يَخْطُرُ بِبَالي ، وَ لاَ عَرَضَ في رَأْيي ، أَنَّ وَجْهَ النَّاسِ إِلى غَيْري ، وَ أَنَّ الْعَرَبَ تُزْعِجُ هذَا الأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَ لاَ أَنَّهُمْ مُنَحُّوهُ عَنّي مِنْ بَعْدِهِ .
فَلَمَّا أَبْطَؤُوا عَنّي بِالْوَلاَيَةِ لِهِمَمِهِمْ ، وَ تَثَبَّطَ الأَنْصَارُ ، وَ هُمْ أَنْصَارُ اللَّهِ وَ كَتيبَةُ الإِسْلاَمِ .
هُمْ ، وَ اللَّهِ ، رَبُّوا الإِسْلاَمَ كَمَا يُرَبَّى الْفَلْوُ مَعَ غَنَائِهِمْ ، بِأَيْديهِمُ السِّبَاطِ ، وَ أَلْسِنَتِهِمُ السِّلاَطِ .
وَ قَالُوا : أَمَّا إِذَا لَمْ تُسَلِّمُوهَا لِعَلِيٍّ فَصَاحِبُنَا أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ .
فَوَ اللَّهِ مَا أَدْري إِلى مَنْ أَشْكُو ؟ .
فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الأَنْصَارُ ظُلِمَتْ حَقَّهَا ، وَ إِمَّا أَنْ يَكُونُوا ظَلَمُوني حَقّي .
بَلْ حَقِّيَ الْمَأْخُوذُ ، وَ أَنَا الْمَظْلُومُ .
فَقَالَ قَائِلُ قُرَيْشٍ : إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ : الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَدَفَعُوا الأَنْصَارَ عَنْ دَعْوَتِهَا ، وَ مَنَعُوني حَقّي مِنْهَا .
وَا عَجَباً أَتَكُونُ الْخِلاَفَةُ بِالصَّحَابَةِ ، وَ لاَ تَكُونُ بِالْقَرَابَةِ وَ الصَّحَابَةِ ؟ .
فَإِنْ كُنْتَ بِالشُّورى مَلَكْتَ أُمُورَهُمْ
فَكَيْفَ بِهذَا وَ الْمُشيرُونَ غُيَّبُ
وَ إِنْ كُنْتَ بِالْقُرْبى حَجَجْتَ خَصيمَهُمْ
فَغَيْرُكَ أَوْلى بِالنَّبِيِّ وَ أَقْرَبُ
وَ لَقَدْ أَتَاني رَهْطٌ يَعْرِضُونَ النَّصْرَ عَلَيَّ ، مِنْهُمْ أَبْنَاءُ سَعيدٍ ، وَ الْمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ ، وَ أَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِي ، وَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، وَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ ، وَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ ، وَ الْبُرَاءُ بْنُ عَازِبٍ .
فَقُلْتُ لَهُمْ : إِنَّ عِنْدي مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَهْداً ، وَ لَهُ إِلَيَّ وَصِيَّةٌ ، وَ لَسْتُ أُخَالِفُ مَا أَمَرَني بِهِ .
فَوَ اللَّهِ لَوْ خَزَمُوني بِأَنْفي لأَقْرَرْتُ للَّهِ تَعَالى سَمْعاً وَ طَاعَةً .
فَمَا رَاعَني إِلاَّ انْثِيَالُ النَّاسَ عَلى فُلاَنٍ ] وَ إِجْفَالُهُمْ إِلَيْهِ يُبَايِعُونَهُ .
فَأَمْسَكْتُ يَدِي ، وَ رَأَيْتُ أَنّي أَوْلى وَ أَحَقُّ بِمَقَامِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فِي النَّاسِ مِمَّنْ تَوَلَّى الأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ .
وَ قَدْ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ أَمَّرَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ عَلى جَيْشٍ وَ جَعَلَهُمَا في جَيْشِهِ ، وَ مَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ تَخَلَّفَ عَنْ جَيْشِ أُسَامَةَ ، إِذْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَدْ أَمَّرَهُ عَلَيْهِ وَ عَلى صَاحِبِهِ .
وَ مَا زَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلى أَنْ فَاضَتْ نَفْسُهُ يَقُولُ : أَنْفِذُوا جَيْشَ أُسَامَةَ . أَنْفِذُوا جَيْشَ أُسَامَةَ .
فَلَبِثْتُ بِذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، حَتَّى رَأَيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الإِسْلاَمِ ، يَدْعُونَ إِلى مَحْقِ دينِ اللَّهِ ، وَ مَحْوِ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ إِبْرَاهيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .
فَخَشيتُ ، إِنْ أَنَا قَعَدْتُ وَ لَمْ أَنْصُرِ الإِسْلاَمَ وَ أَهْلَهُ ، أَنْ أَرى فيهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً ، تَكُونُ الْمُصيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمُ مِنْ فَوْتِ وِلاَيَتِكُمُ الَّتي إِنَّمَّا هِيَ مَتَاعُ أَيَّامٍ قَلاَئِلَ ، ثُمَّ يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ كَمَا يَزُولُ السَّرَابُ ، أَوْ يَنْقَشِعُ كَمَا يَنْقَشِعُ السَّحَابُ .
وَ رَأَيْتُ النَّاسَ قَدِ امْتَنَعُوا بِقُعُودي عَنِ الْخُرُوجِ إِلَيْهِمْ ، فَمَشَيْتُ عِنْدَ ذَلِكَ إِلى أَبي بَكْرٍ فَبَايَعْتُهُ ، وَ كَانَتْ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَ لَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ .
وَ لَوْ لاَ أَنّي فَعَلْتُ ذَلِكَ لَبَادَ الإِسْلاَمُ .
وَ لَقَدْ كَانَ سَعْدٌ ، لَمَّا رَأَى النَّاسَ يُبَايِعُونَ أَبَا بَكْرٍ ، نَادى : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنّي ، وَ اللَّهِ ، مَا أَرَدْتُهَا حَتَّى رَأَيْتُكُمْ تَصْرِفُونَهَا عَنْ عَلِيٍّ ، وَ لاَ أُبَايِعُكُمْ حَتَّى يُبَايِعَكُمْ عَلِيٌّ ، وَ لَعَلّي لاَ أَفْعَلُ وَ إِنْ بَايَعَ . ثُمَّ رَكِبَ دَابَّتَهُ وَ أَتى « حَوْرَانَ » ، وَ أَقَامَ في خَانٍ في « عِنَان » حَتَّى هَلَكَ ، وَ لَمْ يُبَايِعْ .
وَ قَامَ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرِو الأَنْصَارِيُّ ، وَ كَانَ يَقُودُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَرَسَيْنِ ،
وَ يَصْرِمُ أَلْفَ وَسَقٍ مِنْ تَمْرٍ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْمَسَاكينَ ، فَنَادى : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، أَخْبِرُوني هَلْ فيكُمْ رَجُلٌ تَحِلُّ لَهُ الْخِلاَفَةُ وَ فيهِ مَا في عَلِيٍّ ؟ .
فَقَالَ قَيْسُ بْنُ مَحْزَمَةَ الزُّهْرِيُّ : لَيْسَ فينَا مَنْ فيهِ مَا في عَلِيٍّ .
فَقَالَ : صَدَقْتَ . فَهَلْ في عَلِيٍّ مَا لَيْسَ في أَحَدٍ مِنْكُمْ ؟ .
قَالَ : نَعَمْ .
قَالَ فَمَا صَدَّكُمْ عَنْهُ ؟ .
قَالَ : اجْتِمَاعُ النَّاسِ عَلى أَبي بَكْرٍ .
قَالَ : أَمَا ، وَ اللَّهِ ، لَئِنْ أَصَبْتُمْ سُنَّتَكُمْ فَقَدْ أَخْطَأْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ ، وَ لَوْ جَعَلْتُمُوهَا في أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ لأَكَلْتُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ .
فَتَولَّى أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الأُمُورَ فَيَسَّرَ وَ سَدَّدَ ، وَ قَارَبَ وَ اقْتَصَدَ ، حَسَبَ اسْتِطَاعَتِهِ ، عَلى ضَعْفٍ وَ حَدٍّ كَانَا فيهِ ، فَصَحِبْتُهُ مُنَاصِحاً ، وَ أَطَعْتُهُ فيمَا أَطَاعَ اللَّهَ فيهِ جَاهِداً .
وَ مَا طَمِعْتُ ، أَنْ لَوْ حَدَثَ بِهِ حَادِثٌ وَ أَنَا حَيٌّ أَنْ يَرُدَّ إِلَيَّ الأَمْرَ الَّذي نَازَعْتُهُ فيهِ طَمَعَ مُسْتَيْقِنٍ ،
وَ لاَ يَئِسْتُ مِنْهُ يَأْسَ مَنْ لاَ يَرْجُوهُ .
وَ لَوْ لاَ خَاصَّةٌ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ عُمَرَ ، وَ أَمْرٌ كَانَا رَضِيَاهُ بَيْنَهُمَا ، لَظَنَنْتُ أَنَّهُ لاَ يَعْدِلُهُ عَنّي .
وَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِبُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ ، حينَ بَعَثَني وَ خَالِدَ بْنَ الْوَليدِ إِلَى الْيَمَنِ : إِذَا افْتَرَقْتُمَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا عَلى حِيَالِهِ ، وَ إِذَا اجْتَمَعْتُمَا فَعَلِيُّ عَلَيْكُمْ جَميعاً .
فَغَزَوْنَا ، وَ أَصَبْنَا سَبْياً فيهِمْ بِنْتُ جَعْفَرَ جَارِ الصَّفَا . وَ إِنَّمَا سُمِّيَتْ جَارُ الصَّفَا لِحُسْنِهَا .
فَأَخَذْتُ الْحَنَفِيَّةَ خَوْلَةَ وَ اغْتَنَمَهَا خَالِدٌ مِنّي ، وَ بَعَثَ بُرَيْدَةَ إِلى رَسُولِ اللَّهِ مُحَرِّشاً عَلَيَّ ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَخْذي خَوْلَةَ .
فَقَالَ [ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ] : يَا بُرَيْدَةُ ، حَظُّهُ فِي الْخُمُسِ أَكْثَرُ مِمَّا أَخَذَ ، إِنَّهُ وَلِيُّكُمْ بَعْدي .
سَمِعَهَا أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ ، وَ هذَا بُرَيْدَةُ حَيٌّ لَمْ يَمُتْ .
فَهَلْ بَعْدَ هذَا مَقَالٌ لِقَائِلٍ ؟ .
فَلَمَّا احْتُضِرَ بَعَثَ إِلى عُمَرَ فَوَلاَّهُ دُونَ الْمَشُورَةِ .
وَ تَوَلَّى عُمَرُ الأَمْرَ فَأَقَامَ وَ اسْتَقَامَ ، فَسَمِعْنَا وَ أَطَعْنَا ، وَ بَايَعْنَا وَ نَاصَحْنَا ، عَلى عَسْفٍ وَ عَجْرَ فِيَّةٍ كَانَا فيهِ ، حَتَّى ضَرَبَ الدّينُ بِجِرَانِهِ .
فَكَانَ مَرْضِيَّ السِّيَرةِ مِنْ النَّاسِ ، مَيْمُونَ النَّقيبَةِ عِنْدَهُمْ .
حَتَّى إِذَا احْتُضِرَ قُلْتُ في نَفسي : لَيْسَ يَعْدِلُ بِهذَا الأَمْرِ عَنّي لِلَّذي قَدْ رَأى مِنّي فِي الْمَوَاطِنَ ،
وَ بَعْدَ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَا سَمِعَ .
فَجَعَلَهَا عُمَرُ شُورى ، وَ جَعَلَني سَادِسَ سِتَّةٍ ، وَ أَمَرَ صُهَيْباً أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ، وَ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ زَيْدَ بْنَ سَعْدٍ الأَنْصَارِيَّ فَقَالَ لَهُ : كُنْ في خَمْسينَ رَجُلاً مِنْ قَوْمِكَ ، فَاقْتُلْ مَنْ أَبى أَنْ يَرْضى مِنْ هؤُلاَءِ السِّتَّةِ .
ثُمَّ اخْتَلَفُوا عُثْمَانَ ثَالِثاً [ وَ هُوَ ] لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُ مِنْ أَمْرِ نَفْسِهِ شَيْئاً ، غَلَبَ عَلَيْهِ أَهْلُهُ ، فَقَادُوهُ إِلى أَهْوَائِهِمْ كَمَا تَقُودُ الْوَليدَةُ الْبَعيرَ الْمَخْطُومَ .
فَلَمْ يَزَلِ الأَمْرُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ النَّاسِ يَبْعُدُ تَارَةً وَ يَقْرُبُ أُخْرى ، حَتَّى نَزَوْا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ .
فَالْعَجَبُ مِنِ اخْتِلاَقِ الْقَوْمِ ، إِذْ زَعَمُوا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَخْلَفَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ .
فَلَوْ كَانَ هذَا حَقّاً لَمْ يَخْفَ عَلَى الأَنْصَارِ فَبَايَعَهُ النَّاسُ عَلى شُورى .
ثُمَّ جَعَلَهَا أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ بِرَأْيِهِ خَاصَّةً .
ثُمَّ جَعَلَهَا عُمَرُ بِرَأْيِهِ شُورى بَيْنَ سِتَّةٍ .
فَهذَا الْعَجَبُ مِنِ اخْتِلاَقِهِمْ .
وَ الدَّليلُ عَلى مَا لاَ أُحِبُّ أَنْ أَذْكُرَ قَوْلُهُ : هؤُلاَءِ الرَّهْطُ الَّذينَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ ، فَكَيْفَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ قَوْمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَسُولُهُ ؟ .
إِنَّ هذَا لأَمْرٌ عَجيبٌ .
وَ لَمْ يَكُونُوا لِوِلاَيَةِ أَحَدٍ أَشَدَّ كَرَاهِيَةً مِنْهُمْ لِوِلاَيَتي عَلَيْهِمْ ، لأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْمَعُونَني عِنْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ أَنَا أُحَاجُّ أَبَا بَكْرٍ وَ أَقُولُ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ أَحَقُّ بِهذَا الأَمْرِ مِنْكُمْ مَا كَانَ مِنْكُمْ مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ، وَ يَعْرِفُ السُّنَّةَ ، وَ يَدينُ بِدينِ اللَّهِ الْحَقِّ ؟ .
أَنَا ، وَ اللَّهِ ، أَوْلى بَهذَا الأَمْرِ مِنْكُمْ ، وَ أَنْتُمْ أَوْلى بِالْبَيْعَةِ لي .
وَ إِنَّمَا حُجَّتي أَنّي وَلِيُّ هذَا الأَمْرِ دُونَ قُرَيْشٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَالَ : الْوِلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ .
فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِعِتْقِ الرِّقَابِ مِنَ النَّار ، وَ بِعِتْقِهَا مِنَ السَّيْفِ ، وَ هذَانِ لَمَّا اجْتَمَعَا كَانَا أَفْضَلَ مِنْ عِتْقِ الرِّقَابِ مِنَ الرِّقِّ .
فَكَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وِلاَءُ هذِهِ الأُمَّةِ . وَ كَانَ لي بَعْدَهُ مَا كَانَ لَهُ .
أَخَذْتُمْ هذَا الأَمْرَ مِنَ الأَنْصَارِ وَ احْتَجَجْتُمْ عَلَى الْعَرَبْ بِالْقَرَابَةِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ، وَ تَأْخُذُونَهُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ غَصْباً وَ ظُلْماً ؟ .
أَلَسْتُمْ زَعَمْتُمْ لِلأَنْصَارِ أَنَّكُمْ أَوْلى بِهذَا الأَمْرِ مِنْهُمْ لِمَكَانِكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ لَمَّا كَانَ مُحَمَّدٌ مِنْكُمْ . فَأَعْطَوْكُمُ الْمَقَادَةَ ، وَ سَلَّمُوا إِلَيْكُمُ الإِمَارَةَ ؟ .
وَ أَنَا أَحْتَجُّ عَلَيْكُمْ بِمِثْلِ مَا احْتَجَجْتُمْ بِهِ عَلَى الأَنْصَارِ وَ الْعَرَبِ .
أَنَا أَوْلى بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ مِنْكُمْ حَيّاً وَ مَيِّتاً .
وَ أَنَا وَصِيُّهُ وَ وَزيرُهُ ، وَ مُسْتَوْدَعُ عِلْمِهِ وَ سِرِّهِ .
وَ أَنَا الصِّدّيق الأَكْبَرُ ، أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ صَدَّقَهُ .
وَ أَحْسَنُكُمْ بَلاءً في جِهَادِ الْمُشْرِكينَ ، وَ أَعْرَفُكُمْ بِالْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ ، وَ أَفْقَهُكُمْ في الدّينِ ، وَ أَعْلَمُكُمْ بِعَوَاقِبِ الأُمُورِ ، وَ أَذْرَبُكُمْ لِسَاناً ، وَ أَثْبَتُكُمْ جَنَاناً .
فَمَا جَازَ لِقُرَيْشٍ مِنْ فَضْلِهَا عَلَى الْعَرَبِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ جَازَ لِبَني هَاشِمٍ عَلى قُرَيْشٍ ، وَ مَا [ جَازَ ] لِبَني هَاشِمٍ عَلى قُرَيْشٍ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ جَازَ لي عَلى بَني هَاشِمٍ ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يَوْمَ غَديرِ خُمٍّ : مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَهذَا عَلِيٌّ مَوْلاَهُ .
إِلاَّ أَنْ تَدَّعِيَ قُرَيْشٌ فَضْلَهَا عَلَى الْعَرَبِ بِغَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ، فَإِنْ شَاؤُوا فَلْيَقُولُوا ذَلِكَ .
فَعَلاَمَ تُنَازِعُونَا هذَا الأَمْرَ ؟ .
أَنْصِفُونَا مِنْ أَنْفُسِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَخَافُونَ اللَّهَ ، وَ اعْرِفُوا لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِثْلَ مَا عَرَفَتْهُ الأَنْصَارُ لَكُمْ ، وَ إِلاَّ فَبُوؤُوا بِالظُّلْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ .
فَنَظَرْتُ في أَمْري ، فَإِذَا طَاعَتي قَدْ سَبَقَتْ بَيْعَتي ، وَ إِذَا الْميثَاقُ في عُنُقي لِغَيْري .
فَخَشِيَ الْقَوْمُ إِنْ أَنَا وَليتُ عَلَيْهِمْ أَنْ آخُذَ بِأَنْفَاسِهِمْ ، وَ أَعْتَرِضَ في حُلُوقِهِمْ ، وَ لاَ يَكُونَ لَهُمْ فِي الأَمْرِ نَصيبٌ مَا بَقَوْا ، فَأَجْمَعُوا عَلَيَّ إِجْمَاعَ رَجُلٍ وَاحِدٍ حَتَّى صَرَفُوا الْوِلاَيَةَ إِلى عُثْمَانَ ، وَ أَخْرَجُوني مِنَ الإِمْرَةِ عَلَيْهِمْ رَجَاءَ أَنْ يَنَالُوهَا وَ يَتَدَاوَلُوهَا فيمَا بَيْنَهُمْ إِذْ يَئِسُوا أَنْ يَنَالُوهَا مِنْ قِبَلي .
فَبَيْنَاهُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادى مُنَادٍ لاَ يُدْرى مَنْ هُوَ ، وَ أَظُنُّهُ جِنِّيّاً ، فَأَسْمَعَ أَهْلَ الْمَدينَةِ لَيْلَةَ بَايَعُوا عُثْمَانَ فَقَالَ :
يَا نَاعِيَ الإِسْلاَمِ قُمْ فَانْعِهِ
قَدْ مَاتَ عُرْفٌ وَ بَدَا مُنْكَرُ
مَا لِقُرَيْشٍ لاَ عَلا كَعْبُهَا
مَنْ قَدَّمُوا الْيَوْمَ وَ مَنْ أَخَّرُوا
إِنَّ عَلِيّاً هُوَ أَوْلى بِهِ
مِنْهُ فَوَلُّوهُ وَ لاَ تُنْكِرُوا
فَكَانَ لَهُمْ في ذَلِكَ عِبْرَةٌ .
وَ لَوْ لاَ أَنَّ الْعَامَّةَ قَدْ عَلِمَتْ بِذَلِكَ لَمْ أَذْكُرْهُ .
ثُمَّ دَعَوْني إِلى بَيْعَةِ عُثْمَانَ ، فَقَالُوا : هَلُمَّ بَايِعْ ، وَ إِلاَّ جَاهَدْنَاكَ . فَبَايَعْتُ مُسْتَكْرَهاً ، وَ صَبَرْتُ مُحْتَسِباً ، وَ عَلَّمْتُ أَهْلَ الْقُنُوتِ أَنْ يَقُولُوا : اللَّهُمَّ لَكَ أَخْلَصَتِ الْقُلُوبُ ، وَ إِلَيْكَ شَخَصَتِ الأَبْصَارُ ،
وَ أَنْتَ دُعيتَ بِالأَلْسُنِ ، وَ إِلَيْكَ تُحُوكِمَ فِي الأَعْمَالِ ، فَافْتَحْ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ . اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ غَيْبَةَ نَبِيِّنَا ، وَ كَثْرَةَ عَدُوِّنَا ، وَ قِلَّةَ عَدَدِنَا ، وَ هَوَانَنَا عَلَى النَّاسِ ، وَ شِدَّةَ الزَّمَانِ ، وَ وُقُوعَ الْفِتَنِ .
اَللَّهُمَّ فَفَرِّج ذَلِكَ بِعَدْلٍ تُظْهِرُهُ ، وَ سُلْطَانِ حَقٍّ تَعْرِفُهُ .
وَ قَالَ لي قَائلٌ مِنْهُمْ : إِنَّكَ عَلَى الأَمْرِ ، يَا ابْنَ أَبي طَالِبٍ ، لَحَريصٌ .
فَقُلْتُ : لَسْتُ عَلَيْهِ حَريصاً ، بَلْ أَنْتُمْ ، وَ اللَّهِ ، لأَحْرَصُ عَلَيْهِ مِنِّي وَ أَبْعَدُ ، وَ أَنَا أَخَصُّ وَ أَقْرَبُ .
أَيُّنَا أَحْرَصُ ، أَنَا الَّذي إِنَّمَا طَلَبْتُ ميرَاثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، وَ حَقّاً لي جَعَلَنِيَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَوْلى بِهِ ، وَ أَنَّ وِلاَءَ أُمَّتِهِ لي مِنْ بَعْدِهِ ، أَمْ أَنْتُمُ إِذْ تَحُولُونَ بَيْني وَ بَيْنَهُ ، وَ تَضْرِبُونَ وَجْهِيَ دُونَهُ بِالسَّيْفِ .
فَلَمَّا قَرَعْتُهُ بِالْحُجَّةِ فِي الْمَلأِ الْحَاضِرينَ ، هَبَّ كَأَنَّهُ بُهِتَ ، لاَ يَدْري مَا يُجيبُني بِهِ ، وَ اللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمينَ .
اَللَّهُمَّ إِنّي أَسْتَعْديكَ عَلى قُرَيْشٍ وَ مَنْ أَعَانَهُمْ . اَللَّهُمَّ فَخُذْ بِحَقّي مِنْهُم ، وَ لا تَدَعْ مَظْلَمَتي لَهُمْ ، إِنَّكَ الْحَكَمُ الْعَدْلُ ، فَإِنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوا رَحِمي ، وَ أَكْفَأُوا إِنَائِي ، وَ أَضَاعُوا أَيَّامي ، وَ دَفَعُوا حَقّي ،
وَ صَغَّرُوا قَدْرِي وَ فَضْلي وَ عَظيمَ مَنْزِلَتي ، وَ اسْتَحَلُّوا الْمَحَارِمَ مِنّي ، وَ أَجْمَعُوا عَلى مُنَازَعَتي حَقّاً كُنْتُ أَوْلى بِهِ مِنْ غَيْري ، فَسَلَبُونيهِ ، ثُمَّ قَالُوا : إِنَّكَ لَحَريصٌ مُتَّهَمٌ ، أَلاَ إِنَّ فِي الْحَقِّ أَنْ نَأْخُذَهُ ، وَ فِي الْحَقِّ أَنْ تُمْنَعَهُ ، فَاصْبِرْ مَغْمُوماً كَمِداً ، أَوْ مُتْ مُتَأَسِّفاً حَنِقاً .
وَ أَيْمُ اللَّهِ لَوِ اسْتَطَاعُوا أَنْ يَدْفَعُوا قَرَابَتي كَمَا قَطَعُوا سَبَبي فَعَلُوا ، وَ لكِنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا إِلى ذَلِكَ سَبيلاً .
وَ إِنَّمَا حَقّي عَلى هذَهِ الأُمَّةِ كَرَجُلٍ لَهُ حَقٌّ عَلى قَوْمٍ إِلى أَجَلٍ مَعْلُومٍ ، فَإِنْ أَحْسَنُوا وَ عَجَّلُوا لَهُ حَقَّهُ قَبِلَهُ حَامِداً ، وَ إِنْ أَخَّرُوهُ إِلى أَجَلِهِ أَخَذَهُ غَيْرَ حَامِدٍ .
وَ لاَ يُعَابُ الْمَرْءُ بِتَأْخيرِ حَقِّهِ ، إِنَّمَا يُعَابُ مَنْ أَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ .
وَ قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَهِدَ إِلَيَّ عَهْداً ، فَقَالَ : يَا ابْنَ أَبي طَالِبٍ ، لَكَ وِلاَءُ أُمَّتي مِنْ بَعْدي ، فَإِنْ وَلَّوْكَ في عَافِيَةٍ ، وَ أَجْمَعُوا عَلَيْكَ بِالرِّضَا ، فَقُمْ بِأَمْرِهِمْ . وَ إِنِ اخْتَلَفُوا عَلَيْكَ فَدَعْهُمْ وَ مَا هُمْ فيهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ سَيَجْعَلُ لَكَ مَخْرَجاً .
فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لي مُعينٌ وَ لاَ رَافِدٌ وَ لاَ ذَابٌّ ، وَ لاَ مَعي نَاصِرٌ وَ لاَ مُسَاعِدٌ ، إِلاَّ أَهْلُ بَيْتي ،
فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَنِ الْمَوْتِ [ وَ ] الْمَنِيَّةِ .
وَ لَوْ كَانَ لي بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَمّي حَمْزَةٌ وَ أَخي جَعْفَرُ لَمْ أُبَايِعْ كُرْهاً ،
وَ لكِنّي بُليتُ بِرَجُلَيْنِ حَديثَيْ عَهْدٍ بِالإِسْلاَمِ : الْعَبَّاسِ وَ عَقيلٍ .
فَأَغْضَيْتُ عَيْني عَلَى الْقَذى ، وَ جَرِعْتُ ريقي عَلَى الشَّجَا ، وَ صَبَرْتُ مِنْ كَظْمِ الْغَيْظِ عَلى أَمَرَّ مِنَ طَعْمِ الْعَلْقَمِ ، وَ آلَمَ لِلْقَلْبِ مِنْ وَخْزِ الشِّفَارِ ، وَ أَخْذِ الْكَظَمِ .
تعليق