الفكر الديني والمنطق- لمحمود يوسف بكير
الموضوع للمناقشة و الاثراء بالعقل بعيدا عن العاطفة و التجريح
-----------------------------------------------
الموضوع للمناقشة و الاثراء بالعقل بعيدا عن العاطفة و التجريح
-----------------------------------------------
تقوم منهجية الفكر الديني لمعظم الأديان على الكثير من المبادئ المشتركة التي تكاد أن تكون متطابقة إلا وهي:
v الدعوة للأخلاق الكريمة والعفة والأمانة والصدق والتسامي فوق الشهوات والتسامح مع الغير ومساعدة الضعيف.............الخ
فلا يوجد دين يحض على العنف والكراهية أو الفجور أو استغلال الضعيف وقهره.......الخ.
v كل الأديان قديمة وأحدثها وهو الإسلام بدأ قبل 14 قرن ولذلك فإن رسالته الأصيلة تتسم بالبساطة والوضوح لأنها تخاطب إنساناً بدائياً، أما ما طرأ عليها من تعقيدات فقد كان من فعل البشر .
v ولأن الأديان كلها قد نشأت في مجتمعات بدائية فليس من المستغرب أن تمتلئ بالأساطير والخرافات والروايات التي لا يمكن للعقل الحديث الناهض على انجازات علمية مذهلة أن يقبلها كما قبلها العقل الإنساني البسيط قبل عشرات القرون ولتجاوز هذا التناقض البين يحاول منظرو الفكر الديني تسويق بضاعتهم بنظــام ( Package Deal) أي أن عليك أن تقبل هذه الأساطير كما هي ودون نقاش وإلا كفرت وكنت من الهالكين وباختصار لا مجال لإعمال العقل .
v تعتنق بعض المرجعيات في سائر الأديان منظومة فكرية واحدة تقريباً تقوم على الاعتقاد الجازم بأن دينهم هو الدين الحق وأن ما سواه لا يعدو أن يكون باطلاً وأنهم وحدهم يمتلكون الحقيقة كاملة وغير منقوصة ولديهم حلولاً جاهزة لكل المشاكل وهي حلول تناسب كل زمان وكل مكان أي نظام ( One size for all ) ولذلك فإنهم يسعون بكل همة إلى فرض معتقداتهم على الآخرين من أجل مصلحة هؤلاء حتى لو استلزم الأمر استعمال القوة .
ويتناسى هؤلاء أن الدين من معطيات الحياة التي لا نستطيع تغيرها بسهــولة شأنه شأن شكلنا ولون بشرتنــا وصحتنا وجنسنا وطولنا وبيئتنا ولغتنا وآباءنا ..........ألخ
v عدم قدرة المنهجية الدينية على التأقلم السريع مع المتغيرات والتطورات العلمية والتكنولوجية والثقافية السريعة التي شهدتها العصور المدنية وكلنا يتذكر الصراعات الحادة التي مررنا بها كمجتمعات إسلامية عبر تاريخنا مع كل ما هو جديد، فمعظم الاختراعات الحديثة مثل الراديو والتلفزيون وغزو الفضاء والطب الحديث والانترنت .......الخ اعتبرت حراماً ونوعاً من البدع ورغم قبولنا لها على مضض إلا أن وعاء اللاشعور لدينا يظهر من حين لآخر أن المنهجية الدينية الاستاتيكية الجامدة التي ترفض وتقاوم كل جديد لازالت تسيطر علينا فنجد مثلاً إقبالاً على ما يسمى بالطب النبوي وهو ليس أكثر من تعبير عن رفض الحداثة والرغبة في التعلق بالماضي .
وتجدر الإشارة هنا إلى أن العالم كله عدا المسلمين قد تجاوز إعاقة الفكر الديني للتقدم ولكل ما هو جديد من خلال فصل السلطة الدينية عن سلطة الدولة وإحلال مفهوم الدولة الدينية بمفهوم الدولة الحديثة القائمة على الديموقراطية والمساواة أمام القانون وفصل السلطتين التشريعية والقضائية عن السلطة التنفيذية والإقرار بأن الشعب هو المصدر لكل السلطات والصلاحيات وليس أي مصدر أخر غيبي .
v وأخيــراً فإن منهجيـة الفكر الديني تقــوم منذ الأزل على نظـام مراتبي " Hierarchy " يلغي قيمة الأفراد العاديين تماماً فلا يكون مسموحاً لهؤلاء أخذ أي مبادرة فردية أو الاجتهاد في أي أمر أو حتى محاولة التفكير الحر دون الرجوع إلى المرجعيات الدينية وينبغي أن نعترف هنا أن هذه الخاصية تطورت بشكل سلبي وخطير لدينا في العالم الإسلامي خاصة في عصر الخلافة العباسية حيث تم انتحال عدد هائل من الأحاديث النبوية وتأسيس علوم للفكر الديني تحصر حق الاجتهاد في عدد محدود ممن يسمون بعلماء الدين وهؤلاء يدعون أنهم وحدهم القادرين على فهم مقاصد الله ورغباته وهم في نفس الوقت يدعون أنه لا كهنوت في الإسلام وفي الحقيقة فإن الإسلام الأصيل يقر بحق كل إنسان أن يجتهد بل أنه يشجع على الاجتهاد وهناك حديث للرسول الكريم بما بمعناه أن من اجتهد وأخطأ له أجر واحد ومن اجتهد وأصاب فله أجرين وهذا الحديث يدحض كل إدعاءات من يُسمون بعلماء الدين .
حتمية الصدام بين الفكر الديني والمنطق :
هناك الكثير من المفاهيم والاعتقادات والأحاديث التي تم إقحامها على الإسلام الأصيل والتي يسميها البعض بالموضوعات اللا مفكر فيها أو بمعنى آخر المفاهيم التي لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها أو مناقشتها ورغم هشاشة الكثير من هذه المفاهيم والمعتقدات وتناقضها الواضح مع العقلانية إلا أنها ظلت قائمة وحيَّة على مدار قرون لسبب بسيط ويتمثل في إضفاء طابع من القدسية عليها وينسى مؤسسو هذا التوجه أن أي مفهوم أو أي فكر لا يقوم على أساس منطقي أو يصطدم مع العقل لن تكون له أي قيمة فكرية أو تأثير حقيقي أو فاعل على حياة الناس حتى ولو تم إدعاء أن وراءه مصدر مقدس .
والحاصل الآن أن عوام البشر يخشون التحدث في هذه المواضيع إيثاراً للسلامة ولكنهم لا يعملون بها لأنها ببساطة لا تستند إلى أي منطق والجميع في حيرة من أمرهم ولا يعرفون أي الطـرق يسلكون وأصبحنا كما يقال " محلك سر " .
وفي المقال القادم سوف نضرب أمثلة كثيرة لبيان حالة الصدام غير المعلن بين منهج الفكر الديني والمنطق وكيف ساهم هذا الفكر في تخلفنا الحضاري وكيف يمارس دوره التدميري لمجتمعاتنا حتى الآن .
تحياتي
تحياتي