تويت
خلسة ...ودون أن يدري احد , تجاوز حواجز المنع والخوف ... عرف كيف ينفذ إلى قلوب الملايين من البسطاء ...راح يزلزل الأرض تحت أقدام نظام صدام ....
الرجل الأبيض الذي أعاد ذات مساء للفقراء وقارهم ....حدثهم عن نهاية زمن الخوف ....عن أجنحتهم التي آن لها أن تحلق وتبدد غمائم الوجل ...عن كفنه الذي سيرسم لهم طريق الخلاص ..
لم يكن السيد محمد صادق الصدر إلا علامة فارقة في تاريخ العراق الحديث.. انعطافة في طريق مرجعياته الدينية , لأنه وببساطة طرح نموذجا للمرجعية التي تعنى بشؤون المجتمع , والتي كسرت قشرة الأصول والفقه.. وانطلقت في فضاء الواقع الاجتماعي المعقد بهمومه واشكالياته , محاولة إيجاد الحلول , وتخليص الأمة من واقع سياسي اقل ما تقول عنه انه مذل ...
كان امتدادا للدور الذي اضطلع به السيد محمد باقر الصدر والذي يعد انقلابا على الدور الرتيب الذي كانت تؤديه الحوزات الدينية السابقة , المجتمع كان بأمس الحاجة إلى قيادة تستثمر مواطن القوة فيه , حيث القاعدة المطيعة التي كانت تعيش فراغ في ساحة القيادة وطالما بحثت عن الرمز الذي توليه زمام أمورها وتهب له ولائها ....
أول أهداف السيد الصدر كان سحب الجماهير فاقدة القيادة إلى ساحته , ودفعهم للالتفاف حول مرجعيته , وبذلك يكون قد امتلك أهم الأسلحة التي تمكنه من تحقيق أهدافه في إضعاف نظام حزب البعث , وكان الرجل مدركا لصعوبة المهمة, حيث أن عملية كسب القاعدة الشعبية ليست بالهينة في الظروف العادية ..فما بالك في بلد كان يصادر فيه الرأي الأخر ..وكان نظامه يفرض طوقا من العزلة على مرجعياته الدينية ...
اعتمد السيد الصدر على مبدءا مخالفة المألوف لاستفزاز مواطن الوعي في ذهن القاعدة التي كان يقصدها , وكذلك لتحريك المناطق الراكدة في تفكيرها ....وباعتقادي فان الكثير من الفتاوى والأحكام التي كان يطلقها والتي تميزت بالغرابة والجرأة , لم تكن مقصودة لذاتها , بقدر ما كان يقصد منها دفع الناس للتساؤل عن المرجع المختلف الذي يمتلك كل تلك الشجاعة...أراد أن يكون محلا للتساؤل والبحث لتحفيز الجماهير على الاقتراب منه... ومن ثم التعرف على أفكاره ورؤاه , فمقولة إنا اعلم الأحياء والأموات ...وفتوى عدم اعتبار دخان السكائر من المفطرات , وتحريم أكل بعض أنواع السمك ...لم تكن مهمة لذاتها بقدر أهمية كونها تمثل مدار لحديث الناس في مجالسهم ...وربما وجد نفسه في أحيان كثيرة مضطرا لأتباع منهج طالما سبب له الانتقاد من نفس الوسط الديني الذي انطلق منه حاملا لواء التغيير , إلا إن الرؤية الواضحة والأهداف المحددة كانت تدفعه للمضي قدما ومواصلة المسيرة ...
رغم إن الأحداث التي سبقتها كانت مليئة بالغرابة, إلا إن صلاة الجمعة ضلت تشكل ابرز الأحداث التي رافقت مرجعية السيد الصدر والتي استطاع من خلالها أن يحقق أهدافه في ردم البون الشاسع الذي طالما فصل المرجعية عن عامة الناس ...إذ تؤدي هذه الصلاة لاجتماع الملايين كل أسبوع للتداول في أمور السياسة والدين ..والاستماع للمرجع الديني وهو يدلي بخطابه أمام أعينهم ...وبذلك استطاع أن يوجد حالة من توحيد الفكر والثقافة في ذهن من كان يؤمه منهم ...
صلاة الجعة مثلت فرصة لطرح نموذج الفتوى المختلفة ...حيث أجاز الصلاة التي لم يجزها كثير ممن كان قبله من مراجع العراق بداعي وجود الحاكم الظالم ...كذلك كانت فرصة لطرح الأفكار التي يؤمن بها السيد الصدر والتي أراد بثها في نفوس العامة لتوحيد الوعي و إيجاد المشتركات الفكرية التي يمكن من خلالها ضبط ثقافة المجتمع وسلوكه ..
لقد تجاوز الرجل جميع الخطوط الحمراء التي كان يضعها النظام..أصبح مصدر خطر يهدد وجود الدولة الظالمة ...إذ ادخل جزء كبير ومهم من المجتمع العراقي في تنظيم ديني سياسي علني يجتمع أسبوعيا في شوارع العاصمة بغداد وفي اغلب محافظات العراق ...احدث الرجل ثورة مختلفة أصابت النظام الدكتاتوري بالذهول والحيرة فراح كعادته يبحث عن الحل في التصفية الجسدية لرجل من النادر أن يجود به الزمن في مرحلة مظلمة ...رجل
تعليق