لله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، اللهم صلي على محمد وآله الطاهرين .
إن مقتضى القاعدة الشرعية لدى الإمامية هي المنع الأكيد من تعيين الحكام الشرعيين بأيدي عامة أهل الملة او ان يكون لهم دور في الاختيار ، لأن المدار في انعقادها هو التعيين والاصطفاء المباشر من الخالق تعالى ، والذي يتوضح من القرآن والسنة الشريفة .
ويرتب هذا الاصطفاء الإلهي للحاكم المعصوم عدداً من الصلاحيات والمناصب
لا يمكن توفرها لغيره على أية حال ، منها :
أولاً : كون أمره ونهيه هو أمر الله ونهيه ، لقوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } [ النساء 59 ] .
ثانياً : الصلاحية التنفيذية والصلاحية التشريعية ، قوله تعالى { قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } [ الرعد 43 ] .
فمن يمتلك علم الكتاب له حق النطق باسمه وبالتالي سيضع لأقواله شرعية غير محدودة بزمان او مكان.
ثالثاً : الإمامة العامة .
رابعاً : العصمة التامة .
خامساً : الولاية التكوينية مع الولاية التشريعية التي عرضناها في ( ثانياً ) .
سادساً : أمرة المؤمنين .
سابعاً : هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم .
ملاحظة :
هذه الصلاحيات السبعة بعضها فرع من أصل رأيت في عرضها فائدة لتالي الحديث .
ويظهر هنا استحالة قدرة البشر على جمع بعض هذه الصفات أو المناصب لشخص واحد مهما بذلوا من جهود وسطروا له من فضائل .
لقد جرت سنن الدول المتعاقبة بعيد وفاة نبي الرحمة صلى الله عليه وآله على ربط هذه الصفات بالمستولي على السلطة بدأ بابي بكر الى يوم الناس هذا حتى أصبح هذا العمل ديدن الحال عندنا .
وفي الحقيقة هو رد فعل فطري عند محاولة محاكاة حقائق القرآن والسنة اللتان توجبان توفر هذه الصفات في شخص الحاكم .
والشيء ذاته نراه في عصرنا عند غالبية حكام بلاد المسلمين التي تضم الآن عشرات الدول ، حيث تحرص جميعها على إيجاد هذه الصفات ولصقها ولو بالقوة لشخص رئيس الجمهورية أو الملك خصوصاً تسميته الدارجة ( بولي الأمر ) .
مع حرص الأجهزة الأمنية لتلك الدول على محاسبة أفراد شعبها عن أي إخلال أو محاولة بصفات ( ولي الأمر ) العادل ، التقي ، الحاكم بأمر الله ، الممثل للامامة الشريفة لدى الشيعة وللخلافة الراشدة لدى المرجئة ، عصمته المطلقة عن الأخطاء ، العلمية والمعرفة الثاقبة ، اصطفائه الالهي لقيادة تلك البلاد ، واللطف الإلهي في إرساله .
لقد كان ولازال هذا منهجاً مُسلماً به لدى عامة المذاهب الإسلامية سوى مذهب الشيعة الاثني عشرية ولكنه سرعان ما وجد الطريق إلى ثقافتهم في العصر الحالي عن طريق ما يُسمى – ولاية الفقيه – حيث تم نقل ذات المفاهيم او بعضها إلى شخص الولي الفقيه فأصبح ولي الأمر بل ولي أمر المسلمين ، هذا كله على مستوى الثقافة السائدة في تلك الدول حول طبيعة الحاكم المفترض ، سواء كانت دولة علمانية أو دينية فحكامها على اية حال قلما يفرطون بواحدة من هذه الالقاب .
وكما وسبق فمع وجود هذه المفاهيم والسلطات للحاكم يمنع النص الشرعي الذين امنوا من محاولة تنصيب حاكم ، وستغدو عملية التنصيب كالشورى او الانتخابات مرحلة من مراحل التنكر للإمامة الشريفة القائمة .
سادَ هذا النوع من الدول والحكومات ذات السمة الدينية التي تركز على قدسية الحاكم في عموم دول أوربا إلى حدود فجر عصر النهضة ، عندما حددّت ( بضم الحاء ) صلاحيات الكنيسة والملك وتم تبني الدولة العلمانية التي تفصل بين الدين والدولة ، حيث تمنع إطلاق الصفات الدينية على الحاكم او ان يمارس وظيفته وفقها
أما النماذج الأكثر تطوراً من الدول العلمانية فهي التي حرصت على فصل السلطة التشريعية والسلطة القضائية عن سلطة وصلاحيات الملك أو وريث الجمهورية .
من جهتها حاولت دول العالم الإسلامي الان محاكاة النموذج الغربي غير أن التطبيق لها ولّدَ نوعاً جديداً من شرعية الحكام كالشرعية الثورية او القائد الضرورة والتي لم تختلف في جوهرها عن نماذج الدول الدينية ان لم تكن اكثر تطرفا .
بعد أحداث الحرب الأخيرة وسقوط عرش صدّيم ( حاكم اتباع الصحابة الشرعي ) مصحوباً بسقوط خيار الأنظمة الشمولية ، حاول الغرب تقديم نموذجهم الخاص في إدارة الدولة للعمل به كنظام حكم بالعراق والمستند على نظرية فصل السلطات وحيث إن عملية فصل السلطة التشريعية والقضائية عن المؤسسة الحاكمة ( رئيس جمهورية – رئيس وزراء ) ستجعل منها مؤسسة تنفيذية خارجة عن تعريف الحاكم الشرعي لها حق الإشراف ليس إلاّ ، وبالتالي لن تنطبق عليها شروط قاعدة المنع الشرعي لدى الشيعة الاثني عشرية .
لن يتم التنظير للمؤسسة الحاكمة في العراق – بهذه الأسس المُعلنة – بأنها ألهية السلطات والمزايا كما لنظرائها في الدول المجاورة .
أن إمكانية البرلمان أو القضاء أو التنظيمات السياسية وحتى الفرد العادي على رفض أو الاحتجاج على قرارات مؤسسة الحكم يعتبر – في ثقافة الدول الإسلامية خروج على الشرعية لأن الحاكم أي حاكم هو ولي الأمر الشرعي .
بينما يتم التأكيد في العراق الآن عليها وهو شرعاً لا يمكن تصنيفه عصياناً لأمر الولي الشرعي لأنه ليس كذلك .
عمد فقهاء الأصول الإمامية الى تنصيب
( فيصل بن الحسين ) ملكاً دستورياً – محدود الصلاحيات - وهي قضية لم تكن خاضعة أيضاً للقاعدة الشرعية المانعة فيما لو كان ذلك الملك مشاركاً في الصلاحيات من قبل البرلمان أو القضاء . ولكن سرعان ما انقلب ( فيصل ) على شروط تعيينه التي قطعها للأمة العراقية واعتبر نفسه حاكماً شرعياً بصلاحيات كاملة كتعيين ولاة البلدان وتنصيب القضاة وحق اصدار تشريعات كمراسيم ملكية وغيرها .
إن أهم ما يُخفى على أذهان الشرائح المتدينة والمترددة من الخطوة الانتخابية ، يتمحور حول خطورة الثقافة البديلة والسائدة في الذهنية العراقية وذهنية الشعوب المجاورة ، فاحتمال انتصار ثقافة ( الحاكم الشرعي الفذ او الرئيس القائد او محرر فلسطين الموعود .. ) أمر وارد جداً ، وبالتالي استيلائه على صلاحيات التشريع والقضاء ، لذلك يجب التركيز على ضرورة التحرك لإبقاء تعريف المؤسسة الحاكمة بأنها مجموعة من الموظفين التنفيذيين الكبار ، وبأنهم معرضون للمسائلة والمحاسبة على أخطائهم .
وعلى من يتمسك بدعوى حرمة الاشتراك بالعملية الانتخابية كوسيلة لاستبدال الحكام بسرعة عليه ان يتمسك كذلك بحرمة التعامل مع هؤلاء قطعا لفساد الاصل لا ان يستمر بتقاضي راتبه او ان يستمر بدفع ضرائبه او الالتزام بالقوانين والتشريعات المستحدثة ولا ان يستمر بايجاد الوساطات لتسيير شؤنه الخاصة .
فمباشرة اختيار الأشخاص لهذه المناصب أمر لا ينطبق على القاعدة الشرعية المانعة من ذك لأنهم ببساطة ليسوا حكاماً شرعيين ( وفق التعريف الشرعي ) وإنما مُستخدَمين في الدولة العراقية . فلن يكون في عنقك بيعة شرعية لأحد منهم ولن تكون ملزماً أمام الله بأخذ حكمه بدون مراجعة أو رفض
( باستعمال وسائل الرفض التي تضعها نظرية الحكم الجديد ) .
إن مصلحة الشرائح المتدينة تقتضي العمل على بلورة دور المؤسسة النيابية وإمضاء صلاحياتها التشريعية ، والاطمئنان التام على رفع اليد عن المؤسسة القضائية وتمكينها من محاسبة الجميع .
ويجب المطالبة بتنفيذ كامل نظرية الحكم الجديدة دون انتقاء كصمام أمان لخطر النظرية الانقلابية من ابناء المثلث السني او نظرية الولي الإيرانية اوالنظرية السلفية الطالبانية .
أما فقرة المفكر الراحل
( عالم سبيط ) فهي خاصة بثقافة الشعوب الإسلامية وطبيعة أنظمتها المعاصرة التي تحاكي الشرعية الالهية ، فلم يدر في مخيلة الأستاذ ( عالم سبيط ) أو مُخيلة كاتب السطور إن شيئاً من هذا القبيل سيحدث على الساحة العراقية بهذه السرعة ولو بعد خمسة عقودً ( تصدير النظرية الغربية وقيام فصل السلطات على أساسها ) .
فوجود سلطات أربعة ( تنفيذية – تشريعية – قضائية – إعلامية ) تعمل منفصلة عن بعضها وبحرية تامة أمر لا يستوعبه أكثر الكُتّاب تنوراً كأمثال
( عالم سبيط ) في زمن العفالقة .
إن جوهر حوار الكاتب الراحل ، يركز على المحيط الإسلامي من جهة أولى وسلطات حكامه الواسعة والإلهية من جهة ثانية .
فـ( عالم سبيط ) يرفض الحكام الذين يصرحون أو يلمحون بالأحقية الإلهية أو الخلافة النبوية لأن أمثال هؤلاء يضعون أنفسهم في أماكن أئمة آل البيت
( عليهم السلام ) .
أما نظرية المنع من وجود حكام في بلاد المسلمين فهي عين الشعار والدعوة التي رفعها الخوارج بدعوى اكتمال الشريعة ووضوح مقاصدها ، ومحاولة إيجاد الإرادة الجمعية لمواجهة الانحراف والفساد الداخلي .
لقد تصدى أمير المؤمنين لمثل هذه الدعوة فكرياً وعسكرياً كقوله ( صلوات الله عليه ) تعليقاً على شعار الخوارج " لا حكم إلاّ لله " بقوله " كلمة حق يُراد بها باطل ، نعم لا حكم إلاّ لله ، ولكن هؤلاء يقولون لا أمرة إلاّ لله وأنه لابد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في أمرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر " [ نهج البلاغة ] .
فدعوى الخوارج توجب تعطل الحال والبلاد وغلبة الفوضى بغياب الحكومات والأمراء ، ونحن أهل العراق أعرف الناس بالحال في غياب سلطة الحكومة ولو لأيام .
وفي عبارة المولى ( عليه السلام ) بحث طويل يخرج القارئ عن عجلة السؤال والجواب وإن كان يوضح أمر مهم في فقه السلطة .
الحمد لله رب العالمين ، اللهم صلي على محمد وآله الطاهرين .
إن مقتضى القاعدة الشرعية لدى الإمامية هي المنع الأكيد من تعيين الحكام الشرعيين بأيدي عامة أهل الملة او ان يكون لهم دور في الاختيار ، لأن المدار في انعقادها هو التعيين والاصطفاء المباشر من الخالق تعالى ، والذي يتوضح من القرآن والسنة الشريفة .
ويرتب هذا الاصطفاء الإلهي للحاكم المعصوم عدداً من الصلاحيات والمناصب
لا يمكن توفرها لغيره على أية حال ، منها :
أولاً : كون أمره ونهيه هو أمر الله ونهيه ، لقوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } [ النساء 59 ] .
ثانياً : الصلاحية التنفيذية والصلاحية التشريعية ، قوله تعالى { قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } [ الرعد 43 ] .
فمن يمتلك علم الكتاب له حق النطق باسمه وبالتالي سيضع لأقواله شرعية غير محدودة بزمان او مكان.
ثالثاً : الإمامة العامة .
رابعاً : العصمة التامة .
خامساً : الولاية التكوينية مع الولاية التشريعية التي عرضناها في ( ثانياً ) .
سادساً : أمرة المؤمنين .
سابعاً : هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم .
ملاحظة :
هذه الصلاحيات السبعة بعضها فرع من أصل رأيت في عرضها فائدة لتالي الحديث .
ويظهر هنا استحالة قدرة البشر على جمع بعض هذه الصفات أو المناصب لشخص واحد مهما بذلوا من جهود وسطروا له من فضائل .
لقد جرت سنن الدول المتعاقبة بعيد وفاة نبي الرحمة صلى الله عليه وآله على ربط هذه الصفات بالمستولي على السلطة بدأ بابي بكر الى يوم الناس هذا حتى أصبح هذا العمل ديدن الحال عندنا .
وفي الحقيقة هو رد فعل فطري عند محاولة محاكاة حقائق القرآن والسنة اللتان توجبان توفر هذه الصفات في شخص الحاكم .
والشيء ذاته نراه في عصرنا عند غالبية حكام بلاد المسلمين التي تضم الآن عشرات الدول ، حيث تحرص جميعها على إيجاد هذه الصفات ولصقها ولو بالقوة لشخص رئيس الجمهورية أو الملك خصوصاً تسميته الدارجة ( بولي الأمر ) .
مع حرص الأجهزة الأمنية لتلك الدول على محاسبة أفراد شعبها عن أي إخلال أو محاولة بصفات ( ولي الأمر ) العادل ، التقي ، الحاكم بأمر الله ، الممثل للامامة الشريفة لدى الشيعة وللخلافة الراشدة لدى المرجئة ، عصمته المطلقة عن الأخطاء ، العلمية والمعرفة الثاقبة ، اصطفائه الالهي لقيادة تلك البلاد ، واللطف الإلهي في إرساله .
لقد كان ولازال هذا منهجاً مُسلماً به لدى عامة المذاهب الإسلامية سوى مذهب الشيعة الاثني عشرية ولكنه سرعان ما وجد الطريق إلى ثقافتهم في العصر الحالي عن طريق ما يُسمى – ولاية الفقيه – حيث تم نقل ذات المفاهيم او بعضها إلى شخص الولي الفقيه فأصبح ولي الأمر بل ولي أمر المسلمين ، هذا كله على مستوى الثقافة السائدة في تلك الدول حول طبيعة الحاكم المفترض ، سواء كانت دولة علمانية أو دينية فحكامها على اية حال قلما يفرطون بواحدة من هذه الالقاب .
وكما وسبق فمع وجود هذه المفاهيم والسلطات للحاكم يمنع النص الشرعي الذين امنوا من محاولة تنصيب حاكم ، وستغدو عملية التنصيب كالشورى او الانتخابات مرحلة من مراحل التنكر للإمامة الشريفة القائمة .
سادَ هذا النوع من الدول والحكومات ذات السمة الدينية التي تركز على قدسية الحاكم في عموم دول أوربا إلى حدود فجر عصر النهضة ، عندما حددّت ( بضم الحاء ) صلاحيات الكنيسة والملك وتم تبني الدولة العلمانية التي تفصل بين الدين والدولة ، حيث تمنع إطلاق الصفات الدينية على الحاكم او ان يمارس وظيفته وفقها
أما النماذج الأكثر تطوراً من الدول العلمانية فهي التي حرصت على فصل السلطة التشريعية والسلطة القضائية عن سلطة وصلاحيات الملك أو وريث الجمهورية .
من جهتها حاولت دول العالم الإسلامي الان محاكاة النموذج الغربي غير أن التطبيق لها ولّدَ نوعاً جديداً من شرعية الحكام كالشرعية الثورية او القائد الضرورة والتي لم تختلف في جوهرها عن نماذج الدول الدينية ان لم تكن اكثر تطرفا .
بعد أحداث الحرب الأخيرة وسقوط عرش صدّيم ( حاكم اتباع الصحابة الشرعي ) مصحوباً بسقوط خيار الأنظمة الشمولية ، حاول الغرب تقديم نموذجهم الخاص في إدارة الدولة للعمل به كنظام حكم بالعراق والمستند على نظرية فصل السلطات وحيث إن عملية فصل السلطة التشريعية والقضائية عن المؤسسة الحاكمة ( رئيس جمهورية – رئيس وزراء ) ستجعل منها مؤسسة تنفيذية خارجة عن تعريف الحاكم الشرعي لها حق الإشراف ليس إلاّ ، وبالتالي لن تنطبق عليها شروط قاعدة المنع الشرعي لدى الشيعة الاثني عشرية .
لن يتم التنظير للمؤسسة الحاكمة في العراق – بهذه الأسس المُعلنة – بأنها ألهية السلطات والمزايا كما لنظرائها في الدول المجاورة .
أن إمكانية البرلمان أو القضاء أو التنظيمات السياسية وحتى الفرد العادي على رفض أو الاحتجاج على قرارات مؤسسة الحكم يعتبر – في ثقافة الدول الإسلامية خروج على الشرعية لأن الحاكم أي حاكم هو ولي الأمر الشرعي .
بينما يتم التأكيد في العراق الآن عليها وهو شرعاً لا يمكن تصنيفه عصياناً لأمر الولي الشرعي لأنه ليس كذلك .
عمد فقهاء الأصول الإمامية الى تنصيب
( فيصل بن الحسين ) ملكاً دستورياً – محدود الصلاحيات - وهي قضية لم تكن خاضعة أيضاً للقاعدة الشرعية المانعة فيما لو كان ذلك الملك مشاركاً في الصلاحيات من قبل البرلمان أو القضاء . ولكن سرعان ما انقلب ( فيصل ) على شروط تعيينه التي قطعها للأمة العراقية واعتبر نفسه حاكماً شرعياً بصلاحيات كاملة كتعيين ولاة البلدان وتنصيب القضاة وحق اصدار تشريعات كمراسيم ملكية وغيرها .
إن أهم ما يُخفى على أذهان الشرائح المتدينة والمترددة من الخطوة الانتخابية ، يتمحور حول خطورة الثقافة البديلة والسائدة في الذهنية العراقية وذهنية الشعوب المجاورة ، فاحتمال انتصار ثقافة ( الحاكم الشرعي الفذ او الرئيس القائد او محرر فلسطين الموعود .. ) أمر وارد جداً ، وبالتالي استيلائه على صلاحيات التشريع والقضاء ، لذلك يجب التركيز على ضرورة التحرك لإبقاء تعريف المؤسسة الحاكمة بأنها مجموعة من الموظفين التنفيذيين الكبار ، وبأنهم معرضون للمسائلة والمحاسبة على أخطائهم .
وعلى من يتمسك بدعوى حرمة الاشتراك بالعملية الانتخابية كوسيلة لاستبدال الحكام بسرعة عليه ان يتمسك كذلك بحرمة التعامل مع هؤلاء قطعا لفساد الاصل لا ان يستمر بتقاضي راتبه او ان يستمر بدفع ضرائبه او الالتزام بالقوانين والتشريعات المستحدثة ولا ان يستمر بايجاد الوساطات لتسيير شؤنه الخاصة .
فمباشرة اختيار الأشخاص لهذه المناصب أمر لا ينطبق على القاعدة الشرعية المانعة من ذك لأنهم ببساطة ليسوا حكاماً شرعيين ( وفق التعريف الشرعي ) وإنما مُستخدَمين في الدولة العراقية . فلن يكون في عنقك بيعة شرعية لأحد منهم ولن تكون ملزماً أمام الله بأخذ حكمه بدون مراجعة أو رفض
( باستعمال وسائل الرفض التي تضعها نظرية الحكم الجديد ) .
إن مصلحة الشرائح المتدينة تقتضي العمل على بلورة دور المؤسسة النيابية وإمضاء صلاحياتها التشريعية ، والاطمئنان التام على رفع اليد عن المؤسسة القضائية وتمكينها من محاسبة الجميع .
ويجب المطالبة بتنفيذ كامل نظرية الحكم الجديدة دون انتقاء كصمام أمان لخطر النظرية الانقلابية من ابناء المثلث السني او نظرية الولي الإيرانية اوالنظرية السلفية الطالبانية .
أما فقرة المفكر الراحل
( عالم سبيط ) فهي خاصة بثقافة الشعوب الإسلامية وطبيعة أنظمتها المعاصرة التي تحاكي الشرعية الالهية ، فلم يدر في مخيلة الأستاذ ( عالم سبيط ) أو مُخيلة كاتب السطور إن شيئاً من هذا القبيل سيحدث على الساحة العراقية بهذه السرعة ولو بعد خمسة عقودً ( تصدير النظرية الغربية وقيام فصل السلطات على أساسها ) .
فوجود سلطات أربعة ( تنفيذية – تشريعية – قضائية – إعلامية ) تعمل منفصلة عن بعضها وبحرية تامة أمر لا يستوعبه أكثر الكُتّاب تنوراً كأمثال
( عالم سبيط ) في زمن العفالقة .
إن جوهر حوار الكاتب الراحل ، يركز على المحيط الإسلامي من جهة أولى وسلطات حكامه الواسعة والإلهية من جهة ثانية .
فـ( عالم سبيط ) يرفض الحكام الذين يصرحون أو يلمحون بالأحقية الإلهية أو الخلافة النبوية لأن أمثال هؤلاء يضعون أنفسهم في أماكن أئمة آل البيت
( عليهم السلام ) .
أما نظرية المنع من وجود حكام في بلاد المسلمين فهي عين الشعار والدعوة التي رفعها الخوارج بدعوى اكتمال الشريعة ووضوح مقاصدها ، ومحاولة إيجاد الإرادة الجمعية لمواجهة الانحراف والفساد الداخلي .
لقد تصدى أمير المؤمنين لمثل هذه الدعوة فكرياً وعسكرياً كقوله ( صلوات الله عليه ) تعليقاً على شعار الخوارج " لا حكم إلاّ لله " بقوله " كلمة حق يُراد بها باطل ، نعم لا حكم إلاّ لله ، ولكن هؤلاء يقولون لا أمرة إلاّ لله وأنه لابد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في أمرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر " [ نهج البلاغة ] .
فدعوى الخوارج توجب تعطل الحال والبلاد وغلبة الفوضى بغياب الحكومات والأمراء ، ونحن أهل العراق أعرف الناس بالحال في غياب سلطة الحكومة ولو لأيام .
وفي عبارة المولى ( عليه السلام ) بحث طويل يخرج القارئ عن عجلة السؤال والجواب وإن كان يوضح أمر مهم في فقه السلطة .