محل النزاع بين الأشاعرة ومن قبلهم الحنابلة وأصحاب الحديث ، وبين غيرهم من أهل التنزيه ، هو رؤية الله سبحانه بالأبصار التي هي نعمة من نعم الله سبحانه وطريق إلى وقوف الإنسان على الخارج .
يقول سبحانه : ( وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ( النحل / 78 ).
فالمثبت للرؤية والنافي لها يركز على موضوع واحد هو الرؤية بالأبصار ، وأن الخارج عن هذا الموضوع خارج عن إطار العقيدة . وبذلك يظهر أن الرؤية بغير الأبصار تأويل للعقيدة التي أصر عليها أصحاب أحمد ، بل الملتحق به الإمام الأشعري ، ولا يمت إلى موضوع البحث بصلة ، فقد نقل عن ضرار وحفص الفرد : إن الله لا يرى بالأبصار ، ولكن يخلق لنا يوم القيامة حاسة سادسة غير حواسنا فندركه بها ( 1 ).
يقول ابن حزم : إن الرؤية السعيدة ليست بالقوة الموضوعة بالعين ، بل بقوة أخرى موهوبة من الله ( 2 ).
إلى غير ذلك من الكلمات التي حرفت النقطة الرئيسية في البحث ، ومعتقد أهل الحديث الأشاعرة ، ونحن نركز في البحث على الرؤية بالأبصار ، وأما الرؤية بغيرها فخارجة عن مجاله . فإذا كانت الحنابلة والأشاعرة مصرين على جواز الرؤية ، فأئمة
الامام لاشعري،مقالات الاسلامين: 261 ،2-- ابن حزم، الفضل 3:2 أهل البيت ومن تبعهم من الإمامية والمعتزلة والزيدية قائلون بامتناعها في الدنيا والآخرة .
فالبيت الأموي والمنتمون إليه من أهل الحديث كانوا من دعاة التجسيم والتشبيه والجبر وإثبات الجهة ، والرؤية لله سبحانه ، وأما الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وبيته الطاهر وشيعتهم فكانوا من دعاة التنزيه والاختيار ، ومن الرافضين لهذه البدع المستوردة من اليهود بحماس .
وقد نجم في ظل العراك الفكري بين العلويين والأمويين منهجان في مجال المعارف كل يحمل شعارا ، فشيعة الإمام وأهل بيته يحملون شعار التنزيه والاختيار ، والأمويون وشيعتهم يحملون شعار التشبيه والجبر ، وقد اشتهر منذ قرون ، القول بأن : التنزيه والاختيار علويان ، والتشبيه والجبر أمويان .
فصارت النتيجة في النهاية أن كل محدث متزلف إلى البيت الأموي يحشد أخبار التجسيم والجبر ، بلا مبالاة واكتراث ، لكن الواعين من أمة محمد الموالين لأهل بيته كانوا يتجنبون نقل تلك الآثار .
قال الرازي في تفسير قوله ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) : احتج علماء التوحيد قديما وحديثا بهذه الآية على نفي كونه جسما مركبا من الأعضاء والأجزاء ، حاصلا في المكان والجهة . قالوا : لو كان جسما لكان مثلا لسائر الأجسام ، فيلزم حصول الأمثال والأشباه ، وذلك باطل بصريح قوله تعالى ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) - إلى أن قال : -
واعلم إن محمد بن إسحاق بن خزيمة أورد استدلال أصحابنا بهذه الآية في الكتاب الذي سماه بالتوحيد ، وهو في الحقيقة كتاب الشرك ، واعترض عليها ، وأنا أذكر حاصل كلامه بعد حذف التطويلات ، لأنه كان رجلا مضطرب الكلام ، قليل الفهم ، ناقص العقل ، فقال : نحن نثبت لله وجها ونقول : إن لوجه ربنا من النور والضياء والبهاء ، ما لو كشف حجابه لأحرقت سبحات وجهه كل شئ أدركه بصره ، ووجه ربنا منفي عنه الهلاك والفناء ، ونقول : إن لبني آدم وجوها كتب الله عليها الهلاك والفناء ، ونفى عنها الجلال والإكرام ، غير موصوفة بالنور والضياء والبهاء ، ولو كان مجرد إثبات الوجه لله يقتضي التشبيه لكان من قال إن لبني آدم وجوها وللخنازير والقردة والكلاب وجوها ، لكان قد شبه وجوه بني آدم بوجوه الخنازير والقردة والكلاب .
ثم قال : ولا شك إنه اعتقاد الجهمية ; لأنه لو قيل له : وجهك يشبه وجه الخنازير والقردة لغضب ولشافهه بالسوء ، فعلمنا أنه لا يلزم من إثبات الوجه واليدين لله إثبات التشبيه بين الله وبين خلقه .
إلى أن قال : وأقول هذا المسكين الجاهل إنما وقع في أمثال هذه الخرافات لأنه لم يعرف حقيقة المثلين ، وعلماء التوحيد حققوا الكلام في المثلين ثم فرعوا عليه الاستدلال بهذه الآية ( 1 ).
وليس ابن خزيمة أول أو آخر محدث تأثر بهذه البدع ، بل كانت الفكرة تتغلغل بين أكثر أهل الحديث الذين منهم :
(1) الرازي، مفاتيح الغيب 27/150-150 1 - عثمان بن سعيد بن خالد بن سعيد التميمي الدارمي السجستاني ، صاحب المسند المتوفى عام 280 ه صاحب النقض ، يقول فيه : إن الله فوق عرشه وسماواته .
2 - حشيش بن أصرم ، مؤلف كتاب الاستقامة ، يعرفه الذهبي : بأنه يرد فيه على أهل البدع ، ويريد به أهل التنزيه الذين يرفضون أخبار التشبيه ، توفي عام 352 ه .
3 - أحمد بن محمد بن الأزهر بن حريث السجستاني السجزي ، نقل الذهبي في ميزان الاعتدال عن السلمي قال : سألت الدارقطني عن الأزهري ، فقال : هو أحمد بن محمد بن الأزهر بن حريث ، سجستاني منكر الحديث ، لكن بلغني أن ابن خزيمة حسن الرأي فيه ، وكفى بهذا فخرا ( 1 ).
يلاحظ عليه أنه : كفى بهذا ضعفا ، لأن ابن خزيمة هذا رئيس المجسمة والمشبهة ، ومنه يعلم حال السجستاني . توفي سنة 312 هـ ( 2 ) .
4 - محمد بن إسحاق بن خزيمة ، ولد عام 311 ه وقد ألف التوحيد وإثبات صفات الرب ، وكتابه هذا مصدر المشبهة والمجسمة في العصور الأخيرة ، وقد اهتمت به الحنابلة ، وخصوصا الوهابية ، فقاموا بنشره على نطاق وسيع ، وسيأتي الحديث عنه .
5 - عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ولد عام 213 ه وتوفي عام 290 ه ، يروي أحاديث أبيه ( الإمام أحمد بن حنبل ) ، وكتابه السنة المطبوع
لأول مرة بالمطبعة السلفية ومكتبتها عام 9413 ه ، وهو كتاب مشحون بروايات التجسيم والتشبيه ، يروي فيه ضحك الرب ، وتكلمه ، واصبعه ، ويده ، ورجله ، وذراعيه ، وصدره ، وغير ذلك مما سيمر عليك بعضه . وهذه الكتب الحديثية الطافحة بالإسرائيليات والمسيحيات جرت الويل على الأمة وخدع بها المغفلون من الحنابلة والحشوية وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا .
(1)ميزان الاعتدال 1/132
(2) سيرة اعلام النبلاء 14/396
الرؤية في كلمات الإمام علي ( عليه السلام ) :
من يرجع إلى خطب الإمام علي ( عليه السلام ) في التوحيد وما أثر عن أئمة العترة الطاهرة يقف على أن مذهبهم في ذلك هو امتناع الرؤية ، وأنه سبحانه لا تدركه أوهام القلوب ، فكيف بأبصار العيون ، وإليك نزرا يسيرا مما ورد في هذا الباب :
1 - قال الإمام علي ( عليه السلام ) في خطبة الأشباح : الأول الذي لم يكن له قبل فيكون شئ قبله ، والآخر الذي ليس له بعد فيكون شئ بعده ، والرادع أناسي الأبصار عن أن تناله أو تدركه ( 1 ).
(1)نهج البلاغة، الخطبة 87، طبعة مصر المعروف بطبعة عبدة. والاناسي جمع انسان، وانسان البصر هو مايرى وسط الحدقة ممتاز عنها في لونها.
2 - وقد سأله ذعلب اليماني فقال : هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين ؟ فقال ( عليه السلام ) : أفأعبد ما لا أرى ؟ فقال : وكيف تراه ؟ فقال : لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان ، قريب من
الأشياء غير ملابس ، بعيد منها غير مبائن ( 1 ).
3 - وقال ( عليه السلام ) : الحمد لله الذي لا تدركه الشواهد ، ولا تحويه المشاهد ، ولا تراه النواظر ، ولا تحجبه السواتر ( 2 ).
إلى غير ذلك من خطبه ( عليه السلام ) الطافحة بتقديسه وتنزيهه عن إحاطة القلوب والأبصار به ( 3 ).
وأما المروي عن سائر أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) فقد عقد ثقة الإسلام الكليني في كتابه الكافي بابا خاصا للموضوع روى فيه ثمان روايات ( 4 ) كما عقد الصدوق في كتاب التوحيد بابا لذلك روى فيه إحدى وعشرين رواية ، يرجع قسم منها إلى نفي الرؤية الحسية البصرية ، وقسم منها يثبت رؤية معنوية قلبية سنشير إليه في محله ( 5 ).
ثم إن للإمام الطاهر علي بن موسى الرضا احتجاجا في المقام على مقال المحدث أبي قرة ، حيث ذكر الحديث الموروث عن الحبر الماكر كعب الأحبار : من أنه سبحانه قسم الرؤية والكلام بين نبيين ، كما تقدم.
فقال أبو قرة : فإنا روينا : أن الله قسم الرؤية والكلام بين نبيين ، فقسم لموسى ( عليه السلام ) الكلام ، ولمحمد ( صلى الله عليه وآله ) الرؤية .
فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : فمن المبلغ عن الله إلى الثقلين الجن
والإنس أنه لا تدركه الأبصار ولا يحيطون به علما وليس كمثله شيء ، أليس محمد ( صلى الله عليه وآله ) ؟
قال : بلى .
قال أبو الحسن ( عليه السلام ) : فكيف يجئ رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم أنه جاء من عند الله ، وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله ، ويقول : إنه لا تدركه الأبصار ولا يحيطون به علما وليس كمثله شيء ، ثم يقول : أنا رأيته بعيني وأحطت به علما وهو على صورة البشر ، أما تستحيون ؟ أما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا ، أن يكون أتى عن الله بأمر ثم يأتي بخلافه من وجه آخر .
فقال أبو قرة : إنه يقول : ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ) ( النجم / 13 ).
فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى حيث قال : ( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ) ( النجم / 11 ) يقول : ما كذب فؤاد محمد ( صلى الله عليه وآله ) ما رأت عيناه ثم أخبر بما رأت عيناه فقال : ( لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ) ( النجم / 18 ) فآيات الله غير الله ، وقال : ( وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ) ( طه / 110 ) فإذا رأته الأبصار فقد أحاط به العلم ووقعت المعرفة .
فقال أبو قرة : فتكذب بالرواية ؟
فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : إذا كانت الرواية مخالفة للقرآن كذبتها ، وما أجمع المسلمون عليه أنه لا يحاط به علما ، ولا تدركه الأبصار ، وليس كمثله شيء ( 6 ).
1-نهج البلاغة، الخطبة 174 . 2- نهج البلاغة ، الخطبة 180 . 3-لاحظ الخطبتين 48، 81 من المطبعة المذكورة . 4- الكافي 1/95 باب ابطال الرؤية . 5- التوحيد: 107- 122 باب 8. 6-الطبرسي ، الاحتجاج 2/375-376 .
آية اللة العظمى الشيخ جعفر السبحاني
يقول سبحانه : ( وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ( النحل / 78 ).
فالمثبت للرؤية والنافي لها يركز على موضوع واحد هو الرؤية بالأبصار ، وأن الخارج عن هذا الموضوع خارج عن إطار العقيدة . وبذلك يظهر أن الرؤية بغير الأبصار تأويل للعقيدة التي أصر عليها أصحاب أحمد ، بل الملتحق به الإمام الأشعري ، ولا يمت إلى موضوع البحث بصلة ، فقد نقل عن ضرار وحفص الفرد : إن الله لا يرى بالأبصار ، ولكن يخلق لنا يوم القيامة حاسة سادسة غير حواسنا فندركه بها ( 1 ).
يقول ابن حزم : إن الرؤية السعيدة ليست بالقوة الموضوعة بالعين ، بل بقوة أخرى موهوبة من الله ( 2 ).
إلى غير ذلك من الكلمات التي حرفت النقطة الرئيسية في البحث ، ومعتقد أهل الحديث الأشاعرة ، ونحن نركز في البحث على الرؤية بالأبصار ، وأما الرؤية بغيرها فخارجة عن مجاله . فإذا كانت الحنابلة والأشاعرة مصرين على جواز الرؤية ، فأئمة
الامام لاشعري،مقالات الاسلامين: 261 ،2-- ابن حزم، الفضل 3:2 أهل البيت ومن تبعهم من الإمامية والمعتزلة والزيدية قائلون بامتناعها في الدنيا والآخرة .
فالبيت الأموي والمنتمون إليه من أهل الحديث كانوا من دعاة التجسيم والتشبيه والجبر وإثبات الجهة ، والرؤية لله سبحانه ، وأما الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وبيته الطاهر وشيعتهم فكانوا من دعاة التنزيه والاختيار ، ومن الرافضين لهذه البدع المستوردة من اليهود بحماس .
وقد نجم في ظل العراك الفكري بين العلويين والأمويين منهجان في مجال المعارف كل يحمل شعارا ، فشيعة الإمام وأهل بيته يحملون شعار التنزيه والاختيار ، والأمويون وشيعتهم يحملون شعار التشبيه والجبر ، وقد اشتهر منذ قرون ، القول بأن : التنزيه والاختيار علويان ، والتشبيه والجبر أمويان .
فصارت النتيجة في النهاية أن كل محدث متزلف إلى البيت الأموي يحشد أخبار التجسيم والجبر ، بلا مبالاة واكتراث ، لكن الواعين من أمة محمد الموالين لأهل بيته كانوا يتجنبون نقل تلك الآثار .
قال الرازي في تفسير قوله ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) : احتج علماء التوحيد قديما وحديثا بهذه الآية على نفي كونه جسما مركبا من الأعضاء والأجزاء ، حاصلا في المكان والجهة . قالوا : لو كان جسما لكان مثلا لسائر الأجسام ، فيلزم حصول الأمثال والأشباه ، وذلك باطل بصريح قوله تعالى ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) - إلى أن قال : -
واعلم إن محمد بن إسحاق بن خزيمة أورد استدلال أصحابنا بهذه الآية في الكتاب الذي سماه بالتوحيد ، وهو في الحقيقة كتاب الشرك ، واعترض عليها ، وأنا أذكر حاصل كلامه بعد حذف التطويلات ، لأنه كان رجلا مضطرب الكلام ، قليل الفهم ، ناقص العقل ، فقال : نحن نثبت لله وجها ونقول : إن لوجه ربنا من النور والضياء والبهاء ، ما لو كشف حجابه لأحرقت سبحات وجهه كل شئ أدركه بصره ، ووجه ربنا منفي عنه الهلاك والفناء ، ونقول : إن لبني آدم وجوها كتب الله عليها الهلاك والفناء ، ونفى عنها الجلال والإكرام ، غير موصوفة بالنور والضياء والبهاء ، ولو كان مجرد إثبات الوجه لله يقتضي التشبيه لكان من قال إن لبني آدم وجوها وللخنازير والقردة والكلاب وجوها ، لكان قد شبه وجوه بني آدم بوجوه الخنازير والقردة والكلاب .
ثم قال : ولا شك إنه اعتقاد الجهمية ; لأنه لو قيل له : وجهك يشبه وجه الخنازير والقردة لغضب ولشافهه بالسوء ، فعلمنا أنه لا يلزم من إثبات الوجه واليدين لله إثبات التشبيه بين الله وبين خلقه .
إلى أن قال : وأقول هذا المسكين الجاهل إنما وقع في أمثال هذه الخرافات لأنه لم يعرف حقيقة المثلين ، وعلماء التوحيد حققوا الكلام في المثلين ثم فرعوا عليه الاستدلال بهذه الآية ( 1 ).
وليس ابن خزيمة أول أو آخر محدث تأثر بهذه البدع ، بل كانت الفكرة تتغلغل بين أكثر أهل الحديث الذين منهم :
(1) الرازي، مفاتيح الغيب 27/150-150 1 - عثمان بن سعيد بن خالد بن سعيد التميمي الدارمي السجستاني ، صاحب المسند المتوفى عام 280 ه صاحب النقض ، يقول فيه : إن الله فوق عرشه وسماواته .
2 - حشيش بن أصرم ، مؤلف كتاب الاستقامة ، يعرفه الذهبي : بأنه يرد فيه على أهل البدع ، ويريد به أهل التنزيه الذين يرفضون أخبار التشبيه ، توفي عام 352 ه .
3 - أحمد بن محمد بن الأزهر بن حريث السجستاني السجزي ، نقل الذهبي في ميزان الاعتدال عن السلمي قال : سألت الدارقطني عن الأزهري ، فقال : هو أحمد بن محمد بن الأزهر بن حريث ، سجستاني منكر الحديث ، لكن بلغني أن ابن خزيمة حسن الرأي فيه ، وكفى بهذا فخرا ( 1 ).
يلاحظ عليه أنه : كفى بهذا ضعفا ، لأن ابن خزيمة هذا رئيس المجسمة والمشبهة ، ومنه يعلم حال السجستاني . توفي سنة 312 هـ ( 2 ) .
4 - محمد بن إسحاق بن خزيمة ، ولد عام 311 ه وقد ألف التوحيد وإثبات صفات الرب ، وكتابه هذا مصدر المشبهة والمجسمة في العصور الأخيرة ، وقد اهتمت به الحنابلة ، وخصوصا الوهابية ، فقاموا بنشره على نطاق وسيع ، وسيأتي الحديث عنه .
5 - عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ولد عام 213 ه وتوفي عام 290 ه ، يروي أحاديث أبيه ( الإمام أحمد بن حنبل ) ، وكتابه السنة المطبوع
لأول مرة بالمطبعة السلفية ومكتبتها عام 9413 ه ، وهو كتاب مشحون بروايات التجسيم والتشبيه ، يروي فيه ضحك الرب ، وتكلمه ، واصبعه ، ويده ، ورجله ، وذراعيه ، وصدره ، وغير ذلك مما سيمر عليك بعضه . وهذه الكتب الحديثية الطافحة بالإسرائيليات والمسيحيات جرت الويل على الأمة وخدع بها المغفلون من الحنابلة والحشوية وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا .
(1)ميزان الاعتدال 1/132
(2) سيرة اعلام النبلاء 14/396
الرؤية في كلمات الإمام علي ( عليه السلام ) :
من يرجع إلى خطب الإمام علي ( عليه السلام ) في التوحيد وما أثر عن أئمة العترة الطاهرة يقف على أن مذهبهم في ذلك هو امتناع الرؤية ، وأنه سبحانه لا تدركه أوهام القلوب ، فكيف بأبصار العيون ، وإليك نزرا يسيرا مما ورد في هذا الباب :
1 - قال الإمام علي ( عليه السلام ) في خطبة الأشباح : الأول الذي لم يكن له قبل فيكون شئ قبله ، والآخر الذي ليس له بعد فيكون شئ بعده ، والرادع أناسي الأبصار عن أن تناله أو تدركه ( 1 ).
(1)نهج البلاغة، الخطبة 87، طبعة مصر المعروف بطبعة عبدة. والاناسي جمع انسان، وانسان البصر هو مايرى وسط الحدقة ممتاز عنها في لونها.
2 - وقد سأله ذعلب اليماني فقال : هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين ؟ فقال ( عليه السلام ) : أفأعبد ما لا أرى ؟ فقال : وكيف تراه ؟ فقال : لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان ، قريب من
الأشياء غير ملابس ، بعيد منها غير مبائن ( 1 ).
3 - وقال ( عليه السلام ) : الحمد لله الذي لا تدركه الشواهد ، ولا تحويه المشاهد ، ولا تراه النواظر ، ولا تحجبه السواتر ( 2 ).
إلى غير ذلك من خطبه ( عليه السلام ) الطافحة بتقديسه وتنزيهه عن إحاطة القلوب والأبصار به ( 3 ).
وأما المروي عن سائر أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) فقد عقد ثقة الإسلام الكليني في كتابه الكافي بابا خاصا للموضوع روى فيه ثمان روايات ( 4 ) كما عقد الصدوق في كتاب التوحيد بابا لذلك روى فيه إحدى وعشرين رواية ، يرجع قسم منها إلى نفي الرؤية الحسية البصرية ، وقسم منها يثبت رؤية معنوية قلبية سنشير إليه في محله ( 5 ).
ثم إن للإمام الطاهر علي بن موسى الرضا احتجاجا في المقام على مقال المحدث أبي قرة ، حيث ذكر الحديث الموروث عن الحبر الماكر كعب الأحبار : من أنه سبحانه قسم الرؤية والكلام بين نبيين ، كما تقدم.
فقال أبو قرة : فإنا روينا : أن الله قسم الرؤية والكلام بين نبيين ، فقسم لموسى ( عليه السلام ) الكلام ، ولمحمد ( صلى الله عليه وآله ) الرؤية .
فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : فمن المبلغ عن الله إلى الثقلين الجن
والإنس أنه لا تدركه الأبصار ولا يحيطون به علما وليس كمثله شيء ، أليس محمد ( صلى الله عليه وآله ) ؟
قال : بلى .
قال أبو الحسن ( عليه السلام ) : فكيف يجئ رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم أنه جاء من عند الله ، وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله ، ويقول : إنه لا تدركه الأبصار ولا يحيطون به علما وليس كمثله شيء ، ثم يقول : أنا رأيته بعيني وأحطت به علما وهو على صورة البشر ، أما تستحيون ؟ أما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا ، أن يكون أتى عن الله بأمر ثم يأتي بخلافه من وجه آخر .
فقال أبو قرة : إنه يقول : ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ) ( النجم / 13 ).
فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى حيث قال : ( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ) ( النجم / 11 ) يقول : ما كذب فؤاد محمد ( صلى الله عليه وآله ) ما رأت عيناه ثم أخبر بما رأت عيناه فقال : ( لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ) ( النجم / 18 ) فآيات الله غير الله ، وقال : ( وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ) ( طه / 110 ) فإذا رأته الأبصار فقد أحاط به العلم ووقعت المعرفة .
فقال أبو قرة : فتكذب بالرواية ؟
فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : إذا كانت الرواية مخالفة للقرآن كذبتها ، وما أجمع المسلمون عليه أنه لا يحاط به علما ، ولا تدركه الأبصار ، وليس كمثله شيء ( 6 ).
1-نهج البلاغة، الخطبة 174 . 2- نهج البلاغة ، الخطبة 180 . 3-لاحظ الخطبتين 48، 81 من المطبعة المذكورة . 4- الكافي 1/95 باب ابطال الرؤية . 5- التوحيد: 107- 122 باب 8. 6-الطبرسي ، الاحتجاج 2/375-376 .
آية اللة العظمى الشيخ جعفر السبحاني