تويت
مصالحة مع من؟!
يحسُن أمر تعميم خطاب المصالحات الوطنية في وطن عانى ما عاناه من التمزيق المنظّم لأطيافه كما هو حال العراق الذي ينطلق في هذه المرحلة متطلعاً لبناء كيانه العام على صورة الدولة الحديثة التي تشاكل تلك التي كرّستها العولمة السياسية وتبنتها الكيانات السياسية في مختلف أرجاء العالم ، وأقران العراق المحيطة به خصوصاً الدول العربية.
غير أن الحديث عن مصالحة في العراق يستجلب الكثير من الحساسية والنقاش فيما يرتبط بأفراد حزب البعث، خصوصاً أنه يرتبط بالذاكرة الشعبية القريبة التي لا يمكنها أن تشطب عن لوحها الجرائم التي إرتكبها هؤلاء كماً ونوعاً على مدى أكثر من ثلاثة عقود حكموا خلالها العراق .
البعثي في نظر العراقي ليس هو ذاك الفرد الذي تبنّى أهدافاً قومية إشتراكية فحلّ عليهم حاكماً بإرادة شعبية، أو الذي له دور في بناء وطن يستطيع أن يحيا فيه إنساناً كريماً يشعر فيه بعزة الإنتماء التي تعادل فخره بحضارة البلد ودوره التاريخي.
تمّحي من الفهم السياسي العراقي فكرة إجراء المصالحة مع فئة إمّحت إنسانية العراقي من إعتبارها قبلاً ، وأذاقته مر الحياة مجازراً وجرائماً لن يتمكن من إحصائها ، كما لن يتمكن من أن يمحو آثارها المادية والمعنوية والنفسية.
وليس شك من أن تحديد من هو البعثي هي الإشكالية الكبرى للعراقي ، ذلك أن الإنتساب لحزب البعث في ظروف كتلك التي حكم خلالها العراق قد كانت تعني لفئات عريضة تقدر بالملايين إستمرارية الحياة لهم ولأسرهم ، أو النجاة من حكم جائر . وهؤلاء المقهورون في مجملهم هم اليوم مواطني العراق بتنوعاتهم الفكرية السياسية دون البعث.
فالبعثي الذي لا مصالحة معه تحت أي عنوان وأي حجة هو "البعثي المجرم" ، الذي ساهم بإذلال العراقيين ، وأعمل فيهم وسائل العذاب التي لا تطاق، لا لشيء إلا لأنه يطغى إختياراً، ولا لشيء إلا لأن أهواء الطاغية إعتُبرت لديه واجباً يؤديه مخلصاً .
وأمام هذا "البعثي المجرم" ليس إلا المحاكم العراقية وأن يُحاسب على ما إرتكبه من جرائم بحق العراقيين، وأن يُسترد منه ما أمكن مما سلبهم إياه، كما ليس له أن يتطلع إلى دعوات مفهومة الغايات تريد مُصالحته، بل له أن يقتنع أن مسيرة بناء العراق الجديد ستتم بسواعد من إضطهدهم ، وبعناية قيادات إختاروها وقالوا كلمتهم بأن لا مصالحة مع هؤلاء وأن يوم العدل عليهم سيكون أشد من أيام الجور التي كانوا أبطالها.