بقلم / أم الشهيد
الإهـــــداء
- إلى كل أم عرفت الله حق معرفته وأخلصت النية في تربية أولادها وتنشئتهم تنشئة إسلامية
- إلى كل شاب نشأ في حب الله والتزم بتعاليم الكتاب والسنة وأخلص في ذلك .
- إلى كل من أخذ محمود بيدهم وعرفهم طريق المسجد والجلسات ودروس الأحكام وحلق الذكر وهداهم الله ونور قلوبهم .
- إلى كل زهراتنا وأشبالنا الذي أحبوا كتاب الله وحافظوا على الصحبة الصالحة ومشوا في مرضاة الله
- إلى كل المجاهدين في سبيل الله من أجل إعلاء كلمة الله ونصرة الحق .
- إلى كل الأمهات الصالحات الصابرات المحتسبات فلذات أكبادهن عند الله جل في علاه لتبقى راية لا إله إلا الله عالية خفاقة دائماً وأبداً . ..... أهدي هذا الكتاب .
أم أحمد
استهـــلال
بادئ ذي بدئ أردت أن أبدأ هذا الكتاب بهذه الكلمات نقلتها عن كراسة محمود وكانت بخط يده ولسان حاله يقول .....
بسم الله الرحمن الرحيم : " إنا فتحنا لك فتحاً مبينا " صدق الله العظيم
اللهم افتح لي أبواب رحمتك ......
ضع في يدي القيد ألهب أضلعي *** بالسوط ضع عنقي على السكينِ
لن تستطيع حصار فكري ساعةً *** أونزع إيماني ونور يقيني
فالنور في قلبي وقلبي في يدي ربي*** وربي ناصري ومعيني
نسأل الله الثبات على الحق
وحسبنا الله ونعم الوكيل
محمود حسن العابد
ولدي ومهجة قلبي الشهيد محمود حسن العابد
إني احتسبك شهيداً عند الله
نشـأته ومولده : ولد الشهيد محمود حسن العابد في معسكر الشاطئ الشمالي بغزة في بيت متواضع وبسيط بتاريخ 30/4/1979م مساءً ما بين المغرب والعشاء .وكان ترتيبه في العائلة رقم " 4 " ، ومحمود له " 5 " أخوات و "4 " اخوة .
ميلاد محمود كان سهلاً جداً بحمد الله حيث أنني لم أشعر بالآلام أثناء ولادته كباقي إخوته ، حتى أن الدكتور بمستشفى الشفاء في غزة لم يصدق أني في حالة وضع ، فوالله ولدت محمود واستقبلته وأنا أضحك ، وودعته وأنا أضحك !!!!!! فسبحان الله لا إله إلا هو تتزامن الابتسامة على وجهي أثناء استقبالي له على هذه الدنيا مع توديعي له منها إلى الدار الآخرة شهيداً بإذن الله بابتسامة أحلى وأبهج ، وذلك لإيماني العميق بكرم الله عز وجل بأنني أودع ابني لملاقاة ربه مخلداً في جنات النعيم مع الحور العين ، وليكون بإذن الله بجوار الرسول صلى الله عليه وسلم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين كما تمنى محمود . وأيضاَ يتزامن التوقيت بميلاد محمود مع توقيت استشهاده !!!. فلقد خرج محمود إلى هذه الدنيا وهو يصرخ ما بين المغرب والعشاء .... وفارق هذه الدنيا وهو يكبر ويصرخ في وجه الصهاينة ما بين المغرب والعشاء !!!!! .
الله اكبر الله أكبر الله أكبر ما أعظمك يا إلهي الحمد لله ، فما هذا إلا من خالص ثقتي بالله جل جلاله بمنزلة الشهداء في الدار الآخرة . فما إن أنجبت محمود وكأنني فعلاً أنجبت فارس الفرسان !!!! حيث أصبت بالغدة الدرقية في رقبتي ، وانتهيت منها بسلامة الله بعملية جراحية بعد 7 سنوات من المعاناة .
وكان في البداية أن أشرف على علاجي الدكتور الذي أحبه في الله هو الدكتور محمود الزهار أطال الله في عمره هو وكل المجاهدين الشرفاء وجعله للإسلام ونصرة الحق ذخراً وفخراً على مر السنين . وبعدها فقط أعتقل الدكتور محمود الزهار من قبل قوات الاحتلال وكان ذلك قبل الانتفاضة الأولى بسنوات وقلت في نفسي لن أتعالج إلا لما يخرج الدكتور الزهار بسلامة الله من السجن الاحتلال وكان وقتها هو رئيس نقابة الأطباء . لم يطل مكوث الدكتور الزهار في السجن ولكني انتظرت حوالي عدة أشهر بعد خروجه بالسلامة وأكملت معه التحاليل ومن ثم ذهبت إلى مستشفى سوروكا في بئر السبع لأعمل صور أشعة وعند العملية لم يرض الدكتور الزهار أن يعملها في عيادته الخاصة لما علم أنه يوجد لدينا تأمين صحي فقال أنتم أحق بالفلوس التي ستدفعونها أجرة العملية وهي 70 دينار أردني وأصر على أن أعملها في المستشفى حتى لا ندفع أي مليم . بارك الله فيك يا دكتور والله الإسلام يريد مثل هؤلاء وإن شاء الله ربنا يعزنا بالإسلام .
معاناة محمود في حياته : لقد تعرض الشهيد محمود في حياته أكثر من ثلاث مرات للموت ، محمود كان جميلاً جداً ، أبيض وجهه مشرق كالبدر ، وشعره أشقر كلون الذهب وكل من يراه يحسبه بنت لأني كنت أربط شعره لفوق وأفتح خصلات شعره المذهب ليصبح مثل الوردة فوق رأسه الجميل ، وبعد سنتين من عمره حلقت له شعره فذهبت خصلة شعره الشقراء حتى يصدق الناس أنه ولد وليس بنتاً . طبعاً هذا الجمال في وجه محمود كان لا بد له من نهاية مؤلمة جداً ومؤقتة بحمد الله وعنايته . حيث تعرض للموت وهو في سن 11 شهر فقط وقبل بلوغه العام الأول من عمره .... فكانت هذه :
المرة الأولى : طبعاً وبسبب شقاوته منذ صغره وأثناء زحفه استطاع محمود أن يصل إلى إبريق الشاي المغلي ووضع يده داخل الإبريق ، وعندما حاول إخراج يده وهو يصرخ ، انسكب الإبريق كله تحت بطنه بالتحديد تحت معدته وعلى يده اليمنى كل أصابع يده وإلى منتصف يده تقريباً وعلى ركبته بدرجة واضحة .. وحينها فقد محمود صوته من شدة الألم وما سمعته أبداً وهو يصرخ ، فمن رحمة الله وعنايته أني كنت قبل 10 دقائق فقط قد رفعت الحصيرة التي كنا نفترشها على الأرض ووضعت بدلاَ منها بساطاً كبيراً وثقيل ، فهنا تجلت عناية الله بأن البساط قد تشرب كل الشاي ، فالحمد لله لم يشأ الله لمحمود أن يموت في حينها ولكن مكتوب له أن يعيش ويكبر ويرى في حياته ما كتب الله له .. كل هذا وعمره 11 شهراً . فطبعاً كانت الحروق شديدة نوعا ًما وخصوصاً عند منطقة المعدة وأصابع يده من الداخل ـ فظلت تؤلمه حتى كبر في أيام الحر ، فهذا أثر على مشي محمود عدة شهور أخرى وكانت آثار الحروق موجودة بوضوح كبير جداً على يده وأصابعه جميعها من داخل بطن اليد والركبة حتى استشهاده . وطبعاً مكثت على أثر هذه الحروق في المستشفى مدة من الوقت . فقد أكرمني الله بممرضة جارة أهلي وساعدتني كثيراً حيث خرجت من المستشفى على عاتقي لأن أطفالي صغار وبحاجة ماسة لوجودي بجوارهم حيث لم يكن لي من يرعاهم ، وأكملت علاج محمود عند الممرضة بارك الله فيها ، فكنت كل يوم أحمل محمود على يدي وأذهب إلى بيتها في ساعات العصر لتكمل هي العلاج من محاليل لغسل الحروق وأدوية ومضادات حيوية دون أن أدفع لها مليماً واحداً ، والحمد لله تعافى محمود بعد حوالي شهرين من العلاج المكثف .... وهذه الممرضة التي عالجت ابني لم تدخل بيتي مطلقاً ولم تعرفه أبداً إلا عندما علمت بنبأ استشهاد محمود لأنها سافرت إلى السعودية مع زوجها وعادت إلى أرض الوطن منذ سنوات قليلة ، ومع أنني كنت دائماً أسأل عن أخبارها إلا أن القدر لم يسمح لي بزيارتها فأتت هي إلى بيتي لتهنئني باستشهاد محمود بارك الله فيها وجزاها كل الخير .وبعد ذلك كبر محمود وترعرع وتربى مع إخوته تربية إسلامية وتعلم في روضة الوكالة وعمره 4 سنوات وبعدها انتقلنا للسكن في حي الشيخ رضوان حي المجاهدين حيث كان عمر محمود وقتها 5 سنوات وكان يذهب مع إخوته برفقة والده الذي كان يعمل مدرساً بوكالة الغوث للاجئين إلى مدرسة أبو عاصي الابتدائية في المعسكر الشمالي .. كمستمع في الفصل أي غير نظامي . وقد حرصت منذ صغر أطفالي أن أربيهم تربية إسلامية فأول ما غرست في نفوسهم عدم الكذب فتربوا على ذلك وعلى حب الخير والعطاء ومساعدة الآخرين ، لأن الطفل إذا تربى تربية صحيحة ينشأ منشأً سليماً ، محمود في أحد الليالي وقبل استشهاده بحوالي شهرين رجع إلى البيت في ساعة متأخرة جداً ولما سأله والده لماذا تأخرت قال له " باشتغل مع الكتائب " وطلع إلى غرفته " أبوه ظنه قالها مازحاً ، قلنا ما شاء الله !!! مرة واحدة في الكتائب !!!! وتبينت بعدها أن محمود ما أحب أن يكذب على والده !!!! وطبعاً ما صدقناه لأنه دايماً مرح وفكاهي وأيضاً حرصت على تعليم أولادي حبهم لبعضهم البعض وأن يبتعدوا عن حب الذات ، وعند الأكل بسم الله ، لما تشبع الحمد لله ، عند دخول الحمام " اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث " .
عند دخول المنزل : السلام عليكم بصوت عالٍ .
عند الخروج منه: " بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله .
عند ركوب السيارة : الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين .
عند دخول المسجد ـ عند لبس الثوب وخلعه ، الحمد لله لما صاروا يحضروا جلسات وهم أطفال كان الشيخ يعلمهم هذا كله وكان أولادي يعرفونه مني قبل أن يعرفوه من المسجد . فأنا أتوجه إلى الأمهات المسلمات أن يغرسن في أولادهن كل هذه الصفات الحسنة ويراعين الله حق رعايته في تربية أولادهن لأنهن مسئولات يوم القيامة عن كل صغيرة وكبيرة أمام الله . طبعاً في هذا الجو المسلم كبر محمود وترعرع وأصبح من أشبال المساجد ، لقد كان شعلة من الإيمان وكان هادئاً خجولاً جداً كباقي إخوته منذ الصغر وكان من الأوائل في الفصل . وفي سن الرابعة عشرة من عمره عمل محمود في البناء مع صديق له ،كان مع صديقه يعملان مع والد هذا الصديق بعد انتهائه من المدرسة , وكنت أخاف عليه لأن هذا عمل شاق بالنسبة لسنه ويقول لي لا تقلقي يا أمي أنا هيك بأقوى جسمي ، فالمؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير ، وبعدها اشتغل في البلاط وكل هذا وهو محافظ على دراسته وعلى صلاته وحفظه للقرآن ودروس العلم وحلق الذكر في المساجد .
الإهـــــداء
- إلى كل أم عرفت الله حق معرفته وأخلصت النية في تربية أولادها وتنشئتهم تنشئة إسلامية
- إلى كل شاب نشأ في حب الله والتزم بتعاليم الكتاب والسنة وأخلص في ذلك .
- إلى كل من أخذ محمود بيدهم وعرفهم طريق المسجد والجلسات ودروس الأحكام وحلق الذكر وهداهم الله ونور قلوبهم .
- إلى كل زهراتنا وأشبالنا الذي أحبوا كتاب الله وحافظوا على الصحبة الصالحة ومشوا في مرضاة الله
- إلى كل المجاهدين في سبيل الله من أجل إعلاء كلمة الله ونصرة الحق .
- إلى كل الأمهات الصالحات الصابرات المحتسبات فلذات أكبادهن عند الله جل في علاه لتبقى راية لا إله إلا الله عالية خفاقة دائماً وأبداً . ..... أهدي هذا الكتاب .
أم أحمد
استهـــلال
بادئ ذي بدئ أردت أن أبدأ هذا الكتاب بهذه الكلمات نقلتها عن كراسة محمود وكانت بخط يده ولسان حاله يقول .....
بسم الله الرحمن الرحيم : " إنا فتحنا لك فتحاً مبينا " صدق الله العظيم
اللهم افتح لي أبواب رحمتك ......
ضع في يدي القيد ألهب أضلعي *** بالسوط ضع عنقي على السكينِ
لن تستطيع حصار فكري ساعةً *** أونزع إيماني ونور يقيني
فالنور في قلبي وقلبي في يدي ربي*** وربي ناصري ومعيني
نسأل الله الثبات على الحق
وحسبنا الله ونعم الوكيل
محمود حسن العابد
ولدي ومهجة قلبي الشهيد محمود حسن العابد
إني احتسبك شهيداً عند الله
نشـأته ومولده : ولد الشهيد محمود حسن العابد في معسكر الشاطئ الشمالي بغزة في بيت متواضع وبسيط بتاريخ 30/4/1979م مساءً ما بين المغرب والعشاء .وكان ترتيبه في العائلة رقم " 4 " ، ومحمود له " 5 " أخوات و "4 " اخوة .
ميلاد محمود كان سهلاً جداً بحمد الله حيث أنني لم أشعر بالآلام أثناء ولادته كباقي إخوته ، حتى أن الدكتور بمستشفى الشفاء في غزة لم يصدق أني في حالة وضع ، فوالله ولدت محمود واستقبلته وأنا أضحك ، وودعته وأنا أضحك !!!!!! فسبحان الله لا إله إلا هو تتزامن الابتسامة على وجهي أثناء استقبالي له على هذه الدنيا مع توديعي له منها إلى الدار الآخرة شهيداً بإذن الله بابتسامة أحلى وأبهج ، وذلك لإيماني العميق بكرم الله عز وجل بأنني أودع ابني لملاقاة ربه مخلداً في جنات النعيم مع الحور العين ، وليكون بإذن الله بجوار الرسول صلى الله عليه وسلم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين كما تمنى محمود . وأيضاَ يتزامن التوقيت بميلاد محمود مع توقيت استشهاده !!!. فلقد خرج محمود إلى هذه الدنيا وهو يصرخ ما بين المغرب والعشاء .... وفارق هذه الدنيا وهو يكبر ويصرخ في وجه الصهاينة ما بين المغرب والعشاء !!!!! .
الله اكبر الله أكبر الله أكبر ما أعظمك يا إلهي الحمد لله ، فما هذا إلا من خالص ثقتي بالله جل جلاله بمنزلة الشهداء في الدار الآخرة . فما إن أنجبت محمود وكأنني فعلاً أنجبت فارس الفرسان !!!! حيث أصبت بالغدة الدرقية في رقبتي ، وانتهيت منها بسلامة الله بعملية جراحية بعد 7 سنوات من المعاناة .
وكان في البداية أن أشرف على علاجي الدكتور الذي أحبه في الله هو الدكتور محمود الزهار أطال الله في عمره هو وكل المجاهدين الشرفاء وجعله للإسلام ونصرة الحق ذخراً وفخراً على مر السنين . وبعدها فقط أعتقل الدكتور محمود الزهار من قبل قوات الاحتلال وكان ذلك قبل الانتفاضة الأولى بسنوات وقلت في نفسي لن أتعالج إلا لما يخرج الدكتور الزهار بسلامة الله من السجن الاحتلال وكان وقتها هو رئيس نقابة الأطباء . لم يطل مكوث الدكتور الزهار في السجن ولكني انتظرت حوالي عدة أشهر بعد خروجه بالسلامة وأكملت معه التحاليل ومن ثم ذهبت إلى مستشفى سوروكا في بئر السبع لأعمل صور أشعة وعند العملية لم يرض الدكتور الزهار أن يعملها في عيادته الخاصة لما علم أنه يوجد لدينا تأمين صحي فقال أنتم أحق بالفلوس التي ستدفعونها أجرة العملية وهي 70 دينار أردني وأصر على أن أعملها في المستشفى حتى لا ندفع أي مليم . بارك الله فيك يا دكتور والله الإسلام يريد مثل هؤلاء وإن شاء الله ربنا يعزنا بالإسلام .
معاناة محمود في حياته : لقد تعرض الشهيد محمود في حياته أكثر من ثلاث مرات للموت ، محمود كان جميلاً جداً ، أبيض وجهه مشرق كالبدر ، وشعره أشقر كلون الذهب وكل من يراه يحسبه بنت لأني كنت أربط شعره لفوق وأفتح خصلات شعره المذهب ليصبح مثل الوردة فوق رأسه الجميل ، وبعد سنتين من عمره حلقت له شعره فذهبت خصلة شعره الشقراء حتى يصدق الناس أنه ولد وليس بنتاً . طبعاً هذا الجمال في وجه محمود كان لا بد له من نهاية مؤلمة جداً ومؤقتة بحمد الله وعنايته . حيث تعرض للموت وهو في سن 11 شهر فقط وقبل بلوغه العام الأول من عمره .... فكانت هذه :
المرة الأولى : طبعاً وبسبب شقاوته منذ صغره وأثناء زحفه استطاع محمود أن يصل إلى إبريق الشاي المغلي ووضع يده داخل الإبريق ، وعندما حاول إخراج يده وهو يصرخ ، انسكب الإبريق كله تحت بطنه بالتحديد تحت معدته وعلى يده اليمنى كل أصابع يده وإلى منتصف يده تقريباً وعلى ركبته بدرجة واضحة .. وحينها فقد محمود صوته من شدة الألم وما سمعته أبداً وهو يصرخ ، فمن رحمة الله وعنايته أني كنت قبل 10 دقائق فقط قد رفعت الحصيرة التي كنا نفترشها على الأرض ووضعت بدلاَ منها بساطاً كبيراً وثقيل ، فهنا تجلت عناية الله بأن البساط قد تشرب كل الشاي ، فالحمد لله لم يشأ الله لمحمود أن يموت في حينها ولكن مكتوب له أن يعيش ويكبر ويرى في حياته ما كتب الله له .. كل هذا وعمره 11 شهراً . فطبعاً كانت الحروق شديدة نوعا ًما وخصوصاً عند منطقة المعدة وأصابع يده من الداخل ـ فظلت تؤلمه حتى كبر في أيام الحر ، فهذا أثر على مشي محمود عدة شهور أخرى وكانت آثار الحروق موجودة بوضوح كبير جداً على يده وأصابعه جميعها من داخل بطن اليد والركبة حتى استشهاده . وطبعاً مكثت على أثر هذه الحروق في المستشفى مدة من الوقت . فقد أكرمني الله بممرضة جارة أهلي وساعدتني كثيراً حيث خرجت من المستشفى على عاتقي لأن أطفالي صغار وبحاجة ماسة لوجودي بجوارهم حيث لم يكن لي من يرعاهم ، وأكملت علاج محمود عند الممرضة بارك الله فيها ، فكنت كل يوم أحمل محمود على يدي وأذهب إلى بيتها في ساعات العصر لتكمل هي العلاج من محاليل لغسل الحروق وأدوية ومضادات حيوية دون أن أدفع لها مليماً واحداً ، والحمد لله تعافى محمود بعد حوالي شهرين من العلاج المكثف .... وهذه الممرضة التي عالجت ابني لم تدخل بيتي مطلقاً ولم تعرفه أبداً إلا عندما علمت بنبأ استشهاد محمود لأنها سافرت إلى السعودية مع زوجها وعادت إلى أرض الوطن منذ سنوات قليلة ، ومع أنني كنت دائماً أسأل عن أخبارها إلا أن القدر لم يسمح لي بزيارتها فأتت هي إلى بيتي لتهنئني باستشهاد محمود بارك الله فيها وجزاها كل الخير .وبعد ذلك كبر محمود وترعرع وتربى مع إخوته تربية إسلامية وتعلم في روضة الوكالة وعمره 4 سنوات وبعدها انتقلنا للسكن في حي الشيخ رضوان حي المجاهدين حيث كان عمر محمود وقتها 5 سنوات وكان يذهب مع إخوته برفقة والده الذي كان يعمل مدرساً بوكالة الغوث للاجئين إلى مدرسة أبو عاصي الابتدائية في المعسكر الشمالي .. كمستمع في الفصل أي غير نظامي . وقد حرصت منذ صغر أطفالي أن أربيهم تربية إسلامية فأول ما غرست في نفوسهم عدم الكذب فتربوا على ذلك وعلى حب الخير والعطاء ومساعدة الآخرين ، لأن الطفل إذا تربى تربية صحيحة ينشأ منشأً سليماً ، محمود في أحد الليالي وقبل استشهاده بحوالي شهرين رجع إلى البيت في ساعة متأخرة جداً ولما سأله والده لماذا تأخرت قال له " باشتغل مع الكتائب " وطلع إلى غرفته " أبوه ظنه قالها مازحاً ، قلنا ما شاء الله !!! مرة واحدة في الكتائب !!!! وتبينت بعدها أن محمود ما أحب أن يكذب على والده !!!! وطبعاً ما صدقناه لأنه دايماً مرح وفكاهي وأيضاً حرصت على تعليم أولادي حبهم لبعضهم البعض وأن يبتعدوا عن حب الذات ، وعند الأكل بسم الله ، لما تشبع الحمد لله ، عند دخول الحمام " اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث " .
عند دخول المنزل : السلام عليكم بصوت عالٍ .
عند الخروج منه: " بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله .
عند ركوب السيارة : الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين .
عند دخول المسجد ـ عند لبس الثوب وخلعه ، الحمد لله لما صاروا يحضروا جلسات وهم أطفال كان الشيخ يعلمهم هذا كله وكان أولادي يعرفونه مني قبل أن يعرفوه من المسجد . فأنا أتوجه إلى الأمهات المسلمات أن يغرسن في أولادهن كل هذه الصفات الحسنة ويراعين الله حق رعايته في تربية أولادهن لأنهن مسئولات يوم القيامة عن كل صغيرة وكبيرة أمام الله . طبعاً في هذا الجو المسلم كبر محمود وترعرع وأصبح من أشبال المساجد ، لقد كان شعلة من الإيمان وكان هادئاً خجولاً جداً كباقي إخوته منذ الصغر وكان من الأوائل في الفصل . وفي سن الرابعة عشرة من عمره عمل محمود في البناء مع صديق له ،كان مع صديقه يعملان مع والد هذا الصديق بعد انتهائه من المدرسة , وكنت أخاف عليه لأن هذا عمل شاق بالنسبة لسنه ويقول لي لا تقلقي يا أمي أنا هيك بأقوى جسمي ، فالمؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير ، وبعدها اشتغل في البلاط وكل هذا وهو محافظ على دراسته وعلى صلاته وحفظه للقرآن ودروس العلم وحلق الذكر في المساجد .
تعليق