يوجد الآن في المكتبات كتاب بعنوان ( بيان الأئمة) وهو كتاب كبير مكون من سبعة مجلدات موضوعه أخبار آخر الزمان وما يتعلق بالإمام المهدي (عليه السلام).
والكتاب فيه الكثير من الأخطاء والهفوات ، والمؤلف لم يتحر فيه الأمانة العلمية فحشّاه بالكثير من الروايات المكذوبة والمنتحلة ونسبها الى الأئمة (عليهم السلام) كذبا وبهتانا، وقد كفانا مؤونة الرد عليه السيد جعفر مرتضى العاملي (حفظه الله) ، وفيما يلي عرض لنماذج من روايات الكتاب:
وقد لفت نظرنا في الكتاب أنه حتى وهو ينقل عن المصادر المطبوعة والمتداولة، فإنه يتصرف فيها بالتصحيف والتحريف، والزيادة والنقيصة، ولا ندري السبب في ذلك..
وحيث إن تتبع ذلك فيه يحتاج إلى وقت طويل، فإننا نكتفي بذكر أنموذج واحد، على سبيل الشاهد والمثال، وبإمكان القارئ أن يجد عشرات الموارد من خلال المقارنة والاستقصاء . وهذا النموذج هو التالي:
روى الشيخ المفيد عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، أنه قال: ".. أما والله ، إن من ورائكم الأدبر، لا تبقي، ولا تذر، والنهاس الفراس، والقتال الجموح، يتوارثكم منهم عدة، يستخرجون كنوزكم من حجالكم، ليس الآخر بأرأف من الأول.. إلى أن قال: اللهم سلط عليهما بحرك، وانزع منهما نصرك " ( الإختصاص ـ ص155و156).
وقد نقلها المؤلف عن نفس المصدر المطبوع، ولكن عبارته كما يلي: " إن من ورائكم الذر الأذر، لا تبقي ولا تذر، والهاس الفراس، والقتال الجموح، بنوا ربّكم منكم عشرة، يستخرجون كنوز لكم من حجالكم، ليس الآخر بأروق من الأول..إلى أن قال: اللهم سلط عليهما نحرك، وأزغ منهما نصرك "( بيان الأئمة ـ ج1 ـ ص162).
فـ (الأدبر) أصبحت: الذر الأذر و(النهاس ) أصبحت: الهاس و(يتوارثكم منهم عدة ) أصبحت: بنور ربّكم منهم عشرة و(كنوزكم ) أصبحت: كنوز لكم و(بأرأف بكم من ) أصبحت: بأروق من ، و(بحرك وانزع) أصبحت: نحرك، وأزغ.
كل هذا التحريف والتصحيف قد جاء في ثلاثة أسطر فقط.. وعلى هذه فقس ما سواها .
وأما فيما يرتبط بالموضوعات من الأحاديث، فنذكر أمثلة تؤكد لدينا القناعة بأن واضعها، ومخترعها، لم يكن على درجة كافية من الذكاء، فظهرت عليها سمات الافتعال، والوضع، حتى لا تكاد تخفى على ذي عينين فنقول:
الرواية الأولى: قال: مجمع النورين للشيخ علي ابن الشيخ المرندي رحمه الله عليه، عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: " وكأني بك بالزوراء يعقد عليك خمسة من الجسور لم يكن مثلهن في عهد بني العباس، ويبنون بالآجر والحديد، وتظن الناس أنه ليس لله رزق ولا شراء إلا بالبصرة، وبغداد ، وتكون مقتلة مما يلي دجلة ، ويقتل عبد الإله ، والسعيد، ويكون قتل عبد الإله على يد جيش يبعثه إلى الشام، وبعد ذلك فتوقعوا فرج آل محمد.
قال صاحب مجمع النورين بعد هذا الخبر: إن هذا الخبر نقلناه من كتاب مخطوط ، وهو الجزء الثالث والعشرين من بحار الأنوار المترجم بالفارسية ، وجدناه مسطوراً بهامش الكتاب بقلم دقيق بكتابة خطية.
الرواية الرابعة: وعنه (عليه السلام) قال: وبعد قتل عبد الإله يملك رجل في العراق لا ذمة له ولا ضمير، يستولي على جميع الناس، ويختلق الاختلاف بين الناس، وتقع في دوره مجزرة، ومقتلة عظيمة في إحدى نواحي بغداد، حتى ينتهي إلى دور الربيعي، وهو رجل ناصبي مبغض لنا أهل البيت "( بيان الأئمة ـ ج1 ـ ص190).
المناقشة:
إننا قبل تسجيل ملاحظاتنا نحب لفت نظر القارئ إلى أن ما يلاحظه من خلل في اللغة وفي النحو، في هاتين الروايتين، ليس منشؤه أننا غلطنا في النقل ، بل نحن ننقل له عبارته كما هي من دون تصرف فيها..
وبعدما تقدم نقول:
إن هذا الذي ذكره فيه الكثير من النقاط المثيرة للتعجب ، ونذكر منها:
أ / إنه يظهر من الروايات المتقدمة أو واضعها مندهش جداً بما جرى لعبد الإله، ونوري السعيد، وفيصل ، كما أنه ينظر إلى شخصية عبد الكريم قاسم خاصة نظرة متميزة، جعلته يستحق ـ بنظره ـ أن يتحدث الأئمة عنه، وعن أفاعيله ، كما أنه رأى أن قتله أيضاً كان أمراً غير عادي، فجعل لقاتله نصيباً من روايته المفتعلة.
وأخيراً.. فلا ندري لماذا لم تدهشه أعمال صدام حسين العجيبة والغريبة، حيث لم يرد لها ذكر في العلامات التي رواها عن الأئمة، والتي سطرها في كتابه، كما لم يرد ذكر لغيره من الطواغيت الجبابرة إلا الربيعي، وعبد الله الأحمر، وعبد الكريم قاسم، وعبد الإله، ونوري السعيد، ومن كان للمؤلف حساسية تجاههم على ما يظهر.
ب / لقد ادّعى مؤلف الكتاب أن هذا الحديث كان سراً من الأسرار، وأنه هو الذي أبداه ، حيث لا محذور في إبدائه!! مع أنه إنما ينقله عن كتاب مجمع النورين المدّعى!! وعن حاشية الترجمة الفارسية للبحار، بقلم دقيق، بكتابة خطية.
ج / إن روايته قد جعلت الجسر يعقد على الزوراء، وهو اسم مدينة بغداد، وهو تعبير لا يصح، لأن الجسر إنما يعقد على النهر، لا على المدينة.
د/ لقد جاء في روايته كلمة (دور) وذلك في قوله: (وتقع في دوره مجزرة) وكذا في عبارة: (حتى ينتهي الأمر إلى دور الربيعي).
وهو تعبير فارسي، مأخوذ من كلمة (دوران) بمعنى (الفترة الزمنية) ، فهل ضاقت اللغة العربية عن أن يجد فيها الإمام الكلمة التي تعبر عن هذا المعنى فاستفاد من اللغة الفارسية؟! وكان الخلط منه بين اللغتين، داعياً للناس ليتعلموا اللغات الأجنبية، وليفهموا ما يرمي إليه.
ﻫـ / والأغرب من ذلك ما ذكره المؤلف، في تعليقه وشرحه للرواية، وكذا الرواية المزعومة حيث قد طبقت المجزرة التي تدعي الرواية حصولها في نواحي بغداد في زمن عبد الكريم قاسم على ما جرى بين الجيش العراقي وبين الأكراد.
ولا ندري كيف أصبحت منطقة الأكراد من نواحي بغداد!!.
و / يلاحظ أن الجسور المعقودة على النهر في بغداد قد تجاوزت عدد الخمسة، فصارت سبعة جسور، أو أكثر، وإنما كانت خمسة قبل عدة سنوات، ويتحدث واضع الرواية عن تلك الفترة التي عاشها في بغداد حيث رأى خمسة فقط.
ز/ أما الربيعي الذي تحدثت الرواية عنه، وكان في عهد عبد الكريم قاسم، فهو كما ذكر مؤلف الكتاب ذلك الرجل الذي نصبه عبد الكريم قاسم، عضواً لمجلس قيادة الثورة ، إذ لم يكن غيره في هذا العهد بهذا الاسم.
ولا ندري لماذا اختص الربيعي بهذا الوسام الخطير، دون سائر أعضاء مجلس قيادة الثورة ، فإن من بينهم من قد يكون أكثر نشاطاً وبغضاً ونصباً. إلا إن كان الضمير يرجع إلى الرجل الذي لا ذمة له ولا ضمير.
كما أنه لم يكن له دور متميز على دور غيره منهم، بل لعل فيهم من كان دوره أفخم وأعظم.
الرواية الثانية: " روي في أخبار الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في المغيبات، هو أنه ذهب في سرية من الجيش إلى بعض بلاد الحجاز، المسمى بـ (الظهران) فوقف في مكان فيه الرمل، فجعل يجر الرمل وينحّيه، وينظر في الأرض ما تحت الرمل.
فقال له بعض أصحابه: لماذا تفعل ذلك يا أمير المؤمنين؟!
قال: إن في هذا المكان عين من النفط.
قال: وما هو النفط.
قال: عين تشبه الزيت، لو أخرجتها من هذا المكان لأغنيت جميع العرب منها "( بيان الأئمة ـ ج1 ـ ص315).
المناقشة:
وتثار أمامنا هنا أسئلة عديدة، نذكر منها:
أ/ إن كلمة نفط عربية متداولة، وكان النفط معروفاً عند الناس، ويستعملونه أيضاً، وقد سئل الإمام الباقر عليه السلام عن ثبوت الخمس فيه باعتبار أنه من المعادن، فأجاب بالإيجاب(الوسائل ـ ج6 ـ ص343) فلماذا لم يفهم ذلك الرجل معنى هذه الكلمة! لا ندري.
ب/ كما أننا لا ندري كيف يغني العرب جميعهم من عين النفط، مع أن النفط لم يكن له في زمنه تلك القيمة الكبيرة ، ولا كان ثمة سيارات، ولا طائرات، ولا مصانع تحتاج إليه، ولم يكن ثمة دول ترغب في شرائه لاستعماله في مصانعها، وفي سائر مرافقها.
ولا كان يمكن تجزئة النفط واستخراج مشتقاته ثم استخدامها في المجالات المختلفة.
ج/ متى ذهب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الظهران ، أفي أيام خلافته؟ الجواب: لا، فإنه كان منشغلاً في حروبه مع أهل الجمل وصفين والنهروان، ولم يغادر مقر خلافته إلا لأجل ذلك حتى توفاه الله تعالى.
أم في أيام رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟!. والجواب أيضاً بالنفي، فإن سرايا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وغزواته معروفة ومحدودة، ولم يذكر أحد من علماء الإسلام، ومؤرخيه، ومحدثيه، أنه أرسل سرية إلى الظهران ـ وهي مركز نفطي في بلاد الحجاز قرب منطقة البحرين ـ لاسيما
وأن خطاب أصحابه له (عليه السلام) بأمرة المؤمنين إنما بدأ بعد حجة الوداع، وبعد نصبه ولياً للمؤمنين يوم غدير خم.
وهو(عليه السلام) في هذه الفترة كان إلى جانب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أن توفاه الله، كما يظهر بأدنى مراجعة للتاريخ.
وأما في عهد الخلفاء الذين استأثروا لأنفسهم بالحكم بعد الرسول، فإنه لم يشارك في أي عمل عسكري، ولا غيره كما هو معروف.
د/ إن المؤلف، لم يذكر لنا من أين أخذ هذه الرواية، وعلى أي مصدر، أو فقل: على أي من المخطوطات(!!) اعتمد ، أم أنه وجد هذه الرواية معلقة في الهواء، أو نزلت عليه من السماء؟!.
ﻫـ / كما أننا لم نجد في الرواية ما يشير إلى أنه (عليه السلام) حين نظر إلى ما تحت الرمل الذي جرّه برجله، هل وجد شيئاً أم أنه كان ينظر في لا شيء، بهدف إثارة فضول أصحابه لطرح السؤال عليه؟!.
و/ وأخيراً.. لماذا لم يخرج هذه العين ويغنيهم جميعاً، فما هذه القسوة منه على أصحابه وعلى العرب ولماذا لم يطالبوه بإصرار وإلحاح باستخراجها ليحصلوا على الغنى الدائم ، ويستريحوا من البلاء الذي كانوا فيه؟!.
الرواية الثالثة: أنه لما رجع الإمام أمير المؤمنين من قتال أهل صفين، أخبر بأمور غائبة:
منها: أنه وقف في صدر نهرٍ في شمال العراق، ونظر إلى الماء ينزل
من الأعلى إلى الأسفل، فقال: ليمكن أن يستضاء العراق من هذا الماء.
وفي رواية، قال (عليه السلام): لو شئت لجعلت من هذا الماء نوراً(بيان الأئمة ـ ج1 ـ ص315/316).
وأسئلتنا هي التالية:
ألف/ إننا لم نستطع أن نفهم كيف يمكن أنه يمرّ (عليه السلام) على شمال العراق، مع أنه قادم من صفين ـ وهي في غرب العراق ـ متوجهاً إلى الكوفة التي هي جنوبي العراق على بعد مئة وخمسين كيلو متراً من بغداد.
ب/ أين يقع هذا النهر الذي وجده في شمال العراق، ينزل من الأعلى إلى الأسفل، حيث قال ما قال، وهو واقف على صدره وما هي ميزات ومواصفات هذا النهر، فهل هو أعظم من الفرات الذي كان بالقرب منه في أكثر الأوقات في ذلك السفر، وتلك الحرب؟
ج/ لماذا لم يطلب منه أصحابه أن يجعل لهم من ذلك الماء نوراً؟! أو لماذا لم يطلبوا منه أن يعلمهم كيفية الحصول على ذلك النور على الأقل؟!
أم يعقل أن يكونوا قد زهدوا بهذه النعمة الكبيرة؟! أو أن كلمته لم يهتم لها أحد من أصحابه، ولم تثر فضول أيٍ منهم!.
د/ ويبقى السؤال الكبير والأهم عن مصدر هذا الحديث، ما هو؟ وأين هو؟ وما هي فلسفة إهماله، مع ما نشهده من الحرص على ذكر المصادر في سائر الموارد.
الرواية الرابعة: "وجدت في كتاب مخطوط، في مكتبة الإمام كاشف الغطاء قدس سره، حديثان شريفان (كذا) عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الذرّة:
الحديث الأول: قال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، في كلام له: وأن الذرة لتحرق العالم.
الحديث الثاني: وقال الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في كلام له: وإن من ذرةٍ لنار"( بيان الأئمة ـ ج1 ـ ص161).
إن إطلاق الكلام بهذه الصورة لا يغني عن ذكر المصدر لهذا الذي يقول عنه أنه حديث، فلماذا لم يذكر لنا اسم الكتاب المخطوط؟ أو اسم مؤلفه؟!..
وهل كان إطلاق اسم الذرة على القنبلة الذرية متداولاً في الصدر الأول؟!..
الرواية الخامسة: عن مجموعة خطية، للشيخ محمد علي القاضي، من كتاب زين الفتى، مرسلاً عن سلمان الفارسي، عن رسول الله، في حديث جاء فيه: ".. وأهل المغرب يسمعون صوت أهل المشرق، وأهل المشرق يسمعون صوت أهل المغرب، والقرآن يقرأ بالمزامير ، والحديد يجري على ظهرالهوى وتمطر عليهم ناراً ، ويموت من أهل الأرض من السبعة خمس، ويكون موتهم بالطاعون والموت الأحمر، فعند ذلك يهبط عيسى، فيقترحون عليه اقتراحاً، فيقول: ذلك ليس لي، فيأتي المهدي، ويتسلم زمام الأمر"(بيان الأئمة ـ ج1 ـ ص153).
المناقشة:
ولنا هنا العديد من الملاحظات، نذكر منها:
أ/ إن هذا الحديث ـ كأمثاله مما سبق ـ إنما وجد في كتاب مخطوط.. ولا ندري إن كان يقصد بالحديد الذي يجري على ظهر الهوى هو الصواريخ، أم يقصد الطائرات الحربية، التي تقذف حممها من الجو ، ولكنه لم يصرح باسم الطائرة هنا، كما ورد التصريح باسمها في حديثه الذي ذكر فيه احتراق عبد السلام في الطائرة.
كما أننا لا ندري إن كان يقصد أن الخمسة من السبعة يموتون بقذائف تلك الطائرات أم يموتون بوسائل أخرى؟!..
كما أننا نستغرب كيف لم يتساءل أحد من السامعين، عما يحل لهم هذه الألغاز، ويجيبهم على هذه الأسئلة؟!.. أم يعقل أن لا تكون هذه الأسئلة قد مرت لهم على بال؟!
ب/ إن ظاهر الرواية المزعومة هو أن عيسى (عليه السلام) ينزل من السماء، ويجتمع بالناس، ويقترحون عليه أمراً، وذلك كله قبل أن يأتي إلى المهدي (عجل الله فرجه) وقبل تسلمه عليه السلام زمام الأمر ، وهو خلاف ما جاء في الروايات.
ج/ يلاحظ الخطأ في عبارة: (من السبعة خمس)، والصحيح خمسة، مع احتمال أن يكون الخطأ من الناسخ..
د/ إن بعض الفقرات في هذا الحديث المزعوم، وإن كانت واردة في الأحاديث المعتبرة، لكن المشكلة هي أن ثمة إضافة في الحديث، وتصرفات بمضامينه ، قد جعلته حديثاً هجيناً، غريب الأطوار، لا مجال لقبوله، ولا للتصديق به..
الرواية السادسة: "روي عن الإمام أمير المؤمنين، انه خرج مع كميل بن زياد إلى موضع خارج الكوفة، فوقف، وقال: يا كميل بن زياد، ها هنا موضع قبرك، ثم أشار بيده المباركة يميناً وشمالاً، وقال: وستبنى من ها هنا وها هنا دور وقصور، ما من بيت في ذلك الزمان إلا وفيه شيطان إريل"( بيان الأئمة ـ ج1 ـ ص25).
وقد نقل هذا الخبر عن مجموعة خطيبة للشيخ محمد علي القاضي النجفي.
وأقول:
أ/ ليت أحداً غير هذا الرجل يخبرني بما يشفي العليل عن هذه المجموعة الخطية، وعما فيها من عجائب وغرائب ، فأين عنها العلماء والباحثون، والمنقبون عن كل يتيمة.
ولماذا لم يفطن ورثة الشيخ القاضي إلى ما في هذه المجموعة من نفائس، وأعاجيب، أو من أفائك وأكاذيب!
وكيف ومن أين وصلت هذه الخرائد والفرائد إلى الشيخ القاضي فأودعها مجموعته؟ إلى غير ذلك من الأسئلة الكثيرة التي لا ولن تجد لها جواباً مقنعاً، ومفيداً.
ب/ والذي يثلج الصدر، ويبعث السرور والبهجة: أن الإمام (عليه السلام) قد تكلم هنا باللغة الإنكليزية، وأتى بالاصطلاح الذي سوف يخترعه الإنكليز بعد مئات السنين، وسوف يختاره تبعاً لهم العراقيون وسكان الخليج دون غيرهم، للتعبير عن مقاصدهم.
فإن (الإريل) بالإنكليزية، التي جرى عليها العراقيون والخليجيون إسم لـ (هوائي الراديو والتلفزيون).
ولا ندري لماذا اختار عليه السلام خصوص هذا الاصطلاح، ورجحه على غيره من اللغات الحية، كما أننا لا نعرف لماذا عدل عن الاصطلاح العربي وهو كلمة (هوائي) إلى اصطلاح وافد وغريب.
ج/ لم نفهم لماذا أطلق على الإريل أنه شيطان، ولم يطلق هذا اللقب على الراديو أو التلفزيون نفسه، مع أنه هو أولى به والأجدر.
د/ وإذا كنا قد أصبحنا في عصر الإنترنت، الذي لا يحتاج إلى (إريل)، والذي يتوقع له أن يدخل إلى بيوت الناس، مثل الراديو وجهاز التلفاز ، لم يشر إليه أيضاً، ولو بكلمة.
هـ/ أضف إلى ما تقدم أن فتاوى العلماء لم تحرم اقتناء هذا الشيطان!! والاستفادة منه!! حيث لم يعتبروا الراديو والتلفزيون من الآلات التي يحرم استعمالها.
وقد أجازت هذه الفتاوى بيع وشراء هذه الآلات، واقتنائها في البيوت.
و/ هذا كله.. عدا عن الركاكة الظاهرة في عبارة الرواية المزعومة.
الرواية السابعة: " ناظم الإسلام روى الكرماني في كتابه المذكور: أن من العلائم لظهور الإمام الحجة بن الإمام الحسن، اتخاذ الطرق الحديدية، وإنشائها في الدول والمماليك الإسلامية"( بيان الأئمة ـ ج1 ـ ص156).
ونقول:
إن كان الكرماني قد نقل هذه الفقرة عن الإمام، فلماذا لم يذكر اسمه، وسنده إليه، والمصدر الذي نقل عنه؟! مع لفت النظر إلى أن تعبيراتها لا تناسب كونها منقولة عن الإمام، أو النبي ، وإن كان التعبير بـ (روى) يشير إلى ذلك.
وإن كانت من اجتهادات الكرماني، أو ناظم الإسلام، أو غيرهما، فمن أين للكرماني، ولغيره معرفة أمرٍ كهذا؟! فهل أطلعه الله سبحانه على الغيب؟ أم أنه رأى في المنام؟ أم ماذا؟
كما أننا لم نفهم وجه تخصيص هذا الأمر بالدول والممالك الإسلامية، دون سائر الدول، التي سبقت إلى ذلك.
وأخيراً.. لابد أن نتساءل عن مدى أهمية أو خصوصية الطرق الحديدية، حتى يجعل اتخاذها من علامات ظهور الحجة (عليه الصلاة والسلام).
ولماذا لم يتحدث لنا الإمام عليه السلام، عن الدراجة الهوائية؟! أو السيارات؟ أو نحو ذلك؟..
الرواية الثامنة: " نور الأنوار، بحذف الإسناد، عن سدير الصيرفي قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده جماعة من أهل الكوفة، فأقبل عليهم وقال لهم: حجوا قبل أن لا تحجوا، قبل أن يمنع البر جانبه، قبل أن يمنع الغربيون الحج "(بيان الأئمة ـ ج1 ـ ص295).
ونقول: إنه لا إشكال في صدر الحديث، إنما الإشكال هو في قوله: قبل أن يمنع الغربيون الحج.
حيث إننا قد سئمنا التعليق على هذه الأباطيل، غير أننا نكتفي هنا بلفت نظر القارئ إلى:
أ/ المصدر المزعوم(!!)
ب/ الإسناد المحذوف(!!)
ج/ الفقرة الأخيرة من هذه الرواية!!، وخصوص كلمة (الغربيون).
الكلمة الأخيرة حول هذه المزاعم:
ونعود فنذكّر القارئ بأن واضع هذه الروايات، وسواها مما لم نذكره مما حفل به الكتاب المشار إليه (بيان الأئمة) لم يكن على درجة كافية من الذكاء، حيث لم ينجح في سد جميع المنافذ والفرج التي تهدي إلى الحق، وتكشف الزيف والدجل.
وقد اتضح من الأمثلة التي ذكرناها: أن واضع هذه الأباطيل، لم يتحدث عن شيء غائب ومغمور، ولا عن أمر غامض ومستور، وإنما هو قد رأى أموراً كالراديو والتلفزيون، والتلفون، والسيارة، والطائرة والكهرباء وووالخ ، وعايش أشخاصاً وأحداثاً ووقائع بهرته، واحتلت في نفسه موقعاً خاصاً، فاختلق لها من الأحاديث والروايات المنسوبة إلى المعصومين (عليهم السلام) ما يدل عليها، أو يشير إليها.
ولعله رأى ذلك في منام، استطاعت نفسه أن تقدم صوراً يألفها، ويعرفه، لتحدثه عن هذه القضايا التي كان مبهوراً بها ، ولعله تخيل أن الإمام هو الذي يقول له هذا القول من خلال حضور الصور المناسبة لما حدّث به نفسه، ثم استيقظ، واعتبرها رواية، فأثبتها بهذه الصفة، ولم يشر إلى الرؤيا أو إلى حديث النفس هذا..
ولعل أحداً زعم له ذلك فصدّقه، وجرت الأمور على السجية، ومن دون رجوع إلى ما يحكم به العقل، وتقضي به الروية.
ورغم أن هذه المزعومات قد جاءت في الكتاب مختلطة بأحاديث أخرى مما وجده في المصادر المتوفرة لديه، ورغم بذل جهد كبير في محاولة تمويه أمرها على الناس، وصياغتها من قبل واضعها بأسلوب تعمد أن يكون فيه شيء من الإيهام والإبهام ، حيث نسبها إلى كتب مزعومة، سماها بأسماء طنانة ورنانة، أو إلى كتب يعلم بأنها قد اندثرت وبادت..
وكذلك رغم بذل الجهود الكبيرة لإقناع القارئ، بوثاقة الأشخاص المجهولين، الذين ينقل عنهم.
نعم إنه رغم ذلك كله لم يستطع الفوز بما يطلب، ولا الحصول على ما يريد، فقد بقيت هذه المزاعم ظاهرة الزيف، واضحة البطلان، بينة الخطل، ويظهر ذلك ببعض التأمل، وقليل من الجهد ، فإن الله لم يوفقهم لإشاعة الباطل، وطمس معالم الحق والحقيقة.
التحذير والختام:
وإنما اكتفينا بهذا القدر من البحث حول هذا الكتاب وما فيه، لأن هدفنا لم يكن ـ من أول الأمر ـ هو تتبع كل ما فيه، ورصد كل هفواته، وإظهار جميع ترّهاته، وإنما أحببنا ـ فقط ـ تقديم نماذج يسيرة إلى القارئ الكريم، ليكون على حذر شديد حتى لا يقع في الشرك المنصوب، ويصبح أسير الأوهام والأباطيل.
ونريد أن نؤكد له أن مصادرنا الموثوقة، التي ألفها علماؤنا الأتقياء الأبرار لابد أن تكون هي المرجع والملاذ، وأن من المستحسن أن تمر بمرحلة البحث والتمحيص، والتحقيق العلمي لتمييز الصحيح من السقيم، والحق من الباطل، والسليم من المحرف، وهذا هو النهج الذي التزمه علماؤنا وأكدت عليه نصوص الشريعة والدين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
والكتاب فيه الكثير من الأخطاء والهفوات ، والمؤلف لم يتحر فيه الأمانة العلمية فحشّاه بالكثير من الروايات المكذوبة والمنتحلة ونسبها الى الأئمة (عليهم السلام) كذبا وبهتانا، وقد كفانا مؤونة الرد عليه السيد جعفر مرتضى العاملي (حفظه الله) ، وفيما يلي عرض لنماذج من روايات الكتاب:
وقد لفت نظرنا في الكتاب أنه حتى وهو ينقل عن المصادر المطبوعة والمتداولة، فإنه يتصرف فيها بالتصحيف والتحريف، والزيادة والنقيصة، ولا ندري السبب في ذلك..
وحيث إن تتبع ذلك فيه يحتاج إلى وقت طويل، فإننا نكتفي بذكر أنموذج واحد، على سبيل الشاهد والمثال، وبإمكان القارئ أن يجد عشرات الموارد من خلال المقارنة والاستقصاء . وهذا النموذج هو التالي:
روى الشيخ المفيد عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، أنه قال: ".. أما والله ، إن من ورائكم الأدبر، لا تبقي، ولا تذر، والنهاس الفراس، والقتال الجموح، يتوارثكم منهم عدة، يستخرجون كنوزكم من حجالكم، ليس الآخر بأرأف من الأول.. إلى أن قال: اللهم سلط عليهما بحرك، وانزع منهما نصرك " ( الإختصاص ـ ص155و156).
وقد نقلها المؤلف عن نفس المصدر المطبوع، ولكن عبارته كما يلي: " إن من ورائكم الذر الأذر، لا تبقي ولا تذر، والهاس الفراس، والقتال الجموح، بنوا ربّكم منكم عشرة، يستخرجون كنوز لكم من حجالكم، ليس الآخر بأروق من الأول..إلى أن قال: اللهم سلط عليهما نحرك، وأزغ منهما نصرك "( بيان الأئمة ـ ج1 ـ ص162).
فـ (الأدبر) أصبحت: الذر الأذر و(النهاس ) أصبحت: الهاس و(يتوارثكم منهم عدة ) أصبحت: بنور ربّكم منهم عشرة و(كنوزكم ) أصبحت: كنوز لكم و(بأرأف بكم من ) أصبحت: بأروق من ، و(بحرك وانزع) أصبحت: نحرك، وأزغ.
كل هذا التحريف والتصحيف قد جاء في ثلاثة أسطر فقط.. وعلى هذه فقس ما سواها .
وأما فيما يرتبط بالموضوعات من الأحاديث، فنذكر أمثلة تؤكد لدينا القناعة بأن واضعها، ومخترعها، لم يكن على درجة كافية من الذكاء، فظهرت عليها سمات الافتعال، والوضع، حتى لا تكاد تخفى على ذي عينين فنقول:
الرواية الأولى: قال: مجمع النورين للشيخ علي ابن الشيخ المرندي رحمه الله عليه، عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: " وكأني بك بالزوراء يعقد عليك خمسة من الجسور لم يكن مثلهن في عهد بني العباس، ويبنون بالآجر والحديد، وتظن الناس أنه ليس لله رزق ولا شراء إلا بالبصرة، وبغداد ، وتكون مقتلة مما يلي دجلة ، ويقتل عبد الإله ، والسعيد، ويكون قتل عبد الإله على يد جيش يبعثه إلى الشام، وبعد ذلك فتوقعوا فرج آل محمد.
قال صاحب مجمع النورين بعد هذا الخبر: إن هذا الخبر نقلناه من كتاب مخطوط ، وهو الجزء الثالث والعشرين من بحار الأنوار المترجم بالفارسية ، وجدناه مسطوراً بهامش الكتاب بقلم دقيق بكتابة خطية.
الرواية الرابعة: وعنه (عليه السلام) قال: وبعد قتل عبد الإله يملك رجل في العراق لا ذمة له ولا ضمير، يستولي على جميع الناس، ويختلق الاختلاف بين الناس، وتقع في دوره مجزرة، ومقتلة عظيمة في إحدى نواحي بغداد، حتى ينتهي إلى دور الربيعي، وهو رجل ناصبي مبغض لنا أهل البيت "( بيان الأئمة ـ ج1 ـ ص190).
المناقشة:
إننا قبل تسجيل ملاحظاتنا نحب لفت نظر القارئ إلى أن ما يلاحظه من خلل في اللغة وفي النحو، في هاتين الروايتين، ليس منشؤه أننا غلطنا في النقل ، بل نحن ننقل له عبارته كما هي من دون تصرف فيها..
وبعدما تقدم نقول:
إن هذا الذي ذكره فيه الكثير من النقاط المثيرة للتعجب ، ونذكر منها:
أ / إنه يظهر من الروايات المتقدمة أو واضعها مندهش جداً بما جرى لعبد الإله، ونوري السعيد، وفيصل ، كما أنه ينظر إلى شخصية عبد الكريم قاسم خاصة نظرة متميزة، جعلته يستحق ـ بنظره ـ أن يتحدث الأئمة عنه، وعن أفاعيله ، كما أنه رأى أن قتله أيضاً كان أمراً غير عادي، فجعل لقاتله نصيباً من روايته المفتعلة.
وأخيراً.. فلا ندري لماذا لم تدهشه أعمال صدام حسين العجيبة والغريبة، حيث لم يرد لها ذكر في العلامات التي رواها عن الأئمة، والتي سطرها في كتابه، كما لم يرد ذكر لغيره من الطواغيت الجبابرة إلا الربيعي، وعبد الله الأحمر، وعبد الكريم قاسم، وعبد الإله، ونوري السعيد، ومن كان للمؤلف حساسية تجاههم على ما يظهر.
ب / لقد ادّعى مؤلف الكتاب أن هذا الحديث كان سراً من الأسرار، وأنه هو الذي أبداه ، حيث لا محذور في إبدائه!! مع أنه إنما ينقله عن كتاب مجمع النورين المدّعى!! وعن حاشية الترجمة الفارسية للبحار، بقلم دقيق، بكتابة خطية.
ج / إن روايته قد جعلت الجسر يعقد على الزوراء، وهو اسم مدينة بغداد، وهو تعبير لا يصح، لأن الجسر إنما يعقد على النهر، لا على المدينة.
د/ لقد جاء في روايته كلمة (دور) وذلك في قوله: (وتقع في دوره مجزرة) وكذا في عبارة: (حتى ينتهي الأمر إلى دور الربيعي).
وهو تعبير فارسي، مأخوذ من كلمة (دوران) بمعنى (الفترة الزمنية) ، فهل ضاقت اللغة العربية عن أن يجد فيها الإمام الكلمة التي تعبر عن هذا المعنى فاستفاد من اللغة الفارسية؟! وكان الخلط منه بين اللغتين، داعياً للناس ليتعلموا اللغات الأجنبية، وليفهموا ما يرمي إليه.
ﻫـ / والأغرب من ذلك ما ذكره المؤلف، في تعليقه وشرحه للرواية، وكذا الرواية المزعومة حيث قد طبقت المجزرة التي تدعي الرواية حصولها في نواحي بغداد في زمن عبد الكريم قاسم على ما جرى بين الجيش العراقي وبين الأكراد.
ولا ندري كيف أصبحت منطقة الأكراد من نواحي بغداد!!.
و / يلاحظ أن الجسور المعقودة على النهر في بغداد قد تجاوزت عدد الخمسة، فصارت سبعة جسور، أو أكثر، وإنما كانت خمسة قبل عدة سنوات، ويتحدث واضع الرواية عن تلك الفترة التي عاشها في بغداد حيث رأى خمسة فقط.
ز/ أما الربيعي الذي تحدثت الرواية عنه، وكان في عهد عبد الكريم قاسم، فهو كما ذكر مؤلف الكتاب ذلك الرجل الذي نصبه عبد الكريم قاسم، عضواً لمجلس قيادة الثورة ، إذ لم يكن غيره في هذا العهد بهذا الاسم.
ولا ندري لماذا اختص الربيعي بهذا الوسام الخطير، دون سائر أعضاء مجلس قيادة الثورة ، فإن من بينهم من قد يكون أكثر نشاطاً وبغضاً ونصباً. إلا إن كان الضمير يرجع إلى الرجل الذي لا ذمة له ولا ضمير.
كما أنه لم يكن له دور متميز على دور غيره منهم، بل لعل فيهم من كان دوره أفخم وأعظم.
الرواية الثانية: " روي في أخبار الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في المغيبات، هو أنه ذهب في سرية من الجيش إلى بعض بلاد الحجاز، المسمى بـ (الظهران) فوقف في مكان فيه الرمل، فجعل يجر الرمل وينحّيه، وينظر في الأرض ما تحت الرمل.
فقال له بعض أصحابه: لماذا تفعل ذلك يا أمير المؤمنين؟!
قال: إن في هذا المكان عين من النفط.
قال: وما هو النفط.
قال: عين تشبه الزيت، لو أخرجتها من هذا المكان لأغنيت جميع العرب منها "( بيان الأئمة ـ ج1 ـ ص315).
المناقشة:
وتثار أمامنا هنا أسئلة عديدة، نذكر منها:
أ/ إن كلمة نفط عربية متداولة، وكان النفط معروفاً عند الناس، ويستعملونه أيضاً، وقد سئل الإمام الباقر عليه السلام عن ثبوت الخمس فيه باعتبار أنه من المعادن، فأجاب بالإيجاب(الوسائل ـ ج6 ـ ص343) فلماذا لم يفهم ذلك الرجل معنى هذه الكلمة! لا ندري.
ب/ كما أننا لا ندري كيف يغني العرب جميعهم من عين النفط، مع أن النفط لم يكن له في زمنه تلك القيمة الكبيرة ، ولا كان ثمة سيارات، ولا طائرات، ولا مصانع تحتاج إليه، ولم يكن ثمة دول ترغب في شرائه لاستعماله في مصانعها، وفي سائر مرافقها.
ولا كان يمكن تجزئة النفط واستخراج مشتقاته ثم استخدامها في المجالات المختلفة.
ج/ متى ذهب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الظهران ، أفي أيام خلافته؟ الجواب: لا، فإنه كان منشغلاً في حروبه مع أهل الجمل وصفين والنهروان، ولم يغادر مقر خلافته إلا لأجل ذلك حتى توفاه الله تعالى.
أم في أيام رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟!. والجواب أيضاً بالنفي، فإن سرايا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وغزواته معروفة ومحدودة، ولم يذكر أحد من علماء الإسلام، ومؤرخيه، ومحدثيه، أنه أرسل سرية إلى الظهران ـ وهي مركز نفطي في بلاد الحجاز قرب منطقة البحرين ـ لاسيما
وأن خطاب أصحابه له (عليه السلام) بأمرة المؤمنين إنما بدأ بعد حجة الوداع، وبعد نصبه ولياً للمؤمنين يوم غدير خم.
وهو(عليه السلام) في هذه الفترة كان إلى جانب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أن توفاه الله، كما يظهر بأدنى مراجعة للتاريخ.
وأما في عهد الخلفاء الذين استأثروا لأنفسهم بالحكم بعد الرسول، فإنه لم يشارك في أي عمل عسكري، ولا غيره كما هو معروف.
د/ إن المؤلف، لم يذكر لنا من أين أخذ هذه الرواية، وعلى أي مصدر، أو فقل: على أي من المخطوطات(!!) اعتمد ، أم أنه وجد هذه الرواية معلقة في الهواء، أو نزلت عليه من السماء؟!.
ﻫـ / كما أننا لم نجد في الرواية ما يشير إلى أنه (عليه السلام) حين نظر إلى ما تحت الرمل الذي جرّه برجله، هل وجد شيئاً أم أنه كان ينظر في لا شيء، بهدف إثارة فضول أصحابه لطرح السؤال عليه؟!.
و/ وأخيراً.. لماذا لم يخرج هذه العين ويغنيهم جميعاً، فما هذه القسوة منه على أصحابه وعلى العرب ولماذا لم يطالبوه بإصرار وإلحاح باستخراجها ليحصلوا على الغنى الدائم ، ويستريحوا من البلاء الذي كانوا فيه؟!.
الرواية الثالثة: أنه لما رجع الإمام أمير المؤمنين من قتال أهل صفين، أخبر بأمور غائبة:
منها: أنه وقف في صدر نهرٍ في شمال العراق، ونظر إلى الماء ينزل
من الأعلى إلى الأسفل، فقال: ليمكن أن يستضاء العراق من هذا الماء.
وفي رواية، قال (عليه السلام): لو شئت لجعلت من هذا الماء نوراً(بيان الأئمة ـ ج1 ـ ص315/316).
وأسئلتنا هي التالية:
ألف/ إننا لم نستطع أن نفهم كيف يمكن أنه يمرّ (عليه السلام) على شمال العراق، مع أنه قادم من صفين ـ وهي في غرب العراق ـ متوجهاً إلى الكوفة التي هي جنوبي العراق على بعد مئة وخمسين كيلو متراً من بغداد.
ب/ أين يقع هذا النهر الذي وجده في شمال العراق، ينزل من الأعلى إلى الأسفل، حيث قال ما قال، وهو واقف على صدره وما هي ميزات ومواصفات هذا النهر، فهل هو أعظم من الفرات الذي كان بالقرب منه في أكثر الأوقات في ذلك السفر، وتلك الحرب؟
ج/ لماذا لم يطلب منه أصحابه أن يجعل لهم من ذلك الماء نوراً؟! أو لماذا لم يطلبوا منه أن يعلمهم كيفية الحصول على ذلك النور على الأقل؟!
أم يعقل أن يكونوا قد زهدوا بهذه النعمة الكبيرة؟! أو أن كلمته لم يهتم لها أحد من أصحابه، ولم تثر فضول أيٍ منهم!.
د/ ويبقى السؤال الكبير والأهم عن مصدر هذا الحديث، ما هو؟ وأين هو؟ وما هي فلسفة إهماله، مع ما نشهده من الحرص على ذكر المصادر في سائر الموارد.
الرواية الرابعة: "وجدت في كتاب مخطوط، في مكتبة الإمام كاشف الغطاء قدس سره، حديثان شريفان (كذا) عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الذرّة:
الحديث الأول: قال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، في كلام له: وأن الذرة لتحرق العالم.
الحديث الثاني: وقال الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في كلام له: وإن من ذرةٍ لنار"( بيان الأئمة ـ ج1 ـ ص161).
إن إطلاق الكلام بهذه الصورة لا يغني عن ذكر المصدر لهذا الذي يقول عنه أنه حديث، فلماذا لم يذكر لنا اسم الكتاب المخطوط؟ أو اسم مؤلفه؟!..
وهل كان إطلاق اسم الذرة على القنبلة الذرية متداولاً في الصدر الأول؟!..
الرواية الخامسة: عن مجموعة خطية، للشيخ محمد علي القاضي، من كتاب زين الفتى، مرسلاً عن سلمان الفارسي، عن رسول الله، في حديث جاء فيه: ".. وأهل المغرب يسمعون صوت أهل المشرق، وأهل المشرق يسمعون صوت أهل المغرب، والقرآن يقرأ بالمزامير ، والحديد يجري على ظهرالهوى وتمطر عليهم ناراً ، ويموت من أهل الأرض من السبعة خمس، ويكون موتهم بالطاعون والموت الأحمر، فعند ذلك يهبط عيسى، فيقترحون عليه اقتراحاً، فيقول: ذلك ليس لي، فيأتي المهدي، ويتسلم زمام الأمر"(بيان الأئمة ـ ج1 ـ ص153).
المناقشة:
ولنا هنا العديد من الملاحظات، نذكر منها:
أ/ إن هذا الحديث ـ كأمثاله مما سبق ـ إنما وجد في كتاب مخطوط.. ولا ندري إن كان يقصد بالحديد الذي يجري على ظهر الهوى هو الصواريخ، أم يقصد الطائرات الحربية، التي تقذف حممها من الجو ، ولكنه لم يصرح باسم الطائرة هنا، كما ورد التصريح باسمها في حديثه الذي ذكر فيه احتراق عبد السلام في الطائرة.
كما أننا لا ندري إن كان يقصد أن الخمسة من السبعة يموتون بقذائف تلك الطائرات أم يموتون بوسائل أخرى؟!..
كما أننا نستغرب كيف لم يتساءل أحد من السامعين، عما يحل لهم هذه الألغاز، ويجيبهم على هذه الأسئلة؟!.. أم يعقل أن لا تكون هذه الأسئلة قد مرت لهم على بال؟!
ب/ إن ظاهر الرواية المزعومة هو أن عيسى (عليه السلام) ينزل من السماء، ويجتمع بالناس، ويقترحون عليه أمراً، وذلك كله قبل أن يأتي إلى المهدي (عجل الله فرجه) وقبل تسلمه عليه السلام زمام الأمر ، وهو خلاف ما جاء في الروايات.
ج/ يلاحظ الخطأ في عبارة: (من السبعة خمس)، والصحيح خمسة، مع احتمال أن يكون الخطأ من الناسخ..
د/ إن بعض الفقرات في هذا الحديث المزعوم، وإن كانت واردة في الأحاديث المعتبرة، لكن المشكلة هي أن ثمة إضافة في الحديث، وتصرفات بمضامينه ، قد جعلته حديثاً هجيناً، غريب الأطوار، لا مجال لقبوله، ولا للتصديق به..
الرواية السادسة: "روي عن الإمام أمير المؤمنين، انه خرج مع كميل بن زياد إلى موضع خارج الكوفة، فوقف، وقال: يا كميل بن زياد، ها هنا موضع قبرك، ثم أشار بيده المباركة يميناً وشمالاً، وقال: وستبنى من ها هنا وها هنا دور وقصور، ما من بيت في ذلك الزمان إلا وفيه شيطان إريل"( بيان الأئمة ـ ج1 ـ ص25).
وقد نقل هذا الخبر عن مجموعة خطيبة للشيخ محمد علي القاضي النجفي.
وأقول:
أ/ ليت أحداً غير هذا الرجل يخبرني بما يشفي العليل عن هذه المجموعة الخطية، وعما فيها من عجائب وغرائب ، فأين عنها العلماء والباحثون، والمنقبون عن كل يتيمة.
ولماذا لم يفطن ورثة الشيخ القاضي إلى ما في هذه المجموعة من نفائس، وأعاجيب، أو من أفائك وأكاذيب!
وكيف ومن أين وصلت هذه الخرائد والفرائد إلى الشيخ القاضي فأودعها مجموعته؟ إلى غير ذلك من الأسئلة الكثيرة التي لا ولن تجد لها جواباً مقنعاً، ومفيداً.
ب/ والذي يثلج الصدر، ويبعث السرور والبهجة: أن الإمام (عليه السلام) قد تكلم هنا باللغة الإنكليزية، وأتى بالاصطلاح الذي سوف يخترعه الإنكليز بعد مئات السنين، وسوف يختاره تبعاً لهم العراقيون وسكان الخليج دون غيرهم، للتعبير عن مقاصدهم.
فإن (الإريل) بالإنكليزية، التي جرى عليها العراقيون والخليجيون إسم لـ (هوائي الراديو والتلفزيون).
ولا ندري لماذا اختار عليه السلام خصوص هذا الاصطلاح، ورجحه على غيره من اللغات الحية، كما أننا لا نعرف لماذا عدل عن الاصطلاح العربي وهو كلمة (هوائي) إلى اصطلاح وافد وغريب.
ج/ لم نفهم لماذا أطلق على الإريل أنه شيطان، ولم يطلق هذا اللقب على الراديو أو التلفزيون نفسه، مع أنه هو أولى به والأجدر.
د/ وإذا كنا قد أصبحنا في عصر الإنترنت، الذي لا يحتاج إلى (إريل)، والذي يتوقع له أن يدخل إلى بيوت الناس، مثل الراديو وجهاز التلفاز ، لم يشر إليه أيضاً، ولو بكلمة.
هـ/ أضف إلى ما تقدم أن فتاوى العلماء لم تحرم اقتناء هذا الشيطان!! والاستفادة منه!! حيث لم يعتبروا الراديو والتلفزيون من الآلات التي يحرم استعمالها.
وقد أجازت هذه الفتاوى بيع وشراء هذه الآلات، واقتنائها في البيوت.
و/ هذا كله.. عدا عن الركاكة الظاهرة في عبارة الرواية المزعومة.
الرواية السابعة: " ناظم الإسلام روى الكرماني في كتابه المذكور: أن من العلائم لظهور الإمام الحجة بن الإمام الحسن، اتخاذ الطرق الحديدية، وإنشائها في الدول والمماليك الإسلامية"( بيان الأئمة ـ ج1 ـ ص156).
ونقول:
إن كان الكرماني قد نقل هذه الفقرة عن الإمام، فلماذا لم يذكر اسمه، وسنده إليه، والمصدر الذي نقل عنه؟! مع لفت النظر إلى أن تعبيراتها لا تناسب كونها منقولة عن الإمام، أو النبي ، وإن كان التعبير بـ (روى) يشير إلى ذلك.
وإن كانت من اجتهادات الكرماني، أو ناظم الإسلام، أو غيرهما، فمن أين للكرماني، ولغيره معرفة أمرٍ كهذا؟! فهل أطلعه الله سبحانه على الغيب؟ أم أنه رأى في المنام؟ أم ماذا؟
كما أننا لم نفهم وجه تخصيص هذا الأمر بالدول والممالك الإسلامية، دون سائر الدول، التي سبقت إلى ذلك.
وأخيراً.. لابد أن نتساءل عن مدى أهمية أو خصوصية الطرق الحديدية، حتى يجعل اتخاذها من علامات ظهور الحجة (عليه الصلاة والسلام).
ولماذا لم يتحدث لنا الإمام عليه السلام، عن الدراجة الهوائية؟! أو السيارات؟ أو نحو ذلك؟..
الرواية الثامنة: " نور الأنوار، بحذف الإسناد، عن سدير الصيرفي قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده جماعة من أهل الكوفة، فأقبل عليهم وقال لهم: حجوا قبل أن لا تحجوا، قبل أن يمنع البر جانبه، قبل أن يمنع الغربيون الحج "(بيان الأئمة ـ ج1 ـ ص295).
ونقول: إنه لا إشكال في صدر الحديث، إنما الإشكال هو في قوله: قبل أن يمنع الغربيون الحج.
حيث إننا قد سئمنا التعليق على هذه الأباطيل، غير أننا نكتفي هنا بلفت نظر القارئ إلى:
أ/ المصدر المزعوم(!!)
ب/ الإسناد المحذوف(!!)
ج/ الفقرة الأخيرة من هذه الرواية!!، وخصوص كلمة (الغربيون).
الكلمة الأخيرة حول هذه المزاعم:
ونعود فنذكّر القارئ بأن واضع هذه الروايات، وسواها مما لم نذكره مما حفل به الكتاب المشار إليه (بيان الأئمة) لم يكن على درجة كافية من الذكاء، حيث لم ينجح في سد جميع المنافذ والفرج التي تهدي إلى الحق، وتكشف الزيف والدجل.
وقد اتضح من الأمثلة التي ذكرناها: أن واضع هذه الأباطيل، لم يتحدث عن شيء غائب ومغمور، ولا عن أمر غامض ومستور، وإنما هو قد رأى أموراً كالراديو والتلفزيون، والتلفون، والسيارة، والطائرة والكهرباء وووالخ ، وعايش أشخاصاً وأحداثاً ووقائع بهرته، واحتلت في نفسه موقعاً خاصاً، فاختلق لها من الأحاديث والروايات المنسوبة إلى المعصومين (عليهم السلام) ما يدل عليها، أو يشير إليها.
ولعله رأى ذلك في منام، استطاعت نفسه أن تقدم صوراً يألفها، ويعرفه، لتحدثه عن هذه القضايا التي كان مبهوراً بها ، ولعله تخيل أن الإمام هو الذي يقول له هذا القول من خلال حضور الصور المناسبة لما حدّث به نفسه، ثم استيقظ، واعتبرها رواية، فأثبتها بهذه الصفة، ولم يشر إلى الرؤيا أو إلى حديث النفس هذا..
ولعل أحداً زعم له ذلك فصدّقه، وجرت الأمور على السجية، ومن دون رجوع إلى ما يحكم به العقل، وتقضي به الروية.
ورغم أن هذه المزعومات قد جاءت في الكتاب مختلطة بأحاديث أخرى مما وجده في المصادر المتوفرة لديه، ورغم بذل جهد كبير في محاولة تمويه أمرها على الناس، وصياغتها من قبل واضعها بأسلوب تعمد أن يكون فيه شيء من الإيهام والإبهام ، حيث نسبها إلى كتب مزعومة، سماها بأسماء طنانة ورنانة، أو إلى كتب يعلم بأنها قد اندثرت وبادت..
وكذلك رغم بذل الجهود الكبيرة لإقناع القارئ، بوثاقة الأشخاص المجهولين، الذين ينقل عنهم.
نعم إنه رغم ذلك كله لم يستطع الفوز بما يطلب، ولا الحصول على ما يريد، فقد بقيت هذه المزاعم ظاهرة الزيف، واضحة البطلان، بينة الخطل، ويظهر ذلك ببعض التأمل، وقليل من الجهد ، فإن الله لم يوفقهم لإشاعة الباطل، وطمس معالم الحق والحقيقة.
التحذير والختام:
وإنما اكتفينا بهذا القدر من البحث حول هذا الكتاب وما فيه، لأن هدفنا لم يكن ـ من أول الأمر ـ هو تتبع كل ما فيه، ورصد كل هفواته، وإظهار جميع ترّهاته، وإنما أحببنا ـ فقط ـ تقديم نماذج يسيرة إلى القارئ الكريم، ليكون على حذر شديد حتى لا يقع في الشرك المنصوب، ويصبح أسير الأوهام والأباطيل.
ونريد أن نؤكد له أن مصادرنا الموثوقة، التي ألفها علماؤنا الأتقياء الأبرار لابد أن تكون هي المرجع والملاذ، وأن من المستحسن أن تمر بمرحلة البحث والتمحيص، والتحقيق العلمي لتمييز الصحيح من السقيم، والحق من الباطل، والسليم من المحرف، وهذا هو النهج الذي التزمه علماؤنا وأكدت عليه نصوص الشريعة والدين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تعليق