بين البخاري والإمام الصادق ( عليه السلام )
بينا سابقا في مبحث رجال الصحيحين إنهما نقلا أحاديث عن بعض الرواة الذين هم من الخوارج والنواصب ، وخاصة الذين ثبتت عداوتهم ومنابذتهم لأهل البيت ( عليهم السلام ) بنحو القطع ، واختص البخاري في النقل عن عمران بن حطان ،
وهو من زعماء الخوارج ومن فقهائهم ومتكلميهم وخطبائهم ، ونرى أن إيمان البخاري وتقواه : قد أجازا له أن يروي عن هؤلاء المعلومي الحال ولم يسمحا له من أن ينقل ولو حديثا واحدا عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) .
ويتجلي لك هذا الأمر أكثر وضوحا ، ويرتفع الحجاب عن العصبية الطائفية التي كانت عند البخاري عندما تتمعن في الحقائق التاريخية والاجتماعية ، وتدرس شخصية
كل من الإمام الصادق ( عليه السلام ) والبخاري إذ :
1 - أن عهد البخاري كان يقارب عهد الإمام الصادق ( عليه السلام ) وإنه قد توفي بعد الإمام بقرن واحد ، لأن الإمام الصادق ( عليه السلام ) توفي سنة 148 ه وتوفي البخاري سنة 256 ه .
2 - كانت المدينة المنورة مركزا لتدريس الإمام الصادق ( عليه السلام ) وقد استوطنها البخاري مدة ست سنوات يأخذ من علمائها الحديث ، وقد تكررت رحلاته إلى مركز التشيع يومذاك - بغداد والكوفة - بحيث نسي عددها لكثرتها ( 1 ) ،
وكانت الحجاز والعراق في ذاك العصر غاصتان بأصحاب الإمام الصادق ( عليه السلام ) بحيث يصعب إحصاءهم ، وكان صيت الإمام الصادق ( عليه السلام ) وشهرته قد فاقت أرجاء العالم الإسلامي يومذاك حتى أن علماء أهل السنة في ذاك
العهد قد سمعوا بها ، ولم يكن بوسع أحد يدعي الفقاهة والرواية أن يقول إنه لم يسمع عن مقام الإمام ( عليه السلام ) العلمي .
3 - إن البخاري خرج أحاديث عمن أخذوا العلم عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) مثل عبد الوهاب الثقفي ، حاتم بن إسماعيل ، مالك بن أنس ، ووهب بن منبه ، وهؤلاء هم من مشايخ البخاري في الحديث ( 2 ) ، ولكن البخاري أبى أن يروي تلك الأحاديث التي رواها هؤلاء المشايخ عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ! !
تبرير ابن تيمية : وأما بالنسبة إلى عدم رواية البخاري الحديث عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) وقد كان معاصرا له
( عليه السلام ) ، فقد برر ابن تيمية ذلك قائلا : وقد استراب البخاري في بعض حديثه - الإمام جعفر بن محمد الصادق
( عليه السلام ) - لما بلغه عن يحيى بن سعيد القطان فيه كلام ( 3 ) .
ذكر ابن تيمية هذا التبرير في لفافة واكتفى فيه بكلام من يحيى بن سعيد .
أقول : فلو كان الإمام الصادق ( عليه السلام ) رجلا مجهولا في فضله وتقواه وعلمه ، أو أن البخاري الذي كان عليما بالرجال وتراجمهم ! فردا غير مطلع وجاهل لكان لتبرير ابن تيمية وجه ، وكنا نعذر البخاري في عمله هذا ولم نعتبره انسانا متعصبا ومتطرفا تجاه أهل البيت ( عليهم السلام ) .
ولكن الحقائق والواقع ينفيان كل هذه الاحتمالات والتبريرات ويثبتان تعصب البخاري وتطرفه الطائفي الشديد تجاه الإمام الصادق ( عليه السلام ) .
والحال أن شخصية الإمام الصادق ( عليه السلام ) لم تكن دانية وضعيفة في مرتبتها حتى تضمحل وتتهاوى بمجرد قول أحد أو جرح آخر إياه ، وتسقط قيمتها العلمية والمعنوية بأدنى كتمان .
ومن جهة أخرى إن البخاري كان ذا مهارة تامة ، واطلاع كاف ، ومتخصصا في فن الرجال ! ووضع كتابه ( التاريخ ) لمعرفة الرجال والرواة - كما قال هو : قل اسم في التاريخ إلا وله عندي قصة ، إلا أني كرهت تطويل الكتاب - التاريخ -
( 1 ) .
وبناء على ما ذكرنا فهل يمكن أن يكون هناك سببا آخر غير عناد البخاري وعداوته للإمام الصادق ( عليه السلام ) ؟ حيث إنه لم ينقل عنه حتى حديثا واحدا .
وهل يمكن تفسير إعراضه عن أهل البيت ( عليهم السلام ) سوى منابذته وخصومته لهم ( عليهم السلام ) ؟ عداء عريق وظاهر ! ! يتحتم علي أن ألفت نظر القارئ المنصف إلى حقيقة أخرى غير التي ذكرناها سابقا لينكشف تعصب البخاري
ومسلم ونصبهما العداوة لآل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أكثر ويعلم أيضا أن تبرير ابن تيمية عن تصرف البخاري وموقفه تجاه أهل البيت ( عليهم السلام ) لم يكن في محله . يتضح لمن يراجع هذين الكتابين ويتمعن فيهما بدقة أن مؤلفي الصحيحين اللذين
خرجا الحديث عن أكثر من ألفين وأربعمائة ( 2400 ) راو ( 1 ) ، وأن كثيرا من هؤلاء الرواة كانوا نواصب وخصماء أهل البيت ( عليهم السلام ) ( 2 ) ، أو أنهم مجهولون ، فعلى هذا إن البخاري ومسلم لم ترض أنفسهما في أن يخرجا حتى
حديثا واحدا عن عترة النبي وآله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولو نقلا عنهم حديثا لا يأتيان إلا بأكاذيب وأحاديث موضوعة عليهم مما تمس العترة ( عليهم السلام ) بالسوء ، ولكي تكون هذه الأكاذيب أكثر تأثيرا وتقبلا عند أتباعهما ينسبانها إلى آل
الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، ولذلك نرى البخاري ومسلم يرويان عن ستة وعشرين رجلا يسمون بالحسن ، وثلاثة وعشرين راو باسم موسى ، وتسعة وثلاثين محدثا معروفين باسم على ، ولم يكن بينهم ذكر عن اسم الإمام الحسن المجتبى
ريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، أو إشارة إلى اسم موسى بن جعفر حفيد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، أو
اسما لحفيد النبي ( صلى الله عليه وآله ) علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) الذي كان علمه وفضله موضع إجلال وتكريم المحب والمبغض له ( 3 ) .
نعم ، إن مسلم والبخاري لم يخرجا حتى حديثا واحدا عن أحد من أهل البيت ( عليهم السلام ) ، مثل : الإمام الحسن المجتبى ، والإمام موسى بن جعفر ، والإمام علي بن موسى الرضا ، والإمام محمد الجواد ، والإمام الهادي ، وخاصة الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) الذي كان معاصرا للبخاري ( 4 ) .
كذلك لم يرويا حديثا واحدا عن أحد من أبنائهم ، مثل : زيد بن علي بن الحسين الشهيد ، والحسن بن الحسن المثنى ، والعشرات من أبناء أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) الذين كانوا رواة الحديث وأصحاب مصنفات في الحديث ( 5 ) .
ولكن الفريدة الوحيدة التي صدرت عن البخاري ومسلم في نقلهما الحديث عن أهل البيت ( عليهم السلام ) هي أنهما نقلا رواية مختلقة ومزيفة نسباها إلى الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) على أنه قال : إن أمير المؤمنين علي وفاطمة ( عليهما
السلام ) لم يكونا يستيقظان للصلاة ، وكان النبي يوقظهما ! فقال علي لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) شيئا فأجابه النبي بآية ( وكان الإنسان أكثر شئ جدلا ) ( 1 ) تقريعا لعلي .
وكذا نسبا إليه حديثا مزورا يذكر فيه قصة شرب حمزة للخمر وتعاطيه إياه ( 2 ) .
ويبدو أن البخاري ومسلم لم يجدا أحاديث نقلت عن آل الرسول ( عليهم السلام ) غير هذين الحديثين لكي يخرجاهما في صحيحيهما ، وكأنما لم ينقل عنهم أي مسألة علمية وشرعية ، إلا ما نقله البخاري ومسلم من أن أخا الرسول ( صلى الله عليه
وآله ) الإمام علي وبضعته وفلذة كبده فاطمة الزهراء ( عليهما السلام ) لم يستيقظا لصلاة الفجر ، وأن هارون هذه الأمة ، وأبا شبر وشبير ، وباب مدينة علم النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان أكثر شئ جدلا ، وأن سيد الشهداء وأسد الله وأسد
الرسول ( صلى الله عليه وآله ) الذي كبر الرسول على جنازته سبعين تكبيرة كان يأكل الميتة ويعاقر الخمر ويسامر الراقصات ! !
وهو من زعماء الخوارج ومن فقهائهم ومتكلميهم وخطبائهم ، ونرى أن إيمان البخاري وتقواه : قد أجازا له أن يروي عن هؤلاء المعلومي الحال ولم يسمحا له من أن ينقل ولو حديثا واحدا عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) .
ويتجلي لك هذا الأمر أكثر وضوحا ، ويرتفع الحجاب عن العصبية الطائفية التي كانت عند البخاري عندما تتمعن في الحقائق التاريخية والاجتماعية ، وتدرس شخصية
كل من الإمام الصادق ( عليه السلام ) والبخاري إذ :
1 - أن عهد البخاري كان يقارب عهد الإمام الصادق ( عليه السلام ) وإنه قد توفي بعد الإمام بقرن واحد ، لأن الإمام الصادق ( عليه السلام ) توفي سنة 148 ه وتوفي البخاري سنة 256 ه .
2 - كانت المدينة المنورة مركزا لتدريس الإمام الصادق ( عليه السلام ) وقد استوطنها البخاري مدة ست سنوات يأخذ من علمائها الحديث ، وقد تكررت رحلاته إلى مركز التشيع يومذاك - بغداد والكوفة - بحيث نسي عددها لكثرتها ( 1 ) ،
وكانت الحجاز والعراق في ذاك العصر غاصتان بأصحاب الإمام الصادق ( عليه السلام ) بحيث يصعب إحصاءهم ، وكان صيت الإمام الصادق ( عليه السلام ) وشهرته قد فاقت أرجاء العالم الإسلامي يومذاك حتى أن علماء أهل السنة في ذاك
العهد قد سمعوا بها ، ولم يكن بوسع أحد يدعي الفقاهة والرواية أن يقول إنه لم يسمع عن مقام الإمام ( عليه السلام ) العلمي .
3 - إن البخاري خرج أحاديث عمن أخذوا العلم عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) مثل عبد الوهاب الثقفي ، حاتم بن إسماعيل ، مالك بن أنس ، ووهب بن منبه ، وهؤلاء هم من مشايخ البخاري في الحديث ( 2 ) ، ولكن البخاري أبى أن يروي تلك الأحاديث التي رواها هؤلاء المشايخ عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ! !
تبرير ابن تيمية : وأما بالنسبة إلى عدم رواية البخاري الحديث عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) وقد كان معاصرا له
( عليه السلام ) ، فقد برر ابن تيمية ذلك قائلا : وقد استراب البخاري في بعض حديثه - الإمام جعفر بن محمد الصادق
( عليه السلام ) - لما بلغه عن يحيى بن سعيد القطان فيه كلام ( 3 ) .
ذكر ابن تيمية هذا التبرير في لفافة واكتفى فيه بكلام من يحيى بن سعيد .
أقول : فلو كان الإمام الصادق ( عليه السلام ) رجلا مجهولا في فضله وتقواه وعلمه ، أو أن البخاري الذي كان عليما بالرجال وتراجمهم ! فردا غير مطلع وجاهل لكان لتبرير ابن تيمية وجه ، وكنا نعذر البخاري في عمله هذا ولم نعتبره انسانا متعصبا ومتطرفا تجاه أهل البيت ( عليهم السلام ) .
ولكن الحقائق والواقع ينفيان كل هذه الاحتمالات والتبريرات ويثبتان تعصب البخاري وتطرفه الطائفي الشديد تجاه الإمام الصادق ( عليه السلام ) .
والحال أن شخصية الإمام الصادق ( عليه السلام ) لم تكن دانية وضعيفة في مرتبتها حتى تضمحل وتتهاوى بمجرد قول أحد أو جرح آخر إياه ، وتسقط قيمتها العلمية والمعنوية بأدنى كتمان .
ومن جهة أخرى إن البخاري كان ذا مهارة تامة ، واطلاع كاف ، ومتخصصا في فن الرجال ! ووضع كتابه ( التاريخ ) لمعرفة الرجال والرواة - كما قال هو : قل اسم في التاريخ إلا وله عندي قصة ، إلا أني كرهت تطويل الكتاب - التاريخ -
( 1 ) .
وبناء على ما ذكرنا فهل يمكن أن يكون هناك سببا آخر غير عناد البخاري وعداوته للإمام الصادق ( عليه السلام ) ؟ حيث إنه لم ينقل عنه حتى حديثا واحدا .
وهل يمكن تفسير إعراضه عن أهل البيت ( عليهم السلام ) سوى منابذته وخصومته لهم ( عليهم السلام ) ؟ عداء عريق وظاهر ! ! يتحتم علي أن ألفت نظر القارئ المنصف إلى حقيقة أخرى غير التي ذكرناها سابقا لينكشف تعصب البخاري
ومسلم ونصبهما العداوة لآل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أكثر ويعلم أيضا أن تبرير ابن تيمية عن تصرف البخاري وموقفه تجاه أهل البيت ( عليهم السلام ) لم يكن في محله . يتضح لمن يراجع هذين الكتابين ويتمعن فيهما بدقة أن مؤلفي الصحيحين اللذين
خرجا الحديث عن أكثر من ألفين وأربعمائة ( 2400 ) راو ( 1 ) ، وأن كثيرا من هؤلاء الرواة كانوا نواصب وخصماء أهل البيت ( عليهم السلام ) ( 2 ) ، أو أنهم مجهولون ، فعلى هذا إن البخاري ومسلم لم ترض أنفسهما في أن يخرجا حتى
حديثا واحدا عن عترة النبي وآله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولو نقلا عنهم حديثا لا يأتيان إلا بأكاذيب وأحاديث موضوعة عليهم مما تمس العترة ( عليهم السلام ) بالسوء ، ولكي تكون هذه الأكاذيب أكثر تأثيرا وتقبلا عند أتباعهما ينسبانها إلى آل
الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، ولذلك نرى البخاري ومسلم يرويان عن ستة وعشرين رجلا يسمون بالحسن ، وثلاثة وعشرين راو باسم موسى ، وتسعة وثلاثين محدثا معروفين باسم على ، ولم يكن بينهم ذكر عن اسم الإمام الحسن المجتبى
ريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، أو إشارة إلى اسم موسى بن جعفر حفيد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، أو
اسما لحفيد النبي ( صلى الله عليه وآله ) علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) الذي كان علمه وفضله موضع إجلال وتكريم المحب والمبغض له ( 3 ) .
نعم ، إن مسلم والبخاري لم يخرجا حتى حديثا واحدا عن أحد من أهل البيت ( عليهم السلام ) ، مثل : الإمام الحسن المجتبى ، والإمام موسى بن جعفر ، والإمام علي بن موسى الرضا ، والإمام محمد الجواد ، والإمام الهادي ، وخاصة الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) الذي كان معاصرا للبخاري ( 4 ) .
كذلك لم يرويا حديثا واحدا عن أحد من أبنائهم ، مثل : زيد بن علي بن الحسين الشهيد ، والحسن بن الحسن المثنى ، والعشرات من أبناء أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) الذين كانوا رواة الحديث وأصحاب مصنفات في الحديث ( 5 ) .
ولكن الفريدة الوحيدة التي صدرت عن البخاري ومسلم في نقلهما الحديث عن أهل البيت ( عليهم السلام ) هي أنهما نقلا رواية مختلقة ومزيفة نسباها إلى الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) على أنه قال : إن أمير المؤمنين علي وفاطمة ( عليهما
السلام ) لم يكونا يستيقظان للصلاة ، وكان النبي يوقظهما ! فقال علي لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) شيئا فأجابه النبي بآية ( وكان الإنسان أكثر شئ جدلا ) ( 1 ) تقريعا لعلي .
وكذا نسبا إليه حديثا مزورا يذكر فيه قصة شرب حمزة للخمر وتعاطيه إياه ( 2 ) .
ويبدو أن البخاري ومسلم لم يجدا أحاديث نقلت عن آل الرسول ( عليهم السلام ) غير هذين الحديثين لكي يخرجاهما في صحيحيهما ، وكأنما لم ينقل عنهم أي مسألة علمية وشرعية ، إلا ما نقله البخاري ومسلم من أن أخا الرسول ( صلى الله عليه
وآله ) الإمام علي وبضعته وفلذة كبده فاطمة الزهراء ( عليهما السلام ) لم يستيقظا لصلاة الفجر ، وأن هارون هذه الأمة ، وأبا شبر وشبير ، وباب مدينة علم النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان أكثر شئ جدلا ، وأن سيد الشهداء وأسد الله وأسد
تعليق