أهم الأسباب التي جعلت الناس ينحرفون عن أئمة الحق
ولكي نعرف بحق ويقين أهم الأمور التي تحرف الناس عن الهدى وتعاليم الله وهجر أئمة الحق ، ومن ثم تسلط أئمة الكفر والنفاق والضلال على رقاب المسلمين ، راجع الآيات السابقة الأخيرة في النور السادس للمصباح السابق ، وتكملها الآيات الآتية التي تبيّن أنه يجب على كل البشر الإيمان والعمل بتعاليم الله والرجوع لأئمة الحق المحافظين عليها ، ولا يجوز لهم الانحراف عن الشهداء على تعاليم الله وعليهم من أئمة الحق والهدى من قربى وآل النبي الكريم الطاهرين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين ، فأنظر تكملة الآيات السابقة قال الله تعالى :
{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلاَ تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(92)
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (93) وَلاَ تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94)
وَلاَ تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (95)
مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } النحل97 .
وهذه الآيات الكريمة : بعد أن بينت في أولها كما عرفت في آخر النور السابق أئمة الحق ، فإنها تبين بعض أهم الأسباب التي تحرف الناس عن الدين وتعاليمه التي جعل الله أئمة الحق والهدى شهداء وحافظين لها ، وأهمها أمور :
الأمر الأول : عدم الوفاء بعهد الله :
فإن الله تعالى أمرهم في تلك الآيات أن لا ينقضوا إيمانهم بعد أن أكدوها مع رسول الله ، وأن يحترموا كفالة الله لهم ، وأن لا ينقضوا ما غزلوه في جهادهم مع رسوله ويجعلوا إيمانهم دخلاً بينهم ويغصبون إمامة المسلمين وخلافة رسول الله من أئمة الحق .
ولا يحق لمسلم أو إي إنسان أن يَحرف الناس عن معرفة أئمة الهدى وتعاليمهم التي هي تعاليم الله الصادقة وهداه ، ولا يحق له بمجرد التسمي بالإسلام أن يستلم المناصب الإلهية لأئمة الحق ، ومن ثم يقوم هو وأتباعه الذين تسلطوا على رقاب المسلمين بقضم أموال المسلمين ، ويسيرون فيهم بالظلم والعدوان ويروجون الفساد والفجور ، بدل الإيمان والعدل والإحسان وتعاليم الله الرحمان الصادقة الواقعية التي ارتضاها سبحانه لعبادة لكي يوصلهم للمجد في الدارين وكل سعادة أعدها لبني البشر .
الأمر الثاني : اختبار الإنسان من السُنن الإلهية :
وفي تلك الآيات الكريمة بيّن الله تعالى بالإضافة لوجود الإمامة ووجوب الوفاء لولي الأمر من آل محمد عليه السلام والسير وفق منهجه وتعاليمه التي هي تعاليم الله ، بيّن سبحانه سّنة اختبار الإنسان وامتحانه وابتلائه ، وسبب وجودها هو لكي يخلص ويستبين صدق دعوا الإنسان وبالخصوص المؤمن في إيمانه وعمله بتعاليم الإسلام ودينه الحنيف وإتباعه لأئمة الحق والهدى من عدمه .
وهذه سنة إلهية أخرى تشريعية محكمة : وهي إن الله تعالى يفتن الناس كلهم ويختبرهم حتى المؤمنين منهم ، فيدخلهم امتحان رباني بكل صورة تبين صدق إيمانهم وثباتهم وإخلاصهم لله في إطاعة لكل أوامره وفي أي حال كانوا ، ولم يفتتنوا بأئمة الكفر وما يدعون له من زينة الدنيا ويروجون له من شهوات النفس مما تكون على حساب تعاليم الدين وقيم الإنسان .
وللاختبار الإلهي صور عديدة : من نقص الأموال والأنفس والثمرات ، أو الافتتان بأموال الدنيا وزينتها ، أو تبع لهوى نفس ووسوسة شيطان ، وكل ما هو خلاف العدل والإنصاف وبعيد عن الحق والهدى ، وقد يتسلط عليهم أئمة الكفر والنفاق والحكام الظالمين المنحرفين بدل أئمة الحق والهدى بعد النبي الكريم ، وذلك لكي يُعرف ويستبين لهم أمام الله حقيقة إيمانهم وصدق نيتهم ، ومَن مِن المسلمين يثبت مع أئمة الهدى والحق ويسلك منهجهم الذي فيه العدل والإحسان ويعمل بعملهم ويكون مثلهم في طاعة الله ، ومَن منهم ينحرف ويتبع أئمة الكفر والنفاق والجور والطغيان ويكون منهم ومعهم في ظلام وضلال .
وكم فرق بين أن يؤمن الإنسان بالله وبتعاليم دينه ويأخذها من أئمة الحق ويعمل وفق منهجهم بإيمان صادق واعتقاد راسخ ، وبين من يدعي الإيمان بتعاليم الله ولكنه يعمل بضدها ويكون من أئمة الكفر أو من أتباعهم ، ويتسمى باسم الإسلام ويعمل بكل ما يعجل بهدمه وتحريف تعاليمه عن وعي أو عن غير وعي .
ولذا قامت سنة الله على الاختبار وتوعدهم بالسؤال عن صدقهم يوم القيامة ويبين لهم ما اختلفوا فيه وانحرافهم عن الحق وأئمته .
وذلك لأن الله تعالى يريد الإخلاص في العبادة له :ولا يرضى بالشرك ، ولا حتى بالشرك الخفي ، ولا بالتبعيض في اتباع أوامره ، ويريد سبحانه أن يطبق تشريعه وفق ما يريد ومن حيث يأمر ، وبأتباع من نصبه معلم لدينه وشارح لأحكامه وتعاليمه ، وعرفت إن المعرف للناس كيفية عبوديته بما يرضى ووفق ما أنزل على نبينا الصادق الأمين ، هم أئمة الحق من آل محمد الأطهار صلى الله عليهم وسلم ، والذين نزههم الله تعالى من الكذب والنفاق والغش والخداع وجميع الأمور الخبيثة ، وطهرهم وطيبهم وأمر بالصلاة عليهم مع رسوله الكريم وأنعم عليهم بالهداية للصراط المستقيم ، وقد عرفت بعض أدلة الإمامة وسيأتي بعض أخر .
ولذا قامت سنة الله تعالى في عباده على الاختبار و الامتحان و الغربلة والتصفية والابتلاء حتى يبقى المخلصون وحزب الله الفائزون مع وليه الكريم وإمامهم الحق ، وقد بين الله تعالى سنّة الاختبار في كثير من آيات القرآن الكريم واليك قسم منها :
قال تعالى : { أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ }العنكبوت 3 .
وقال سبحانه : { مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ }آل عمران 179 .
وقال عزّ وجلّ : {وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)
أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} آل عمران 142 .
وقال الله العظيم : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } سورة محمد صلى الله عليه وآله وسلم 33 .
وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ } النساء 59 وعرفت ولي الأمر وحزبه الفائزون في المصباح السابق وإنه كان الإمام علي الذي له امتداد الولاية الإلهية والنبوية وإنها تسري منه لآله الكرام ، لملاك الإمامة الذي يتحقق بالطاهرين والطيبين الذين تفانوا في نصر الله ودينه وهم صادقين قد أختارهم الله أئمة حق لعلمه بخلاصهم في تعليم دينه بكل وجودهم .
ولكن راجع الآية السابقة تعرف أنه قد صدق الله وعده بأنهم لم يقاوموا المسير على الصراط المستقيم مع إمام الحق والمرتضى لله ولرسوله ، فقال في حقهم قبل وفاة النبي الكريم :
{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} آل عمران144 .
الأمر الثالث : سر انقلاب المسلمين وفشلهم في الاختبار الإلهي والابتلاء الرباني :
إنهم لا يتوبون من فشلهم في الامتحان الإلهي الذي يصيب المؤمنون والمسلمين وكل فرد من البشر في كثير من أدوار حياته ، إذ قال تعالى :
{ أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ }التوبة126 .
وقال سبحانه : { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } سبأ 21 .
وقال عزّ وجلّ : {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } الحج 11.
وقال الله العظيم : { وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ } التوب101 .
ولكي تعرف نتيجة الاختبار والامتحان الرباني للمسلمين وفشل قسم كبير منهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أنظر البحث التالي لتعرف شيء من تسلط أئمة الكفر عليهم وبعض يسير من أعمالهم .
وقد لخص حال المسلمين الإمام الحسين عليه السلام وبيّن ما حل بالإسلام في كثير من كلماته الشريفة وبسيرته ، وإليك خلاصة بيان في كلامه وتابع البحث لأخر سفينة النجاة بل لكل صحيفة الإمام الحسين عليه السلام ، لتعرف إن الحسين عليه السلام هو المنقذ من ظلام أئمة الكفر واتباعهم ، وهو سفينة النجاة ومصباح الهدى الذي يوصلنا لرضا الله وتعاليمه التي هي عند آله الكرام أئمة الحق نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين .
قال الإمام الحسين عليه السلام : في مسيره إلى كربلاء :
( إن هذه الدنيا : قد تغيرت وتنكرت ، وأدبر معروفها .
فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء .
وخسيس عيش كالمرعى الوبيل .
ألا ترون أن الحق لا يعمل به .
وأن الباطل لا يُنتهى عنه .
ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً .
فإني لا أرى الموت إلا الحياة .
ولا الحياة مع الظالمين إلا برما .
إن الناس : عبيد الدنيا .
والدين لعق على ألسنتهم .
يحوطونه ما درت معايشهم .
فإذا محصوا بالبلاء ، قل الديانون ) .
التحف ص 245 ، بحار الأنوار ج78ص116ب20ح2.
ولكي نعرف بحق ويقين أهم الأمور التي تحرف الناس عن الهدى وتعاليم الله وهجر أئمة الحق ، ومن ثم تسلط أئمة الكفر والنفاق والضلال على رقاب المسلمين ، راجع الآيات السابقة الأخيرة في النور السادس للمصباح السابق ، وتكملها الآيات الآتية التي تبيّن أنه يجب على كل البشر الإيمان والعمل بتعاليم الله والرجوع لأئمة الحق المحافظين عليها ، ولا يجوز لهم الانحراف عن الشهداء على تعاليم الله وعليهم من أئمة الحق والهدى من قربى وآل النبي الكريم الطاهرين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين ، فأنظر تكملة الآيات السابقة قال الله تعالى :
{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلاَ تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(92)
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (93) وَلاَ تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94)
وَلاَ تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (95)
مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } النحل97 .
وهذه الآيات الكريمة : بعد أن بينت في أولها كما عرفت في آخر النور السابق أئمة الحق ، فإنها تبين بعض أهم الأسباب التي تحرف الناس عن الدين وتعاليمه التي جعل الله أئمة الحق والهدى شهداء وحافظين لها ، وأهمها أمور :
الأمر الأول : عدم الوفاء بعهد الله :
فإن الله تعالى أمرهم في تلك الآيات أن لا ينقضوا إيمانهم بعد أن أكدوها مع رسول الله ، وأن يحترموا كفالة الله لهم ، وأن لا ينقضوا ما غزلوه في جهادهم مع رسوله ويجعلوا إيمانهم دخلاً بينهم ويغصبون إمامة المسلمين وخلافة رسول الله من أئمة الحق .
ولا يحق لمسلم أو إي إنسان أن يَحرف الناس عن معرفة أئمة الهدى وتعاليمهم التي هي تعاليم الله الصادقة وهداه ، ولا يحق له بمجرد التسمي بالإسلام أن يستلم المناصب الإلهية لأئمة الحق ، ومن ثم يقوم هو وأتباعه الذين تسلطوا على رقاب المسلمين بقضم أموال المسلمين ، ويسيرون فيهم بالظلم والعدوان ويروجون الفساد والفجور ، بدل الإيمان والعدل والإحسان وتعاليم الله الرحمان الصادقة الواقعية التي ارتضاها سبحانه لعبادة لكي يوصلهم للمجد في الدارين وكل سعادة أعدها لبني البشر .
الأمر الثاني : اختبار الإنسان من السُنن الإلهية :
وفي تلك الآيات الكريمة بيّن الله تعالى بالإضافة لوجود الإمامة ووجوب الوفاء لولي الأمر من آل محمد عليه السلام والسير وفق منهجه وتعاليمه التي هي تعاليم الله ، بيّن سبحانه سّنة اختبار الإنسان وامتحانه وابتلائه ، وسبب وجودها هو لكي يخلص ويستبين صدق دعوا الإنسان وبالخصوص المؤمن في إيمانه وعمله بتعاليم الإسلام ودينه الحنيف وإتباعه لأئمة الحق والهدى من عدمه .
وهذه سنة إلهية أخرى تشريعية محكمة : وهي إن الله تعالى يفتن الناس كلهم ويختبرهم حتى المؤمنين منهم ، فيدخلهم امتحان رباني بكل صورة تبين صدق إيمانهم وثباتهم وإخلاصهم لله في إطاعة لكل أوامره وفي أي حال كانوا ، ولم يفتتنوا بأئمة الكفر وما يدعون له من زينة الدنيا ويروجون له من شهوات النفس مما تكون على حساب تعاليم الدين وقيم الإنسان .
وللاختبار الإلهي صور عديدة : من نقص الأموال والأنفس والثمرات ، أو الافتتان بأموال الدنيا وزينتها ، أو تبع لهوى نفس ووسوسة شيطان ، وكل ما هو خلاف العدل والإنصاف وبعيد عن الحق والهدى ، وقد يتسلط عليهم أئمة الكفر والنفاق والحكام الظالمين المنحرفين بدل أئمة الحق والهدى بعد النبي الكريم ، وذلك لكي يُعرف ويستبين لهم أمام الله حقيقة إيمانهم وصدق نيتهم ، ومَن مِن المسلمين يثبت مع أئمة الهدى والحق ويسلك منهجهم الذي فيه العدل والإحسان ويعمل بعملهم ويكون مثلهم في طاعة الله ، ومَن منهم ينحرف ويتبع أئمة الكفر والنفاق والجور والطغيان ويكون منهم ومعهم في ظلام وضلال .
وكم فرق بين أن يؤمن الإنسان بالله وبتعاليم دينه ويأخذها من أئمة الحق ويعمل وفق منهجهم بإيمان صادق واعتقاد راسخ ، وبين من يدعي الإيمان بتعاليم الله ولكنه يعمل بضدها ويكون من أئمة الكفر أو من أتباعهم ، ويتسمى باسم الإسلام ويعمل بكل ما يعجل بهدمه وتحريف تعاليمه عن وعي أو عن غير وعي .
ولذا قامت سنة الله على الاختبار وتوعدهم بالسؤال عن صدقهم يوم القيامة ويبين لهم ما اختلفوا فيه وانحرافهم عن الحق وأئمته .
وذلك لأن الله تعالى يريد الإخلاص في العبادة له :ولا يرضى بالشرك ، ولا حتى بالشرك الخفي ، ولا بالتبعيض في اتباع أوامره ، ويريد سبحانه أن يطبق تشريعه وفق ما يريد ومن حيث يأمر ، وبأتباع من نصبه معلم لدينه وشارح لأحكامه وتعاليمه ، وعرفت إن المعرف للناس كيفية عبوديته بما يرضى ووفق ما أنزل على نبينا الصادق الأمين ، هم أئمة الحق من آل محمد الأطهار صلى الله عليهم وسلم ، والذين نزههم الله تعالى من الكذب والنفاق والغش والخداع وجميع الأمور الخبيثة ، وطهرهم وطيبهم وأمر بالصلاة عليهم مع رسوله الكريم وأنعم عليهم بالهداية للصراط المستقيم ، وقد عرفت بعض أدلة الإمامة وسيأتي بعض أخر .
ولذا قامت سنة الله تعالى في عباده على الاختبار و الامتحان و الغربلة والتصفية والابتلاء حتى يبقى المخلصون وحزب الله الفائزون مع وليه الكريم وإمامهم الحق ، وقد بين الله تعالى سنّة الاختبار في كثير من آيات القرآن الكريم واليك قسم منها :
قال تعالى : { أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ }العنكبوت 3 .
وقال سبحانه : { مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ }آل عمران 179 .
وقال عزّ وجلّ : {وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)
أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} آل عمران 142 .
وقال الله العظيم : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } سورة محمد صلى الله عليه وآله وسلم 33 .
وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ } النساء 59 وعرفت ولي الأمر وحزبه الفائزون في المصباح السابق وإنه كان الإمام علي الذي له امتداد الولاية الإلهية والنبوية وإنها تسري منه لآله الكرام ، لملاك الإمامة الذي يتحقق بالطاهرين والطيبين الذين تفانوا في نصر الله ودينه وهم صادقين قد أختارهم الله أئمة حق لعلمه بخلاصهم في تعليم دينه بكل وجودهم .
ولكن راجع الآية السابقة تعرف أنه قد صدق الله وعده بأنهم لم يقاوموا المسير على الصراط المستقيم مع إمام الحق والمرتضى لله ولرسوله ، فقال في حقهم قبل وفاة النبي الكريم :
{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} آل عمران144 .
الأمر الثالث : سر انقلاب المسلمين وفشلهم في الاختبار الإلهي والابتلاء الرباني :
إنهم لا يتوبون من فشلهم في الامتحان الإلهي الذي يصيب المؤمنون والمسلمين وكل فرد من البشر في كثير من أدوار حياته ، إذ قال تعالى :
{ أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ }التوبة126 .
وقال سبحانه : { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } سبأ 21 .
وقال عزّ وجلّ : {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } الحج 11.
وقال الله العظيم : { وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ } التوب101 .
ولكي تعرف نتيجة الاختبار والامتحان الرباني للمسلمين وفشل قسم كبير منهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أنظر البحث التالي لتعرف شيء من تسلط أئمة الكفر عليهم وبعض يسير من أعمالهم .
وقد لخص حال المسلمين الإمام الحسين عليه السلام وبيّن ما حل بالإسلام في كثير من كلماته الشريفة وبسيرته ، وإليك خلاصة بيان في كلامه وتابع البحث لأخر سفينة النجاة بل لكل صحيفة الإمام الحسين عليه السلام ، لتعرف إن الحسين عليه السلام هو المنقذ من ظلام أئمة الكفر واتباعهم ، وهو سفينة النجاة ومصباح الهدى الذي يوصلنا لرضا الله وتعاليمه التي هي عند آله الكرام أئمة الحق نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين .
قال الإمام الحسين عليه السلام : في مسيره إلى كربلاء :
( إن هذه الدنيا : قد تغيرت وتنكرت ، وأدبر معروفها .
فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء .
وخسيس عيش كالمرعى الوبيل .
ألا ترون أن الحق لا يعمل به .
وأن الباطل لا يُنتهى عنه .
ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً .
فإني لا أرى الموت إلا الحياة .
ولا الحياة مع الظالمين إلا برما .
إن الناس : عبيد الدنيا .
والدين لعق على ألسنتهم .
يحوطونه ما درت معايشهم .
فإذا محصوا بالبلاء ، قل الديانون ) .
التحف ص 245 ، بحار الأنوار ج78ص116ب20ح2.