في صورة تجتمع فيها القيم الروحانية الدينية والمادية في دين تميز دون سائر الأديان، جاء تشريع الزكاة بمفهومه الشامل.
وتأتي تحديداً زكاة الفطر واحدة من أهم سبل التكافل الاجتماعي الذي لم يتركه الشارع الحكيم لاختيار الناس بل ربط الزكاة برفع الصيام، فما لم يزكِّ الصائم فلا صيام له، وهذا الأمر يخلق نوعاً من التوازن الاجتماعي، وإن تغيّرت اليوم أشكال الزكاة، فلم تعد صاعاً من شعير أو حنطة أو ما شابه ذلك من أقوات الناس قبل مئات السنين، وترتفع سنة بعد أخرى ـ أموال زكاة الفطرـ كما يقول المشرفون على هذه المشاريع في الجمعيات الإسلامية الخيريةـ مرجعين هذا الارتفاع إلى ازدياد تمسّك الناس بدينهم، وشعورهم بما يعنيه التعاضد والتكافل في الجسد الإسلامي في هذا المجتمع. فالزكاة في الدين الإسلامي لم تكن مجرد عمل طيب من أعمال البر، وخِلة حسنة من خلال الخير كما في الأديان الأخرى، بل هي ركن أساسي من أركان الإسلام، وشعيرة من شعائره الكبرى، وعبادة من عباداته الأربع، يوصم بالفسق من منعها، ويحكم بالكفر على من أنكر وجوبها، فليست إحساناً اختيارياً ولا صدقة طوعيّة، وإنما هي فريضة تتمتع بأعلى درجات الإلزام الخلقي والشرعي فالزكاة بمفهومها الشامل تمثل نظاماً جديداً متميزاً يغاير ما جاءت به الديانات السابقة؛ وبعيداً كل البعد عن تسلط رجال الكهنوت ـ كما كان الحال في اليهودية ـ فليست هي بشيء من الضرائب والمكوس التي كان يجبيها الملوك والأباطرة. إذ كانت كثيراً ما تؤخذ من الفقراء لترد على الأغنياء، وتنفق على أبّهة الحاكمين وترفهم وإرضاء أقاربهم وأنصارهم وحماية سلطانهم من الزوال، ولا هي "صكوك غفران" توضع أموالها في جيوب باباوات الكنائس، بل هي في نظر الإسلام حق للفقراء في أموال الأغنياء. وهو حق قرره مالك المال الحقيقي وهو الله تعالى، وفرضه على من استخلفهم من عباده فيه، وجعلهم خُزّاناً له، فليس فيها معنى التفضل والامتنان من الغني على الفقير بل حدد الإسلام مصارفها ومستحقيها كما في الآية: ((إنما الصدقات للفقراء والمساكين...)) (التوبة:60)، وكما فصلت ذلك السنّة بدقة ووضوح، فقد عرف البشر من تجاربهم أن المهم ليس هو جباية المال، إنما الأهم هو أين يصرف؟ ولذلك أعلن الرسول (ص) أن تؤخذ الزكاة من أغنياء كل إقليم لترد على فقرائه فهي منهم وإليهم.
هذا الحق لم يوكل لضمائر الأفراد وحدها كما في الأديان الأخرى، وإنما حملت الدولة المسلمة مسئولية جبايتها بالعدل وتوزيعها بالحق. وذلك بواسطة ((العاملين عليها))، فهي ضريبة تؤخذ وليست تبرعاً يمنح. ولهذا كان تعبير القرآن الكريم: ((خذ من أموالهم صدقة))(التوبة:103).
والفرد المسلم مطالب بأداء هذه الفريضة العظيمة وإقامة هذا الركن الأساسي في الإسلام، وإن فرطت الدولة في المطالبة بها، أو تقاعس المجتمع عن رعايتها فإنها ـ قبل كل شيء ـ عبادة يتقرب بها المسلم إلى ربه، ويزكي بها نفسه وماله امتثالاً لدينه.
ونحن في نهاية الشهر الفضيل كان لا بد من التوقف عند موضوع زكاة الفطر والتي نحن على ابواب مناسبتها، ليتبين لنا مدى فاعلية هذه الزكاة في المجتمع المحلي.
خطيب جامع الشيخ سلمان بن حمد ورئيس لجنة الدعوة بجمعية التربية الإسلامية الشيخ مبارك المضحي يقول: "زكاة الفطر تعني طعاماً مخصوصاً في زمن مخصوص لعبادة مخصوصة، وسببها الفطر من رمضان وتُسّمى أيضا "صدقة الفطر".
ولقد فُرضت زكاة الفطر في السنة الثانية من الهجرة، وهي السنة التي فُرض فيها الصيام، أمّا الحكم بخراجها فهو فريضة فرضها الرسول (ص) على المسلمين، وما فرضه رسول الله (ص) أو أمر به فله حكم ما فرضه الله تعالى أو أمر به، قال تعالى: ((من يُطِع الرسول فقد أطاع الله، ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا)) (النساء:80)، وقال تعالى ((وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)) (الحشر:7).
ويضيف الشيخ المضحي: "زكاة الفطر فريضة على الكبير والصغير والذكر والأنثى والحر والعبد من المسلمين"، قال عبدالله بن عمر (رض): "فرض رسول الله (ص) زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر او صاعاً من شعير على العبد الحر والذكر والانثى والصغير والكبير من المسلمين".
ويشير إلى أنه لا تجب زكاة الفطر عن الجنين الذي في بطن أمه الا ان يُتَطوع عنه فلا بأس، فقد كان امير المؤمنين عثمان (رض) يخرجها عن الحمل.
ويضيف: "يجوز للرجل إخراج زكاة الفطر عن زوجه وأولاده، لكن يجب إخراجها عن نفسه اولا، وثم عمّن تلزمه مؤونته كالزوجه والاولاد، وكذلك القريب اذا لم يستطيعوا إخراجها عن انفسهم، فإن استطاعوا فالأولى ان يخرجوها عن أنفسهم لأنهم مخاطبون بها اصلا". ولا تجب زكاة الفطر إلا على من وجدها فاضلة زائدة عما يحتاجه من نفقة يوم العيد وليلته، فإن لم يجد إلا أقل من صاع، أخرجه لقوله تعالى: ((فاتقوا الله ما استطعتم)) (التغابن:16).
ويصف الشيخ المضحي الحكمة من زكاة الفطر بأنها تتمثل ـ في الدرجة الاولى ـ كونها إحسانا الى الفقراء ليشاركوا الأغنياء فرحتهم بالعيد، وفيها تطهيرٌ للصائم مما يحصل في صيامه من اللغو والإثم ونحو ذلك، وفيها إظهار شكر نعمة الله تعالى بإتمام صيام شهر رمضان المبارك وقيامه وفعل ما تيسّر فيه من الأعمال الصالحة.
وحدد الفقهاء والأئمة بأن تُخرج زكاة الفطر من طعام الآدميين من تمر أو رُزٍّ، وفي هذا الزمان ـ كما يقول الشيخ المضحي ـ فالأولى ان تُخرج من الرُزّ لأنه طعام الناس بصورة عامة، ولا يجوز إخراجها من طعام البهائم أو الثياب أو الفرش أو الأواني.
أما عن مقدارها فيقول: "ما اتُّفق عليه أن مقدار زكاة الفطر ما يعادل صاعاً من الرّزّ، أي بمقدار كيلوغرامين ونصف الكيلو غرام من الرّز... ووقتُ إخراجها يكون إما صباح العيد، أي قبل أداء صلاة العيد، كما جاء في حديث أبي سعيد الُخدري (رض): "كنّا نُخرج في عهد النبي (ص) يوم الفطر صاعاً من طعام".
ويجوز أيضا إخراجها قبل العيد بيوم او يومين، ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد بلا عذر، وإذا تأخر إخراج الزكاة بعد صلاة العيد لم تُقبل منه". وعن وجوه صرف زكاة الفطر يقول الشيخ المضحي: "تُدفع زكاة الفطر لفقراء المكان الذي هو فيه وقت الإخراج، سواء كان محل إقامته أو غيره من بلاد المسلمين، أمّا من عليهم ديون لا يستطيعون وفاءها فيعطون بقدر طاقتهم".
ويتفق الشيخ علي فاضل الصددي مع مجمل ما قاله الشيخ المضحي، ويقول: ان الزكاة من الواجبات التي لا خلاف فيها ولا شبه في الشريعة المحمدية كما جاء في قول الله تعالى: ((قد أفلح من تزكى. وذكر اسم ربه فصلى))(الأغلى:14و15).
ويضيف أن زكاة الفطر، أو "الفطرة" إمّا بمعنى الِخلقة، فزكاة الفطر أي زكاة البدن من حيث انها تحفظه عن الموت أو تطهره عن الأوساخ، وإما بمعنى الدِّين، أي زكاة الإسلام والدين، وإمّا بمعنى الإفطار لكون وجوبها يوم الفطر". ويفصّل الشيخ الصددي منافع زكاة الفطر أنّ من فوائدها "أنها تدفع الموت في تلك السنة عمّن أديتْ عنه ـ على حد تعبير بعض الفقهاء ـ بمعنى أن من لم تُدفع عنه زكاة الفطر يُتَخّوف عليه من الموت، ففي رواية موثقة عن بعض موالي الإمام الصادق (ع) ـ ويُدعى معتب ـ أن الإمام الصادق قال له: "اذهب فاعْطِ عن عيالنا الفطرة، وعن الرقيق واجمعهم، ولا تدع منهم أحداً، فإنك إن تركتَ منهم إنساناً تخوفتُ عليه الفوت"، قلت: "وما الفوت؟" قال: "الموت".
ويضيف: "من فوائد هذه الزكاة ـ كذلك ـ أنها توجب قبول الصوم، ففي الرواية عن الصادق (ع) قال: "من ختم صيامه بقول صالح أو عمل صالح، تقبّل الله منه صيامه"، فقيل: "يا ابن رسول الله، ما القول الصالح؟"، قال: "شهادة أن لا اله الا الله، والعمل الصالح إخراج الفطرة".
كما وأنها ـ والحديث للشيخ الصددي ـ توجب غفران الذنوب، ففي الخبر عن رسول الله (ص): "من صام شهر رمضان وختمه بصدقة وغدا الى المصلى بغُسل رجع مغفوراً له". كذلك أنها من تمام الصوم، ففي رواية صحيحة الإسناد عن الصادق(ع) قال: "إن من تمام الصوم إعطاء الزكاة (يعني الفطرة) كما ان الصلاة على النبي (ص) من تمام الصلاة: لأنه من صام ولم يؤدِّ الزكاة؛ فلا صوم له اذا تركها متعمداً، ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي (ص)، إن الله عز وجل قد بدأ بها قبل الصلاة فقال: ((قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى)).
ويضيف الشيخ الصددي: "تجب الزكاة على كل شخص بالغٍ عاقلٍ حرٍّ غنيٍ أنْ يُخرج زكاة الفطر، عنه وعمّن يعوله... والمراد بالغني كون الشخص مالكاً لقوتِ سَنَتِه، له ولعياله بالفعل أو بالتدريج".
والمدار في جنس الفطر "أن تكون قوتاً شائعاً لأهل البلد، يُتعارف عندهم التغذّي به، وإن لم يقتصروا عليه، والأحوط ـ استحباباً ـ أن تكون من إحدى الغلات الأربع (الحنطة، الشعير، التمر أو الزبيب)، والأفضل أن يكون من التمر، وإذا كانت القيمة (المادية) أصلح لحال الفقير فهي الأفضل".
وتتفق مذاهب المسلمين في مقدار زكاة الفطر على أنها صاعٌ عن كل فرد، ومقدار الصاع ـ كما ورد في السياق ـ وزنه كيلوغرامين ونصف الكيلوغرام من الأوزان المستخدمة اليوم. ووقت إخراج زكاة الفطر ـ كما يقول الشيخ الصددي ـ هو عند غروب شمس ليلة العيد ووقت إخراجها طلوع فجر ليلة العيد، والأحوط وجوباً لمصلي العيد إخراجها أو عزلها قبل صلاة العيد، وإن لم يصلها، امتد وقتها إلى الزوال.
ويفصّل الشيخ الصددي في مصارف الفطرة بأن "مصرفها هو مصرف زكاة المال من الأصناف الثمانية المذكورة في الآية (60) من سورة التوبة، وتُحرَم فِطرة غير الهاشمي على الهاشمي، وتَحِلّ فطرة الهاشمي له ولغيره، والأفضل والأحوط استحباباً دفعها الى الفقيه، ولا يجوز نقل زكاة الفطرة عن بلدها إلى آخر مع وجود المستحق في البلد على الأحوط، غير أنه لو سافر المكلف ثم أخرجها جاز ويجوز نقل زكاة الفطرة الى الإمام او نائبه وإن كان في البلد من يستحقها".
وفي ظل الظروف الحياتية التي نعيشها الآن، كان لابد من قيام بعض الجهات التي تعمل على تسهيل وتيسير أعمال البر والإحسان التي تشكل وجه المجتمع الإسلامي، وهنا في البحرين تقوم بهذا الدور الجمعيات الإسلامية والصناديق الخيرية المنتشرة في المملكة بفروعها المختلفة، والتي تحرص بين الحين والآخر على القيام ببعض المشاريع الخيرية التي من شأنها خدمة ومساعدة المسلمين وإعانتهم على ظروف ومتطلبات الحياة.
مدير المشروعات والإغاثة في جمعية التربية الإسلامية عبدالحكيم البنكي تحدّث لنا عن مشروع زكاة الفطر بقوله: "نحرص في كل عام على استيراد كمية من السِّلع الاستهلاكية التي اتُّفق عليها لتكون القوت الذي نخرجه في زكاة الفطر، وهو الرز، باعتباره أكثر السلع التموينية طلباً لدى الناس، إذ قمنا باستيراد 52 ألف "فطرة" أي ما يعادل 130 ألف كيلوغراماً لهذا العام من الرز لكي نقوم بتوزيعها على الفقراء والمحتاجين".
ويشير إلى أنه يمكن للأفراد "إما التبرع بما يعادل ديناراً واحداً ونحن نقوم بتوزيع الرز، أي أن يقوم الفرد بتوكيلنا للقيام بإخراج الزكاة عنه، وإما هو بنفسه من يقوم بذلك". ويضيف البنكي: "لدينا أكثر من 250 متطوعاً يعملون في هذا المشروع بصورة منتظمة، وهذا مؤشر جيد على حب الناس ورغبتهم في القيام بهذا العمل الجليل".
ويضيف: "نستقبل تبرعات الأهالي التي تمثل الركيزة الأساسية والجهة الوحيدة الداعمة لنا في أعمالنا، فنحن لا نستند إلى أي مؤسسة أو جهة داعمة".
أما عن الإقبال من الأهالي فيقول البنكي: "من واقع الأرقام التي أمامنا ـ لوجود أنظمة حاسوبية تربط كل فروع الجمعية المنتشرة في مناطق البحرين المختلفة، أجد هذا العام إقبالاً أكبر مما كان عليه العام الماضي بنسبة 50 في المئة تقريباً، وهذا إن دلّ، فإنما يدل على التزام أهالي البحرين بأداء هذه ا
وتأتي تحديداً زكاة الفطر واحدة من أهم سبل التكافل الاجتماعي الذي لم يتركه الشارع الحكيم لاختيار الناس بل ربط الزكاة برفع الصيام، فما لم يزكِّ الصائم فلا صيام له، وهذا الأمر يخلق نوعاً من التوازن الاجتماعي، وإن تغيّرت اليوم أشكال الزكاة، فلم تعد صاعاً من شعير أو حنطة أو ما شابه ذلك من أقوات الناس قبل مئات السنين، وترتفع سنة بعد أخرى ـ أموال زكاة الفطرـ كما يقول المشرفون على هذه المشاريع في الجمعيات الإسلامية الخيريةـ مرجعين هذا الارتفاع إلى ازدياد تمسّك الناس بدينهم، وشعورهم بما يعنيه التعاضد والتكافل في الجسد الإسلامي في هذا المجتمع. فالزكاة في الدين الإسلامي لم تكن مجرد عمل طيب من أعمال البر، وخِلة حسنة من خلال الخير كما في الأديان الأخرى، بل هي ركن أساسي من أركان الإسلام، وشعيرة من شعائره الكبرى، وعبادة من عباداته الأربع، يوصم بالفسق من منعها، ويحكم بالكفر على من أنكر وجوبها، فليست إحساناً اختيارياً ولا صدقة طوعيّة، وإنما هي فريضة تتمتع بأعلى درجات الإلزام الخلقي والشرعي فالزكاة بمفهومها الشامل تمثل نظاماً جديداً متميزاً يغاير ما جاءت به الديانات السابقة؛ وبعيداً كل البعد عن تسلط رجال الكهنوت ـ كما كان الحال في اليهودية ـ فليست هي بشيء من الضرائب والمكوس التي كان يجبيها الملوك والأباطرة. إذ كانت كثيراً ما تؤخذ من الفقراء لترد على الأغنياء، وتنفق على أبّهة الحاكمين وترفهم وإرضاء أقاربهم وأنصارهم وحماية سلطانهم من الزوال، ولا هي "صكوك غفران" توضع أموالها في جيوب باباوات الكنائس، بل هي في نظر الإسلام حق للفقراء في أموال الأغنياء. وهو حق قرره مالك المال الحقيقي وهو الله تعالى، وفرضه على من استخلفهم من عباده فيه، وجعلهم خُزّاناً له، فليس فيها معنى التفضل والامتنان من الغني على الفقير بل حدد الإسلام مصارفها ومستحقيها كما في الآية: ((إنما الصدقات للفقراء والمساكين...)) (التوبة:60)، وكما فصلت ذلك السنّة بدقة ووضوح، فقد عرف البشر من تجاربهم أن المهم ليس هو جباية المال، إنما الأهم هو أين يصرف؟ ولذلك أعلن الرسول (ص) أن تؤخذ الزكاة من أغنياء كل إقليم لترد على فقرائه فهي منهم وإليهم.
هذا الحق لم يوكل لضمائر الأفراد وحدها كما في الأديان الأخرى، وإنما حملت الدولة المسلمة مسئولية جبايتها بالعدل وتوزيعها بالحق. وذلك بواسطة ((العاملين عليها))، فهي ضريبة تؤخذ وليست تبرعاً يمنح. ولهذا كان تعبير القرآن الكريم: ((خذ من أموالهم صدقة))(التوبة:103).
والفرد المسلم مطالب بأداء هذه الفريضة العظيمة وإقامة هذا الركن الأساسي في الإسلام، وإن فرطت الدولة في المطالبة بها، أو تقاعس المجتمع عن رعايتها فإنها ـ قبل كل شيء ـ عبادة يتقرب بها المسلم إلى ربه، ويزكي بها نفسه وماله امتثالاً لدينه.
ونحن في نهاية الشهر الفضيل كان لا بد من التوقف عند موضوع زكاة الفطر والتي نحن على ابواب مناسبتها، ليتبين لنا مدى فاعلية هذه الزكاة في المجتمع المحلي.
خطيب جامع الشيخ سلمان بن حمد ورئيس لجنة الدعوة بجمعية التربية الإسلامية الشيخ مبارك المضحي يقول: "زكاة الفطر تعني طعاماً مخصوصاً في زمن مخصوص لعبادة مخصوصة، وسببها الفطر من رمضان وتُسّمى أيضا "صدقة الفطر".
ولقد فُرضت زكاة الفطر في السنة الثانية من الهجرة، وهي السنة التي فُرض فيها الصيام، أمّا الحكم بخراجها فهو فريضة فرضها الرسول (ص) على المسلمين، وما فرضه رسول الله (ص) أو أمر به فله حكم ما فرضه الله تعالى أو أمر به، قال تعالى: ((من يُطِع الرسول فقد أطاع الله، ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا)) (النساء:80)، وقال تعالى ((وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)) (الحشر:7).
ويضيف الشيخ المضحي: "زكاة الفطر فريضة على الكبير والصغير والذكر والأنثى والحر والعبد من المسلمين"، قال عبدالله بن عمر (رض): "فرض رسول الله (ص) زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر او صاعاً من شعير على العبد الحر والذكر والانثى والصغير والكبير من المسلمين".
ويشير إلى أنه لا تجب زكاة الفطر عن الجنين الذي في بطن أمه الا ان يُتَطوع عنه فلا بأس، فقد كان امير المؤمنين عثمان (رض) يخرجها عن الحمل.
ويضيف: "يجوز للرجل إخراج زكاة الفطر عن زوجه وأولاده، لكن يجب إخراجها عن نفسه اولا، وثم عمّن تلزمه مؤونته كالزوجه والاولاد، وكذلك القريب اذا لم يستطيعوا إخراجها عن انفسهم، فإن استطاعوا فالأولى ان يخرجوها عن أنفسهم لأنهم مخاطبون بها اصلا". ولا تجب زكاة الفطر إلا على من وجدها فاضلة زائدة عما يحتاجه من نفقة يوم العيد وليلته، فإن لم يجد إلا أقل من صاع، أخرجه لقوله تعالى: ((فاتقوا الله ما استطعتم)) (التغابن:16).
ويصف الشيخ المضحي الحكمة من زكاة الفطر بأنها تتمثل ـ في الدرجة الاولى ـ كونها إحسانا الى الفقراء ليشاركوا الأغنياء فرحتهم بالعيد، وفيها تطهيرٌ للصائم مما يحصل في صيامه من اللغو والإثم ونحو ذلك، وفيها إظهار شكر نعمة الله تعالى بإتمام صيام شهر رمضان المبارك وقيامه وفعل ما تيسّر فيه من الأعمال الصالحة.
وحدد الفقهاء والأئمة بأن تُخرج زكاة الفطر من طعام الآدميين من تمر أو رُزٍّ، وفي هذا الزمان ـ كما يقول الشيخ المضحي ـ فالأولى ان تُخرج من الرُزّ لأنه طعام الناس بصورة عامة، ولا يجوز إخراجها من طعام البهائم أو الثياب أو الفرش أو الأواني.
أما عن مقدارها فيقول: "ما اتُّفق عليه أن مقدار زكاة الفطر ما يعادل صاعاً من الرّزّ، أي بمقدار كيلوغرامين ونصف الكيلو غرام من الرّز... ووقتُ إخراجها يكون إما صباح العيد، أي قبل أداء صلاة العيد، كما جاء في حديث أبي سعيد الُخدري (رض): "كنّا نُخرج في عهد النبي (ص) يوم الفطر صاعاً من طعام".
ويجوز أيضا إخراجها قبل العيد بيوم او يومين، ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد بلا عذر، وإذا تأخر إخراج الزكاة بعد صلاة العيد لم تُقبل منه". وعن وجوه صرف زكاة الفطر يقول الشيخ المضحي: "تُدفع زكاة الفطر لفقراء المكان الذي هو فيه وقت الإخراج، سواء كان محل إقامته أو غيره من بلاد المسلمين، أمّا من عليهم ديون لا يستطيعون وفاءها فيعطون بقدر طاقتهم".
ويتفق الشيخ علي فاضل الصددي مع مجمل ما قاله الشيخ المضحي، ويقول: ان الزكاة من الواجبات التي لا خلاف فيها ولا شبه في الشريعة المحمدية كما جاء في قول الله تعالى: ((قد أفلح من تزكى. وذكر اسم ربه فصلى))(الأغلى:14و15).
ويضيف أن زكاة الفطر، أو "الفطرة" إمّا بمعنى الِخلقة، فزكاة الفطر أي زكاة البدن من حيث انها تحفظه عن الموت أو تطهره عن الأوساخ، وإما بمعنى الدِّين، أي زكاة الإسلام والدين، وإمّا بمعنى الإفطار لكون وجوبها يوم الفطر". ويفصّل الشيخ الصددي منافع زكاة الفطر أنّ من فوائدها "أنها تدفع الموت في تلك السنة عمّن أديتْ عنه ـ على حد تعبير بعض الفقهاء ـ بمعنى أن من لم تُدفع عنه زكاة الفطر يُتَخّوف عليه من الموت، ففي رواية موثقة عن بعض موالي الإمام الصادق (ع) ـ ويُدعى معتب ـ أن الإمام الصادق قال له: "اذهب فاعْطِ عن عيالنا الفطرة، وعن الرقيق واجمعهم، ولا تدع منهم أحداً، فإنك إن تركتَ منهم إنساناً تخوفتُ عليه الفوت"، قلت: "وما الفوت؟" قال: "الموت".
ويضيف: "من فوائد هذه الزكاة ـ كذلك ـ أنها توجب قبول الصوم، ففي الرواية عن الصادق (ع) قال: "من ختم صيامه بقول صالح أو عمل صالح، تقبّل الله منه صيامه"، فقيل: "يا ابن رسول الله، ما القول الصالح؟"، قال: "شهادة أن لا اله الا الله، والعمل الصالح إخراج الفطرة".
كما وأنها ـ والحديث للشيخ الصددي ـ توجب غفران الذنوب، ففي الخبر عن رسول الله (ص): "من صام شهر رمضان وختمه بصدقة وغدا الى المصلى بغُسل رجع مغفوراً له". كذلك أنها من تمام الصوم، ففي رواية صحيحة الإسناد عن الصادق(ع) قال: "إن من تمام الصوم إعطاء الزكاة (يعني الفطرة) كما ان الصلاة على النبي (ص) من تمام الصلاة: لأنه من صام ولم يؤدِّ الزكاة؛ فلا صوم له اذا تركها متعمداً، ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي (ص)، إن الله عز وجل قد بدأ بها قبل الصلاة فقال: ((قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى)).
ويضيف الشيخ الصددي: "تجب الزكاة على كل شخص بالغٍ عاقلٍ حرٍّ غنيٍ أنْ يُخرج زكاة الفطر، عنه وعمّن يعوله... والمراد بالغني كون الشخص مالكاً لقوتِ سَنَتِه، له ولعياله بالفعل أو بالتدريج".
والمدار في جنس الفطر "أن تكون قوتاً شائعاً لأهل البلد، يُتعارف عندهم التغذّي به، وإن لم يقتصروا عليه، والأحوط ـ استحباباً ـ أن تكون من إحدى الغلات الأربع (الحنطة، الشعير، التمر أو الزبيب)، والأفضل أن يكون من التمر، وإذا كانت القيمة (المادية) أصلح لحال الفقير فهي الأفضل".
وتتفق مذاهب المسلمين في مقدار زكاة الفطر على أنها صاعٌ عن كل فرد، ومقدار الصاع ـ كما ورد في السياق ـ وزنه كيلوغرامين ونصف الكيلوغرام من الأوزان المستخدمة اليوم. ووقت إخراج زكاة الفطر ـ كما يقول الشيخ الصددي ـ هو عند غروب شمس ليلة العيد ووقت إخراجها طلوع فجر ليلة العيد، والأحوط وجوباً لمصلي العيد إخراجها أو عزلها قبل صلاة العيد، وإن لم يصلها، امتد وقتها إلى الزوال.
ويفصّل الشيخ الصددي في مصارف الفطرة بأن "مصرفها هو مصرف زكاة المال من الأصناف الثمانية المذكورة في الآية (60) من سورة التوبة، وتُحرَم فِطرة غير الهاشمي على الهاشمي، وتَحِلّ فطرة الهاشمي له ولغيره، والأفضل والأحوط استحباباً دفعها الى الفقيه، ولا يجوز نقل زكاة الفطرة عن بلدها إلى آخر مع وجود المستحق في البلد على الأحوط، غير أنه لو سافر المكلف ثم أخرجها جاز ويجوز نقل زكاة الفطرة الى الإمام او نائبه وإن كان في البلد من يستحقها".
وفي ظل الظروف الحياتية التي نعيشها الآن، كان لابد من قيام بعض الجهات التي تعمل على تسهيل وتيسير أعمال البر والإحسان التي تشكل وجه المجتمع الإسلامي، وهنا في البحرين تقوم بهذا الدور الجمعيات الإسلامية والصناديق الخيرية المنتشرة في المملكة بفروعها المختلفة، والتي تحرص بين الحين والآخر على القيام ببعض المشاريع الخيرية التي من شأنها خدمة ومساعدة المسلمين وإعانتهم على ظروف ومتطلبات الحياة.
مدير المشروعات والإغاثة في جمعية التربية الإسلامية عبدالحكيم البنكي تحدّث لنا عن مشروع زكاة الفطر بقوله: "نحرص في كل عام على استيراد كمية من السِّلع الاستهلاكية التي اتُّفق عليها لتكون القوت الذي نخرجه في زكاة الفطر، وهو الرز، باعتباره أكثر السلع التموينية طلباً لدى الناس، إذ قمنا باستيراد 52 ألف "فطرة" أي ما يعادل 130 ألف كيلوغراماً لهذا العام من الرز لكي نقوم بتوزيعها على الفقراء والمحتاجين".
ويشير إلى أنه يمكن للأفراد "إما التبرع بما يعادل ديناراً واحداً ونحن نقوم بتوزيع الرز، أي أن يقوم الفرد بتوكيلنا للقيام بإخراج الزكاة عنه، وإما هو بنفسه من يقوم بذلك". ويضيف البنكي: "لدينا أكثر من 250 متطوعاً يعملون في هذا المشروع بصورة منتظمة، وهذا مؤشر جيد على حب الناس ورغبتهم في القيام بهذا العمل الجليل".
ويضيف: "نستقبل تبرعات الأهالي التي تمثل الركيزة الأساسية والجهة الوحيدة الداعمة لنا في أعمالنا، فنحن لا نستند إلى أي مؤسسة أو جهة داعمة".
أما عن الإقبال من الأهالي فيقول البنكي: "من واقع الأرقام التي أمامنا ـ لوجود أنظمة حاسوبية تربط كل فروع الجمعية المنتشرة في مناطق البحرين المختلفة، أجد هذا العام إقبالاً أكبر مما كان عليه العام الماضي بنسبة 50 في المئة تقريباً، وهذا إن دلّ، فإنما يدل على التزام أهالي البحرين بأداء هذه ا