القصة القصيرة
--------------
الفتيل
عاد إلينا نصفه نجوم ونصفه الآخرزورق مليء بالحكايا، أمام المرآة وقف حافيا ، خجولا
تأمل وجهه المتصدع وأصابعه النحيلة ، ثم بكى كأنه لم يبك من قبل.. نظر إلى السقف والسرير، تلمس الخزانة والجدران ، أحس الصقيع جنينا ينبض في الأحشاء ، ارتمى على السرير ، صار يلوح بيديه كأنه يبحث عن عنق ما ليخنقه0
انتشر الخبر في القرية كلمح البصر :
- سالم عاد .. عاد سالم
وكالرصاص اندفعت ( نورا ) نحو منزله الصغير... تعبر الدروب المتربة والذكريات تنزلق أمام عينيها كالصهيل المتمرد.. كان حبهما أعمق من صدور الفلاسفة.. أشهى من الصباحات الندية إلى أن جاء ذلك اليوم عندما التقيا تحت أشجار الأكاسيا عند ضفاف النهر
رأته متوترا غاضبا أقسم لها أنه رأى ( عناد سيد القرية ) يغتصب (ابنة عزو البلهاء ) حتى نزفت كل أغصان الشجر، حاول قتله إلا أنه فر بسيارته هاربا...
سألته غير مصدقة :
- ما هذا الكلام ؟!
- أقسم لك ، رأيته بعيني .. ألا تصدقين ؟ .. سأفضحه في كل القرية... سأحكي لهم كل شيء
قالت له :
- لن يصدقوك 0
بصق على الأرض واتجه الى ساحة القرية حيث يجتمع رجال القرية... كانو يتحدثون عن المستقبل لأنه لا حاضر لهم ثم أتو على سيرة (عناد بيك ) قائلين :
- لو كان في منطقتنا عشرة متلو لكانت الدنيا بألف خير ... أحدهم أكد ذلك قائلا :
- عناد رجل شهم
بلع سالم ريقه ، أخذ نفسا عميقا ، تمالك نفسه ثم صرخ مخبرا الناس بكل ما رآه 0
جحظت أعينهم .. تبادلوا نظرات الشك والإ ستهجان.. ثم نهضوا عليه يلعنون القبيلة التي انحدر منها... ركضوا خلفه يرشقونه بالحجارة00 استمروا بمطاردته وضربه حتى أغمي عليه... صار الدم فوق جسده خارطة بلا حدود ، ومن خلفهم كانت نورا تتوسل أن يتركوه0
توقفت سيارة ( سيد القرية ) حيث يرتمي (سالم ) فاقدا وعيه ؛ وضعه في سيا رته واتجه نحو المدينة ، ومن يومها صار سالم حديث القرية:
- سالم فقد عقله... إلا إن ( عناد بيك ) ابن أصل ، فرغم كل شيء أنقذه من الموت...
من يومها لم يعد سالم ، وبقيت نورا تنتظره كما تنتظلر العاقر لحظة الولادة.
ها هي تقف أمام بيته، فتحت الباب بكل تؤدة .. رأته يتمدد على السرير متعبا ، وعلى قدميه لمحت آلاف الأميال والشوارع .. فتح عينيه عندما أحس بحركة خلفه .. نظر إليها ، ابتسم ابتسامة متعبة , ثم تعانقا كالشفشاف الحزين.. قالت له معاتبة :
- انتظرتك طويلا
زفر زفرة مخنوقة وراح يحكي لها :
- لم أدر ما حدث .. إلا عندما استفقت من غيبوبتي .. لأرى نفسي في مشفى الأمراض العقلية ، ارتميت تحت أقدامهم .. أخبرتهم أني في كامل قواي العقلية.. سألتهم أن يتأكدوا من ذلك ..
لم يصدقني أحد إلا زملائي في الغرفة ... بقيت مستسلما على أمل أن يصدقوني ... إلا إن زمن الحقيقة طال غيابه ، فهربت ليلا ، وها أنت ترينني .. لقد عدت أكثر ضعفا من فأر، وأشد جنونامن عاصفة...
صمت قليلا ثم التفت إليها سائلا :
- ما أخبار الوغد ( سيد القرية ) ؟
- مات..
- كيف ؟
- فجأة وصلنا خبر موته .. لم يصدق أهل القرية أنه مات بل قالوا إن روحه ترفرف بالأعالي، وأنه راقد في السماء بجوار الأنبياء والصالحين.. ولهذا فقد أقاموا له مقاما كبيرا يزورونه كل يوم قبل ذهابهم إلى الحقول.. متوسلين به كي يطرح الله البركة بمحاصيلهم.
كالمجنون امتدت يداه الى الحقيبة.. أخرج أصابع الديناميت راكضا نحو المقبرة.. لم يلتفت إلى صراخ نورا التي لحقت به كما لحق به أهل القرية .. وقف إلى جانب قبر ( عناد )
.. نظر الى الناس رمقهم بحقد غاضب... عصر عينيه حتى فرت الدموع .. كز على أسنانه ثم أشعل عود الثقاب.. لمح ( ابنة عزو البلهاء ) تلوح له بيديها النحيلتين وتبكي.. ثم أشعل الفتيل ..
انتهت
---------
ملاحظة هامة
------------
وقد أعلن أخيرا أن الولايات المتحدة الأمريكية قد اعتبرت كل من ( سالم و نورا وابنة عزو البلهاء ) من مؤ سسي الإرهاب في العلم وطلبت بضرورة إحياء تراث عناد بيك
--------------
الفتيل
عاد إلينا نصفه نجوم ونصفه الآخرزورق مليء بالحكايا، أمام المرآة وقف حافيا ، خجولا
تأمل وجهه المتصدع وأصابعه النحيلة ، ثم بكى كأنه لم يبك من قبل.. نظر إلى السقف والسرير، تلمس الخزانة والجدران ، أحس الصقيع جنينا ينبض في الأحشاء ، ارتمى على السرير ، صار يلوح بيديه كأنه يبحث عن عنق ما ليخنقه0
انتشر الخبر في القرية كلمح البصر :
- سالم عاد .. عاد سالم
وكالرصاص اندفعت ( نورا ) نحو منزله الصغير... تعبر الدروب المتربة والذكريات تنزلق أمام عينيها كالصهيل المتمرد.. كان حبهما أعمق من صدور الفلاسفة.. أشهى من الصباحات الندية إلى أن جاء ذلك اليوم عندما التقيا تحت أشجار الأكاسيا عند ضفاف النهر
رأته متوترا غاضبا أقسم لها أنه رأى ( عناد سيد القرية ) يغتصب (ابنة عزو البلهاء ) حتى نزفت كل أغصان الشجر، حاول قتله إلا أنه فر بسيارته هاربا...
سألته غير مصدقة :
- ما هذا الكلام ؟!
- أقسم لك ، رأيته بعيني .. ألا تصدقين ؟ .. سأفضحه في كل القرية... سأحكي لهم كل شيء
قالت له :
- لن يصدقوك 0
بصق على الأرض واتجه الى ساحة القرية حيث يجتمع رجال القرية... كانو يتحدثون عن المستقبل لأنه لا حاضر لهم ثم أتو على سيرة (عناد بيك ) قائلين :
- لو كان في منطقتنا عشرة متلو لكانت الدنيا بألف خير ... أحدهم أكد ذلك قائلا :
- عناد رجل شهم
بلع سالم ريقه ، أخذ نفسا عميقا ، تمالك نفسه ثم صرخ مخبرا الناس بكل ما رآه 0
جحظت أعينهم .. تبادلوا نظرات الشك والإ ستهجان.. ثم نهضوا عليه يلعنون القبيلة التي انحدر منها... ركضوا خلفه يرشقونه بالحجارة00 استمروا بمطاردته وضربه حتى أغمي عليه... صار الدم فوق جسده خارطة بلا حدود ، ومن خلفهم كانت نورا تتوسل أن يتركوه0
توقفت سيارة ( سيد القرية ) حيث يرتمي (سالم ) فاقدا وعيه ؛ وضعه في سيا رته واتجه نحو المدينة ، ومن يومها صار سالم حديث القرية:
- سالم فقد عقله... إلا إن ( عناد بيك ) ابن أصل ، فرغم كل شيء أنقذه من الموت...
من يومها لم يعد سالم ، وبقيت نورا تنتظره كما تنتظلر العاقر لحظة الولادة.
ها هي تقف أمام بيته، فتحت الباب بكل تؤدة .. رأته يتمدد على السرير متعبا ، وعلى قدميه لمحت آلاف الأميال والشوارع .. فتح عينيه عندما أحس بحركة خلفه .. نظر إليها ، ابتسم ابتسامة متعبة , ثم تعانقا كالشفشاف الحزين.. قالت له معاتبة :
- انتظرتك طويلا
زفر زفرة مخنوقة وراح يحكي لها :
- لم أدر ما حدث .. إلا عندما استفقت من غيبوبتي .. لأرى نفسي في مشفى الأمراض العقلية ، ارتميت تحت أقدامهم .. أخبرتهم أني في كامل قواي العقلية.. سألتهم أن يتأكدوا من ذلك ..
لم يصدقني أحد إلا زملائي في الغرفة ... بقيت مستسلما على أمل أن يصدقوني ... إلا إن زمن الحقيقة طال غيابه ، فهربت ليلا ، وها أنت ترينني .. لقد عدت أكثر ضعفا من فأر، وأشد جنونامن عاصفة...
صمت قليلا ثم التفت إليها سائلا :
- ما أخبار الوغد ( سيد القرية ) ؟
- مات..
- كيف ؟
- فجأة وصلنا خبر موته .. لم يصدق أهل القرية أنه مات بل قالوا إن روحه ترفرف بالأعالي، وأنه راقد في السماء بجوار الأنبياء والصالحين.. ولهذا فقد أقاموا له مقاما كبيرا يزورونه كل يوم قبل ذهابهم إلى الحقول.. متوسلين به كي يطرح الله البركة بمحاصيلهم.
كالمجنون امتدت يداه الى الحقيبة.. أخرج أصابع الديناميت راكضا نحو المقبرة.. لم يلتفت إلى صراخ نورا التي لحقت به كما لحق به أهل القرية .. وقف إلى جانب قبر ( عناد )
.. نظر الى الناس رمقهم بحقد غاضب... عصر عينيه حتى فرت الدموع .. كز على أسنانه ثم أشعل عود الثقاب.. لمح ( ابنة عزو البلهاء ) تلوح له بيديها النحيلتين وتبكي.. ثم أشعل الفتيل ..
انتهت
---------
ملاحظة هامة
------------
وقد أعلن أخيرا أن الولايات المتحدة الأمريكية قد اعتبرت كل من ( سالم و نورا وابنة عزو البلهاء ) من مؤ سسي الإرهاب في العلم وطلبت بضرورة إحياء تراث عناد بيك