إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

وَقبْرٌ بِبَغدَادٍ ~ السَّـلامُ عَـلَى المُـعَـذبِ فِـي قَـعْـر السُّـجُون ¸.·`ღ

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • وَقبْرٌ بِبَغدَادٍ ~ السَّـلامُ عَـلَى المُـعَـذبِ فِـي قَـعْـر السُّـجُون ¸.·`ღ

    بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
    اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وسَهِّلْ مَخْرَجَهُمْ والعَنْ أعْدَاءَهُم


    وَقَبْرٌ بِبَغْدَادٍ..

    `¯ ·.¸ السَّـلامُ عَـلَى المُـعَـذبِ فِـي قَـعْـرِ السُّـجُون ¸.·¯`





    اَللّهُمَّ صَلِّ عَلَى الاَْمينِ الْمُؤْتَمَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَر، الْبَرِّ الْوَفِىِّ الطّاهِرِ الزَّكِىِّ،
    النُّورِ الْمُبينِ الُْمجْتَهِدِ الُْمحْتَسِبِ، الصّابِرِ عَلَى الاَْذى فيكَ، اَللّهُمَّ وَكَما بَلَّغَ عَنْ
    آبائِهِ مَا اسْتُوْدِعَ مِنْ اَمْرِكَ وَنَهْيِكَ، وَحَمَلَ عَلَى الَْمحَجَّةَ وَكابَدَ اَهْلَ الْعِزَّةِ وَالشِّدَّةِ
    فيما كانَ يَلْقى مِنْ جُهّالِ قَوْمِهِ، رَبِّ فَصَلِّ عَلَيْهِ اَفْضَلَ وَاَكْمَلَ ما صَلَّيْتَ عَلى اَحَد
    مِمَّنْ اَطاعَكَ وَنَصَحَ لِعِبادِكَ، اِنَّكَ غَفوُرٌ رَحيمٌ.




    وَقَبْرٌ بِبَغْدَادٍ لِنَفْسٍ زَكِيَّةٍ.. تَضَمَّنَهَا الرَّحْمَنُ بِالغُرُفَاتِ








    مَحَطَّاتٌ قُدْسِيَّة.. فِي عَالَمِ النُّور ღ


    النسب الذهبي:
    الإمام موسى بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمّد الباقر بن الإمام عليّ زين

    العابدين بن الإمام الحسين الشهيد بن الإمام أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين
    عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين. جدّته العليا فاطمة الزهراء سيّدة
    نساء العالمين، ومنها يرتقي إلى جدّه الأعلى محمّد المصطفى
    صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين.


    الكُنى:
    أبو إبراهيم، أبو الحسن، أبو عليّ، وأبو إسماعيل.


    الألقاب الشريفة:
    الكاظم، العبد الصالح، وباب الحوائج، زين المجتهدين، وذي النفس الزكيّة،

    والأمين، والمأمون، والسيّد، والطيّب، والصالح، والصابر، والوفيّ
    والزاهر ـ قيل: لأنّه زَهَر بأخلاقه الشريفة وكرمه المضيء التامّ.




    نقش خاتمه:
    «المُلْكُ للهِ وحدَه» وقيل «حَسبِيَ اللهُ».


    منصبه الإلهي:
    المعصوم التاسع من المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم،

    والإمام السابع.. ابتداءً من أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام.
    أمّا إمامته فقد امتدت من سنة 148 هجريّة بعد شهادة والده الإمام
    الصادق عليه السّلام، إلى شهادته هو سلام الله عليه سنة 183 هجرية.
    فتكون خمساً وثلاثين سنة تقريباً. وكان قام بأمر الإمامة الإلهية وله
    عشرون سنة، حيث بقيّة مُلك المنصور العباسي أبي جعفر الدوانيقيّ.


    أوصافه وخصائصه:
    كان الإمام موسى الكاظم عليه السّلام أزهَرَ اللون، رَبْع القامة، كَثّ اللِّحية. وكان أجلَّ وُلد أبيه شأناً، وأعلاهم في الدِّين مكاناً، وأسخاهم بَناناً، وأفصحهم لساناً.. كما كان أعبدَ أهل زمانه وأعلمهم وأفقههم وأكرمهم.


    //

    " يا هشام لو كان في يدك جوزة وقال الناس في يدك لؤلؤة
    ما كان ينفعك وأنت تعلم أنها جوزة !!
    ولو كان في يدك لؤلؤة وقال الناس إنها جوزة
    ما ضرك وأنت تعلم أنها لؤلؤة !! "

    //

    ولادته:
    التأريخ الذي اتّفق عليه أكثر المؤرّخين في مولد الإمام الكاظم عليه السّلام

    هو السابع من شهر صفر سنة 128 هجريّة، وكان ذلك في الأبْواء
    وهو منزل بين مكّة والمدينة. فأولَم أبوه الإمام الصادق عليه السّلام
    عند ولادته، وأطعَم الناس ثلاثة أيّام.


    أمه:
    حميدة بنت صاعد المغربي، ثمّ لُقّبت بـ «حميدة المُصفّاة».

    قال الإمام الصادق عليه السّلام في تعريفها: حميدة مصفّاة من الأدناس
    كسبيكةِ الذهب، ما زالت الأملاك تحرسها حتّى أُدّيت إليّ
    كرامةً من الله لي والحجّة من بعدي.


    إخوته وأخواته:
    1) إسماعيل
    2) عبدالله
    3) محمّد الدّيباج
    4) إسحاق
    5) عليّ العُرَيضيّ
    6) العبّاس
    7) أُمّ فروة
    8) فاطمة
    9) أسماء


    نساؤه:
    1) فاطمة بنت عليّ
    2) نجمة أو «تُكتَم» اُمّ الإمام الرضا عليه السّلام

    وأُمّ السيّدة فاطمة المعصومة عليها السّلام أيضاً

    أولاده:
    1) الإمام عليّ الرضا عليه السّلام
    2) إبراهيم
    3) العبّاس
    4) القاسم (الغريب المدفون في الحلّة بالعراق)
    5) إسماعيل
    6) جعفر
    7) هارون
    8) الحسن
    9) أحمد
    10) محمّد
    11) حمزة
    12) عبدالله
    13) إسحاق
    14) عبيدالله
    15) زيد
    16) الحسين
    17) الفضل
    18) سليمان




    بناته:
    1) فاطمة الكبرى السيّدة المعصومة عليها السّلام

    المدفونة في مدينة قمّ المقدّسة
    (عشّ آل محمّد صلّى الله عليه وآله)
    2) فاطمة الصغرى
    3) رقيّة
    4) حكيمة
    5) أم أبيها
    6) رقيّة الصغرى
    7) أم جعفر
    8) لُبابة
    9) زينب
    10) خديجة
    11) عليّة
    12) آمنة
    13) حسنة
    14) بُرَيهة
    15) عائشة
    16) أم سَلَمة
    17) ميمونة
    18) أم كلثوم
    19) كلثوم
    فيكونون سبعة وثلاثين كما عدّهم ابن شهرآشوب والشيخ المفيد


    أصحابه:
    ذكرهم الشيخ الطوسيّ في (رجاله) فعدّهم مئتين وواحداً وثمانين شخصاً، فيما

    عدّ بعضهم أكثر من ذلك، إلاّ أن أشهرهم: عليّ بن يَقطين، وهِشام بن الحكَم،
    وعبدالله بن جُندَب البَجَليّ، وأبو الصَّلت هارون بن صالح الهَرَويّ، وإسماعيل
    بن مِهران، والمفضَّل بن عمر، ويونس بن عبدالرحمن، ويونس بن يعقوب،
    وحمّاد بن عيسى.


    شاعره:
    السيّد إسماعيل الحِميرَيّ


    بوّابه:
    محمّد بن المفضَّل

    //

    " يا هشام إن لقمان قال لابنه تواضع للحق تكن أعقل الناس يا بني
    إن الدنيا بحر عميق قد غرق فيه عالم كثير فلتكن سفينتك فيها
    تقوى الله وحشوها الإيمان وشراعها التوكل وقيمها العقل
    ودليلها العلم وسكانها الصبر " ღ

    //

    مُدة عمره:
    55 سنة


    مُدة إمامته:
    35 سنة


    الحكّام المعاصرون:
    1) مروان بن محمّد الأُمويّ المعروف بـ (مروان الحمار)

    وهو آخر حكّام بني أُميّة (126 ـ 132 هـ)
    2) أبو العبّاس السفّاح وهو أوّل حاكم من العبّاسيّين (132 ـ 136 هـ)
    3) أبو جعفر المنصور (136 ـ 158 هـ)
    4) المهدي العبّاسي (158 ـ 169 هـ)
    5) الهادي العبّاسي (169 ـ 170 هـ)
    6) هارون الرشيد (170 ـ 193 هـ)
    الذي كانت شهادة الإمام موسى الكاظم عليه السّلام على يده.


    تاريخ شهادته:
    25 رجب 183 هـ، وقيل غير ذلك




    مكان شهادته:
    بغداد


    سبب شهادته:
    قُتل عليه السلام مسموماً في زمن الخليفة العباسي هارون الرشيد




    محل دفنه:
    مقبرة قريش في الكاظمية شمال بغداد


    //

    " يا هشام، لكلّ شيء دليل، ودليل العاقل التفكّر،
    ودليل التفكّر الصمت " ღ

  • #2


    لم يكتفوا أن يسجنوا شمس الهدى ... ما بين قضبـان بسجن مظلـم ِ
    لا بل أرادوا الشمس في بطن الثرى ... كي لا يشعّ ضياؤهـا للمعتـم ِ
    خسئوا. فإن شمـوس آل محمّـد ... أبداً بكلّ عصورهـا لـم تُعـدَم ِ
    حتى النشور تظـلّ نبـع هدايـةٍ ... وتظلّ مصباحـاً لكـلّ العالَـم ِ

    . مرتضى العاملي





    { مَظَاهِرٌ مِنْ شَخْصِيَّتِه

    وفور علمه:
    لقد شهد بذلك أبوه الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) إذ قال عنه:

    «إنّ ابني هذا لو سألته عمّا بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم».

    عبادته وتقواه:
    أ)
    صلاته: إذا وقف بين يدي الله تعالى مصلّياً أو مناجياً أو داعياً ارسل ما في
    عينيه من دموع، وخفق قلبه، واضطرب موجدة وخوفاً منه، وقد شغل أغلب
    أوقاته في الصلاة، ومن مظاهر طاعته أنه دخل مسجد النبي (صلى الله عليه
    وآله) في أول الليل فسجد سجدة واحدة وهو يقول بنبرات تقطر
    إخلاصاً وخوفا منه:
    «عظم الذنب من عبدك، فليحسن العفو من عندك».


    ولمّا أودعه طاغية زمانه الملك هارون الرشيد في ظلمات السجون تفرغ
    للطاعة والعبادة حتى بهر بذلك العقول وحير الالباب،
    فقد شكر الله على تفرغه لطاعته قائلا:
    «اللّهم انّني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك، اللهمّ وقد فعلت فلك الحمد».


    ب) صومه: كان الإمام(عليه السلام) يصوم في النهار ويقوم مصلّياً في الليل،
    خصوصاً لمّا سجنه هارون فإنه لم يبارح العبادة الاستحبابية بجميع أنواعها من
    صوم وغيره، وهو يشكر الله ويحمده على هذا الفراغ الذي قضاه في عبادته.

    ج) حجّه: وما من شيء يحبه الله وندب إليه إلاّ فعله الإمام عن رغبة
    واخلاص، فمن ذلك أنه حج بيت الله ماشياً على قدميه، والنجائب تقاد بين
    يديه، وقد حج معه أخوه علي بن جعفر وجميع عياله أربع مرات.

    د) تلاوته للقرآن: كان الذكر الحكيم رفيق الإمام في خلواته، وصاحبه في
    وحشته وكان يتلوه بامعان وتدبر، وكان من أحسن الناس صوتا به،
    فاذا قرأ يحزن، ويبكي السامعون لتلاوته.
    وحدّث حفص عن كيفية تلاوته للقرآن فقال:

    وكان قراءته حزناً فاذا قرأ فكأنه يخاطب إنساناً.

    هـ) عتقه للعبيد: ومن مظاهر طاعة الإمام (عليه السلام) عطفه
    واحسانه على الرقيق فقد أعتق الف مملوك كل ذلك لوجه الله،
    وابتغاء مرضاته، والتقرب إليه.

    //
    " من سلّط ثلاثاً على ثلاث فكأنّما أعان هواه على هدم عقله.
    من أظلم نور فكره بطول أمله، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه
    وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه فكأنّما أعان هواه على هدم عقله،
    ومن هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه " ღ

    //
    زهده:
    كان الإمام في طليعة الزاهدين في الدنيا والمعرضين عن نعيمها وزخارفها فقد

    اتجه الى الله ورغب فيما أعدّه له في دار الخلود من النعيم والكرامة، وقد حدثنا
    عن مدى زهده ابراهيم بن عبد الحميد فقال: دخلت عليه في بيته الذى كان
    يصلي فيه، فاذا ليس في البيت شيء سوى خصفة، وسيف معلق، ومصحف،
    وكان(عليه السلام) دوماً يتلو على أصحابه سيرة أبي ذر الصحابي العظيم الذي
    ضرب المثل الاعلى لنكران الذات والتجرد عن الدنيا والزهد في ملاذها،
    فقال (عليه السلام):
    «رحم الله أبا ذر . فلقد كان يقول: جزى الله الدنيا عني مذمة بعد رغيفين من الشعير، أتغدى بأحدهما، وأتعشى بالآخر، وبعد شملتي الصوف أئتزر باحدهما وارتدي بالاُخرى...»


    جوده وسخاؤه:
    لقد تجلّى الكرم الواقعي، والسخاء الحقيقي في الإمام فكان مضرب المثل

    في الكرم والمعروف، فقد فزع إليه البائسون والمحرومون لينقذهم من
    كابوس الفقر وجحيم البؤس وقد أجمع المؤرخون أنه أنفق (عليه السلام)
    جميع ما عنده عليهم كل ذلك في سبيل الله لم يبتغ من أحد جزاءاً أو شكورا،
    وكان(عليه السلام) في صِلاته يتطلب الكتمان وعدم الذيوع لئلا يشاهد على
    الآخذ ذلة الحاجة، وكان يلتمس في ذلك وجه الله ورضاه، ولهذا كان يخرج
    في غلس الليل البهيم فيصل الطبقة الضعيفة ببرّه وإحسانه وهي لا تعلم
    من أيّ جهة تصلها تلك المبرة، وكان يوصلهم بصراره التي تتراوح
    ما بين المائتي دينار الى الاربعمائة دينار وكان يضرب المثل بتلك الصرار
    فكان أهله يقولون:
    «عجباً لمن جاءته صرار موسى وهو يشتكي القلة والفقر!!».


    حلمه:
    وكان الحلم من أبرز صفات الإمام موسى(عليه السلام)، وقد ذكر المؤرخون

    بوادر كثيرة من حلمه فقد رووا:
    «أن شخصاً من احفاد عمر بن الخطاب كان يسيء للامام، ويكيل السب والشتم
    لجده أمير المؤمنين(عليه السلام) فأراد بعض شيعة الإمام اغتياله فنهاهم
    (عليه السلام) عن ذلك ورأى أن يعالجه بغير ذلك فسأل عن مكانه فقيل:
    أنه يزرع في بعض نواحي المدينة، فركب(عليه السلام) بغلته ومضى إليه
    متنكراً، فوجده في مزرعته فأقبل نحوه، فصاح به: لا تطأ زرعنا واستمر الإمام
    حتى وصل إليه، ولمّا انتهى إليه جلس الى جنبه وأخذ يلاطفه ويحدّثه بأطيب الحديث، وقال له بلطف ولين:
    - كم غرمت في زرعك هذا ؟
    - مائة دينار
    - كم ترجو أن تصيب منه ؟
    - أنا لا أعلم الغيب !!
    - انما قلت لك : كم ترجو أن يجيئك منه ؟
    - أرجو أن يجيئني منه مئتا دينار
    فأعطاه (عليه السلام) ثلاثمائة دينار، وقال: هذه لك وزرعك على حاله فتغير

    العمري، وخجل من نفسه على ما فرط من قبل في حق الامام، وتركه
    (عليه السلام) ومضى الى الجامع النبوي، فوجد العمري قد سبقه،
    فلما رأى الإمام مقبلاً قام إليه تكريماً وانطلق يهتف:
    {اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} في من يشاء.
    فبادر إليه اصحابه منكرين عليه هذا الانقلاب، فأخذ يخاصمهم، ويتلو عليهم

    مناقب الإمام ومآثره، ويدعو له، فالتفت(عليه السلام) إلى أصحابه قائلا:
    أيّما كان خيراً؟ ما أردتم أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار؟».

    إحسانه الى الناس:
    وكان الإمام بارّاً بالمسلمين محسناً إليهم، فما قصده أحد في حاجة

    إلاّ قام بقضائها، فلا ينصرف منه إلاّ وهو ناعم الفكر مثلوج القلب.
    ومن هؤلاء الذين أغاثهم الامام(عليه السلام) شخص من أهالي الري كانت
    عليه أموال طائلة لحكومة الري فلم يتمكّن من أدائها، وخاف على نعمته أن
    تسلب منه، فأخذ يطيل الفكر فيما يعمل، فسأل عن حاكم الري، فأخبر أنه من
    الشيعة، فطوى نيته على السفر الى الإمام ليستجير به فسافر الى المدينة فلما
    انتهى اليها تشرف بمقابلة الإمام فشكى إليه حاله، فزوده(عليه السلام) برسالة الى والي الري جاء فيها بعد البسملة:
    «اعلم أنّ لله تحت عرشه ظلا لا يسكنه إلاّ من أسدى الى أخيه معروفاً، أو نفّس عنه كربة، أو أدخل على قلبه سروراً، وهذا أخوك والسلام».

    وأخذ الرسالة، وبعد أدائه لفريضة الحج، اتّجه الى وطنه، فلما وصل،
    مضى الى الحاكم ليلا، فطرق عليه باب بيته فخرج غلامه،
    فقال له : من أنت ؟
    فقال: رسول الصابر موسى
    فهرع الى مولاه فأخبره بذلك فخرج حافي القدمين مستقبلا له، فعانقه وقبّل ما

    بين عينيه، وجعل يكرر ذلك، ويسأله بلهفة عن حال الامام، ثم إنه ناوله رسالة
    الإمام فقبّلها وقام لها تكريماً، فلما قرأها أحضر أمواله وثيابه فقاسمه في
    جميعها وأعطاه قيمة ما لا يقبل القسمة وهو يقول له : يا أخي هل سررتك ؟
    فقال له: أي والله وزدت على ذلك ! !

    ثم استدعى السجل فشطب على جميع الديون التي عليه وأعطاه براءة منها،
    وخرج الرجل وقد طار قلبه فرحاً وسروراً، ورأى أن يجازيه على إحسانه
    ومعروفه فيمضي الى بيت الله الحرام فيدعو له، ويخبرالإمام بما أسداه إليه من
    البر والمعروف، ولمّا أقبل موسم الحج مضى إليه ثم اتّجه الى يثرب فواجه
    الإمام وأخبره بحديثه، فسرّ(عليه السلام) بذلك سروراً بالغاً، فقال له الرجل: يا مولاي : هل سرّك ذلك ؟
    فقال الإمام(عليه السلام): إي ، والله ! لقد سرّني، وسرّ أمير المؤمنين، والله
    لقد سرّ جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولقد سرّ الله تعالى..».
    وقد دلّ ذلك على اهتمامه البالغ بشؤون المسلمين

    ورغبته الملحة في قضاء حوائج الناس.







    شمس النبوة تغدو هناك وتسطعُ ... فكأنــها ترمي الضيــاء َ وترفع ُ
    هذي نفوس الزائرين وقد غـــدت ... من نورها شيئا ً فشيئا ًتلمعُ
    ســر بحضرته ِ وقــلبك َ مشرقُ ... كل القيودِ عند الضريح تتقطعُ
    لا شئ يمنعنــي فــأني زائــرُ ... هيهات َ للارهاب ِ هيهات َيمنعُ
    ان الولايــة للمواليَ حــاجــزُ ... وان هبت رياح ُ عاتيات ُزعزعُ
    .
    محمد النجفي



    ( قَالُوا عَنْه
    1) قال عنه الإمام الصادق (عليه السلام):
    «فيه علم الحكم، والفهم والسخاء والمعرفة فيما يحتاج الناس إليه
    فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم، وفيه حسن الخلق، وحسن الجوار،
    وهو باب من أبواب الله عزّ وجلّ»

    2) قال هارون الرشيد لإبنه المأمون وقد سأله عنه:
    هذا إمام الناس، وحجّة الله على خلقه، وخليفته على عباده.

    وقال له أيضاً : يا بنيّ هذا وارث علم النبيين، هذا موسى بن جعفر،
    إن أردت العلم الصحيح فعند هذا.

    3) قال المأمون العباسي في وصفه: قد أنهكته العبادة،
    كأنه شنّ بال، قد كلم السجود وجهه وأنفه.

    //

    " يا هشام، ليس منّا مَن لم يحاسب نفسَه
    في كلّ يوم، فإنْ عمِلَ حسناً استزاد منه،
    وإن عمل سيّئاً استغفر اللهَ منه وتاب إليه "

    تعليق


    • #3
      { نَفَحَاتٌ مِنْ نُورِ عِلْمِه ღ

      « خلق الله الأنبياء و الأوصياء يوم الجمعة
      وهو اليوم الذي أخذ الله فيه ميثاقهم »

      « خلقنا نحن و شيعتنا من طينة مخزونة
      لا يشذ منها شاذ إلى يوم القيامة »

      «يا سليمان اتق فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله »

      «يا سليمان إن الله خلق المؤمن من نوره وصبغهم في رحمته
      وأخذ ميثاقهم لنا بالولاية والمؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه
      أبوه النور وأمه الرحمة وإنما ينظر بذلك النور الذي خلق منه »

      «نحن المثاني التي أوتيها رسول الله صلَّى الله عليه وآله
      ونحن وجه الله نتقلب بين أظهركم فمن عرفنا عرفنا
      ومن لم يعرفنا فأمامه اليقين »

      في قوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ}
      «فنحن الناس المحسودون على ما آتانا الله الإمامة دون خلق الله »

      «ما من ملك يهبطه الله في أمر إلا بدأ بالإمام فعرض ذلك عليه
      وإن مختلف الملائكة من عند الله تبارك وتعالى إلى صاحب هذا الأمر »

      «ولاية علي مكتوب في جميع صحف الأنبياء
      ولن يبعث الله نبيا إلا بنبوة محمد (ص)
      و ولاية وصيه علي (ع) »

      «ما بعث الله نبيا إلا و كان محمد ص أعلم منه »

      . بصائر الدرجات



      { مِنْ كَرَامَاتِه ღ

      1• قال هشام بن سالم: كنت أنا ومحمّد بن النعمان صاحب الطاق بالمدينة بعد
      وفاة جعفر (عليه السلام)، وقد اجتمع الناس على عبد الله ابنه، فدخلنا عليه،
      وقلنا: الزكاة في كم تجب ؟ قال: في مائتي درهم خمسة دراهم،
      فقلنا: ففي مائة، قال: درهمان ونصف.
      فخرجنا ضلالاً، فقعدنا باكين في موضع، نقول: إلى من نرجع؟ إلى المرجئة؟
      إلى المعتزلة؟ إلى الزيدية؟ فنحن كذلك، إذ رأيت شيخاً لا أعرفه يومئ إليّ،
      فخفت أن يكون عيناً من عيون أبي جعفر المنصور، فإنّه أمر بضرب رقاب
      من يجتمع على موسى (عليه السلام)، وقتله إن اجتمعوا عليه.
      فقلت للأحول: تنح لا تهلك، فإنّي خائف على نفسي، وتبعت الشيخ
      حتّى أخرجني إلى باب موسى (عليه السلام)، وأدخلني عليه،
      فلمّا رآني موسى (عليه السلام) قال لي ابتداء منه:
      ( إليّ إليّ لا إلى المرجئة، ولا إلى المعتزلة، ولا إلى الزيدية )
      فقلت: مضى أبوك
      قال: (نعم )
      قلت: فمن لنا بعده ؟
      قال: ( إن شاء الله أن يهديك هداك )
      فقلت في نفسي: لم أحسن المسألة
      فقلت: وعليك إمام ؟
      قال: ( لا )
      فدخلني هيبة له
      قلت: أسألك كما سألت أباك
      قال: ( سل تخبر ولا تذع ، فإن أذعت فهو الذبح )
      فسألته فإذا هو بحر لا ينزف، قلت:
      شيعة أبوك ضلال فأدعوهم إليك،
      قال: ( من آنست منه الرشد )

      فلقيت أبا جعفر الأحول وزرارة وأبا بصير،
      وندخل عليه إلاّ طائفة عمار الساباطي،
      وبقي عبد الله لا يدخل عليه إلاّ القليل.

      //

      2• قال أبو بصير:
      قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام) : بما يعرف الإمام ؟
      قال: ( بخصال: أمّا أوّلهن ، فإنّه خص بشيء قد تقدّم فيه من أبيه،
      وإشارته إليه ليكون حجّة، ويسأل فيجيب، وإذا سكت عنه ابتدأ بما في غد،
      ويكلّم الناس بكل لسان )
      ثمّ قال: ( أعطيك علامة قبل أن تقوم )
      فلم ألبث أن دخل عليه خراساني فكلّمه بالعربية،
      فأجابه أبو الحسن (عليه السلام) بالفارسية،
      فقال الخراساني: ما منعني أن أكلّمك بلساني إلاّ ظننت أنّك لا تحسنها،
      فقال (عليه السلام): ( سبحان الله، إذا كنت لا أحسن أجيبك فما فضلي عليك ؟
      فبما أستحق به الإمامة )
      ثمّ قال: ( إنّ الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس،
      ولا منطق الطير ، ولا كلام شيء فيه روح )






      نحيا بكم ولكم أيـا آل الهـدى ... وشعاعُكم نقفوه وسط غمائـم ِ
      هذا وإنّ الدمـع يعـدو كونَـه ... ماءً على الوجناتِ رهن مواسـم ِ
      هو ثورةٌ ضدّ الطغـاة وشعلـة ٌ ... للحقّ تشعلُ عزمَ كـلّ مقـاوم

      مرتضى العاملي



      { دُعَاؤُهُ لِطَلَبِ الحَاجَة ღ

      قال (عليه السلام) : ( يا سابق كل فوت، يا سامعاً لكل صوت قوي أو خفي، يا
      محيي النفوس بعد الموت، لا تغشاك الظلمات الحندسية، ولا تشابه عليك اللغات
      المختلفة، ولا يشغلك شيء عن شيء، يا من لا يشغله دعوة داع دعاه من
      السماء، يا من له عند كل شيء من خلقه سمع سامع، وبصر نافذ، يا من لا
      تغلظه كثرة المسائل، ولا يبره إلحاح الملحّين، يا حيّ حين لا حيّ في ديمومة
      ملكه وبقائه، يا من سكن العلى، واحتجب عن خلقه بنوره، يا من أشرقت لنوره
      دجا الظلم، أسألك باسمك الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي هو من جميع
      أركانك، صلّ على محمّد وأهل بيته )، ثمّ يسأل حاجته.



      { مُنَاظَرَاتُه ღ

      1• مع راهب نصراني:
      كان في الشام راهب معروف تقدّسه النصارى وتعظّمه، وتسمع منه،

      وكان يخرج لهم في كل يوم يوماً يعظهم، التقى به الإمام الكاظم (عليه السلام)
      في ذلك اليوم الذي يعظ به، وقد طافت به الرهبان، فلمّا استقر المجلس بالإمام
      التفت إليه الراهب قائلاً: يا هذا، أنت غريب ؟
      قال (ع) : ( نعم )
      فقال : منّا أو علينا ؟
      قال (ع) : ( لست منكم )
      فقال : أنت من الأمّة المرحومة ؟
      قال (ع) : ( نعم )
      فقال : أمن علمائها أمن جهّالها ؟
      قال (ع) : ( لست من جهّالها )

      فاضطرب الراهب، وتقدّم إلى الإمام (ع) يسأله عن أعقد المسائل
      عنده، قائلاً: كيف طوبى أصلها في دار عيسى عندنا، وعندكم في دار محمّد،
      وأغصانها في كل دار ؟ قال (ع) :
      ( إنّها كالشمس يصل ضوؤها إلى كل مكان وموضع، وهي في السماء )

      قال الراهب: إنّ الجنّة كيف لا ينفذ طعامها وإن أكلوا منه ؟ وكيف لا ينقص
      شيء منه ؟ قال (ع) :
      ( أنّه كالسراج في الدنيا ، ولا ينقص منه شيء )

      قال الراهب: إنّ في الجنّة ظلاً ممدوداً، ما هو ؟ قال (ع) :
      ( الوقت الذي قبل طلوع الشمس ، هو الظل الممدود )، ثمّ تلا قوله تعالى :
      {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً}

      قال الراهب: إنّ أهل الجنّة يأكلون ويشربون، كيف لا يكون لهم غائط ولا بول؟ قال (ع) : ( إنّهم كالجنين في بطن أمّه )

      قال الراهب: إنّ لأهل الجنّة خدماً يأتونهم بما أرادوا بلا أمر ؟ قال (ع) :
      ( إنّ الإنسان إذا احتاج إلى شيء عرفت أعضاؤه ذلك،
      فتعرفه الخدم فيحقّقون مراده من غير أمر )

      قال الراهب: مفاتيح الجنّة من ذهب أو فضة ؟ قال (ع) :
      ( مفاتيح الجنّة قول العبد: لا اله إلاّ الله )

      قال الراهب : صدقت، ثمّ أسلم هو وقومه

      //

      2• مع أبي حنيفة:
      دخل أبو حنيفة على الإمام الصادق (ع)، فقال له: رأيت ابنك موسى يصلّي

      والناس يمرّون بين يديه، فلم ينههم عن ذلك ؟ فأمر (ع) بإحضار ولده موسى
      (ع)، فلمّا مثل بين يديه، قال له: ( يا بني، إنّ أبا حنيفة يذكر أنّك كنت تصلّي،
      والناس يمرّون بين يديك ؟ )
      فقال (ع) : ( نعم، يا أبتِ وإن الذي كنت أصلّي له أقرب إليّ منهم،
      يقول الله عزّ وجل {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} )
      عندها فرح الإمام الصادق (ع) وسرّ سروراً بالغاً، لما أدلى به ولده
      من المنطق الرائع، فقام إليه وضمّه إلى صدره، وقال مبتهجاً:
      ( بأبي أنت وأمّي يا مودع الأسرار )




      { لَيْلَةُ بِشْرٍ الحَافِي


      منازل بغداد في ذلك الغروب الحالم بدت وكأنها جوارٍ حِسانٌ جلسنَ على
      الشاطئ، ينظرن إلى تدافع المياه، وقد تكسرت فوقها بقايا أشعة الشمس
      قبل أن تغيب.

      النوافذ المفتوحة والكوى تبعث ضوءً واهناً لقناديل أُسرجت توّاً استعداداً لليلة
      طويلة فاتنة، الرجل الأسمر يجوس خلال القصور آخذاً سمته نحو بيت يقبع ما
      بين مقابر قريش ودير القباب على شاطئ دجلة، حيث تتناثر بيوت الفقراء
      هنا وهناك.

      الأزقّة النظيفة المرصوفة بالحجارة شهدت ذلك الغروب
      خطىً هادئة لرجل قَدِم من الجزيرة على قدر.

      ليس هناك من يسبر آلام موسى في ذلك الزمن النحاسي، زمن حُسبت ساعاته
      بكُرات من نحاس، حتّى الفارس الذي ما يزال متربعاً فوق القبّة الخضراء يحمل
      رمحاً نحاسياً، يدور به في كل الجهات، لكأنه يبحث عن أفق تلمع فيه
      بروق الثورات.

      كل شيء كان هادئاً، والنوافذ التي كانت ترسل أضواءً واهنة راحت تبعث
      بأنغام الموسيقى، وقد ظهر القمر متألّقاً فوق ذرى النخيل.

      بغداد تبدأ لَهْوها الليلي، تعدّ موائدها الساهرة، وقد ارتدت الجواري
      الحسان ثياباً منسوجة من حرير مضمّخة بأنواع الشذى والعطور.

      كان الرجل الذي يحمل في صدره هموم النبوّات ما يزال يجوس
      خلال الديار، خلال زمن نحاسي ضاعت فيه مواعظ الأنبياء.

      وفيما كان الرجل الأسمر ينعطف في زقاقٍ مرصوف بالحجارة المفخورة،
      فُتحت باب خشبية أنيقة، وظهرت جارية حسناء، وتدفقت عبر الباب
      أصوات الموسيقى والغناء.

      وضعت الجارية قمامة في مكان على مبعدة من الباب، ووقفت تتطلع إلى
      الرجل الغريب، الواثق الخُطى، ربما كانت تقارن بين طلعته
      وصور الدراويش المخزونة في ذاكرتها.

      توقفت الخطى عند الباب حيث تتدفق أصوات اللهو والمجون والعربدة.

      قال موسى وهو يسدّد نظرة تكاد تخترق الزمن:
      ـ (
      يا جارية! صاحبُ هذه الدار حرٌّ أم عبد ؟ )

      شعرت الجارية أن السؤال قد باغتها تماماً، كانت تتوقع كلمات أخرى طالما
      سمعتها، كلمة مستعطِفة، أو كلمات غزل عابرة، هتفت الجارية حتّى
      لا تبدو بَكْماء في نظر الغريب:
      ـ بل هو حرّ!
      همس أبو إبراهيم بصوت يشوبه حزن غامض:
      ـ ( صدقتِ، لو كان عبداً لخاف مولاه )
      ومضى الغريب، فيما وقفت الجارية تنظر مذهولة إلى خطىً
      هادئة تبتعد رويداً رويداً..

      كانت تتطلع إلى رجل نحيف تموج في سُمرته تألقات نور غريب،
      نور يشبه ما يسطع في أعماق النفوس المطمئنة المفعمة بالسلام.

      انبعث صوت من أعماق المنزل:
      ـ
      أين أنتِ يا روحي! كؤوسي فارغة، وفي قلبي تستعر الجحيم.
      دخلت الفتاة، وقد علا وجهَها وجوم.. ربما كانت مشغولة بفكّ رموز
      كلمات لم تسمعها من قبل.. كلمات نفّاذة تسبر الأعماق..

      قال الرجل السكران قليلاً:
      ـ
      ماذا دهاكِ ؟! لماذا تقفين هكذا كالمعتوهة ؟!
      ـ لا شيء يا سيدي.. لقد مرّ الساعةَ رجل.. رجل غريب
      سألني عن صاحب هذه الدار.
      ـ عنّي أنا ؟! ماذا قال ؟
      ـ
      قال: صاحب هذه الدار حرّ أم عبد ؟
      ـ حرّ أم عبد ؟!
      ـ
      قلتُ: بل هو حرّ.
      ـ هل قال شيئاً آخر ؟
      ـ قال: صدقتِ، لو كان عبداً لخاف مولاه.
      مثلما يضرب الزلزال الأرض، فترتعش ذرّات التراب وترتجف الأشياء.
      كانت الكلمات النفّاذة تضرب الأعماق، تطيح بكل الصروح
      تمزّق خيوط العناكب، تحيل الأنفاق المظلمة إلى خرائب.

      سقط الكأس من يده.. وانتفض كمحموم، مهرولاً باتجاه الباب،
      لحقت به فتاته تدلّه على وجهة الرجل الأسمر الذي مرّ بها قبل لحظات..

      وشهدت ظلمة المساء رجلاً حافياً ينهب الأرض بخطاه،
      يبحث عن رجل أسمر يحمل في صدره هموم الأنبياء.

      هتف الحافي بصوت مخنوق وقد لاح له موسى:
      ـ يا سيدي.
      توقفت الخطى، والتفت أبو إبراهيم إلى رجل حافٍ يَشرِق بدموعه..
      والتقى الرجلان.. رجل أسمر، ورجل حافٍ يبحث عن جادّة الطريق..

      وبكى الحافي ما شاء له أن يبكي.. شعر أن روحه تغتسل
      تحت رشاش من مطر طهور.

      جثا الحافي عند قدمَي موسى، ينشده الخلاص.. الأمل..
      الطريق إلى ينابيع النور، وانحنى أبو إبراهيم
      يمسح على رأس العائد إلى الله.

      لقد اكتوى بنار الشيطان أمداً طويلاً، قال له موسى عليه السّلام وهو يعظه:
      ـ كفى بالتجارب تأديباً، وبممر الأيّام عِظة، وبأخلاق من عاشرتَ معرفة،
      وبذِكر الموت حاجزاً من الذنوب والمعاصي. والعَجبُ كلّ العجب للمحتمين من
      الطعام والشراب مخافة الداء إن نزل بهم! كيف لا يحتمون من الذنوب مخافة
      النار إذا اشتعلت في أبدانهم ؟!
      الرجل الحافي ما يزال مستغرقاً في بكاء صامت، كغيمة حزينة
      كانت عيناه تهملان الدموع..

      الدموع.. دموع الندم والعودة والحنين، تطفئ الحرائق المشتعلة في الأعماق
      لتنفتح نافذة من نور على سماء صافية ذابت في فضائها الغيوم
      فبدت مرصّعة بالنجوم.

      تساءل الحافي وكان اسمه بُشراً:
      ـ مَن تكون يا سيّدي ؟

      قال الذي قدم من المدينة على قدر:
      ـ أنا ابن محمّد حبيب الله، وابن إسماعيل ذبيح الله،
      وابن إبراهيم خليل الله.. أنا موسى بن جعفر.

      وفي تلك اللحظة عندما تحطمت آنية الخمر، ولج ( بشر ) عالم الملكوت.

      تعليق


      • #4


        يـا كاظم الغيظ يـا جد الجواد ومن ... عـمّت جمـيع بـني الدنيا مكارمه
        ومـن غـدا شرع خير المرسلين به ... سـامي الـذرى وبه شيدت دعائمه
        الحـق لـولاك ما بـانَت حقـائقه ... والشرع لـولاك ما قامت قوائمه
        وفـيك يــنكشف الكرب العظيم إذا ... جاشت علــينا بلا جرم قشاعمه
        إمـام حـق أبان الحـق وانـتشرت ... أفـعاله الغرمـذ نيـطت تمائـمه
        فـعالم الـدين خـير الناس عالمه ... وكاظم الغيـظ خير الناس كاظمه

        الشيخ موسى محيي الدين




        { فِي السِّجْن ღ

        قمة التقوى:
        استعمل هارون العباسي مختلف أساليب التعذيب الروحي والجسدي
        لإيذاء الإمام موسى بن جعفر (ع).
        وقد أرسل يوماً إلى السجن جارية لها جمال ووضاءة

        ليرى ما يفعله الإمام (ع).


        وأنفذ الخادم ليتفحّص عن حالها، فرآها ساجدة لربها لا ترفع رأسها
        وهي تقول: «قدوس، سبحانك سبحانك».

        فأتى بها ترتعد شاخصة نحو السماء بصرها.
        فقال: ما شأنك؟
        قالت: هكذا رأيت العبد الصالح.
        فما زالت كذلك حتى ماتت.


        //


        " يا هشام إن ضوء الجسد في عينه، فإن كان البصرمضيئاً استضاء الجسد كله،
        وإن ضوء الروح العقل، فإن كان العبد عاقلاً كان عالماً بربّه، وإن كان عالماً
        بربّه أبصر دينه، وإن كان جاهلاً بربّه لم يقم له دين، وكما لا يقوم الجسد
        إلا بالنفس الحيّة فكذلك لا يقوم الدين إلا بالنية الصادقة،
        ولا تثبت النية الصادقة إلا بالعقل " ღ

        //

        السجين الحر:
        حُبس علي بن المسيب مع الإمام الكاظم (ع) في بغداد،
        وبعدما طال حبسه واشتد شوقه إلى عياله
        قال (ع) له: اغتسل.
        فاغتسل.
        فقال:
        غض عينيك.
        فغض.
        فقال:
        افتح.
        ففتح، فرآه عند قبر الحسين (ع) فصليا عنده وزاراه.

        ثم قال: غمض.. وقال: افتح فرآه معه عند قبر الرسول (ص) .
        فقال: هذا بيتك فاذهب إلى عيالك وجدّد العهد وارجع إليّ، ففعل.
        فقال: غمض.. وقال: افتح ففتح، فرآه معه فوق جبل قاف،
        وكان هناك من أولياء الله أربعون رجلاً فصلى (ع) وصلوا مقتدين به،
        ثم قال: غمض.. وقال: افتح، ففتح فرآه معه في السجن.






        لذ واستجر متوسلاً ... إن ضاق أمرك أو تعسر
        بأبي الرضا جد الجوا ... ـد محمد موسى بن جعفر





        { وَيَنْعَى الإِمَامُ نَفْسَه ღ

        علم الإمام المعصوم موسى بن جعفر أن لقاءه بربّه أصبح قريباً، فنعى نفسه
        لبعض شيعته الخاصة، وعزّاهم بمصيبته بدل أن يعزّوه، فأوصاهم بالتمسك
        بالعروة الوثقى من آل محمد (صلّى الله عليه وآله) وذلك في جوابه عن
        المسائل التي بعثها إليه علي بن سويد حينما كان في السجن، فيها بعض
        المسائل يسأله عنها، فأجابه (عليه السلام) بهذا الجواب:

        " بسم الله الرحمن الرحيم
        الحمد لله العلي العظيم الذي بعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين، وبعظمته
        ونوره عاداه الجاهلون، وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات والأرض إليه
        الوسيلة بالأعمال المختلفة، والأديان المتضادة، فمصيب ومخطئ وضال
        ومهتدي، وسميع وأصم، وبصير وأعمى فالحمد لله الذي عرف
        ووصف دينه بمحمد (صلّى الله عليه وآله).

        أما بعد؛ فإنك امرؤ أنزلك الله من آل محمد بمنزلة خاصة، وحفظ مودة ما
        استرعاك من دينه، وما ألهمك من رشدك، وبصّرك من أمر دينك بتفضيلك
        إياهم، وبردّك الأمور إليهم؛ كتبت إلى تسألني عن أمور كنت منها في تقية،
        ومن كتمانها في سعة، فلما انقضى سلطان الجبابرة وجاء سلطان ذي السلطان
        العظيم بفراق الدنيا المذمومة إلى أهلها العتاة على خالقهم، رأيت أن أفسّر لك
        ما سألتني عنه مخافة أن تدخل الحيرة على ضعاف شيعتنا من قبل حبها لهم،
        فاتق الله عزّ ذكره، وخصّ بذلك الأمر أهله، وأحذر أن تكون سبب بلية على
        الأوصياء أو حارشاً عليهم بإفشاء ما استودعتك، وإظهار ما استكتمتك
        وإن تفعل إن شاء الله.

        إن أول ما أنهى إليك أني أنعي إليك نفسي في ليالي هذه، غير جازع ولا نادم
        ولا شاك فيما هو كائن ممّا قد قضى الله عزّ وجلّ وختم، فاستمسك بعروة
        الدين، آل محمد والعروة الوثقى الوصي بعد الوصي، والمسالمة لهم، والرضا
        بما قالوا: ولا تلتمس دين من ليس من شيعتك، ولا تحب دينهم، فإنهم الخائنون
        الذين خانوا الله ورسوله، وخانوا أمانتهم، أو تدري ما خانوا أمانتهم؟

        إئتمنوا على كتاب الله فحرّفوه، ودلّوا على ولاة الأمر منهم فانصرفوا عنهم
        {فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} وسألت عن رجلين
        اغتصبا رجلاً مالاً كان ينفقه على الفقراء والمساكين وأبناء السبيل وفي سبيل
        الله فلما اغتصباه ذلك لم يرضيا حيث غصباه حتى حملاه إيّاه كرهاً فوق
        رقبته إلى منازلهما فلما أحرزاه توليا إنفاقه أيبلغان بذلك كفراً؟

        فلعمري لقد نافقا قبل ذلك وردا على الله عزّ وجلّ كلامه، وهزئا برسوله
        (صلّى الله عليه وآله) وهما الكافران عليهما لعنة الله والملائكة والناس
        أجمعين، والله ما دخل قلب أحد منهما شيء من الإيمان منذ خروجهما من
        حالتيهما، وما زادا إلا شكاً، كانا خداعين مرتابين منافقين حتى توفتهما
        ملائكة العذاب إلى محل الخزي في دار المقام.

        وسألت عمن حضر ذلك الرجل وهو يغصب ماله ويوضع على رقبته منهم
        عارف ومنكر فأولئك أهل الردة الأولى من هذه الأمة فعليهم لعنة الله
        والملائكة والناس أجمعين.

        وسألت عن مبلغ علمنا، وهو على ثلاثة وجوه: ماض وغابر وحادث،
        فأما الماضي فمفسر وأما الغابر فمزبور، وأما الحادث فقذف في القلوب،
        ونقر في الأسماع، وهو افضل علمنا، ولا نبي بعد نبينا
        محمد (صلّى الله عليه وآله).

        وسألت عن أمهات أولادهم وعن نكاحهم وعن طلاقهم، فأما أمهات أولادهم فهنّ
        عواهر إلى يوم القيامة نكاح بغير ولي، وطلاق في غير عدة. وأما من دخل في
        دعوتنا فقد هدم إيمانه ضلاله ويقينه شكه، وسألت عن الزكاة فيهم فما كان
        من الزكاة فأنتم أحق به لأنّا قد أحللنا ذلك لكم من كان منكم وأين كان.

        وسألت عن الضعفاء فالضعيف من لم يرفع إليه حجة، ولم يعرف الاختلاف،
        فإذا عرف الاختلاف فليس بضعيف. وسألت عن الشهادة لهم، فأقم الشهادة لله
        عزّ وجلّ ولو على نفسك والوالدين والأقربين فيما بينك وبينهم، فإن خفت على
        أخيك ضيماً فلا وادع إلى شرائط الله عزّ ذكره من رجوت إجابته
        ولا تحصن بحصن رياء.

        ووالِ آل محمد ولا تقل لما بلغك عنا ونسب إلينا هذا باطلاً وإن
        كنت تعرف منا خلافه، فإنّك لا تدري لما قلناه، وعلى أي وجه وضعناه آمن بما
        أخبرك، ولا تفش بما استكتمناك من خبرك، إن من واجب حق أخيك أن لا
        تكتمه شيئاً تنفعه به لأمر دنياه وآخرته، ولا تحقد عليه وإن أساء، وأجب
        دعوته إذا دعاك ولا تخل بينه وبين عدوه من الناس وإن كان أقرب إليه منك،
        وعده في مرضه، ليس من أخلاق المؤمن الغش ولا الأذى، ولا الخيانة ولا
        الكبر والخنا ولا الفحش ولا الأمر به، فإذا رأيت المشوه الأعرابي في جحفل
        جرار فانتظر فرجك ولشيعتك المؤمنين وإذا انكسفت الشمس فارفع بصرك إلى
        السماء وانظر ما فعل الله بالمجرمين، فقد فسرت لك جملاً مجملاً، وصلى الله على محمد وآله الأخيار "


        //


        " يا هشام، مجالسة أهل الدِّين شرف الدنيا والآخرة، ومشاورة العاقل الناصح
        يُمنٌ وبركة ورُشْد وتوفيق من الله.. فإذا أشار عليك العاقل الناصح
        فإيّاك والخلاف؛ فإنّ في ذلك العطب. (أي الهلاك) " ღ



        تعليق


        • #5
          بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ



          اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا نُورَ اللهِ في ظُلُماتِ الاَْرْضِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ اللهِ، اَلسَّلامُ
          عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا بابَ اللهِ، اَشْهَدُ اَنَّكَ اَقَمْتَ الصَّلاةَ، وَآتَيْتَ
          الزَّكاةَ، وَاَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَيْتَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتَلَوْتَ الْكِتابَ حَقَّ تِلاوَتِهِ،
          وَجاهَدْتَ في اللهِ حَقَّ جِهادِهِ، وَصَبَرْتَ عَلَى الاَْذى في جَنْبِهِ مُحْتَسِباً، وَعَبَدْتَهُ
          مُخْلِصاً حَتّى أتاكَ الْيَقينُ، اَشْهَدُ اَنَّكَ اَوْلى بِاللهِ وِبِرَسُولِهِ وَاَنَّكَ اِبْنُ رَسُولِ اللهِ
          حَقّاً اَبْرَأُ اِلَى اللهِ مِنْ اَعْدائِكَ، وَاَتَقَرَّبُ اِلَى اللهِ بِمُوالاتِكَ، اَتَيْتُكَ يا مَوْلايَ
          عارِفاً بِحَقِّكَ، مُوالِياً لاَِوْلِيائِكَ، مُعادِياً لاَِعْدائِكَ، فَاشْفَعْ لي عِنْدَ رَبِّكَ.



          { الغَدْرُ.. آخِر الطَّرِيق ღ

          وفي قصر الخلافة كان هارون يفكّر.. ويدبّر، فقُتل كيف فكّر، ثمّ قُتل كيف
          فكّر.. ها هو يتهامس مع يحيى بن خالد وقد بدت عيونهما تبرقان دناءةً
          وغدراً.. وبينهما طبق فيه عنقود عنب وفيه رطب..

          الزمن يمضي واهناً وقد بدت النجوم بين أكوام الغيوم قلوباً حزينة
          تنبض بالألم.. وكان القمر يختفي ويظهر.. يشرق ويغيب.

          وفي منتصف تلك الليلة.. وفيما كانت السحب الدكناء تحتشد في السماء أيقظ
          يحيى بن خالد مديرَ الشرطة السنديَّ بن شاهَك؛ ليسلّمه طبقاً مترعاً
          بالرطب والعنب والغدر..

          أدرك السنديّ أن اللحظة الرهيبة قد حلّت.. دلف إلى السرداب.. كان يتألق
          بأنوار المشاعل.. وكان عليّ بن سويد ما يزال يشهق بعبرته..
          رفسه السندي وخاطبه بفظاظة:
          ـ أنت ما تزال هنا..

          اقترب ابن سويد من سيّده العظيم، قبّل يده، شدّ عليها مودِّعاً..
          كانت آثار القيود ما تزال محفورة، همس بحزن:
          ـ قلبي يحدّثني أنني لن أراك يا سيدي.
          ـ ستراني قريباً.

          سأل بلهفة:
          ـ متى يا سيدي ؟
          ـ يوم الجمعة.
          ـ أين يا ابن رسول الله ؟!
          ـ على الجسر ببغداد.

          جذبه السندي من يده:
          ـ أُخرج يا رافضيّ.

          خرج عليّ وقد ملأ الأمل قلبَه وروحه..
          خرج ليبشر المستضعفين والمقهورين.. خرج ليقول أن اليوم الذي
          ينتظرونه قد دنا.. إنْ هي إلاّ أيام ثلاثة وتكتحل العيون.. وتبتهج القلوب
          بيوم الخلاص.. يوم الحريّة.. ذلك وعد غير مكذوب.

          جثم صمت رهيب فوق المكان.. في ذلك السرداب البعيد عن سطح الأرض..
          في ذلك القبو كان موسى يستعدّ للرحيل.. للخلاص.. وقف مدير الشرطة
          ينظر إلى سجينه.. وقد وضع بين يديه طبقَ ( الخلافة )..
          طبقاً مليئاً بالرطب وبالعنب.

          صفّق السندي بيديه.. فاقتحم الشرطة المكان.. وجوه قاسية جامدة..
          منحوتة من صخر، وقلوب مصبوبة من الرصاص، وقد دقت الساعة النحاسية
          آخر دقّات الليل.. سقطت اثنتا عشرة كرة من نحاس.. رنّت في منتصف الليل.

          في ذلك الزمن النحاسي مدّ موسى يده المعروقة ليتناول رطباً مسموماً وعنباً..
          نظر الإمام إلى نقطة ما في سقف السرداب.. كانت نظراته تخترق القضبان
          والصخور والظلام، همس بصوت حزين:
          ـ يا ربّ.. إنك تعلم أنّي لو أكلتُ قبل اليوم كنتُ قد أعنتُ على نفسي..

          غمغم السندي بصوت أجشّ:
          ـ كُلْ يا موسى، إنه رطب لذيذ خصّك به الخليفة من دون الناس.
          نحن في الشتاء وهذه فاكهة الصيف!

          كان الإمام يلوك على مضض رطباً مسموماً، وعنباً.
          أمسك الإمام ولاذ بمحراب الصمت.
          قال السندي:
          ـ زِدْ على ذلك يا موسى.

          رمقه الإمام بحزن:
          ـ حسْبك، قد بلغتَ ما تحتاج إليه!.

          السمّ يسري في الجسد الواهن.. ورياح الشتاء تعصف ترشق النوافذ..
          تدفع الأبواب الخشبية.. تُولول في الأزقة، تجوس خلال الديار، تعصف بشواهد
          القبور.. بغداد غارقة في الليل والظلام، نوافذها مطفئة ما خلا نوافذ القصور
          المنيفة تتدفّق منها أنوار حمراء وموسيقى وأصوات ناعمة..

          ( الخليفة ) يقضي ليله مع الجواري الحِسان.. والألحان.. والقيان،
          حتّى يطلع الصباح، وتكفَّ شهرزدادُ عن الكلام المُباح.

          وفي السماء.. كانت السحب الدكناء تتراكم بعضها فوق بعض..
          بدت أكوام الغيوم لوحةً مشحونة بالمطر..

          تشكّلت خلجان ومرافئ وبحيرات وتلال وجبال..
          وكانت الرياح تعصف.. تدور في الغيوم.

          اختفت المرافئ، وتهاوت التلال وتلاشت الخلجان، وكان القمر يفرّ خائفاً،
          لكأنه يبحث عن بقعة صافية في السماء.. ولكن لا جدوى، غرق القمر..
          اندثر تحت ركام السحب.. وبدا الجوّ مشحوناً..

          فجأة انفجر البرق.. توهّج كسوط سماويّ.. جلجل الرعد في الفضاء اللانهائيّ،
          دارت معركة في السماء.. وكانت الصواعق تضيء كسيوف أُسطورية،
          وقد بدت السماء تنوء بثقل الغيوم..

          وأخيراً.. تدفّق المطر من خلال ركام الغيوم عنيفاً غزيراً.. راحت ميازيب
          المدينة الغارقة في الليل والمطر.. تنشج.. وقد بدا جسر الرصافة حيث يخترق
          دجلة المدينة.. بدا في تلك الليلة المطيرة ثعباناً أسطورياً جاثماً فوق النهر..

          ورجال الشرطة يهرولون.. يطرقون بعض الأبواب الكبيرة في المدينة..
          استحال قصر السندي حيث يقبع السجن الخاصّ لمدير شرطة بغداد..
          استحال تلك الليلة إلى معسكر أُعلنت فيه حالة إنذارٍ قصوى..

          الأعصاب متوتّرة، والأحذية الثقيلة تهزّ القاعات والأروقة.. وصهيل خيل
          الدوريات يوقظ النائمين.. وكان المطر ما يزال ينهمر بغزارة، والرعود تدوّي..
          و ( الخليفة ) يحدّق في الظلام، مسّه طائف الأرق..

          وحده كان موسى هادئاً.. تغمره حالة من الطمأنينة والسلام.. وحده كان يمثّل
          النقطة المضيئة وسط الظلام.. وحده في وسط الإعصار حيث تدور
          الدوّامة الرهيبة.. توجد نقطة هادئة.. هي المركز..

          كان موسى في تلك النقطة الهادئة.. العالَم من حوله يموج بالمؤامرة..
          بالغدر بالخسة والدناءة.. أمّا هو فقد بدا في تلك اللحظات رجلاً
          يشبه المسيح عيسى بن مريم..

          السرداب ما يزال مفعماً بالسلام.. وقد جلس موسى.. ينوء بآلام الإنسان..
          السمّ يسري في أنحاء البدن المعذَّب.. كشرطة الدوريات تجوس خلال المدينة..
          تدوس ورود البنفسج وتسحق رؤوس الأطفال.. تبقر بطون النسوة..
          وتحيل شوارع المدينة إلى أنهار تتدفق دماءً وعذابات وآهات.

          وقف السندي قلقاً.. سرت في جسمه رعدة.. وكان يبذل جهداً جبّاراً
          للحفاظ على توازنه.. خاطب كاتب الضبط بقسوة:
          ـ إستعدّ.. سيأتي الشهود.. سَجّل الشهادات بدقة والأسماء والعناوين..
          سجّل كلَّ شيء.. كل شيء، أفهمت ؟
          ـ نعم يا سيدي.
          ارتفعت جلبة.. أُحضر الشهود، كانوا ثمانين من أهل بغداد
          من أهل القصور المنيفة.

          وقفوا جميعاً ينظرون إلى موسى.. موسى الذي أرعب هارون..
          أحال لياليه إلى أرق.. وقفوا يتطلعون إلى وجه أسمر يتألق بطيوف النبوّات..
          رجل لم يقهره هارون.. لم تصرعه الدنيا.. ظلّ ثابتاً كجبل، قويّاً كإعصار..
          طاهراً كقطرات الندى..

          قال السندي بلهجة مترعة بالدجل:
          ـ انظروا إلى هذا الرجل.. هل حدث به شيء ؟ إن الناس يزعمون..
          أنه قد فُعل به مكروه.. يُكثرون من ذلك.. هذا منزله.. انظروا: قناديل..
          مشاعل.. وهذا فراشه.. إنه يعيش في سعة.. لم يقصّر الخليفة في التوسعة
          عليه.. لا يعيش في ضيق.. لم يُرد به الخليفة سوءً.. لقد حبسه فقط..
          حبسه ليناظره.. وها هو موسّع عليه فاسألوه!

          لم يجرؤ أحد على السؤال..
          عاصفة من الشكّ تجتاج المكان تعصف بالرؤوس..
          قال موسى بصوت أوهنه العذاب:
          ـ أمّا ما ذُكر من التوسعة، وما أشبه ذلك، فهو على ما ذُكر.. غير أني أخبركم أيها النفر.. أني قد سُقيت السمَّ في تسع تمرات.. إنّني أموت..

          انهار السندي.. أُسقط ما في يده، لقد تكشّفت خيوط جريمته. لعبة قديمة..
          يلعبها الطغاة.. يقتلون الإنسان من الداخل.. خنجر لا يراه أحد.. يأتي الطبيب..
          يُجري فحوصات على سلامة الجسم من كل شدّة خارجية.. جرح، سوط عذاب..
          يسجل شهادته: مات حتف أنفه.. ولكنّ الجوع والسم والعذاب..
          كلّ هذا لا يحسب له طبيب السجن حساباً!





          { الوَدَاعُ.. أيُّهَا العَلْقَم ღ
          تدهورت صحة السجين في اليوم التالي، اجتاحت وجهَه صفرة.. فرّت الدماء
          من الوجه الأسمر.. بات شاحباً تماماً.. قد يدهمه الموت بين لحظة وأخرى..
          استُدعي الطبيب للكشف عن حالة السجين الغريب.. في الطريق عرف الطبيب
          أن السجين ليس بغدادياً ولا عراقياً.. إنه حجازيّ مدنيّ ليس له في بغداد
          أهل ولا عشيرة.

          دلف الطبيب إلى السرداب.. كان كل شيء هادئاً ما خلا خطىً ثقيلة وئيدة
          لمدير الشرطة، كان يذرع أرض السرداب جِيئةً وذهاباً.. بدا عصيباً
          وهو يعقد يديه على صدره البارز فوق بطن منتفخة..

          أجرى الطبيب فحوصات أوّلية.. كان يبحث عن سبب لعلّته..
          لهذا الشحوب القاتل في وجهه.. إلى لسانه الذي اسودّ قليلاً..
          هزّ رأسه حيرة وسأل مغمغماً:
          ـ ما حالك ؟
          سكت الإمام.

          سأل الطبيب بلهجة فيها إلحاح:
          ـ أتشكو علّة.. إنني لا أرى في جسمك أثراً لجرح ؟!
          رمقه الإمام بطرف عينه، وفتح راحته اليمنى وقال بصوت
          أوهنته سنون العذاب:
          ـ هذه علّتي..

          كانت نقطة مُزْرَقّة تحكي سريان سُمّ فتّاك.. سم قاتل لا يرحم جسد الإنسان.
          هزّ الطبيب رأسه بأسى ونهض، كان السندي يترقّب إفادة الطبيب..
          قال الطبيب بلهجة فيها مرارة:
          ـ واللهِ لَهُو أعلم بما فعلتم به منكم!

          اكتفى السنديّ بأن رمق الطبيب بنظرة شزراء.. فيها تهديد ووعيد..
          لم يصمد الطبيب، انسحب على عجل تاركاً الضحية والجلاّد..

          صدرت الأوامر بمنع كافّة أنواع الزيارات.. شُدّدت الحراسة بشكل مكثف..
          قُطع عنه الماء والغذاء.. ومُنعت جميع الاسعافات، تركوا السجين يواجه
          مصيره لوحده.. وبين الفينة والأخرى كان مدير الشرطة يدهم المكان
          ليُسمع ضحيتَه ألوان الشتائم.

          موسى يواجه آلامه الرهيبة لوحده.. آلاماً لا يتحمّلها كائن بشريّ، ولكن
          الإنسان الذي سطعت في أعماقه الحقيقة، وأضاءت في طواياه النبوّات..
          كل النبوّات، يتحمّل بعزم كلّ عذابات الأرض وويلاتها.

          في منتصف الليل.. وفيما كانت بغداد تغطّ في نوم ثقيل.. تدهورت صحة
          السجين فأكثر فاكثر.. شعر أنه يقترب من النهاية.. نهاية كلّ الحيوات..

          استُدعي مدير الشرطة فحضر على الفور.. جاء السندي يشهد اللحظات الأخيرة
          من عمر الضحيّة.. ليشهد الفصل الأخير من ملحمة المقاومة.. جاء ليرى كيف
          يموت الإنسان وحيداً.. كيف تنطفئ الشموع بصمت.. وكيف يرحل موسى..

          سوف يهنأ هارون في دنياه العريضة.. ينصرف إلى مُتعه وغرائزه..
          يخلو مع الكعاب الحسان.. سوف يسكت موسى.. يسكت إلى الأبد..

          كان السندي يتوجّس خيفة من غضب شعبي عارم.. ربّما تثور بغداد..
          لا يريد أن يصبح كبش فداء من أجل هارون.. إنّه يعرف جيداً ما يجري
          في الظلام.. وكيف يصبح البعض موتى دون سبب واضح..

          من أجل هذا عزم على أن يتولّى مراسم الدفن.. ويتحمل نفقات الكفن..
          وشق الضريح! لهذا تمتم بلهجة أراد لها أن تكون خالية
          من فظاظته المعروف بها:
          ـ لقد عزمت على أن أتولّى الكفن والدفن.

          قال الإمام دون أن ينظر إليه:
          ـ إنّا ـ أهل بيت ـ مهورُ نسائنا وحجّ ضرورتنا وأكفان موتانا
          من طاهر أموالنا.. وعندي كفني..

          سكت هُنَيهة وأردف بصوت واهن، ولكن فيه عزيمة الروح القويّة:
          ـ إن لي مولى يسكن في مشرعة القصب، عنده كفني وهو يتولّى غُسلي..

          الجسد الآدمي لم يعد قادراً على احتمال روح تضجّ بالرحيل.. الجسد الآدمي
          تفتك به السموم.. بلع موسى ريقه.. كان جافّاً تماماً.. غادرته الحياة كأنّه عبر
          الصحراء بلا ماء.. طلب ماءً.. جاء حارس غليظ بجرّة صغيرة.. شربها على
          مَهل.. ثمّ سقط على وجهه.. فيما كانت تمتمات الصلاة تموج على شفتَيه..

          إرتاع السندي، شعر بهَول الجريمة، لقد هوى موسى شهيداً له
          رهبة الشهادة.. أصبح صمته أكثر دويّاً.. أكثر رهبة!

          وفيما كانت السماء تنثّ مطراً خفيفاً.. كان رجال الشرطة
          يجوبون أزقّة بغداد ويطرقون بعض الأبواب..

          مرّة أخرى يريد مدير الشرطة أن يُبعد عن نفسه الاتهامات.
          طرق شرطي باب منزل في الرصافة من بغداد.. في غمرة الظلام والمطر..

          ارتفعت دقّات تمزّق سكون الليل.. هتف رجل يُدعى عمرو بن واقد:
          ـ مَن الطارق ؟
          ـ إفتح الباب.

          هبّت الأسرة مذعورة.. شرطي بالباب.. أرسله السندي مدير الشرطة
          العام لبغداد!! ماذا حصل ؟! أوصى عمرو عياله.. قال لهم ربما لا يعود..
          قال لهم إذا لم يعد هذه الليلة فليبحثوا عنه في الصباح..

          تمتم وهو يتبع الشرطي في الظلام: إنا لله وإنا إليه راجعون.
          الليل في هزيعه الأخير.. وصل عمرو قصر مدير الشرطة.
          كانت ثيابه قد ابتُلّت تماماً.. وأرنبة أنفه تقطر ماءً..

          وقبل أن يُحيّيَ عمرُو السنديَّ هتف مدير الشرطة مرحّباً:
          ـ يا أبا حفص، لعلنا أرعبناك وأزعجناك!
          ـ نعم.
          ـ ليس هنا إلاّ الخير.
          ـ إذن فابعث إلى أهلي رسولاً ليخبرهم، فلقد تركتهم مُرَوَّعين.
          ـ أفعل.

          أشار السندي إلى جلواز وهمس في أذنه شيئاً.
          قال السندي بعد أن استعاد عمرو توازنه:
          ـ أتدري يا أبا حفص لِم أرسلتُ إليك ؟
          ـ لا.
          ـ أتعرف موسى بن جعفر ؟
          ـ نعم أعرفه، وبيني وبينه صداقة منذ دهر.
          ـ هل ببغداد ممن يُقبَل قوله وشهادته يعرف موسى.
          ـ أعرف بعضهم..
          ـ أُذكرْ أسماءهم.. حتى نبعث خلفهم..

          مرّة أخرى تحوّلت دار السندي إلى معسكر يعجّ بالحركة..
          رجال الشرطة آتون ذاهبون.. والشهود يتقاطرون زرافاتٍ ووحداناً..
          حتّى إذا انبلج نور الفجر كان عدد الشهود قد ناهز السبعين..
          الأعصاب متوتّرة.. والعيون حمراء بسبب السهر والتعب.

          حضر كاتب الضبط فسجّل أسماء الشهود واحداً واحداً..
          أعمالهم ومنازلهم وحتّى صفاتهم..

          دخل كاتب الضبط وحيّى السنديَّ قائلاً:
          ـ كل شيء جاهز.. ضُبطت جميع الأسماء، وفيهم فقهاء ورواة.
          الشهود ينتظرون في إحدى القاعات الكبيرة..
          دلف السندي وخاطب عمرو بن واقد:
          ـ قم يا أبا حفص.

          نهض عمرو ونهض الشهود.. قادهم السندي إلى السرداب حيث
          سُجِّيَ جثمان الشهيد.. سيطرت رهبة المكان على النفوس..
          قال السندي:
          ـ اكشف يا أبا حفص عن موسى بن جعفر.

          تقدم عمرو وجِلاً وأزاح على مهل ملاءة بيضاء كالثلج..
          ظهر وجه رجل أسمر بدا نائماً غارقاً في الشحوب..
          التفتَ السندي إلى حشد الشهود فقال لهم:
          ـ أُنظروا إليه.

          راح أشباه الرجال يمرّون عليه الواحد تلو الآخر..
          حتّى إذا تكامل عددهم قال السندي:
          ـ تشهدون كلُّكم أنّ هذا موسى بن جعفر ؟
          ـ نعم.

          أشار السندي إلى جلواز قريب منه:
          ـ جرّده من ثيابه.

          تقدّم الجلواز وراح يجرّد الثياب كاشفاً عن جسد نحيل هزيل..
          يحكي أيام الجوع والعذاب والقهر وثقل القيود.. وقسوة الجلاّدين.
          هتف السندي بلهجة رسمية جافة:
          ـ أترون به أثراً ؟

          كان الشهود يدلون بشهادتهم الواحد بعد الآخر:
          ـ لا..
          ـ لا..
          ـ لا... لا... لا... لا..

          وكان السندي يخاطب كاتب الضبط.. سجّلْ شهاداتهم سجّل..
          لا شك أنّ الجميع سيصدّقون أنّ موسى مات حتف أنفه.
          لم يلتفت أحد إلى البقع الزرقاء في بعض الأجزاء من جسده..
          لم يلتفتوا إلى بعض الأورام هنا وهناك..
          لاح الصباح ولمّا تشرق الشمس بعد..

          السماء ما تزال ملبّدة بالغيوم.. مثقلة بالسحب..
          ما تزال تنثّ مطراً خفيفاً كدموع اليتامى في ليلة شتائية قارسة البرد.





          { تَظَلُّ السَّمَاءُ تُمْطِر ღ

          بدا ذلك الصباح رمادياً.. والمارّة كانوا يعبرون الجسر بسرعة بسبب
          المطر.. ورجال الشرطة يتمركزون في مناطق حسّاسة.

          كل شيء كان يُنذر بالخطر.. شائعات كثيرة تحوم في سماء بغداد..
          وفي الضحى، وفيما كانت السماء ما تزال تنث المطر على هون،
          خرج نعش الشهيد موسى بن جعفر يحمله رجال الشرطة والجيش
          يتقدّمهم السندي مدير شرطة بغداد.. بدوا ببزاتهم السوداء أسراباً
          من الغربان جاءت لتبشّر بزمن الخرائب.

          الحشود السود تتجه صوب جسر الرصافة.. العابرون ينظرون بخوف إلى
          ما يجري.. الأحذية الثقيلة تهزّ الطرقات والسكك في طريقها إلى الجسر..
          بدا دجلة حزيناً وأمواجه تندفع متلاحقة.. وقد امتدت جبهة النهر لتلتقي عند
          الأفق الغائم المُدْلهمّ.. فيما بدت أشجار النخيل أهدابَ حورية تبكي بصمت..

          وصلت حشود الشرطة وهي تحفّ بالنعش إلى الجسر..
          فجأة دوّت نداءات الجلاوزة:
          ـ هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنّه لا يموت،
          فانظروا إليه ميّتاً!

          كانت الشرطة في حالة إنذار قصوى تحسّباً للطوارئ، فقد يستفزّ هذا النداء
          بعض أهالي بغداد.. إن موسى يعيش في القلوب،
          سلطانه في القلوب والضمائر الحرّة..

          السماء ما تزال تسحّ من دموعها الثقال.. ووجه الشهيد مكشوف للعابرين..
          النداء يرتفع بين الفينة والأخرى.. العابرون فوق الجسر..
          تجمعوا ينظرون إلى موسى.. ينظرون إلى آخر الرجال..

          ينظرون إلى السيّد العظيم.. يا للوعة!!
          أهكذا يرحل الرجال الصالحون ؟! سرت همهمة لا يُعرف مصدرها بعد.
          سرت الكلمات كالسحر تلاقفتها الآذان كخيال جميل..
          ـ موسى لم يمت.. أُقسم أنّه ليس موسى بن جعفر.. لقد شُبّه لهم..
          أما موسى فقد رُفع إلى السماء.. كما رُفع عيسى بن مريم.
          موسى لم يمت.. موسى ما يزال حيّاً..

          السماء ما تزال تمطر.. والمطر ما يزال يغسل وجه الشهيد الراحل،
          ورجال الشرطة كأسراب الغربان ما تزال تنادي:
          ـ هذا موسى بن جعفر.. مات الذي تزعم الرافضة أنه لا يموت..
          انظروا إليه.. إنه ميّت..

          في الجانب الآخر من النهر.. وقريباً من الجسر على ضفاف النهر
          يرتفع قصر منيف.. إنّه قصر سليمان.. ( عم الخليفة )..

          كان سليمان يطلّ عبر النافذة على النهر.. رأى ذلك الصباح الغائم..
          رأى جموعاً غفيرة من لابسي السواد تحمل نعشاً فوق الجسر..

          وفي كل مرّة كان النعش يوضع على الأرض بقسوة، وصيحات تتعالى
          في الفضاء.. والجثمان تغسله السماء..
          تساءل سليمان عما يجري فوق الجسر!
          قال أحدهم وقد أحاط بما يجري خُبْراً:
          ـ هذا السندي بن شاهك ينادي على موسى بن جعفر.
          ـ ينادي ؟!
          ـ نعم سمعتهم يصيحون: هذا موسى بن جعفر
          الذي تزعم الرافضة أنّه لا يموت.
          ـ موسى يُنادى عليه هكذا.. يا لهوان الدنيا!

          لا أحد يدري لماذا هبّ سليمان.. لماذا تفجّرت في أعماقه الثورة،
          صاح بأولاده المسلّحين:
          ـ انزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم، فإن مانعوكم فاضربوهم،
          ومزّقوا ما عليهم من السواد.

          وشهد الجسر عند الجثمان مشادّة بين رجال سليمان وبين الشرطة..
          وجد رجال الشرطة أنفسهم عاجزين عن مقاومة عم ( الخليفة )
          وأقوى شخصية في الأسرة العباسية بعد ( الخليفة ).

          حُمل الجثمان إلى القصر المنيف، وبدأت على الفور مراسم الغُسل والكفن..
          ولُفّ الجسد الطاهر بحَبرة فيها كتابات قرآنية..

          وشهد أحدهم أن شاباً كان يشارك في مراسم الغسل والكفن،
          وكانت دموعه تهمل من عينيه بصمت.

          احتفى سليمان لإعلان فجيعته.. وبدأ موكب التشييع يتحرك منطلقاً من
          القصر إلى الجسر.. وعلى جسر الرصافة دوّت نداءات
          كان سليمان قد أمر بها:
          ـ ألا مَن أراد أن يحضر جنازة الطيّب ابن الطيب، موسى بنِ جعفر، فلْيحضر.

          الموكبُ الحزين يشق طريقه في أزقّة بغداد وشوارعها.
          المطر ما يزال يتساقط كدموع اليتامى..
          هبّ أهل بغداد.. هرعت المدينة عن بكرة أبيها لتشارك في موكب
          تشييع العبد الصالح موسى..

          لم يبق أحد في منزله في ذلك اليوم المطير.. انتظم أهل بغداد في موكب
          جنائزي.. العيون تبكي وآهات تبحث عن السلام الراحل تتصاعد في الفضاء..

          توقف الموكب في سوق الرياحين.. وحُطّ النعش فوق الأرض.. ليتحوّل ذلك
          المكان إلى بقعة طاهرة.. ونُثرت فوق النعش طاقات الرياحين.. فيما كان حملة
          مجامير العطور ينتظرون استئناف الموكب مسيرَه إلى مثوى الشهيد الأخير..

          إرتفع النعش فوق الأنامل.. العيون تبكي، والقلوب صدّعها الحزن،
          والفجيعة تهزّ الأرواح.. لقد رحل السلام..

          الموكب في طريقه إلى قنطرة قطربل..
          حيث يتدفق دجلة عبر ممر مائي صغير..

          الموكب يتجه إلى بقعة بين بساتين ( زبيدة ) ومحلّة باب التبن،
          حيث تنهض هناك بيوت الفقراء..

          وفي مقابر قريش كان المثوى الأخير.. شُقّ ضريح الشهيد،
          ووُري الثرى المعطور.

          وفي تلك البقعة حيث يمرّ دجلة بصمت.. وفيما كانت السماء ما تزال تبكي،
          والفضاء مفعماً برائحة الأرض المرشوشة بالمطر..
          انبرى أحد المفجوعين لرثاء السلام الراحل:
          ـ قد قلتُ للرجل المولَّى غُسلُه ... هلاّ أطعت وكنت من نصحائِهِ!
          جنّبْه ماءَك ثمّ غسّله بما ... أذرت عيون المجد عند بكائِهِ
          وأزلْ أفاويهَ الحنوط ونحِّها ... عنه وحنّطْه بطيب ثنائِهِ
          ومُرِ الملائكة الكرام بحملهِ ... كرماً.. ألستَ تراهمُ بإزائهِ ؟!
          لأ توه أعناقَ الرجال بحمله ... يكفي الذي حملوه من نعمائهِ.

          وشيئاً فشيئاً تفرقت الجماهير.. عادت إلى منازلها في محلّة باب التبن،
          وفي مشرعة القصب.. وفي سوق الرياحين، وفي الشماسية..
          وفي محلّة باب الكوفة، ومحلة الكرخ والرصافة والشرقية
          والحربية والخطابية..

          أقفر المكان تماماً ما خلا شابّاً ليس من أهل بغداد،
          كان يذرف الدموع، بينما السماء ما تزال
          تمطر بصمت.

          من رواية: على جسر ببغداد كمال السيد



          تعليق


          • #6
            عظم الله لكم الاجر بهذا المصاب الجلل وبارك الله بكم ع الموضوع موفقين لخدمة اهل بيت النبوه

            تعليق


            • #7
              المشاركة الأصلية بواسطة روح الحياة
              بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
              اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وسَهِّلْ مَخْرَجَهُمْ والعَنْ أعْدَاءَهُم


              وَقَبْرٌ بِبَغْدَادٍ..

              `¯ ·.¸ السَّـلامُ عَـلَى المُـعَـذبِ فِـي قَـعْـرِ السُّـجُون ¸.·¯`








              اَللّهُمَّ صَلِّ عَلَى الاَْمينِ الْمُؤْتَمَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَر، الْبَرِّ الْوَفِىِّ الطّاهِرِ الزَّكِىِّ،
              النُّورِ الْمُبينِ الُْمجْتَهِدِ الُْمحْتَسِبِ، الصّابِرِ عَلَى الاَْذى فيكَ، اَللّهُمَّ وَكَما بَلَّغَ عَنْ
              آبائِهِ مَا اسْتُوْدِعَ مِنْ اَمْرِكَ وَنَهْيِكَ، وَحَمَلَ عَلَى الَْمحَجَّةَ وَكابَدَ اَهْلَ الْعِزَّةِ وَالشِّدَّةِ
              فيما كانَ يَلْقى مِنْ جُهّالِ قَوْمِهِ، رَبِّ فَصَلِّ عَلَيْهِ اَفْضَلَ وَاَكْمَلَ ما صَلَّيْتَ عَلى اَحَد
              مِمَّنْ اَطاعَكَ وَنَصَحَ لِعِبادِكَ، اِنَّكَ غَفوُرٌ رَحيمٌ.




              وَقَبْرٌ بِبَغْدَادٍ لِنَفْسٍ زَكِيَّةٍ.. تَضَمَّنَهَا الرَّحْمَنُ بِالغُرُفَاتِ








              مَحَطَّاتٌ قُدْسِيَّة.. فِي عَالَمِ النُّور ღ


              النسب الذهبي:

              الإمام موسى بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمّد الباقر بن الإمام عليّ زين

              العابدين بن الإمام الحسين الشهيد بن الإمام أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين
              عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين. جدّته العليا فاطمة الزهراء سيّدة
              نساء العالمين، ومنها يرتقي إلى جدّه الأعلى محمّد المصطفى
              صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين.


              الكُنى:
              أبو إبراهيم، أبو الحسن، أبو عليّ، وأبو إسماعيل.


              الألقاب الشريفة:
              الكاظم، العبد الصالح، وباب الحوائج، زين المجتهدين، وذي النفس الزكيّة،

              والأمين، والمأمون، والسيّد، والطيّب، والصالح، والصابر، والوفيّ
              والزاهر ـ قيل: لأنّه زَهَر بأخلاقه الشريفة وكرمه المضيء التامّ.




              نقش خاتمه:
              «المُلْكُ للهِ وحدَه» وقيل «حَسبِيَ اللهُ».


              منصبه الإلهي:
              المعصوم التاسع من المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم،

              والإمام السابع.. ابتداءً من أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام.
              أمّا إمامته فقد امتدت من سنة 148 هجريّة بعد شهادة والده الإمام
              الصادق عليه السّلام، إلى شهادته هو سلام الله عليه سنة 183 هجرية.
              فتكون خمساً وثلاثين سنة تقريباً. وكان قام بأمر الإمامة الإلهية وله
              عشرون سنة، حيث بقيّة مُلك المنصور العباسي أبي جعفر الدوانيقيّ.


              أوصافه وخصائصه:
              كان الإمام موسى الكاظم عليه السّلام أزهَرَ اللون، رَبْع القامة، كَثّ اللِّحية. وكان أجلَّ وُلد أبيه شأناً، وأعلاهم في الدِّين مكاناً، وأسخاهم بَناناً، وأفصحهم لساناً.. كما كان أعبدَ أهل زمانه وأعلمهم وأفقههم وأكرمهم.


              //

              " يا هشام لو كان في يدك جوزة وقال الناس في يدك لؤلؤة
              ما كان ينفعك وأنت تعلم أنها جوزة !!
              ولو كان في يدك لؤلؤة وقال الناس إنها جوزة
              ما ضرك وأنت تعلم أنها لؤلؤة !! "


              //



              ولادته:
              التأريخ الذي اتّفق عليه أكثر المؤرّخين في مولد الإمام الكاظم عليه السّلام

              هو السابع من شهر صفر سنة 128 هجريّة، وكان ذلك في الأبْواء
              وهو منزل بين مكّة والمدينة. فأولَم أبوه الإمام الصادق عليه السّلام
              عند ولادته، وأطعَم الناس ثلاثة أيّام.


              أمه:
              حميدة بنت صاعد المغربي، ثمّ لُقّبت بـ «حميدة المُصفّاة».

              قال الإمام الصادق عليه السّلام في تعريفها: حميدة مصفّاة من الأدناس
              كسبيكةِ الذهب، ما زالت الأملاك تحرسها حتّى أُدّيت إليّ
              كرامةً من الله لي والحجّة من بعدي.


              إخوته وأخواته:
              1) إسماعيل
              2) عبدالله
              3) محمّد الدّيباج
              4) إسحاق
              5) عليّ العُرَيضيّ
              6) العبّاس
              7) أُمّ فروة
              8) فاطمة
              9) أسماء



              نساؤه:
              1) فاطمة بنت عليّ
              2) نجمة أو «تُكتَم» اُمّ الإمام الرضا عليه السّلام


              وأُمّ السيّدة فاطمة المعصومة عليها السّلام أيضاً

              أولاده:
              1) الإمام عليّ الرضا عليه السّلام
              2) إبراهيم
              3) العبّاس
              4) القاسم (الغريب المدفون في الحلّة بالعراق)
              5) إسماعيل
              6) جعفر
              7) هارون
              8) الحسن
              9) أحمد
              10) محمّد
              11) حمزة
              12) عبدالله
              13) إسحاق
              14) عبيدالله
              15) زيد
              16) الحسين
              17) الفضل
              18) سليمان





              بناته:
              1) فاطمة الكبرى السيّدة المعصومة عليها السّلام

              المدفونة في مدينة قمّ المقدّسة
              (عشّ آل محمّد صلّى الله عليه وآله)
              2) فاطمة الصغرى
              3) رقيّة
              4) حكيمة
              5) أم أبيها
              6) رقيّة الصغرى
              7) أم جعفر
              8) لُبابة
              9) زينب
              10) خديجة
              11) عليّة
              12) آمنة
              13) حسنة
              14) بُرَيهة
              15) عائشة
              16) أم سَلَمة
              17) ميمونة
              18) أم كلثوم
              19) كلثوم
              فيكونون سبعة وثلاثين كما عدّهم ابن شهرآشوب والشيخ المفيد


              أصحابه:
              ذكرهم الشيخ الطوسيّ في (رجاله) فعدّهم مئتين وواحداً وثمانين شخصاً، فيما

              عدّ بعضهم أكثر من ذلك، إلاّ أن أشهرهم: عليّ بن يَقطين، وهِشام بن الحكَم،
              وعبدالله بن جُندَب البَجَليّ، وأبو الصَّلت هارون بن صالح الهَرَويّ، وإسماعيل
              بن مِهران، والمفضَّل بن عمر، ويونس بن عبدالرحمن، ويونس بن يعقوب،
              وحمّاد بن عيسى.


              شاعره:
              السيّد إسماعيل الحِميرَيّ


              بوّابه:
              محمّد بن المفضَّل


              //




              " يا هشام إن لقمان قال لابنه تواضع للحق تكن أعقل الناس يا بني
              إن الدنيا بحر عميق قد غرق فيه عالم كثير فلتكن سفينتك فيها
              تقوى الله وحشوها الإيمان وشراعها التوكل وقيمها العقل
              ودليلها العلم وسكانها الصبر " ღ



              //




              مُدة عمره:
              55 سنة


              مُدة إمامته:
              35 سنة


              الحكّام المعاصرون:
              1) مروان بن محمّد الأُمويّ المعروف بـ (مروان الحمار)

              وهو آخر حكّام بني أُميّة (126 ـ 132 هـ)
              2) أبو العبّاس السفّاح وهو أوّل حاكم من العبّاسيّين (132 ـ 136 هـ)
              3) أبو جعفر المنصور (136 ـ 158 هـ)
              4) المهدي العبّاسي (158 ـ 169 هـ)
              5) الهادي العبّاسي (169 ـ 170 هـ)
              6) هارون الرشيد (170 ـ 193 هـ)
              الذي كانت شهادة الإمام موسى الكاظم عليه السّلام على يده.


              تاريخ شهادته:
              25 رجب 183 هـ، وقيل غير ذلك




              مكان شهادته:
              بغداد


              سبب شهادته:
              قُتل عليه السلام مسموماً في زمن الخليفة العباسي هارون الرشيد




              محل دفنه:
              مقبرة قريش في الكاظمية شمال بغداد


              //




              " يا هشام، لكلّ شيء دليل، ودليل العاقل التفكّر،
              ودليل التفكّر الصمت " ღ



              رضي الله عن الامام الكاظم .

              تعليق


              • #8
                المشاركة الأصلية بواسطة كرار أحمد
                رضي الله عن الامام الكاظم .
                طائفي مكبر اسم عائشة ولم يجلب نظرك الا هذه الكلمه

                وهل اسم عائشة ماركة مسجلة باسم بنت ابي بكر لعنة الله عليها وعلى ابيها


                لم يكن الاسم تيمنا باسمها ايها الطائفي

                تعليق


                • #9
                  فعن يعقوب السراج قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وهو واقف على رأس أبي الحسن موسى عليه السلام وهو في المهد يساره طويلا، فجلست حتى فرغ فقمت إليه، فقال : ((أدن من مولاك فسلم، فدنوت منه فسلمت، فرد علي بكلام فصيح ثم قال لي : اذهب فغير اسم ابنتك التي سميتها أمس، فإنه اسم يبغضه الله، وكانت ولدت لي ابنة فسميتها بالحميراء، فقال أبو عبد الله عليه السلام : انته إلى أمره ترشد، فغيرت اسمها)).
                  الكافي ، للكليني ، الشيخ الكليني ، 1/310 ، شرح أصول الكافي ، للكليني ، للمازندراني ، 6/180 ، وسائل الشيعة، للحر العاملي ، 21/389 ، مستدرك الوسائل للنوري الطبرسي ، 15/128 ، الإرشاد للمفيد ، 2/219 ، الثاقب في المناقب لابن حمزة الطوسي ، 433 ، مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ، 3/407 ، مدينة المعاجز لهاشم البحراني ، 6/224 ، بحار الأنوار ، للمجلسي ، 48/19 ، الأنوار البهية لعباس القمي ، 181 ، جامع أحاديث الشيعة، للبروجردي ، 21/333 ، مستدرك سفينة البحار لعلي النمازي ، 6/283 ، جامع الرواة للأردبيلي ، 2/347 ، إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي ، 2/14 ، كشف الغمة للإربلي ، 3/12 ، الفصول المهمة في معرفة الأئمة لابن الصباغ ، 2/931ه‍ ، الخصائص الفاطمية لمحمد باقر الكجوري ، 1/507 ، موسوعة المصطفى والعترة (ع) للحاج حسين الشاكري ، 9/61 ، مجمع البحرين للطريحي ، 1/573

                  تعليق


                  • #10
                    السلام على من نادى بجنازته بذل الستخفاف السلام على موسى بن جعفر

                    تعليق


                    • #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة اسد علي
                      السلام على من نادى بجنازته بذل الستخفاف السلام على موسى بن جعفر
                      رضي الله عن الامام الكاظم .

                      تعليق


                      • #12
                        الله الله..لا يملك الانسان وهو يقرا هذه القصة
                        الا ان يترك العنان
                        لدموعه لتنطلق في سباق ماراثوني على وجنتيه..

                        و الله يعجز لساني عن شكرك اختي الكريمة..
                        لا اقول لك سوى بارك الله بك و بالاخ الكاتب..

                        حسبنا الله ونعم الوكيل و انا لله وانا اليه راجعون..
                        و لا حول و لاقوة الا بالله العلي العظيم..!

                        تعليق


                        • #13
                          اللهم صل على محمد وآل محمد .

                          تعليق


                          • #14
                            السلام عليك ايها السيد الرشيد
                            ولعن الله قاتليك

                            تعليق


                            • #15
                              اللهم صل على محمد وآل محمد

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                              يعمل...
                              X