مناقشة السيد كمال الحيدري في التأويل و الرسوخ في العلم
لقد ذكر السيد الحيدري في الصفحة 81من كتابه (تاويل القرآن )ما هذا نصه (...ان الراسخين في العلم سبب للعلم بالتاويل فان الاية لا تثبت ذلك ، بل ربما لاح من سياقها جهلهم بالتاويل حيث قال تعالى (يقولون آمنا به كل من عند ربنا )ثم قال ايضاً في نفس الصفحة ( والحاصل إن الاية ليست بصدد اثبات إن الرسوخ في العلم سبب للعلم بالتاويل كما تصوره القائلون بان الواو للعطف لذا لا يثبت إن كل راسخ في العلم سبب للعلم عالم بالتاويل بالضرورة وانما الثابت ان العلم بالتاويل سبب للرسوخ في العلم ) انتهى كلام السيد الحيدري .
ويرد على كلام السيد هذا : إن قوله هذا غير صحيح حتى لو ذهبنا إلى القول بان الواو استئنافية فان الاستئناف هنا ليس معناه الجهل بالتاويل بل معناه أنهم لا يعلمون التاويل الابتعليم من قبل المولى عز وجل وليس من تلقاء انفسهم فالله هو العالم بالتاويل والراسخون ايضاً عالمون بالتاويل ولكن ليس كعلم الله بل بتعليم منه تعالى . كما إن كلام السيد هذا معارض للكثير من الروايات والتي نقل قسما منها في كتابه والتي تثبت إن الراسخين في العلم يعلمون التاويل حيث نقل في الصفحة (85) بعض تلك الروايات فعن بريد ابن معاوية قال
قلت للباقر عليه السلام قول الله تعالى (وما يعلم تاويله إلا الله والراسخون في العلم)قال : يعني تأويل القرآن كله ألا الله والراسخون في العلم فرسول الله صلى الله عليه واله قد علمّه الله جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل وما كان الله منزل عليه شيئاًً لا يعلمّه تأويله ، وأوصيائه من بعده يعلمونه كله فقال الذين لا يعلمون : ما نقول اذا لم نعلم تأويله ؟فأجابهم الله
يقول آمنا به كل من عند ربنا )تفسير العياشي ج1ص293 .ونقل ايضا في الصفحة التالية من كتابه ( وعن المفضل بن يسار عن ابي جعفر الباقر عليه السلام قال
وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم )نحن نعلمه )تفسير العياشي ج1 وذكر ايضا في الصفحة ذاتها (وعن ابي بصير عن ابي عبد الله الصادق عليه السلام قال : نحن الراسخون في العلم )فنحن نعلم تأويله )تفسير العياشي ج1. فهل بعد كلام الائمة الاطهار عليهم السلام كلام خاصة وان هذه الروايات قد ذكرها السيد الحيدري في نفس كتابه فلماذا هذا التناقض يا ترى ؟
لقد ذهب سماحة السيد الحيدري إلى القول بأن العلم بالتأويل ليس من لوازم الرسوخ في العلم بل هو من لوازم التطهير فقد قال في الصفحة( 81 )ما هذا نصه (فان المقدار الثابت بذلك إن المطهرين يعلمون التأويل ، ولازم تطهيرهم إن يكونوا راسخين في علومهم ،لما إن تطهير قلوبهم منسوب إلى الله وهوتعالى سبب غير مغلوب ، لان الراسخين في العلم يعلمون التأويل بما أنهم راسخون في العلم ...).
اشكال مهم ذكر سماحة السيد إن العلم بالتأويل لا يكون ولا يصل اليه احد إن لم يكن من المطهرين وليس الامر عائداً للرسوخ في العلم . ثم يبين من هم المطهرون حيث قال في الصفحة( 88) ما هذا نصه (من هنا لابد من الاجابة على هذا التساؤل من هم المطهرون في القرآن ؟قال تعالى (أنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )الاحزاب 33.كلمة انما تدل على حصر الارادة في أذهاب الرجس والتطهير ، وكلمة( أهل البيت )سواءًكان لمجرد الاختصاص أو مدحاً أو نداءً يدل على اختصاص أذهاب الرجس والتطهير بالمخاطبين بقوله (عنكم )ـ إلى إن قال ـوقد ورد في اسباب النزول إن الاية نزلت في النبي صلى الله عليه واله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام خاصة لا يشاركهم فيها غيرهم ).
ويرد على كلام السيد هذا اشكالان :ـ
الاشكال الاول : إن السيد الحيدري ذهب إلى القول بأن التأويل من لوازم التطهير فلا يعلم التأويل إلا المطهرون ثم بين إن المطهرين هم الخمسة اصحاب الكساء إلا اننا في الواقع نجد إن جميع الائمة الاطهار عليهم السلام عندهم العلم بالتأويل وقد اولوا الكثير من ايات القرآن وتاريخنا الاسلامي وكتبنا الروائية شاهدة على ذلك فقد نقانا مجموعة من الروايات تدل على إن الباقر والصادق عليهما السلام يعلمان التأويل والتي قام الحيدري بنقلها في كتابه في الصفحة (85)فالرواية الاولى وردت عن الفضل بن يسار عن ابي جعفر الباقر عليه السلام قال (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم )نحن نعلمه )تفسير العياشي ج1 . الرواية الواردة عن ابي بصير عن ابي عبد الله الصادق عليه السلام قال
نحن الراسخون في العلم فنحن نعلم تأويله )العياشي ج1 ومن هاتين الروايتين يخبرنا الامام الباقر والامام الصادق عليهما السلام بانهما يعلمان التأويل فكيف يقول السيد بان علم التأويل لا يعلمه إلا الخمسة اصحاب الكساء .
الاشكال الثاني : إن السيد كمال الحيدري جعل الرسوخ في العلم من لوازم التطهير أي إن الانسان لا يكون راسخا ً بالعلم مالم يكن من المطهرين إلا انه يفاجئنا بعدعدة سطور بأن يقول ـ وانما الثابت إن العلم بالتأويل سبب للرسوخ في العلم ـ فقد جعل بقوله هذا المقدمة نتيجة ولا ادري ما معنا هذا التناقض يا ترى ثم اننا لو سلمنا بقول السيد (إن التأويل من لوازم التطهير فما معنى اقتران التأويل بصورة واضحة بالراسخين في العلم ولماذا لم يقترن المولى تبارك وتعالى التأويل بالمطهرين قال تعالى ( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا اولو الالباب )ال عمران 7 .وقال تعالى ({لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً }النساء162) كما إن روايات كثيرة وردت في التأويل اقترنت بالراسخين في العلم كالروايات التي ذكرناها سابقاً .
واما استدلاله بقوله تعالى (أنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون)فهذا من اعجب العجب وهو من قبيل الاختلاف في معنى المس حيث ذهب ابناء العامة إلى إن المقصود بذلك لمس كتابة القرآن من دون طهارة فرد عليهم الشيعة بان هناك الكثير من الناس الغير متطهرين قد مسوا كتابة القرآن ، وقال فريق إن المس بمعنى التفسير فرد عليهم اخرون بأن هناك الكثير من المفسرين وهم من غير المطهرين وذهب آخرون إلى القول إن المس بمعنى التأويل إلا اننا نجد إن هناك من قام بتأويل القرآن بدليل ما نقله السيد الحيدري في كتابه ص(158)من رأي السيد الآملي والذي تبناه الحيدري حيث قال ما هذا نصه
يجيب الآملي على ذلك مؤكدا أمكانية حصول التأويل بالمطلق وقدرة البشرـ بلا استثناء ـ على ممارسته والقيام باعبائه وتحقيق مضامينه ، بمطابقته بعالمي الافاق والانفس اجمالاً وتفصيلاً صورة ومعنى )وقال السيد الحيدري بعد ذلك (فالمقدار الثابت بذلك إن المطهرين يعلمون التأويل )وسبق وان ذكرنا إن السيد الحيدري ذهب إلى القول بان المطهرين هم أهل البيت وبالتحديد هم محمد صلى الله عليه واله وسلم وعلي وفاطمة والحسنان عليهم السلام .
وهذا هو التناقض بعينه فمرة يبين كلام الاملي من إن التأويل ممكن الوصول اليه وتحصيله ومرة يقول إن التأويل لا يكون إلا للمطهرين وهم أهل البيت خاصة ، ثم إن المقصود بالقرآن الكريم الذي لا يمسه إلا المطهرون ، قرآن لايعلم حقيقته وتأويله إلا المطهرون وبعد البحث وربط القرآن بالقرآن ثبت إن المقصود بالكتاب الكريم الذي لايمسه إلا المطهرون البسملة فقط وليس كل القرآن وذلك بحسب الربط المعادلاتي القائم على ربط القرآن بالقرآن وهو على ثلاثة مراحل :ـ
المرحلة الاولى:ـ إن لفظ القرآن يعني ما يقرأ في كل آن والبسملة اصدق ما يتصف بهذه الصفة فقد ورد عن ابي عبد الله عليه السلام انه قال (بسم الله الرحمن الرحيم ،احق ما جهر به ، وهي الاية التي قال الله عز وجل (وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً }الإسراء46)
بحار الانوارج82ص51.فأتضح من هذه الرواية إن البسملة هي الاية الموصوف بانها القرآن فثبت إن البسملة قرآن .
المرحلة الثانية :ـقال تعالى حكاية عن بلقيس (قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ{29} إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ{30}
حيث وصفت الاية إن الكتاب بانه كريم وانه بسم الله الرحمن الرحيم ،اذن فالبسملة هي الكتاب الكريم .
المرحلة الثالثة :ـبعد الجمع بين المرحلتين حيث ثبت اولاً إن البسملة قرآن وثبت ثانيا إن البسملة كريم تكون النتيجة إن البسملة قرآن كريم .
ومن كل هذا يتبين إن المقصود بالكتاب الذي لا يمسه إلا المطهرون البسملة لا شيء غيره . اذن فلا يصح للسيد الحيدري الاستدلال بهذه الاية على عدم مس غير المطهرين للقرآن كله .
الاشكال الثالث :ـذكر السيد الحيدري في الصفحة( 81)من كتابه، وقد وصف الله رجالا من أهل الكتاب برسوخ العلم ومدحهم بذلك وشكرهم على الايمان والعمل الصالح في قوله ({لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً }النساء162 )وقد قال السيد الحيدري معلقاً على الاية (ولم يثبت مع ذلك كونهم عالمين بتأويل الكتاب ).
ويرد على كلام السيد انه قال في الصفحة( 81 )من كتابه ما هذا نصه (لذا لايثبت كل راسخ في العلم عالم بالتاويل بالضرورة ، وانما الثابت إن العلم بالتأويل سبب للرسوخ في العلم ) .ومعنى كلامه هذا هو اذا وصفنا احد بكونه راسخ في العلم اقتضى ذلك إن يكون عالم بالتأويل فكيف يرد السيد الحيدري قول الله عز وجل حينما يصف اولئك القوم بالرسوخ بالعلم ويدعي إن هؤلاء الراسخون ليس لديهم علم بالتأويل .
واما استدلال السيد الحيدري بآية التطهير (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )الاحزاب 33. على إن التطهير سبب في التأويل وأن هؤلاء المطهرون بهذه الاية هم من لهم القدرة على التاويل فيرد عليه إن هذه الاية نزلت في المدينة ورسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأمير المؤمنين وفاطمة عليها السلام قضوا ثلاثة عشر سنة في مكة قبل إن يهاجروا إلى المدينة فهل يعني هذا أنهم قبل حصول التطهير ونزول الاية غير عالمين بالتأويل والسيد الحيدري قد ذكر الروايات التي صرحت بانه ما من آية نزلت الا ورسول الله صلى الله عليه واله وسلم يعلم تنزيلها وتأويلها .فاذا كان هذا هو رأي السيد الحيدري الذي يعد من فلاسفة الحوزة فما هو حال عامة الناس ؟
وأخيراً نقول إن العلم بالتأويل لا يناله إلا الراسخون في العلم درجات كل بحسب معرفته بربه واعترافه بعجزه فكلما كان الانسان عارفاً بربه مقراً بعجزه معترفاً بتقصيره عن نيل درجات الكمال عالما بان العلم بالاشياء اياً كانت لا يأتي إلا من الله تعالى ، قال تعالى حكاية عن نبيه محمد صلى الله عليه واله وسلم (وقل ربي زدني علما )طه 114 .وقال تعالى (وفوق كل ذي علم عليم )يوسف 76.وقال تعالى (هل ينظرون الاتأويله يوم يأتي تأويله) الاعراف 53.فكل هذه الايات دلت على عجز الناس اياً كانوا بما فيهم الانبياء عن حصول العلم من تلقاء انفسهم بل اقرارهم بذلك العجز على انفسهم وتسليمهم في الامور التي لا يعلمها إلا الله عز وجل وقد دلت الاية الاخيرة على إن علم التأويل لم يأتي كاملاًوسيأتي كاملافي زمن الامام المهدي عليه السلام فقد جاء في الرواية الشريفة الواردة في تفسيرها نقلا عن تفسير البرهان ج2ص558(هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله )فهو من الايات التي تأويلها بعد تنزيلها . قال ذلك في قيام القائم عليه السلام ). ومن هذه الرواية يتبين إن الكثير من تأويل القرآن لا يأتي الا في زمن القائم عليه السلام والاما معنى إن الروح والملائكة تنزل في كل ليلة قدر على الامام عليه السلام فهل إن نزول هؤلاء الملائكة والروح بقرآن جديد ام إن نزولهم بتأويل القرآن بما لا يلائم كل عصر وزمان وظروف ومتطلبات .والحقيقة إن هناك الكثير من المؤاخذات على كتاب سماحة السيد كمال الحيدري وفيه الكثير من الاراء الغير صائبة والبعيدة عن الحق والواقع .
لقد ذكر السيد الحيدري في الصفحة 81من كتابه (تاويل القرآن )ما هذا نصه (...ان الراسخين في العلم سبب للعلم بالتاويل فان الاية لا تثبت ذلك ، بل ربما لاح من سياقها جهلهم بالتاويل حيث قال تعالى (يقولون آمنا به كل من عند ربنا )ثم قال ايضاً في نفس الصفحة ( والحاصل إن الاية ليست بصدد اثبات إن الرسوخ في العلم سبب للعلم بالتاويل كما تصوره القائلون بان الواو للعطف لذا لا يثبت إن كل راسخ في العلم سبب للعلم عالم بالتاويل بالضرورة وانما الثابت ان العلم بالتاويل سبب للرسوخ في العلم ) انتهى كلام السيد الحيدري .
ويرد على كلام السيد هذا : إن قوله هذا غير صحيح حتى لو ذهبنا إلى القول بان الواو استئنافية فان الاستئناف هنا ليس معناه الجهل بالتاويل بل معناه أنهم لا يعلمون التاويل الابتعليم من قبل المولى عز وجل وليس من تلقاء انفسهم فالله هو العالم بالتاويل والراسخون ايضاً عالمون بالتاويل ولكن ليس كعلم الله بل بتعليم منه تعالى . كما إن كلام السيد هذا معارض للكثير من الروايات والتي نقل قسما منها في كتابه والتي تثبت إن الراسخين في العلم يعلمون التاويل حيث نقل في الصفحة (85) بعض تلك الروايات فعن بريد ابن معاوية قال



لقد ذهب سماحة السيد الحيدري إلى القول بأن العلم بالتأويل ليس من لوازم الرسوخ في العلم بل هو من لوازم التطهير فقد قال في الصفحة( 81 )ما هذا نصه (فان المقدار الثابت بذلك إن المطهرين يعلمون التأويل ، ولازم تطهيرهم إن يكونوا راسخين في علومهم ،لما إن تطهير قلوبهم منسوب إلى الله وهوتعالى سبب غير مغلوب ، لان الراسخين في العلم يعلمون التأويل بما أنهم راسخون في العلم ...).
اشكال مهم ذكر سماحة السيد إن العلم بالتأويل لا يكون ولا يصل اليه احد إن لم يكن من المطهرين وليس الامر عائداً للرسوخ في العلم . ثم يبين من هم المطهرون حيث قال في الصفحة( 88) ما هذا نصه (من هنا لابد من الاجابة على هذا التساؤل من هم المطهرون في القرآن ؟قال تعالى (أنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )الاحزاب 33.كلمة انما تدل على حصر الارادة في أذهاب الرجس والتطهير ، وكلمة( أهل البيت )سواءًكان لمجرد الاختصاص أو مدحاً أو نداءً يدل على اختصاص أذهاب الرجس والتطهير بالمخاطبين بقوله (عنكم )ـ إلى إن قال ـوقد ورد في اسباب النزول إن الاية نزلت في النبي صلى الله عليه واله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام خاصة لا يشاركهم فيها غيرهم ).
ويرد على كلام السيد هذا اشكالان :ـ
الاشكال الاول : إن السيد الحيدري ذهب إلى القول بأن التأويل من لوازم التطهير فلا يعلم التأويل إلا المطهرون ثم بين إن المطهرين هم الخمسة اصحاب الكساء إلا اننا في الواقع نجد إن جميع الائمة الاطهار عليهم السلام عندهم العلم بالتأويل وقد اولوا الكثير من ايات القرآن وتاريخنا الاسلامي وكتبنا الروائية شاهدة على ذلك فقد نقانا مجموعة من الروايات تدل على إن الباقر والصادق عليهما السلام يعلمان التأويل والتي قام الحيدري بنقلها في كتابه في الصفحة (85)فالرواية الاولى وردت عن الفضل بن يسار عن ابي جعفر الباقر عليه السلام قال (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم )نحن نعلمه )تفسير العياشي ج1 . الرواية الواردة عن ابي بصير عن ابي عبد الله الصادق عليه السلام قال

الاشكال الثاني : إن السيد كمال الحيدري جعل الرسوخ في العلم من لوازم التطهير أي إن الانسان لا يكون راسخا ً بالعلم مالم يكن من المطهرين إلا انه يفاجئنا بعدعدة سطور بأن يقول ـ وانما الثابت إن العلم بالتأويل سبب للرسوخ في العلم ـ فقد جعل بقوله هذا المقدمة نتيجة ولا ادري ما معنا هذا التناقض يا ترى ثم اننا لو سلمنا بقول السيد (إن التأويل من لوازم التطهير فما معنى اقتران التأويل بصورة واضحة بالراسخين في العلم ولماذا لم يقترن المولى تبارك وتعالى التأويل بالمطهرين قال تعالى ( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا اولو الالباب )ال عمران 7 .وقال تعالى ({لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً }النساء162) كما إن روايات كثيرة وردت في التأويل اقترنت بالراسخين في العلم كالروايات التي ذكرناها سابقاً .
واما استدلاله بقوله تعالى (أنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون)فهذا من اعجب العجب وهو من قبيل الاختلاف في معنى المس حيث ذهب ابناء العامة إلى إن المقصود بذلك لمس كتابة القرآن من دون طهارة فرد عليهم الشيعة بان هناك الكثير من الناس الغير متطهرين قد مسوا كتابة القرآن ، وقال فريق إن المس بمعنى التفسير فرد عليهم اخرون بأن هناك الكثير من المفسرين وهم من غير المطهرين وذهب آخرون إلى القول إن المس بمعنى التأويل إلا اننا نجد إن هناك من قام بتأويل القرآن بدليل ما نقله السيد الحيدري في كتابه ص(158)من رأي السيد الآملي والذي تبناه الحيدري حيث قال ما هذا نصه

وهذا هو التناقض بعينه فمرة يبين كلام الاملي من إن التأويل ممكن الوصول اليه وتحصيله ومرة يقول إن التأويل لا يكون إلا للمطهرين وهم أهل البيت خاصة ، ثم إن المقصود بالقرآن الكريم الذي لا يمسه إلا المطهرون ، قرآن لايعلم حقيقته وتأويله إلا المطهرون وبعد البحث وربط القرآن بالقرآن ثبت إن المقصود بالكتاب الكريم الذي لايمسه إلا المطهرون البسملة فقط وليس كل القرآن وذلك بحسب الربط المعادلاتي القائم على ربط القرآن بالقرآن وهو على ثلاثة مراحل :ـ
المرحلة الاولى:ـ إن لفظ القرآن يعني ما يقرأ في كل آن والبسملة اصدق ما يتصف بهذه الصفة فقد ورد عن ابي عبد الله عليه السلام انه قال (بسم الله الرحمن الرحيم ،احق ما جهر به ، وهي الاية التي قال الله عز وجل (وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً }الإسراء46)
بحار الانوارج82ص51.فأتضح من هذه الرواية إن البسملة هي الاية الموصوف بانها القرآن فثبت إن البسملة قرآن .
المرحلة الثانية :ـقال تعالى حكاية عن بلقيس (قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ{29} إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ{30}
حيث وصفت الاية إن الكتاب بانه كريم وانه بسم الله الرحمن الرحيم ،اذن فالبسملة هي الكتاب الكريم .
المرحلة الثالثة :ـبعد الجمع بين المرحلتين حيث ثبت اولاً إن البسملة قرآن وثبت ثانيا إن البسملة كريم تكون النتيجة إن البسملة قرآن كريم .
ومن كل هذا يتبين إن المقصود بالكتاب الذي لا يمسه إلا المطهرون البسملة لا شيء غيره . اذن فلا يصح للسيد الحيدري الاستدلال بهذه الاية على عدم مس غير المطهرين للقرآن كله .
الاشكال الثالث :ـذكر السيد الحيدري في الصفحة( 81)من كتابه، وقد وصف الله رجالا من أهل الكتاب برسوخ العلم ومدحهم بذلك وشكرهم على الايمان والعمل الصالح في قوله ({لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً }النساء162 )وقد قال السيد الحيدري معلقاً على الاية (ولم يثبت مع ذلك كونهم عالمين بتأويل الكتاب ).
ويرد على كلام السيد انه قال في الصفحة( 81 )من كتابه ما هذا نصه (لذا لايثبت كل راسخ في العلم عالم بالتاويل بالضرورة ، وانما الثابت إن العلم بالتأويل سبب للرسوخ في العلم ) .ومعنى كلامه هذا هو اذا وصفنا احد بكونه راسخ في العلم اقتضى ذلك إن يكون عالم بالتأويل فكيف يرد السيد الحيدري قول الله عز وجل حينما يصف اولئك القوم بالرسوخ بالعلم ويدعي إن هؤلاء الراسخون ليس لديهم علم بالتأويل .
واما استدلال السيد الحيدري بآية التطهير (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )الاحزاب 33. على إن التطهير سبب في التأويل وأن هؤلاء المطهرون بهذه الاية هم من لهم القدرة على التاويل فيرد عليه إن هذه الاية نزلت في المدينة ورسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأمير المؤمنين وفاطمة عليها السلام قضوا ثلاثة عشر سنة في مكة قبل إن يهاجروا إلى المدينة فهل يعني هذا أنهم قبل حصول التطهير ونزول الاية غير عالمين بالتأويل والسيد الحيدري قد ذكر الروايات التي صرحت بانه ما من آية نزلت الا ورسول الله صلى الله عليه واله وسلم يعلم تنزيلها وتأويلها .فاذا كان هذا هو رأي السيد الحيدري الذي يعد من فلاسفة الحوزة فما هو حال عامة الناس ؟
وأخيراً نقول إن العلم بالتأويل لا يناله إلا الراسخون في العلم درجات كل بحسب معرفته بربه واعترافه بعجزه فكلما كان الانسان عارفاً بربه مقراً بعجزه معترفاً بتقصيره عن نيل درجات الكمال عالما بان العلم بالاشياء اياً كانت لا يأتي إلا من الله تعالى ، قال تعالى حكاية عن نبيه محمد صلى الله عليه واله وسلم (وقل ربي زدني علما )طه 114 .وقال تعالى (وفوق كل ذي علم عليم )يوسف 76.وقال تعالى (هل ينظرون الاتأويله يوم يأتي تأويله) الاعراف 53.فكل هذه الايات دلت على عجز الناس اياً كانوا بما فيهم الانبياء عن حصول العلم من تلقاء انفسهم بل اقرارهم بذلك العجز على انفسهم وتسليمهم في الامور التي لا يعلمها إلا الله عز وجل وقد دلت الاية الاخيرة على إن علم التأويل لم يأتي كاملاًوسيأتي كاملافي زمن الامام المهدي عليه السلام فقد جاء في الرواية الشريفة الواردة في تفسيرها نقلا عن تفسير البرهان ج2ص558(هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله )فهو من الايات التي تأويلها بعد تنزيلها . قال ذلك في قيام القائم عليه السلام ). ومن هذه الرواية يتبين إن الكثير من تأويل القرآن لا يأتي الا في زمن القائم عليه السلام والاما معنى إن الروح والملائكة تنزل في كل ليلة قدر على الامام عليه السلام فهل إن نزول هؤلاء الملائكة والروح بقرآن جديد ام إن نزولهم بتأويل القرآن بما لا يلائم كل عصر وزمان وظروف ومتطلبات .والحقيقة إن هناك الكثير من المؤاخذات على كتاب سماحة السيد كمال الحيدري وفيه الكثير من الاراء الغير صائبة والبعيدة عن الحق والواقع .
تعليق