اللهم صلي على محمد وآل محمد والعنه الدائمة على اعدائهم الى يوم الدين
1 ـ أخرج مسلم في صحيحه في كتاب الحيض باب التيمم قال: جاء رجل إلى عمر فقال: إنّي أجنبت فلم أجد ماءً؟ فقال عمر: لا تصلّ فقال عمّار: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرّية فأجنبنا فلم نجد ماءً فأما أنت فلم تصلّ، وأما أنا فتمعّكت في التّراب وصلّيت فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: إنّما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفّيك، فقال عمر: إتّق الله يا عمّار! قال: إن شئت لم أحدّث به. وأخرج هذه الرّواية كلّ من أبي داود في سننه وأحمد بن حنبل في مسنده والنّسائي في سننه والبيهقي وابن ماجه أيضاً.
ولكنّ البخاري خان الأمانة أمانة نقل الحديث كما هو ومن أجل الحفاظ على كرامة عمر دلّس الحديث لأنه لم يعجبه أن يعرف النّاس جهل الخليفة بأبسط قواعد الفقه الإسلامي وإليك الرواية التي تصرّف فيها البخاري.
أخرج البخاري في صحيحه من كتاب التيمّم باب المتيمم هل ينفخ فيهما.
قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب، فقال: إنّي أجنبت فلم أصب الماء، فقال عمّار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر أنّا كنّا في سفرٍ أنا وأنت… الحديث.
وهو كما ترى حذف منه البخاري «فقال عمر: لا تصلّ» لأنها أربكت ولا شك البخاري فحذفها وتخلّص منها لئلا يكشف للنّاس عن مذهب عمر الذي كان يرتئيه في حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم واجتهاده مقابل نصوص القرآن والسنّة. وبقاءه على مذهبه هذا حتّى بعد ما أصبح أميراً للمؤمنين وأخذ ينشر مذهبه في أوساط المسلمين وقد قال ابن حجر: «هذا مذهب مشهور عن عمر» والدّليل على أنّه كان يشدّد على ذلك قول عمار له: إن شئت لم أحدّث به. فاقرأ وأعجب.
2 ـ أخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك من جزئه الثاني صفحة 514 وصحّحه الذهبي في تلخيصه.
عن أنس بن مالك قال: إن عمر بن الخطاب قرأ على المنبر قوله: فأنبتنا فيها حبّاً وعنباً وقضباً وزيتوناً ونخلاً وحدائق غلباً وفاكهة وأبّاً، قال: كل هذا عرفناه فما الأب، ثم قال: هذا لعمر الله هو التكلّف فما عليك أن لا تدري ما الأبُّ، اتبعوا ما بيّن لكم هداه من الكتاب فاعملوا به وما لم تعرفوه فكلوه إلى ربّه.
وهذه الرّواية قد نقلها أغلب المفسّرين في كتبهم وتفاسيرهم لسورة عبس كالسّيوطي في الدر المنثور والزمخشري في الكشاف، وابن كثير في تفسيره. والرّازي في تفسيره والخازن في تفسيره.
ولكنّ البخاري وكعادته حذف الحديث وأبتره لئلا يعرف النّاس جهل الخليفة بمعنى الأبّ فروى الحديث كالآتي.
أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه قول الله تعالى لا تسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم.
عن أنس بن مالك قال: كنّا عند عمر فقال: نهينا عن التكلّف. نعم هكذا يفعل البخاري بكل حديث يشمّ منه انتقاصاً من عمر فكيف يفهم القارىء من هذا الحديث المبتور حقيقة الأشياء فهو يستر جهل عمر بمعنى الأب ويقول فقط قال: نهينا عن التكلّف.
3 ـ أخرج ابن ماجة في سننه: 2/227 والحاكم في المستدرك: 2/59، وأبو داود في سننه: 2/402 والبيهقي في سننه: 6/264 وابن حجر في فتح الباري وغيرهم.
عن ابن عباس أنه قال: أتي عمر بمجنونة قد زنت فاستشار فيها أناساً فأمر بها أن ترجم، فمرّ بها علي بن أبي طالب فقال: ما شأنها؟ قالوا: مجنونة بني فلان زنت، فأمر بها عمر أن ترجم قال: ارجعوا بها ثم أتاه فقال: ألم تعلم أنّ القلم رفع عن المجنون حتّى يعقل، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصّبي حتّى يحتلم؟
فخلّى عنها عمر وقال: لولا عليّ لهلك عمر (ابن الجوزي في تذكرته ص75). ولكن البخاري أربكته هذه الرواية فكيف يعرف النّاس جهل عمر بأمور الحدود التي رسمها كتاب الله وبيّنها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فكيف يترأس على منصّة الخلافة من كانت هذه حاله، ثم كيف يذكر البخاري هذه الرواية وفيها فضيلة لعلي بن أبي طالب الذي كان يسهر على تعليمهم ما يجهلون، واعتراف عمر بقوله أنّه لولا علي لهلك عمر. فلننظر للبخاري كيف يحرّف الرواية ويدلّسها.
أخرج البخاري في صحيحه من كتاب المحاربين من أهل الكفر والردّة باب لا يرجم المجنون والمجنونة «قال البخاري بدون ذكر أي سند».
وقال علي لعمر أما علمت أنَّ القلم رفع عن المجنون حتّى يفيق وعن الصبيّ حتى يدرك وعن النائم حتى يستيقظ.
نعم هذا مثالٌ حيٌّ لتصرف البخاري في الأحاديث فهو يبتر الحديث إذا كان في فضيحة لعمر.
ويبتر الحديث أيضاً إذا كان فيه فضيلة أو منقبة للإمام علي فلا يطيق تخريجه.
4 ـ أخرج مسلم في صحيحه من كتاب الحدود باب حدّ شارب الخمر.
عن أنس بن مالك، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أُتي برجلٍ قد شرب الخمر، فجلده بجريدتين نحو أربعين، قال: وفعله أبو بكر، فلمّا كان عمر، استشار النّاس، فقال عبد الرحمن بن عوف: أخفّ الحدود ثمانين، فأمر به عمر.
والبخاري كعادته لا يريد إظهار جهل عمر بالحكم في الحدود وكيف يستشير النّاس في حدّ معلوم فعله رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثم فعله بعده أبو بكر.
أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الحدود باب ما جاء في ضرب شارب الخمر. عن أنس بن مالك أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ضرب في الخمر بالجريد والنّعال وجلد أبو بكر أربعين.
5 ـ أخرج المحدّثون والمؤرخون الذين أرّخوا مرضى النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ووفاته وكيف طلب منهم أن يكتب لهم كتاباً لن يضلّوا بعده أبداً وهو ما سمّي برزية يوم الخميس، وكيف أنّ عمر بن الخطّاب عارض وقال بأنّ رسول الله يهجر ـ والعياذ بالله ـ.
وقد أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الجهاد باب هل يستشفع إلى أهل الذمّة ومعاملتهم.
وأخرجه مسلم في صحيحه من كتاب الوصية باب ترك الوصيّة لمن ليس له شيء يوصي فيه.
عن ابن عبّاس رضي الله عنه، أنّه قال: يوم الخميس، وما يوم الخميس، ثم بكى حتّى خضب دمعه الحصباء، فقال: اشتدّ برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وجعه يوم الخميس، فقال: «ائتوني بكتاب، أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً» فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازعٌ، فقالوا: هجر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «دعوني فالذي أنا فيه خيرٌ مما تدعوني إليه» وأوصى عند موته بثلاث: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم» ونسيت الثالثة.
نعم هذه هي رزية يوم الخميس التي لعب فيها عمر دور البطولة فعارض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ومنعه أن يكتب وبتلك الكلمة الفاحشة التي تعارض كتاب الله ألا وهي أن النّبي يهجر والبخاري ومسلم نقلاها هنا بالعبارة الصحيحة التي نطق بها عمر ولم يبدِّلاها ما دام اسم عمر غير وارد ونسبة هذا القول الشنيع للمجهول لا يضرّ.
ولكن عندما يأتي اسم عمر في الرواية التي تذكر بأنّه هو الذي تلفّظ بها يصعب ذلك على البخاري ومسلم أن يتركاها على حالها لأنها تفضح الخليفة وتظهره على حقيقته العارية وتكشف عن مدى جرأته على مقام الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم والذي كان يعارضه طيلة حياته في أغلب القضايا وعرف البخاري ومسلم ومن كان على شاكلتهم بأنّ هذه الكلمة وحدها كافية لإثارة عواطف كل المسلمين حتّى أهل السنّة ضدّ الخليفة، فعمدوا إلى التّدليس، فهي مهنتهم المعروفة لمثل هذه القضايا وأبدلوا كلمة «يهجر» بكلمة «غلب عليه الوجع» ـ ليبعدوا بذلك تلك العبارة الفاحشة وإليك ما أخرجه البخاري ومسلم في نفس موضوع الرزية.
عن ابن عباس، قال: لما حضر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: هلّم أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده. فقال عمر: إنّ النبيّ قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم النّبي كتاباً لن تضلّوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلمّا أكثروا اللّغو والاختلاف عند النّبي قال لهم: قوموا ـ قال عبدالله بن مسعود ـ فكان ابن عباس يقول: إنّ الرزية كل الرّزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم(1) .
وبما أن مسلماً. أخذها عن أستاذه البخاري فنحن نقول للبخاري مهما هذّبت العبارة ومهما حاولت تغطية الحقائق فإنّ ما أخرجته كافٍ وهو حجةٌ عليك وعلى سيّدك عمر. لأن لفظ «يهجر» ومعناه يهذي ـ أو «قد غلب عليه الوجع» ـ تؤدّي إلى نفس النتيجة لأن المتمعّن يجد أنّ النّاس حتّى اليوم يقولون «مسكين فلان تغلّبت عليه الحمّى حتى أصبح يهذي».
1) صحيح البخاري كتاب المرضى باب قول المريض قوموا عني: 7/9. صحيح مسلم في كتاب الوصية باب ترد الوصي: 5/76.
وخصوصاً إذا أضفنا إليها كلامه «عندكم القرآن حسبنا كتاب الله))ومعنى ذلك أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم انتهى أمره وأصبح وجوده كالعدم.
وأنا أتحدّى كل عالم له ضمير أن يتمعّن فقط في هذه الواقعة بدون رواسب وبدون خلفيات فسوف تثور ثائرته على الخليفة الذي حرم الأمة من الهداية وكان سبباً مباشراً في ضلالتها.
6 ـ أضف إلى ذلك أن الإمام مسلم أخرج في صحيحه من كتاب الإيمان باب الدّليل على أنّ حب الأنصار وعليّ من الإيمان وعلاماته وبغضهم من علامات النّفاق.
عن عليّ قال: والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّه لعهد النبيّ الأمي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى أن لا يحبّني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق.
وأكّد المحدّثون وأصحاب السنن قول الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم لعلي «ولا يحبّك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلاّ منافقٌ».
أخرجه الترمذي في صحيحه والنسائي في سننه، ومسند أحمد بن حنبل والبيهقي في سننه والطبري في ذخائر العقبى ـ وابن حجر في لسان الميزان ولكنّ البخاري رغم ثبوت هذا الحديث عنده والذي أخرجه مسلم ورجاله كلّهم ثقاة، لم يخرج هذا الحديث لأنّه فكّر ثم قدّر، بأنّ المسلمين سيعرفون نفاق كثير من الصّحابة ومن المقرّبين للرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.
بهذه الإشارة التي رسمها من لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحيٌ يوحى، كما أن الحديث في حدّ ذاته فضيلة كبرى لعلي وحده دون سائر الناس إذ به يفرق الحقّ من الباطل ويعرف الإيمان من النّفاق، فهو آية الله العظمى وحجّته الكبرى على هذه الأمة وهو الفتنة التي يختبر الله بها أمّة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم بعد نبيّها، ورغم أن النّفاق هو من الأسرار الباطنية التي لا يطّلع عليها إلاّ من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ولا يعرفها إلاّ علاّم الغيوب، فإنّ الله سبحانه تفضّلاً منه ورحمةً بهذه الأمّة وضع لها علامةً ليهلك من هلك عن بيّنة وينجو من نجا عن بينةٍ.
وأضرب لذلك مثالاً واحداً على ذكاء البخاري وفطنته من هذه النّاحية، ولذلك أعتقد شخصيّاً بأنّ أهل السنّة من الأسلاف فضّلوه وقدّموه لهذه الخاصيّة التي يمتاز بها على غيره، فهو يحاول جهده أن لا يتناقض بأحاديث تخالف مذهبه الذي اختاره وتبنّاه.
فقد أخرج في صحيحه من كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها باب هبة الرّجل لامرأته والمرأة لزوجها.
قال: أخبرني عبيد الله بن عبدالله قالت عائشة رضي الله عنها: لما ثقل النّبي صلّى الله عليه ,آله وسلّم فاشتدّ وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له فخرج بين رجلين تخطّ رجلاه الأرض وكان بين العبّاس وبين رجلٍ آخر. فقال عبيد الله فذكرت لابن عبّاس ما قالت عائشة، فقال لي وهل تدري من الرّجل الذي لم تسمّ عائشة؟ قلت: لا! قال: هو عليّ بن أبي طالب.
وهذا الحديث بالضبط أخرجه ابن سعد في طبقاته بمسند صحيح في جزئه الثاني في صفحة 29 وكذلك صاحب السيرة الحلبية وغيرهم من أصحاب السنن وفيه «إن عائشة لا تطيب له نفساً بخير».
والبخاري أسقط هذه الجملة التي يستفاد منها أنّ عائشة تبغض عليّاً ولا تطيق ذكر اسمه. ولكن فيما أخرجه كفاية ودلالة واضحة لمن له دراية بمعارض الكلم؛ وهل يخفى على أيّ باحث قرأ التاريخ ومحّصة بغض أم المؤمنين لسيّدها ومولاها(2 )علي بن أبي طالب حتّى أنها عندما وصل إليها خبر قتله سجدت شكراً لله. وعلى كل حال رحم الله أمّ المؤمنين وغفر لها كرامةً لزوجها. ونحن لا نضيّق رحمة الله التي وسعت كل شيء، وكان بودّنا لو لم تكن تلك الحروب والفتن والمآسي التي تسبّبت في تفريقنا وتشتيت شملنا وذهاب ريحنا حتى أصبحنا اليوم طعمة الآكلين وهدف المستعمرين وضحيّة الظّالمين، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(1) سنن ابن ماجة: 1/44. الجامع الصحيح للترمذي: 5/300. النسائي في الخصائص 20. مسند أحمد: 5/30. المناقب للخوارزمي: 79. تذكرة الخواص لابن الجوزي: 36. الصواعق المحرقة لابن حجر: 120.
(2) أخرج ابن حجر في الصواعق المحرقة: 107. قال اختصم أعرابيان إلى عمر فالتمس من علي القضاء بينهما، فقال أحدهما: هذا يقضي بيننا؟ فوثب إليه عمر وأخذ بتلاييبه، وقال: ويحك ما تدري من هذا؟ هذا مولاك ومولى كل مؤمن ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن.
</SPAN></SPAN></SPAN></SPAN></SPAN>
1 ـ أخرج مسلم في صحيحه في كتاب الحيض باب التيمم قال: جاء رجل إلى عمر فقال: إنّي أجنبت فلم أجد ماءً؟ فقال عمر: لا تصلّ فقال عمّار: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرّية فأجنبنا فلم نجد ماءً فأما أنت فلم تصلّ، وأما أنا فتمعّكت في التّراب وصلّيت فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: إنّما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفّيك، فقال عمر: إتّق الله يا عمّار! قال: إن شئت لم أحدّث به. وأخرج هذه الرّواية كلّ من أبي داود في سننه وأحمد بن حنبل في مسنده والنّسائي في سننه والبيهقي وابن ماجه أيضاً.
ولكنّ البخاري خان الأمانة أمانة نقل الحديث كما هو ومن أجل الحفاظ على كرامة عمر دلّس الحديث لأنه لم يعجبه أن يعرف النّاس جهل الخليفة بأبسط قواعد الفقه الإسلامي وإليك الرواية التي تصرّف فيها البخاري.
أخرج البخاري في صحيحه من كتاب التيمّم باب المتيمم هل ينفخ فيهما.
قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب، فقال: إنّي أجنبت فلم أصب الماء، فقال عمّار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر أنّا كنّا في سفرٍ أنا وأنت… الحديث.
وهو كما ترى حذف منه البخاري «فقال عمر: لا تصلّ» لأنها أربكت ولا شك البخاري فحذفها وتخلّص منها لئلا يكشف للنّاس عن مذهب عمر الذي كان يرتئيه في حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم واجتهاده مقابل نصوص القرآن والسنّة. وبقاءه على مذهبه هذا حتّى بعد ما أصبح أميراً للمؤمنين وأخذ ينشر مذهبه في أوساط المسلمين وقد قال ابن حجر: «هذا مذهب مشهور عن عمر» والدّليل على أنّه كان يشدّد على ذلك قول عمار له: إن شئت لم أحدّث به. فاقرأ وأعجب.
2 ـ أخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك من جزئه الثاني صفحة 514 وصحّحه الذهبي في تلخيصه.
عن أنس بن مالك قال: إن عمر بن الخطاب قرأ على المنبر قوله: فأنبتنا فيها حبّاً وعنباً وقضباً وزيتوناً ونخلاً وحدائق غلباً وفاكهة وأبّاً، قال: كل هذا عرفناه فما الأب، ثم قال: هذا لعمر الله هو التكلّف فما عليك أن لا تدري ما الأبُّ، اتبعوا ما بيّن لكم هداه من الكتاب فاعملوا به وما لم تعرفوه فكلوه إلى ربّه.
وهذه الرّواية قد نقلها أغلب المفسّرين في كتبهم وتفاسيرهم لسورة عبس كالسّيوطي في الدر المنثور والزمخشري في الكشاف، وابن كثير في تفسيره. والرّازي في تفسيره والخازن في تفسيره.
ولكنّ البخاري وكعادته حذف الحديث وأبتره لئلا يعرف النّاس جهل الخليفة بمعنى الأبّ فروى الحديث كالآتي.
أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه قول الله تعالى لا تسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم.
عن أنس بن مالك قال: كنّا عند عمر فقال: نهينا عن التكلّف. نعم هكذا يفعل البخاري بكل حديث يشمّ منه انتقاصاً من عمر فكيف يفهم القارىء من هذا الحديث المبتور حقيقة الأشياء فهو يستر جهل عمر بمعنى الأب ويقول فقط قال: نهينا عن التكلّف.
3 ـ أخرج ابن ماجة في سننه: 2/227 والحاكم في المستدرك: 2/59، وأبو داود في سننه: 2/402 والبيهقي في سننه: 6/264 وابن حجر في فتح الباري وغيرهم.
عن ابن عباس أنه قال: أتي عمر بمجنونة قد زنت فاستشار فيها أناساً فأمر بها أن ترجم، فمرّ بها علي بن أبي طالب فقال: ما شأنها؟ قالوا: مجنونة بني فلان زنت، فأمر بها عمر أن ترجم قال: ارجعوا بها ثم أتاه فقال: ألم تعلم أنّ القلم رفع عن المجنون حتّى يعقل، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصّبي حتّى يحتلم؟
فخلّى عنها عمر وقال: لولا عليّ لهلك عمر (ابن الجوزي في تذكرته ص75). ولكن البخاري أربكته هذه الرواية فكيف يعرف النّاس جهل عمر بأمور الحدود التي رسمها كتاب الله وبيّنها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فكيف يترأس على منصّة الخلافة من كانت هذه حاله، ثم كيف يذكر البخاري هذه الرواية وفيها فضيلة لعلي بن أبي طالب الذي كان يسهر على تعليمهم ما يجهلون، واعتراف عمر بقوله أنّه لولا علي لهلك عمر. فلننظر للبخاري كيف يحرّف الرواية ويدلّسها.
أخرج البخاري في صحيحه من كتاب المحاربين من أهل الكفر والردّة باب لا يرجم المجنون والمجنونة «قال البخاري بدون ذكر أي سند».
وقال علي لعمر أما علمت أنَّ القلم رفع عن المجنون حتّى يفيق وعن الصبيّ حتى يدرك وعن النائم حتى يستيقظ.
نعم هذا مثالٌ حيٌّ لتصرف البخاري في الأحاديث فهو يبتر الحديث إذا كان في فضيحة لعمر.
ويبتر الحديث أيضاً إذا كان فيه فضيلة أو منقبة للإمام علي فلا يطيق تخريجه.
4 ـ أخرج مسلم في صحيحه من كتاب الحدود باب حدّ شارب الخمر.
عن أنس بن مالك، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أُتي برجلٍ قد شرب الخمر، فجلده بجريدتين نحو أربعين، قال: وفعله أبو بكر، فلمّا كان عمر، استشار النّاس، فقال عبد الرحمن بن عوف: أخفّ الحدود ثمانين، فأمر به عمر.
والبخاري كعادته لا يريد إظهار جهل عمر بالحكم في الحدود وكيف يستشير النّاس في حدّ معلوم فعله رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثم فعله بعده أبو بكر.
أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الحدود باب ما جاء في ضرب شارب الخمر. عن أنس بن مالك أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ضرب في الخمر بالجريد والنّعال وجلد أبو بكر أربعين.
5 ـ أخرج المحدّثون والمؤرخون الذين أرّخوا مرضى النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ووفاته وكيف طلب منهم أن يكتب لهم كتاباً لن يضلّوا بعده أبداً وهو ما سمّي برزية يوم الخميس، وكيف أنّ عمر بن الخطّاب عارض وقال بأنّ رسول الله يهجر ـ والعياذ بالله ـ.
وقد أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الجهاد باب هل يستشفع إلى أهل الذمّة ومعاملتهم.
وأخرجه مسلم في صحيحه من كتاب الوصية باب ترك الوصيّة لمن ليس له شيء يوصي فيه.
عن ابن عبّاس رضي الله عنه، أنّه قال: يوم الخميس، وما يوم الخميس، ثم بكى حتّى خضب دمعه الحصباء، فقال: اشتدّ برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وجعه يوم الخميس، فقال: «ائتوني بكتاب، أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً» فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازعٌ، فقالوا: هجر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «دعوني فالذي أنا فيه خيرٌ مما تدعوني إليه» وأوصى عند موته بثلاث: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم» ونسيت الثالثة.
نعم هذه هي رزية يوم الخميس التي لعب فيها عمر دور البطولة فعارض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ومنعه أن يكتب وبتلك الكلمة الفاحشة التي تعارض كتاب الله ألا وهي أن النّبي يهجر والبخاري ومسلم نقلاها هنا بالعبارة الصحيحة التي نطق بها عمر ولم يبدِّلاها ما دام اسم عمر غير وارد ونسبة هذا القول الشنيع للمجهول لا يضرّ.
ولكن عندما يأتي اسم عمر في الرواية التي تذكر بأنّه هو الذي تلفّظ بها يصعب ذلك على البخاري ومسلم أن يتركاها على حالها لأنها تفضح الخليفة وتظهره على حقيقته العارية وتكشف عن مدى جرأته على مقام الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم والذي كان يعارضه طيلة حياته في أغلب القضايا وعرف البخاري ومسلم ومن كان على شاكلتهم بأنّ هذه الكلمة وحدها كافية لإثارة عواطف كل المسلمين حتّى أهل السنّة ضدّ الخليفة، فعمدوا إلى التّدليس، فهي مهنتهم المعروفة لمثل هذه القضايا وأبدلوا كلمة «يهجر» بكلمة «غلب عليه الوجع» ـ ليبعدوا بذلك تلك العبارة الفاحشة وإليك ما أخرجه البخاري ومسلم في نفس موضوع الرزية.
عن ابن عباس، قال: لما حضر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: هلّم أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده. فقال عمر: إنّ النبيّ قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم النّبي كتاباً لن تضلّوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلمّا أكثروا اللّغو والاختلاف عند النّبي قال لهم: قوموا ـ قال عبدالله بن مسعود ـ فكان ابن عباس يقول: إنّ الرزية كل الرّزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم(1) .
وبما أن مسلماً. أخذها عن أستاذه البخاري فنحن نقول للبخاري مهما هذّبت العبارة ومهما حاولت تغطية الحقائق فإنّ ما أخرجته كافٍ وهو حجةٌ عليك وعلى سيّدك عمر. لأن لفظ «يهجر» ومعناه يهذي ـ أو «قد غلب عليه الوجع» ـ تؤدّي إلى نفس النتيجة لأن المتمعّن يجد أنّ النّاس حتّى اليوم يقولون «مسكين فلان تغلّبت عليه الحمّى حتى أصبح يهذي».
1) صحيح البخاري كتاب المرضى باب قول المريض قوموا عني: 7/9. صحيح مسلم في كتاب الوصية باب ترد الوصي: 5/76.
وخصوصاً إذا أضفنا إليها كلامه «عندكم القرآن حسبنا كتاب الله))ومعنى ذلك أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم انتهى أمره وأصبح وجوده كالعدم.
وأنا أتحدّى كل عالم له ضمير أن يتمعّن فقط في هذه الواقعة بدون رواسب وبدون خلفيات فسوف تثور ثائرته على الخليفة الذي حرم الأمة من الهداية وكان سبباً مباشراً في ضلالتها.
6 ـ أضف إلى ذلك أن الإمام مسلم أخرج في صحيحه من كتاب الإيمان باب الدّليل على أنّ حب الأنصار وعليّ من الإيمان وعلاماته وبغضهم من علامات النّفاق.
عن عليّ قال: والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّه لعهد النبيّ الأمي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى أن لا يحبّني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق.
وأكّد المحدّثون وأصحاب السنن قول الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم لعلي «ولا يحبّك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلاّ منافقٌ».
أخرجه الترمذي في صحيحه والنسائي في سننه، ومسند أحمد بن حنبل والبيهقي في سننه والطبري في ذخائر العقبى ـ وابن حجر في لسان الميزان ولكنّ البخاري رغم ثبوت هذا الحديث عنده والذي أخرجه مسلم ورجاله كلّهم ثقاة، لم يخرج هذا الحديث لأنّه فكّر ثم قدّر، بأنّ المسلمين سيعرفون نفاق كثير من الصّحابة ومن المقرّبين للرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.
بهذه الإشارة التي رسمها من لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحيٌ يوحى، كما أن الحديث في حدّ ذاته فضيلة كبرى لعلي وحده دون سائر الناس إذ به يفرق الحقّ من الباطل ويعرف الإيمان من النّفاق، فهو آية الله العظمى وحجّته الكبرى على هذه الأمة وهو الفتنة التي يختبر الله بها أمّة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم بعد نبيّها، ورغم أن النّفاق هو من الأسرار الباطنية التي لا يطّلع عليها إلاّ من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ولا يعرفها إلاّ علاّم الغيوب، فإنّ الله سبحانه تفضّلاً منه ورحمةً بهذه الأمّة وضع لها علامةً ليهلك من هلك عن بيّنة وينجو من نجا عن بينةٍ.
وأضرب لذلك مثالاً واحداً على ذكاء البخاري وفطنته من هذه النّاحية، ولذلك أعتقد شخصيّاً بأنّ أهل السنّة من الأسلاف فضّلوه وقدّموه لهذه الخاصيّة التي يمتاز بها على غيره، فهو يحاول جهده أن لا يتناقض بأحاديث تخالف مذهبه الذي اختاره وتبنّاه.
فقد أخرج في صحيحه من كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها باب هبة الرّجل لامرأته والمرأة لزوجها.
قال: أخبرني عبيد الله بن عبدالله قالت عائشة رضي الله عنها: لما ثقل النّبي صلّى الله عليه ,آله وسلّم فاشتدّ وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له فخرج بين رجلين تخطّ رجلاه الأرض وكان بين العبّاس وبين رجلٍ آخر. فقال عبيد الله فذكرت لابن عبّاس ما قالت عائشة، فقال لي وهل تدري من الرّجل الذي لم تسمّ عائشة؟ قلت: لا! قال: هو عليّ بن أبي طالب.
وهذا الحديث بالضبط أخرجه ابن سعد في طبقاته بمسند صحيح في جزئه الثاني في صفحة 29 وكذلك صاحب السيرة الحلبية وغيرهم من أصحاب السنن وفيه «إن عائشة لا تطيب له نفساً بخير».
والبخاري أسقط هذه الجملة التي يستفاد منها أنّ عائشة تبغض عليّاً ولا تطيق ذكر اسمه. ولكن فيما أخرجه كفاية ودلالة واضحة لمن له دراية بمعارض الكلم؛ وهل يخفى على أيّ باحث قرأ التاريخ ومحّصة بغض أم المؤمنين لسيّدها ومولاها(2 )علي بن أبي طالب حتّى أنها عندما وصل إليها خبر قتله سجدت شكراً لله. وعلى كل حال رحم الله أمّ المؤمنين وغفر لها كرامةً لزوجها. ونحن لا نضيّق رحمة الله التي وسعت كل شيء، وكان بودّنا لو لم تكن تلك الحروب والفتن والمآسي التي تسبّبت في تفريقنا وتشتيت شملنا وذهاب ريحنا حتى أصبحنا اليوم طعمة الآكلين وهدف المستعمرين وضحيّة الظّالمين، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(1) سنن ابن ماجة: 1/44. الجامع الصحيح للترمذي: 5/300. النسائي في الخصائص 20. مسند أحمد: 5/30. المناقب للخوارزمي: 79. تذكرة الخواص لابن الجوزي: 36. الصواعق المحرقة لابن حجر: 120.
(2) أخرج ابن حجر في الصواعق المحرقة: 107. قال اختصم أعرابيان إلى عمر فالتمس من علي القضاء بينهما، فقال أحدهما: هذا يقضي بيننا؟ فوثب إليه عمر وأخذ بتلاييبه، وقال: ويحك ما تدري من هذا؟ هذا مولاك ومولى كل مؤمن ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن.
</SPAN></SPAN></SPAN></SPAN></SPAN>
تعليق