اجمع العلماء على استحباب زيارة القبور، والروايات الدالة على ذلك مستفيضة:
ونذكر هنا بعض الروايات الدالة على ذلك:
ففي جامع أحاديث الشيعة جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي - ج 3 - ص 528 - 533باب استحباب زيارة القبور وكيفية التسليم على أهلها والدعاء بالمأثور عندها وجملة من أحكامها:
1- الشهيد الثاني في رسالة الجمعة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال من زار قبر أبويه أو أحدهما في كل يوم جمعة غفر له وكتب برا
وقال بعض الصالحين ان الموتى يعلمون زوارهم يوم الجمعة ويوما قبله ويوما بعده
2- عن أحمد بن محمد الكوفي عن ابن جمهور عن أبيه عن محمد بن سنان عن مفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام وعن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم عن حرير عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام زوروا موتاكم فإنهم يفرحون بزيارتكم وليطلب أحدكم حاجته عند قبر أبيه وعند قبر أمه بما يدعو لهما
3- - القطب الراوندي في دعواته عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال من حق المؤمن على المؤمن المودة له في صدره إلى أن قال وإذا مات فالزيارة له إلى قبره.
4- العلل 151 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رض قال حدثنا عبد الله بن العباس العلوي قال حدثنا محمد بن عبد الله بن موسى بن عبد الله عن أبيه عن خاله زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله نهيتكم عن ثلاث نهيتكم عن زيارة القبور الا فزوروها.
5- العوالي بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه نهى عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث وعن زيارة القبور ثم قال بعد ذلك أن الناس يتحفون ضيفهم ويخبون لغائبهم فكلوا وامسكوا ما شئتم وكنت نهيتكم عن زيارة القبور الا فزوروها ولا تقولوا هجرا فإنه بدا لي ان يرق القلب.
6- القطب الراوندي في دعواته عن داود الرقي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام يقوم الرجل على قبر أبيه وقريبه وغير قريبه هل ينفعه ذلك قال نعم ان ذلك يدخل عليه كما يدخل على أحدكم الهدية يفرح بها .
7- علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري وجميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام في زيارة القبور قال إنهم يأنسون بكم فإذا غبتم عنهم استوحشوا.
8- عن محمد بن عبد الله الحميري عن أبيه عن أحمد بن محمد ابن أبي عبد الله البرقي عن الحسن بن علي الوشاء عن علي ابن أبي حمزة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام كيف نسلم على أهل القبور قال تقول السلام على أهل الديار من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات أنتم لنا فرط وانا بكم انشاء الله لاحقون .
9- عن أبيه وعلي بن الحسين رحمهما الله وغيرهما عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن هارون بن الجهم عن المفضل بن صالح عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال مر علي أمير المؤمنين عليه السلام على القبور فأخذ في الجادة ثم قال عن يمينه السلام عليكم يا أهل القبور من أهل القصور أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع انا انشاء الله بكم لاحقون ثم التفت عن يساره فقال السلام عليكم يا أهل القبور إلى آخره .
10- وجدت في كتاب محمد بن الحسين بن بندار القمي بخطه حدثني محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد بن يحيى قال كنت بفيد فقال لي محمد بن علي ابن غالب مر بنا إلى قبر محمد بن إسماعيل بن بزيع لنزوره فلما اتيناه جلس عند رأسه مستقبل القبلة والقبر امامه ثم قال أخبرني صاحب هذا القبر يعني محمد بن إسماعيل بن بزيع انه سمع أبا جعفر عليه السلام يقول من زار قبر أخيه المؤمن فجلس عند قبره واستقبل القبلة ووضع يده على القبر وقرء انا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرات امن من الفزع الأكبر
والروايات كثيرة ونرى ان نكتفي بما ذكرناه.
واما في طرق العامة
فقد استدل علمائهم على ذلك بما يلي:
أن زيارة الإنسان لمن له به صلة روحيةأو مادية، مما تشتاق إليه النفوس السليمة، بل هي من وحي الفطرة، ولأجل ذلك نرى أنالكتاب والسنة يدعمان أصل الزيارة بوجه خاص:
زيارة القبور في الكتاب الكريم
أما الكتاب فقوله سبحانه: (ولا تصل على أحد منهممات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون) سورة التوبة:الآية84
إن الآية تسعى لهدم شخصية المنافق، وهز العصا فيوجوه حزبه ونظرائه. والنهي عن هذين الأمرين بالنسبة إلى المنافق، معناه ومفهومهمطلوبية هذين الأمرين (الصلاة والقيام على القبر) بالنسبة لغيره أي للمؤمن.
والآن يجب أن ننظر في قوله تعالى: (ولا تقم علىقبره) ما معناه ؟
هل المعنى هو القيام وقت الدفن فقط، حيث لا يجوز ذلك للمنافق
ويستحب للمؤمن،
أو المعنى أعم من وقت الدفن وغيره
إن بعض المفسرين وإن خصوا القيام نفياً وإثباتاًبوقت الدفن لكن البعض الآخر فسروه في كلا المجالين بالأعم من وقت الدفن وغيره.
* قال السيوطي في تفسيره: ولا تقم على قبره لدفن
أو زيارة
** وقال الآلوسي البغدادي: ويفهم من كلام بعضهم أن
)على ) بمعنى (عند) والمراد: لا تقف عند قبره للدفن أو للزيارة
*** وقال الشيخ إسماعيل حقي البروسي: (ولا تقم علىقبره) أي ولا تقف عند قبره للدفن أو للزيارة والدعاء.
إلى غير ذلك من المفسرين، وقد سبقهم البيضاوي فيتفسيرهوالحق مع من أخذ بإطلاق الآية وإليك توضيحه:
إن الآية تتشكل من جملتين:
الأولى: قوله تعالى: (ولا تصل على أحد منهم مات أبداً)
إن لفظة (أحد) بحكم ورودها في سياق النفي تفيدالعموم والاستغراق لجميع الأفراد، ولفظة (أبداً) تفيد الاستغراق الزمني،
فيكونمعناها: لا تصل على أحد من المنافقين في أي وقت كان.
فمع الانتباه إلى هذين اللفظين نعرف - بوضوح -
أن المراد من النهي عن الصلاة على الميت المنافق ليس خصوص الصلاة على الميت عند
الدفن فقط، لأنها ليست قابلة للتكرار في أزمنة متعددة، ولو أريد ذلك لم تكن هناك
حاجة إلى لفظة (أبداً) بل المراد من الصلاة في الآية مطلق الدعاء والترحم سواء أكانعند الدفن أم غيره.
فإن قال قائل: إن لفظة (أبداً) تأكيد للاستغراقالافرادي لا الزماني
فالجواب بوجهين:
إن لفظة (أحد) أفادت الاستغراق والشمول لجميع
المنافقين بوضوح فلا حاجة للتأكيد.
إن لفظة (أبداً) تستعمل في اللغة العربية
للاستغراق الزماني، كما في قوله تعالى: (ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً)[سورةالأحزاب: الآية53]
فالنتيجة أن المقصود هو النهي عن الترحم على
المنافق وعن الاستغفار له، سواء أكان بالصلاة عليه عند الدفن أم بغيرها.
الثانية: (ولا تقم على قبره) إن مفهوم هذه الجملة - مع الانتباه إلى أنها معطوفة على الجملة السابقة - هو: (لا تقم على قبرأحد منهم مات أبداً) لأن كل ما ثبت للمعطوف عليه من القيد - أعني (أبداًً) - يثبت للمعطوف أيضاًَ، ففي هذه الحالة لا يمكن القول بأن المقصود من القيام على القبر هووقت الدفن فقط، لأن المفروض عدم إمكان تكرار القيام على القبر وقت الدفن، كما كان بالنسبة للصلاة، ولفظة (أبداً) المقدرة في هذه الجملة الثانية تفيد إمكانية تكرارهذا العمل، فهذا يدل على أن القيام على القبر لا يختص بوقت الدفن. وإن قال قائل: إن لفظة (أبداًَ)المقدرة في
الجملة الثانية معناها الاستغراق الافرادي.
قلنا: قد سبق الجواب عليه، وأن لفظة (أحد(للاستغراق الافرادي، لا لفظة (أبداً) فهي للاستغراق الزماني.
فيكون معنى الآية الكريمة: أن الله تعالى ينهى نبيه(صلى الله عليه وآله) عن مطلق الاستغفار والترحم على المنافق، سواء كان بالصلاةأو مطلق الدعاء، وينهى عن مطلق القيام على القبر، سواء كان عند الدفن أو بعده.
ومفهوم ذلك هو أن هذين الأمرين يجوزان للمؤمن.
بهذا يثبت جواز زيارة قبر المؤمن وجواز قراءةالقرآن على روحه، حتى بعد مئات السنين.
زيارة القبور في السنة النبوية
إن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) جسد بعمله مشروعية زيارة القبور- مضافاً إلى أنه أمر بها كما مر- وعلم كيفيتها وكيف يتكلم الإنسان مع الموتى،
فقد ورد في غير واحد من المصادر، أنه(صلى الله عليه وآله) زارالبقيع، وإليك النصوص:
1- روى مسلم عن عائشة أنها قالت: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) كلما كان ليلتها من رسول الله(صلى الله عليه وآله) يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون،
غداً مؤجلون وأنا إن شاء الله بكم لا حقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد
وعن عائشة في حديث طويل أن النبي(صلى الله عليه وآله) قال لها: (أتاني جبرئيل فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر
لهم)
قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: (قولي: السلام على أهل الديار من
المؤمنين والمسلمين، ورحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وأنا إن شاء الله بكم
لاحقون
وروى ابن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول: - فيرواية أبي بكر- (السلام على أهل الديار) وفي رواية زهير: (السلام عليكم أهل الديارمن المؤمنين والمسلمين وأنا إن شاء الله للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية(
عن ابن بريدة عن أبيه: قال رسول الله(صلىالله عليه وآله) (نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)
* وروي في كنز العمال الروايات التالية: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأنا إن شاء الله بكم لاحقون. ووددت أنّا قد أُرينا إخواننا
قالوا: أولسنا إخوانك؟ قال: بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد... إلخ
السلام عليكم يا أهل القبور من المؤمنين والمسلمين، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر
السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأنا وإياكم
متواعدون غداً ومتواكلون وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لأهل بقيع
الغرقد
السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم لنا فرط وإنا بكم لاحقون، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنّا بعدهم
إني نهيتكم عن زيارة القبور فزوروهابتذكيركم زيارتها خيراًنهيتكم عن ثلاث وأنا آمركم بهن؛ نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن في زيارتها تذكرة.إلى غير ذلك من الآثار النبوية الحاثّة على زيارة القبور.
فمن أراد التفصيل فليرجع إلى:
كنزالعمال
السيوطي، تفسير الجلالين: سورة التوبة في تفسيره الآية
الآلوسي البغدادي، روح
المعاني ج10:ص 155
البروسي، روح البيان ج3:ص
37
البيضاوي، أنوار التنزيل ج1:
ص416، طبعة دار الكتب العلمية - بيروت
مسلم، الصحيحج7:ص41
مسلم، الصحيح ج7: ص44 -
النسائي، السنن ج4: ص91.
مسلم الصحيح ج7: ص45.
مسلم، الصحيح 46:7 - الترمذي،
السنن 370:3 ح1054 - النسائي، السنن ج4:ص89.
مسلم، الصحيح، كتاب الطهارة،
باب استحباب إطالة الغرة، الحديث 249
علاء الدين، كنز العمال
ج15:ص248،الأحاديث 42561و42562. نفس المصدر.
علاء الدين، كنز العمالج15:ص248، الأحاديث 42563 و 42564 و42565. نفس المصدر.
ونذكر هنا بعض الروايات الدالة على ذلك:
ففي جامع أحاديث الشيعة جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي - ج 3 - ص 528 - 533باب استحباب زيارة القبور وكيفية التسليم على أهلها والدعاء بالمأثور عندها وجملة من أحكامها:
1- الشهيد الثاني في رسالة الجمعة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال من زار قبر أبويه أو أحدهما في كل يوم جمعة غفر له وكتب برا
وقال بعض الصالحين ان الموتى يعلمون زوارهم يوم الجمعة ويوما قبله ويوما بعده
2- عن أحمد بن محمد الكوفي عن ابن جمهور عن أبيه عن محمد بن سنان عن مفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام وعن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم عن حرير عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام زوروا موتاكم فإنهم يفرحون بزيارتكم وليطلب أحدكم حاجته عند قبر أبيه وعند قبر أمه بما يدعو لهما
3- - القطب الراوندي في دعواته عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال من حق المؤمن على المؤمن المودة له في صدره إلى أن قال وإذا مات فالزيارة له إلى قبره.
4- العلل 151 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رض قال حدثنا عبد الله بن العباس العلوي قال حدثنا محمد بن عبد الله بن موسى بن عبد الله عن أبيه عن خاله زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله نهيتكم عن ثلاث نهيتكم عن زيارة القبور الا فزوروها.
5- العوالي بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه نهى عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث وعن زيارة القبور ثم قال بعد ذلك أن الناس يتحفون ضيفهم ويخبون لغائبهم فكلوا وامسكوا ما شئتم وكنت نهيتكم عن زيارة القبور الا فزوروها ولا تقولوا هجرا فإنه بدا لي ان يرق القلب.
6- القطب الراوندي في دعواته عن داود الرقي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام يقوم الرجل على قبر أبيه وقريبه وغير قريبه هل ينفعه ذلك قال نعم ان ذلك يدخل عليه كما يدخل على أحدكم الهدية يفرح بها .
7- علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري وجميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام في زيارة القبور قال إنهم يأنسون بكم فإذا غبتم عنهم استوحشوا.
8- عن محمد بن عبد الله الحميري عن أبيه عن أحمد بن محمد ابن أبي عبد الله البرقي عن الحسن بن علي الوشاء عن علي ابن أبي حمزة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام كيف نسلم على أهل القبور قال تقول السلام على أهل الديار من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات أنتم لنا فرط وانا بكم انشاء الله لاحقون .
9- عن أبيه وعلي بن الحسين رحمهما الله وغيرهما عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن هارون بن الجهم عن المفضل بن صالح عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال مر علي أمير المؤمنين عليه السلام على القبور فأخذ في الجادة ثم قال عن يمينه السلام عليكم يا أهل القبور من أهل القصور أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع انا انشاء الله بكم لاحقون ثم التفت عن يساره فقال السلام عليكم يا أهل القبور إلى آخره .
10- وجدت في كتاب محمد بن الحسين بن بندار القمي بخطه حدثني محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد بن يحيى قال كنت بفيد فقال لي محمد بن علي ابن غالب مر بنا إلى قبر محمد بن إسماعيل بن بزيع لنزوره فلما اتيناه جلس عند رأسه مستقبل القبلة والقبر امامه ثم قال أخبرني صاحب هذا القبر يعني محمد بن إسماعيل بن بزيع انه سمع أبا جعفر عليه السلام يقول من زار قبر أخيه المؤمن فجلس عند قبره واستقبل القبلة ووضع يده على القبر وقرء انا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرات امن من الفزع الأكبر
والروايات كثيرة ونرى ان نكتفي بما ذكرناه.
واما في طرق العامة
فقد استدل علمائهم على ذلك بما يلي:
أن زيارة الإنسان لمن له به صلة روحيةأو مادية، مما تشتاق إليه النفوس السليمة، بل هي من وحي الفطرة، ولأجل ذلك نرى أنالكتاب والسنة يدعمان أصل الزيارة بوجه خاص:
زيارة القبور في الكتاب الكريم
أما الكتاب فقوله سبحانه: (ولا تصل على أحد منهممات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون) سورة التوبة:الآية84
إن الآية تسعى لهدم شخصية المنافق، وهز العصا فيوجوه حزبه ونظرائه. والنهي عن هذين الأمرين بالنسبة إلى المنافق، معناه ومفهومهمطلوبية هذين الأمرين (الصلاة والقيام على القبر) بالنسبة لغيره أي للمؤمن.
والآن يجب أن ننظر في قوله تعالى: (ولا تقم علىقبره) ما معناه ؟
هل المعنى هو القيام وقت الدفن فقط، حيث لا يجوز ذلك للمنافق
ويستحب للمؤمن،
أو المعنى أعم من وقت الدفن وغيره
إن بعض المفسرين وإن خصوا القيام نفياً وإثباتاًبوقت الدفن لكن البعض الآخر فسروه في كلا المجالين بالأعم من وقت الدفن وغيره.
* قال السيوطي في تفسيره: ولا تقم على قبره لدفن
أو زيارة
** وقال الآلوسي البغدادي: ويفهم من كلام بعضهم أن
)على ) بمعنى (عند) والمراد: لا تقف عند قبره للدفن أو للزيارة
*** وقال الشيخ إسماعيل حقي البروسي: (ولا تقم علىقبره) أي ولا تقف عند قبره للدفن أو للزيارة والدعاء.
إلى غير ذلك من المفسرين، وقد سبقهم البيضاوي فيتفسيرهوالحق مع من أخذ بإطلاق الآية وإليك توضيحه:
إن الآية تتشكل من جملتين:
الأولى: قوله تعالى: (ولا تصل على أحد منهم مات أبداً)
إن لفظة (أحد) بحكم ورودها في سياق النفي تفيدالعموم والاستغراق لجميع الأفراد، ولفظة (أبداً) تفيد الاستغراق الزمني،
فيكونمعناها: لا تصل على أحد من المنافقين في أي وقت كان.
فمع الانتباه إلى هذين اللفظين نعرف - بوضوح -
أن المراد من النهي عن الصلاة على الميت المنافق ليس خصوص الصلاة على الميت عند
الدفن فقط، لأنها ليست قابلة للتكرار في أزمنة متعددة، ولو أريد ذلك لم تكن هناك
حاجة إلى لفظة (أبداً) بل المراد من الصلاة في الآية مطلق الدعاء والترحم سواء أكانعند الدفن أم غيره.
فإن قال قائل: إن لفظة (أبداً) تأكيد للاستغراقالافرادي لا الزماني
فالجواب بوجهين:
إن لفظة (أحد) أفادت الاستغراق والشمول لجميع
المنافقين بوضوح فلا حاجة للتأكيد.
إن لفظة (أبداً) تستعمل في اللغة العربية
للاستغراق الزماني، كما في قوله تعالى: (ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً)[سورةالأحزاب: الآية53]
فالنتيجة أن المقصود هو النهي عن الترحم على
المنافق وعن الاستغفار له، سواء أكان بالصلاة عليه عند الدفن أم بغيرها.
الثانية: (ولا تقم على قبره) إن مفهوم هذه الجملة - مع الانتباه إلى أنها معطوفة على الجملة السابقة - هو: (لا تقم على قبرأحد منهم مات أبداً) لأن كل ما ثبت للمعطوف عليه من القيد - أعني (أبداًً) - يثبت للمعطوف أيضاًَ، ففي هذه الحالة لا يمكن القول بأن المقصود من القيام على القبر هووقت الدفن فقط، لأن المفروض عدم إمكان تكرار القيام على القبر وقت الدفن، كما كان بالنسبة للصلاة، ولفظة (أبداً) المقدرة في هذه الجملة الثانية تفيد إمكانية تكرارهذا العمل، فهذا يدل على أن القيام على القبر لا يختص بوقت الدفن. وإن قال قائل: إن لفظة (أبداًَ)المقدرة في
الجملة الثانية معناها الاستغراق الافرادي.
قلنا: قد سبق الجواب عليه، وأن لفظة (أحد(للاستغراق الافرادي، لا لفظة (أبداً) فهي للاستغراق الزماني.
فيكون معنى الآية الكريمة: أن الله تعالى ينهى نبيه(صلى الله عليه وآله) عن مطلق الاستغفار والترحم على المنافق، سواء كان بالصلاةأو مطلق الدعاء، وينهى عن مطلق القيام على القبر، سواء كان عند الدفن أو بعده.
ومفهوم ذلك هو أن هذين الأمرين يجوزان للمؤمن.
بهذا يثبت جواز زيارة قبر المؤمن وجواز قراءةالقرآن على روحه، حتى بعد مئات السنين.
زيارة القبور في السنة النبوية
إن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) جسد بعمله مشروعية زيارة القبور- مضافاً إلى أنه أمر بها كما مر- وعلم كيفيتها وكيف يتكلم الإنسان مع الموتى،
فقد ورد في غير واحد من المصادر، أنه(صلى الله عليه وآله) زارالبقيع، وإليك النصوص:
1- روى مسلم عن عائشة أنها قالت: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) كلما كان ليلتها من رسول الله(صلى الله عليه وآله) يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون،
غداً مؤجلون وأنا إن شاء الله بكم لا حقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد
وعن عائشة في حديث طويل أن النبي(صلى الله عليه وآله) قال لها: (أتاني جبرئيل فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر
لهم)
قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: (قولي: السلام على أهل الديار من
المؤمنين والمسلمين، ورحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وأنا إن شاء الله بكم
لاحقون
وروى ابن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول: - فيرواية أبي بكر- (السلام على أهل الديار) وفي رواية زهير: (السلام عليكم أهل الديارمن المؤمنين والمسلمين وأنا إن شاء الله للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية(
عن ابن بريدة عن أبيه: قال رسول الله(صلىالله عليه وآله) (نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)
* وروي في كنز العمال الروايات التالية: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأنا إن شاء الله بكم لاحقون. ووددت أنّا قد أُرينا إخواننا
قالوا: أولسنا إخوانك؟ قال: بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد... إلخ
السلام عليكم يا أهل القبور من المؤمنين والمسلمين، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر
السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأنا وإياكم
متواعدون غداً ومتواكلون وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لأهل بقيع
الغرقد
السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم لنا فرط وإنا بكم لاحقون، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنّا بعدهم
إني نهيتكم عن زيارة القبور فزوروهابتذكيركم زيارتها خيراًنهيتكم عن ثلاث وأنا آمركم بهن؛ نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن في زيارتها تذكرة.إلى غير ذلك من الآثار النبوية الحاثّة على زيارة القبور.
فمن أراد التفصيل فليرجع إلى:
كنزالعمال
السيوطي، تفسير الجلالين: سورة التوبة في تفسيره الآية
الآلوسي البغدادي، روح
المعاني ج10:ص 155
البروسي، روح البيان ج3:ص
37
البيضاوي، أنوار التنزيل ج1:
ص416، طبعة دار الكتب العلمية - بيروت
مسلم، الصحيحج7:ص41
مسلم، الصحيح ج7: ص44 -
النسائي، السنن ج4: ص91.
مسلم الصحيح ج7: ص45.
مسلم، الصحيح 46:7 - الترمذي،
السنن 370:3 ح1054 - النسائي، السنن ج4:ص89.
مسلم، الصحيح، كتاب الطهارة،
باب استحباب إطالة الغرة، الحديث 249
علاء الدين، كنز العمال
ج15:ص248،الأحاديث 42561و42562. نفس المصدر.
علاء الدين، كنز العمالج15:ص248، الأحاديث 42563 و 42564 و42565. نفس المصدر.
تعليق