بسم الله الرحمن الرحيم
لم يستوعب الناس في الاونة الاخيرة مسألة ظهور الامام المهدي عليه السلام فراح البعض يعلل تأخير الظهور الى ان العلامات لم تكتمل وان الامام ينتظر الامر الالهي . في الحقيقة لو دققنا بهذا الموضوع اكثر لوجدنا ان الله جعل عملية تأخير الظهور الى امور لا بد لنا من البحث فيها ولو بشكل مبسط : عندما نقرأ الاية الكريمة المباركة في سورة التوبة { يريدون ان يطفؤوا نور الله بأفواههم ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون } التوبة 32 . شبه الدين في هذه الاية المباركة وفي القران وتعاليم الاسلام بالنور ومن المتعارف عليه والذي تسالم عليه العقلاء ان النور اساس الحياة والحركة والنمو والعمران على الارض والمنشأ لكل شيء جميل , والاسلام دين يحرك كل مجتمع نحو التكامل وهو اساس كل خير وبركة .
والتشبيه الاخر هو محاولة الكافرين اطفاء هذا النور الذي هو الدين العظيم فقد شبه القران ان محاولاتهم اليائسة والغير مجدية للقضاء على الدين الحنيف تشويه سمعة الاسلام كالذي يريد ان يطفأ نور الله بأن ينفخ عليها فتنطفأ وهذا التعبير هو دليل على البلاغة القرانية لتجسيد هذه المحاولات اليائسة ولكن الله تجلت قدرته التي لايمتنع منها شيء , ابا الا ان يتم هذا النور حتى يعم الكرة الارضية ويكون عمودا متصلا بين الارض والسماء ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ويدخل الى عقولنا كزائر مفاجئ لماذا يريد الكافرون ان يطفؤوا هذا النور ؟ هل هو تحدي لقدرة الله على الخلق ام هو اختبار لله وهذا ما لايقبله عقل ؟!!! .
اذن المسألة ابعد من ذلك لأنه لو كان الفرض الاول لكان حقا على الله ان يرد على من يحاول ان يشكك في قدرته كما حدث مع بني اسرائيل عندما طلبوا ان يروا الله جهرة فرفع الطور من فوقهم اي - الجبل - . هذه المحاولات التي باءت بالفشل وسوف يكون دائما مصيرها الفشل انما هي عملية اخفاء الحقيقة وهي ظهور الامام المهدي عليه السلام , لاحظ ايها الموالي يريدون التشكيك بأدق القضايا العقائدية الا وهي الايمان المطلق بأن هذا النور هو الامام بقية الله في ارضه وهذا الفعل انما هو لجعل الناس يقعون في الحيرة والضلال والتيه في عالم مظلم تملئه الفتن والحروب والقلق والهلع والاضطراب , مع العلم يجب ان يكون المجتمع في حال غير هذا الحال لأننا الان مكلفون بالانتظار انتظار الفرج والروايات والاخبار الواردة بالسند المعتبر عند جميع المذاهب بل حتى عند الاديان الاخرى كل هذه الاخبار تؤكد على وجود مخلص لهذه البشرية من الظلم والقمع والاضطهاد , لذلك عملية الانتظار انما هي شكل من اشكال العبادة التي تمثل الطاعة لأوامر الباري جل وعلا نجده بتعبير الرسول الامجد المحمود الاحمد ابي القاسم محمد صلى الله عليه واله وسلم اذ يقول ( انتظار الفرج بالصبر والعبادة ) .
واذا اردنا ان نعرف حقيقة المنتظر وان نطبق حديث الرسول صلى الله عليه واله وسلم لابد من ان تتوفر الشروط التي يتحلى بها الانسان الصبور , فالمنتظر هو الذي يسعى على الدوام في تعديل سلوكه وتصحيح اعماله وتطبيقها على ضوء الشريعة الاسلامية تحسبا لظهور القائم عليه السلام الذي لاتنفع التوبة عند ظهوره فلا ينفع نفس ايمانها لم تكن امنت من قبل او كسبت في ايمانها خيرا .
وعليه فأن الانتظار هو القربة المطلقة لله تعالى كسائر العبادات بل هو افضل على ماجاء في الخبر الذي يرويه الشيخ الصدوق بسنده عن امير المؤمنين عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : ( افضل العبادة انتظار الفرج ) وقد جاءت هذه الافضلية لأن الانتظار صعب ومر مما يعني انه الصبر , هذا من جهة ومن جهة اخرى ان الانتظار هنا هو ترقب لنشر العدل بين الناس واشاعة الطمأنينة والامان بين العباد والذي سيكون على يد المخلص الاعظم القائم من ال محمد صلوات الله عليهم اجمعين وهذا يعني الايمان بهم ومحبتهم وموالاتهم والتي تم التأكيد عليها اكثر من سواها وهذا نجده في كلام الرسول صلى الله عليه واله وسلم : ( من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية ) .
وهناك اخبار تدل على ان الانتظار هو افضل الاعمال وهذا ما اكدته الروايات والاخبار المتعددة والكثيرة والتي وردت بألفاظ متوافقة ومختلفة وهذا يرويه الشيخ الصدوق بسنده عن رسول الله صلى اللاه عليه واله وسلم انه قال ( افضل اعمال امتي انتظار الفرج ) وايضا انه قال : ( افضل اعمال امتي انتظار الفرج من الله عز وجل ) وقد ورد عن الامام الجواد عليه السلام انه قال : ( افضل اعمال شيعتنا انتظار الفرج ) , لقد خصصت الروايات بأن افضل الاعمال بالكامل هو الانتظار للفرج اي لا يضاهيه اي عمل سوى مسألة واحدة هي المعرفة لأنها اساس الدين فقد جاء في الروايات عن الامام موسى بن جعفر عليه السلام انه قال : ( افضل العبادة بعد المعرفة انتظار الفرج ) .
اذن لماذا هذا التأكيد والتشديد في مسألة الانتظار حتى عد انتظار الفرج افضل من كل الاعمال الواجبة والمستحبة ! والانتظار هنا يشمل المفهوم العام والمفهوم الخاص . ان للأنتظار اثار عملية لها مصاديق على ارض الواقع ولها فوائد لاتعد ولا تحصى سواء قبل الظهور ام بعده , ان الانتظار في المجتمعات الاسلامية يدعو الى التحرك ويبعث في الانسان روح المسؤولية وهو في الحقيقة شيء موقظ للعقول بل يفتح طاقات وطاقات للانسان الذي يبحث عن ضالته الا وهي العدالة الكاملة , لذلك علينا ان نتجه الى النبع الصافي والمنهل العذب الذي اذا شربنا منه لا نرتوي لشدة العذوبة بل لأنه يزرع الطمأنينة والامان والحكمة والعلم فينا حتى ترى الواحد كأنه عالم من العلماء او فقيه من الفقهاء لأنه شرب وارتوى من حوض العلم الذي يشرف على الشرب منه امير المؤمنين عليه السلام نعم انه علم ال محمد الذي نحن متعطشين له بل العالم كله متعطش لهذا العلم .
نعم لقد ورد في الاخبار والروايات عن اهل بيت العصمة في مقامات المنتظرين للفرج اي المنتظرين لظهور الامام بقية الله في ارضه فقد ورد عن الامام الصادق عليه السلام انه سأل بعضهم : ( ما تقول في رجل موالي للأئمة عليهم السلام وينتظر ظهور حكومة الحق , ثم يموت وهو على هذا الحال ؟ فقال الامام الصادق عليه السلام : هو بمنزلة من كان مع القائم في فسطاسه ثم سكت هنيئة ثم قال هو كمن كان مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ) . وقد وردت روايات متعددة بتعابير مختلفة ولكنها تحمل في طياتها نفس المضمون فتارة تقول الرواية : انه - اي المنتظر - بمنزلة الضارب بسيفه في سبيل الله , وانه كمن قارع مع رسول الله بسيفه , وانه بمنزلة من كان قاعدا تحت لواء القائم , او انه بمنزلة المجاهد بين يدي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , او انه بمنزلة من استشهد مع رسول الله . وعشرات بل مئات من الروايات التي تتحدث عن الثواب العظيم لكل منتظر للفرج الذي سيكون على يد الامام المهدي عليه السلام , اذن لماذا هذا الثواب العظيم للمنتظرين للفرج , ماهو تكليفهم , ما هو عملهم , هل هو الجلوس في البيت ؟ ام البقاء على نفس العادات القديمة البالية في التعامل مع الناس الذين هم بحاجة الى من يعلمهم ويدلهم على كيفية التعامل مع بعضهم البعض في زمن الغيبة الذي ضاعت فيه كل المبادئ والقيم , فأذن نحن بحاجة الى تغيير وتوعية مبنية على اسس قيمة عالية حتى نكون في مجتمع وبيئة صالحة لكي نستطيع ان نربي ابنائنا كما امرنا الله وائمة الهدى والحق , فالمنتظرين او المنتظر ليس هو جليس البيت او مجموعة من الناس او الشباب تراهم مجتمعين ومنغلقين على انفسهم فلا يستطيع احد ان يسألهم سؤال واحد بل يتخذهم البعض قدوة ومثل اعلى فراحوا يخوضون في الرياء والسمعة من حيث لايشعرون بينما المجتمع بحاجة الى من يرشده ويدله الى طريق الهداية , ما الفائدة من العلم اذا اختصرته على نفسي او على مجموعة من الناس او على اولادي فقط , هل نسيت ان زكاة العلم نشره وآفة العلم النسيان اذا احتكرته على نفسك او على مجموعة من الناس الذين تشبهوا والعياذ بالله بالخوارج ويدعون انهم منتظرين للفرج .
ولا يكون المنتظر متهتكا فتراه يقول لك انا احب الامام وانا منتظر للفرج وان شاء الله نتوب !! ( ما هكذا تورد الابل ) اي توبة وهل انت ضامن ان تعيش لدقيقة بعد هذا الكلام , لذلك لا هذا ولا ذاك انما امر بين امرين فالمنتظرين للفرج هم الذين يعملون بما فرض الله عليهم من الفرائض والمستحبات , الذين يصلون ارحامهم , البارين بالوالدين , المتصدقون بالسر . المصلين باليل والناس نيام وفي النهار تجدهم يسعون في رزق عيالهم وتراهم اذا سمعوا اية من الذكر الحكيم ترى اعينهم تفيض من خشية الله واذا سمعوا ان هناك مريض فأنهم يزوروه واذا مات احد المؤمنين يحضرون جنازته , محضرهم محضر خير يصلحون بين الناس ولا يزرعون الفتنة بين البسطاء من اجل الرياء والسمعة . من طبق هذه الصفات كان في درجة المنتظرين لأن المنتظرين لهم صفات اعلى وادق , الا وهي الثبات على الولاية والبراءة من اعداء اهل البيت الحقيقيون لا المداهنة والمراوغة على حساب العقيدة والدين وهو الذي وجوده محمدي وبقائه حسيني الذي من اجله جعل الله الغيبة للامام وجعلها من مكنون سر الله ومخزون علمه على تعبير رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , لذلك يجب ان يكون المنتظرين من اخلص الناس لله ولأنفسهم وبذلك تكون عقيدتهم عزيزة وايمانهم راسخ وهذا هو الامتحان والاختبار وهذا مانجده في الاخبار والروايات فقد ورد عن راهب بني هاشم صاحب الدمعة الغزيرة والسجدة الطويلة حليف السجون والمطامير الامام موسى بن جعفر عليه السلام انه قال : ( طوبى لشيعتنا المتمسكين بحبلنا وفي غيبة قائمنا الثابتين على موالاتنا والبراءة من اعدائنا اولئك منا ونحن منهم قد رضوا بنا ائمة ورضينا بهم شيعة فطوبى لهم وهم والله معنا في الجنة ) ويبقى هؤلاء المؤمنون في زمن الغيبة بأنتظار اليوم الموعود حيث ترى الحكمة الالهية , ان الوفت المناسب قد حان لتنفيذ الوعد الالهي فيأذن للأمام المنتظر لكي يملئ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا , ويطول بالمؤمنين الانتظار فما هذا اليوم بمحدود ولا معلوم الا في علم الله عز وجل ومن ثم يتمتعون خاشعين بقلوب يعمرها الايمان بالله والثقة بوعده . ( اللهم انا نرغب اليك في دولة كريمة تعز بها الاسلام واهله وتذل بها النفاق واهله وتجعلنا فيها من الدعاة الى طاعتك والقادة الى سبيلك وترزقنا فيها كرامة الدنيا والاخرة )