أخذت حبة فاليوم ووضعت القطن في أُذنيًّ بعد انفجار السيارة الثالثة في يوم واحد بالمنطقة التي اسكن فيها. ورحت أغط في نوم عميق، فرأيت شيخا بلحية بيضاء يتكلم بالفصحى ببلاغة وطلاقة يزيدانه وقارا. نظر إليّ مشفقا وسألني :
*أراك مهمومايا ولدي...قل لي ما بك فأنا جدك.
شعرت بالحاجة إلى أن ألقي بنفسي في حضنه، فسبقني إلى ذلك وعاد يسألني :
*ما بك يا بنيّ ؟
-لست أنا بل بغداد يا جدي. فحالها خراب... لا أهل ولا أحباب، أهانها أراذل الناس وأذلّها الأغراب،...
وقاطعني :
*إن الذي تعيشونه الآن يا بني قد لا يساوي شيئا من الذي عشناه.
وعذرت جدي أنه لم يعرف بالذي أصابنا من ثلاثة حروب مجنونة، ولا بما فعلته بنا الشبح والتورنيدو وبي 52 وصواريخ كروزو من رعب ودمار. ولا سمع بما تفعله بنا السيارات المفخخة والعبوات والأحزمة الناسفة للبشر، والقتل في الجوامع والبيوت والشوارع. وتابع يقول :
*في عهد الأمين يا بني، أحاط ببغداد جيشان مهولان وحوصرت لثمانية عشر شهرا.ونُصبت المجانيق. وكثُر فيها سفك الدماء والتهديم والتحريق. وظهر فيها الشُطّار والعّيارون والزّعار والدّعار والحرافيش، يسلبون وينهبون...
ضحكت وقلت :
-الآن فهمت. هذا يعني أن لهم أجدادا !
*من تقصد يا بني ؟
-الحواسم يا جدي.
* صحيح. لكنك قد لا تدري أن شعار عياريّ أيام زمان أمثال الزيبق والطقطقي كان ( الثورة على السلطة وأصحاب المال ). وأنهم كانوا يشكّلون بطولة خارج القانون، وأصحاب مرؤة وليس مثل حواسمكم ينهبون الوطن والناس ويهتكون اعراض العذارى.
وخجلت أن أقول له أن بعد الحواسم ظهرت جماعة اسمها ( النوادم ) ندموا، بعد ما رأوا، أنهم ما كانوا من الحواسم. وتابع يقول :
*ولمئة سنة، رأينا جهنم بأعيننا. فعندما وجد الخليفة ( المستعين ) أن أهل بغداد لا ينتهون من فتنة إلا إلى أخرى أراد الانتقال منها إلى سامراء فحاصروه. وفرّ بعد سنة فوقع أسيرا بيد أعدائه، فاستنزلوه عن الخلافة... وقتلوه !.وساد العراق هرج ومرج.
وعلّقت قائلا :
-وطبعا سلب ونهب وفرهود وعيّارون وحواسم.
*أما أمر هولاكو فمعروف لديكم كيف استباح بغداد ولم يسلم لحم شيوخها ونسائها وأطفالها من سيوف جنده. ولكنكم قد لا تعرفون أن بغداد حكمها ثلاثة عشر ملكا من أحفاده، كان من أواخرهم ( أرغون )... سفّاح طاغية أرهق أهل بغداد عسرا وأوسعهم ظلما. ولا تعلمون أن في أواخر حكمهم حدث غلاء في بغداد اضطر أهلها إلى أكل الجيف، وباع الفقراء أطفالهم ليشتروا بأثمانهم خبزا. وقد لا تعلمون أن تيمورلنك عندما غزا بغداد استحلها واستباح أهلها أسبوعا كاملا اقترف فيها جنده من المنكرات ما لا تصدقه عقولكم. وقد لا تعلمون أن جاهنشاه حاصر بغداد سنة ونصف، وأن ابنه –حاكمها وعدّوه – نهب ما عند أهلها ثم طردهم خارج سورها. واظنكم لم تسمعوا بـ ( البريدي ) الذي اضطر الخليفة إلى أن يهرب من بغداد إلى الموصل، ويحتل بغداد ليذيق أهلها من العسف والنهب والتدمير وهتك الحرمات...
وأيقظني صوت مدفع هاون مع الفجر، فطار كل ما بقي من الحلم إلا سؤال واحد :
لماذا، لألف عام، يحصل هذا لبغداد ؟!.
الاستاذ الدكتور
قاسم حسين صالح
رئيس الجمعية النفسية العراقية
*أراك مهمومايا ولدي...قل لي ما بك فأنا جدك.
شعرت بالحاجة إلى أن ألقي بنفسي في حضنه، فسبقني إلى ذلك وعاد يسألني :
*ما بك يا بنيّ ؟
-لست أنا بل بغداد يا جدي. فحالها خراب... لا أهل ولا أحباب، أهانها أراذل الناس وأذلّها الأغراب،...
وقاطعني :
*إن الذي تعيشونه الآن يا بني قد لا يساوي شيئا من الذي عشناه.
وعذرت جدي أنه لم يعرف بالذي أصابنا من ثلاثة حروب مجنونة، ولا بما فعلته بنا الشبح والتورنيدو وبي 52 وصواريخ كروزو من رعب ودمار. ولا سمع بما تفعله بنا السيارات المفخخة والعبوات والأحزمة الناسفة للبشر، والقتل في الجوامع والبيوت والشوارع. وتابع يقول :
*في عهد الأمين يا بني، أحاط ببغداد جيشان مهولان وحوصرت لثمانية عشر شهرا.ونُصبت المجانيق. وكثُر فيها سفك الدماء والتهديم والتحريق. وظهر فيها الشُطّار والعّيارون والزّعار والدّعار والحرافيش، يسلبون وينهبون...
ضحكت وقلت :
-الآن فهمت. هذا يعني أن لهم أجدادا !
*من تقصد يا بني ؟
-الحواسم يا جدي.
* صحيح. لكنك قد لا تدري أن شعار عياريّ أيام زمان أمثال الزيبق والطقطقي كان ( الثورة على السلطة وأصحاب المال ). وأنهم كانوا يشكّلون بطولة خارج القانون، وأصحاب مرؤة وليس مثل حواسمكم ينهبون الوطن والناس ويهتكون اعراض العذارى.
وخجلت أن أقول له أن بعد الحواسم ظهرت جماعة اسمها ( النوادم ) ندموا، بعد ما رأوا، أنهم ما كانوا من الحواسم. وتابع يقول :
*ولمئة سنة، رأينا جهنم بأعيننا. فعندما وجد الخليفة ( المستعين ) أن أهل بغداد لا ينتهون من فتنة إلا إلى أخرى أراد الانتقال منها إلى سامراء فحاصروه. وفرّ بعد سنة فوقع أسيرا بيد أعدائه، فاستنزلوه عن الخلافة... وقتلوه !.وساد العراق هرج ومرج.
وعلّقت قائلا :
-وطبعا سلب ونهب وفرهود وعيّارون وحواسم.
*أما أمر هولاكو فمعروف لديكم كيف استباح بغداد ولم يسلم لحم شيوخها ونسائها وأطفالها من سيوف جنده. ولكنكم قد لا تعرفون أن بغداد حكمها ثلاثة عشر ملكا من أحفاده، كان من أواخرهم ( أرغون )... سفّاح طاغية أرهق أهل بغداد عسرا وأوسعهم ظلما. ولا تعلمون أن في أواخر حكمهم حدث غلاء في بغداد اضطر أهلها إلى أكل الجيف، وباع الفقراء أطفالهم ليشتروا بأثمانهم خبزا. وقد لا تعلمون أن تيمورلنك عندما غزا بغداد استحلها واستباح أهلها أسبوعا كاملا اقترف فيها جنده من المنكرات ما لا تصدقه عقولكم. وقد لا تعلمون أن جاهنشاه حاصر بغداد سنة ونصف، وأن ابنه –حاكمها وعدّوه – نهب ما عند أهلها ثم طردهم خارج سورها. واظنكم لم تسمعوا بـ ( البريدي ) الذي اضطر الخليفة إلى أن يهرب من بغداد إلى الموصل، ويحتل بغداد ليذيق أهلها من العسف والنهب والتدمير وهتك الحرمات...
وأيقظني صوت مدفع هاون مع الفجر، فطار كل ما بقي من الحلم إلا سؤال واحد :
لماذا، لألف عام، يحصل هذا لبغداد ؟!.
الاستاذ الدكتور
قاسم حسين صالح
رئيس الجمعية النفسية العراقية