بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد
الأخ فارس هذا بعض ما وجدته لك (( قضية المصلح المنتظر(عليه السلام):
ولسنا في هذه المحاولة، إلا أمام القضية الأخيرة، وهي قضية المصلح المنتظر (عليه السلام)، التي تعبر عن إحدى المعادلات الثابتة، لأنها تتعلق بإحدى الغرائز المتأصلة في البر.
فالبشر - بمقتضى تركيبته الخاصة - ﻻ يستقيم على طريقة، بغض النظر عن هوية الطريقة، فلا يبقى على الحق، ولا يدوم على الباطل، ولا يواصل الخير، ولا يستمر على الشر، ويكره الديمومة على شيء، مهما كانت حقيقة ذلك الشيء، وإنما يفضل التأرجح بين الأضداد، فالشجرة تدأب في منهجها ابتداءً من انطلاقها من النواة حتى نهايتها بلا تمزق بين المناهج، والجبل يواصل برنامجه منذ نشوئه حتى انتهاء عمره الطبيعي بلا تبعثر بين البرامج، والنجمة تنفّذ خطّتها من ميلادها حتى وفاتها بدون أدنى انزلاق، والنحلة تؤدي كل واجباتها حتى تسقط ضحية في مسيرة الواجب بلا تردد، ولكنه الإنسان، الذي ﻻ يستطيع توظيب حياته في خط (.. فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين).
ولعل غريزة التأرجح بين الأضداد - أو غريزة التطور - وكّلت بالإنسان لتقليبه في المعادلات المختلفة، حتى تكشف كل مخابئه. وتنمي كل ما في أعماقه من نوايا وركائز، فتحقق بذلك هدفاً من أهداف الحياة. وهو تجربة الإنسان (وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً لنفتنهم فيه). [سورة الجن: الآية 15 - 16].
فاستجابة لهذه الغريزة نجد الإنسان دائم الاندفاع بين أقطاب الإغراء الكثيرة المتنوعة، فهو يجب الشيء ويتدفق نحوه بلهفة حتى إذا تشبع منه أعرض عنه واتجه نحو ضده بشدة.
- مثلاً: إنه يجب السفر، فيواصله حتى يجوب الأقطار التي كان يفكر فيها، ثم يخلد إلى مدينة فلا يخرج منها مدى سنوات، ثم يبدأ من جديد رحلات واسعة.
- مثلاً: قد ترى إنساناً محافظاً ﻻ تذكر له هفوات، ثم تجده ينفلت بعشوائية، وبعد حين يعاود سيرته الأولى.
- مثلاً: قد يظهر جيل محارب يتتبع الخلافات البسيطة، فيتمسك بها لإشعال الفتن والحروب، يعقبه جيل مسالم يتنازل عن أغلى ما لديه هروباً من المواجهة المسلحة.
- مثلاً: قد يقبل الناس على الأدب أو المسرح أو الرسم، حتى يقدّمونه على الخبز والماء، ثم يعرضون عنه حتى يفلس تجّاره.
وهكذا الدين، قد يظهر نبيّ أو إمام يحرك فطرة الناس في اتجاه الدين فيتهافتون على جوامعه ومجامعه باندفاع مخيف، ثم تتوتر الفطرة فيهم فيتجاهلون كل شيء منه بحيث يتحير دعاته. ويتساقطون تحت تيار الإلحاد، ولا يأخذ التيار مداه، حتى يبدأ بالانحسار، ويتوب الناس إلى رشدهم في اتجاه الدين من جديد، وكأنّه يطرح عليهم لأول مرة، ولم يطرح عليهم لأول مرة، وإنما هي دورة البشر الذي ﻻ يطيق السير على خط واحد.
ولهذا كلما ظهر نبي أو إمام، واستطاع أن يعلي كلمة الدين - عرف أن ثورته تستهلك بعده، وأن خلفائه يعانون الثورة المعاكسة - فيبشرهم بأن الردة لن تكون القاضية، وأن المطاف الأخير سيكون لدينه. وأن الله سيظهر من يجدده، ويقود الناس إلى الصراط المستقيم.
فما من نبي إلا وبشر بمصلح عالي الصوت، شديد الوطء، يحرك التيار، وأمر الناس بالصبر عبر الخريف، وانتظار ذلك المصلح، والالتفات حوله إذا أدركوه.
لقد بشر نوح بإبراهيم، وبشر إبراهيم بموسى، وبشر موسى بعيسى، وبشر عيسى بمحمد، وبشر محمد بظهور المهدي ونزول المسيح، عليهم الصلاة والسلام.
فما ظهر دين إلا وطرح فكرة المصلح المنتظر، والديانات الحية اليوم كلها تهيئ لمصلح منتظر وإن اختلفت الأسماء، فاليهودية تبشر بالمسيح، والمسيحية تبشر بأحمد، والإسلام يبشر بالمهدي.
معطيات الفكرة:
وإذا أغمضنا النظر عن الأسماء نجد أن فكرة المصلح المنتظر تعني:
1- واقعية الأديان في استيعاب المستقبل، وفي استيعاب دورة البشر في الاتجاه نحو الدين والانحراف عنه، وفي الأخبار عن هذه الدورة.
2- تطمين المبشرين بأن لهم المطاف الأخير، حتى ﻻ ييأسوا مهما ارتفعت درجة معاناتهم، ومهما استبدت الثورة المعاكسة بالأجواء.
3- تيئيس العاملين ضد الدين وضد المبشرين به، من نجاحهم في العمل ضد الدين، فإذا استطاعوا أن يهرجوا يوماً أو أياماً، فلا يعني ذلك أنهم أضحوا سادة الموقف، فالدين هو الخط الصحي العام، والانفلات فوضى لن تدوم.
4- تهيئة المؤمنين بالدين لاستقبال المصلح المنتظر، حتى يظلوا متأهبين له، وتأهبهم له يساوي إبقائهم موفوري القوى، وهذا يخدمهم قبل أن يخدم المصلح المنتظر، لأنهم ﻻ يؤخذون على حين غرة من قبل أعدائهم، ولا يجمدهم الخمول، فهم - دائماً - تحت الإنذار، يراقبون الأجواء بلهفة وحذر.
5- تمهيد الأرضية الصالحة للمصلح المنتظر، حتى إذا انتفض ﻻ يجد نفسه غريباً يبني ابتداءً من الحجر الأساس، وإنما يجد نفسه يرفع البناء على أساس من سبقه. وهكذا كان، فلم يبعث نبي إلا وجد من ينتظره ، ويسعى إليه من أقاصي الدنيا بهيام عميق. وهذه الظاهرة مما أوفدت أخوة الأنبياء، فكل واحد منهم كان مبشراً به من قبل السابقين عليه، فيصدق السابقين عليه ويبشر اللاحقين به، ويقوم بدور الحلقة الواحدة في المسلسل البعيد الطرفين. وليس الإمام المهدي المنتظر إلا حلقة في هذا المسلسل من المبشرين بهم والمبشرين بغيرهم. )))
سأتواصل معكم أن شاء الله
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد
الأخ فارس هذا بعض ما وجدته لك (( قضية المصلح المنتظر(عليه السلام):
ولسنا في هذه المحاولة، إلا أمام القضية الأخيرة، وهي قضية المصلح المنتظر (عليه السلام)، التي تعبر عن إحدى المعادلات الثابتة، لأنها تتعلق بإحدى الغرائز المتأصلة في البر.
فالبشر - بمقتضى تركيبته الخاصة - ﻻ يستقيم على طريقة، بغض النظر عن هوية الطريقة، فلا يبقى على الحق، ولا يدوم على الباطل، ولا يواصل الخير، ولا يستمر على الشر، ويكره الديمومة على شيء، مهما كانت حقيقة ذلك الشيء، وإنما يفضل التأرجح بين الأضداد، فالشجرة تدأب في منهجها ابتداءً من انطلاقها من النواة حتى نهايتها بلا تمزق بين المناهج، والجبل يواصل برنامجه منذ نشوئه حتى انتهاء عمره الطبيعي بلا تبعثر بين البرامج، والنجمة تنفّذ خطّتها من ميلادها حتى وفاتها بدون أدنى انزلاق، والنحلة تؤدي كل واجباتها حتى تسقط ضحية في مسيرة الواجب بلا تردد، ولكنه الإنسان، الذي ﻻ يستطيع توظيب حياته في خط (.. فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين).
ولعل غريزة التأرجح بين الأضداد - أو غريزة التطور - وكّلت بالإنسان لتقليبه في المعادلات المختلفة، حتى تكشف كل مخابئه. وتنمي كل ما في أعماقه من نوايا وركائز، فتحقق بذلك هدفاً من أهداف الحياة. وهو تجربة الإنسان (وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً لنفتنهم فيه). [سورة الجن: الآية 15 - 16].
فاستجابة لهذه الغريزة نجد الإنسان دائم الاندفاع بين أقطاب الإغراء الكثيرة المتنوعة، فهو يجب الشيء ويتدفق نحوه بلهفة حتى إذا تشبع منه أعرض عنه واتجه نحو ضده بشدة.
- مثلاً: إنه يجب السفر، فيواصله حتى يجوب الأقطار التي كان يفكر فيها، ثم يخلد إلى مدينة فلا يخرج منها مدى سنوات، ثم يبدأ من جديد رحلات واسعة.
- مثلاً: قد ترى إنساناً محافظاً ﻻ تذكر له هفوات، ثم تجده ينفلت بعشوائية، وبعد حين يعاود سيرته الأولى.
- مثلاً: قد يظهر جيل محارب يتتبع الخلافات البسيطة، فيتمسك بها لإشعال الفتن والحروب، يعقبه جيل مسالم يتنازل عن أغلى ما لديه هروباً من المواجهة المسلحة.
- مثلاً: قد يقبل الناس على الأدب أو المسرح أو الرسم، حتى يقدّمونه على الخبز والماء، ثم يعرضون عنه حتى يفلس تجّاره.
وهكذا الدين، قد يظهر نبيّ أو إمام يحرك فطرة الناس في اتجاه الدين فيتهافتون على جوامعه ومجامعه باندفاع مخيف، ثم تتوتر الفطرة فيهم فيتجاهلون كل شيء منه بحيث يتحير دعاته. ويتساقطون تحت تيار الإلحاد، ولا يأخذ التيار مداه، حتى يبدأ بالانحسار، ويتوب الناس إلى رشدهم في اتجاه الدين من جديد، وكأنّه يطرح عليهم لأول مرة، ولم يطرح عليهم لأول مرة، وإنما هي دورة البشر الذي ﻻ يطيق السير على خط واحد.
ولهذا كلما ظهر نبي أو إمام، واستطاع أن يعلي كلمة الدين - عرف أن ثورته تستهلك بعده، وأن خلفائه يعانون الثورة المعاكسة - فيبشرهم بأن الردة لن تكون القاضية، وأن المطاف الأخير سيكون لدينه. وأن الله سيظهر من يجدده، ويقود الناس إلى الصراط المستقيم.
فما من نبي إلا وبشر بمصلح عالي الصوت، شديد الوطء، يحرك التيار، وأمر الناس بالصبر عبر الخريف، وانتظار ذلك المصلح، والالتفات حوله إذا أدركوه.
لقد بشر نوح بإبراهيم، وبشر إبراهيم بموسى، وبشر موسى بعيسى، وبشر عيسى بمحمد، وبشر محمد بظهور المهدي ونزول المسيح، عليهم الصلاة والسلام.
فما ظهر دين إلا وطرح فكرة المصلح المنتظر، والديانات الحية اليوم كلها تهيئ لمصلح منتظر وإن اختلفت الأسماء، فاليهودية تبشر بالمسيح، والمسيحية تبشر بأحمد، والإسلام يبشر بالمهدي.
معطيات الفكرة:
وإذا أغمضنا النظر عن الأسماء نجد أن فكرة المصلح المنتظر تعني:
1- واقعية الأديان في استيعاب المستقبل، وفي استيعاب دورة البشر في الاتجاه نحو الدين والانحراف عنه، وفي الأخبار عن هذه الدورة.
2- تطمين المبشرين بأن لهم المطاف الأخير، حتى ﻻ ييأسوا مهما ارتفعت درجة معاناتهم، ومهما استبدت الثورة المعاكسة بالأجواء.
3- تيئيس العاملين ضد الدين وضد المبشرين به، من نجاحهم في العمل ضد الدين، فإذا استطاعوا أن يهرجوا يوماً أو أياماً، فلا يعني ذلك أنهم أضحوا سادة الموقف، فالدين هو الخط الصحي العام، والانفلات فوضى لن تدوم.
4- تهيئة المؤمنين بالدين لاستقبال المصلح المنتظر، حتى يظلوا متأهبين له، وتأهبهم له يساوي إبقائهم موفوري القوى، وهذا يخدمهم قبل أن يخدم المصلح المنتظر، لأنهم ﻻ يؤخذون على حين غرة من قبل أعدائهم، ولا يجمدهم الخمول، فهم - دائماً - تحت الإنذار، يراقبون الأجواء بلهفة وحذر.
5- تمهيد الأرضية الصالحة للمصلح المنتظر، حتى إذا انتفض ﻻ يجد نفسه غريباً يبني ابتداءً من الحجر الأساس، وإنما يجد نفسه يرفع البناء على أساس من سبقه. وهكذا كان، فلم يبعث نبي إلا وجد من ينتظره ، ويسعى إليه من أقاصي الدنيا بهيام عميق. وهذه الظاهرة مما أوفدت أخوة الأنبياء، فكل واحد منهم كان مبشراً به من قبل السابقين عليه، فيصدق السابقين عليه ويبشر اللاحقين به، ويقوم بدور الحلقة الواحدة في المسلسل البعيد الطرفين. وليس الإمام المهدي المنتظر إلا حلقة في هذا المسلسل من المبشرين بهم والمبشرين بغيرهم. )))
سأتواصل معكم أن شاء الله
تعليق