كيف يسقط الدكتاتور ولماذا؟
وأما السؤال الثالث وهو لماذا وكيف يسقط الدكتاتور؟
فالجواب إن الحكم الدكتاتوري لا يمكن أن يبقى، لأنه مبني على الإرهاب، والإرهاب لا يمكن أن يدوم، وقد قال الحكماء قديماً: (القسر لا يدوم) والإرهاب ملازم للقسر لأن الإنسان يتطلب السلم والأمان، والإرهاب خلاف السلم والأمان، ولذا تنبأ العقلاء في الخمسينات وقبلها بسقوط الشيوعية وهاهي قد سقطت في أرجاء من العالم من ناحية، وفي الصين من ناحية ثانية، وهي تترنح للسقوط في الاتحاد السوفيتي، كما أن العقلاء - حتى من نفس اليهود - تنبأوا بسقوط دولة إسرائيل المغتصبة لأنها بنيت على غير السلام وهاهي بوادر السقوط تظهر للعيان وفي المثل: (إن السياسي يتمكن أن يخدع بعض الناس في بعض الوقت لكنه لا يتمكن خداع كلهم في كل الوقت - بل حتى في بعض الوقت -).
تسريع عملية السقوط
نعم إذا وجدت الحركة المنحرفة - دولة كانت أو غيرها - المقاومة الملائمة السريعة - سواء من الداخل أو من الخارج - سقطت بسرعة، وإلا سقطت ببطء فالفرق هو في الزمان لا في النتيجة.
وكثيراً ما يطوِّل عمر الانحراف زعم الناس أن الانحراف لو سقط يخلفه انحراف أكثر، وقد رأينا في العراق أن الحكم القاسمي كان يستمد حياته من توهم أن الزعيم لو سقط تبدل الأمر إلى أسوأ، وكذلك بقي شعب ألمانيا وإيطاليا مع هتلر وموسيليني بزعم أنهما أفضل من الشيوعية التي ستخلفها لا محالة إذا سقطا، فإذا تمكن المصلحون من إبعاد هذا الزعم من العقول كان سقوط الدكتاتور أسرع.
ماذا بعد سقوط الدكتاتور؟
ومن الأسئلة الثلاثة المتقدمة ظهر الجواب عن السؤال الرابع، فإن من يخلف الدكتاتور هو دكتاتور آخر، إذا بقيت الجماهير في جهلها وعدم مبالاتها، أما إذا تحول جهل الجماهير إلى العلم وعرفوا من أين أتت المشكلة وكيف يمكن علاجها؟ فإنهم لا يدعون دكتاتوراً آخر يأتي مكان الدكتاتور السابق.
ضرورة طرح البديل
ومن هنا فإذا اهتم الناس في بلد دكتاتوري لإسقاط الدكتاتور بدون أن يكون لهم منهج للحكم القائم مقامه أو كان لهم منهج لكن المنهج لم يكن واضحاً في بنوده وخصوصياته فإنهم يقعون مرة ثانية وثالثة ورابعة فريسة لدكتاتور جديد.
ولذا نجد أن مصر والعراق وغيرهما وقعت ضحية دكتاتور جديد بعدما أسقط الشعب الدكتاتور السابق، فمصر ناصر تحولت إلى مصر السادات، وعراق الملكيين تحول إلى عراق الجمهوريين.
وعلى هذا فعلى ممارسي التغيير أن يهتموا لشيئين: إسقاط حكم الدكتاتور وتبديله إلى حكم صحيح واضح المعالم.
سياسة الأساطير
إن انهيار الدكتاتور لا بد أن يستند إما لهزيمة خارجية، أو أن تعم البلبلة الداخلية كل الطبقات التي تنشأ عن مؤامرة في الداخل حيث يكون الإرهاق وعدم الأمن قد أثار خيبة أمل على نطاق واسع بين الجماهير، ومن الواضح أنه لا يمكن تحدي السلطة القائمة التي بيدها المال والسلاح والإعلام تحدياً مقترناً بنجاح إلا إذا ظهر فشل زعماء الحكومة بشكل واضح لعدد كبير من الناس لأن طبيعة أسلوب الدكتاتور هو تحطيم إرادة أولئك الذين يحاولون المقاومة بإلصاق التهم بهم وقتلهم وسجنهم وتبعيدهم ومصادرة أموالهم والتشتيت بينهم وما إلى ذلك حتى لا يتمكنوا من المقاومة، وهذه المقاومة لا تستطيع الاستمرار في معارضتها للدكتاتور إلا عندما لا ترى أملاً في النجاح وإلا فستغرق في لجج من الخمول اليائس، وهذا هو ما يطلبه الخارجون على القانون الذين قفزوا إلى الحكم إما بانقلاب عسكري أو بانقلاب شعبي حرفوا مسيره وصاروا من سراق الثورة فإن الشعب اليائس يطيع الأوامر التي تصدر إليه، ومن الواضح أن المقاومة تأتي مع الغضب ولا يثور الغضب مع وجود أسطورة تحفها قدسية فوق البشر إلا بإدراك أن الأسطورة التي قبلها الناس قد ثبت بطلانها.
ولذا كان الإسرائيليون يصرون على أن لهم الجيش الذي لا يقهر.
وهكذا نجد كل دكتاتور يتكلم بمثل ذلك فقد كان (نوري السعيد) يقول: (الرصاصة التي تقتلني لم تخلق بعد).
وكان عبد الكريم قاسم يقول: (نحن أقوى من الموت وأقوى من الحديد).
وكان القوميون الذين يقدسون ناصر يسمونه (الزعيم الخالد) يعني أنه يبقى ما بقي الدهر.
وكان أحدهم يرى (أنه الله) لأنه كان يقول بوحدة الوجود والموجود على الاصطلاح الفلسفي.
وحيث أن من أساليب الدكتاتوريين خلق اليأس في نفوس الناس عن سقوطهم وأنهم جاءوا ليبقوا وليسوا كالأفراد العاديين لهم بقاء وفناء يوعزون إلى استخباراتهم بخلق المنامات المكذوبة ونشرها بين الناس حتى ييأس الناس عن سقوطهم، كما حدث في زمان البهلوي الأول حيث اختلقوا رؤيا عمّموها على كل الأوساط وصدقها بعض المغفلين والسذج حتى من المتدينين وكان مضمون الرؤيا أن إنساناً من المقدسين رأى في المنام في مسجد السهلة الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه) فسأله عن وقت ظهوره؟ فقال (عليه السلام): (إني أظهر وحكم البهلوي قائم بعد) وها نحن نكتب هذا الكتاب وقد مر على سقوط البهلوي أكثر من أربعين سنة والإمام الحجة صلوات الله عليه لم يظهر بعد.
فضح الدكتاتور
ومما ذكرناه يظهر أن أية محاولة إصلاحية تريد إزاحة الدكتاتور عن الحكم، يجب - لكي تنجح - أن تكون أكثر قوة نفسية ويقظة ونشاطاً حتى يكون في وسعها أن تفضح أساطير الدكتاتوريين وأجهزتهم وأن تلقي عليها ظلالاً من الشك والترديد، وأن يكون في وسعها أن تثبت ضعف الدكتاتورية لكي تقنع حتى أولئك الذين يقفون منها موقف الإذعان السلبي ويسمحون لها بفرض نفسها عليهم وتقنعهم بأن سلطتها في طريقها إلى الانهيار.
وقد قال أحد المعارضين لأحد الحكام بعد أن سقط: لقد كنت أحرّض عليه حتى الراعي في الصحراء فإذا رأيته قلت له: كيف خليفتك؟
فإذا قال: نِعمَ الخليفة، أو قال: لا أدري، كنت أذكر له مظالم الخليفة ومظالم حاشيته حتى أجعله ضده... فإن من القطرات تجتمع البحار ومن ذرات الرمال تجتمع التلال ومن الخلايا الصغيرة الحية التي لو اجتمع الآلاف منها على رأس إبرة كان أوسع من كل تلك الخلايا يتكون بدن الإنسان والحيوان والشجر.
ومما تقدم تبين جواب أن الدكتاتور في أي جو يتسلط على الحكم؟ ومن هو؟ وكيف يفكر؟ وكيف يعمل؟ وكيف يبقى؟ وما هي عوامل بقائه؟
وما هي الأسباب التي تقف دون وصول الدكتاتور إلى الحكم؟ وكيف يزول؟
منقول من كتاب السيد الشيرازي الراحل قدس سره
ممارسة التغيير لانقاذ المسلمين
وأما السؤال الثالث وهو لماذا وكيف يسقط الدكتاتور؟
فالجواب إن الحكم الدكتاتوري لا يمكن أن يبقى، لأنه مبني على الإرهاب، والإرهاب لا يمكن أن يدوم، وقد قال الحكماء قديماً: (القسر لا يدوم) والإرهاب ملازم للقسر لأن الإنسان يتطلب السلم والأمان، والإرهاب خلاف السلم والأمان، ولذا تنبأ العقلاء في الخمسينات وقبلها بسقوط الشيوعية وهاهي قد سقطت في أرجاء من العالم من ناحية، وفي الصين من ناحية ثانية، وهي تترنح للسقوط في الاتحاد السوفيتي، كما أن العقلاء - حتى من نفس اليهود - تنبأوا بسقوط دولة إسرائيل المغتصبة لأنها بنيت على غير السلام وهاهي بوادر السقوط تظهر للعيان وفي المثل: (إن السياسي يتمكن أن يخدع بعض الناس في بعض الوقت لكنه لا يتمكن خداع كلهم في كل الوقت - بل حتى في بعض الوقت -).
تسريع عملية السقوط
نعم إذا وجدت الحركة المنحرفة - دولة كانت أو غيرها - المقاومة الملائمة السريعة - سواء من الداخل أو من الخارج - سقطت بسرعة، وإلا سقطت ببطء فالفرق هو في الزمان لا في النتيجة.
وكثيراً ما يطوِّل عمر الانحراف زعم الناس أن الانحراف لو سقط يخلفه انحراف أكثر، وقد رأينا في العراق أن الحكم القاسمي كان يستمد حياته من توهم أن الزعيم لو سقط تبدل الأمر إلى أسوأ، وكذلك بقي شعب ألمانيا وإيطاليا مع هتلر وموسيليني بزعم أنهما أفضل من الشيوعية التي ستخلفها لا محالة إذا سقطا، فإذا تمكن المصلحون من إبعاد هذا الزعم من العقول كان سقوط الدكتاتور أسرع.
ماذا بعد سقوط الدكتاتور؟
ومن الأسئلة الثلاثة المتقدمة ظهر الجواب عن السؤال الرابع، فإن من يخلف الدكتاتور هو دكتاتور آخر، إذا بقيت الجماهير في جهلها وعدم مبالاتها، أما إذا تحول جهل الجماهير إلى العلم وعرفوا من أين أتت المشكلة وكيف يمكن علاجها؟ فإنهم لا يدعون دكتاتوراً آخر يأتي مكان الدكتاتور السابق.
ضرورة طرح البديل
ومن هنا فإذا اهتم الناس في بلد دكتاتوري لإسقاط الدكتاتور بدون أن يكون لهم منهج للحكم القائم مقامه أو كان لهم منهج لكن المنهج لم يكن واضحاً في بنوده وخصوصياته فإنهم يقعون مرة ثانية وثالثة ورابعة فريسة لدكتاتور جديد.
ولذا نجد أن مصر والعراق وغيرهما وقعت ضحية دكتاتور جديد بعدما أسقط الشعب الدكتاتور السابق، فمصر ناصر تحولت إلى مصر السادات، وعراق الملكيين تحول إلى عراق الجمهوريين.
وعلى هذا فعلى ممارسي التغيير أن يهتموا لشيئين: إسقاط حكم الدكتاتور وتبديله إلى حكم صحيح واضح المعالم.
سياسة الأساطير
إن انهيار الدكتاتور لا بد أن يستند إما لهزيمة خارجية، أو أن تعم البلبلة الداخلية كل الطبقات التي تنشأ عن مؤامرة في الداخل حيث يكون الإرهاق وعدم الأمن قد أثار خيبة أمل على نطاق واسع بين الجماهير، ومن الواضح أنه لا يمكن تحدي السلطة القائمة التي بيدها المال والسلاح والإعلام تحدياً مقترناً بنجاح إلا إذا ظهر فشل زعماء الحكومة بشكل واضح لعدد كبير من الناس لأن طبيعة أسلوب الدكتاتور هو تحطيم إرادة أولئك الذين يحاولون المقاومة بإلصاق التهم بهم وقتلهم وسجنهم وتبعيدهم ومصادرة أموالهم والتشتيت بينهم وما إلى ذلك حتى لا يتمكنوا من المقاومة، وهذه المقاومة لا تستطيع الاستمرار في معارضتها للدكتاتور إلا عندما لا ترى أملاً في النجاح وإلا فستغرق في لجج من الخمول اليائس، وهذا هو ما يطلبه الخارجون على القانون الذين قفزوا إلى الحكم إما بانقلاب عسكري أو بانقلاب شعبي حرفوا مسيره وصاروا من سراق الثورة فإن الشعب اليائس يطيع الأوامر التي تصدر إليه، ومن الواضح أن المقاومة تأتي مع الغضب ولا يثور الغضب مع وجود أسطورة تحفها قدسية فوق البشر إلا بإدراك أن الأسطورة التي قبلها الناس قد ثبت بطلانها.
ولذا كان الإسرائيليون يصرون على أن لهم الجيش الذي لا يقهر.
وهكذا نجد كل دكتاتور يتكلم بمثل ذلك فقد كان (نوري السعيد) يقول: (الرصاصة التي تقتلني لم تخلق بعد).
وكان عبد الكريم قاسم يقول: (نحن أقوى من الموت وأقوى من الحديد).
وكان القوميون الذين يقدسون ناصر يسمونه (الزعيم الخالد) يعني أنه يبقى ما بقي الدهر.
وكان أحدهم يرى (أنه الله) لأنه كان يقول بوحدة الوجود والموجود على الاصطلاح الفلسفي.
وحيث أن من أساليب الدكتاتوريين خلق اليأس في نفوس الناس عن سقوطهم وأنهم جاءوا ليبقوا وليسوا كالأفراد العاديين لهم بقاء وفناء يوعزون إلى استخباراتهم بخلق المنامات المكذوبة ونشرها بين الناس حتى ييأس الناس عن سقوطهم، كما حدث في زمان البهلوي الأول حيث اختلقوا رؤيا عمّموها على كل الأوساط وصدقها بعض المغفلين والسذج حتى من المتدينين وكان مضمون الرؤيا أن إنساناً من المقدسين رأى في المنام في مسجد السهلة الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه) فسأله عن وقت ظهوره؟ فقال (عليه السلام): (إني أظهر وحكم البهلوي قائم بعد) وها نحن نكتب هذا الكتاب وقد مر على سقوط البهلوي أكثر من أربعين سنة والإمام الحجة صلوات الله عليه لم يظهر بعد.
فضح الدكتاتور
ومما ذكرناه يظهر أن أية محاولة إصلاحية تريد إزاحة الدكتاتور عن الحكم، يجب - لكي تنجح - أن تكون أكثر قوة نفسية ويقظة ونشاطاً حتى يكون في وسعها أن تفضح أساطير الدكتاتوريين وأجهزتهم وأن تلقي عليها ظلالاً من الشك والترديد، وأن يكون في وسعها أن تثبت ضعف الدكتاتورية لكي تقنع حتى أولئك الذين يقفون منها موقف الإذعان السلبي ويسمحون لها بفرض نفسها عليهم وتقنعهم بأن سلطتها في طريقها إلى الانهيار.
وقد قال أحد المعارضين لأحد الحكام بعد أن سقط: لقد كنت أحرّض عليه حتى الراعي في الصحراء فإذا رأيته قلت له: كيف خليفتك؟
فإذا قال: نِعمَ الخليفة، أو قال: لا أدري، كنت أذكر له مظالم الخليفة ومظالم حاشيته حتى أجعله ضده... فإن من القطرات تجتمع البحار ومن ذرات الرمال تجتمع التلال ومن الخلايا الصغيرة الحية التي لو اجتمع الآلاف منها على رأس إبرة كان أوسع من كل تلك الخلايا يتكون بدن الإنسان والحيوان والشجر.
ومما تقدم تبين جواب أن الدكتاتور في أي جو يتسلط على الحكم؟ ومن هو؟ وكيف يفكر؟ وكيف يعمل؟ وكيف يبقى؟ وما هي عوامل بقائه؟
وما هي الأسباب التي تقف دون وصول الدكتاتور إلى الحكم؟ وكيف يزول؟
منقول من كتاب السيد الشيرازي الراحل قدس سره
ممارسة التغيير لانقاذ المسلمين
تعليق