بسم الله الرحمن الرحيم
قال عثمان الخميس: (إنّ الخمس الذي تدفعونه إنّما شرّع في الجهاد، ويؤخذ من الكفّار، وهذا ما ترويه كتبكم.فعن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ليس الخمس إلاّ في الغنائم خاصة) ( من القلب إلى القلب صفحة 61 ).
أقول:
أولاً: من الفرائض المالية التي أوجبها الله سبحانه وتعالى بنص كتابه المجيد فريضة الخمس، قال تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ... ) (الأنفال: 41) ، ولفظ الغنيمة في الآية عام يشمل كل ما يكسبه العبد ويفوز به، ولا يوجد دليل يمكن الركون إليه في تخصيص لفظ الغنيمة في الآية في خصوص غنيمة الحرب، وكونها نزلت في مورد خاص فإن المورد لا يخصص الوارد كما هو مقرر في علم الأصول.
ثانياً: قوله أنّ الخمس شرّع في خصوص الغنائم المأخوذة من الكفار بعد خوض المعارك معهم غير صحيح، بل هو كذب وتدليس، فالخمس واجب أيضاً في الكنز والركاز (1) إضافة إلى مطلق الغنيمة كما سيأتي.
أمّا الكنز والركاز فروايات أهل السنة وأقوال علمائهم صريحة في وجوب الخمس فيهما، ففي صحيح ابن خزيمة بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص (أن رجلا من مزينة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فكيف ترى فيما يوجد في الطريق الميتاء أو في القرية المسكونة قال عرّفه سنة فإن جاء باغية فادفعه إليه، وإلاّ فشأنك به، فإن جاء طالبه يوماً من الدهر فأدها إليه، وما كان في الطريق غير الميتاء والقرية غير المسكونة ففيه وفي الركاز الخمس ) ( صحيح ابن خزيمة 4/47 رواية رقم: 2327) .
وفي مسند أحمد بن حنبل أن رجلاً من مزينة سأل رسول الله صلى الله عليه وآله : ( ... يا رسول الله فالكنز نجده في الخرب وفي الآرام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيه وفي الركاز الخمس ) ( مسند أحمد 2/186 رواية رقم: 6747) .
قال ابن نجيم الحنفي: ( وأمّا إذا وجدت كنزاً وهي دفين الجاهلية ففيه الخمس لأنّه لا يشترط في الكنز إلاّ المالية لكونه غنيمة) (البحر الرائق 2/254) .
فتمعن في قول ابن نجيم (لكونه غنيمة) فهو يعد الخمس واجباً في الكنز من باب كونه غنيمة، وهذا دليل على أنّ آية الخمس عامة في مفهموها .
وقال السرخسي في المبسوط: ( اعلم أنّ المستخرج من المعادن أنواع ثلاثة؛ منها جامد يذوب وينطبع كالذهب والفضة والحديد والرصاص والنحاس، ومنها جامد لا يذوب بالذوب كالجص والنورة والكحل والزرنيخ، ومنها مائع لا يجمد كالماء والزئبق والنفط، فأمّا الجامد الذي يذوب بالذوب ففيه الخمس عندنا ) ( المبسوط 2/211) .
وبلا شك أن إيجابه الخمس فيما ذكره ليس من باب أن ذلك غنيمة حرب كما هو واضح وإنّما من جهة كونها غنيمة، واستثناؤه بعض ما ذكره من الخمس باستثناء الماء هو رأيه وإلاّ فإنّ إطلاق آية الخمس يخالفه.
ثالثاً: إنّ في روايات أهل السنة في مصادرهم الحديثية والتاريخية ما يؤكد أن الخمس واجب ليس فقط في غنيمة الحرب، وإنّما في مطلق ما يغنمه الإنسان ومنها أرباح المكاسب، وإليك بعضها.
أخرج البخاري في صحيحه : ( ... إن وفد عبد القيس أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال من الوفد أو القوم؟
قالوا: ربيعة.
فقال: مرحبا بالقوم أو بالوفد غير خزايا ولا ندامى.
قالوا: إنّا نأتيك من شقة بعيدة وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، ولا نستطيع أن نأتيك إلاّ في شهر حرام فمرنا بأمر نخبر به من وراءنا ندخل به الجنة، فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع، أمرهم بالإيمان بالله عزّ وجل وحده، قال: هل تدرون ما الإيمان بالله وحده؟
قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وتعطوا الخمس من المغنم... ) ( صحيح البخاري 1/45 رواية رقم: 87.
فالنبي صلى الله عليه وآله لا يطلب منهم أن يدفعوا خمس غنائم الحرب، فهم لا يستطيعون الخروج من حيّهم إلاّ في الأشهر الحرم خوفاً من الكفار والمشركين، فأنّى لهم أن يخوضوا حرباً، فيكون قد قصد صلى الله عليه وآله المغنم بمعناه الحقيقي في لغة العرب، وهو كل ما يفوزون به، فتدخل فيه أرباح المكاسب.
ومن هذا يتبين عدم صحة قول ابن تيمية في كتابه منهاج السنة 3/154: ( وكذلك من المعلوم بالضرورة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يخمّس أموال المسلمين ولا طالب أحداً قط من المسلمين بخمس ماله).
رابعاً: ليس في رواية عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام ما يدل على تخصيص الخمس في خصوص غنيمة الحرب، بل هي أدل على أنّه في مطلق الغنيمة، فاستشهاد عثمان الخميس بهذه الرواية على عدم وجوب الخمس في غير غنيمة الحرب باطل، وتدليس ومغالطة، على أنّ هذه الرواية معارضة بروايات أخرى عندنا وعندهم تدل على وجوب الخمس في غير الغنيمة.
_________________
(1)الركاز عند أهل الحجاز كنوز الجاهلية المدفونة في الأرض، وعند أهل العراق المعادن، قال ابن الأثير في النهاية 2/258: والقولان تحتملهما اللغة، لأن كلاً منهما مركوز في الأرض.
يتبع ... يتبع ... يتبع
تعليق