لبنان المحطة الأولى .. والهموم العالية
خرج الإمام الشيرازي –قدس سره- من بلده العراق خائفاً يترقب على سنة الأنبياء –عليهم السلام- عام 1391 هـ ، فوصل إلى سوريا وأقام بها فترة قصيرة، فانتقل إلى بيروت ونزل في المنزل الذي كان قد استأجره الشهيد السيد حسن الشيرازي –قدس سره- الذي سبق أخاه إلى بيروت مهاجراً من العراق بعد فترة الاعتقال والتعذيب.
كان المنزل الذي حلّ فيه الإمام الشيرازي يقع في الطابق السابع في إحدى البنايات، فحانت منه نظرة إلى ما حوله فلفت نظره خلو المنطقة من المآذن، فقال لأخيه السيد حسن: لماذا لا نرى هنا مآذن للمساجد؟ فرد عليه السيد حسن الشيرازي: إن البنايات عالية كما أن أغلب المساجد هنا بنيت بلا مآذن، وحتى لو كان لبعض المساجد مآذن فإنها تضيع بين هذه الأبراج.
فقال السيد الشيرازي: المآذن إحدى الشعائر الإسلامية، ويجب أن تبرز وتظهر، وحينما تجدون أحداً يريد بناء مسجد اقترحوا عليه بناء مأذنة لكي يراها الناس أجمعون.
فقال السيد حسن : سوف أنقل اقتراحكم لمن يريد بناء المساجد، وفعلاً عمل البعض فيما بعد باقتراح السيد وبنيت المساجد بمآذن عالية.
ولعل ما يلفت نظرنا هنا هو انتباه السيد الإمام لدقائق الأمور كخلو المنظقة من المآذن، وربما كان الناظر سواه لما التفت إلى قضية من هذا النوع، ولعله ينشغل مثلاً بأشياء تتعلق بمستقبله، وتأمين وضعه، وهكذا يعكس النفس القدسية التي انطوى عليها السيد، تلك النفس التي تنسى هموم الأهل والولد والذات وتنشغل دائماً بالإسلام وعلوه، ولو كان الانشغال بتفاصيل يحسبها البعض جزئية من قبيل وجود المآذن أو عدمها، لكنها عند السيد كبيرة ما زالت تعبر عن علو الإسلام، تحفظ للمسلمين مظاهرهم الدينية المقدسة.
المهم أن إقامة الإمام السيد محمد الشيرازي –قدس سره- في بيروت لم تستمر طويلاً، وسرعان ما قرر الإنتقال إلى الكويت بعد أن ألح أهلها عليه بالقدوم إليهم والحلول بين ظهرانيهم، ولما كثر هذا الإلحاح قرر السيد الإستجابة لأجل العمل والإقامة في الكويت احتراماً لأهلها.. وليكون أقرب إلى أرضه ومسقط رأسه العراق ليراقب عن كثب تصرفات الحكومة الجائرة، ويقاوم سياستها ولو عبر الحدود، ولذا سرعان ما نفذ قراره، واستقل الطائرة إلى الكويت.
لقد كان المطار على غير عادته مكتظاً بالناس حتى إن الناظر يعلم من كثرة الازدحام أن هذاا اليوم يوم فريد وأن حدثاً ما قد حدث، أو أن علماً بارزاً قد وصل إلى أرض الكويت، وبالفعل فقد كان هذا العلم هو أحد أعلام ومراجع الشيعة الإمامية سددهم الله تعالى، قد وصل إلى أرض الكويت، وقد وصف الذين حضروا الاستقبال بأنه كان استقبالاً مشهوداً لا ينمحي من الذاكرة، ولطالما انطبعت معالمه في نفس الإمام الشيرازي وظل يتذكره، ويتذكر معه الحب والترحاب الذي لقيه من أهل هذا البلد الذين يصفهم بالطيبة والكرم، وعلى رغم دعوة الكثير منهم إلى استضافته كريما عزيزاً، إلا أنه شكرهم على ما يبدونه من كرم ودماثة خلق، واستأجر السيد منزلاً يقع في شارع السفارات من محلة (بنيد القار) في منطقة الأحمدي يملكه أحد معارف السيد الشيرازي، وسرعان ما انشغل الإمام الراحل بممارسة دوره وبدون إبطاء، وكعادته فإنه لا يحب تضييع الأوقات، ولا يحب الخمول، وكما يصفه المقربون أنه كان كتلة من الحيوية والنشاط، خصوصاً أن الأجواء المفتوحة في الكويت كانت فرصة طيبة له، لأنه قد تخلص من الضغوط الخانقة التي أحاطه بها النظام العراقي.
ومن الواضح أن نظام صدام عندما علم بأن الإمام الشيرازي قد مر من بين أصابع أمنه الحديدية وحلّ غير بعيد في عاصمة الكويت هاله أن يقوم بنشاطاته على أكمل وجه في مقره الجديد، ومن باب جهد اليائس أصدر حكماً غيابياً بالإعدام في حق الإمام الشيرازي نشرته جريدة الثورة الناطقة باسم السلطة، كان ذلك عام 1975م. وبالطبع أن ذلك لم يحرك حتى شعرة في جلد الإمام الشيرازي، ولهذا نراه صابراً جلداً يقارع الظروف القاهرة، وكان من الصعب إيصال مثل هذا الخبر إليه، حيث خاف المقربون من السيد من أن يصاب بأذى، وقد أخذ العلامة السيد مرتضى القزويني يحدث السيد قائلا:
إن حكومة العراق من عادتها القتل والسجن ومصادرة الأموال، أرد بذلك أن يهيء جواً مناسباً لنقل الخبر إليه.
فقال السيد الإمام : يا سيد مرتضى، ماذا تريد أن تقول لي ؟ هل تريد أن تقول : إن الحكومة في العراق صادرت أملاكي؟
فقال له السيد مرتضى: وهل أنت على علم بذلك؟
فأجاب الإمام وبكل برودة: أن مثل هذه الأخبار لا تؤثر علي ولا تقلقني على الإطلاق.
فعلى عكس المتوقع من مآل الهجرة إلى التأثير السلبي في مجمل حركة السيد، بحيث إنه فقد الوطن وهو الحضن الطبيعي لأي نشاط يقوم به الإنسان فضلاً عن كون هذا الإنسان عالماً كبيراً ويشكل وجوده بين ظهراني أهله وأنصاره عاملاً في تحركه ونشاطه، نجد أن الهجرة قد زادته عزيمة وقوة. وأمدت مرجعيته بعوامل جديدة من عوامل القوة والرسوخ، فلقد كانت إقامة الإمام الشيرازي في الكويت التي جاءت مسبوقة بحلول السيد حسن الشيرازي في لبنان، واستفادته من هذه الإقامة في القيام بجملة فعاليات في سوريا ولبنان وأفريقيا وغيرها من بقاع العالم الإسلامي فضلاً عن جولاته في أوروبا، بحيث أدى المجموع إلى انتشار مرجعية السيد الشيرازي والتوسع، بحيث إنها باتت مرجعية راسخة الأركان رغم أن نموها صار غير مريح للبعض، وقد بات واضحاً أن الحملة التي انطلقت ضده منذ عام 1972م لم تؤثر أي تأثير على مرجعيته، ولم تسفر إلا عن مضايقات عديمة الجدوى. وهذا يلقي الضوء على طبيعة مرجعية السيد، حيث كانت حملات من هذا النوع تؤدي إلى تحطيم بعض الخصوم وإخراجهم من ساحة الصراع نهائيا، ولعلنا على العكس من ذلك نرى أنها ليست لم تسفر على هذا النوع من الآثار، بل إنها لم تمنع نمو مرجعية السيد رغم ضراوتها وطولها، ومشاركة أطراف قوية وفاعلة فيها.
وهذا أمر يحتاج منا إلى وقفة ودراسة، ولعلنا نستطيع أن نحرز أن أحد أهم الأسباب في هذا الصمود يعود إلى أن الإمام الشيرازي قد أثبت في مراحل سابقة وبدعم من بعض المراجع أنه أهل للتصدي من ناحية الورع والتقوى إلى جانب الأهلية العلمية، كما أنه في جهة أخرى إن الإمام الشيرازي بوجوده المرجعي وبوجوده الحركي كان يستند إلى قوة التيار الإسلامي الذي بات يتقدم في ساحة واسعة من العالم، فهناك مرجعية السيد الشهيد صدر –قدس سره- وهي مرجعية أيضاً وقفت منها بعض القيادات الدينية التقليدية موقفاً سلبياً، وهناك أعلام آخرون كانت تساهم في نفس التيار، وكذلك بعض المرجعيات الدينية التي كانت في قم ومشهد وأصفهان وطهران تتقدم باتجاه إسقاط نظام الشاه.
ولهذا فإنه كان هناك تضامن غير معلن بين جميع مفردات هذا التيار المتصاعد من خلال الاستناد إلى مقولات التغيير والثورة، بينما نلاحظ أن الأطراف الأخرى كانت تنطلق من دوافع الحفاظ على واقع قائم.
كما يجدر بنا الالتفات إلى قضية غاية في الأهمية من هذا الصراع ألا وهي المواهب الشخصية للإمام الراحل في مواجهة الخصوم، هو كان حكيماً في اتخاذ أي قرار، وكان يتمتع بصبر عجيب وحلم كبير يؤدي به في النهاية إلى تغلبه على خصومه عندما ينكشف الواقع لبعض المحرضين، وعن ذلك ينقل أحد الشخصيات الكويتية قائلا:
كان أحد أهل العلم يكن العداء للمرحوم الإمام الشيرازي –قدس سره- وكان يخالفه ويحاربه في كل مكان.
وقد فكر عدد من الشخصيات في الكويت الجمع بينهما في مجلس واحد لغرض الصلح بينهما، وحينما دخل هذا الرجل إلى المجلس ووقع بصره على الإمام الراحل أخذ يهاجمه بكلمات في المجلس واستمر على هذا الحال قرابة الربع ساعة، بينما كان السيد الشيرازي يبتسم في وجهه ويتسمع لكلامه، وحينما انتهى قال له: تفضل اشرب الشاي لئلا يبرد. ومن الطبيعي حيث يقابل الإمام الراحل الآخرين بهذا النوع من الهدوء والتسامح فإنه سيدخل إلى قلوب المنصفين ويسقط ما في أيدي المعاندين
وهناك مثال آخر يشبه هذا الأمر وهو ما ينقله العلامة السيد أحمد الخاتمي، حيث يقول:
حينما كان المرجع الراحل –قدس سره- في الكويت نقل له أن أحد الأشخاص من ذوي النفوذ وأصحاب الرأي في الدولة قال في أحد المجالس: إنني أستطيع أن أدمر السيد الشيرازي وأقضي عليه، وحين سمع المرجع الراحل مقالته قال: قولوا له إذا كان ذلك جزءاً من واجبه الشرعي فعليه أن لا يتأخر عن ذلك!! ومثل هذا كثيرون.
http://almowaly.net/?p=16
خرج الإمام الشيرازي –قدس سره- من بلده العراق خائفاً يترقب على سنة الأنبياء –عليهم السلام- عام 1391 هـ ، فوصل إلى سوريا وأقام بها فترة قصيرة، فانتقل إلى بيروت ونزل في المنزل الذي كان قد استأجره الشهيد السيد حسن الشيرازي –قدس سره- الذي سبق أخاه إلى بيروت مهاجراً من العراق بعد فترة الاعتقال والتعذيب.
كان المنزل الذي حلّ فيه الإمام الشيرازي يقع في الطابق السابع في إحدى البنايات، فحانت منه نظرة إلى ما حوله فلفت نظره خلو المنطقة من المآذن، فقال لأخيه السيد حسن: لماذا لا نرى هنا مآذن للمساجد؟ فرد عليه السيد حسن الشيرازي: إن البنايات عالية كما أن أغلب المساجد هنا بنيت بلا مآذن، وحتى لو كان لبعض المساجد مآذن فإنها تضيع بين هذه الأبراج.
فقال السيد الشيرازي: المآذن إحدى الشعائر الإسلامية، ويجب أن تبرز وتظهر، وحينما تجدون أحداً يريد بناء مسجد اقترحوا عليه بناء مأذنة لكي يراها الناس أجمعون.
فقال السيد حسن : سوف أنقل اقتراحكم لمن يريد بناء المساجد، وفعلاً عمل البعض فيما بعد باقتراح السيد وبنيت المساجد بمآذن عالية.
ولعل ما يلفت نظرنا هنا هو انتباه السيد الإمام لدقائق الأمور كخلو المنظقة من المآذن، وربما كان الناظر سواه لما التفت إلى قضية من هذا النوع، ولعله ينشغل مثلاً بأشياء تتعلق بمستقبله، وتأمين وضعه، وهكذا يعكس النفس القدسية التي انطوى عليها السيد، تلك النفس التي تنسى هموم الأهل والولد والذات وتنشغل دائماً بالإسلام وعلوه، ولو كان الانشغال بتفاصيل يحسبها البعض جزئية من قبيل وجود المآذن أو عدمها، لكنها عند السيد كبيرة ما زالت تعبر عن علو الإسلام، تحفظ للمسلمين مظاهرهم الدينية المقدسة.
المهم أن إقامة الإمام السيد محمد الشيرازي –قدس سره- في بيروت لم تستمر طويلاً، وسرعان ما قرر الإنتقال إلى الكويت بعد أن ألح أهلها عليه بالقدوم إليهم والحلول بين ظهرانيهم، ولما كثر هذا الإلحاح قرر السيد الإستجابة لأجل العمل والإقامة في الكويت احتراماً لأهلها.. وليكون أقرب إلى أرضه ومسقط رأسه العراق ليراقب عن كثب تصرفات الحكومة الجائرة، ويقاوم سياستها ولو عبر الحدود، ولذا سرعان ما نفذ قراره، واستقل الطائرة إلى الكويت.
لقد كان المطار على غير عادته مكتظاً بالناس حتى إن الناظر يعلم من كثرة الازدحام أن هذاا اليوم يوم فريد وأن حدثاً ما قد حدث، أو أن علماً بارزاً قد وصل إلى أرض الكويت، وبالفعل فقد كان هذا العلم هو أحد أعلام ومراجع الشيعة الإمامية سددهم الله تعالى، قد وصل إلى أرض الكويت، وقد وصف الذين حضروا الاستقبال بأنه كان استقبالاً مشهوداً لا ينمحي من الذاكرة، ولطالما انطبعت معالمه في نفس الإمام الشيرازي وظل يتذكره، ويتذكر معه الحب والترحاب الذي لقيه من أهل هذا البلد الذين يصفهم بالطيبة والكرم، وعلى رغم دعوة الكثير منهم إلى استضافته كريما عزيزاً، إلا أنه شكرهم على ما يبدونه من كرم ودماثة خلق، واستأجر السيد منزلاً يقع في شارع السفارات من محلة (بنيد القار) في منطقة الأحمدي يملكه أحد معارف السيد الشيرازي، وسرعان ما انشغل الإمام الراحل بممارسة دوره وبدون إبطاء، وكعادته فإنه لا يحب تضييع الأوقات، ولا يحب الخمول، وكما يصفه المقربون أنه كان كتلة من الحيوية والنشاط، خصوصاً أن الأجواء المفتوحة في الكويت كانت فرصة طيبة له، لأنه قد تخلص من الضغوط الخانقة التي أحاطه بها النظام العراقي.
ومن الواضح أن نظام صدام عندما علم بأن الإمام الشيرازي قد مر من بين أصابع أمنه الحديدية وحلّ غير بعيد في عاصمة الكويت هاله أن يقوم بنشاطاته على أكمل وجه في مقره الجديد، ومن باب جهد اليائس أصدر حكماً غيابياً بالإعدام في حق الإمام الشيرازي نشرته جريدة الثورة الناطقة باسم السلطة، كان ذلك عام 1975م. وبالطبع أن ذلك لم يحرك حتى شعرة في جلد الإمام الشيرازي، ولهذا نراه صابراً جلداً يقارع الظروف القاهرة، وكان من الصعب إيصال مثل هذا الخبر إليه، حيث خاف المقربون من السيد من أن يصاب بأذى، وقد أخذ العلامة السيد مرتضى القزويني يحدث السيد قائلا:
إن حكومة العراق من عادتها القتل والسجن ومصادرة الأموال، أرد بذلك أن يهيء جواً مناسباً لنقل الخبر إليه.
فقال السيد الإمام : يا سيد مرتضى، ماذا تريد أن تقول لي ؟ هل تريد أن تقول : إن الحكومة في العراق صادرت أملاكي؟
فقال له السيد مرتضى: وهل أنت على علم بذلك؟
فأجاب الإمام وبكل برودة: أن مثل هذه الأخبار لا تؤثر علي ولا تقلقني على الإطلاق.
فعلى عكس المتوقع من مآل الهجرة إلى التأثير السلبي في مجمل حركة السيد، بحيث إنه فقد الوطن وهو الحضن الطبيعي لأي نشاط يقوم به الإنسان فضلاً عن كون هذا الإنسان عالماً كبيراً ويشكل وجوده بين ظهراني أهله وأنصاره عاملاً في تحركه ونشاطه، نجد أن الهجرة قد زادته عزيمة وقوة. وأمدت مرجعيته بعوامل جديدة من عوامل القوة والرسوخ، فلقد كانت إقامة الإمام الشيرازي في الكويت التي جاءت مسبوقة بحلول السيد حسن الشيرازي في لبنان، واستفادته من هذه الإقامة في القيام بجملة فعاليات في سوريا ولبنان وأفريقيا وغيرها من بقاع العالم الإسلامي فضلاً عن جولاته في أوروبا، بحيث أدى المجموع إلى انتشار مرجعية السيد الشيرازي والتوسع، بحيث إنها باتت مرجعية راسخة الأركان رغم أن نموها صار غير مريح للبعض، وقد بات واضحاً أن الحملة التي انطلقت ضده منذ عام 1972م لم تؤثر أي تأثير على مرجعيته، ولم تسفر إلا عن مضايقات عديمة الجدوى. وهذا يلقي الضوء على طبيعة مرجعية السيد، حيث كانت حملات من هذا النوع تؤدي إلى تحطيم بعض الخصوم وإخراجهم من ساحة الصراع نهائيا، ولعلنا على العكس من ذلك نرى أنها ليست لم تسفر على هذا النوع من الآثار، بل إنها لم تمنع نمو مرجعية السيد رغم ضراوتها وطولها، ومشاركة أطراف قوية وفاعلة فيها.
وهذا أمر يحتاج منا إلى وقفة ودراسة، ولعلنا نستطيع أن نحرز أن أحد أهم الأسباب في هذا الصمود يعود إلى أن الإمام الشيرازي قد أثبت في مراحل سابقة وبدعم من بعض المراجع أنه أهل للتصدي من ناحية الورع والتقوى إلى جانب الأهلية العلمية، كما أنه في جهة أخرى إن الإمام الشيرازي بوجوده المرجعي وبوجوده الحركي كان يستند إلى قوة التيار الإسلامي الذي بات يتقدم في ساحة واسعة من العالم، فهناك مرجعية السيد الشهيد صدر –قدس سره- وهي مرجعية أيضاً وقفت منها بعض القيادات الدينية التقليدية موقفاً سلبياً، وهناك أعلام آخرون كانت تساهم في نفس التيار، وكذلك بعض المرجعيات الدينية التي كانت في قم ومشهد وأصفهان وطهران تتقدم باتجاه إسقاط نظام الشاه.
ولهذا فإنه كان هناك تضامن غير معلن بين جميع مفردات هذا التيار المتصاعد من خلال الاستناد إلى مقولات التغيير والثورة، بينما نلاحظ أن الأطراف الأخرى كانت تنطلق من دوافع الحفاظ على واقع قائم.
كما يجدر بنا الالتفات إلى قضية غاية في الأهمية من هذا الصراع ألا وهي المواهب الشخصية للإمام الراحل في مواجهة الخصوم، هو كان حكيماً في اتخاذ أي قرار، وكان يتمتع بصبر عجيب وحلم كبير يؤدي به في النهاية إلى تغلبه على خصومه عندما ينكشف الواقع لبعض المحرضين، وعن ذلك ينقل أحد الشخصيات الكويتية قائلا:
كان أحد أهل العلم يكن العداء للمرحوم الإمام الشيرازي –قدس سره- وكان يخالفه ويحاربه في كل مكان.
وقد فكر عدد من الشخصيات في الكويت الجمع بينهما في مجلس واحد لغرض الصلح بينهما، وحينما دخل هذا الرجل إلى المجلس ووقع بصره على الإمام الراحل أخذ يهاجمه بكلمات في المجلس واستمر على هذا الحال قرابة الربع ساعة، بينما كان السيد الشيرازي يبتسم في وجهه ويتسمع لكلامه، وحينما انتهى قال له: تفضل اشرب الشاي لئلا يبرد. ومن الطبيعي حيث يقابل الإمام الراحل الآخرين بهذا النوع من الهدوء والتسامح فإنه سيدخل إلى قلوب المنصفين ويسقط ما في أيدي المعاندين
وهناك مثال آخر يشبه هذا الأمر وهو ما ينقله العلامة السيد أحمد الخاتمي، حيث يقول:
حينما كان المرجع الراحل –قدس سره- في الكويت نقل له أن أحد الأشخاص من ذوي النفوذ وأصحاب الرأي في الدولة قال في أحد المجالس: إنني أستطيع أن أدمر السيد الشيرازي وأقضي عليه، وحين سمع المرجع الراحل مقالته قال: قولوا له إذا كان ذلك جزءاً من واجبه الشرعي فعليه أن لا يتأخر عن ذلك!! ومثل هذا كثيرون.
http://almowaly.net/?p=16
تعليق