بسم الله الرّحمن الرّحيم
قال عثمان الخميس: ( من عقيدة الشيعة مخالفة أهل السنة، ويسمّونهم العامة، مقابل الخاصة، يعني المنتسبين للشيعة، نقل البحراني هذه الرّواية : قلت: فإن كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟ قال: ينظر، فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به، ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة، قلت: جعلت فداك أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة ووجدا أحد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم، بأي الخبرين يؤخذ؟ قال: ما خالف العامة ففيه الرشاد. قلت: جعلت فداك فإن وافقهم الخبران جميعا؟ قال: ينظر إلى ما هم إليه أميل حكامهم وقضاتهم، فيترك ويؤخذ بالآخر.
وذكر البحراني أيضاً هذه الرّواية، فقلت: أنهما معاً عدلان مرضيان موثقان؟ فقال – أي الباقر - : انظر ما وافق العامة فاتركه، وخذ ما خالفه، فإن الحق فيما خالفهم.
وقال البحراني عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: فإن لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامة، فما وافق أخبارهم فذروه، وما خالف أخبارهم فخذوه.
وذكر الكليني أنّ من وجوه التمييز عند اختلاف رواياتهم قول إمامهم: (دعوا ما وافق القوم فإن الهدى في خلافهم.
وقال أبو عبد الله: إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما يخالف القوم.
وعن الحسن بن الجهم قال: قلت للعبد الصالح – هذا اللقب المراد به الإمام -، رضي الله عنه: هل يسعنا فيما ورد علينا منكم إلاّ التسليم لكم؟ فقال: لا والله لا يسعكم إلاّ التسليم لنا، فقلت: فيروى عن أبي عبد الله شيء ويروى عنه خلافه، فأيّهما نأخذ؟
فقال: خذ بما خالف القوم – إشارة إلى أهل السنة -، وما وافق القوم فاجتنبه.
ويعللون الأخذ بهذا المبدأ بما يرويه أبو بصير عن أبي عبد الله قال: ما أنتم والله على شيء مما هم فيه، ولا هم على شيء مما أنتم فيه، فخالفوهم فما هم من الحنفية على شيء.
عن علي بن أسباط قال: قلت للرضا –رضي الله عنه - : يحدث الأمر لا أجد بدّاً من معرفته، وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك، قال: ائت فقيه البلد فاستفته عن أمرك، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإن الحق فيه.
وقال الخميني: ولا يخفى وضوح دلائل هذه الأخبار على أن مخالفة العامة مرجحة في الخبرين المتعارضين مع اعتبار سند بعضها بل صحة بعضها على الظاهر، واشتهار مضمونها بين الأصحاب، بل هذا المرجح هو المتداول العام الشائع في جميع أبواب الفقه وألسنة الفقهاء.
ويجعل الخميني هذا الأمر من لوازم الترجيح في الأخبار، فقال: إن أخبارهم الآمرة بالأخذ بخلاف العامة ... كقوله: ما خالف العامة ففيه الرشاد ...، وقوله: دعوا ما وافق القوم فإن الرشد في خلافهم هي من أصول الترجيح، وليس الترجيح بهام بمحض التعبد، بل لكون المخالفة لهم طريقاً للواقع، والرشد في مخالفتهم.
والمقصود بالعامة الذين زعموا أنّ الإمام الصادق أمر بالأخذ بما يخالفهم أهل السنة كما صرّح بهذا محسن الأمين، ما نصّه: الخاصة، وهذا يطلقه أصحابنا على أنفسنا مقابل العامة الذين يسمونهم بأهل السنة.
وهكذا إخواني فإن الأمور المسلم بها عند الشيعة وجوب مخالفة أهل السنة في الأخبار فضلاً عن العقائد حتى أنّ مقياس صحة أي خبر عند الشيعة لا بد أن يكون خلاف ما عليه أهل السنة .
ذكر الخميني عن أبي إسحاق الأرجاني رفعه قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أتدري لم أمرتم بخلاف ما يقول العامة؟ قلت: لا أدري، قال: إنّ عليّاً لم يكن يدين لله بدين إلاّ خالف عليه الأمة إلى غيره إرادة لإبطال أمره، وكانوا يسألون أمير المؤمنين عن الشيء لا يعلمون عنه، فإذا أفتاهم جعلوا له ضدّاً من عندهم ليلبسوا على النّاس) ( من القلب إلى القلب صفحة 70-72 ) .
أقول:
أولاً: إنّ ما نقله عثمان الخميس من الآثار عن بعض الأئمة الطاهرين من أهل البيت عليهم السلام، ومن أقوال بعض من علماء الشيعة ليس له علاقة بالعقائد، وإنما هو خاص بقاعدة من القواعد التي يعمل بها في مسألة تعارض الأخبار المروية عن المعصومين عليهم السلام، وبموجبها يؤخذ بالخبر أو يرد، فجعل عثمان الخميس هذه المسألة من مسائل العقائد جهل أو تدليس ومغالطة.
ثانياً: هذه القاعدة لم يأت بها فقهاء الشيعة من تلقاء أنفسهم وإنّما صدرت من أئمة أهل البيت عليهم السلام وعترة رسول الله صلى الله عليه وآله، وهم الذين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله بأخذ تعاليم الدين الحنيف وأحكامه منهم وجعل التمسك بهم وبالقرآن الكريم مانعاً من الضلالة، أعطوا عليهم السلام هذه القاعدة لأتباعهم ليميّزوا بها الأخبار المتعارضة إذا صحّ كلا الخبرين، ولم تظهر من أحدهما مخالفة للقرآن الكريم، وإلاّ فإن القاعدة الأوليّة هي البحث في صحة الخبرين وعرضهما على القرآن الكريم، فما كان منهما صحيحاً وغير مخالف للقرآن الكريم أخذ وعمل به، وما لم يصح أو كان مخالفاً للقرآن الكريم، يرد ويترك ولا يعمل به، فإيهام عثمان الخميس القارئ في قوله: (فإن الأمور المسلم بها عند الشيعة وجوب مخالفة أهل السنة ..) الدال على أنّ هذه القاعدة عند الشيعة مطلقة فكل خبر خالف أهل السنة يرد ويعمل بما خالفهم هو تدليس وكذب على القارئ وافتراء على الشيعة .
ثالثاً: لقد صدر في ظروف خاصة – كما في موارد التقية - عن أئمة أهل البيت عليهم السلام بعض الأحكام الموافقة لما يقول به فقهاء العامة، والتي هي في واقع الأمر مخالفة لما جاءت بها الشريعة، في حين أنّهم أعطوا الحكم الواقي الصحيح لنفس المسألة في غير مورد التقية، فحصل من ذلك أن تعارض قول الإمام في المسألة الواحدة، وبلا شك أن الحق في الأخذ بما خالف العامة لا في ما وافقهم، لأن الموافق لهم صدر في مورد التقية وهو مخالف للحكم الشرعي الواقعي، بينما المخالف هو الحكم الصحيح المطابق للواقع.
يتبع ... يتبع ... يتبع
تعليق