سبحان مغير الاحوال
كنت من المتفلسفين كثيرا أيام شبابي
حيث أنظر للدنيا من منظار حلزوني متقوقع
والذي كان يظهر لي الاشياء بعكس فطرتها التي فطرها الله
فكنت مثلا أرى أن الدين أفيون الشعوب وأحفظ أسم كم شيوعي مفلس للدلالة على ثقافتي الواسعة
بالاضافة لذلك قرأت كتاب كفاحي لهتلر وكتاب عنتر وعبلة وعدة كتب أخرى والكثير من المقالات والمواضيع العديمة الطعم واللون والرائحة التي تنشرها جريدة الثورة والجمهورية والقادسية , !!!
ولم أكن أعرف عن أمور ديني شيئا ذا بال كي يذكر هنا.
الا أني لم أكن أحب البعث ورغم أنتمائي له وحصولي على درجة نصير للحزب القائد وحضوري لمئات الاجتماعات الحزبية للتثقيف على أيدي معلمين ومسؤولين أنهكتهم كثرة الخفارات الليلية وأحاديث تمجيد القائد في سهراتهم الخاصة في الفرق الحزبية , كنت أحب حزب الدعوة وأرى في شخصياته أبطالا تحدوا البعث والموت ويملكون من الصلابة ما لا تملكه الجبال الراسيات , كيف لا وهم حسب ما كنا
نسمع يسخرون من جلاديهم في سجون الرعب الصدامي ويستقبلون الموت بصبر بلال وعمار وصحب الحسين ع.
المهم كنت أعيش بشخصيات عديدة , شخصية المنقاد لسلطة البعث بين الناس وشخصية الثائر على الوضع عندما أخلو بنفسي ,
حيث كنت شبه الغريب مع نفسه وكان الحلم بالخلاص من هذا الواقع يدفعني للاستعداد للتضحية بأثمن الاشياء كي أكسب حريتي وأعيش أنسانيتي .
سنحت تلك الفرصة عام 91 حيث القوات الامريكية على بعد قاب قوسين من منازلنا وأشاعوا أنهم يعطون اللجؤ للمدنيين لمن يلجأ اليهم
بعد أن أقبروا أنتفاضة شعبان بمساعدة قوات الحرس الحقير , وبلا تفكيروبلا تردد علمت أنها الفرصة الوحيدة السانحة أمامي وأذا أغلق هذا الباب فمعنى ذلك أنه سيغلق علي سجن العراق من جديد , سجن أسوأ مما كان , سجن في عراق جعلت أمريكا عاليه سافله
وفوق تل الخراب ذاك لازال صدام يتربع و يصدح ببطولاته وعنترياته مشيدا بأم المعارك,
فأبواب الحرية والغرب والخلاص على بعد كيلومترات مني
وليس لي شئ يربطني كزوجة أو أطفال عدا دراسة جامعية وضعتها تحت قدمي أما عائلتي فلهم الله خصوصا وأنهم لايريدون الخلاص وقد فوضوا أمرهم لله.
أنطلقت نحو المجهول لاأحمل وقتها في جيب سترتي غير بعض الصور للاهل والاصدقاء ومبلغ صغير من المال ( 25 دينار وقتها ) وهويتي الجامعية لاجتاز مفارز الانضباط والبعثيين وقران صغير أخذته معي كان ذلك بتأريخ 17-3-91 ويصادف اليوم الاول من رمضان .
أحسست بالغربة والامريكان يحيطون بي وأدركت أن لاعودة لي عن هذا القرار فقد وقع الفأس بالرأس وألتقيت هناك بشابين اخرين يحلمون بما أحلم به وأيضا بثلاث أيرانيين من منافقي خلق شباب يريدون الهجرة للغرب بعد أن تسللوا من احد المعسكرات هربا حيث جعلونا ننام بعش أشبه بالخيمة لمدة 5 أيام بالقرب من أحدى الوحدات الطبية شمال مدينة الزبير على الطريق السريع .
ولكوني أجيد بعض الانجليزية فقد عملت مترجما بالوحدة الطبية , حيث كانوا يستقبلون العراقيين للعلاج من المصابين بالانتفاضة ومن الذين تتفجر عليهم الالغام بالبادية وحالات طبية عادية أخرى , وبالاضافة لذلك كانوا يزودون الناس بأكياس الطعام الخاصة بالجيش الامريكي,
فقد كان الوضع مأساويا , حيث العوائل الهاربة من بطش النظام تتجه بالشاحنات من الناصرية الى سفوان حيث يوجد معسكرا للاجئين العراقيين في بناية الكمارك المهجورة وقتها.
بعد تلك الايام الخمس طلبوا منا التوجه الى مدينة سفوان وأبلغونا أنهم سوف ينسحبون قريبا من ذلك الموقع , فالانتفاضة قد أقبرت وسلطان هاشم بالنيابة عن بطل التحرير القومي قد وقع لهم على أوراق أستسلام العراق البيضاء وقد أطمأنوا أن أبناء العوجة الكرام قد عادوا يزاولون سلطانهم على الشعب من جديد !
وصلت الى سفوان برفقة صاحبي الجديدين وقد تورمت أقدامنا من كثرة المشي وأضطررت لوضع أكياس من الثلج عليهما ليخف الورم .
بقينا أياما معدودات هناك والوضع متكهرب وأعداد الناس كبيرة وأقزام البعث مندسين بين الناس بكثرة والاشاعات كثيرة وقد قاموا بقتل وتصفية الكثير من الرجال والتخلص منهم بالمزارع المحيطة والابار المهجورة .
لذا قررنا نحن الثلاثة الادعاء بأننا من الجنود كي يأخذونا كأسرى حرب بالشاحنات التي كانت تمتلء يوميا بأتجاه الكويت ومنها الى حفر الباطن .
ولم يكن هناك من تحقيق في الامر أو طلب أي أثبات فكل ما عليك فعله صعود تلك الشاحنات .قضينا ليلة في أراض الكويت
الشقيقة ومنها في اليوم التالي الى مملكة ال سلول ومررنا بمدن كثيرة ومن القطع الدالة على أسماء المدن حفظت بعض الاسماء ومنها النعيرية وكان الشعب السعودي الكريم يستقبلنا بالهتافات المنددة والساخطة وألقاء زجاجات المياه الفارغة علينا , ناسين أيام دعمهم لجرذ العوجة لذبح الشعب الايراني لمدة ثمان سنوات حيث كان نفس هذا الجندي بطلا عروبيا يستحق من سعاد الصباح أن يكون مهرها خوذة لجندي عراقي وحتى بدون خوذة لامانع .
مكثنا في تلك المعسكرات لمدة شهر تقريبا قبل أن تفتح معنا الاستخبارات الامريكية تحقيقا لمعرفة رتبنا ووحداتنا وغيرها من المعلومات التي يبحثون عنها .عندما وصل لي الدور ودخلت الخيمة وجدت تقريبا اربع اشخاص ومعهم فتاة ولم أرى أي رتب على أكتافهم بل بلباس عسكري فقط جالسين حول طاولة وهناك كرسي فارغ لي للجلوس عليه وكلهم شقر الشعور حمر الوجوه , طلبوا مني أن أضع على الطاولة أي شئ معي في جيوبي , والذي كلمني أشقر أحمر منهم بلهجة سعودية طبيعية حتى أني تفاجأت كثيرا , حيث كان المترجم من بينهم
أمتثلت للامر ووضعت هويتي الجامعية وعلبة ثقاب وأشياء أخرى بسيطة .
عندما قرأوا هويتي تأسفوا وهزوا رؤوسهم وكأنهم يتعاطفون معي ويتأسفون لحالي ! وأدركوا أني مدني ولم يطول الحديث معي بل سمحوا لي بالانصراف بعد أرجاعها الي , أتضح بعد ذلك أن الكثير ممن كان معنا هم مدنيون وقد قرروا أرسالنا الى معسكر رفحاء , ومن جديد وضعونا بالشاحنات العسكرية بأتجاه الحدود العراقية السعودية , الكثير من الشباب أنتابهم الهلع والخوف وقالوا أنهم سيسلمونا لصدام فالشاحنات متجهة للعراق , لذا تم الاتفاق بيننا أذا كان هذا الامر صحيحا فهذا يعني الموت ومن الافضل أن نموت بشرف ونحن نهاجم
الطرفين وعلي وعلى أعدائي!
وبعد جهد جهيد وصلنا في صباح اليوم الثاني الى المعسكر حيث كان موقعه لايزال داخل الحدود العراقية ,وبعدها بشهر تقريبا تم نقلنا
لمعسكر داخل الاراضي السعودية عندها فقط أرتاح بال الكثيرين خصوصا أصحاب العوائل .
يتبع
كنت من المتفلسفين كثيرا أيام شبابي
حيث أنظر للدنيا من منظار حلزوني متقوقع
والذي كان يظهر لي الاشياء بعكس فطرتها التي فطرها الله
فكنت مثلا أرى أن الدين أفيون الشعوب وأحفظ أسم كم شيوعي مفلس للدلالة على ثقافتي الواسعة
بالاضافة لذلك قرأت كتاب كفاحي لهتلر وكتاب عنتر وعبلة وعدة كتب أخرى والكثير من المقالات والمواضيع العديمة الطعم واللون والرائحة التي تنشرها جريدة الثورة والجمهورية والقادسية , !!!
ولم أكن أعرف عن أمور ديني شيئا ذا بال كي يذكر هنا.
الا أني لم أكن أحب البعث ورغم أنتمائي له وحصولي على درجة نصير للحزب القائد وحضوري لمئات الاجتماعات الحزبية للتثقيف على أيدي معلمين ومسؤولين أنهكتهم كثرة الخفارات الليلية وأحاديث تمجيد القائد في سهراتهم الخاصة في الفرق الحزبية , كنت أحب حزب الدعوة وأرى في شخصياته أبطالا تحدوا البعث والموت ويملكون من الصلابة ما لا تملكه الجبال الراسيات , كيف لا وهم حسب ما كنا
نسمع يسخرون من جلاديهم في سجون الرعب الصدامي ويستقبلون الموت بصبر بلال وعمار وصحب الحسين ع.
المهم كنت أعيش بشخصيات عديدة , شخصية المنقاد لسلطة البعث بين الناس وشخصية الثائر على الوضع عندما أخلو بنفسي ,
حيث كنت شبه الغريب مع نفسه وكان الحلم بالخلاص من هذا الواقع يدفعني للاستعداد للتضحية بأثمن الاشياء كي أكسب حريتي وأعيش أنسانيتي .
سنحت تلك الفرصة عام 91 حيث القوات الامريكية على بعد قاب قوسين من منازلنا وأشاعوا أنهم يعطون اللجؤ للمدنيين لمن يلجأ اليهم
بعد أن أقبروا أنتفاضة شعبان بمساعدة قوات الحرس الحقير , وبلا تفكيروبلا تردد علمت أنها الفرصة الوحيدة السانحة أمامي وأذا أغلق هذا الباب فمعنى ذلك أنه سيغلق علي سجن العراق من جديد , سجن أسوأ مما كان , سجن في عراق جعلت أمريكا عاليه سافله
وفوق تل الخراب ذاك لازال صدام يتربع و يصدح ببطولاته وعنترياته مشيدا بأم المعارك,
فأبواب الحرية والغرب والخلاص على بعد كيلومترات مني
وليس لي شئ يربطني كزوجة أو أطفال عدا دراسة جامعية وضعتها تحت قدمي أما عائلتي فلهم الله خصوصا وأنهم لايريدون الخلاص وقد فوضوا أمرهم لله.
أنطلقت نحو المجهول لاأحمل وقتها في جيب سترتي غير بعض الصور للاهل والاصدقاء ومبلغ صغير من المال ( 25 دينار وقتها ) وهويتي الجامعية لاجتاز مفارز الانضباط والبعثيين وقران صغير أخذته معي كان ذلك بتأريخ 17-3-91 ويصادف اليوم الاول من رمضان .
أحسست بالغربة والامريكان يحيطون بي وأدركت أن لاعودة لي عن هذا القرار فقد وقع الفأس بالرأس وألتقيت هناك بشابين اخرين يحلمون بما أحلم به وأيضا بثلاث أيرانيين من منافقي خلق شباب يريدون الهجرة للغرب بعد أن تسللوا من احد المعسكرات هربا حيث جعلونا ننام بعش أشبه بالخيمة لمدة 5 أيام بالقرب من أحدى الوحدات الطبية شمال مدينة الزبير على الطريق السريع .
ولكوني أجيد بعض الانجليزية فقد عملت مترجما بالوحدة الطبية , حيث كانوا يستقبلون العراقيين للعلاج من المصابين بالانتفاضة ومن الذين تتفجر عليهم الالغام بالبادية وحالات طبية عادية أخرى , وبالاضافة لذلك كانوا يزودون الناس بأكياس الطعام الخاصة بالجيش الامريكي,
فقد كان الوضع مأساويا , حيث العوائل الهاربة من بطش النظام تتجه بالشاحنات من الناصرية الى سفوان حيث يوجد معسكرا للاجئين العراقيين في بناية الكمارك المهجورة وقتها.
بعد تلك الايام الخمس طلبوا منا التوجه الى مدينة سفوان وأبلغونا أنهم سوف ينسحبون قريبا من ذلك الموقع , فالانتفاضة قد أقبرت وسلطان هاشم بالنيابة عن بطل التحرير القومي قد وقع لهم على أوراق أستسلام العراق البيضاء وقد أطمأنوا أن أبناء العوجة الكرام قد عادوا يزاولون سلطانهم على الشعب من جديد !
وصلت الى سفوان برفقة صاحبي الجديدين وقد تورمت أقدامنا من كثرة المشي وأضطررت لوضع أكياس من الثلج عليهما ليخف الورم .
بقينا أياما معدودات هناك والوضع متكهرب وأعداد الناس كبيرة وأقزام البعث مندسين بين الناس بكثرة والاشاعات كثيرة وقد قاموا بقتل وتصفية الكثير من الرجال والتخلص منهم بالمزارع المحيطة والابار المهجورة .
لذا قررنا نحن الثلاثة الادعاء بأننا من الجنود كي يأخذونا كأسرى حرب بالشاحنات التي كانت تمتلء يوميا بأتجاه الكويت ومنها الى حفر الباطن .
ولم يكن هناك من تحقيق في الامر أو طلب أي أثبات فكل ما عليك فعله صعود تلك الشاحنات .قضينا ليلة في أراض الكويت
الشقيقة ومنها في اليوم التالي الى مملكة ال سلول ومررنا بمدن كثيرة ومن القطع الدالة على أسماء المدن حفظت بعض الاسماء ومنها النعيرية وكان الشعب السعودي الكريم يستقبلنا بالهتافات المنددة والساخطة وألقاء زجاجات المياه الفارغة علينا , ناسين أيام دعمهم لجرذ العوجة لذبح الشعب الايراني لمدة ثمان سنوات حيث كان نفس هذا الجندي بطلا عروبيا يستحق من سعاد الصباح أن يكون مهرها خوذة لجندي عراقي وحتى بدون خوذة لامانع .
مكثنا في تلك المعسكرات لمدة شهر تقريبا قبل أن تفتح معنا الاستخبارات الامريكية تحقيقا لمعرفة رتبنا ووحداتنا وغيرها من المعلومات التي يبحثون عنها .عندما وصل لي الدور ودخلت الخيمة وجدت تقريبا اربع اشخاص ومعهم فتاة ولم أرى أي رتب على أكتافهم بل بلباس عسكري فقط جالسين حول طاولة وهناك كرسي فارغ لي للجلوس عليه وكلهم شقر الشعور حمر الوجوه , طلبوا مني أن أضع على الطاولة أي شئ معي في جيوبي , والذي كلمني أشقر أحمر منهم بلهجة سعودية طبيعية حتى أني تفاجأت كثيرا , حيث كان المترجم من بينهم
أمتثلت للامر ووضعت هويتي الجامعية وعلبة ثقاب وأشياء أخرى بسيطة .
عندما قرأوا هويتي تأسفوا وهزوا رؤوسهم وكأنهم يتعاطفون معي ويتأسفون لحالي ! وأدركوا أني مدني ولم يطول الحديث معي بل سمحوا لي بالانصراف بعد أرجاعها الي , أتضح بعد ذلك أن الكثير ممن كان معنا هم مدنيون وقد قرروا أرسالنا الى معسكر رفحاء , ومن جديد وضعونا بالشاحنات العسكرية بأتجاه الحدود العراقية السعودية , الكثير من الشباب أنتابهم الهلع والخوف وقالوا أنهم سيسلمونا لصدام فالشاحنات متجهة للعراق , لذا تم الاتفاق بيننا أذا كان هذا الامر صحيحا فهذا يعني الموت ومن الافضل أن نموت بشرف ونحن نهاجم
الطرفين وعلي وعلى أعدائي!
وبعد جهد جهيد وصلنا في صباح اليوم الثاني الى المعسكر حيث كان موقعه لايزال داخل الحدود العراقية ,وبعدها بشهر تقريبا تم نقلنا
لمعسكر داخل الاراضي السعودية عندها فقط أرتاح بال الكثيرين خصوصا أصحاب العوائل .
يتبع
تعليق