بسم الله الرحمن الرحيم
القرآن الكريم ذلك الكتاب المعجزة , انه مجموعة من المعاجز , ففيه الاخبار عن الامم السابقة , و فيه من المعلومات العلمية الحقيقية و ان كان بعضها لم يكتشف بعد و ذلك لقصور العقل البشري , كما و فيه الاحكام و القوانين التي تنظم حياة الكون و ليس البشر فقط ! و كلما تمعنا في هذا الكتاب المعجزة اكتشفنا المزيد من المعاجز .
من معاجزه البلاغة التامة في التعبير و وصف المجريات , فلو قرأناه بتمعن و بأنسجام لشاهدنا ما يرويه !! و لو فتحنا الطريق امام عقولنا و قلوبنا و نحن نقرأه , لعشنا احداثه و لاصابنا التفاعل مما نشاهده اثناء قرائتنا !!
انه يبكينا حزنا و نحن نقرأ عما حصل ليعقوب ع او لمريم ع ! كما و تدمع اعيننا فرحا عندما نقرأ لقاء يوسف ع بأهله ! و نصاب برعشة الرعب عندما نقرأ عن عذابات الاخرة ! كما و نصاب بخيال واسع مصاحبا للسرور عندما نقرأ عن الجنة !! كما و فيه ايات لو قرأناها كما يجب لوجدنا انفسنا محلقين في الفضاء من النشوة و الفخر و الاعتزاز !!
و في هذا الباب , باب الاعتزاز و نشوة الفخر وجدت نفسي و انا اقرأ هذه الايات التي ساتحدث عنها و التي جعلتني اذهب الى سبب نزولها , و احببت ان تشاركوني هذه النشوة .
لنبدأ بالايات. و اللي يلفت النظر انه سبحانه و تعالى يشعرك و انت تقرأها بانه سعيد جدا و في حالة من الافتخار اذا جاز التعبير , فانا احاول ان اقرب الصورة . فنجده يقسم بكل ادوات الحدث التي ساهمت بهذه السعادة .
لنمشي خطوة خطوة .
(و العاديات ضبحا) : انه يقسم بالعاديات و هي الخيل التي تعدو بالرجال . و الضبح الذي اقسم به المولى هو الاعنة و لجام هذه الخيل .
(فالموريات قدحا ) : الظاهر ان ارض المعركة كانت مليئة بالحجارة و الحصى فأذا وقعت عليها حوافر الخيل تقدح نارا .
(فالمغيرات صبحا) : حيث كانت الغارة صباحا .
(فأثرن به نقعا # فوسطن به جمعا ) : يعني الخيل اثارت النقع بالوادي حتى توسطوا القوم .
اكتفي الى هذا الحد . هل تعايشتم مع هذه الصور الرائعة ؟
ما اهمية هذا الحدث و هذا السرور به بحيث العزة و الجلالة تقسم بادوات هذا الحدث ؟ هنا و بعد قرائتي لهذه الايات و مشاهدتي للوصف الجميل قررت ان اعرف سببها , و عندما عرفت لم اندهش !! و لو عرفتم السبب سوف لن تندهشوا ! لان بطلها دائما سبب سرور الله و رسوله صلى الله عليه و آله و قد عودنا على ذلك .
الحدث هو موقعة ذات السلاسل , و هنا اسمحوا لي ان اصفها لكم .
الخلاصة ان اهل وادي يابس اجتمعوا و كانوا اثني عشر الف فارس , و تعاهدوا على ان يقتلوا محمدا ص و عليا ع , فنزل جبريل ع على الرسول ص و اخبره بالقصة , و امره ان يبعث اليهم عتيقا (ابو بكر ) في اربعة الاف فارس من المهاجرين و الانصار . طبعا لا يخفى عليكم سبب اختيار عتيق لهذا الامر من قبل الله سبحانه , ليعرفه للناس و يعرف المسلمون ان هذا الرجل لا يليق لقيادة دولة يحيط بها الاعداء . و الا عتيقا هذا لا يؤتمن على حمارة عرجاء فما بالكم باربعة الاف مقاتل !!!
فأمر صلى الله عليه و آله ابا بكر بالمسير اليهم , و اوصاه ان يعرض عليهم الاسلام , فأن تابعوا و الا واقعهم, و يقتل مقاتليهم و يسبي ذراريهم .
التاريخ يقول انه مضى (ابو بكر) و من معه من المهاجرين و الانصار , يسير بهم سيرا رفيقا (في الحقيقة يقدم قدم و يؤخر قدم و اليته ترتعش خوفا # هذا الوصف من عندي ), حتى انتهوا الى اهل وادي اليابس , و نزلوا قريبا منهم , فخرج اليهم من اهل الوادي مئتا رجل مدججين بالسلاح , و طلبوا ان يتحدث اليهم ابو بكر ( طبعا عتيق اصابه الاسهال ههه) . فخرج اليهم في نفر من اصحابه , فقالوا : اما و اللات و العزّى , لو لا رحم ماسة , و قرابة قريبة لقتلناك و جميع من معك قتلة تكون حديثا لمن يكون بعدكم , فأرجع انت و من معك و اربحوا العافية (طبعا مثل هذا الكلام لا يمكن ان يقال لقائد او فارس او حتى رجلا عنده بعض من الشهامة !! فهم يعرفون من هو عتيق هذا , فقالوا له هذا الكلام ) ,
فانا انما نريد صاحبكم بعينه و أخاه علي ابن ابي طالب , فراآ ابو بكر الصلاح في عودة الجيش(طبعا الرجل ما صدق , و قال الفكيك !!!) , فانصرف و اخبر النبي ص بمقالة القوم !! فقال صلى الله عليه و آله : يا ابا بكر خالفت امري و لم تفعل ما امرتك به , و كنت و الله عاصيا فيما امرتك ...
ثم ان النبي ص نصّب مكانه ابن صهاك (عمر ابن الخطاب , و طبعا سبب الاختيار هذا نفس السبب الذي جعل الله يختار عتيقا , و الا ما اطقع من سعود الا مبارك ) , و ارسله على رأس الجيش !! و طبعا جرى له كما جرى (لخويه) ابي بكر .
ثم دعى رسول الله ص امير المؤمنين ع و اوصاه بما اوصى به (الماخوذان) ابا بكر و عمر , و بشره بان الله سيفتح عليه . فخرج بعد اهلي و عشيرتي و العالم كله علي ع و معه المهاجرون و الانصار , فسار بهم سيرا غير سير ابي بكر و عمر (طبعا ) و ذلك انه اعنف بهم السير حتى اذا كانوا قريبا منهم حيث يرونهم , امر اصحابه ان ينزلوا , فخرج اليه من العدو مئتا رجل شاكين في السلاح , و سألوه : من انت ؟ فقال : انا علي ابن ابي طالب , ابن عم رسول الله ص و اخوه . ادعوكم الى شهادة ان لا اله الا الله , و ان محمدا عبده و رسوله , و لكم ما للمسلمين , و عليكم ما عليهم من خير و شر .
فقالوا : اياك اردنا , و انت طلبتنا , قد سمعنا مقالتك , فاستعد للحرب العوان . و اعلم انا قاتلوك و قاتلوا اصحابك . و الموعد فيما بيننا غدا ضحوة .
فقال لهم علي ع : ويلكم تهددوني بكثرتكم و جمعكم , فأنا استعين بالله و ملائكته و المسلمين عليكم , و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم .
و لما جن الليل امر اصحابه ان يحسنوا الى دوابهم , و يقضموا و يسرجوا , فلما انشق عمود الصبح صلى بالناس بغلس , ثم غار على الاعداء باصحابه , فلم يعلموا حتى وطئتهم الخيل , فما ادرك آخر اصحابه حتى قتل مقاتليهم و سبى ذراريهم و استباح اموالهم و خرّب ديارهم , و اقبل بالاسارى و الاموال معه ..
صلوا على محمد و على آل محمد .
هنا نزلت الاية الشريفة التي ذكرناها في البداية . و كذلك قال الرسول ص لعلي ع : يا علي , لو لا اني اشفق ان تقول فيك طوائف ما قالت النصارى في عيسى ابن مريم لقلت فيك اليوم مقالا لا تمر بملأ منهم الا اخذوا التراب من تحت قدميك .
تستاهل و الله يا ابا الحسنين .
اسالكم الدعاء