إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

منشورات أبو النور السرية

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • منشورات أبو النور السرية



    منشورات أبي النور السرّية ؛ المنشور الأول

    السا دة رواد هذا الموقع الكرام ؛


    اليكم بعض المقالات التي وقعت في حوزتي منذ ما يزيد عن عشرة سنوات منسوخة باليد وغفلة من ذكر أي اسم أو توقيع ((للتهرب من الجمرك و رقابة المطبوعات .. ربما )) . وقد وصلت الى يدي بطريقة خيالية , لا مجال لذكرها الآن , و بالتالي ليس من المبالغة أن أطلق عليها اسم المنشورات السرية , و اليكم المنشور الأول

    لغة الموتى

    مشكلة اللغة أن كلماتها لا تنقسم الى صحيح و خطأ فقط, كما يقول النحاة , بل تنقسم أيضا الى كلمة حية , و كلمة ميتة , و هو انقسام حقيقي , و شامل , و فعّال جدا , لكن علم النحو , لا يستطيع أن يكشفه , لأنه لا يظهر في بناء اللغة , بل يكمن وراء سلوك الناس .

    علامة الكلمة الميتة , أنها مطوعة - تاريخيا - لخدمة أغراض السحرة . فقد بدأت مسيرة اللغة المكتوبة , بتعاظم الحاجة الى تبرير نظرية الحكم الفردي , في اقطاعيات الشرق القديم. و تطوع الكهنة لأداء هذه المهمة المستحيلة , قبل أن يعرفوا أنها مستحيلة حقا . فخلال وقت قصير , كان من الواضح , أن مبدأ الحكم الفردي , فكرة غير طبيعية , لا يمكن تبريرها الاّ بمنهج الأسطورة , و كان الكهنة - الذين صار اسمهم (علماء) -مشغولين بتوفير هذه الأسطورة تحريريا , على ألواح من الطين المجفف.

    أول لوح , صدر في سومر , عند مطلع الألف الثالثة قبل الميلاد , و حمل تقريرا سياسيا مؤدّاه أن ( الأله شمش الذي يعيش في العالم الآخر , قد نزل ليلا الى هذا العالم , و وهب مفاتيح الأقاليم الأربعة للملك جلجامش ). و من قاموس هذه القصة الليلية , ولدت لغة الأسطورة رسميا .

    فكلمة (العالم الآخر) التي نحتها الكهنة من لغة الناس , لم تكن كلمة , بل كانت (( عالما آخر مجهولا بأكمله)) , له ثلاث صفات جديدة , مجهزة عمدا على مقاس السحرة :

    الصفة الأولى ؛ أنه عالم غائب عن عيون الناس , لا يعرف أسراره أحد, سوى الكاهن الذي يتكهن بأسرار الغيب . و هي مغالطة شفوية بحتة , لكنها ضمنت للكهنة , أن يحتكروا تفسير الشرائع حتى الآن .


    الصفة الثانية ؛ أنه عالم حيّ, لكن بوابته الوحيدة, تقع وراء الموت , مما يعني عمليا , أن مستقبل الناس الأحياء , يبدأ - فقط - بعد أن يموتوا .

    الصفة الثالثة ؛ أنه عالم خارج عن سنن الطبيعة , تنطق فيه الأصنام , و ترتاده التنانين المجنحة , لكنه هو العالم الحقيقي , لأنه أزلي و خالد . و هي صياغة تريد أن تقول - فقط - أن عالم الناس الأحياء , ليس عالما حقيقيا .

    خلال قرن واحد من عمر سومر , كان الكهنة قد ضمنوا لأنفسهم المقام الثاني في أول دولة أقطاعية عرفها التاريخ , و كان أهل سومر , قد خرجوا من الحياة الدنيا دون أن يدروا , وذهبوا للحياة , في عالم آخر , و جديد , و غائب , و خرافي , و غير معقول الى ما لا نهاية .

    هذا العالم الآخر , لم يكتشفه الكهنة في السماء , بل ابتدعوه - شفويا - في لغة الناس على الأرض . انهم لم يخلقوا عالما غائبا , بل خلقوا لغة غائبة , مسخرة للحديث عن عالم أسطوري , لا يعرفه أحد من الأحياء على الأقل . و في ظل هذه الخدعة الشفوية , كان بوسع الكاهن , أن يقلب لغة الناس رأسا على عقب :

    انه يذبح طفلا حيا , على قدمي صنم ميت . لكن الناس لا يسمونه ( رجلا مجنونا ) بل يسمونه ( حكيما عالما بأسرار الغيب ) , فهو لا يذبح الطفل حقا , بل يرسله الى الحياة الخالدة في عالم آخر . و ذبح الطفل ليس جريمة دنيئة , بل شعائر دينية في قاموس العالم الآخر. ان كل مايفعله الكاهن المميت , يمكن تبريره للناس الأحياء , بلغتهم الحية , ما دامت اللغة نفسها , لا تخاطب عالم الأحياء أصلا .

    لهذا السبب ...

    و ردا على هذه الخدعة الشفوية بالذات , ولدت لغة الدين . و قد تميز ميلادها , بظهور كتاب مقدس ( لم يكتبه الكهنة) , له لغة مقدسة ( غير لغة الكهنة ) , لا ينكر ألوهية الصنم فحسب , بل ينكر عالمه الغائب من أساسه . و في نصّ هذا الكتاب المقدس , تكلم الأله الحيّ و سكت الصنم الميت , و بات العالم قابلا للتفسير بلسان الأحياء فقط .

    فكلمة ( عالم الغيب ) في لغة الأنسان الحيّ تعني - حرفيا - عالم المستقبل , لأن المستقبل, هو العالم الوحيد الغائب الذي يعرفه الناس الأحياء , و يتوقنون بوجوده , دون أن يروه , و يعلمون أنه آت , و يتحملون مسؤوليته شرعا . و قد التزم الدين بهذا التفسير الحي , و رفض كل تفسير سواه , و جعله شريعة الهية , و سماه ( مقدسا ) لكي يميزه عن تفسير السحرة , و نجح بذلك في استعادة اللغة الغائبة في السماء , الى واقع الناس على الأرض .ان العالم الذي قلبه الكهنة , يستعيد توازنه فجأة , في ثلاثة مواقع رئيسية :

    في الموقع الأول ؛ لم يعد علم الغيب , غائبا عن عيون الناس , بل صار اسمه المستقبل , و صار بوسع الناس أن يعرفوا مستقبلهم سلفا , بقليل من المنطق و علم الحساب .

    في الموقع الثاني ؛ لم يعد عالم الغيب خارجا عن سنن الطبيعة , بل صار طبيعيا , و صار قابلا للتفسير العلمي , حتى اذا نطقت فيه الأصنام , و أرتادته التنانين المجنحة . فمستقبل الأنسان عالم مدهش - مثل عالم السحرة الغائب - لكنه لا يحتاج الى لغة الأساطير .

    هذا التفسير الديني لكلمة ( عالم الغيب ) , رفضه الكهنة في جميع العصور , بحجة أنه تفسير ألحادي , قائم على أنكار البعث بعد الموت . و هي تهمة مقلوبة مثل كل شيء في لغة السحرة , لأن الدين لا يؤكد فكرة البعث فحسب , بل يفسرها باللغة الوحيدة التي يفهمها الأحياء :

    فالناس لا يرون الميت حيا في السماء , بل يرونه حيا في أعماله على الأرض . انهم لا يحتاجون الى دليل على صحة البعث؛ لأن واقعهم نفسه هو الدليل . و قد التزم الدين بما تراه عيون الناس , فأعلن أن البعث رهن بلأعمال وحدها , و أن (( من يعمل مثقال خير يره و من يعمل مثقال ذرة شر يره )) هنا في واقع الناس على الأرض , و في مستقبلهم معا . و هو تفسير لا يقول أن الأنسان يفنى بعد الموت , بل يقول أنه لا يستطيع أن يفنى - حتى اذا أراد - أنه يعيش مع أعماله في لوح محفوظ .

    ان الدين لا ينكر حق الحي في الحياة الخالدة , لكنه لا يتحدث عن الموتى , و لا يكلم الناس الحاضرين , عن عالم غير حاضر , بل يخاطب الأحياء , بلغة الأحياء , و يقول انهم مسؤولون شرعا عن الحاضر و المستقبل , لأنهم مسؤولون حقا , و عمليا , و بالفعل , و بالمنطق , و بالعدل , وبالحساب .

    في كالديا - جارة سومر - افتتح النبي ابراهيم مسيرة الدين , بدعوة معلنة الى تحطيم الأصنام , و تحريم القربان البشري . و بدأت بذلك معركة هائلة بين شريعتين , تتقاتلان بالسيوف في لغة واحدة .

    شريعة تعني فيها كلمة (( الرب )) صنما ميتا , و شريعة تعني فيه الكلمة نفسها الها حيا . احداهما تقول ان عالم الغيب غائب عن عيون الناس , لا تراه سوى عين الكاهن . و الأخرى تقول ان عالم الغيب , اسمه المستقبل , و ان الناس يرون مستقبلهم جيدا , لأنه يولد في حاضرهم , و يكون من صنع أيديهم . ان الفرق الهائل بين هاتين الشريعتين , لا يظهر في بناء اللغة , بل يظهر في بناء المواطن .

    فشريعة السحرة , تتكلم بلسان الصنم الغائب , و تخاطب مواطنا مغيبا عن حاضره, علامة غيابه , انه ينكر ما تراه عيناه , و ينكر ما يقوله عقله , حتى يسجد خاشعا في حضرة صنم .

    و شريعة الدين , تتكلم بلسان الأله الحيّ , و تخاطب مواطنا حاضرا في عالم الآحياء , علامة حضوره , انه مسؤول شخصيا عن واقعه و مستقبله , لأنه لا يعول على ما يقوله الساحر .

    بين هذين المواطنين ثمة فجوة واسعة , بقدر الفجوة بين رجل حيّ و جثة رجل . وهي فجوة منظورة , و ظاهرة للعيان في وضح النهار , تعيش مثل الناس الأحياء أنفسهم , و تتنفس في مجتمعهم , و قوانينهم , و نظم حكمهم , كما تحل الروح في الجسد . و في ضوء هذا المقياس العلني , يكون التمييز سهلا - و علنيا - بين ما يدعى باسم الصحوة الدينية و بين صحوة الدين نفسه .

    أن الدعوة التي ترتفع حاليا , تحت شعار (( الصحوة الأسلامية )) , دعوة لا تتكلم لغة الأسلام , لأنها لا تنادي بمسؤولية الأحياء عن حاضرهم و مستقبلهم , بل تنادي بمسؤولية الأئمة و المشايخ و رجال الدين . و هي علامة معروفة في لغة الصنم يستحيل تمريرها بوسائل الفصاحة , لأنها تنطق علنا في سلوك الناس .

    ففي ظل هذه الصحوة الأسلامية , يولد الآن مجتمع أسلامي مغيّب , علامة غيابه أنه ينكر ما تراه عيناه , و ينكر ما يقوله عقله , و يفعل ذلك علنا , و رسميا , و باسم الأسلام نفسه , لأنه يملك اسلاما شفويا قادرا على تبرير الخطيئة بالكلام .

    في هذا المجتمع الغائب , يحكم الصنم - و عائلته - باسم الشرع , و يقاد المسلمون بالعصي و الكلاب المدربة , كما تقاد الخرفان . لكن الشريعة الشفوية , لا تسمي القطيع قطيعا , بل تسميه (( رعية )) في استعراض واضح لما تستطيع اللغة أن تفعله على يد رجل بليغ .

    في هذا المجتمع الغائب , تقضي المرأة المسلمة عقوبة السجن المؤبد , في زنزانة متنقلة , اسمها (( الحجاب)) . و تداهمها أمراض السجناء علنا , من العمى المبكر , الى التخلف العقلي , لكن الشريعة الشفوية , لا تسميها (( امرأة سجينة )) بل تسميها (( سيدة مصون )) , بحذف التاء من رأس النون , زيادة في طلب الفصاحة .

    في هذا المجتمع الغائب , يولد الطفل البريء , تحت اسم ( عفريت) . و يتولى معلمه حبسه في القمقم , بضربه و ركله , و قرصه , و لعنه , لكن الشريعة الشفوية , لا تسمي التعذيب تعذيبا , بل تسميه (( تهذيبا)) لأن الجناس و الطباق أفضل من الصدق .

    في هذا المجتمع الغائب , يعادي رجال الدين الوقورون جسد الأنسان , و يسمون وجه المرأة (( عورة )) , و هي اهانة لا يستحقها وجه الذئب نفسه , لكن الشريعة الشفوية لا تفرق بين الجوه .

    في هذا المجتمع الغائب , يزدهر السحر في ثياب الحكمة , و يتولى الوعّاظ الأميون ارشاد الناس في شؤون الدنيا و الأخرة معا , من دون معرفة أو تأهيل . لكن الشريعة الشفوية , لا تسمي الواعظ الأمي ساحرا , بل تسميه (( رجل الله العارف بالأسرار الخفية )), في فتوى لا بد منها لتغطية رأس الجهل بطاقية الأخفاء .

    في هذا المجتمع الغائب ,تسود قيم اخلاقية اسمها (( حميدة )), و كل الناس يحمدون ربهم , تحت ادارة تقر حكم الفرد , و تقر منطق القوة , و تعترف بشرعية القتل , و تكذب علنا في جميع وسائل اعلامها الرسمية , و في مناخ أجتماعي من هذا النوع , تكون القيم الحميدة فعلا - و المفيدة فعلا - هي الكذب و الغش و الخداع والنفاق و القسوة والأغواء , و القدرة على التعايش مع الظلم الى ما لا نهاية , لكن الشريعة الشفوية , لا ترى حجم الفرق بين مواطن يشرب من النهر , و مواطن يركض وراء السراب

    ان هذه (( الصحوة الأسلامية )) التي تريد أن يستيقظ الأسلام , و ينام المسلمون , دعوة ينقصها صوت الأله الحيَ, و ليس بوسعها أن تعوض هذا النقص , بالفصاحة أو بالشطارة , و ادعاء الغيرة على الدين , و ليس بوسعها أن تجنّب المسلمين الخلود في النار , الاّ اذا اكتشفت الفجوة القائمة بين لغة الأسلام و بين لغة الكهنة , و عادت من عالمها الغائب في أقوال الأئمة و المشايخ , و ضمنت مسؤولية المواطن الحيّ عن الحاضر و المستقبل , في نظام اداري قادر على توفير الضمان .

    من دون هذه الشروط , ينقطع الجسر القائم بين المسلمين و بين الأسلام , و يدير كلاهما ظهره للآخر في السرّ و العلن , على غرار ما يحدث الآن , باسم (( الصحوة الأسلامية )) فالدين لا يخاطب المواطن الحيّ , الاّ اذا خاطب واقعه المعاش , و تكلم بلسانه , و أعاد اليه صوته في شؤون الأدارة و الحكم . و هو شرط لا يوفي به اسلام يقوم على سلطة الموتى , بل اسلام يقوم على سلطة الأحياء .


    مع خالص المودة و الأحترام .

  • #2


    السادة الأفاضل رواد هذا المنتدى ؛

    تحية طيبة .. , و بعد

    اليكم نص المنشور الرابع , و هو يقول :

    .... سنة 1661م , قبل مرور ثلاثين سنة على وفاة الرسول , كانت الدولة الأسلامية , قد أصبحت مملكة عربية , يديرها ملك جالس على عرش وراثي , لا يختلف عن الملك جستونيانوس الحاكم في بيزنطة , إلا في أن أسمه يزيد بن معاوية بن أبي سفيان , و فيما عدا الأسم وحده , لم يكن ثمة فرق .

    فقد أضطر الأمويون الى نقل دولتهم حرفيا عن كتاب بيزنطة , صفحة صفحة , و دون تمييز , لأن دولتهم نفسها , لم تكن لها جذور إدارية في الأسلام , و لم يكن بوسعهم أن يتبنوا نظامه الجماعي , الذي قاتلوا لألغائه بقوة السلاح .

    لقد كان الخيار الوحيد المتاح أمام الأمويين , هو أن ينقلوا نظم الأدارة في بيزنطة , بقدر ما في حوزتهم من الدقة في النقل . و هي مهمة , أدّاها الأمويون بسذاجة أعرابي , جاء متأخرا عن درس التاريخ بحوالي سبعة آلاف سنة .لقد خسروا ضوء الشرع الجماعي , و بات عليهم أن يتلمسوا طريقهم في الظلمة بين أطلال حضارات قديمة , حافلة بالفخاخ .

    نقلوا نظام الحرس الملكي, وهو نظام لم تكن بيزنطة تتبناه طائعة . بل كانت متورطة فيه . و كانت فرق الحرس الملكي , قد أثبتت منذ عصر القيصر أغوسطس , أنها مصدرالخطر الحقيقي , داخل حجرات البيت المالك نفسه .

    نقلوا نظام الديوان . وهو جهاز إداري مهمته - على الورق - أن يضمن تركيز السلطات في يد الخليفة , لكن مهمته التي عمل من أجلها طوال التاريخ , هي أن يوزع السلطات بين الوزير , و قائد الحرس , و أمرأة الخليفة , و خادمه المفضل , و قاضي القضاة .

    نقلوا نظام الخدم , و هو جهاز إداري آخر , له سلطة مستمدة من موقعه , تحت سقف البيت المالك , مثل سلطة حامل الختم , و أمين السر , و سياف الخليفة , و قد عاش في بيت الأمير العباسي المقتدر مثلا أحد عشر ألف خادم , قبل أن تؤول إليه الخلافة , أحدهم المدعو ( يونس الخادم ) الذي قال عنه المسعودي : ( .. ثم كانت بينه وبين المقتدر وحشة , أدّت الى حروب , انتهت بقتل المقتدر . فحملوا رأسه الى يونس . فلما رأى رأس مولاه , بكى و لطم وجهه ...).

    كل فكرة نقلها الأمويون عن بيزنطة , كانت فكرة مميتة , أثبت التاريخ خطرها , بشهادة من بيزنطة نفسها , لكن الأمويين , لا يحسنون قراءة التاريخ . و كان عليهم أن يتعلموا الدرس بأنفسهم , و يعيدوا المسيرة من أوّلها , خطوة خطوة , في طريق لا يختلف عن طريق بيزنطة , إلا في نقطة هائلة واحدة , و هي حاجة الأمويين الى التعايش مع نص القرآن .

    فهذه مشكلة لم تواجه ملك بيزنطة , و لم تواجه ملكا غيره طوال التاريخ ؛ لأنها مشكلة طارئة على تاريخ الكتب المقدسة مثل نص القرآن نفسه .

    فالأمر بالحفاظ على النص الشرعي , دون ترجمة أو تغيير , أمر انفرد به القرآن وحده , من دون بقية الكتب المقدسة , و أثبت في وقت لاحق , أنه الضمان الوحيد الصحيح , للحفاظ على مصدر الشرع الجماعي ؛ لأن كل تشكيك في أصالة هذا النص , كان من شأنه أن يفتح بابا فقهيا لتفسير مشكوك فيه , و قد تعمّد الرسول محمد أن يشرف بنفسه على جمع القرآن و ترتيب آياته , و تدوينه , بعد مراجعته , كلمة بكلمة و حرفا بحرف . و بذلك بلّغ الرسول رسالته بأمانة , و جمع دستور الشرع الجماعي , في ( كتاب محفوظ ) , لا تخرج منه كلمة , و لا تضاف إليه كلمة , و لا يشكك أحد في مصدره , لأنه كتاب الله , و لا يشك أحد في نصه , لأنه منقول عن الرسول شخصيا .

    وراء هذا الحصن الذي لا يمكن اختراقه , كان النص القرآني , في دولة الأمويين , صوتا عاليا , و خطيرا جدّا . لا يخاطب الدولة المسؤولة , بل يخاطب الناس , و يحملهم المسؤولية , و يجمعهم تحت إسم واحد , و يحرضهم علنا ضدّ سلطة فرعون . و في دولة يحكمها فرعون شخصيا , كان هذا الصوت , دعوة علنية إلى الثورة المسلحة .

    إن الدولة الأموية , تواجه مشكلة لا تعرف لها حلاًّ , و لم تواجهها دولة أقطاعية من قبل , و هي حاجتها إلى التعايش مع دستور شرعي , لا يعترف بشرعية الدولة الأموية :

    فالخليفة يحكم بموجب حقه في وراثة العرش . و القرآن يقول إن الشورى هي دستور الحكم الوحيد في الأسلام .

    و الخليفة رجل هائل الثراء , يمثل طبقة الأغنياء و تجار القوافل و كبار الملاك . و القرآن يتوعد الذين يكنزون الذهب و الفضة .

    و الخليفة يستند إلى فتاوي رجال الدين , و القرآن لا يعترف برجال الدين , و لا يخولهم حق الفتوى نيابة عن الناس , و لا يميزهم بلباس مميز , كما فعل كتاب العهد القديم (1) .

    و الخليفة متحصن وراء جيش مأجور , معد للقتال في سبيل الخليفة , و القرآن يستنكر وجود هذا الجيش , و يدعو لتدميره تحت راية الجهاد في سبيل الله .

    و الخليفة يضع يده على ميزانية الدولة , و القرآن يسمي هذه الميزانية مال الله .

    و الخليفة ينوي أن يصفي خصومه السياسيين , و القرآن يقول [ من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا . ]

    و الخليفة يخطط لأنشاء دولة إسلامية على غرار بيزنطة , و القرآن يقول إن إسقاط بيزنطة فريضة واجبة على المسلمين .

    في ظروف هذا التناقض الشامل , لم يكن أمام الخليفة الأموي , سوى أن يصادر القرآن , أو يكتشف لنفسه قرآنا آخر لا يناصبه العداء . و لأن الخليفة , كان رجلا سياسيا , و ليس أحمق مغامرا , فقد ترك القرأن وشأنه , و عمل على إيجاد نص شرعي شرعي جديد اسمه الحديث .

    لم يكن الرسول نفسه , قد اعتمد الحديث مصدرا للتشريع , و لم يجمعه , و لم يوص بحفظه , و بالتالي , لم يكن الحديث كتابا محفوظا في صيغة محددة , يصعب تحريفها , أو الأضافة إليها . و من هذه الثغرة الطارئة , تسلل إلى الأسلام نص شرعي جديد , منقول أيضا عن الرسول , لكنه ليس هو القرآن .

    علم الحديث , أضاف إلى الأسلام , مصدرا جديدا للتشريع على أساس السنة . و هي فكرة ضمنت للخليفة الأموي , منفذا فقهيا طارئا , كان الخليفة الأموي في أمس الحاجة إليه .
    ........ للمنشور بقية

    هامش (1) : بشأن الزي الرسمي الذي يميز رجال الدين , جاء في كتاب العهد القديم : [ ... و اصنع ثيابا مقدسة لهارون أخيك للمجد و البهاء , و تكلم جميع حكماء القلب ( يعني الصناع المهرة ) .. أن يصنعوا ثياب هارون لتقديسه , ليكهن لي . و هذه هي الثياب التي يصنعونها : صدرة , و رداء , و جبة , و قميص مخرم , و منطقة و عمامة ] ( سفر الخروج 28) . و هو الزي الذي يرتديه فقهاء المسلمين الآن .

    ..يتبع
    ودمتم بسلام

    أخوكم في البؤس و التخلف و الشقاء

    تعليق


    • #3


      السادة رواد هذا المنتدى المحترمون؛

      تحية طيبة , .. و بعد
      إليكم بقية نص المنشور الرابع , التي تقول :



      ....... قلنا أن علم الحديث أضاف إلى الأسلام , مصدرا جديدا للتشريع على أساس السنة . و هي فكرة ضمنت للخليفة الأموي, منفذا فقهيا طارئا , كان الخليفة في أشد الحاجة إليه :

      فالسنة لها ثلاث درجات :

      الأولى : ما صدر عن النبي باعتباره صاحب الرسالة , مثل تبيين الشعائر , و شرح مجمل القرآن , و هي درجة واجبة على جميع المسلمين .

      الثانية : ما صدر عن النبي باعتباره صاحب السلطة الأدارية , مثل تجهيز الجيوش و جباية الزكاة , و الأشراف على الدواوين . و هذه درجة لا تلزم جميع المسلمين , بل تلزم رئيس دولتهم وحده, باعتباره خليفة الرسول .
      الثالثة : ما صدر عن النبي , بحكم موقعه على رأس السلطة التشريعية , مثل تعيين القضاة , و الفصل في الدعاوى , و الأشراف على تطبيق القوانين . و هي درجة أخرى , لا تلزم جميع المسلمين , بل تلزم رئيس دولتهم وحده .

      فإذا كان رئيس الدولة , هو خليفة الرسول حقا , و حاكما شرعيا انتخبه المسلمون بأغلبية الأصوات , يصبح تقسيم درجات السنة , تحديدا مفيدا لمسؤوليات الفرد و الدولة معا , أما إذا كان الخليفة , رجلا أمويا , اغتصب السلطة بقوة السلاح . فإن هذا التقسيم يجعله خليفة الرسول في شؤون الأدارة و القضاء , دون أن تنتخبه الأغلبية , و يمنحه بذلك حقا شرعيا , مستمدا من علم الحديث , و ليس من إجماع الناس . لقد فتح الخليفة الأموي لنفسه , في جدار الأسلام , ثغرة على مقاسه بمعاول الفقهاء .

      و خلال وقت قصير , كان الحديث قد أصبح علما جديدا , هدفه المعلن أن يحفظ سنة الرسول , و هدفه غير المعلن , أن يخول الفقهاء سلطة التشريع نيابة عن الغلبية , و قد عمد الأمام الشافعي إلى تحديد مصادر الشرع , في أربعة مصادر ,و هي القرآن و السنة و الأجماع القياس , و فسر الأجماع على أنه إجماع الصحابة , و ليس إجماع الناس أنفسهم , مما ترتب عليه تلقائيا , أن إنقسمت السنة بدورها , بين مذاهب الفقه , فأصبح للشيعة أحاديث , و للخوارج أحاديث , و للمرجئة أحاديث , و انفتح الباب المسحور , الذي سيحاول الفقهاء إغلاقه عبثا منذ ذلك الوقت حتى الآن بكتب تصحيح الأحاديث , و كتب تصحيح التصحيح .

      إن الأمام الشافعي , يتقدم بمصادر جديدة للتشريع , ليس بينها سلطة الناس أنفسهم , و هو خطأ لم يكتشفه المسلمون , ال بعد ظهور الديموقراطيات الحديثة في الغرب , مما ترتب عليه , أن أدار الفقه الأسلامي ظهره , للساطة الشرعية الوحيدة , و ترك الناس الأحياء في أرض الواقع , و ذهب يبحث عن حلوله في أقوال الصحابة , طبقا لمنهجين :

      احدهما يسمي نفسه مذهب العقل, لكنه لا يؤمن بعقول الناس , بل بعقول الفقهاء المتخصصين بعلوم الفقه . إنه لايحيل قضايا الجماعة إلى الجماعة , بل يعالجها في كتب الفقهاء العارفين بالقرآن و السنة , لكي يصدر بشأنها فتوى فقهية , قائمة على النظر و العقل . و هو موقف يشبه أن يتكلم علماء النحو نيابة عن الناس .

      والثاني يسمي نفسه مذهب النص , لكنه لا يعني نص القرآن , و هو مذهب الشيعة الذين يقولون بوجوب الخلافة في بيت علي بن أبي طالب , بناء على وصية من الرسول , رغم أن الوصية نفسها , ليست واردة في أي نص .

      على يد هذين المذهبين , تفرق الفقه الأسلامي بين المذاهب الى ما لا نهاية , و ظهرت في الأسلام من الفرق الدينية , أكثر مما ظهر في جميع الأديان مجتمعة في جميع العصور(2) و غاب صوت الأغلبية , وراء صوت الفقهاء . و أكثر من كل شيء آخر , غاب التفسير الجماعي الحي للقرآن (3) .

      فلم يعد فرعون , هو الحاكم المتسلط الذي يعيش حيا بين الناس , بل أصبح هو ملك مصر الذي تسلط على اليهود , خلال الألف الثانية قبل الميلاد .

      لم يعد الدين و هو الطريق إلى العدل في واقع الناس على الأرض , بل أصبح هو الطريق لتعويضهم في حياة غائبة أخرى .

      لم يعد الصابرون هم الناس الذين يصبرون على الشدائد في سبيل تغيير واقعهم . بل أصبحوا هم الناس الساكتين , الذين ينتظرون أن يتغير واقعهم بطول السكوت (4) .

      لم يعد جنود هامان هم الحرس الملكي الذي يسد الطريق إلى قصر الخليفة , بل أصبحوا قصة تاريخية , يرويها القرآن لغرض التاريخ , عن حرس ميتين , كانوا في حراسة طاغية ميت .

      لم يعد الرسول , هو صاحب الشرع الجماعي الذي احتوى جميع الأديان , بل صار الأسلام دينا إضافيا آخر , و غاب شخص الرسول نفسه , وراء أساطير اسرائيلية من عالم السحرة الأسرائيليين .
      إن اعتماد السنة مصدرا للتشريع , فكرة غير شرعية أصلا , إلاإذا كانت الأدارة في يد الجماعة , بموجب نظام قائم على صوت الأغلبية , أما دون هذا الشرط , فإن أحكام السنة , لا تفعل شيئا آخر , سوى أن تضع السلطتين الأدارية و التشريعة , باسم الشرع , في يدي حاكم غير شرعي , و تحتوي مصادر الثورة بين الناس , و تبرر لهم غياب العدل , باعتباره قضاء من الله نفسه . و تشل قدرتهم على فهم القرآن , و تسد أمامهم كل طريق ممكن إلى اكتشاف شرعه الجماعي العادل . و هي مهمة حققها فقهاء السنة و الشيعة بنجاح كبير , و كسوا بها الأدارة السياسية ثوب الشرع , و قدموها للناس بمثابة إدارة شرعية , مستوفية لجميع الشروط . لكن ذلك بالطبع , كان مجرد كلام جميل من فقهاء يحسنون الكلام . أما في أرض الواقع , فقد كانت الأدارة الأسلامية تواجه كارثة محققة على عتبة الباب . و كان هولاكو يدق أسوار بغداد , معلنا عزمه على دكها إلى الأرض السابعة . و الخيفة العباسي يحذره من غدر الزمان في رسالة , ختمها بقوله : .... أن كل من قصد أسرة بني العباس , كانت عاقبته وخيمة . فاحذر عين السوء من الزمان الغادر.

      إنتهى نص امنشور الرابع , و سوف يليه نص الهوامش .

      مع كل الود و الأحترام

      أخوكم في البؤس و التخلف و الشقاء

      تعليق


      • #4


        السادة الكرام ؛
        تحية , و بعد
        إليكم هوامش الموضوع :

        (2) - من الأحاديث التي شاعت بين رؤساء الفرق الدينية , حديث مؤداه أن الرسول تنبأ بأن (( تتفرق أمة المسلمين إلى ثلاث و سبعين فرقة كلها على ضلال , إلا فرقة واحدة فقط . )) و بموجب هذا اللغز , بدأ البحث عن الفرقة الناجية , و أجهد كل عالم نفسه , في تقسيم المسلمين إلى ثلاث و سبعين فرقة بالضبط , لكي يضع فرقته في المكان الشاغر , كما فعل عبد القادر البغدادي , و هو فقيه سني يقول عن السنة , في كتاب دعاه (( الفرق بين الفرق )) : [ .. هم الفرقة الناجية .. يجمعها الأقرار بتوحيد الصانع و قدمه , و قدم صفاته الأزلية , و إجازة رؤيته من غير تشبيه , و إباحة ما أباحه القرآن , و تحريم ما حرمه القرآن , و اعتقاد الحشر و النشر . و سؤال الملكين في القبر .. ]

        (3) - التفسير الجماعي للقرآن , ليس هو التفسير ( الحرفي إو الباطني , أو التاريخي أو العلمي ) , بل هو النظر إلى كتاب الله من زاوية الناس الأحياء الذين يخاطبهم هذا الكتاب في أرض الواقع .
        فقصة فرعون , ليست حكاية تخص المصريين القدماء , بل نموذج يلزم محوه من حياة المصريين إلى الأبد . إن القرآن - في منهج الجماعة - لا يلعن فرعون الميت منذ ثلاثة آلاف سنة , بل يلعن فرعون الحي , الذي يتناول إفطاره هذا الصباح , في قلعة عسكرية سرق نفقاتها من مال الناس العام , وسط حراسة مشددة من سيافين محترفين , يدفع رواتبهم من مال الناس نفسه , فالمشكلة لا تكمن في اسم فرعون شخصيا , بل في علامات عصره الأقطاعي , و هي علامات مميتة في كل عصر , لأنها تعني غياب الناس عن الأدارة , و وقوع جهاز الدولة في يد رجل , يحرسه جيش محترف , و يخدمه كهنة محترفون , لا يعرف ما يفعله في وحدته الهائلة سوى أن يتسلى ببناء الأهرامات , و يسخر جهد الأنسان الحي في رفع حجر كبير ميت .

        إن التفسير الجماعي للقرآن , ليس فقها , بل منهجا لربط لغة الفقه بلغة الواقع . و إصلاح الخطأ القديم , الذي تورطت فيه علوم التفسير , تحت وطأة الرقابة الأقطاعية .

        في منهج التفسير الجماعي للقرآن , تنتقل زاوية النظر من مقعد الفقيه إلى واقع الناس , و يتضح السبب الذي دعا القرآن إلى اختيار بعض الأحداث التاريخية من دون سواها . فالقرآن دستور للأدارة الجماعية , لا يهمه التاريخ , إلا بمثابة نموذج عن واقع الجماعة , عندما تجنمع في غياب هذا الدستور .

        إنه لا يروي قصة خروج اليهود من مصر , لأنهم شعب الله المختار , بل لأنهم لاذوا بالله من فرعون , و اجتمعوا معا تحت مظلة واحدة , و خططوا و نفذوا و عبروا البحر و الصحراء , إيمانا منهم بأن الله مع الجماعة ضد فرعون .

        و عندما نسي اليهود شرع الجماعة , و تورطوا بدورهم في مجتمع إقطاعي آخر, أزاحهم القرآن جانبا من مسرح التاريخ , و لم يذكرهم بعد ذلك إل بمثابة مزورين لكتاب الله .

        و قصة السيد المسيح , لا يضيف إليها القرآن شيئا جديدا على ما جاء في الأناجيل , لكنه يحذف منها مبدأ إبعاد السيد المسيح عن بقية الجماعة الأنسانية , بحجة أنه ليس من طبيعة البشر . فهذا مبدأ جدلي لا يخدم واقع الناس , بل يخدم مؤسسة أكاديمية , تسخر الكلام لكي تعيش عاطلة على حساب الناس .

        (4 ) - الأصل في كلمة الصبر , هي المقاومة . فشرط (( الصابر)) أن يكون حيا , و أن يعاني , و أن يعرف أنه يعاني , و هي شروط تحتم نشؤ المقاومة , و تحتم أن يتحرك الحي ذاته مرة , لتغيير واقعه , لأنه لا يستطيع أن يجلس (( صابرا)) إلى الأبد .

        إن الصبر - دون مقاومة - كلمة لا علاقة لها بمعنى الصبر في الأسلام . فالمسلم عليه أن يقاوم بيده و لسانه و قلبه . و دون عنصر المقاومة , لا يسمي الأسلام الناس الساكتين , باسم ((الصابرين )) بل يسميهم الناس الذين شهدوا على أنفسهم بالباطل . فالصبر على الظلم , ليس فضيلة , بل جريمة عقوبتها الحرق بالنار .

        إنتهى المنشور , مع خالص المودة و الاحترام

        ..يتبع
        _______

        تعليق


        • #5


          السادة رواد هذا المنتدى الأفاضل ؛

          تحية طيبة , و بعد

          إليكم نص المنشور الخامس و هو يقول ..:

          .... أقصر طريق يسلكه الحزب السياسي لكسب المعركة على السلطة , هي أن يلبس جبة الدين , و يطالب الدولة بتطبيق قوانين الشريعة . لكن مشكلة هذا الطريق القصير , أن قوانين الشريعة بالذات , لا تطبقها الدولة بل يطبقها المواطن , فإذا مرت المغالطة , و نجحت الأحزاب الدينية في مسعاها , و تم تطبيق قوانين الشريعة في دول الوطن العربي , حتى صار لكل حكومة بوابة رسمية على الجنة , فإن المواطن العربي شخصيا , سوف لن يشارك في هذا العرس , و لن يؤدي فيه دورا نافعا , سوى أن يحمل الطبل . إنه لا يستطيع أن يطبق الشريعة حتى بمعونة فقهاء الحزب .

          فالمشكلة من أساسها , أن المجتمع العربي نفسه , مجتمع غير شرعي , خلقته مؤسسات إقطاعية معادية لمعظم مبادئ اسلام , من مبدأ المساواة و الشورى , إلى مبدأ تحريم الحكم الفردي , و ضمان حرية الحوار و القضاء . و قد تأسس على نظرية تحكيم القوة , و التعصب الطائفي , و تقديس الخرافة , و تحول منذ عصر الحجاج بن يوسف و زياد بن أبيه إلى مجتمع من الصيادين , قائم برمته على شريعة [ اصطياد الفرص ] . و إذاشاءت الأحزاب الدينية أن تطبق قوانين الشريعة في مثل هذا المجتمع المعقد , فإن المواطن العربي نفسه , سوف يكون آخر من يسمع .

          فهذا المواطن لا يعيش في كتب الفقه, بل يمارس تجربة الحياة في مجتمعه عمليا , و يعرف أنه مجتمع تحكيم القوة , و ليس تحكيم الله , و أن ما يقوله رجال الدين بالذات , مجرد كلام في غياب الكلام , و هي رؤية يائسة - و غير دينية - لكنها أيضا رؤية مشروعة , لأنها مستمدة من قراءة الواقع , و قادرة على التعامل معه بنجاح . إن النص الشرعي يستطيع أن يقول ما يشاء على الورق , لكن المواطن الذي يعيش في مجتمع إقطاعي , يملك تحت تصرفه شريعة أخرى .

          فالدين يحرم الرشوة , لكن المواطن الذي يعيش في مجتمع اقطاعي , لا بد من أن يرشو كل موظف يقابله , بكل عملة مقبولة في السوق . لأن الخدمات العامة في مثل هذا المجتمع , ليست حقا دستوريا للمواطن , بل ((فرصة)) عليه أن يصطادها بصنارة . فإذا كان الصيد حوتا كبيرا مثل استخراج رخصة للمقاولات الأهلية , يكون الطعم نقودا و هدايا و خدمات خاصة . أما إذا كان الصيد مجرد سمكة صغيرة مثل استخراج شهادة ميلاد , فإن الوصفة الشعبية تحتم أن يرقص المواطن حاجبيه , و يقول للموظف محييا : [ صباح الخير يا عسل ] .

          و الدين يحرم ارتزاق المرأة بجسدها , لكن المرأة المحجبة التي تمنعها شريعة الأقطاع من فرصة التأهيل المهني , لا تستطيع أن تكسب عيشها دائما بالحلال . إنها ((تتزوج)) على سنة الله و رسوله , لكن شرعية هذا الزواج الناجم عن العجز و البطالة , أمر يصعب اثباته شرعيا

          و الدين يحرم السرقة , لكن المواطن الذي يعيش تحت سلطة اقطاعية , لا يستطيع ن يذهب وراء الدين إلى حتفه. فالملكية تحت هذه السلطة ليست حقا شرعيا للمواطن , بل غنيمة , عليه أن يكسبها في غارة عسكرية . و هو شرط لا يوفي به المواطن الأعزل إلا إذا تعلم فن القتال الليلي , و أتقن التسلل من وراء ظهر القانون . إنه لا يستطيع أن يملك شيئا بالحلال في مجتمع مسروق برمته .

          و الدين يحرم القتل , و يتوعد القاتل بالخلود في النار , لكن المواطن المجند لحراسة رجل اقطاعي , لا يعرف كيف يطيع هذا الدين , من دون أن يخالف دينا آخر . إنه لا بد من أن يحمل سلاحه ذات يوم , لكي يدافع عن سيده ضد الجياع و المظلومين بالذات . و هي مسيرة افتتحها الأقطاع في تاريخ المسلمين , بإبادة أسرة النبي شخصيا , و قصف الكعبة بالمنجنيق .

          و الدين يحرم الكذب , و يهدد الكذابين بقطع ألسنتهم . لكن ((رجل الأعلام)) الذي يعمل في خدمة نظام اقطاعي , لا يستطيع أن يكف عن نشر الأكاذيب , حتى إذا كان أخرس . إنه ملزم بتسويق بضاعة بدائية فاسدة , و ملزم بمخاطبة زبائن غاضبين لا يريدون الشراء . و في ظروف تجارية من هذا النوع , يبيح رجل الأعلام لنفسه أن يتكلم لغة الحواة , و يعتبر خداع الزبون شطارة , و يسمي الكذب سياسة إعلامية , بغض النظر عما سماه الله .

          و الدين يحرم حكم الطاغية , و يسمي الطاغية نفسه باسم [فرعون] . لكن المواطن الذي يعيش تحت سلطة فرعون شخصيا , لا يستطيع أن يردد هذا اللقب , حتى في منشور سري . إنه يعرف لغة الواقع , و يعرف أن الطاغية اسمه [ سيادة الريس] , و يهنئه بعيد ميلاده سنويا , في اعلانات ملونة على صفحتين .

          و الدين يحرم أكل السحت , و يعتبر تبذير أموال الناس , جريمة عقابها الحرق بالنار . لكن الأقطاعي لا يستطيع أن يتوقف عن أكل السحت , إلا إذا كان الدين يريده أن يموت من الجوع . فهذا رجل شبه معاق , لا يجيد حرفة مفيدة , و لا يصبر على مشقة العمل , يحتاج يوميا إلى ثروات طائلة , لدفع نفقات حراسه , و تغطية طلبات مساعديه , و شراء مديح الشعراء الذين تزايدت أسعارهم عصرا بعد عصر . و إذا كان الله لا يريد أن ينزل لمثل هذا الحاكم كنزا من السماء , فلا مفر من أن يأخذ الحاكم حاجته من الأرض . إنه يأكل السحت , و ينفق في يوم واحد ما لا يكسبه غيره في ألف سنة , و يشتري لنفسه من ضمائر ((علماء الدين)) ما يكفي لضمان حصته ((علميا)) في الجنة .

          إن الدعوة إلى تطبيق الشريعة في مجتمع غير شرعي , مثل مجتمعنا العربي الحالي , فكرة تعوزها روح العلم و الورع معا. لأنها مجرد شعار حزبي , مفصل على مقاس حزب سياسي , يريد أن يكسب معركة السياسة بسلاح الدين . و هو شعار مريب , له اغراض غير دينية , منها أن يضمن سلطة الفقهاء , في عصر لا يحتاج إلى فقهاء أصلا . ومنها أن يسد الطريق أمام الدعوة الحقيقية الوحيدة القادرة فعلا على تطبيق الشريعة . إن ضرب المسلمين باسم الأسلام , حل لجأ إليه الأقطاع في جميع العصور , لكنه حل يائس و قصير النظر جدا . [/color

          فالواقع أن الشرع الأسلامي , لا يمكن تطويعه لخدمة أغراض الأقطاع , لأنه لا يعيش معزولا في صوامع رجال الدين , بل يعيش بين الناس , في كتاب بلغتهم العربية , يخاطبهم مباشرة من دون مترجمين , و يقول لهم كل يوم إن أول شرط لتطبيق الشريعة , هو إنهاء مجتمع الأقطاع . و في وجه هذا المنشور السماوي , لا يملك الأقطاعيون و حلفائهم حلا , سوى أن يجلسوا في انتظار القارعة .

          فالمواطن العربي الذي تخوفه الأحزاب الدينية من شر الشيطان , آملة أن تكسب صوته في الأنتخابات , يعرف لغة الأسلام , و يعرف أن عدوه ليس اسمه ((الشيطان)) , بل اسمه ((فرعون)) , و أن التعويذة الوحيدة ضد هذا العدو المميت , هي احياء الشرع الجماعي , و إنهاء الوصاية على مصير الناس.

          المواطن العربي يملك نسخة من القاموس الأصلي , و يعرف أن تطبيق الشريعة , يحتاج أولا إلى مجتمع شرعي , و أن الناس الذين يعيشون تحت سلطة فرعونية , لا يملكون مثل هذا المجتمع , و ليس بوسعهم أن يطبقوا فيه شريعة أخرى سوى شريعة فرعون .

          فالقانون الذي يحكم بقطع يد السارق في مجتمع إقطاعي , لا يستطيع أن يسري على جميع الأيدي السارقة , و ليس بوسعه أن يحمي الناس ممن يسرقهم علنا .

          و القانون الذي يحرم دفع الفوائد المصرفية في نظام إقطاعي , لا يحرم الربا , بل يحارب الأدخار , إنه لا يستطيع أن يمنع عمليات الربا الحقيقية , مثل التلاعب بالأسعار , و احتكار السلع , و زيادة الرسوم الجمركية , و رفع نسبة العمولة , لأن هذه العمليات , تتم فوق رأس القانون , داخل غرف مغلقة , تحت حراسة رسمية من رجال القانون بالذات .

          و القانون الذي يحرم الأختلاط بين الجنسين , ليس تشريعا دينيا ضد الرذيلة , بل حلا اقطاعيا لتمرير الرذيلة بضمان من الشرع . فمنع الأختلاط يغلق باب العمل الشريف في وجه المرأة , و يحرمها من حقها في التأهيل المهني , و يجعل جسدها هو سلعتها الوحيدة القابلة للتسويق , مما يحيلها بقرار ((شرعي)) إلى مخلوق معاق , يتوقف بقاؤه على بقاء الأقطاع بالذات . و وراء جدران البيت الأقطاعي , تتحول المرأة إلى جارية , و تسري عليها شريعة الجواري , من إنكار حقها في الطلاق إلى إنكار حقها في الهرب , و إلزامها بالعودة إلى بيت الطاعة تحت حراسة الشرطة .

          و القانون الذي يمنع القمار و الخمر في مجتمع اقطاعي , لا يمنعها فعلا , بل يجعلهما لعنة ضرورية . فالمواطن لا ينفق حياته في شرب الخمر و لعب الورق , لأنه رجل فاسد , بل لأن حياته نفسها فاسدة , و جوفاء و كئيبة , و لا تحتوي شيئا مفيدا أصلا . و هي كارثة تحيق بحياة الناس في ظل الأقطاع بالذات , و تنشر روح الضياع بينهم , و تحيل جلسات الخمر و القمار إلى منافذ سهلة للهرب . و إذا شاءت الشريعة أن تدين هذا الواقع من دون أن تدين أسبابه , فإنها لا تحد من انتشار الخمر و القمار , بل تجعلهما وباء سريا .

          إن كل قانون تسنه الشريعة تحت سلطة الأقطاع , يصبح قانونا مسخرا لخدمته , و كل سلاح تشهره الشريعة للدفاع عن الناس , يتحول إلى سلاح ألهي ضدهم . لأن الخلطة نفسها مستحيلة من أساسها , و غير مستوفية لشروط الدين .

          فالأسلام الذي يبشر به القرآن , ليس شريعة تطبقها دولة , بل دولة أخرى في حد ذاته : إنه نظام محدد في الحكم , يقوم على مبدأ الشرع الجماعي , و يعتمد إدارة جماعية . و إذا شاءت الأحزاب الدينية أن تطوع هذا الشرع الجماعي لخدمة رجل واحدى , أو حزب واحد , فإن النتيجة الوحيدة المتوقعة من وراء هذا السحر السياسي , هي أن تقوم الدولة الأسلامية , و تسقط دولة الأسلام .

          تسقط حكومة الناس

          و يغيب الحوار السياسي , و يخسر المواطن صوته , حتى يصبح مواطن أخرس , و غير مسؤول شرعا عما يقال على لسانه بجميع الأصوات .

          و بعد ذلك يسود الصمت .

          و يفقد الناس حقوقهم في الأشراف على جهاز الدولة , فتتحول الميزانية العامة إلى ثروة خاصة , و يتحول الجيش إلى شرطة , و تصير الأمة مجرد ((رعية)) , و يتبنى القضاء شريعة الراعي , حتى يصبح الذبح و السلخ و الحلب وجز الصوف , أشغالا حكومية .

          و بعد ذلك يسود الهلع .

          و يفقد الناس قدرتهم على تحكيم العقل , و يكتبون لأنفسهم شريعة , تقطع يد لص , و تأمر بتقبيل يد لص آخر , متعمدة أن تقول صراحة إن الله الواحد , له لسانان , في شريعة الخراف .

          و بعد ذلك يغضب الله الواسع الرحمة , و يرحم هذه الخرفان بالتخلف العقلي .


          أخوكم في البؤس و التخلف و الشقاء

          ...يتبع

          تعليق


          • #6
            هذه المناشير البائسة الكاذبة لا نريدها !!

            اريد منك امر هل تعتقد بما قلته من المناشير وما ورد فيها فهذا هو ما يكتبه الملحدون ؟؟!!

            الجواب يكون
            نعم
            او
            لا

            وبالمناسبة ساقوم برد هذه المناشير الكاذبة البائسة المتخلفة ما استطعت ان ارد منها .
            التعديل الأخير تم بواسطة حبيب الائمة; الساعة 18-10-2009, 01:30 AM.

            تعليق


            • #7


              السادة رواد هذا المنتدى الكرام ؛

              تحية طيبة , و بعد

              إليكم نص المنشور السري السادس , و هو يقول :

              إذا وقف رجلان فوق التلة , واشارأحدهما إلى القمر بإصبعه , و أشار إليه الآخر بعكازه . فإن ذلك لايعني أن القمر إصبع أو عكاز , بل يعني أن الناس يشيرون أحيانا إلى شيء واحد , بأدوات مختلفة . هذه الحقيقة المألوفة , تظل مألوفة - و غير مزعجة - حتى نتذكر ما يحدث في اللغة .

              فاللغة أيضا أداة إشارة . إن كل كلمة فيها مجرد إصبع أو عكاز , يشير إلى شيء آخر , و ليس إلى الكلمة في حد ذاتها , و إذا شاءت ظروف ثقافة ما , أن تغيب هذه الحقيقة عن أعين الناس , و تخلط في قاموسها بين الكلمة و معناها , فإن ذلك خطأ عقابه دائما , أن يكسب القاموس كلمة , و يخسر الناس ضوء القمر . فمثلا :

              كلمة السلام أداة إشارة إلى واقع ملموس في أرض الواقع .. إنها ليست ستة حروف , بل إنها عمال و أطفال و نساء و مراهقون ينعمون بالسلام في مجتمع محرر من الفقر و الخوف و المرض . و إذا اختار الناس , أن يستبدلوا الحروف بمعناها , و يكتفوا بترديد كلمة السلام عليكم للتحية في ما بينهم , فإن ذلك عقابه طبعا أن تزداد التحيات كلمة , و يخسر الناس نعمة السلام . و مثلا :

              كلمة مسلم أداة إشارة إلى مواطن مسلم في أرض الواقع , صفته الأولى أنه لا يعيش في غابة , بل في جنة , لأنه مواطن في مجتمع محرر من سلطة الأقوياء . و إذا اكتشف أحد ما تعريفا آخر للأسلام , و تعلم المواطن أن يعيش مسلما خاشعا في غابة , فإن اللغة تكسب تعريفا فقهيا , لكن الناس يخسرون الجنة .و مثلا :

              كلمة الرحمة أداة إشارة إلى أن قوانين رحيمة في واقع الناس , لا تهضم حق العامل أو الطفل أو المراهق أو المرأة و العجوز . و إذا اختار الناس , أن يقبلوا الكلمة بديلا عن معناها , تذهب الرحمة إلى الموتى و لا أحد يرحم الأحياء . و مثلا :

              كلمة القرآن أداة إشارة إلى شرع جماعي , مسؤولة أمامه كل الجماعة . إنه ليس كتابا للمطالعة , بل دستور للتطبيق العملي في جهاز الأدارة . و إذا اختار الناس , أن يصبح القرآن , هو كلمات القرآن , و ليس شرعه الجماعي , يزداد عدد الكتب المقدسة واحدا و يتاجر المشعوذون بآيات الله في التعاويذ لشفاء المرضى , من دون أن يشفى - بعون الله - مريض واحد . و مثلا :

              كلمة الديموقراطية أداة إشارة إلى نظام رأسمالي , يحفظ توازنه , بتوزيع السلطة بين العمال , و أصحاب رأس المال . إنها ليست كلمة أوربية , بل شركات أوربية , و رؤوس أموال عاملة في الخارج , و إتحادات عمالية منظمة , و إذا اكتشفت السياسة في وطن فقير مثل الوطن العربي , ديموقراطية أخرى , دون عمال و لا رأس مال , و ذهب العرب طائعين وراء هذه الخدعة , فإن الديموقراطية لا تتحقق في أرض الواقع , لكن العرب يتورطون في كلمة أجنبية صعبة النطق . و مثلا :

              كلمة وطن أداة إشارة إلى أرض آمنة , محررة من الخوف و الحاجة , إنها ليست تراب الوطن , بل دستوره الشرعي , و إذا شاءت وسائل الأعلام , أن تغيب هذه الحقيقة عن واقع الناس , فإن ذلك يخلق إعلاما وطنيا عالي الصوت , لكنه لا يخلق الوطن نفسه .

              إن الكلمة التي تصبح بديلا عن معناها , تصبح مجرد فكرة تائهة في الفراغ , و تدخل تلقائيا في باب التيه المدعو باسم الأيديولوجية . فهذا المصطلح المغترب في لغتنا , جاء للتعبير عن واقع غريب حقا (1) .

              إنه لايعني العقيدة , لأنه لا يشترط التطبيق العملي , بل يشترط أداء الطقوس , ويقوم على افتراض مؤداه , أن الكلمة هي الفعل نفسه , و أن الأفكار تعيش في اللغة , و ليس في واقع الناس . فاليهود هم شعب الله النختار , لأن لغتهم العبرية تقول إنهم كذلك , و ليس لأن سلوكهم اليومي , له علاقة بحب الله . و بهذه المغالطة المميتة , تستطيع الأيديولوجية أن تعيش في لغة الجماعة , من دون أن تلمس واقعها , و أن تكون أفكارا مضيئة , في وطن مظلم , و بديلا عن الأمان في وطن خائف , و بديلا عن العدل في وطن مقهور , إن الأيديولوجية تستطيع أن تتكلم , بينما جميع الناس ساكتون , و ذلك للأسف , ما حدث للأسلام في غياب شرعه الجماعي .
              لم يسكت صوت القرآن , و لم يكف الناس عن الصلاة و الصوم و الحج و إيتاء الزكاة .

              لم تغب شعائر الأسلام , لكن الأسلام نفسه , أصبح أيديولوجية , تعيش في لغة الناس , و ليس في واقعهم , و هي محنة ثقافية قاسية , علامتها أن يتورط المواطن في لغة بديلة عن لغة الواقع , كما يبدو العكاز بديلا عن القمر . إن مصطلحات الشرع الأسلامي , تعايش هذه المحنة منذ عصر معاوية .

              فقد تسبب غياب الأدارة الجماعية , في عزل الدين عن الدنيا و أطلق يد السياسيين في تبرير هذه المخالفة تبريرا فقهيا مؤداه , أن الدنيا نفسها ليست نهاية المطاف , و أن المسلم الذي يخسر حقه في هذه الدنيا ((يعوضه)) الله منه في حياة أخرى , و هو تفسير يريد أن يبدو إسلاميا , لكنه في الواقع ليس إسلاميا جدا .

              فالأسلام لا (( يعوض )) الناس عن خسائرهم , بل يضمن لهم أن يحصدوا ما زرعوه , و هو طرح جديد , و طاريء على تاريخ الأديان , مثل دستور الحكم الجماعي نفسه .

              فحتى القرن السابع , كانت فكرة الحياة بعد الموت سلاحا في يد المؤسسات الدينية , تسخره للدفاع عن نصيبها في الأدارة , باعتبارها سلطة ((غير دنيوية )) . و قد عمد اليهود الفريسيون إلى استغلال هذا السلاح في تكفير خصومهم السديوسيين , و حرمانهم من البعث في حياة أخرى , فيما طوره قداسة البابا في وقت لاحق , و انشغل ببيع صكوك الغفران لمن يشتري مكانا في الجنة .

              كانت الحياة الأخرى , تضمن للمؤسسات الدينية , سلطة دستورية في هذه الحياة الدنيا , و كانت كل الطرق إليها , تمر رسميا من خلال المؤسسة . و طوال الفترة الواقعة بين عصر سومر , في الألف الثالثة قبل الميلاد , و ظهور الأسلام , كان رجال الدين قد طوروا فكرة الحياة بعد الموت , إلى صناعة كهنوتية على درجة عالية من التخصص و التعقيد , و كانت لغة السحرة , قد ألغت لغة الدين , و نجحت في إقرار حلول سحرية بحتة , للمشاكل المميتة في واقع الناس , من علاج المرضى بالتعاويذ , إلى استغلال شقاء المواطنين , بحضهم على ضمان تعويضهم بعد الموت , عن طريق القرابين , و أداء الطقوس , و الأعتراف للكاهن .
              لم يكن المواطن مسؤولا عن مصيره , في هذه الحياة , أو في الحياة الأخرى , بل كان مصيره , يتقرر تلقائيا في يوم مولده , فالأقطاعيون يولدون في الأسر الأقطاعية , و الفقراء يولدون في الأسر الفقيرة , و المختارون يولدون في شعب الله المختار , و الموعودون بالجنة , يولدون في كنيسة مخصصة لغفران الذنوب . و إذا كان البروتستانت , قد عادوا فأصلحوا هذا الأنحراف في وقت متأخر حقا , بعد أحقاب طويلة قضاها الأوربيون في تلقي المغفرة من القسس , أملا في الصعود إلى مملكة في السماء , تعوضهم عن ضياع مملكتهم في الأرض . و هي أحقاب امتدت في ظلام العصور الوسطى , منذ إنشاء الكنيسة خلال القرن السادس إلى عصر مارتن لوثر في القرن السادس عشر . إن الأسلام , أصلح هذا الأنحراف , قبل أن يولد مارتن لوثر بزمن قدره 793سنة فقط .
              ......... للمنشور بقية

              و دمتم بسلام
              ___________

              تعليق


              • #8
                المشاركة الأصلية بواسطة حبيب الائمة
                هذه المناشير البائسة الكاذبة لا نريدها !!

                اريد منك امر هل تعتقد بما قلته من المناشير وما ورد فيها فهذا هو ما يكتبه الملحدون ؟؟!!

                الجواب يكون
                نعم
                او
                لا

                وبالمناسبة ساقوم برد هذه المناشير الكاذبة البائسة المتخلفة ما استطعت ان ارد منها .

                اترفع عن الرد على هذا المستوى ولن انساق الى الشتائم


                مع الود والاحترام...

                تعليق


                • #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة نوتردام



                  اترفع عن الرد على هذا المستوى ولن انساق الى الشتائم


                  مع الود والاحترام...

                  من الذي سبك !!

                  سئلتك هل انت تعتقد بها لان من يعتقد بهذه المناشير هم أهل الالحاد ووصفتها بالبائسة فانها بائسة حسب ما اراه لانها كذب في كذب فان كنت تعتقد فيها فنحن هنا للحوار فتفضل اجب هل انت تعتقد بانها صحيحة وهداك الله .

                  وأن أبيت الحوار نرجوا من السادة المشرفين على المنتدى أن يلزموك بالقوانين وأن أبيت نرجوا غلق الموضوع .
                  التعديل الأخير تم بواسطة حبيب الائمة; الساعة 18-10-2009, 04:40 PM.

                  تعليق


                  • #10


                    هوامش المنشور

                    (1) --- تستطيع الأيديولوجية أن تعيش في لغة الناس دون أن تلمس واقعهم . فعندما كان الخليفة المنصور يضرب قرى الفلاحين بجيوشه النظامية في شرقي العراق , و ثورة الزنج تجتاح البصرة , و الناس تعاني المجاعة بسبب إرتفاع أسعار الدقيق , كان الفقه الأسلامي في أوج مجده و ازدهاره , و كانت مملكة الفقهاء قد اتسعت لكي تضم طوائف لا حصر لها , منها , في جبهة السنة : القدرية و الدهرية و الجهمية و المجسمة و الحشوية و المرجئة . و منها , في جبهة الشيعة : الأمامية السبعية , و الأمامية الأثنى عشرية و الأسماعيلية و السبئية و العليائية و الكيسانية و السليمانية و الخطابية و الراوندية و النعمانية و الشرمقية . و كان الحماس يبلغ أشده بين هؤلاء الفقهاء المتجادلين إلى حد استعمال العصي و التشابك بالأيدي . قال ابن الأثير : [ تجادل رجل من الخوارج اسمه عبيدة مع مساور , و كان الخلاف بينهما على توبة الخاطيء . فقال مساور (( تقبل توبته )) و قال عبيدة ((لا تقبل )) فجمع عبيدة جمعا كبيرا , و سار إلى مساور , فتقدم إليه مساور بجيش من أتباعه . فالتحموا بنواحي جهينة بالقرب من الموصل في جمادي الأول سنة 275هجرى و اقتتلوا اشد القتال ] .

                    الصفة الظاهرة في هذه الأيديولوجية , إنها تستعمل لغة القرآن , لكي تتحصن بكتاب الله , و ليس بشرعه الجماعي , مما يجعلها تنطق في الظاهر بلسان الأسلام , و تعمل في أرض الواقع بمثابة بديل منه , في مسرحية متقنة , لا يكشفها سوى أن مفهومات لغة الأيديولوجية لا تتحدث أبدا بلسان الجماعة .

                    فالعفة , مثلا , تعني في الأيديولوجية التي خسرت شرع الأسلام الجماعي , عفة المرأة , و عفة اللسان , لكنها لا تعني عفة المجتمع الأسلامي نفسه الذي تزدحم فيه الجواري و الخصيان و المتسولون .

                    و الأمانة مثلا , تعني في الأيديولوجية , إعادة الحق إلى أصحابه , لكنها لا تعني إعادة حق الطفل و المراهق و المرأة و العجوز , في بنود الميزانية العامة .

                    و الصدق مثلا , ليس هو أن يكون المجتمع صادقا ويكف عن الكذب العلني في صحفه و إذاعاته , بل هو أن يلتزم المواطن الوحيد بعدم الكذب .

                    و التقوى مثلا , ليست هي أن يكون المجتمع تقيا , و يحرر نفسه من مصالح المرابين و المرتشين و أصحاب الوساطات , بل هي أن يكون المواطن تقيا في مجتمع يزدحم بالمرابين و المرتشين و أصحاب الوساطات .

                    كل فضيلة سنها شرع الأسلام الجماعي بمثابة مسؤولية جماعية , أصبحت في ايديولوجيا الأسلام , مسؤولية مواطن واحد , قد يقوم بها , أو لا يقوم بها دون أن يغير ذلك من الواقع شيئا . فالأيديولوجيا في حد ذاتها هي الواقع , وهي كل ما يملكه الناس بين أيديهم , في غياب الشرع الجماعي .
                    ردا على هذا الأنحراف , شهد تاريخ الأسلام صياغتين لمعنى الثورة , إحداهما تدعو إلى تدمير الأدارة الأسلامية بالقوة , مثل ثورة القرامطة , و الأخرى تدعو إلى تحرير الأدارة من سيطرة الأيديولوجية , و هي الصياغة التي اشتهرت على يد الحسين بن منصور الحلاج باسم نظرية الحلول, في محاولة اكاديمية لألغاء مسؤولية الفقهاء عن الدين .

                    فقد جرب الحلاج أن يستعيد مبدأ الأدارة الجماعية في الأسلام , اعتمادا على لغة الأسلام , و أنكر مسؤولية الفقهاء , و كان يردد (( اتقوا فراسة المؤمن , إنه ينظر بنور الله )) . و عندما أطبق الفقهاء على الحلاج , و قدموه للمحاكمة التي خلدت اسمه في التاريخ , لم يكن الفقهاء يحاكمون رجلا , بل كانت الأيديولوجية الأسلامية , تحاكم شرع الأسلام نفسه , و كانت الكارثة قد تصاعدت فجأة إلى هذا الحد .

                    إن قاضي الحلاج , و هو فقيه مشبوه أسمه أبو الحسين بن الأشناني , يفتتح الجلسة بقول الله تعالى : [ إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا و لهم في الآخرة عذاب عظيم ] . و باختيار هذه الآية , يكون القاضي قد أدان الحلاج سلفا , و علق في عنقه الجرائم التي ارتكبتها الأيديولوجية الأسلامية ضد شرع الأسلام الجماعي , بموجب نص من القرآن نفسه :

                    فالحلاج الأعزل الذي ينادي بحق الناس ضد الدولة و المؤسسة الدينية , أصبح هو عدو الله و رسوله .

                    و الدعوة إلى رفع الظلم عن أهل الأرض الجياع , اصبحت هي الفساد في الأرض . و المحكمة المنعقدة تحت سلطة الوزير أبي الحسن بن الفرات أصبحت هي الشرع العادل المستمد من كتاب الله .

                    و الفقيه ابن الأشناني الذي قيل عنه إنه ( أنف في السماء و إست في الماء ) أصبح هو الناطق الرسمي , باسم الله و رسوله معا .

                    (2) ---- في كتاب الأشارات الآلهية , قال أبو حيان التوحيدي , مخاطبا الفقهاء : (( ... و العجب أنك أيها العالم الفقيه و الأديب النحوي تتكلم في إعرابه و غريبه [ يقصد القرآن ] و تأويله و تنزيله , و بأي شيء تعلق , و كيف حكمه في ما خص و عم , و دل و شمل , و كيف وجهه , و كيف ظاهره و باطنه , و مشتمله و رمزه , و ماذا أوله و آخره , و أين صدره و عجزه , و كنايته و إفصاحه , و كيف حلاله و حرامه , و بلاغته و نظمه , و غايته و درجته و مقامه , و من قرأ بحرف كذا , و بحرف كذا , ثم لا تجد في شيء مما ذكرتك به , و وصفتك فيه , ذرة تدل على صفائك في حالك , و إدراكك ما لك , بل لا تعرف حلاوة حرف منها , فعلمك كله لفظ , و روايتك حفظ , و عملك كله رفض .... ))

                    (( ... إلى متى نعبد الصنم بعد الصنم , كأننا حمر أو نعم ؟ إلى متى نقول بأفواهنا ما ليس في قلوبنا . إلى متى ندعي الصدق , و الكذب شعارنا و دثارنا ؟ .. إلى متى نستظل بشجرة , تقلص عنا ظلها , إلى متى نبتلع السموم , و نحن نظن أن الشفاء فيها ؟ ))

                    انتهى المنشور السادس مع الهوامش
                    ..بتبع

                    مع التحية..

                    تعليق


                    • #11


                      السادة رواد هذا المنتدى ؛

                      تحية طيبة , و بعد

                      إليكم نص المنشور السري السابع , و هو يقول :

                      كلمة (( باحث إسلامي )) التي شاع استخدامها منذ عصر سيد قطب , قد تكون لقبا أكثر بريقا من لقب (ساحر) , لكنها في لغتنا العربية مجرد مرادف جديد , استعاره السحرة من قاموس العلم الحديث , من دون أدنى التزام بمنهج العلم نفسه , في محاولة صريحة , لتسويق بضاعة كاسدة تحت اسم اكثر تشويقا .

                      الصفة المميزة لمثل هذا النوع من (( الباحثين )) أنهم تعرضوا في سن مبكرة لعمليات غسيل المخ الواسعة النطاق , التي فرضتها سياسة التعليم في البلدان العربية باسم (التربية الدينية ) منذ انتشار نظام التعليم الألزامي عند منتصف القرن الماضي . ففي ظروف التحالف القائم بين الأقطاع و رجال الدين , اختار الحاكم العربي أن يتبنى نظام التعليم الألزامي , من دون قاعدته الدستورية المتمثلة في فصل الدين عن الدولة . و هو تدبير نجم عنه أن انقسمت سلطات الحكم بين شريكين , احدهما اقطاعي يشرف على شؤون السياسة و المال . و الآخر فقيه يشرف على شؤون التعليم و التشريع .

                      خلال الخمسين عاما التالية , كان نظام التعليم الألزامي قد أصبح وسيلة شرعية لتسليم ملايين الأطفال العرب , في عهدة فقيه جاهل يتولى حشو أدمغتهم بمعلومات مجهزة عمدا لشل عقل الطفل , و تدمير قدرته على التفكير المنطقي بالذات . فمشكلة النص الديني أنه لا يقدم (( معارف )) بل يقدم ((حقائق)) لا مناص من قبولها , مهما بدت خارجة عن حدود العقل , من قصص الشياطين و المخلوقات النارية , إلى معجزات فلق البحر و إحياء الموتى و العروج في السماء على ظهور الخيول المجنحة . و هي معضلات يواجهها الكبار عادة بأنواع من التأويل و الأنكار, أما الطفل .. فإنه لا يستطيع أن يؤولها , أو يجد لها حلا آخر سوى أن يلغي عقله فعلا , و يروض نفسه على التعايش معها في الظلام .

                      في عتمة هذا الظلام الموحش . عاش ((الباحث الأسلامي )) المشار إليه , منقسما على نفسه بين عصرين : فهو من جهة يعيش مثل معلمه الفقيه , في عصر السحر الذي يقوم على قاعة مؤداها أن كلمات النص الديني , لها قوة سحرية كامنة في حروفها , تجعلها قادرة على تغيير سنن الطبيعة , مهيأة - بالتالي - لتحقيق جميع ألوان المعجزات , و هي قاعدة نجم عنها (( تقديس الكلمة )) باعتبارها مصدر للبركة و اللعنة على حد سواء ؛ مما أحال القرآن من (( بيان للناس )) إلى كنز غريب من الكلمات السحرية التي لا تشفي المرضى , و تبارك الرزق , و تحمي من الحسد فحسب بل تحوي جميع أسرار العلم في جميع العصور , أو كما قال الشيخ الشعراوي :

                      (( لقد جاء هذا القرآن الكريم ليكنز أسرار الوجود حتى تجيء العقول المهيأة بالقدرات و الأمكانات لأن تفهم بعض أسرار القرآن ..)) و في صياغة ((باحث)) آخر : (( إن دراسة القرآن دراسة علمية على يد نخبة من علماء العالم , سوف تساعد العلماء في اتخاذ الأتجاه الصحيح نحو تحقيق و إثبات معادلات هذا الكون الشاسع, و تبيان أسرار الكرة الأرضية , و معرفة الألغاز التي يتكون منها الأنسان ..))

                      ...... للمنشور بقية

                      مع خالص المودة .

                      تعليق


                      • #12
                        يا زميل هداك الله اجبني هل تقر بما اتيت به !!

                        تعليق


                        • #13



                          السادة رواد هذا المنتدى الكرام ؛
                          تحية طيبة , و بعد

                          تقول بقية المنشورالسابع :

                          . . . من جهة أخرى , كان (( الباحث الأسلامي )) يعيش شخصيا في عصر العلم التجريبي الذي لا يقدس المعرفة , و لا يعتبر الكتب الدينية مصدرا للعلم , و لا يعترف بمبدأ العصمة من الخطأ , و لا يعول على أقوال رجال الدين بالذات . و هو موقف لم يكن في وسع هذا (( الباحث )) أن يحتويه في عالمه المسحور و إلا بوسائل الخداع البصري , على عادة السحرة في إيجاد الحلول . بين هذين النقيضين , لم يكن في وسع (( الباحث الأسلامي )) أن يقدم للنص الديني خدمة أخرى , سوى أن يحيله إلى نوع غريب من (( السحر العلمي )) الذي لا يستمد شرعيته من موقعه كعقيدة مقدسة , بل من كونه علما عصريا مكتوبا بالشيفرة , يمكن إثبات نتائجه في ضؤ العلم الحديث , بالتجربة و الحساب , و هي فكرة تبدو دينية في الظاهر , لكنها في الواقع معادية جدا لمفهوم الدين .

                          أحد هؤلاء (( الباحثين )) عمد إلى تسخير الحاسبات في إحصاء حروف القرآن و كلماته ؛ و خرج بنتيجة (( علمية )) مؤداها :

                          (( إنه من أوجه إعجاز القرآن التي ظهرت الآن , إعجازه العددي الذي اكتشف منذ بضع سنين . و لا يزال يتوالى و يتضاعف , و يظهر فيه الجديد في كل حين . و ما بقى لأكثر مما سبق معرفته أصنافا مضاعفة ..... ))

                          و بعد هذه المقدمة , يعرض الباحث نماذج من المعجزات :

                          - كلمة (( الشهر )) تكررت في القرآن الكريم 12 مرة , أي بقدر شهور السنة .
                          - كلمة (( اليوم )) تكررت 365 مرة , أي بقدر عدد أيام السنة .
                          - كلمة (( الرحمن )) تكررت 57 مرة , و تكرر لفظ (( الرحيم )) 114 مرة , أي بمقدار الضعف, و هو عدد سور القرآن .
                          - ذكرت (( المغفرة )) 234 مرة , بينما ذكر (( الجزاء )) 117 مرة فقط , لأن المغفرة ضعف الجزاء .
                          - حروف البسملة تساوي 19 حرفا , و هو الرقم الذي ورد في قوله تعالى [ عليها تسعة عشر ] (سورة المدثر ) .
                          - الرقم 19 له هوية سرية في القرآن . فهو يساوي عدد كلمات سورة العلق . أول ما نزل من القرآن . و يساوي أيضا عدد كلمات آخر آية . كما أن عدد الحروف في قوله : [ إياك نعبد و إياك نستعين ] يساوي 19 حرفا . و كذلك في قوله : [ اهدنا الصراط المستقيم ] .

                          و عند هذا الحد , يكون القاريء قد تلقى فحوى الرسالة , ووقف مذهولا أمام حشد من (( الحقائق العلمية )) التي لا يستقيم تفسيرها إلا بالشك في جدوى العقل من أساسه , و هو موقف خرافي معقد يستطيع أن يشل قدرة الأنسان على المنطق , و يحيله إلى مخلوق غيبي تائه بين عوالم أسطورية مسحورة , إلا إذا شاءت الصدف , أن يعمد المرء ألى مراجعة أقوال (( الباحث الأسلامي )) على نص القرآن : إذ ذاك سيكتشف أن نتائج السيد الباحث , ليست حقائق , و ليست علمية , بل مجرد حيل معدة عمدا لخداع الجمهور , مثل جميع حيل الحواة .

                          فمثلا كلمة (( الشهر)) لم ترد بهذه الصيغة 12 مرة , بل 6 مرات فقط . لكن الباحث أضاف إليها كلمة (( شهر )) من دون آداة التعريف , و أهمل بقية الصيغ الأخرى مثل (( أشهر , و شهور , و شهرين )) متعمدا أن يحصل على الرقم 12 , بغض النظر عن الألتواء الواضح في منهجه الأنتقائي , و هو منهج لا يخلو من روح العلم فحسب , بل يخلو أساسا من روح الأمانة .

                          و مثلا : كلمة (( اليوم )) لم ترد 365 مرة , بل وردت 480 مرة على الأقل في صيغ منها (( يوم , و يومكم و يومهم و يومين و أيام و أياما و يومئذ )) , لكن السيد الباحث اختار منها صيغة (( اليوم )) فقط , و عندما اكتشف أن العدد المتوافر من هذه الصيغة , لا يفي بالمطلوب , أضاف إليها كلمة (( يوم )) من دون أداة التعريف , متعمدا أن يهمل كلمة (( يومئذ )) التي تتكون في الواقع من كلمتي (( يوم ذاك )) . و الطريف في الأمر أن الباحث نسي في غمرة حماسه أن السنة ذات الثلاثمئة و خمسة و ستين يوما , هي سنة التقويم الشمسي الذي لا يستخدمه القرآن أساسا .

                          و مثلا : لفظ (( الرحيم )) لم يتكرر بعدد سور القرآن , كما يزعم الباحث , أي 114 مرة , بل تكرر 115 مرة . لكن السيد الباحث رأى أن يحذف الرقم الزائد , لمجرد أنه أفسد عليه لعبته الحسابية , و هي فكرة مريبة لا يقبلها علم الحساب بالذات , حتى من باب الهزل .

                          أما الزعم بأن الرقم 19 له هوية سرية في القرآن , منها أن البسملة تتكون من 19 حرفا , و كذلك قوله (( إهدنا الصراط المستقيم )) . ..إلخ , فهو خطأ تورط فيه الباحث بسبب جهله بتاريخ الخطوط السامية . فالخط العربي المستمد من الخط النبطي , لم يستخدم الألف لكتابة الصائت الطويل في وسط الكلمة إل في مرحلة متأخرة نسبيا , مما نجم عنه اختلاف ظاهر في رسم كثير من كلمات القرآن بالذات , مثل كتابة كلمة (( السموات )) بدل (( السماوات)) و (( الله )) بدل و (( اللاه )) و (( الرحمن )) بدل (( الرحمان )) و (( الشيطن )) بدل (( الشيطان )) . و لو عاد الباحث إلى أي مصحف , لوجد أن جملة (( إهدنا الصراط المستقيم )) مثلا تضم 18 حرفا و ليس 19 , بسبب حذف الألف من وسط كلمة (( الصراط )) .

                          و الثابت , أن نتائج البحث بأسره , هي مجرد احكام ملفقة , نجمت عن منهج انتقائي موجه لشد انتباه القاريء إلى الزاوية الخاطئة , بوسائل الخداع البصري وحده . فالباحث لا يملك (( حقائق علمية )) و لا يلتزم بمناهج العلم , لأن مهمته سحرية بحتة , و قائمة أساسا على تطويع الدين في خدمة السحر .

                          النوع الثاني من (( الباحثين )) يسلك طريقا أكثر ألتواء و أقل مراعاة لأبسط شروط البحث ... إنه ينطلق من افتراض مؤداه أن القرآن ليس هو نص القرآن , بل هو الشيفرة السرية الكامنة بين السطور , التي تضم كل العلوم في كل الأزمنة , و تحتوي على كنوز المعارف المتاحة للجنس البشري في الماضي و الحاضر و المستقبل . و هو افتراض مريب , لا يقول به القرآن نفسه , و لا يستند إلى مفهوم الدين , و ليس ثمة ما يبرره سوى اعتقاد (( الباحث )) أن النص المقدس - مثل الكنز المسحور - ثروة يسهل الحصول عليها , بقليل من الشطارة في فك الطلاسم و الرموز .

                          فمثلا : قول القرآن على لسان يوسف : { يا أبي إني رأيت أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر رأيتهم لي ساجدين } يفسره أحد (( الباحثين )) بقوله :

                          (( القرآن يحدد أحد عشر كوكبا . و نحن نعرف تسعة كواكب فقط . إذن , فهناك كوكبان لم نكتشفهما بعد . ألا نجد في هذا حثا على اكتشاف كواكب لم نعرفها بعد ؟ و أليس هناك تحديد لما سوف نتوصل إليه لو بحثنا ؟ .. هل يلاحظ القاريء مدى الأستفادة التي يجنيها العلم و البشرية من الأهتداء بقول القرآن ؟

                          و الواقع أن التوراه أيضا تقول في سفر التكوين على لسان يوسف : { إني حلمت حلما . و إذا الشمس و القمر و أحد عشركوكبا ساجدة لي } (( تكوين 10)) . و هي جملة يوردها القرآن بنصها , و لو عاد إليها (( الباحث )) لوفر على نفسه , و على الجنس البشري , متاعب البحث عن الكواكب الضائعة . فالرقم يشير إلى اخوة يوسف , و عددهم احد عشر , بناء على قول الأصحاح الثاني و الأربعين : { فنزل عشرة من إخوة يوسف ليشتروا قمحا من مصر . و أما بنيامين فلم يرسله يعقوب مع اخوته } (( تكوين )) .

                          مشكلة المنهج عند هذا النوع من (( الباحثين )) أنه يرتكز إلى نظرية شعوبية , ليس ثمة ما يسندها سوى حاجة (( الباحث )) إلى دعم نتائجه مقدما , بثلاث قواعد مختلفة , و غير بريئة من رذيلة التعصب الأعمى :

                          القاعدة الأولى : أن البشرية - قبل نزول القرآن - كانت مجرد قطيع من الهمج الذين لا هم لهم سوى عبادة الأوثان و قبل بعضهم بعضا في خدمة طغاة متألهين من طراز فرعون .

                          القاعدة الثانية : أن هذا المجتمع الشيطاني , لم يكن في وسعه أن يقدم لمسيرة الحضارة سوى الأساطير و الخرافات , فلم يكن ثمة من يعرف شيئا عن خلق الكون أو تطور الجنين في الرحم , أو شكل الأرض أو موقع المدار القمري بالنسبة إلى الشمس .

                          القاعدة الثالثة : أن القرآن وحده , هو الذي غير هذا الواقع , و أضاء الطريق المظلم فجأة , بما أورده من حقائق علمية , فتحت أبواب المعرفة أمام العقل البشري في جميع المجالات , من ميدان التشريع و القضاء , إلى ميادين الطب و الفلك و علم الأرصاد الجوية .

                          من هذه القواعد المعدة على المقاس , يتقدم (( الباحث الأسلامي )) لكي يثبت (( إعجاز القرآن العلمي )) في مقاطع إنشائية فضفاضة , ليس ثمة ما يميزها سوى غياب المنهج العلمي بالذات .

                          فمثلا : قول القرآن { و لقد خلقنا الأنسان من سلالة من طين . ثم جعلناه نطفة في قرار مكين . ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقما المضغة عظاما فكسونا العظام لحما }

                          هذه الآيات تتحول على يد (( الباحث الأسلامي )) إلى كشف علمي صاعق , يستحيل صدوره عن معارف القرن الميلادي السابع , لأن أحدا في الأرض بأسرها , لم يكن يعلم شيئا عن مراحل تطور الجنين في الرحم . و هو زعم خاطيء جملة و تفصيلا ؛ لأن علم الأجنة كان قد تطور إلى درجة عالية على يد خبراء التحنيط في مصر القديمة , فيما نشر ابيقور دراسات متخصصة في هذا الموضوع بالذات , منها كتابان احدهما بعنوان (( طفل السبعة أشهر )) و الآخر بعنوان (( طفل التسعة أشهر )) بالأضافة إلى مرشد للجراحين عن (( تفكيك الجنين في الرحم )) و قد شاعت هذه الأعمال بين أطباء الشرق الأوسط , منذ احتلال الأغريق للمنطقة خلال القرن الرابع قبل الميلاد . و كانت مكتبة الأسكندرية - التي ضمت حوالي نصف مليون مجلد - تحتوي على فرع خاص بعلم الأجنة و أمراض الحمل و الولادة . و الواقع أن النص القرآني لا يورد معلومات جديدة , بل يردد المعلومات المتوافرة في عصره , و منها ألأن الجنين يوجد كاملا في نطفة الرجل , و هي نظرية وردت في سفر أيوب على النحو التالي :

                          { ألم تصبني كاللبن و خثرتني كالجبن , كسوتني جلدا و لحما فنسجتني بعظام و عصب } (( سفر أيوب 10-12 ))

                          و مثلا قوله تعالى : { و هو الذي جعل الشمس ضياء و القمر نورا } يصبح سرا علميا مثيرا بالنسبة إلى (( الباحث الأسلامي )) الذي يعلن عن دهشته صارخا :

                          (( .... إن الأمم التي تملك زمام العلم في هذا القرن العشرين , أعدمت منذ بضع مئات من السنين علماء و فلكيين قالوا بأن نور القمر هو نور الشمس بعد انعكاسه , و أن ذلك نتيجة أن القمر و الأرض و الشمس ماهي إلا أجرام كروية الشكل لها دورانها حول نفسها و لها دورانها حول بعضها .. أليس ذلك أمرا محزنا ! ))

                          و المحزن فعلا , أن المرء لا يعرف من هم العلماء و الفلكيون الذين جرى إعدامهم , كما يزعم (( الباحث )) فالتاريخ لا يسجل إعدام عالم أو فلكي واحد , بسبب ما قاله عن الشمس أو لم يقله . و إذا كان الباحث يشير إلى كوبرنيكس , فقد مات هذا السيد على فراشه , و هو يحتضن أول طبعة من كتابه عن (( حركة الأجرام السماوية )) الذي كان قد أهداه للبابا بولس الثالث شخصيا . أما جاليليو فإن اقسى حكم صدر ضده هو (( حبسه )) في بيت صديقه اسقف سيانا . و الواقع أن انعكاس ضوء الشمس على القمر لم يكن سرا علميا , بل كان حقيقة شائعة جدا قبل نزول القرآن بألف سنة على الأقل , فمنذ القرن الخامس قبل الميلاد كان أنكساغوراس قد أعلن :

                          (( إن القمر ليس جسما وهاجا بل كوكب يستمد نوره من الشمس )) .

                          و مثلا : { و الأرض بعد ذلك دحاها } , و هي آية يتعمد كل (( باحث اسلامي )) أن يوردها في معرض التدليل على أن القرآن قد سبق زمانه بتحديد شكل الأرض شبه الكروي . فكلمة (( دحاها )) في قاموس هؤلاء الباحثين تعني جعلها كالدحية (( و هي بيضة النعامة )) .

                          هذا التفسير , ليس له وجه في اللغة , فكلمة دحاها تعني فقط بسطها و مدها . و قد أطلق العرب اسم (( الأدحية )) على المكان الذي تبيض فيه النعامة , و ليس بيضها , لأن هذا الطائر لا يبني عشا . بل (( يدحو الأرض برجله حتى يبسط التراب و يوسعه ثم يبيض فيه ))( القاموس المحيط ) .و الدحية بكسر الدال هو رئيس الجند , و الدحية بفتح الدال هي انثى القرد . و لا أحد يعرف من أين استمد (( الباحث الأسلامي )) كلمة الدحية بمعنى البيضة .

                          أكثر من ذلك , فإن كروية الأرض في عصر القرآن , لم تكن نظرية معروفة فحسب , بل كانت حقيقة علمية لا جدال فيها , و كان الفلكيون في أثينا قد قاسوا محيطها بفارق قدره مائتي ميل فقط عن القياس المعتمد الآن .

                          و موجز القول إن (( الباحث الأسلامي )) رغم كل ما يدعيه من حب العلم و الدين , ليس عالما و ليس متدينا , بل رجل مسحور , استفرد به معلمه الفقيه في سن مبكرة , بفضل نظام التعليم الألزامي , فخلقه على هيئته , و نفخ فيه من روحه , و ورطه في الفخ المميت نفسه الذي تورط فيه الفقه منذ زمن بعيد .

                          إن الخطيئة المشتركة بين الفقيه و (( الباحث الأسلامي )) هي أن كليهما يخلط بين معنى (( القدرة الألهية )) و (( القدرة السحرية )) و هو خلط خطير جدا , و موجه أساسا ضد العقل بالذات .

                          فقدرة الله تتجلى في ثبات القوانين الطبيعية , و قدرة الساحر تتجلى في خرق هذا الثبات نفسه . و عدم التمييز بين هاتين القدرتين , هو خلط بين الحق و الباطل في أقسى صوره الشيطانية , و أكثرها مدعاة للسخط .

                          أن الله لا يخرق قوانينه , و لا يسمح لأحد بخرقها إل بسلطان العقل و المنطق , و ليس بحيل الدجل و الشطارة , و لهذا السبب .. فإن كل محاولة لنسبة الخوارق إلى الله , هي محاولة باطلة , هدفها تكريس أوهام السحر , على حساب العقل و المنطق بالذات .

                          من هذا المنظور , يبدو من الواضح أن (( الباحث الأسلامي )) المغرم بتبيان (( خوارق القرآن و أسراره الحسابية )) لا يوظف مواهبه في خدمة الدين بل في خدمة السحر , إنه لا يريد من قارئه أن يفهم شيئا , بل يريده أن يقتنع بأن الأمر خارج عن حدود الفهم . فما دام الله نفسه قد عمد إلى خرق قوانين العقل , و دس في القرآن أسرارا لم يكن يعلمها أحد , فلا بد أنه إله لا يتقيد أصلا بمنطق أو قانون , و هي مجرد صياغة أخرى لقولك إن الله (( ساحر )) لا يمكن إدراك أفعاله بالعقل .

                          فإذا وقع المحذور , و ذهب القاريء وراء (( الباحث الأسلامي )) إلى هذا الحد , فإن ذلك لا يجعله قارئا ورعا , بل سيحيله إلى مخلوق مهووس , أطفأ نور عقله من دون أن يدري , و بات عليه أن يعيش في ظلمة أبدية , لا معالم فيها سوى أشباح الغيبوبة و السحر و أساطير الفقه حول الجن و الشياطين , و العروج في السماء على ظهور الخيول المجنحة , و هي نتيجة لا تؤدي إلى خلق حركة أصولية . كما يقال في الصحف الآن , بل تؤدي إلى ردة وثنية عامة , تتنكر تحت قناع الدين

                          إن ما يجري حاليا في وطننا العربي تحت شعار العودة إلى الأسلام , ليس عودة إلى الأسلام أو غيره , بل هروب جماعي من صوت العقل ؛ فالنهج المتبع في تلقين علوم الدين لصغار الأطفال في المدارس باسم التعليم الألزامي , لم يكن في وسعه أن ينتج سمى أجيال مغسولة الدماغ , استفرد بها نوع من السحرة , في غرف مغلقة لسنوات طويلة , لكي يودعوا فيها فكرة مميتة قاحلة واحدة فقط لاغير , هي أن الجنة تحت أقدام الدراويش

                          و مادام هذا الحبل على هذه البكرة .

                          و ما دام الحلف القائم بين الأقطاع العربي و الفقهاء , يفرض على كل أب أن يرسل أطفاله إلى مدارس الدولة بموجب نظام التعليم الألزامي .

                          و ما دام مجتمعنا يسمح لفقيه أمي أن يحشر نفسه بين (( العلماء)) و يقول ما يشاء لمن يشاء باسم الله شخصيا .

                          و ما دام الطفل لا يستطيع أن يفعل شيئا تجاه ما يسمعه من أساطير الفقه , سوى أن يطوع نفسه للتعايش معها في الظلام .

                          فلا مفر من وقوع الكارثة . و لا مفر من أن يغرق مجتمعنا في موجة بعد موجة من خريجي هذه المدارس , الذين تم تنويمهم من قبل أن يستيقظوا , و عهد إليهم بحمل مسؤولية الهدم و البناء , و هم عزل من كل سلاح , سوى سيف التعصب الأعمى في أيدي ملايين العميان .
                          انتهى المنشور السابع

                          ..يتبع
                          مع الود و التحية

                          تعليق


                          • #14


                            السادة رواد هذا المنتدى ؛
                            تحية طيبة, و بعد

                            الفرق بين معنى ( الخطأ ) و معنى (الباطل) , أن أحدهما ظاهرة عابرة , تنجم عن نقص عابر في المعلومات . أما الآخر , فأنه تحريف عقائدي موجه عمدا ضد الأنسان و مجتمعه معا . فإذا زعم أحد ما أن الأرض هي مركز الكون , فإن ذلك خطأ , يمكن إصلاحه بقليل من الحساب و الصبر . أما إذا زعم , أن اليهود هم شعب الله المختار , فإن ذلك باطل لا هدف له سوى اغراق مجتمع الأنسان في حمام من الدم . إن تغييب هذه الحقيقة عن مناهج الدراسات الدينية , قد أدى إلى كارثة في عالم الكتاب المقدس , و سوف يؤدي إلى كارثة أكبر في عالم القرآن .

                            فمنذ عصر التأسيس .. كانت الكنيسة الكاثوليكية قد اعتمدت قول إنجيل متى على لسان السيد المسيح : [ إلى أن تزول السماء و الأرض , لا يزول حرف واحد , أو نقطة واحدة من الناموس ] , و كان هذا المبدا قد تطور على أيدي المفسرين إلى ركنين من أركان الشريعة :

                            الأول : إن كلمة ( الناموس ) تعني جميع كتب العهدين القديم و الجديد , من سفر التكوين إلى رؤيا يوحنا اللاهوتي , و هو تفسير يخرج كثيرا عما عناه السيد المسيح , الذي كان يشير بكلمة ( الناموس ) إلى شريعة موسى فقط , و ليس إلى تراث اليهود كله .

                            الثاني : إن كتب العهدين القديم و الجديد , تندرج تحت اسم ( الكتاب المقدس ) , لأنها وحي معصوم من الخطأ , و معصوم من الباطل , و غير قابل للنقد أو للتصحيح أو للمناقشة .

                            و هنا , في هذه النقطة بالذات , ورطت الكنيسة نفسها في منطقة الرمال الناعمة , التي ظلت تجاهد للخروج منها عبثا منذ ألف سنة على الأقل ؛ فالقول بأن شريعة موسى معصومة من الباطل , فكرة صحيحة بالضرورة , ما دامت هذه الشريعة تدعو إلى خير الأنسان و مجتمعه معا . أما الزعم بأن معلومات اليهود عن التاريخ و الطب و الفلك , علم إلهي معصوم من الخطأ , فهو ادعاء من شأنه أن يغلق الباب أمام مسيرة الحضارة إلى الأبد , أو ينسف الكتاب المقدس من داخله .. إن الكنيسة تضع رأسها حيث تلتقي جميع السيوف , فتنهال عليها الضربات من كل جانب :

                            الضربة الأولى جاءت من الأصوليين الذين فوجئوا بوباء الطاعون يحصد ربع سكان أوربا , عند منتصف القرن الرابع عشر . و لم يجدوا تعليلا لهذه الكارثة , سوى أن (( الرب ساخط على الساحرات اللائي يخرجن على هيئة قطط , أو يمتطين عصي المكانس , لكي يزنين مع الشيطان في حفلات ليلية صاخبة )) .

                            في البداية رفضت الكنيسة أن تشارك في هذا الهراء , مبدية شكوكا عميقة تجاه جدية موضوع السحر . لكن الأصوليين ما لبثوا أن أرغموها على الأنحياز إلى جانبهم , بموجب نصوص الكتاب المقدس نفسه , في استعراض واضح لمدى الخطأ الذي تورطت فيه الكنيسة عندما اعتبرت حرفية النص , هي المرجع الوحيد لمعرفة الحق .
                            فالتوراه تعترف - نصا - بحقيقة السحر , و تورد في شأنه مقاطع مطولة و صريحة و غير قابلة للتأويل , منها مباراة موسى مع سحرة فرعون التي شملت مسخ العصي إلى حيات , و إغراق مصر في الدم و الظلام و الضفادع , بالأضافة إلى فلق البحر الأحمر في أكبر عملية سحرية في التاريخ . و منها عجائب النبي إيليا الذي سخر الغربان لكي (( تأتيه بخبز و لحم صباحا , و بخبز و لحم مساء )) ( سفر الملوك الأول 17) . ثم أنزل صاعقة من السماء , احرقت جميع كهنة بعل ملكارت, و حبس المطر على مملكة آخاب بن عمري , ثم أحرق مائة من جنوده بإشارة من اصبعه , بعد أن أعاد الحياة إلى ابن امرأة من صيدا , بأن نفخ في فمه (( قوة خفية )) . و في النهاية صعد إيليا إلى السماء على متن عربة من نار , تجرها خيول من نار , متعمدا أن يترك عباءته لتلميذه اليشع الذي برع براعة خاصة في إحياء الموتى , حتى و هو ميت . فقد جاء في سفر الملوك الثاني أن الأسرائيليين طرحوا (( رجلا ميتا في قبر اليشع , فلما مس عظامه , عاش و قام على رجليه )) . و بالطبع .. فإن الكنيسة لم تأل جهدا في تفسير هذه الخوارق , باعتبارها (( معجزات إلهية )) و ليس سحرا . لكن أحدا لم يكن في وسعه أن يتجاهل مدى السذاجة المتعمدة في اختيار مثل هذا التفسير . فالمعجزات الألهية لا يشاهدها فرد واحد أو جماعة , بل يشهدها جميع الناس في جميع العصور . هكذا مثل طلوع الشمس و سقوط المطر و خلق الأنسان و دوي البراكين و نمو الزرع و دوران الكواكب ؛ لأن شرط (( الآية )) هي أن تكون ظاهرة للعيان , فلا يقتصر وقوعها على زمن دون زمن , و لا تتوجه لخدمة شخص ضد آخر , و لا تكون مسخرة لشل العقل , بل لحفزه على امعان النظر (1) . اما الخوارق التي تنسبها التوراه إلى الأنبياء اليهود , فهي مجرد أساطير ملفقة , لا يمكن أن تولد أصلا , إلا في ثقافة تؤمن بحقيقة السحر , و تعتقد أن الساحر لديه (( قوة خفية )) يستمدها بموجب حلف سري مع مخلوق شرير اسمه الشيطان .

                            لهذا السبب .. فإن التوراه - رغم ولعها الشديد بقصص السحر - عادت فحرمت السحر نفسه , و جعلته جريمة عقوبتها الأعدام , في نصوص صريحة أخرى , منها قولها في سفر الخروج (( لا تدع ساحرة تعيش )) ( سفر الخروج 22-19 ) , و هو النص الذي شهره الأصوليون في وجه الكنيسة , مطالبين بتطبيقه تحت شعارات دينية منها : ( هكذا قال الله ) , و منها ( لا اجتهاد في النص ) . و قد اضطرت الكنيسة بالفعل إلى الرضوخ لمشيئة الأصوليين , فاعتمدت المبدأ القائل بأن السحر هرطقة , فيما أعلن القديس توماس الأكويني أن (( الشيطان لديه القدرة على منح الساحر قوة خفية , تتيح له أن ينقلب إلى حيوان , و يطير في الهواء , و يجلب الأعاصير , و ينشر الأوبئة ))

                            خلال القرون الثلاثة التالية , كانت الكنيسة و الكتاب المقدس مجرد سلاحين قاتلين في يد الأصوليين , الذين افتتحوا حملة الأبادة ضد السحر , بحرق عشرات الآلاف من السيدات الطاعنات في السن , بحجة أن ضعفهن يجعلهن صيدا سهلا للشيطان . و بعد ذلك امتدت عريضة الأتهام لكي تشمل كل مواطن , يرغب الأصوليون في قتله أو حبسه , لسبب أو لآخر .. فتم القبض على قضاة و عمداء بلديات و ذوي أملاك و حواة و قسس و رهبان , جرى اعدامهم غرقا أو حرقا , بأعداد تجاوزت مئات الألاف , في منطقة امتدت من شرق أوربا إلى أراضي العالم الجديد في امريكا . و عندما انتهت المذبحة , و انحسرت موجة الرعب , كان الخراب ينشر جناحه على العالم المسيحي بأكمله . و كان الأصوليون قد شوهوا سمعة الدين إلى الأبد , و ألحقوا بالكنيسة من الضرر , ما لم يكن في وسع الشيطان شخصيا أن يحققه . إن المبدأ القائل بأن (( النص المقدس معصوم من الخطأ )) يثبت منذ أول تجربة , أنه مبدأ خاطيء و خاسر إلى ما لانهاية , لكن الكنيسة لا تتعلم كثيرا من أول تجربة .

                            الضربة الثانية جاءت من علماء الفلك خلال القرن السادس عشر , عندما نشر كوبرنيكوس كتابه الشهير (( حركة الأجرام السماوية )) سنة 1543 , ففي هذا الكتاب أعلن كوبرنيكوس أن الشمس - و ليس الأرض - هي مركز الكون الثابت الذي تدور حوله كل الكواكب في مسارات , تبدأ بعطارد ثم الزهرة و الأرض و المريخ و المشتري , و تنتهي بزحل , و هو آخر الكواكب المعروفة حتى ذلك الوقت . و لم يكن من شأن النظرية أن تزعج الكنيسة في شيء , لولا مبدأ (( عصمة النص المقدس من الخطأ )) الذي كان قد ورطها في حرب أبدية ضد كل فكرة جديدة , حتى إذا لم تكن ذات علاقة بالدين أصلا .

                            فالقول بأن الشمس ثابتة , لا يخالف فرائض الدين , بل يخالف نظرية بطليموس , التي تبناها مؤلفوا التوراه (2) في نصوص منها سفر يشوع حيث يعلن الأصحاح العاشر , في سياق المعركة بين الأسرائيليين و الأموريين حول مدينة جبعون : أن الشمس كادت أن تغرب قبل انتهاء المعركة , فقام يشوع و أمرها بالأنتظار قائلا : (( ياشمس دومي على جبعون , و يا قمر دم على وادي إيلون , فدامت الشمس , ووقف القمر , حتى انتقم الشعب من اعدائه )) ( سفر يوشع 10-13 )

                            دفاعا عن مثل هذه النصوص المريبة , اضطرت الكنيسة أن تقف ضد رواد علم الفلك الحديث من كوبرنيكوس الى جاليليو و كبلر . و في هذه المرة أيضا خسرت الكنيسة و الكتاب المقدس , و أثبت مبدأ (( عصمة النص )) في ثاني تجربة , أنه مبدأ خاطيء , و لا طائل من ورائه سوى الزج بالدين في الموقع الخاسر إلى الأبد , ولكن الكنيسة لم تستوعب الدرس في هذه المرة أيضا .

                            الضربة الثالثة جاءت مفاجئة , و في موقع حساس جدا . فقد تقدم العالم البريطاني تشارلس داروين , عند منتصف القرن التاسع عشر , بتفسير جديد لمسيرة الخلق , لا يختلف عن رواية الكتاب المقدس فحسب , بل يناقضها نصا و روحا :

                            فالكتاب المقدس يقول إن الأحياء خلقت اجناسا منفصلة (( فعمل الله وحوش الأرض كأجناسها , و البهائم كأجناسها , و جميع دبابات الأرض كأجناسها )) (تكوين 1-25) , و داروين يقول إن الأحياء تطورت عن أصل واحد , بموجب قانون الأنتخاب الطبيعي .

                            و الكتاب المقدس يفسح للأنسان موقع الصدارة في سلم الخلق معلنة أن الله خلق (( الأنسان على صورته - على صورة الله خلقه - ذكرا و أنثى خلقهم )) (تكوين 1-28) و داروين ينكر هذا الموقع الخاص , و يؤكد أن الأنسان ليس على صورة الله , بل يشترك مع القرود في أصل واحد .

                            و الكتاب المقدس يقول إن عملية الخلق بأسرها قد تمت في ستة أيام فقط (( فأكملت السموات و الأرض و كل جندها . و فرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل ))( تكوين 2-2) .. أما داروين فيعلن أن تطور المخلوقات قد استغرق ملايين السنين , و أن بعض فصائل الأنسان المنتصب القامة كانت تجوب الأرض منذ مليون سنة على الأقل .

                            ... للمنشور بقية

                            تعليق


                            • #15
                              نرجوا التصرف السريع من قبل المشرفين حول هذا الموضوع الالحادي فلا هو يقبل الحوار ولا هو يقبل ان يقول معتقده في نشر هذه الخرفات والسفسفطة الفارغة فنرجوا اغلاقه لتافهته وسخافته والتكلم بما لا يرضي الله عن الاسلام ورسوله والمسلمين فقط الذين فقدوا عقولهم الذين ينكرون وجود الله وهذا الدين العظيم !!

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                              أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 21-02-2015, 05:21 PM
                              ردود 119
                              18,090 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة وهج الإيمان
                              بواسطة وهج الإيمان
                               
                              أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 23-05-2024, 02:34 PM
                              استجابة 1
                              100 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة وهج الإيمان
                              بواسطة وهج الإيمان
                               
                              أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 23-05-2024, 02:27 PM
                              استجابة 1
                              71 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة وهج الإيمان
                              بواسطة وهج الإيمان
                               
                              أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 04-10-2023, 10:03 AM
                              ردود 2
                              154 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة وهج الإيمان
                              بواسطة وهج الإيمان
                               
                              أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 09-01-2023, 12:42 AM
                              استجابة 1
                              160 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة وهج الإيمان
                              بواسطة وهج الإيمان
                               
                              يعمل...
                              X