إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

فقه علم الفقه

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فقه علم الفقه



    عَرَّف الفقهاءُ علمَ الفقه بأنه : العلم بالأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلة ، و أرادوا بهذا التعريف أن علم الفقه هو العلم المتكفل بالبحث عن الأحكام الشرعية التي تتعلق بأعمال المكلَّفين .

    ميزات الفقه الإمامي :
    قال العلامة المحقق آية الله العظمى الشيخ السبحاني : " من أهمّ ما يمتاز به الفقه الإمامي الشيعي هو استناده بعد الكتاب العزيز إلى السنة المرويّة من لدن حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) بواسطة عترته الطاهرة و أتباعهم الصادقين الضابطين بلا انقطاع ، في الوقت الذي فَقَدَ الآخرون مثل هذا النبع الصافي مدة تزيد على مائة سنة ، و لهذا اضطروا إلى استعمال القياس و الاستحسان و الاستصلاح و قاعدة المصالح المرسلة إلى غير ذلك من الاستنباطات الظنّية لأجل قلّة النصوص و كثرة الاحتياج إلى الفروع الفقهية الجديدة .

    كما أن من أهمّ ما يمتاز به هو سعة منابعه الحديثية بفضل عطاء العترة الذي دام 250 سنة بعد وفاة الرسول ، فيما كان يفقد الآخرون مثل هذا المنبع الواسع ، الزاخر المستمر .

    كما أنّ من أهمّ ما يمتاز به ، هو نقاوة المصدر الذي كان يشكل الركيزة الأساسية للفقه الإمامي بعد القرآن الكريم بفضل ما تتمتع به العترة الطاهرة من العصمة التي جعلها ثقلاً قريناً للقرآن كما عرفت .

    و من هذه الشجرة الطيبة ، الراسخة الجذور ، المتصلة بالنبوة ، نتجت هذه الثمرة و هي " الفقه الإمامي " .

    و امتاز أيضاً بالسعة و الشمولية ، و العمق و الدقة و الانسجام الكامل مع الروح الإسلامية ، و النقاوة ، و البرهنة الساطعة ، و القدرة على مسايرة مختلف العصور و مستجدّاتها في الإطار الإسلامي دون تخطّي الحدود المرسومة لها .


  • #2

    مصادر الفقه الإمامي :
    و أمّا عن الأُسس التي يعتمد عليها أو بالأحرى المصادر التي يستمد منها هذا الفقه مادته ، فهي قبل كلّ شيء ، القرآن الكريم ، الذي استمد منه منذ الأيام الأُولى من تاريخه .

    و أمّا مصدره الثاني فهو الحديث النبوي و أحاديث عترته الطاهرة التي مرّ عليك بيان كيفية حرص الشيعة على تدوينها و تسجيلها بدقة و أمانة ، منذ العهد النبوي إلى يومنا هذا.

    ثمّ إنّ الفقه الإمامي الشيعي الإسلامي كما يستمد مادته من ذينك المصدرين ، كذلك يستمد من العقل في إطار خاص مثل باب الملازمات العقلية ، كالملازمة بين وجوب الشيء و وجوب مقدمته ، و حرمة الشيء و حرمة ضدّه ، و حرمة الشيء و فساده ، و توقف تنجز التكليف على البيان و قبح العقاب بدونه ، و استلزام الاشتغال اليقيني البراءة القطعية إلى غير ذلك ممّا يبحث عنه في الملازمات العقلية .

    كما انّه يستمد مادته أيضاً من الإجماع الكاشف عن وجود النص الوارد في المسألة و إن لم يصل إلى يد الباحث في العصور اللاحقة .

    هذه هي أهمّ الأُسس التي يقوم عليها صرح الفقه الإمامي الشيعي الإسلامي

    إذن فمصادر الفقه الإمامي هي :

    1. القران الكريم : الذي لا يعدل عنه إلى غيره أبداً .

    2. السنة النبوية المأثورة عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن طريق أهل بيته الطاهرين بل سائر الثقاة ، أما السِّر في إلتزام الشيعة بما يرويه أهل البيت ( عليهم السلام ) فيكمن في أن ما يرونه إنما يصل إلى النبي صلى الله عليه وآله ) بسند موثوق غير قابل للنقاش .

    3. الإجماع : و المراد منه إجماع المسلمين على حكم شرعي ، أو إجماع الشيعة الامامية ، فيكون هذا الإجماع كاشفاً عن وجود نصٍ واصلٍ إلى يد المجمعين و إن لم يكن قد وصل إلينا ، ثم إن الإجماع ليس حجة بنفسه بل إنما يكون حجة لكشفه عن وجود دليل شرعي لدى المجمعين .

    4. العقل : و المراد منه الإدراكات القطعية العقلية التي لا يتردد فيها و لا يشك في صحتها ، كيف و العقل هو الحجة الباطنية التي يحتجّ بها المولى سبحانه على العباد ، ثم بحكم العقل الذي له صلاحية الحكم و القضاء يُستكشف حكم الشرع ، للملازمة بين حكم العقل و الشرع و استحالة التفكيك بينهما ، فمثلاً إذا استقلّ العقل بقبح العقاب بلا بيان فيفتي المجتهد في الموارد التي لم يرد فيها دليل شرعي على الحكم الشرعي ، بالبراءة أو الحلّية .
    هذه هي مصادر التشريع عند الشيعة و ليس هناك مصدر آخر تعتمد عليه
    .
    و أمّا الرجوع إلى العرف ، فإنّما هو لتحديد المفاهيم و تبيين الأوضاع كالرجوع إلى قول اللغوي .

    نعم ، رفضت الشيعة منذ زمن مُبكِّر القياس و الاستحسان و سدّ الذرائع و ما يماثلها من الأدلة الظنية التي لم يقم دليل عندهم على حجيتها .



    تعليق


    • #3
      من كتاب ماوراء الفقه للسيد الشهيد الصدر الثاني (قده) :


      باب الأجتهاد :
      المجتهد هو الفقيه الذي عرف الاحكام وهو الناظر في الحلال والحرام ومن تعلم عند رسول الله (صلى الله عليه واله).
      ان من يحمل هذه العناوين صلح ان يكون مجتهداً وحاكما ومعلما وكان الرد عليه حراماً لانه مثل الرد على الله وهو حد الشرك بالله عز وجل. كما ورد في الاخبار كقول الامام صاحب الزمان (عجل الله فرجه الشريف): اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم وانا حجة الله.

      يتضح من قوله عليه السلام ، بانه الزام شرعي من قبل الامام (عليه السلام) باتباع رواة الحديث ، او ما نسميه في عصرنا الحاضر بالـ (مجتهد) . والالزام في هذا المورد هو وجوب الطاعة للفقيه في عصر الغيبة ، والطاعة معناها (التقليد) كما سنمر عليه فيما بعد في طيات هذا البحث ان شاء الله.


      معنى الاجتهاد:
      الاجتهاد هو مصطلح سار عليه الفقهاء وهو لم يرد في مصادر التشريع الاسلامي وهي الكتاب والسنة كصفة للفرد الذي يكون قوله حجة.
      واذا اردنا تعريف الاجتهاد فيمكننا ذلك من ناحيتين:
      اولهما- الناحية العملية: وهي بذل الوسع والطاقة في تحصيل الاحكام الشرعية من ادلتها التفصيلية وهي الكتاب والسنة، وهذه الناحية هي مطابقة لما يقوله اللغويين.
      ثانيهما- الناحية الوجدانية- او النفسية ، او العقلية للفرد وهي الملكة . والملكة هي الصفة النفسية الغير قابلة للزوال.
      والصحيح ان كلا الناحيتين مرتبطة الواحدة بالاخرى، وبتعبير اخر ان بذل الوسع والطاقة في تحصيل الاحكام او العلوم الدينية تؤدي الى ولادة الملكة ، ومن ثم نموها عند الفرد، فبالتقاء كلا الناحيتين في الفرد ، يصدق عليه اصطلاح الاجتهاد ولكي يكون قوله حجة امام الله عز وجل.

      تعليق


      • #4
        التجزي في الاجتهاد:
        هو مصطلح اخر متداول بين الفقهاء او اصحاب الاختصاص، وهو محل اختلاف بينهم، فمنهم من يقول به ومنهم من يرفضه.
        والتجزي معناه ، ان يكون لبعض الفقهاء يستطيعوا النظر ببعض الاحكام دون غيرها كما لو كان يستطيع ان يستنتج احكام الصلاة دون احكام الصوم مثلا. وفي مقابله المجتهد المطلق الذي يستطيع ان ينظر ويستنتج من المدارك الاصلية كل احكام الفقه في كل ابوابه وبكل مستوياته.
        اقول: مما سبق اتضح ان الفقيه هو الذي عرف الاحكام وهو الناظر في الحلال والحرام وهو الحاكم والعالم والمعلم ... الخ كل هذه الصفات تعطي لحاملها المفهوم الذي نسميه في عصرنا هذا (بالمجتهد) ، وعليه لا معنى لوجود التجزي في الاجتهاد ومن ناحيتين:
        الاولى- ان عدم الاستطاعة في التوصل الى بعض الاحكام الشرعية يعد ضعفا واضحا في بذل الوسع والطاقة في تحصيل الاحكام ، مما يؤدي الى عدم نمو الملكة لديه ، او قل عدم نضوجها بالصورة التي تجعل منه مجتهداً. فكل فرد دون مستوى الاجتهاد ليس بمجتهد ولا معنى ان نقول عليه متجزي.
        الثانية- ان الاخبار الواردة الينا من قبل المعصوم (عليه السلام) واضحة في تشخيص الفرد الذي من الممكن ان نطلق عليه صفة الاجتهاد ، وهي توحي على الاجتهاد المطلق.
        كقول ابا عبد الله (عليه السلام): الحكم ما حكم به اعدلهما وافقههما واصدقهما في الحديث واورعمها ... الحديث.
        وقوله (عليه السلام): ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا فاني قد جعلته حاكما. (أي حاكما شرعيا).
        حيث ان المعصوم يلفت انتباه الامة الى مستوى معين للفرد الذي من الممكن ان يكون حاكما شرعيا ، فتارة يقول (اصدقهما في الحديث) ، وتارة اخرى يقول (ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا)، ولم يقل من عرف بعض احكامنا دون بعض، وهي اشارة للمجتهد المطلق لا المتجزي.
        ويمكن ان نضيف ثالثهما- وهو ما قاله السيد الشهيد الصدر الثاني (قده) : وهو ان الفقيه العارف بالاحكام من حصلت له الملكة ، لانه لا يكون الفرد كذلك الا بذلك. ومن الواضح ان مجرد الممارسة لاستنتاج الحكم الشرعي على نطاق ضيق لا يجعل من الفرد مصداقا للفقيه العارف.

        تعليق


        • #5

          الاعلمية في الاجتهاد:

          الاعلم: هو الفرد الذي يتصف بالاجتهاد المطلق او اكثر يتصف بدقة في النظر وسداد في الرأي وسعة في الاطلاع اكثر من غيره. بحيث لا يساويه الاخرون.
          وقد اختلف الفقهاء في تشخيص الاعلم فمنهم من يقول ان الاعلم من هو اعلم في علم الرجال ، ومنهم من يقول بان الاعلم من هو اعلم في علم الاصول ، ومنهم من يقول بانه الاعلم في الاصول مباحث الاصول العملية، ومنهم من يقول بانه بالفهم العرفي والسيرة العقلائية، ومنهم من يرى بانه من له الدقية في تفسير آيات الاحكام.
          وقد يرى جملة من الفقهاء بعدم وجوب تقليد الاعلم في حين يرى البعض الاخر بوجوب وضرورة تقليد الاعلم.
          ومن الواضح ان منشأ هذا الاختلاف في تشخيص الاعلم نابع من المستوى العلمي الذي وصل اليه هؤلاء الفقهاء، فالفقيه الذي هو بارع في علم الرجال يرى ان الاعلم في علم الرجال هو الاعلم، وغيره من هو بارع في علم الاصول ، يقول باعلمية من هو اعلم في الاصول وهكذا.
          والمهم ان المكلف لا يهمه اختلاف العلماء فيما بينهم في تشخيص الاعلم، ولكن الذي يهمه من يثبت اعلميته من خلال البحث والمناقشة والتحدي العلمي، وكيف يرتقي العلم بدون التحدي والمناقشة التي ترتقي بالعلم في اوساط العلماء المعاصرين وتفتح ابوابا وافاقا للعلماء اللاحقين.

          تعليق


          • #6

            كثير ما نرى في الرسائل العملية للفقهاء (وجوب تقليد الاعلم) ، وهي اشارة للفقيه الكاتب لهذه الرسالة على انه هو الاعلم

            تعليق


            • #7

              الشهادة في الاجتهاد:
              ان الشهادة في الاجتهاد ليست بابا من ابواب الفقه ، بل هي ليست فرعا من فروع الاجتهاد ، ولا اعتقد ان احداً قد تطرق اليها في كتابات او بحوث الفقه، ولكننا هنا تعرضنا لها لورودها على السنة الكثير ممن يعترضون على اجتهاد بعض الفقهاء ، بدعوى ان الفقيه الفلاني ليس بمجتهد ، لانه لم يشهد له احد الفقهاء المعتد به بالاجتهاد.

              معنى الشهادة في الاجتهاد:
              يقال ان الفقيه الفلاني شهد لفلان بالاجتهاد، أي ان الفقيه بعد اطلاعه على بحوث ومؤلفات فرد ما اقر له الاجتهاد ، ليكون هذا التصريح دعما له امام المكلفين ولكي يثقون بما يقول هذا الفرد ، ويعتبرون كلامه حجة عليهم.
              والشهادة في الاجتهاد، ليست شرطا او اثباتا على نفي او اجتهاد ذلك الفرد، وذلك لاننا بينا فيما سبق ان الاجتهاد هي ملكة نفسية تلازم نفس الفرد الذي يدعي الاجتهاد ، فعند وصوله الى مرحلة من خلال البحث والتقرير والمطالعة يرى في نفسه انه وصل الى مرحلة يستطيع النظر بنفسه في الاحكام الشرعية من خلال ادلتها التفصيلية وهي القرآن والسنة . وقد يكون هذا المدعي صادقا او قد يكون متوهما ، وبهذا هو يتحمل المسؤولية وحده امام الله ، ولا يتحمل مسؤولية من يقلده او يرجع اليه في الحلال والحرام.
              اما منشأ الشهادة في الاجتهاد، فقد اتت من خلال السيرة الحوزوية ، عن طريق ارسال بعض الوكلاء من قبل فقيه ما الى مناطق بعيدة ، مستصحبا اياه لكتاب خطي من ذلك الفقيه فيها اقرار بأهلية هذا الفرد في النظر بالكتاب والسنة.
              يعني انها دعما اعلاميا لهذا الفرد من قبل الفقيه ، يوحي للمجتمع الذي ارسله اليهم بانه مؤهل كي يكون بمنصب الافتاء ليس اكثر.
              وبهذا نرد الادعاء الذي يقول بنفي اجتهاد فرد ما لعدم حصوله على شهادة او دعما من فقيه ما . والا فان الاجتهاد محصور في بذل الوسع والطاقة ونمو الملكة ، وهو غير مرتبط بالوقت الذي من الممكن ان يقضيه طالب العلم في فهم العلوم الحوزوية.لان الافراد يختلفون في استيعابهم ودقتهم في فهم امثال هذه الامور ، فلربما يكون احدهم اذكى وادق واسلط ومتميزا عن اترابه ، وربما يكون الفرد قد استوعب علم الاصول مثلا خلال اربع او خمس سنوات ، في حين ان غيره يقصي عشرات العقود في فهم هذا العلم او ذاك . وهكذا.
              وبهذا لا معنى ان تكون الشهادة في الاجتهاد ، هي حاملة القول الفصل في نفي او اقرار بالاجتهاد.

              تعليق


              • #8
                احسنتم مولانا شيخ الطائفه
                مزيد من هذه المواضيع ذات القيمة التي لا تقدر بثمن

                تعليق


                • #9

                  بخدمتكم عزيزي

                  تعليق


                  • #10

                    علم الأصول :

                    بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين. وبعد فإن هذه هي الحلقة الاولى من دروس في علم الاصول وضعناها للمبتدئين بدراسة هذا العلم وتتبعها حلقتان أخريان إن شاء الله تعالى ويتكامل من خلال الحلقات الثلاث إعداد الطالب للدراسة العليا وحضور أبحاث الخارج وقد شرحنا في مقدمة هذه الحلقة ما يتعلق بهذه الحلقات الثلاث ومنهجها وطريقة تدريسها إن شاء الله تعالى ومن الله سبحانه نستمد العون والتوفيق. النجف الاشرف محمد باقر الصدر جمادي الاولى 1397 ه‍.

                    بسم الله الرحمن الرحيم
                    التعريف بعلم الاصول كلمة تمهيدية بعد أن آمن الانسان بالله والاسلام والشريعة، وعرف أنه مسؤول بحكم كونه عبد لله تعالى عن إمتثال أحكامه، يصبح ملزما بالتوفيق بين سلوكه في مختلف مجالات الحياة والشريعة الاسلامية، وبإتخاذ الموقف العملي الذي تفرضه عليه تبعيته للشريعه، ولاجل هذا كان لزاما على الانسان أن يعين هذا الموقف العملي، ويعرف كيف يتصرف في كل واقعة. ولو كانت أحكام الشريعة في كل الوقائع واضحة وضوحا بديهيا للجميع لكان تحديد الموقف العملي المطلوب تجاه الشريعة في كل واقعة أمرا ميسورا لكل أحد، ولما إحتاج إلى بحث علمي ودراسة واسعة، ولكن عوامل عديدة منها بعدنا الزمني عن عصر التشريع أدت إلى عدم وضوح عدد كبير من أحكام الشريعة وإكتنافها بالغموض. وعلى هذا الاساس كان من الضروري أن يوضع علم يتولى دفع الغموض عن الموقف العملي تجاه الشريعة في كل واقعة بإقامة الدليل على تعيينه. وهكذا كان فقد أنشى علم الفقه للقيام بهذه المهمة، فهو يشتمل على تحديد الموقف العملي تجاه الشريعة تحديدا إستدلاليا والفقيه في علم الفقه يمارس إقامة الدليل على تعيين الموقف العملي في كل حدث من أحداث


                    الحياة، وهذا ما نطلق عليه إسم عملية إستنابط الحكم الشرعي. ولاجل هذا يمكن القول بأن علم الفقه هو: علم إستنابط الاحكام الشرعية أو علم عملية الاستنباط بتعبير آخر. وتحديد الموقف العملي بدليل يتم في علم الفقه بأسلوبين: أحدهما: تحديده بتعيين الحكم الشرعي. والآخر: تحديد الوظيفة العملية تجاه الحكم المشكوك بعد إستحكام الشك وتعذر تعيينه. والادلة التي تستعمل في الاسلوب الاول نسميها بالادلة أو الادلة المحرزة إذ يحرز بها الحكم الشرعي والادلة التي تستعمل في الاسلوب الثاني تسمى بالادلة العملية أو الاصول العملية. وفي كلا الاسلوبين يمارس الفقيه في علم الفقه إستنباط الحكم الشرعي أي يحدد الموقف العملي تجاهه بالدليل. وعمليات الاستنابط التي يشتمل عليها علم الفقه بالرغم من تعددها وتنوعها تشترك في عناصر موحدة وقواعد عامة تدخل فيها على تعددها وتنوعها، وقد تطلبت هذه العناصر المشتركه في عملية الاستنباط وضع علم خاص بها لدراستها وتحديدها وتهيئتها لعلم الفقه فكان علم الاصول. تعريف علم الاصول وعلى هذا الاساس نرى أن يعرف علم الاصول بأنه " العلم بالعناصر المشتركة في عملية إستنباط الحكم الشرعي ". ولكي نستوعب هذا التعريف يجب أن نعرف ما هي العناصر المشتركة في عملية الاستنباط. ولنذكر - لاجل ذلك - نماذج بدائية من هذه العملية في صيغ مختصرة


                    لكي نصل عن طريق دراسة هذه النماذج والمقارنة بينها إلى فكرة العناصر المشتركة في عملية الاستنباط. إفرضوا أن فقيها واجه هذه الاسئلة: 1 - هل يحرم على الصائم أن يرتمس في الماء ؟ 2 - هل يجب على الشخص إذا ورث مالا من أبيه أن يؤدي خمسه ؟ 3 - هل تبطل الصلاة بالقهقهة في أثنائها ؟ فإذا أراد الفقيه أن يجيب على هذه الاسئلة فإنه سوف يجيب على السؤال الاول مثلا بالايجاب وانه يحرم الارتماس على الصائم ويستنبط ذلك بالطريقة التالية: قد دلت رواية يعقوب بن شعيب عن الامام الصادق (عليه السلام) على حرمة الارتماس على الصائم فقد جاء فيها أنه قال: لا يرتمس المحرم في الماء ولا الصائم. والجملة بهذا التركيب تدل في العرف العام على الحرمة وراوي النص يعقوب ين شعيب ثقة والثقة وإن كان قد يخطى أو يشذ أحيانا ولكن الشارع أمرنا بعدم إتهام الثقة بالخطإ أو الكذب وإعتبره حجة، والنتيجة هي أن الارتماس حرام. ويجيب الفقيه على السؤال الثاني بالنفي لان رواية علي بن مهزيار جاءت في مقام تحديد الاموال التي يجب فيها الخمس وورد فيها أن الخمس ثابت في الميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن، والعرف العام يفهم من هذه الجملة أن الشارع لم يجعل خمسا على الميراث الذي ينتقل من الاب إلى ابنه، والراوي ثقة وخبر الثقة حجه، والنتيجة هي أن الخمس في تركة الاب غير واجب. ويجيب الفقيه على السؤال الثالث بالايجاب بدليل رواية زرارة عن الامام الصادق أنه قال: " القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة " والعرف العام


                    يفهم من النقض أن الصلاة تبطل بها وزرارة ثقة وخبر الثقة حجة، فالصلاة مع القهقهة باطلة إذن. وبملاحظة هذه المواقف الفقهية الثلاثة نجد أن الاحكام التي إستنبطها الفقيه كانت من أبواب شتى من الفقه، وأن الادلة التي إستند إليها الفقيه مختلفة، فبالنسبة إلى الحكم الاول إستند إلى رواية يعقوب بن شعيب، وبالنسبة إلى الحكم الثاني إستند إلى رواية علي إبن مهزيار، وبالنسبة إلى الحكم الثالث استند إلى رواية زرارة ولكل من الروايات الثلاث متنها وتركيبها اللفظي الخاص الذي يجب أن يدرس بدقة ويحدد معناه، ولكن توجد في مقابل هذا التنوع وهذه والاختلافات بين المواقف الثلاثة عناصر مشتركة أدخلها الفقيه في عمليه الاستنباط في المواقف الثلاثة جميعا. فمن تلك العناصر المشتركة الرجوع إلى العرف العام في فهم الكلام الصادر عن المعصوم، وهو ما يعبر عنه بحجية الظهور العرفي فحجية الظهور إذن عنصر مشترك في عمليات الاستنباط الثلاث، وكذلك يوجد عنصر مشترك آخر وهو حجية خبر الثقة. وهكذا نستنتج أن عمليات الاستنابط تشتمل على عناصر مشتركة كما تشتمل على عناصر خاصة، ونعني بالعناصر الخاصة تلك العناصر التي تتغير من مسألة إلى أخرى فرواية يعقوب إبن شعيب عنصر خاص في عملية إستنباط حرمة الارتماس لانها لم تدخل في عمليات الاستنابط الاخرى بل دخلت بدلا عنها عناصر خاصة أخرى كرواية علي بن مهزيار ورواية زرارة. ونعني بالعناصر المشتركة القواعد العامة التي تدخل في عمليات إستنابط أحكام عديدة في أبواب مختلفة. وفي علم الاصول تدرس العناصر المشتركة وفي علم الفقه تدرس العناصر الخاصة في كل مسألة. وهكذا يترك للفقيه في كل مسألة أن يفحص بدقة الروايات والمدارك

                    تعليق


                    • #11
                      الخاصة التي ترتبط بتلك المسألة ويدرس قيمة تلك الروايات ويحاول فهم ألفاظها وظهورها العرفي وأسانيدها بينما يتناول الاصولي البحث عن حجية الظهور وحجية الخبر وهكذا. وعلم الاصول لا يحدد العناصر المشتركة فحسب بل يحدد أيضا درجات إستعمالها والعلاقة بينها كما سنرى في البحوث المقبلة إن شاء الله تعالى. موضوع علم الاصول لكل علم - عادة - موضوع أساسي ترتكز جميع بحوثه عليه وتدور حوله وتستهدف الكشف عما يرتبط بذلك الموضوع من خصائص وحالات وقوانين، فالفيزياء مثلا موضوعها الطبيعة وبحوث الفيرياء ترتبط كلها بالطبيعة وتحاول الكشف عن حالاتها وقوانينها العامة. والنحو موضوعه الكلمة لانه يبحث عن حالات إعرابها وبنائها رفعها ونصبها. فما هو موضوع علم الاصول الذي تدور حوله بحوثه ؟. ونحن إذا لاحظنا التعريف الذي قدمناه لعلم الاصول إستطعنا أن نعرف أن علم الاصول يدرس في الحقيقة الادلة المشتركة في علم الفقه لاثبات دليلتها، وبهذا صح القول بأن موضوع علم الاصول هو الادلة المشتركة في عملية الاستنباط. علم الاصول منطق الفقه ولا بد أن معلوماتكم عن علم المنطق تسمح لنا أن نستخدمه كمثال لعلم الاصول، فإن علم المنطق كما تعلمون يدرس في الحقيقة عملية التفكير مهما كان مجالها وحقلها العلمي، ويحدد النظام الذي يجب أن تتعبه لكي يكون التفكير سليما، مثلا يعلمنا علم المنطق كيف يجب أن ننهج في الاستدلال


                      بوصفه عملية تفكير لكي يكون الاستدلال صحيحا، كيف نستدل على أن سقراط فان ؟ وكيف نستدل على أن نار الموقد الموضوع أمامي محرقة ؟ وكيف نستدل على أن مجموع زوايا المثلث تساوي قائمتين ؟ وكيف نستدل على أن الخط الممتد بدون نهاية مستحيل ؟ كل هذا يجيب عليه علم المنطق بوضع المناهج العامة للاستدلال كالقياس والاستقراء، فهو إذن علم لعملية التفكير إطلاقا. و وعلم الاصول يشابه علم المنطق من هذه الناحية غير أنه يبحث عن نوع خاص من عملية التفكير أي عن عملية التفكير الفقهي في إستنباط الاحكام، ويدرس العناصر المشتركة التي يجب أن تدخل فيها لكي يكون الاستنباط سليما، فهو يعلمنا كيف نستنبط الحكم بحرمة الارتماس على الصائم ؟ وكيف نستنبط إعتصام ماء الكر ؟ وكيف نستنبط الحكم بإستحباب صلاة العيد أو وجوبها ؟ وذلك بوضع المناهج العامة وتحديد العناصر المشتركة لعملية الاستنباط. وعلى هذا الاساس يصح أن يطلق على علم الاصول إسم منطق علم الفقه لانه بالنسبة إليه بمثابة المنطق بالنسبة إلى الفكر البشري بصورة عامة. أهمية علم الاصول في عملية الاستنباط ولسنا بعد ذلك بحاجة إلى التأكيد على أهمية علم الاصول وخطورة دوره في عالم الاستنباط لانه ما دام يقدم لعملية الاستنباط عناصرها المشتركة ويضع لها نظامها العام فهو عصب الحياة فيها، وبدون علم الاصول يواجه الشخص في الفقه ركاما متناثرا من النصوص والادلة دون أن يستطيع إستخدامها والاستفادة منها في الاستنباط، كإنسان يواجه أدوات النجارة ويعطى منشارا وفأسا وما إليها من أدوات دون أن يملك أفكارا عامة عن


                      عملية النجارة وطريقة إستخدام تلك الادوات. وكما أن العناصر المشتركة ضرورية لعملية الاستنباط فكذلك العناصر الخاصة التي تختلف من مسألة إلى أخرى كمفردات الآيات والروايات المتناثرة فإنها الجزء الضروري الآخر فيها، فلا يكفي مجرد الاطلاع على العناصر المشتركة التي يمثلها علم الاصول ومن يحاول الاستنباط على أساس الاطلاع الاصولي فحسب نظير من يملك معلومات نظرية عامة عن عملية النجارة ولا يوجد لديه فأس ولا منشار وما إليهما من أدوات النجارة فكما يعجز هذا عن صنع سرير خشبي مثلا كذلك يعجز الاصولي عن الاستنباط إذ لم يفحص بدقة العناصر الخاصة المتغيرة من مسألة إلى أخرى. فالعناصر المشتركة والعناصر الخاصة قطبان مندمجان في عملية الاستنباط ولا غنى للعملية عنهما معا. الاصول والفقه يمثلان النظرية والتطبيق ونخشى أن نكون قد أوحينا اليكم بتصور خاطى حين أو ضحنا أن المستنبط يدرس في علم الاصول العناصر المشتركة ويحددها ويتناول في بحوث علم الفقه العناصر الخاصة ليكمل بذلك عملية الاستنباط، إذ قد يتصور البعض أنا إذا درسنا في علم الاصول العناصر المشتركة في عملية الاستنباط وعرفنا مثلا حجية الخبر وحجية الظهور وما إليهما من العناصر الاصولية فلا يبقى علينا بعد ذلك أي جهد علمي، إذ لا نحتاج ما دمنا نملك تلك العناصر إلا إلى مجرد إستخراج الروايات والنصوص من مواضعها لكي تضاف إلى العناصر المشتركة ويستنبط منها الحكم الشرعي، وهو عمل سهل بطبيعته لا يشتمل على جهد علمي. ولكن هذا التصور خاطى إلى درجة كبيرة لان المجتهد إذا مارس


                      العناصر المشتركة لعملية الاستنباط وحددها في علم الاصول لا يكتفي بعد ذلك بتجميع أعمى للعناصر الخاصة من كتب الاحاديث والروايات مثلا بل يبقى عليه أن يمارس في علم الفقه تطبيق تلك العناصر المشتركة ونظرياتها العامة على العناصر الخاصة، والتطبيق مهمة فكرية بطبيعتها تحتاج إلى درس وتمحيض، ولا يغني الجهد العلمي المبذول أصوليا عن بذل جهد جديد في التطبيق، فلنفرض مثلا أن المجتهد آمن في علم الاصول بحجية الظهور العرفي فهل يكفيه أن يضع إصبعه على رواية علي بن مهزيار التي حددت مجالات الخمس مثلا يضيفها إلى العنصر المشترك ويستنبط من ذلك عدم وجوب الخمس في ميراث الاب ؟ أو ليس المجتهد بحاجة إلى تدقيق مدلول النص في الرواية لمعرفة نوع مدلوله في العرف العام ودراسة كل ما يرتبط بتحديد ظهوره العرفي من قرائن وإمارات داخل إطار النص أو خارجه لكي يتمكن بأمانة من تطبيق العنصر المشترك القائل بحجية الظهور العرفي ؟ وفي هذا الضوء نعرف أن البحث الفقهي عن العناصر الخاصة في عملية الاستنباط ليس مجرد عملية تجميع، بل هو مجال التطبيق للنظريات الاصولية، وتطبيق النظريات العامة له دائما موهبته الخاصة ودقته ومجرد الدقة في النظريات العامة لا يغني عن الدقة في تطبيقها، ألا ترون أن من يدرس بعمق النظريات العامة في الطب يحتاج في مجال تطبيقها على حالة مرضية إلى دقة وإنتباه كامل وتفكير في تطبيق تلك النظريات على المريض الذي بين يديه. التفاعل بين الفكر الاصولي والفكر الفقهي عرفنا أن علم الاصول يقوم بدور المنطق بالنسبة إلى علم الفقه والعلاقة بينهما علاقة النظرية والتطبيق، وهذا الترابط الوثيق بينهما يفسر لنا التفاعل المتبادل بين الذهنية الاصولية على صعيد النظريات من ناحية وبين الذهنية الفقهية على صعيد التطبيق من ناحية أخرى، لان توسع بحوث التطبيق يدفع
                      بحوث النظرية خطوة إلى الامام لانه يثير أمامها مشاكل ويضطرها إلى وضع النظريات العامة لحولها، كما أن دقة البحث في النظريات الاصولية تنعكس على صعيد التطبيق إذ كلما كانت النظريات أوفر وأدق تطلبت طريقة تطبيقها دقة وعمقا أكبر. وهذا التفاعل بين الذهنيتين الاصولية والفقهية يؤكده تاريخ العلمين على طول الخط، وتكشف عنه بوضوح دراسة المراحل التي مر بها البحث الفقهي والبحث الاصولي في تاريخ العلم، فقد نشأ علم الاصول في أحضان علم الفقه كما نشأ علم الفقه في أحضان علم الحديث. ولم يكن علم الاصول مستقلا عن علم الفقه في البداية ومن خلال نمو علم الفقه وإتساع أفق التفكير الفقهي أخذت الخيوط العامة، والعناصر المشتركة في عملية الاستنباط تبدو وتتكشف وأخذ الممارسون للعمل الفقهي يلاحظون إشتراك عمليات الاستنباط في عناصر عامة لا يمكن إستخراج الحكم الشرعي بدونها، وكان ذلك إيذانا بمولد علم الاصول وإتجاه الذهنية الفقهية إتجاها أصوليا، فانفصل علم الاصول عن علم الفقه في البحث والتصنيف وأخذ يتسع ويشرى تدريجا من خلال نمو الفكر الاصولي من ناحية وتبعا لتوسع البحث الفقهي من ناحية أخرى، لان إتساع نطاق التطبيق الفقهي كان يلفت أنظار الممارسين إلى مشاكل جديدة فتوضع للمشاكل حلولها المناسبة وتتخذ الحلول صورة العناصر المشتركة في علم الاصول. وكلما بعد الفقيه عن عصر النص تعدد جوانب الغموض في فهم الحكم من مداركه الشرعية وتنوعت الفجوات في عملية الاستنباط نتيجة للبعد الزمني، فيحس أكثر فاكثر بالحاجة إلى تحديد قواعد عامة يعالج بها جوانب الغموض ويملا بها تلك الفجوات، وبهذا كانت الحاجة إلى علم الاصول تاريخية بمعنى أنها تشتد وتتأكد كلما إبتعد الفقيه تاريخيا عن عصر النص وتراكمت الشكوك على عملية الاستنباط التي يمارسها.



                      يتبع..

                      تعليق


                      • #12

                        اللهم صلى على محمد وال محمد

                        تعليق

                        المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                        حفظ-تلقائي
                        x

                        رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                        صورة التسجيل تحديث الصورة

                        اقرأ في منتديات يا حسين

                        تقليص

                        المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                        أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 09:44 PM
                        استجابة 1
                        10 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                        بواسطة ibrahim aly awaly
                         
                        أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 07:21 AM
                        ردود 2
                        12 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                        بواسطة ibrahim aly awaly
                         
                        يعمل...
                        X