الإمام الرضا عليه السلام وولاية العهد
بقلم ضياء الحيدري
في 11 من ذي الحجة سنة 148ه ولد الإمام علي الرضا عليه السلام في المدينة المنورة ، أمه امرأة صالحة قيل ان اسمها " نجمة " وقيل " تكتم " أمضى طفولته مع أبيه الإمام الكاظم (ع) وكان أبوه يوصي أصحابه ويشير إلى إمامة ابنه ، قال علي بن يقطين : ( كنت عند العبد الصالح فدخل عليه ابنه الرضا ، فقال الإمام لي : يا علي هذا سيد ولي ، فقال هشام بن الحكم : لقد أخبرك ان الأمر له من بعدي...). وقد كانت الظروف في عهده بغاية الخطورة ، حيث ان الإمام الكاظم (ع) كان يوصي أصحابه بالكتمان. ومن أخلاقه صلوات الله عليه، يقول إبراهيم بن العباس : ( ما رأيت ابا الحسن الرضا جفا أحدا بكلامه قط ، وما رايته قطع على احد كلامه حتى يفرغ منه ، وما رد أحدا من حاجة يقدر عليها ، وما مد رجليه بين جليس له قط ، ولا اتكأ بين يدي جليس له قط ، ولا شتم أحدا من مواليه ومماليكه قط ، ولا رأيته تقهقه في ضحكه بل ضحكه التبسم ، وكان إذا خلى ونصب مائدته اجلس معه عليها مماليكه حتى البواب والسائس ، ومن زعم انه رأى مثله في فضله فلا تصدقوه...). ورافق احدهم الإمام الرضا في رحلته إلى خراسان فدعى الإمام بالمائدة وجمع عليها مواليه ومماليكه لتناول الطعام فقال رجل"يا ابن رسول الله ، لو جعل لهؤلاء مائدة لوحدهم ؟؟" فقال الإمام : ( ان الرب تبارك وتعالى واحد والأب واحد والأم واحدة والجزاء بالأعمال...). كان علي بن وموسى الرضا عليه السلام في المدينة المنورة عندما جاء أمر المأمون بالسفر إلى مرو ، شد الإمام الرحال إلى خراسان فوصل البصرة ومنها توجه إلى بغداد ثم توقف في مدينة قم المقدسة حيث استقبل استقبالا حافلا ، ودخل ضيفا على احد بيوتاتها وهو الذي يطلق عليه اليوم " المدرسة الرضوية " ، واستقبل موكب الإمام في نيسابور بفرح وسرور ، وكان في طليعة المستقبلين المئات من العلماء وطلاب العلم والدين الذين تجمعوا حول الإمام والأقلام بأيديهم ينتظرون منه ان يحدثهم بأحاديث النبي صلى الله عليه واله وسلم ...ثم وصل الإمام الرضا (ع) إلى مرو وقد استقبله الخليفة المأمون العباسي استقبالا حافلا محاطا بكل مظاهر الاحترام والتقدير. أرسل المأمون إلى الإمام ولما حضر قال له المأمون بحضور جمع كبير من الناس : يابن رسول الله ، ارايت ان اخلع نفسي من هذه الخلافة واجعلها لك ( رغم انه قتل أخاه الأمين من اجلها ! ) ، فقال الإمام الرضا (ع) الخلافة من الله سبحانه وتعالى ، فلا يجوز لك ان تخلع ثوبا البسكه الله ، وان كانت الخلافة ليست لك فلا يحق لك ان تهب ثوبا لاتملكه (ومن كلامه (ع) يتبين ان خلافته وخلافة اسلافة لم تكن شرعية..). قال المأمون : انتم أهل البيت حجتكم قوية وكلامكم لايرد ، وانا لااريد الدخول معك في محاججة حول هذه المسألة فإذا كنت لاتقبل الخلافة فلابد من ولاية العهد ، فرفض الإمام ولاية العهد لكن المأمون أصر عليه حتى وصل به الأمر إلى تهديد الإمام ، فاضطر عليه السلام القبول ولكن بشروط ، فالتقية دينهم ودين آبائهم صلوات الله عليهم أجمعين. وكان من جملة هذه الشروط ان لايتدخل في قوانين الدولة ولايحدث شيئا ، مما يؤكد ان قبوله بهذا المنصب كان بالاسم فقط ، أما المأمون العباسي فكان يبغي بهذا العمل ان يعطي لسلطانه صبغة شرعية لكي يمتص ثورة ونقمة الثائرين والماقتين عليه من العلويين ، وأتباعهم من الشيعة ، بعد ان أوغل العباسيون في ظلمهم لعامة الناس وللأئمة وأتباعهم.. هذه الخطة إذن هي محاولة ماكرة للالتفاف حول الإمامة الإلهية ، لكن الإمام استطاع بحكمته ان يقضي على هذا المشروع منذ البداية ، فشرط عدم التدخل في أمور الدولة ، وشرط عدم إحداث شيء من قبل الإمام ، دليلان واضحان على عدم شرعية النظام لأنه لو كان نظاما شرعيا لكان لزاما على الإمام الرضا (ع) ان يأمر بالمعروف فيها وينهى عن المنكر فيها بما لديه من علم ، وهذا يذكرنا بإشكالات بعض المخالفين القائلين بعدم ولاية أمير المؤمنين لأنه بايع القوم حسب ادعائهم ، فأبو الحسن لم يبايع لكنه اضطر لمسالمتهم ما سلمت أمور المسلمين ووئدا للفتنة وحقنا للدماء.
المصادر: المنبر الحر ، درر البحار في سيرة النبي وآله الأطهار.
بقلم ضياء الحيدري
في 11 من ذي الحجة سنة 148ه ولد الإمام علي الرضا عليه السلام في المدينة المنورة ، أمه امرأة صالحة قيل ان اسمها " نجمة " وقيل " تكتم " أمضى طفولته مع أبيه الإمام الكاظم (ع) وكان أبوه يوصي أصحابه ويشير إلى إمامة ابنه ، قال علي بن يقطين : ( كنت عند العبد الصالح فدخل عليه ابنه الرضا ، فقال الإمام لي : يا علي هذا سيد ولي ، فقال هشام بن الحكم : لقد أخبرك ان الأمر له من بعدي...). وقد كانت الظروف في عهده بغاية الخطورة ، حيث ان الإمام الكاظم (ع) كان يوصي أصحابه بالكتمان. ومن أخلاقه صلوات الله عليه، يقول إبراهيم بن العباس : ( ما رأيت ابا الحسن الرضا جفا أحدا بكلامه قط ، وما رايته قطع على احد كلامه حتى يفرغ منه ، وما رد أحدا من حاجة يقدر عليها ، وما مد رجليه بين جليس له قط ، ولا اتكأ بين يدي جليس له قط ، ولا شتم أحدا من مواليه ومماليكه قط ، ولا رأيته تقهقه في ضحكه بل ضحكه التبسم ، وكان إذا خلى ونصب مائدته اجلس معه عليها مماليكه حتى البواب والسائس ، ومن زعم انه رأى مثله في فضله فلا تصدقوه...). ورافق احدهم الإمام الرضا في رحلته إلى خراسان فدعى الإمام بالمائدة وجمع عليها مواليه ومماليكه لتناول الطعام فقال رجل"يا ابن رسول الله ، لو جعل لهؤلاء مائدة لوحدهم ؟؟" فقال الإمام : ( ان الرب تبارك وتعالى واحد والأب واحد والأم واحدة والجزاء بالأعمال...). كان علي بن وموسى الرضا عليه السلام في المدينة المنورة عندما جاء أمر المأمون بالسفر إلى مرو ، شد الإمام الرحال إلى خراسان فوصل البصرة ومنها توجه إلى بغداد ثم توقف في مدينة قم المقدسة حيث استقبل استقبالا حافلا ، ودخل ضيفا على احد بيوتاتها وهو الذي يطلق عليه اليوم " المدرسة الرضوية " ، واستقبل موكب الإمام في نيسابور بفرح وسرور ، وكان في طليعة المستقبلين المئات من العلماء وطلاب العلم والدين الذين تجمعوا حول الإمام والأقلام بأيديهم ينتظرون منه ان يحدثهم بأحاديث النبي صلى الله عليه واله وسلم ...ثم وصل الإمام الرضا (ع) إلى مرو وقد استقبله الخليفة المأمون العباسي استقبالا حافلا محاطا بكل مظاهر الاحترام والتقدير. أرسل المأمون إلى الإمام ولما حضر قال له المأمون بحضور جمع كبير من الناس : يابن رسول الله ، ارايت ان اخلع نفسي من هذه الخلافة واجعلها لك ( رغم انه قتل أخاه الأمين من اجلها ! ) ، فقال الإمام الرضا (ع) الخلافة من الله سبحانه وتعالى ، فلا يجوز لك ان تخلع ثوبا البسكه الله ، وان كانت الخلافة ليست لك فلا يحق لك ان تهب ثوبا لاتملكه (ومن كلامه (ع) يتبين ان خلافته وخلافة اسلافة لم تكن شرعية..). قال المأمون : انتم أهل البيت حجتكم قوية وكلامكم لايرد ، وانا لااريد الدخول معك في محاججة حول هذه المسألة فإذا كنت لاتقبل الخلافة فلابد من ولاية العهد ، فرفض الإمام ولاية العهد لكن المأمون أصر عليه حتى وصل به الأمر إلى تهديد الإمام ، فاضطر عليه السلام القبول ولكن بشروط ، فالتقية دينهم ودين آبائهم صلوات الله عليهم أجمعين. وكان من جملة هذه الشروط ان لايتدخل في قوانين الدولة ولايحدث شيئا ، مما يؤكد ان قبوله بهذا المنصب كان بالاسم فقط ، أما المأمون العباسي فكان يبغي بهذا العمل ان يعطي لسلطانه صبغة شرعية لكي يمتص ثورة ونقمة الثائرين والماقتين عليه من العلويين ، وأتباعهم من الشيعة ، بعد ان أوغل العباسيون في ظلمهم لعامة الناس وللأئمة وأتباعهم.. هذه الخطة إذن هي محاولة ماكرة للالتفاف حول الإمامة الإلهية ، لكن الإمام استطاع بحكمته ان يقضي على هذا المشروع منذ البداية ، فشرط عدم التدخل في أمور الدولة ، وشرط عدم إحداث شيء من قبل الإمام ، دليلان واضحان على عدم شرعية النظام لأنه لو كان نظاما شرعيا لكان لزاما على الإمام الرضا (ع) ان يأمر بالمعروف فيها وينهى عن المنكر فيها بما لديه من علم ، وهذا يذكرنا بإشكالات بعض المخالفين القائلين بعدم ولاية أمير المؤمنين لأنه بايع القوم حسب ادعائهم ، فأبو الحسن لم يبايع لكنه اضطر لمسالمتهم ما سلمت أمور المسلمين ووئدا للفتنة وحقنا للدماء.
المصادر: المنبر الحر ، درر البحار في سيرة النبي وآله الأطهار.