بسم الله الرحمن الرحيم
وصل الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
لقد ذكر القرآن والرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) آيات وأحاديث عديدة في حق علي بن أبي طالب عليه السلام تبهر العقول من كثرتها ودلالتها وصحتها وواقعيتها وقبول قلوب المؤمنين لها .
فقد جاء بأنه نفس النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) { وأنفسنا وأنفسكم } وأنه وزير النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وخليفته قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ) وبأنه وصيه وخليفته وأخوه ووليه ووزيره قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم جمع عشيرته : ايكم ينتدب أن يكون أخي ووزيري ووصيي وخليفتي في أُمتي وولي كلّ مؤمن بعدي ؟ فسكت القوم حتى اعادها ثلاثاً ، فقال علي عليه السلام : انا يا رسول الله ، فوضع ( صلى الله عليه وآله وسلم ) رأسه في حجره وتفل في فيه وقال : اللهم املأ جوفه علماً وفهماً وحكماً ثم قال لابي طالب : يا أبا طالب اسمع الآن لابنك واطع فقد جعله الله من نبيه بمنزلة هارون من موسى . ( 1 )
وقد وصف النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) علياً عليه السلام بهذه المرتبة العالية في اماكن وازمان مختلفة في مكة والمدينة ، في السلم والحرب اضافة إلى الآيات القرآنية المباركة النازلة في حقه .
فهل تحتاج تلك الآيات والاحاديث الكثيرة والواضحة والمبينة إلى تفسير عند امة البلاغة ، فهو الوصي والخليفة والوزير والولي ونفس النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ووارثه والمولى .
خطب الحسن بن علي عليه السلام عند قتل علي عليه السلام فحمد الله واثنى عليه ثم قال : لقد قبض في هذه الليلة رجل لا يسبقه الاولون بعمل ولا يدركه الآخرون ، وقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يعطيه رايته فيقاتل وجبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، فما يرجع حتى يفتح الله عليه ، وما ترك على اهل الأرض صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم ، فضلت من عطائه اراد ان يبتاع بها خادماً لأهله ( ثم قال ) : ايها الناس من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن ابن علي ، وانا ابن النبي وانا ابن الوصي . ( 2 )
وقال الامام الحسين عليه السلام في يوم معركة كربلاء التي استشهد فيها :
اما بعد فانسبوني فانظروا من أنا ثم ارجعوا إلى انفسكم وعاتبوها ، هل يجوز لكم قتلي وانتهاك حرمتي ؟ ألست ابن بنت نبيكم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وابن وصيه وابن عمه وأول القوم اسلاماً ؟ ( 3 )
وقالت فاطمة سية نساء العالمين في مرض موتها معاتبة نساء الأنصار : فما حفظ لي الحق ولا رعيت مني الذمة ولا قبلت الوصية ولا عرفت الحرمة .
وقال الامام علي عليه السلام : ايها الناس اني قد بثثت لكم المواعظ التي وعظ الانبياء بها أممهم وأديت اليكم ما أدت الاوصياء إلى من بعدهم . ( 4 )
وقال عليه السلام ايضاً : ومالي لا أعجب من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها لا يقتصون أثر نبي ولا يقتدون بعمل وصي .. ولا يقاس بأل محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من هذه الأمة أحد ولا يسوى من جرت نعمتهم عليه أبداً ، هم اساس الدين .. ولهم خصائص حق الولاية وفيهم الوصية والوراثة . ( 5 )
وقال طلحة بن مصرق لهذيل بن شرحبيل ان الناس يقولون : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اوصى إلى علي عليه السلام . ( 6 )
وقال الامام علي عليه السلام في أهل البيت عليهم السلام : وفيهم الوصية والوراثة . ( 7 )
وقال عليه السلام : وأديت إليكم ما أدت الاوصياء . ( 8 )
قال عبد الله بن عباس امام معاوية : ( أصبنا بسيد المرسلين وإمام المتقين ورسول رب العالمين ثم بعده بسيد الأوصياء ) ( 9 )
فلم ينكر معاوية ولم يعترض .
وروى نصر بن مزاحم في كتابه وقعة صفين : ( ان الامام علياً عليه السلام في مسيره إلى صفين ، عطش جيشه في الصحراء ، فانطلق بهم حتى أتى بهم على صخرة فأعانهم حتى اقتلعوها ، وشرب الجيش حتى ارتووا ، وكان بالقرب منهم دير ، فلما اطلع صاحب الدير على هذا الأمر قال : ما بني هذا الدير إلا بذلك الماء وما استخرجه إلا نبي أو وصي نبي . ( 10 )
وقال ابن العاص لمعاوية :
فبي حاربوا سيد الاوصياء
بقولي دمٌ طلّ من نعثلٍ ( 11 )
وكتب عمرو بن العاص إلى معاوية : فأما ما دعوتني إليه .. وإعانتي إياك على الباطل ، واختراط السيف في وجه علي وهو اخو رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ووصيه ووارثه وقاضي دينه ومنجزه وعده وزوج ابنته ... ( 12 )
وعن سلمان الفارسي قال قلت لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ): إن لكل نبي وصياً فمن وصيك ؟ فسكت عني فلما كان بعد رآني فقال : يا سلمان ! فأسرعت إليه قلت : لبيك قال : تعلم من وصي موسى ؟ قلت : نعم يوشع بن نون قال : لم ؟ قلت : لانه كان أعلمهم يومئذ قال : فإن وصيي وموضع سري وخير من أترك بعدي وينجز عدتي ويقضي ديني علي بن أبي طالب ( 13 )
وذكر الوصية الصحابي انس بن مالك اذ قال : إن النبي توضأ وصلى ركعتين وقال له : اول من يدخل عليه من هذا الباب امام المتقين وسيد المسلمين ويعسوب الدين وخاتم الوصيين ... فجاء علي عليه السلام فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من جاء يا انس ؟ فقلت : علي ، فقال إليه مستبشراً فاعتنقه . ( 14 )
وقال ابو الأسود الدؤلي :
احب محمداً حباً شديداً
وعباساً وحمزة والوصيا ( 15 )
قال عبد الله بن أبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب :
وصي النبي المصطفى وابن عمه
فمن ذا يدانيه ومن ذا يقاربه ؟ ( 16 )
وقال الفضل بن العباس بن عبد المطلب :
ألا خير الناس بعد محمد
وصي النبي المصطفى عند ذي الذكر ( 17 )
وقال النعامان بن عجلان شاعر الانصار بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
وكان هوانا في علي وإنه
لاهل لها يا عمرو من حيث لا تدري
وصي النبي المصطفى وابن عمه
وقاتل فرسان الضلالة والكفر
وقال النعمان ذلك الشعر في جواب كلمة عمرو بن العاص التي انتقض فيها الانصار بعد انتصاب ابي بكر لانحسار الانصار عن الخليفة ( 18 )
وقال خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين في يوم الجمل يخاطب فيها عائشة :
وصي رسول الله من دون اهله
وأنت على ما كان من ذاك شاهد
وقال أيضاً :
يا وصي النبي قد أجلت الحرب
الأعادي وسارعت الأظعان
واستقامت لك الامور من الشام
وفي الشام يظهر الأذعان
حسبهم ما راوا وحسبك منا
هكذا نحن حيث كنا وكانوا
وقال عمر بن حارثة الانصاري في محمد بن الحنفية في يوم الجمل :
سمي النبي وشبه الوصي
ورايته لونوها العندم
وقال رجل من الازد في يوم الجمل :
هذا علي وهو الوصي
آخاه يوم النجوة النبي
وقال هذا بعدي الولي
وعاه واع ونسي الشقي
فبالرغم من مرور ثلاث وعشرين سنة على وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مازال الناس يذكرون وصية الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعلي عليه السلام ، هذا شيء خطير ، اذ لم تتمكن قوة السلطة والفترة الزمنية الطويلة من طمر هذه الوصية الالهية :
فقالها الشعراء والصحابة في ايام الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبعد مماته واكثروا من ذكرها بعد مقتل عثمان وفي معركة الجمل وفي معركة صفين وهلم جراً في ايام الدولتين الاموية والعباسية ، لتبقى الوصية خالدة في تاريخ الأمم لا يلفها النسيان ولا يطويها السلطان ، وهذه ان دلت على شيء فإنما تدل على بقاء الحق في الارض بقوة الله تعالى .
فقد قال الإمام علي عليه السلام في صفين بعد أن اعطى معاوية مصر لعمرو طعمة :
يا عجباً لقد سمعت منكراً
كذباً على الله يشب الشعرا
يسترق السمع ويغشى البصرا
ما كان يرضي أحمد لو خبرا
ام يقرنوا وصيه والابترا
شاني الرسول واللعين الاخزرا ( 19 )
وقال حجر بن عدي الكندي :
يا ربنا سلم لنا علياً
سلم لنا المهذب النقيا
المؤمن المسترشد المرضيا
واجعله أمة مهديا
لا أخطل الرأي ولا غبيا
واحفظه ربي حفظك النبيا
فإنه كان له وليا
ثم ارتضاه بعده وصيا ( 20 )
وقد كتب جرير بن عبد الله البجلي والي عثمان على احد الولايات الايرانية :
أتانا كتاب علي فلم
نرد الكتاب بأرض العجم
علياً عنيت وصي النبي
نجالد عنه غواة الأمم ( 21 )
وقال الاشعث بن قيس الكندي والي عثمان على اذربيجان بعد مقتل عثمان :
اتانا الرسول رسول علي
فسرّ بمقدمه المسلمونا
رسول الوصي وصي النبي
له الفضل والسبق في المؤمنينا
وزير النبي وذو صهره
وسيف المنية في الظالمينا
وقال أيضاً :
أتانا الرسول رسول الوصي
علي المهذب من هاشم
رسول الوصي وصي النبي
وخير البرية من قائم
وزير النبي وذو صهره
وخير البرية في العالم ( 22 )
وقال المنذر بن ابي حميضة الوادعي :
ليس منا من لم يكن في الله
ولياً يا ذا الولا والوصيه ( 23 )
وقال المنذر بن عجلان الأنصاري :
كيف التفرق والوصي إمامنا
لا كيف إلا حيرة وتخاذلا
وذروا معاوية الغوي وتابعوا
دين الوصي تصادفوه عاجلا ( 24 )
وقال ابن عباس :
سبُّوا الاله وكذّبوا بمحمد
والمرتضى ذاك الوصي الطاهر
احياؤهم خزي على امواتهم
والميتون فضيحة للغابر ( 25 )
وقد اعتزلت الانصار عن ابي بكر فغضبت قريش واحفظها ذلك فتكلم خطباؤها وقدم عمرو بن العاص ، فقالت قريش : قم فتكلم بكلام تنال فيه من الانصار ، ففعل ذلك ، فقام الفضل بن العباس فرد عليهم ، ثم صار إلى علي عليه السلام فاخبره وانشده شعراً قاله ، فخرج علي عليه السلام مغضباً حتى دخل المسجد فذكر الانصار بخير ورد على عمرو بن العاص قوله ، فلما علمت الانصار ذلك سرّها وقالت ما نبالي بقول من قال مع حسن قول علي عليه السلام واجتمعت إلى حسان بن ثابت الذي قال :
جزى الله خيراً والجزاء بكفه
أبا حسن عنا ومن كأبي حسن
سبقت قريش بالذي أنت اهله
فصدرك مشروح وقلبك ممتحن
تمنت رجال من قريش أعزةٌ
مكانك هيهات الهُزل من السِّمن
حفظت رسول الله فينا وعده
إليك ومن أولى به منك من ومن
ألست أخاه في الهدى ووصيه
وأعلم فهر بالكتاب وبالسنن
وقال ابو مخنف : ولما بلغ حذيفة بن اليمان أن علياً عليه السلام قد قدم ذي قار ، واستنفر الناس ، دعا أصحابه فوعظهم وذكرهم الله وزهدهم في الدنيا ، ورغبهم في الآخرة وقال لهم : الحقوا بأمير المؤمنين وصيّي سيد المسلمين فإن من الحق أن تنصروه ( 26 )
وقد قال عبد الفتاح عبد المقصود المصري : وما نحسب الذين نادوا بعلي امير المؤمنين بعد مقتل عثمان ، إلا قد فعلوا وفي بالهم وصية النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بتأميره وإن تأخر عليهم الزمن ، وإن تعلقت عندئذ بجبرية الضرورات التي املتها الحوادث وان نظرية الوصية هي أول نظرية سياسية لنظام الحكم في الاسلام والاصل الذي لا أصل قبله ولا اصل غيره ( 27 )
وقال عبد الفتاح عبد المقصود : ولا نعني بهذا أننا نهدر الوصية او نذهب مذهب الذين يقولون بان وصية محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى ابن عمه لم تكن وصية بالخلافة ، وإن ذرائع انتخاب ابي بكر يوم السقيفة لشغل منصب الخلافة يمكن ان تكون نفس الذرائع التي قد تساند أي امرئ سواه .
ولقد اعترف عمر بن الخطاب باحقية علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بالخلافة من غيره إذ قال لابن عباس : لقد كان علي فيكم أولى بهذا الامر ومن ابي بكر ، وفي لفظ آخر : اما والله إن صاحبك هذا لأولى الناس بالأمر بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ( 28 )
وقد قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لكل نبي وصي ووارث ، ان وصيي ووارثي علي بن أبي طالب وقد قرنه الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالوارث لانه وارث العلم والمنزلة ( 29 )
والوصي يعني من يخلف الامر لشخص في دولة أو مؤسسة او عائلة والذي يدير الامور وقد اجتمعت في علي عليه السلام صفات الوصي والوارث والمولى والخليفة والوزير والسيد ( سيد المسلمين ) والامام ( امام المتقين ) .
ولا يمكن اجتماع هذه الصفات في رجل عادي بل تجتمع في الخليفة القائم بالأمر بعد الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ..
ولا يجوز لعاقل ومنصف تأويل كل هذه الاوصاف تأويلات خيالية لا يقبلها عقل ولا منطق ولا وجدان ...
ولو كانت هذه الاوصاف لا تصل إلى المراد اذاً ماذا يقول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى يصل إلى المراد ، وهل توجد في اللغة العربية غير هذه الاوصاف !
قال ابو الهيثم :
كنا شعار نبينا ودثاره
يفديه منا الروح والابصار
إن الوصي إمامنا وولينا
برح الخفاء وباحت الأسرار
وقال غلام خرج من جيش عائشة في وقعة الجمل :
نحن بنو ضبة أعداء علي
ذاك الذي يُعرف قدماً بالوصي
وفارس الخيل على عهد النبي
ما انا عن فضل علي بالعمي
ولكنني أنعى عفان التقي
إن الولي طالب ثأر الولي ( 30 )
وقال المأمون :
ألام حبي الوصي ابا الحسن
وذلك من غرّ اعاجيب الزمن ( 31 )
وقال حميري :
اني ادين بما دان الوصي به
يوم النخيلة من قتل المحلينا ( 32 )
وقال ايضاً :
والله من عليهم بمحمد
وهداهم وكسا الجنوب واطعما
ثم انبروا لوصيه ووليه
بالمنكرات فجرّعوه العلقما ( 33 )
والحمد لله رب العالمين
وصل الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
وصل الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
لقد ذكر القرآن والرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) آيات وأحاديث عديدة في حق علي بن أبي طالب عليه السلام تبهر العقول من كثرتها ودلالتها وصحتها وواقعيتها وقبول قلوب المؤمنين لها .
فقد جاء بأنه نفس النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) { وأنفسنا وأنفسكم } وأنه وزير النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وخليفته قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ) وبأنه وصيه وخليفته وأخوه ووليه ووزيره قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم جمع عشيرته : ايكم ينتدب أن يكون أخي ووزيري ووصيي وخليفتي في أُمتي وولي كلّ مؤمن بعدي ؟ فسكت القوم حتى اعادها ثلاثاً ، فقال علي عليه السلام : انا يا رسول الله ، فوضع ( صلى الله عليه وآله وسلم ) رأسه في حجره وتفل في فيه وقال : اللهم املأ جوفه علماً وفهماً وحكماً ثم قال لابي طالب : يا أبا طالب اسمع الآن لابنك واطع فقد جعله الله من نبيه بمنزلة هارون من موسى . ( 1 )
وقد وصف النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) علياً عليه السلام بهذه المرتبة العالية في اماكن وازمان مختلفة في مكة والمدينة ، في السلم والحرب اضافة إلى الآيات القرآنية المباركة النازلة في حقه .
فهل تحتاج تلك الآيات والاحاديث الكثيرة والواضحة والمبينة إلى تفسير عند امة البلاغة ، فهو الوصي والخليفة والوزير والولي ونفس النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ووارثه والمولى .
خطب الحسن بن علي عليه السلام عند قتل علي عليه السلام فحمد الله واثنى عليه ثم قال : لقد قبض في هذه الليلة رجل لا يسبقه الاولون بعمل ولا يدركه الآخرون ، وقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يعطيه رايته فيقاتل وجبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، فما يرجع حتى يفتح الله عليه ، وما ترك على اهل الأرض صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم ، فضلت من عطائه اراد ان يبتاع بها خادماً لأهله ( ثم قال ) : ايها الناس من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن ابن علي ، وانا ابن النبي وانا ابن الوصي . ( 2 )
وقال الامام الحسين عليه السلام في يوم معركة كربلاء التي استشهد فيها :
اما بعد فانسبوني فانظروا من أنا ثم ارجعوا إلى انفسكم وعاتبوها ، هل يجوز لكم قتلي وانتهاك حرمتي ؟ ألست ابن بنت نبيكم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وابن وصيه وابن عمه وأول القوم اسلاماً ؟ ( 3 )
وقالت فاطمة سية نساء العالمين في مرض موتها معاتبة نساء الأنصار : فما حفظ لي الحق ولا رعيت مني الذمة ولا قبلت الوصية ولا عرفت الحرمة .
وقال الامام علي عليه السلام : ايها الناس اني قد بثثت لكم المواعظ التي وعظ الانبياء بها أممهم وأديت اليكم ما أدت الاوصياء إلى من بعدهم . ( 4 )
وقال عليه السلام ايضاً : ومالي لا أعجب من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها لا يقتصون أثر نبي ولا يقتدون بعمل وصي .. ولا يقاس بأل محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من هذه الأمة أحد ولا يسوى من جرت نعمتهم عليه أبداً ، هم اساس الدين .. ولهم خصائص حق الولاية وفيهم الوصية والوراثة . ( 5 )
وقال طلحة بن مصرق لهذيل بن شرحبيل ان الناس يقولون : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اوصى إلى علي عليه السلام . ( 6 )
وقال الامام علي عليه السلام في أهل البيت عليهم السلام : وفيهم الوصية والوراثة . ( 7 )
وقال عليه السلام : وأديت إليكم ما أدت الاوصياء . ( 8 )
قال عبد الله بن عباس امام معاوية : ( أصبنا بسيد المرسلين وإمام المتقين ورسول رب العالمين ثم بعده بسيد الأوصياء ) ( 9 )
فلم ينكر معاوية ولم يعترض .
وروى نصر بن مزاحم في كتابه وقعة صفين : ( ان الامام علياً عليه السلام في مسيره إلى صفين ، عطش جيشه في الصحراء ، فانطلق بهم حتى أتى بهم على صخرة فأعانهم حتى اقتلعوها ، وشرب الجيش حتى ارتووا ، وكان بالقرب منهم دير ، فلما اطلع صاحب الدير على هذا الأمر قال : ما بني هذا الدير إلا بذلك الماء وما استخرجه إلا نبي أو وصي نبي . ( 10 )
وقال ابن العاص لمعاوية :
فبي حاربوا سيد الاوصياء
بقولي دمٌ طلّ من نعثلٍ ( 11 )
وكتب عمرو بن العاص إلى معاوية : فأما ما دعوتني إليه .. وإعانتي إياك على الباطل ، واختراط السيف في وجه علي وهو اخو رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ووصيه ووارثه وقاضي دينه ومنجزه وعده وزوج ابنته ... ( 12 )
وعن سلمان الفارسي قال قلت لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ): إن لكل نبي وصياً فمن وصيك ؟ فسكت عني فلما كان بعد رآني فقال : يا سلمان ! فأسرعت إليه قلت : لبيك قال : تعلم من وصي موسى ؟ قلت : نعم يوشع بن نون قال : لم ؟ قلت : لانه كان أعلمهم يومئذ قال : فإن وصيي وموضع سري وخير من أترك بعدي وينجز عدتي ويقضي ديني علي بن أبي طالب ( 13 )
وذكر الوصية الصحابي انس بن مالك اذ قال : إن النبي توضأ وصلى ركعتين وقال له : اول من يدخل عليه من هذا الباب امام المتقين وسيد المسلمين ويعسوب الدين وخاتم الوصيين ... فجاء علي عليه السلام فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من جاء يا انس ؟ فقلت : علي ، فقال إليه مستبشراً فاعتنقه . ( 14 )
وقال ابو الأسود الدؤلي :
احب محمداً حباً شديداً
وعباساً وحمزة والوصيا ( 15 )
قال عبد الله بن أبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب :
وصي النبي المصطفى وابن عمه
فمن ذا يدانيه ومن ذا يقاربه ؟ ( 16 )
وقال الفضل بن العباس بن عبد المطلب :
ألا خير الناس بعد محمد
وصي النبي المصطفى عند ذي الذكر ( 17 )
وقال النعامان بن عجلان شاعر الانصار بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
وكان هوانا في علي وإنه
لاهل لها يا عمرو من حيث لا تدري
وصي النبي المصطفى وابن عمه
وقاتل فرسان الضلالة والكفر
وقال النعمان ذلك الشعر في جواب كلمة عمرو بن العاص التي انتقض فيها الانصار بعد انتصاب ابي بكر لانحسار الانصار عن الخليفة ( 18 )
وقال خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين في يوم الجمل يخاطب فيها عائشة :
وصي رسول الله من دون اهله
وأنت على ما كان من ذاك شاهد
وقال أيضاً :
يا وصي النبي قد أجلت الحرب
الأعادي وسارعت الأظعان
واستقامت لك الامور من الشام
وفي الشام يظهر الأذعان
حسبهم ما راوا وحسبك منا
هكذا نحن حيث كنا وكانوا
وقال عمر بن حارثة الانصاري في محمد بن الحنفية في يوم الجمل :
سمي النبي وشبه الوصي
ورايته لونوها العندم
وقال رجل من الازد في يوم الجمل :
هذا علي وهو الوصي
آخاه يوم النجوة النبي
وقال هذا بعدي الولي
وعاه واع ونسي الشقي
فبالرغم من مرور ثلاث وعشرين سنة على وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مازال الناس يذكرون وصية الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعلي عليه السلام ، هذا شيء خطير ، اذ لم تتمكن قوة السلطة والفترة الزمنية الطويلة من طمر هذه الوصية الالهية :
فقالها الشعراء والصحابة في ايام الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبعد مماته واكثروا من ذكرها بعد مقتل عثمان وفي معركة الجمل وفي معركة صفين وهلم جراً في ايام الدولتين الاموية والعباسية ، لتبقى الوصية خالدة في تاريخ الأمم لا يلفها النسيان ولا يطويها السلطان ، وهذه ان دلت على شيء فإنما تدل على بقاء الحق في الارض بقوة الله تعالى .
فقد قال الإمام علي عليه السلام في صفين بعد أن اعطى معاوية مصر لعمرو طعمة :
يا عجباً لقد سمعت منكراً
كذباً على الله يشب الشعرا
يسترق السمع ويغشى البصرا
ما كان يرضي أحمد لو خبرا
ام يقرنوا وصيه والابترا
شاني الرسول واللعين الاخزرا ( 19 )
وقال حجر بن عدي الكندي :
يا ربنا سلم لنا علياً
سلم لنا المهذب النقيا
المؤمن المسترشد المرضيا
واجعله أمة مهديا
لا أخطل الرأي ولا غبيا
واحفظه ربي حفظك النبيا
فإنه كان له وليا
ثم ارتضاه بعده وصيا ( 20 )
وقد كتب جرير بن عبد الله البجلي والي عثمان على احد الولايات الايرانية :
أتانا كتاب علي فلم
نرد الكتاب بأرض العجم
علياً عنيت وصي النبي
نجالد عنه غواة الأمم ( 21 )
وقال الاشعث بن قيس الكندي والي عثمان على اذربيجان بعد مقتل عثمان :
اتانا الرسول رسول علي
فسرّ بمقدمه المسلمونا
رسول الوصي وصي النبي
له الفضل والسبق في المؤمنينا
وزير النبي وذو صهره
وسيف المنية في الظالمينا
وقال أيضاً :
أتانا الرسول رسول الوصي
علي المهذب من هاشم
رسول الوصي وصي النبي
وخير البرية من قائم
وزير النبي وذو صهره
وخير البرية في العالم ( 22 )
وقال المنذر بن ابي حميضة الوادعي :
ليس منا من لم يكن في الله
ولياً يا ذا الولا والوصيه ( 23 )
وقال المنذر بن عجلان الأنصاري :
كيف التفرق والوصي إمامنا
لا كيف إلا حيرة وتخاذلا
وذروا معاوية الغوي وتابعوا
دين الوصي تصادفوه عاجلا ( 24 )
وقال ابن عباس :
سبُّوا الاله وكذّبوا بمحمد
والمرتضى ذاك الوصي الطاهر
احياؤهم خزي على امواتهم
والميتون فضيحة للغابر ( 25 )
وقد اعتزلت الانصار عن ابي بكر فغضبت قريش واحفظها ذلك فتكلم خطباؤها وقدم عمرو بن العاص ، فقالت قريش : قم فتكلم بكلام تنال فيه من الانصار ، ففعل ذلك ، فقام الفضل بن العباس فرد عليهم ، ثم صار إلى علي عليه السلام فاخبره وانشده شعراً قاله ، فخرج علي عليه السلام مغضباً حتى دخل المسجد فذكر الانصار بخير ورد على عمرو بن العاص قوله ، فلما علمت الانصار ذلك سرّها وقالت ما نبالي بقول من قال مع حسن قول علي عليه السلام واجتمعت إلى حسان بن ثابت الذي قال :
جزى الله خيراً والجزاء بكفه
أبا حسن عنا ومن كأبي حسن
سبقت قريش بالذي أنت اهله
فصدرك مشروح وقلبك ممتحن
تمنت رجال من قريش أعزةٌ
مكانك هيهات الهُزل من السِّمن
حفظت رسول الله فينا وعده
إليك ومن أولى به منك من ومن
ألست أخاه في الهدى ووصيه
وأعلم فهر بالكتاب وبالسنن
وقال ابو مخنف : ولما بلغ حذيفة بن اليمان أن علياً عليه السلام قد قدم ذي قار ، واستنفر الناس ، دعا أصحابه فوعظهم وذكرهم الله وزهدهم في الدنيا ، ورغبهم في الآخرة وقال لهم : الحقوا بأمير المؤمنين وصيّي سيد المسلمين فإن من الحق أن تنصروه ( 26 )
وقد قال عبد الفتاح عبد المقصود المصري : وما نحسب الذين نادوا بعلي امير المؤمنين بعد مقتل عثمان ، إلا قد فعلوا وفي بالهم وصية النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بتأميره وإن تأخر عليهم الزمن ، وإن تعلقت عندئذ بجبرية الضرورات التي املتها الحوادث وان نظرية الوصية هي أول نظرية سياسية لنظام الحكم في الاسلام والاصل الذي لا أصل قبله ولا اصل غيره ( 27 )
وقال عبد الفتاح عبد المقصود : ولا نعني بهذا أننا نهدر الوصية او نذهب مذهب الذين يقولون بان وصية محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى ابن عمه لم تكن وصية بالخلافة ، وإن ذرائع انتخاب ابي بكر يوم السقيفة لشغل منصب الخلافة يمكن ان تكون نفس الذرائع التي قد تساند أي امرئ سواه .
ولقد اعترف عمر بن الخطاب باحقية علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بالخلافة من غيره إذ قال لابن عباس : لقد كان علي فيكم أولى بهذا الامر ومن ابي بكر ، وفي لفظ آخر : اما والله إن صاحبك هذا لأولى الناس بالأمر بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ( 28 )
وقد قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لكل نبي وصي ووارث ، ان وصيي ووارثي علي بن أبي طالب وقد قرنه الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالوارث لانه وارث العلم والمنزلة ( 29 )
والوصي يعني من يخلف الامر لشخص في دولة أو مؤسسة او عائلة والذي يدير الامور وقد اجتمعت في علي عليه السلام صفات الوصي والوارث والمولى والخليفة والوزير والسيد ( سيد المسلمين ) والامام ( امام المتقين ) .
ولا يمكن اجتماع هذه الصفات في رجل عادي بل تجتمع في الخليفة القائم بالأمر بعد الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ..
ولا يجوز لعاقل ومنصف تأويل كل هذه الاوصاف تأويلات خيالية لا يقبلها عقل ولا منطق ولا وجدان ...
ولو كانت هذه الاوصاف لا تصل إلى المراد اذاً ماذا يقول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى يصل إلى المراد ، وهل توجد في اللغة العربية غير هذه الاوصاف !
قال ابو الهيثم :
كنا شعار نبينا ودثاره
يفديه منا الروح والابصار
إن الوصي إمامنا وولينا
برح الخفاء وباحت الأسرار
وقال غلام خرج من جيش عائشة في وقعة الجمل :
نحن بنو ضبة أعداء علي
ذاك الذي يُعرف قدماً بالوصي
وفارس الخيل على عهد النبي
ما انا عن فضل علي بالعمي
ولكنني أنعى عفان التقي
إن الولي طالب ثأر الولي ( 30 )
وقال المأمون :
ألام حبي الوصي ابا الحسن
وذلك من غرّ اعاجيب الزمن ( 31 )
وقال حميري :
اني ادين بما دان الوصي به
يوم النخيلة من قتل المحلينا ( 32 )
وقال ايضاً :
والله من عليهم بمحمد
وهداهم وكسا الجنوب واطعما
ثم انبروا لوصيه ووليه
بالمنكرات فجرّعوه العلقما ( 33 )
والحمد لله رب العالمين
وصل الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
تعليق