يميل آية الله مرتضى مطهري لوصف حادثة عاشوراء «بالنهضة الانسانية» بدلا من وصف «الثورة» المتعارف عليها، اعتمادا على جملة مواصفات اتسمت بها حركة الامام الحسين، أولها: انها لم تنبع من منظور شخصي ولم تعبر عن هدف فردي، وانما سعت لتحقيق اهداف كلية ونوعية انسانية، وثانيها: انها استندت الى رؤية واضحة المعالم وتشخيص دقيق للواقع القائم، ولم تهدف للتغيير من اجل التغيير فقط، وثالثها: انها اتسمت بالفرادة والفرادة كما يعرفها مطهري تعني قدرة الحركة على كسر السكون المطلق، ليسطع نورها وسط الظلام الدامس، وهو يعني انها حاجة للناس وينتظرها المجتمع للتخلص من الشرور.
ان احد التطبيقات الهامة لنهضة الامام الحسين اسباغه لدور الأقلية في المجتمع الاسلامي الكبير، واثباته البليغ لدور «الأقلية» وقدرتها على تمثيل جانب مهم من الحقيقة الكلية في الاجتماع الانساني، عادة تجاه الأقليات في المجتمع الواحد، لا سيما ان كانت الأكثرية قابضة على السلطة.
ورغم تكاثر النصوص المبينة لهذه الحقيقة، فقد استطاع الامام الحسين من خلال نهضته المباركة تجسيد هذا المبدأ عمليا، فالروايات التاريخية المتداولة تتحدث عن (73) شخصا يمثلون معسكر الامام الحسين وقفوا في مواجهة (30) الفا من معسكر أهل الشام، وهذا الفرق في العدد هو الذي أوقع عدد من الكتاب والباحثين في ورطة الشرعية، فتساءلوا: هل كان بالامكان ان تكون كل هذه الاعداد على خطأ، وتكون الأقلية المقابلة على صواب؟
ان الكثرة لا تفيد الحق في كل حال، ويمكن ان يكون أكثر أهل المجتمع (في ضلال) كما يمكن ان تكون بعض الأقليات على خطأ، والمخرج الوحيد لتجاوز الكثير من سلبيات الاتهام المتبادل، نشر ثقافة الاحترام المتبادل، والغاء القوة في التعامل بين الأطراف المختلفة في الساحة المشتركة، ونبذ العنف سواء عنف الأفراد او الجماعات او عنف السلطة، والتأسيس لمجتمع يتكامل بعضه مع البعض الاخر دون الغاء او تهميش لطرف، والاعتراف بان الجميع مهما كبر او صغر حجمه يستطيع ان يساهم في اثراء المساحة الاجتماعية لأنه يمتلك بعضا من الحقيقة.
بظني ان الامام الحسين هو أول من أبان للعالم من خلال نهضته المباركة ان احترام «الأقلية» واجب شرعي وأخلاقي، وانه السبيل الوحيد للحفاظ على مجتمع متماسك يشعر الجميع من خلاله انهم ممثلون فكرا وعقيدة، فالغاء الاخر لا يؤدي الا لمزيد من التوتر وبعثرة الجهود في صراعات جانبية، وان السلطة التي تستبعد القوى المختلفة معها، وتحاول فرض نمط واحد عليها انما تعمل على اذكاء أسباب النزاع والتوتر المستمرين.
ومن أهم ما يلزم على المسلمين تقديمه لأنفسهم وامتهم في هذا الزمن ايجاد ضمانات سياسية، وتشريعية، واقتصادية للمجتمع بجميع فئاته وطوائفه، ضمانات تبعث الارتياح لكل أطياف المجتمع، وتنزع مشاعر الغبن التي يشعر بها البعض، ان هذا الهم يتزايد بصورة اكبر في المجتمعات التي تتكاثر فيها التنوعات المذهبية، فالطريقة الحضارية للتعامل مع التنوعات هو التكيف معها، وسن القوانين الملائمة للاستفادة منها في تطوير المجتمع واخراجه من لحظات الاحتقان السياسي والاجتماعي، فحقائق التاريخ لا يمكن التنكر لها، كما لا يمكن الغاؤها بقرار سياسي او تدخل عسكري، ومهما بالغنا في اظهار المخاوف من الحوار الصريح في مثل هذه الامور الحساسة، فيظل أفضل من انتظار «لحظة الانفجار» فحينها يغيب صوت العقل ويعلو صوت البندقية.
هذه الثمرة من ثمرات كربلاء تدفعنا للاتفاق التام مع آية الله مطهري في وصفه لحادثة كربلاء «بالنهضة الانسانية» فهي ليست مجرد ثورة، بل وشعلة مضيئة على الانسانية في هذه الحياة.
منقول
ان احد التطبيقات الهامة لنهضة الامام الحسين اسباغه لدور الأقلية في المجتمع الاسلامي الكبير، واثباته البليغ لدور «الأقلية» وقدرتها على تمثيل جانب مهم من الحقيقة الكلية في الاجتماع الانساني، عادة تجاه الأقليات في المجتمع الواحد، لا سيما ان كانت الأكثرية قابضة على السلطة.
ورغم تكاثر النصوص المبينة لهذه الحقيقة، فقد استطاع الامام الحسين من خلال نهضته المباركة تجسيد هذا المبدأ عمليا، فالروايات التاريخية المتداولة تتحدث عن (73) شخصا يمثلون معسكر الامام الحسين وقفوا في مواجهة (30) الفا من معسكر أهل الشام، وهذا الفرق في العدد هو الذي أوقع عدد من الكتاب والباحثين في ورطة الشرعية، فتساءلوا: هل كان بالامكان ان تكون كل هذه الاعداد على خطأ، وتكون الأقلية المقابلة على صواب؟
ان الكثرة لا تفيد الحق في كل حال، ويمكن ان يكون أكثر أهل المجتمع (في ضلال) كما يمكن ان تكون بعض الأقليات على خطأ، والمخرج الوحيد لتجاوز الكثير من سلبيات الاتهام المتبادل، نشر ثقافة الاحترام المتبادل، والغاء القوة في التعامل بين الأطراف المختلفة في الساحة المشتركة، ونبذ العنف سواء عنف الأفراد او الجماعات او عنف السلطة، والتأسيس لمجتمع يتكامل بعضه مع البعض الاخر دون الغاء او تهميش لطرف، والاعتراف بان الجميع مهما كبر او صغر حجمه يستطيع ان يساهم في اثراء المساحة الاجتماعية لأنه يمتلك بعضا من الحقيقة.
بظني ان الامام الحسين هو أول من أبان للعالم من خلال نهضته المباركة ان احترام «الأقلية» واجب شرعي وأخلاقي، وانه السبيل الوحيد للحفاظ على مجتمع متماسك يشعر الجميع من خلاله انهم ممثلون فكرا وعقيدة، فالغاء الاخر لا يؤدي الا لمزيد من التوتر وبعثرة الجهود في صراعات جانبية، وان السلطة التي تستبعد القوى المختلفة معها، وتحاول فرض نمط واحد عليها انما تعمل على اذكاء أسباب النزاع والتوتر المستمرين.
ومن أهم ما يلزم على المسلمين تقديمه لأنفسهم وامتهم في هذا الزمن ايجاد ضمانات سياسية، وتشريعية، واقتصادية للمجتمع بجميع فئاته وطوائفه، ضمانات تبعث الارتياح لكل أطياف المجتمع، وتنزع مشاعر الغبن التي يشعر بها البعض، ان هذا الهم يتزايد بصورة اكبر في المجتمعات التي تتكاثر فيها التنوعات المذهبية، فالطريقة الحضارية للتعامل مع التنوعات هو التكيف معها، وسن القوانين الملائمة للاستفادة منها في تطوير المجتمع واخراجه من لحظات الاحتقان السياسي والاجتماعي، فحقائق التاريخ لا يمكن التنكر لها، كما لا يمكن الغاؤها بقرار سياسي او تدخل عسكري، ومهما بالغنا في اظهار المخاوف من الحوار الصريح في مثل هذه الامور الحساسة، فيظل أفضل من انتظار «لحظة الانفجار» فحينها يغيب صوت العقل ويعلو صوت البندقية.
هذه الثمرة من ثمرات كربلاء تدفعنا للاتفاق التام مع آية الله مطهري في وصفه لحادثة كربلاء «بالنهضة الانسانية» فهي ليست مجرد ثورة، بل وشعلة مضيئة على الانسانية في هذه الحياة.
منقول