الخوف على الوالدين من الموت
الخوف حالة شعورية وجدانية يصاحبها انفعال نفسي وبدني تنتاب الطفل عندما يتسبب مؤثر خارجي في إحساسه بالخطر، وقد ينبعث هذا المؤثر من داخل الطفل. وتسمى الحالة خوفا إن كان هناك مؤثرا موضوعيا وفعليا أو خطر واضح على الشخص مثل الخوف من حيوان معينا . أما الخوف من أمر غير واقعي وهمي تخيلي فغالبا ما يطلق عليه مصطلح (قلق)ومثل الخوف من الديناصور الذي سيأكل الطفل لو خرج إلى الحديقة( حسب تصور الطفل ).
وقد يكون الخوف في حدود السواء ويمكن التحكم فيه، وقد يكون درجة الخوف أو القلق مبالغ فيها إلى درجة كبيرة بحيث يتعذر السيطرة عليها وهنا نكون أمام اضطراب نفسي عبارة عن الخوف المرضي (فوبيا).
أن شعور الخوف من الموت أو القلق عليكما(الأم و الأب) من الموت قد تبدءا من الطفل الكبر فالقلق من الأفكار المتخيلة الوهمية هي من خصائص مخاوف هذه المرحلة العمرية ، وقد تنقلت هذه المخاوف الطفل الصغر وأريد توجيه اهتمام الأم الفاضلة إلى عدة نقاط قد يكون أحدها(أو غيرها) السبب وراء هذا القلق:
1)من أهم الأسباب هو حدوث وفاة في الأسرة أو الحي أو المدرسة ، يفكر الطفل بناء عليها أن هذا هو ناموس الحياة وأن أمه أو أباه سوف يموت الآن أيضا. ويجب الانتباه هنا إلى نقطتين* أن الخوف شعور طبيعي لدي الكائن الحي و الأطفال خاصة*أن تفكير الطفل في هذه المرحلة لا منطقي ، فهو إذا ما سيطر عليه الخوف كان تركيزه على حالة الوفاة وينسى كل من حوله ممن يتمتعون بصحة جيدة.
2) بعض الأمهات يخوفن أطفالهن بموتهن و الدعاء على أنفسهن إذا ما أساء الطفل السلوك،وهذا التصرف من قبل الأمهات يؤثر بشكل حاد على تقدير الطفل لذاته،لأنه أساء ،لذلك فهو أيضا سيئ، وكذلك يثير لديه مشاعر الخوف من موت والدته فعلا ، وقد يرتبط بذلك مشاعر الذنب لأن والدته سوف تموت بسبب إساءته.
3) لا يمكن إغفال أثر الأحداث التي يمر بها العالم هذه الأيام وخاصة ما يحدث في العراق، والمنظر المتكرر للشهداء ومنهم من ترك أطفالا، و الصور التي نشاهدها في الجرائد و المجلات ،والأطفال يستمعون ويتأثرون ويفكرون ،وإن كنا لا نشركهم في مثل هذه المشاكل أحيانا ولا نتحدث معهم،إلا أن كل هذه المشاكل تنعكس على مشاعرهم وسلوكهم.
4)قد تكون المدرسة هي مصدر هذه المخاوف ، فقد تدور مناقشات في الصف حول أحد الموضوعات بحسن نية من أحد كادر التدريسي،وهي نقاشات قد لا تعرف الأم عنها شيئا ،وقد لا يخبر عنها الطفل لاعتقادها أنهم مسلمون مادامت صدرت عن أستاذ،التي قد يكون عرض المعلومة بطريقة غير مناسبة لسن الطلبة ، فالموت واقع وحق ولكن تختلف طريقة تناوله حسب سن الأطفال ..
5) اضطراب الجو الأسري بشكل عام مما يفقد الطفل شعوره بالأمان و الاستقرار ،ويثير أفكارا مثل هذه في عقول الأبناء.
6)أسباب غير واضحة وغير محددة،مثل قصة أو حديث عابر لقي أذن صاغية من طفل حساس أكثر من غيره...وغير ذلك من الأسباب .
أحب أن اطمئن الأم الفاضلة أنه عادة ما تأخذ مثل هذه الأفكار وقتها وتنتهي إذا ما تم التعامل معها بطريقة سليمة من قبل الوالدين و المحيطين بالأطفال،وأقترح عليك محاولة ما يأتي:
-عدم السخرية إطلاقا من مشاعر الطفل أو قمعها ،أو المزاح حولها وضعي دائما نفسك مكان طفلك عند تعرضك لبعض مشاعر الخوف ،فكيف تريدين أن يتعامل الآخرين معك؟ويمكن مواجهة خوف الطفل بأسلوب (عكس المشاعر) فإذا اشتكت لكي الطفل من مخاوفه عليك ، قد تعكسين مشاعره وتبدئين الحوار معه بقولك(يبدو أنك خائف علي ، أظنك تحبني كثيرا....)
-عدم تخويف الطفل بالموت الذي يؤدي إلى مشاعر عدم الثقة في العالم ومن ثم القلق والخوف.
-حاولي أن تبحثي بحثا دقيقا في الظروف و الأسباب التي قد تكون وراء شعور القلق عند أبنك أو ابنتك وما هو مصدر هذه المخاوف ؟متى يستثار هذا الشعور؟ما هي المواقف التي يتذكرها به؟ بمعنى تشخيص المشكلة ، فالتشخيص هو أول و أهم خطوة للعلاج.
- مناقشة أبنك و ابنتك و الحديث معه حول هذا الخوف أو القلق، فهذا النقاش في حد ذاته يساعد على التعبير السليم عن هذه المخاوف و بالتالي التنفيس عنه مما يساعد على أن تظل هذه المخاوف في مستواها الصحي ،ولكن يجب أن يكون الحوار حوارا هادئا مطمئنا مبنيا على الإقناع و الحب لا القمع و الخداع وذلك بعد تشريح المشكلة و معرفة الأسباب و مراقبة تصرفات أبنك أو ابنتك و استجابتهما حول الموضوع فترة من الزمن كافية لتكوين فكرة أكيدة حول أفكار الطفل ومخاوفه و أسبابها و مثيراتها .إن هذا النوع من الاطمئنان الذي حمله كلماتك سوف يظل في ذاكرته في تعامله مع الأحداث عندما يكبر. فلو كان السبب على سبيل المثال المشاهد التي يراها أبنك أو ابنتك في التلفاز هذه الأيام ،فيمكن أن نوضح للطفل أن الله سبحانه و تعالى خلق كل شيء، ولذلك هو أحسن من كل شيء، و الذي لا غنى لنا عنه هو الله سبحانه و تعالى،أحسن من الأم و أحسن من الأب، وهو يرعانا ويرعى هؤلاء الأطفال في العراق ، وعندما يموت المسلم فإنه يذهب إلى ما عند الله من الجنات ..وأن كلنا سوف نموت ولكنهم يتعرضون للموت أكثر هناك بسبب ظروف العراق وعمليات الإرهاب..
- محاولة التحكم في مصدر المخاوف ،فإن كان المصدر مناقشات لم تتوجه توجها سليما مناسبا لسن الطفل في المدرسة أو في الأسرة، فيمكن مراجعة الطرف المتسبب و أعداد لقاء معه و مع الطفل بعد أعطاء الطرف المتسبب فكرة عن مشاعر الطفل وان كان المصدر موت في الأسرة فيمكن مناقشة ذلك مع الطفل في جلسة هادئة صادقة، وأن كان السبب مشاهد تلفزيونية،فيمكن الحد منها و التحكم فيها، والواقع أنك أنت عزيزتي الأم التي سوف تتوصلين للحل الصحيح بعد تشريح المشكلة.
_إن كان الخوف أقوى من التعامل معه،أو أنك وجدت صعوبة في التعامل مع هذه المشكلة ،أو فشلت الوسائل المذكورة ، فيمكن عرض الطفل على أخصائي نفسي أو طبيب نفسي،يستطيع أن ينظر عن قرب و بعمق في مشكلة الطفل أذا أن تركة سوفه تتفاقم المشكلة وقد يصبح انطوائي والاكتئاب .
وأحب أن أعود فأطمئن الأم أن مشاكل الأطفال كثيرة ولكن عادة لا تستمر لفترة طويلة،وإنما تتلاشى تدريجيا بالتعامل السليم و التفهم و الحب من الوالدين والمحيطين.
ويفقكم الله وأعانكم على مواجهة هذه المشكلة وحمى الله أطفال العراق من كل سوء وأحاطهم برحمته وانزل السكينة على قلوبهم .
تعليق