سوف نتحدث في هذا المقال عن شخصية إمامنا المهدي (عليه السلام) ، باعتباره القدوة الحسنة المرتضاة من الله تعالى لكافة البشر، هذه الشخصية التي تكلمت عنها بعض وسائل الإعلام الصهيونية العالمية القذرة والمحلية الذنبية المغرضة بما لا يليق بها ، في حين أننا نلاحظ أنه يُطبّل لأناس لا يتوفر فيهم معشار جزء من خلقه ، فهو (صلوات الله وسلامه عليه) ورث الفضائل كلها والمكارم جميعها والمحامد كلها عن أنبياء الله وخاتمهم وآبائه المعصومين (عليهم السلام) إليه ينتهي الخير، وفيه تأصل البر ، وعلى يديه يفيض النور ويشرق فجر الهداية الربانية ، وبه ينقذ الله البشرية من جهلها الأعمى ومصيرها الأسود ، ليخرجها من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الطواغيت إلى عدل الإسلام المحمدي الأصيل . ومن أجل ذلك كانت ولا زالت سيرته من أجمل وأعظم السير ، وصفاته من أنبل الصفات ، وأخلاقه من أعظم الأخلاق ، نعم إن التاريخ الإنساني على وجه الأرض لم يعرف عظيما من العظماء ولا زعيما من الزعماء ولا مصلحا من المصلحين يستوعب في صفاته الذاتية والعقلية والنفسية والخلقية والدينية والروحية والاجتماعية والإدارية والعسكرية والتربوية ما استوعبته شخصية إمامنا المهدي (عليه السلام) كيف لا وهو وريث الأنبياء والأوصياء ، وما اختصه الله به من الكمالات التي تشرق في كل جانب من جوانبها وتضيء في كل لمحة من لمحاتها ، حتى استحق أن يصفه الله عز وجل بقوله تعالى :{بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ } ولا عجب في ذلك، فقد أذخره الله للناس كافة ، قدوة صالحة يقتدون بها ، ورحمة لهم يتنعمون فيها ، وهو القائل عن نفسه ( فأنا بقية من آدم وذخيرة من نوح ، ومصطفى من إبراهيم ، وصفوة من محمد صلى الله عليهم أجمعين) ، فالمهدي (صلوات ربي عليه وعلى آبائه) منذ أن جعله الله عز وجل للناس إماما ًوهاديا ًمهديا ً كانت ولا زالت حياته صورة صادقة للدين والكتاب الجديد الذي يأتي به ، وما أجمل ما وصفه جده النبي محمد العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله
المهدي أشبه الناس بي) ، أي أن ( خلقه قرآن الله المجيد وسنة نبيه الكريم ).أي أنه كان ولا زال قرآنا حيا متحركا ملتزما بأحكامه ، عاملا بتوجيهاته ، متبعا لهديه ، منتهيا عند نهيه ، يدعو إلى نوره المبين، وشريعة جده الأمين ، من أجل ذلك قال الله تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) فهو القدوة إلى الخير والأسوة بين الناس إلى رضوان الله ، وأيما دعوة من الدعوات تدعو إلى التمهيد له (عليه السلام) ، لا يتأتى لها النجاح والانتشار ما لم يكن لها من قادتها والداعين إليها قبسات من أخلاقه وعلومه في التطبيق العملي لدعواتهم تلك في الأخلاق والسلوك والمواقف وإلا فهم ودعواتهم وأتباعهم ما هم الا رغاء وغثاء ، فإمامنا المهدي (عليه السلام) المثل الأعلى في كل حضوة خيرة فقد أنتخبه الله جل وعلا للإمامة على علم منه ، وأعده ليكون ذخيرة لإحياء رسالته ومنتهى دعوته إلى مملكة عدله ، ليكون الإخلاص فقط وفقط لعبودية الله الواحد القهار ، فسيرته (صلوات الله عليه) العطرة سجل حافل بالمآثر مليء بالمكرمات والمهمات ، مفعم بالفضائل ومكارم الأخلاق ، إنه كنز المواعظ والعبر ، ومدخر الدروس والحكم التي تنبض بنور العلم الإلهي والمعرفة الربانية ، ترشد إلى الخير والنعم ، وتوقظ الأمم ، وتشحذ الهمم ، وتذكي الإيمان ، وترسم الطريق إلى مرضاة الله جل جلاله وعظم سلطانه ، وتضع المعالم أمام كل زعيم مصلح ، فتجسم القيم العليا والمبادئ الرفيعة التي كان يتحلى بها الأنبياء وخاتمهم جده النبي محمد الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم ) وآبائه الكرام المعصومين (عليهم السلام) لتصبح واقعا محسوسا ينشده الدعاة المصلحين ، وحياة كريمة فاضلة يتأملها المستضعفين ، كما تتأملها جميع الأمم والشعوب ... فما نقرأه عما ينشر عنه في العالم الآخر من معلومات مغلوطة وكاذبة ومدسوسة زائفة بجميع صورها وأشكالها ، على أنه (عليه السلام) رجل حرب وإرهاب ، وأنه غليظ القلب ، وأن الكتاب الجديد الذي جاء به هو كتاب العنف والرهبة والقتال ، وصار رموز الغرب الكافر والشرق المنحرف يُنعتون بأنهم رجال المحبة والرحمة والسلام ، وتناسى الناس في زحمة الكذب الإعلامي والتزوير في الحقائق التاريخية والدينية والثقافية شخصية إمامنا المهدي (عليه السلام) تلك الشخصية التي نالت القدر الأوفى من كل الشمائل الكريمة والخصال النبيلة ، والقيم الإنسانية العليا . لقد كان وجوده والى يومنا هذا إيذاناً ببدء ثورة أخلاقية عقائدية فكرية شاملة ، تحرر الإنسان والزمان والمكان من جاهلية آخر الزمان ، ترفع عنهم عبادة الصنمية البشرية وتفك أغلالها الظلامية ، لينال الإنسان إنسانيته الكاملة ، ويصوغ هوية زمانه ومكانه صياغة جديدة ، ليفجر عناصر الخير في كل شيء في هذا الوجود .... ولكن ما كان ردنا عليه؟؟؟؟ أتعرفون أيها الناس انه كان ردا ًاحتجاجياً دينيا وقبليا ًًواهيا ًوواهما ًعلى كل عناصر الخير التي نادى بها وأرادها لنا مولانا مهدي الأمم (عليه السلام)، ونسينا أن نقف على ربوة التاريخ المحمدي العلوي المهدوي لنسدّد خطواتنا نحو الأشرف والأفضل ، ولم نقف على مكان ليله وهو يحتضن وينبت الأروع والأنصع، ولم نقف على زمانه ليفسح ويتيح للأكمل والأشمل ! والمطّلع على إمامنا المهدي (عليه السلام) يدرك أنها كانت ولا زالت حقيقة تاريخية لا تجد الإنسانية غيره قدوة حسنة تقتدي بها، وهي تتلمس طريقها نحو عالم الكمال والمثال، وحياة فُضلى، ومن الطبيعي ألا تجد الإنسانية مثلها الأعلى في شخصيات وهمية، وإلا فهي تضلّ طريقها المستقيم وصراطها القويم وتسير مقتدية بالخيال والأوهام والظنون ، فمن حقنا إذاً أن نتخذ من سيرته (عليه السلام) نموذجاً لسلوكنا في حياتنا ، فحياته تكشف أمامنا المثل العليا في جميع أحوال الدنيا في السلم والحرب ، في الحياة الزوجية ، مع الأهل والأصحاب ، في الإدارة والرئاسة والحكم والسياسة ، في البلاغ والبيان ، بل في كل أوجه الحياة ، فهو المثل الكامل في عصرنا هذا ، فمهما اجتهد المضلون ومهما بذلوا من الأموال ومهما اصطنعوا الأهوال ليغيروا الأوضاع والأحوال ليؤسسوا بذلك مجتمع الانحلال والاضمحلال فلن ينالوا إلا الفشل والخذلان ، فإن الإنسانية مهما سعت إلى تكاملها فلن تجد في غيره مثلاً حياً لها في سبيل خلاصها ، فسيرته (عليه السلام) حقيقة تاريخية يصدّقها التاريخ الصادق ولا يتنكر لها إلا كل قلم مرتزق مارد ، وهي سيرة جامعة محيطة بجميع أطوار الحياة وأحوالها وشؤونها ، وهي سيرة متسلسلة لا تنقص شيئاً من حلقات الحياة ، وهي أيضاً سيرة عملية قابلة لتطبيق الشريعة الكاملة ، ذلك أن ما يدعو إليه إمامنا المهدي (عليه السلام) في القرآن والسنة فهو متحقق بسيرته الشريفة ، وهذا ما يشهد التأريخ ومعاصروه ، فهو قدوة الرجال وبقية الله ورحمته للأمم كافة وأساس الأمن والأمان والسلم والسلام للعالم أجمع .

