
كم هو مؤلم للطفل وأسرته هذا العناء المستمر مع ابر الانسولين ومحاولة ضبط شره الأطفال المصابين بداء السكري الاولي، خاصة للمواد السكرية. ومع كل هذا يبقى هؤلاء المرضى عرضة الى المضاعفات القاتلة لهذا المرض المزمن، والذي مهما استطعنا ان نضبط مستوى السكر في الدم عندهم يبقى احتمال اصابتهم بأمراض القلب والكليتين والأعصاب وغيرها عالية جداً خاصة مع تقدم العمر بهم.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن وظائف البنكرياس الرئيسية تنحصر بانتاج الأنسولين فحسب بل يتعداه الى ضبط هذا الانتاج حسب مستوى السكر في الدم مما يوفر مستوى متوسط للسكر بالدم باستمرار طوال حياة الإنسان وما دام البنكرياس يعمل بصورة طبيعية.
ولكن ولزمن طويل لم يكن هناك سوى الانسولين والذي يعطي عن طريق الحقن الحل الوحيد لضبط مستوى السكر في الدم عند هذا النوع من داء السكري مما دعا الكثيرين الى تطوير اجهزة تستطيع تحسس مستوى السكر بالدم ومن ثم اعطاء جرعات محمولة او مزروعة بالجسم وتحتاج الى تزود بالطاقة والانسولين بالاضافة الى كلفتها وضعف دقتها واعطالها.
زراعة الأعضاء
ولم تستطع هذه الاجهزة من الحصول على قبول من قبل المرضى والمعالجين مما دفع جراحي زراعة الاعضاء محاولة زراعة البنكرياس وذلك في الستينات والسبعينات وفي عام 1973م نشرت اول مجموعة ناجحة في زراعة البنكرياس تكونت من 13مريضاً زرعت لهم البنكرياس. وبعد حصول التطور الجراحي والتطور في الادوية المثبطة للمناعة جاءت نتائج هذا النوع من زراعة الاعضاء بنتائج ايجابية عالية مما جعل زراعة البنكرياس هي الحل الوحيد والمعالج لمرض السكري خاصة بالنسبة للمصابين بداء السكري الأولي.
الطرق المستخدمة
وهناك عدة طرق مستخدمة في العالم اليوم لزراعة البنكرياس لكنها وبشكل رئيسي ثلاثة:
1- زراعة البنكرياس والكلية في آن واحد لمرضى السكري الذين يعانون من فشل كلوي.
2- زراعة البنكرياس بعد زراعة الكلية للذين زرعت لهم الكلية سابقاً نتيجة فشل كلوي بسبب داء السكري.
3- زراعة البنكرياس لوحده لمرضى السكري الأولي وفي حالات محدودة.
إلا أن زراعة البنكرياس والكلية معاً هي النوع الأكثر ممارسة حول العالم ولقد حققت هذه الجراحة نجاحات باهرة حتى أصبحت العلاج الوحيد لمثل هؤلاء المرضى.
أما عن طريقة زرع البنكرياس فبعد ان يتم تحديد المريض الذي يستحق مثل هذا النوع من العلاج يتم إجراء الكثير من الفحوصات الطبية له ليتم تجهيزه لعملية الزراعة. ثم تؤخذ البنكرياس والكلية من متوفى دماغياً ويزرعان في المريض (كما في الشكل المنشور مع الموضوع) ويمكن ايضا ان يقسم البنكرياس الى نصفين الرأس والعنق وجزء من جسد البنكرياس مع احدى الكليتين يذهبان الى مريض والجزء الآخر من الجسد والذيل مع الكلية الأخرى يذهبان إلى مريض آخر.
وقد حدث تطور آخر في الآونة الأخيرة، حيث تم زراعة الخلايا المنتجة للانسولين فقط، ولكن التجربة تحتاج الى سنوات لتظهر حيز المعالجة، وهي ايضا لم تحقق بعد نتائج إيجابية عملية وهي ايضا غير خالية من المضاعفات.
ولاستخلاص عدد الخلايا اللازمة لمريض واحد يحتاج الطبيب لأكثر من بنكرياس واحد مما يعني أكثر من متبرع وهذا مما يفاقم المشكلة الموجودة أصلاً في ندرة المتبرعين المتوفين دماغياً. ولكن البحث العلمي لا يزال مستمرا في تطوير هذه الطريقة والوقت كفيل بنجاحها. وتبقى زراعة البنكرياس كعضو كامل الطريقة الانجع حالياً لعلاج داء السكري المعتمد على الانسولين.
تزداد سنوياً
لقد اتسعت زراعة البنكرياس في العالم حتى بلغ عدد حالات الزراعة اكثر من 15710مرضى في العالم، حتى عام 2000م، موزعين بين أوروبا وأمريكا واستراليا وأمريكا الجنوبية. وتزداد سنويا عدد المراكز التي تقوم بهذا النوع من زراعة الأعضاء مما يزيد عدد عمليات زراعة البنكرياس في العالم إلى أكثر من 1600زراعة سنوياً، أكثرها تجري في الولايات المتحدة الأمريكية. ولقد بلغت نسبة الحياة بعد زراعة البنكرياس وذلك للسنة الأولى إلى 98% وهي نسبة اكبر بكثير من الذين يبقون على الأنسولين والغسيل الكلوي الدوري بالنسبة للذين يحصلون على البنكرياس والكلية في آن واحد. وأما نسبة بقاء البنكرياس المزروع الذي يعمل بشكل طبيعي فإنه يبلغ للسنة الأولى حوالي 90%.
هذه النتائج الايجابية والممتازة لزراعة البنكرياس تدعونا الى العمل من اجل توطين هذه التقنية في بلادنا الحبيبة، خاصة ونحن الآن نمتلك الخبرات اللازمة لمثل هذه الجراحات وكذلك التدريب المتقدم في افضل المراكز المتخصصة بالعالم. وسيصبح هذا اول مركز على مستوى المنطقة والعالم العربي. خاصة وهناك عدد متزايد من المرضى السعوديين المصابين بداء السكري وقد تصل النسبة إلى حوالي 16% من مجموع سكان المملكة حسب بعض الاحصائيات، يعاني الكثير منهم من المضاعفات المزمنة لهذا الداء الذي يشكل عبئاً اقتصاديا متزايداً على القطاع الصحي. كل هذا يحفزنا جميعاً للمضي قدما من اجل تأسيس برنامج يقوم بهذا النوع من العلاجات لخدمة هذه الشريحة الواسعة من المرضى. وأتمنى أن يتم التنسيق بين يالأطباء وبيننا من أجل حصر المرضى الذين يمكن ان يستفيدوا من هذا النوع وهم المصابون بالفشل الكلوي الناتج عن داء السكري الأولي ممن زرعت لهم كلية أم لم تزرع لهم، بل وحتى بعض الحالات الخاصة من مصابي السكري الذين يصعب التحكم به حتى مع الأنسولين. ونحن على استعداد لمناقشة أي حالة خاصة بذلك.