قواعد رد الشبهات حول تاريخالصحابة وآل البيت
نَستطيعُ أنْ نُلَخِّصَالاتهاماتِ والشُّبهاتِ الموجهة إلى تاريخِ آلِ البَيْتِ والصَّحَابَةِ رَضِيَاللهُ عنهم إلى أربعة أقسامٍ :
القسم الأول: رواياتٌ وأخبارٌ ضَعيفةٌ : بَاطلةٌ سَندًا ، ومُنكرةٌ مَتْنًا ، وهذهتُوجدُ بكثرةٍ في بعضِ الكُتُبِ التي يَجبُ الحذرُ عندَ قراءَتها ، لِمَا فيها منَمرويات تنسبُ إلى آلِ البَيْتِ والصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عنهم بما لا يتناسبُ معمَقَامِهِمُ الرَّفيعِ ودرجتِهم العَاليةِ ،
فهذه الكُتُبُ قد حَوتْ بيندفَّتَيْها كَثيرًا مِنَ الأخبارِ والآثارِ الضعيفةِ والباطلةِ والموضوعةِ على آلِالبَيْتِ والصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عنهم ، والقاعدةُ في هذا النَّوعِ مِنَالشُّبهاتِ هي : «رَدُّها وضربها بعرضِ الحائطِ» ؛ لأنَّ هذه المكذوباتِ لا يَصحُّأن يَعتمدَ عليها المسلمُ في عَقيدتهِ ودينهِ ، ولأنَّ آلَ البَيْتِ والصَّحَابَةَرَضِيَ اللهُ عنهم جُزءٌ مِنْ عَقيدةِ المسلمِ .
فكيف يُسَوِّغُ المسلِمُلنفسهِ أن يجعلَ عُمْدَتَهُ في تعاليم دينهِ أحاديثَ مُصطنعةً مكذوبةً لا أصلَ لها، ويَدَعَ النُّصوصَ الصَّحِيحَةَ الصَّريحةَ التي لا يَتطرَّقُ إليهَا شَكٌّ أوريبةٌ مِنْ كتابِ اللهِ تعالى وسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وآله وسلم الثابتةِالصَّحِيحَةِ ؟!
وها هو القُرْآنُ الكَرِيمُ قد طَهَّرَ آلَ البَيْتِوزَكَّى الصَّحَابَةَ ومدحَهم في أكثرِ مِنْ آيةٍ مُباركةٍ ، فقال سُبْحَانَهُوتعالَى عن آلِ البَيْتِ : [ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُالرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ] [الأحزاب : 33] . وهذهالآيةُ هي مَنبعُ فَضائلِ أَهلِ البَيْتِ النَّبَوِيِّ ، حيثُ شرَّفَهُمُ اللهُتعالى بِها وطَهَّرَهُم ، وأَذْهَبَ عنهمُ الرِّجْسَ مِنَ الأفعالِ الخبيثةِوالأخلاقِ الذَّمِيمَةِ .
ومَدَحَ الصَّحَابَةَ وأثَنَى عليهم في آياتٍكثيرةٍ مباركةٍ ، فقال سُبْحَانَهُ وتعالَى واصِفًا لهم : [تَرَاهُمْ رُكَّعًاسُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ] [الفتح : 29]
بَيَّنَ سُبْحَانَهُ وتعالَى في هذه الآيةِ الجامعةِ حالَ الصَّحَابَةِبأنهم مِنْ أهلِ الرُّكُوعِ والسُّجودِ والصَّلاةِ والخشوعِ ، ثم بَيَّنَ ما فيقُلوبِهم مِنْ إخلاصٍ وصِدْقٍ فقال تعالى : [يَبْتَغُونَ] . وهذا عملٌ قَلبيٌّ لايَطَّلِعُ عليه إلا اللهُ عَزَّ وجَلَّ عَالِمُ الغَيْبِ والشَّهَادَةِ ، وهومَعنَى الإخلاصِ والصِّدْقِ في طَلَبِ رضوانِ الله وفضلِهِ .
وبَيَّنَاللهُ سُبْحَانَهُ وتعالَى كذلك حَالَ الصَّحَابَةِ فيما بينَهم فقال مخاطبًارَسُولَهُ صلى الله عليه وآله وسلم : [هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِوَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ] [الأنفال : 62-63]
فقلوبُ آلِ البَيْتِ والصَّحَابَةِ مجتمعةٌ على كَلِمَةٍ سواءٍ ، وهيالتّوحيدُ والإسلامُ والمحبةُ ، فهذه الآياتُ وغيرُها ؛ هي الأصلُ الذي ينبغيالرجوعُ إليه ، وتركُ ما يُنقَلُ ويُكتبُ مِنْ أحاديثَ وأخبارٍ باطلةٍ في حَقِّ آلِالبَيْتِ والصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عنهم .
حب الصحابة والقرابة سنة * ألقى بها ربي إذا أحياني
فئتان عقدهما شريعة أحمد * بأبي وأمي ذانكالفئتانَ
فئتان سالكتان في سبل الهدى * وهما بدين اللهقائمتانِ
فكأنما آل النبي وصحبه * روحٌ يضم جميعهاجسدانِ
ويجبُ أن نعلمَ جيدًا ؛ أنَّ آلَ البَيْتِوالصَّحَابَةَ رضوانُ الله عليهم ليسوا بحاجةٍ إلى أَيَّةِ أحاديث مُخترعةٍ ومكذوبةتُبَيِّنُ فضائلَهم ؛ ففضلُهم لا يُنْكِرُهُ إلاَّ مُكَابِرٌ أو جَاحدٌ .
شبـــه تهافــت كالزجــاج * تخالها حقاً وكل كاسرمكسور
القسم الثاني: أحاديثٌ وأخبارٌفي فضائلِ آلِ البَيْتِ والصَّحَابَةِ ومَحاسنهِم ، حَوَّلَتْها وقَلَبتْها أيديالكَذِبِ والتَّزويرِ إلى مساوئَ ومَثَالِبَ ،والعجيب في أصحاب هذه الشبهات هوغفلتهم عن معارضة هذه الأباطيل التي يأتون بها بروايات وأخبار صحيحة تنسف ما يدعونوفيه يصولون ويجولون فمثال على هذه الشبهات والأخبار التي لها ينتصرون :
- قِتَالُ أبي بكرٍ الصّدّيقِ رَضِيَ اللهُ عنه لأهلِ الرِّدَّةِ بعدَ وفاةِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم كان طاعةً لرسولِ الله في أمرهِ بقتلِ مَنْبَدَّلَ دينَهُ مِنَ المُرتدّينَ ، وذَوْدًا عن حَظيرةِ الإسلامِ والمسلمينَ ، فجاء (البعضُ) وجعلَ هذه الفضيلةَ والمنقبةَ مِنْ مساوئِ الصّدّيقِ رَضِيَ اللهُ عنهوالعياذُ بالله ، عن طريقِ بَثِّ الشُّبهاتِ حولَ هذا الفعلِ المباركِ مِنْ خَليفةِرَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فزعموا - كذبًا - أنّه قاتلَ المسلمينَ ،أو قاتلَ الذين أَبَوْا أنْ يُبايعوه !
وقد غفل هؤلاء عن تأييد كبارالصحابة لهذا الفعل المبارك بل وإجماع الأمة على استحسانه وكذلك غفلوا عن تأييدومباركة إمام أهل البيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأبي بكر الصديق رضي الله عنهفي حروبه ضد أهل الردة ، فقد استشار أبو بكر رضي الله عنه عليا في شأن قتال من ارتدبعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنع الزكاة فقال أبو بكر لعلي رضي اللهعنهما : « ما تقول يا أبا الحسن ؟ قال : أقول إنك إن تركت شيئا مما كان أخذه منهمالرسول صلى الله عليه وآله وسلم فأنت على خلاف سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فقال : أما لئن قلت قلت ذاك لأقاتلنهم وإن منعوني عقالا ».(1) ومن الدلائلالساطعة على إخلاصه رضي الله عنه لأبي بكر ونصحه للإسلام والمسلمين وحرصه على بقاءالخلافة واجتماع شمل المسلمين ما جاء من موقفه من توجه أبي بكر الصديق رضي الله عنهبنفسه إلى ذي القصة وعزمه على محاربة المرتدين. فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : «لما برز أبو بكر إلى ذي القصة واستوى على راحلته أخذه علي بن أبي طالب رضي اللهعنه يقول : أقول لك ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد : (لم سيفكولا تفجعنا بنفسك ، وارجع إلى المدينة ، فوالله لئن فجعنا بك لا يكون للإسلام نظاماأبدا»(2) فرجع الصديق رضي الله عنه أخذا بنصح الأمين المخلص علي رضي الله عنه .
وبعد هذا كله يأتينا من يكرر عبارات الظلم والجور فيقول: « انهم كانوايسمون القبائل التي رفضت خلافة أبي بكر بأسم المرتدين ظلماً وعدواناً»
[كاملالنجار وجريمة الارتداد لنبيـل الكرخي]
فمن هم الذين كانوا يطلقون هذهالتسمية صفهم لنا لماذا لم تسميهم وعلى أي برهان ودليل يتمسكون ، أم ليس لديهم إلاالكذب والظلم والجور في إطلاق الأحاكم ومحاكمة التاريخ بهذه الطريقة الضعيفة التيلا تمت للبحث العلمي بصلة .
- وكذا قِتَالُ أميرِ المؤمنينَعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنه للخوارجِ ؛ تحقيقًا لنبوءةِ النَّبِيِّ صلى الله عليهوآله وسلمفيهم ، وطاعةً لأمرهِ بقتالِهم ، فحوّلوا تلكَ المناقبَ العظيمةَ لعَلِيٍّرَضِيَ اللهُ عنه ، وحِنْكَتَهُ في الحُكْمِ والإدارة إلى سَيِّئَاتٍ ، وقِصَّةُعبدِالله بنِ عَبَّاسٍ الذي بَعَثَهُ الإمامُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عنهما للخوارجِمِنْ أوضحِ الدلائلِ على ما ذكرنا (3) .
- وأيضا : تَنازُلُ الإمامِالحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عنه عنِ الخِلاَفَةِ لمعاويةَ رَضِيَ اللهُ عنه ؛ تحقيقًالنبوءةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم بالإصلاحِ ، وحَفظًا لدماءِ المُسلمينَ، وجمعًا لشملِهم ؛ فقُلبتْ هذه المآثرُ والفضائلُ إلى سيئاتٍ ، حَتَّى قدحَ (بعضُهم) في سَيِّدِ شَبَابِ أهلِ الجنَّةِ الحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عنه وأطلقوا عليهلَقَبَ : «مُذِلُّ المؤمنينَ» (4) ، تَعييرًا وتَهَكُّمًا عياذًا بالله مِنَالخُذلانِ والحرمانِ ، وتَجاهلَ هذا الخاسرُ مَدْحَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآلهوسلم لِفْعْلِ الحَسَنِ ، بقولهِ : «إنَّ ابني هذا سَيِّدٌ ، ولعَلَّ اللهَ أنْيُصْلِحَ به بين فئتينِ عظيمتينِ مِنَ المسلمينَ» (5) وقد كان هذا .
- وكذلك جَمْعُ الخليفةِ الثالثِ عُثْمَانَ الشَّهيدِ الصَّابرِ رَضِيَ اللهُ عنهللقرآنِ الكريمِ ؛ هذه المنقبةُ العظيمةُ حُوِّلَتْ وقُلِبَتْ - أيضًا - إلىمَثلبةٍ وطَعنٍ فيه ، مع أنَّ الأُمَّةَ إلى يومنا هذا يذكرون هذا الفعلَ المباركَالمُوَفَّقَ كفضيلةٍ كُبَرى ومِنَّةٍ عُظَمى على الإسلامِ والمُسلمينَ لا يعلمُقدرَ عِظَمِها إلاَّ اللهُ تعالى والعالمونَ.
ولذلك كان علي بن أبي طالبرضي الله عنه ينهي من يعيب على عثمان رضي الله عنه ويقول : « يا أيها الناس لاتغلوا في عثمان ولا تقولوا له إلا خيرا ، فوالله ما فعل الذي فعل - أي في المصاحف – إلا عن ملأ منا جميعا ـ أي الصحابة ـ : والله لو وليت لفعلت مثل مافعل»(6)
وغير ذلك كثيرٌ مما يطولُ ذكرُهُ مِنَ الطَّعنِ وقلبِ الحقائقِ فيحَقِّ آلِ البَيْتِ والصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عنهم. وإنما ضربنَا بعضَ الأمثلةِللتوضيحِ والبيانِ ، وليحذرَ القارئُ للتاريخِ مِنْ هذه الطرقِ والمناهجِ المتبعةِمِنْ قبل البعضِ ، هداهمُ اللهُ للحقِّ.
القسم الثالث :أن يكونَ أصلُ القصةِ والحديثِ صحيحًا ، لكن (البعضَ) يزيدُ عليها الشيءَالكثيرَ ، حتى تتحولَ مِنْ بضعِ كلماتٍ لا تتعدَّى الصفحةَ الواحدة إلى كِتَابٍكاملٍ فيه مِنَ الأباطيلِ والأكاذيبِ الشيءُ الكثيرُ ، مثلَ :
(أ) - حادثةالسَّقِيفَةِ ، فهو حديثٌ لا يتجاوزُ الصفحةَ ، ورواها بعضُهم فزادَ فيها نصوصًاموضوعةً تُخالفُ الروايةَ الصحيحةَ ، ثُمَّ تلَقَّفها البعضُ الآخرُ وألَّفَ فيهاكِتَابًا كَاملًا ، بقصدِ الطَّعْنِ في الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عنهم كما فعلالجوهري في كتابه«السقيفة» وغيره ممن ألف الكتب في شأن السقيفة وأدخل فيهاالأكاذيب.
(ب) - وكذلك حديث (رزية الخميس) ، وينظر في بيان مفهوم حديث رزيةالخميس وجمع طرقه والرد على الشبهات المثارة حوله كتاب ( العقد النفيس بدراسة حديثالخميس ) وغيرها الكثير .
فعلى القارئ للتاريخ أن يكون على حذرٍ مِنْ هذا ،وأن يميِّزَ بين أصلِ القصةِ وبين ما زِيدَ عليها .
وغالبًا ما تجدُ أنَّأصلَ القصة موجودٌ في مصادرَ موثَّقةٍ وبأسانيدَ صحيحةٍ ، والزيادات مأخوذةٌ مِنْمصادرَ مشكوكٍ فيها وفي صحةِ إسنادها .
ولا شك أنَّ هذه الزيادات الشَّاذةالباطلةَ لَعِبَتْ وما زالت تَلعبُ دورًا مُهمًا في ضياعِ الحقائقِ واختلاطِها علىكثيرٍ مِنَ الناسِ ، مما جعلَ بعضَهُم يَرسمُ صورةً مشوَّهةً للتاريخ ، ويصدرُأحكامًا ظالمةً على رموزِ الأُمَّةِ الإسلاميةِ بسببِ هذا التّزويرِ .
نَستطيعُ أنْ نُلَخِّصَالاتهاماتِ والشُّبهاتِ الموجهة إلى تاريخِ آلِ البَيْتِ والصَّحَابَةِ رَضِيَاللهُ عنهم إلى أربعة أقسامٍ :
القسم الأول: رواياتٌ وأخبارٌ ضَعيفةٌ : بَاطلةٌ سَندًا ، ومُنكرةٌ مَتْنًا ، وهذهتُوجدُ بكثرةٍ في بعضِ الكُتُبِ التي يَجبُ الحذرُ عندَ قراءَتها ، لِمَا فيها منَمرويات تنسبُ إلى آلِ البَيْتِ والصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عنهم بما لا يتناسبُ معمَقَامِهِمُ الرَّفيعِ ودرجتِهم العَاليةِ ،
فهذه الكُتُبُ قد حَوتْ بيندفَّتَيْها كَثيرًا مِنَ الأخبارِ والآثارِ الضعيفةِ والباطلةِ والموضوعةِ على آلِالبَيْتِ والصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عنهم ، والقاعدةُ في هذا النَّوعِ مِنَالشُّبهاتِ هي : «رَدُّها وضربها بعرضِ الحائطِ» ؛ لأنَّ هذه المكذوباتِ لا يَصحُّأن يَعتمدَ عليها المسلمُ في عَقيدتهِ ودينهِ ، ولأنَّ آلَ البَيْتِ والصَّحَابَةَرَضِيَ اللهُ عنهم جُزءٌ مِنْ عَقيدةِ المسلمِ .
فكيف يُسَوِّغُ المسلِمُلنفسهِ أن يجعلَ عُمْدَتَهُ في تعاليم دينهِ أحاديثَ مُصطنعةً مكذوبةً لا أصلَ لها، ويَدَعَ النُّصوصَ الصَّحِيحَةَ الصَّريحةَ التي لا يَتطرَّقُ إليهَا شَكٌّ أوريبةٌ مِنْ كتابِ اللهِ تعالى وسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وآله وسلم الثابتةِالصَّحِيحَةِ ؟!
وها هو القُرْآنُ الكَرِيمُ قد طَهَّرَ آلَ البَيْتِوزَكَّى الصَّحَابَةَ ومدحَهم في أكثرِ مِنْ آيةٍ مُباركةٍ ، فقال سُبْحَانَهُوتعالَى عن آلِ البَيْتِ : [ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُالرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ] [الأحزاب : 33] . وهذهالآيةُ هي مَنبعُ فَضائلِ أَهلِ البَيْتِ النَّبَوِيِّ ، حيثُ شرَّفَهُمُ اللهُتعالى بِها وطَهَّرَهُم ، وأَذْهَبَ عنهمُ الرِّجْسَ مِنَ الأفعالِ الخبيثةِوالأخلاقِ الذَّمِيمَةِ .
ومَدَحَ الصَّحَابَةَ وأثَنَى عليهم في آياتٍكثيرةٍ مباركةٍ ، فقال سُبْحَانَهُ وتعالَى واصِفًا لهم : [تَرَاهُمْ رُكَّعًاسُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ] [الفتح : 29]
بَيَّنَ سُبْحَانَهُ وتعالَى في هذه الآيةِ الجامعةِ حالَ الصَّحَابَةِبأنهم مِنْ أهلِ الرُّكُوعِ والسُّجودِ والصَّلاةِ والخشوعِ ، ثم بَيَّنَ ما فيقُلوبِهم مِنْ إخلاصٍ وصِدْقٍ فقال تعالى : [يَبْتَغُونَ] . وهذا عملٌ قَلبيٌّ لايَطَّلِعُ عليه إلا اللهُ عَزَّ وجَلَّ عَالِمُ الغَيْبِ والشَّهَادَةِ ، وهومَعنَى الإخلاصِ والصِّدْقِ في طَلَبِ رضوانِ الله وفضلِهِ .
وبَيَّنَاللهُ سُبْحَانَهُ وتعالَى كذلك حَالَ الصَّحَابَةِ فيما بينَهم فقال مخاطبًارَسُولَهُ صلى الله عليه وآله وسلم : [هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِوَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ] [الأنفال : 62-63]
فقلوبُ آلِ البَيْتِ والصَّحَابَةِ مجتمعةٌ على كَلِمَةٍ سواءٍ ، وهيالتّوحيدُ والإسلامُ والمحبةُ ، فهذه الآياتُ وغيرُها ؛ هي الأصلُ الذي ينبغيالرجوعُ إليه ، وتركُ ما يُنقَلُ ويُكتبُ مِنْ أحاديثَ وأخبارٍ باطلةٍ في حَقِّ آلِالبَيْتِ والصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عنهم .
حب الصحابة والقرابة سنة * ألقى بها ربي إذا أحياني
فئتان عقدهما شريعة أحمد * بأبي وأمي ذانكالفئتانَ
فئتان سالكتان في سبل الهدى * وهما بدين اللهقائمتانِ
فكأنما آل النبي وصحبه * روحٌ يضم جميعهاجسدانِ
ويجبُ أن نعلمَ جيدًا ؛ أنَّ آلَ البَيْتِوالصَّحَابَةَ رضوانُ الله عليهم ليسوا بحاجةٍ إلى أَيَّةِ أحاديث مُخترعةٍ ومكذوبةتُبَيِّنُ فضائلَهم ؛ ففضلُهم لا يُنْكِرُهُ إلاَّ مُكَابِرٌ أو جَاحدٌ .
شبـــه تهافــت كالزجــاج * تخالها حقاً وكل كاسرمكسور
القسم الثاني: أحاديثٌ وأخبارٌفي فضائلِ آلِ البَيْتِ والصَّحَابَةِ ومَحاسنهِم ، حَوَّلَتْها وقَلَبتْها أيديالكَذِبِ والتَّزويرِ إلى مساوئَ ومَثَالِبَ ،والعجيب في أصحاب هذه الشبهات هوغفلتهم عن معارضة هذه الأباطيل التي يأتون بها بروايات وأخبار صحيحة تنسف ما يدعونوفيه يصولون ويجولون فمثال على هذه الشبهات والأخبار التي لها ينتصرون :
- قِتَالُ أبي بكرٍ الصّدّيقِ رَضِيَ اللهُ عنه لأهلِ الرِّدَّةِ بعدَ وفاةِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم كان طاعةً لرسولِ الله في أمرهِ بقتلِ مَنْبَدَّلَ دينَهُ مِنَ المُرتدّينَ ، وذَوْدًا عن حَظيرةِ الإسلامِ والمسلمينَ ، فجاء (البعضُ) وجعلَ هذه الفضيلةَ والمنقبةَ مِنْ مساوئِ الصّدّيقِ رَضِيَ اللهُ عنهوالعياذُ بالله ، عن طريقِ بَثِّ الشُّبهاتِ حولَ هذا الفعلِ المباركِ مِنْ خَليفةِرَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فزعموا - كذبًا - أنّه قاتلَ المسلمينَ ،أو قاتلَ الذين أَبَوْا أنْ يُبايعوه !
وقد غفل هؤلاء عن تأييد كبارالصحابة لهذا الفعل المبارك بل وإجماع الأمة على استحسانه وكذلك غفلوا عن تأييدومباركة إمام أهل البيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأبي بكر الصديق رضي الله عنهفي حروبه ضد أهل الردة ، فقد استشار أبو بكر رضي الله عنه عليا في شأن قتال من ارتدبعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنع الزكاة فقال أبو بكر لعلي رضي اللهعنهما : « ما تقول يا أبا الحسن ؟ قال : أقول إنك إن تركت شيئا مما كان أخذه منهمالرسول صلى الله عليه وآله وسلم فأنت على خلاف سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فقال : أما لئن قلت قلت ذاك لأقاتلنهم وإن منعوني عقالا ».(1) ومن الدلائلالساطعة على إخلاصه رضي الله عنه لأبي بكر ونصحه للإسلام والمسلمين وحرصه على بقاءالخلافة واجتماع شمل المسلمين ما جاء من موقفه من توجه أبي بكر الصديق رضي الله عنهبنفسه إلى ذي القصة وعزمه على محاربة المرتدين. فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : «لما برز أبو بكر إلى ذي القصة واستوى على راحلته أخذه علي بن أبي طالب رضي اللهعنه يقول : أقول لك ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد : (لم سيفكولا تفجعنا بنفسك ، وارجع إلى المدينة ، فوالله لئن فجعنا بك لا يكون للإسلام نظاماأبدا»(2) فرجع الصديق رضي الله عنه أخذا بنصح الأمين المخلص علي رضي الله عنه .
وبعد هذا كله يأتينا من يكرر عبارات الظلم والجور فيقول: « انهم كانوايسمون القبائل التي رفضت خلافة أبي بكر بأسم المرتدين ظلماً وعدواناً»
[كاملالنجار وجريمة الارتداد لنبيـل الكرخي]
فمن هم الذين كانوا يطلقون هذهالتسمية صفهم لنا لماذا لم تسميهم وعلى أي برهان ودليل يتمسكون ، أم ليس لديهم إلاالكذب والظلم والجور في إطلاق الأحاكم ومحاكمة التاريخ بهذه الطريقة الضعيفة التيلا تمت للبحث العلمي بصلة .
- وكذا قِتَالُ أميرِ المؤمنينَعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنه للخوارجِ ؛ تحقيقًا لنبوءةِ النَّبِيِّ صلى الله عليهوآله وسلمفيهم ، وطاعةً لأمرهِ بقتالِهم ، فحوّلوا تلكَ المناقبَ العظيمةَ لعَلِيٍّرَضِيَ اللهُ عنه ، وحِنْكَتَهُ في الحُكْمِ والإدارة إلى سَيِّئَاتٍ ، وقِصَّةُعبدِالله بنِ عَبَّاسٍ الذي بَعَثَهُ الإمامُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عنهما للخوارجِمِنْ أوضحِ الدلائلِ على ما ذكرنا (3) .
- وأيضا : تَنازُلُ الإمامِالحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عنه عنِ الخِلاَفَةِ لمعاويةَ رَضِيَ اللهُ عنه ؛ تحقيقًالنبوءةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم بالإصلاحِ ، وحَفظًا لدماءِ المُسلمينَ، وجمعًا لشملِهم ؛ فقُلبتْ هذه المآثرُ والفضائلُ إلى سيئاتٍ ، حَتَّى قدحَ (بعضُهم) في سَيِّدِ شَبَابِ أهلِ الجنَّةِ الحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عنه وأطلقوا عليهلَقَبَ : «مُذِلُّ المؤمنينَ» (4) ، تَعييرًا وتَهَكُّمًا عياذًا بالله مِنَالخُذلانِ والحرمانِ ، وتَجاهلَ هذا الخاسرُ مَدْحَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآلهوسلم لِفْعْلِ الحَسَنِ ، بقولهِ : «إنَّ ابني هذا سَيِّدٌ ، ولعَلَّ اللهَ أنْيُصْلِحَ به بين فئتينِ عظيمتينِ مِنَ المسلمينَ» (5) وقد كان هذا .
- وكذلك جَمْعُ الخليفةِ الثالثِ عُثْمَانَ الشَّهيدِ الصَّابرِ رَضِيَ اللهُ عنهللقرآنِ الكريمِ ؛ هذه المنقبةُ العظيمةُ حُوِّلَتْ وقُلِبَتْ - أيضًا - إلىمَثلبةٍ وطَعنٍ فيه ، مع أنَّ الأُمَّةَ إلى يومنا هذا يذكرون هذا الفعلَ المباركَالمُوَفَّقَ كفضيلةٍ كُبَرى ومِنَّةٍ عُظَمى على الإسلامِ والمُسلمينَ لا يعلمُقدرَ عِظَمِها إلاَّ اللهُ تعالى والعالمونَ.
ولذلك كان علي بن أبي طالبرضي الله عنه ينهي من يعيب على عثمان رضي الله عنه ويقول : « يا أيها الناس لاتغلوا في عثمان ولا تقولوا له إلا خيرا ، فوالله ما فعل الذي فعل - أي في المصاحف – إلا عن ملأ منا جميعا ـ أي الصحابة ـ : والله لو وليت لفعلت مثل مافعل»(6)
وغير ذلك كثيرٌ مما يطولُ ذكرُهُ مِنَ الطَّعنِ وقلبِ الحقائقِ فيحَقِّ آلِ البَيْتِ والصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عنهم. وإنما ضربنَا بعضَ الأمثلةِللتوضيحِ والبيانِ ، وليحذرَ القارئُ للتاريخِ مِنْ هذه الطرقِ والمناهجِ المتبعةِمِنْ قبل البعضِ ، هداهمُ اللهُ للحقِّ.
القسم الثالث :أن يكونَ أصلُ القصةِ والحديثِ صحيحًا ، لكن (البعضَ) يزيدُ عليها الشيءَالكثيرَ ، حتى تتحولَ مِنْ بضعِ كلماتٍ لا تتعدَّى الصفحةَ الواحدة إلى كِتَابٍكاملٍ فيه مِنَ الأباطيلِ والأكاذيبِ الشيءُ الكثيرُ ، مثلَ :
(أ) - حادثةالسَّقِيفَةِ ، فهو حديثٌ لا يتجاوزُ الصفحةَ ، ورواها بعضُهم فزادَ فيها نصوصًاموضوعةً تُخالفُ الروايةَ الصحيحةَ ، ثُمَّ تلَقَّفها البعضُ الآخرُ وألَّفَ فيهاكِتَابًا كَاملًا ، بقصدِ الطَّعْنِ في الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عنهم كما فعلالجوهري في كتابه«السقيفة» وغيره ممن ألف الكتب في شأن السقيفة وأدخل فيهاالأكاذيب.
(ب) - وكذلك حديث (رزية الخميس) ، وينظر في بيان مفهوم حديث رزيةالخميس وجمع طرقه والرد على الشبهات المثارة حوله كتاب ( العقد النفيس بدراسة حديثالخميس ) وغيرها الكثير .
فعلى القارئ للتاريخ أن يكون على حذرٍ مِنْ هذا ،وأن يميِّزَ بين أصلِ القصةِ وبين ما زِيدَ عليها .
وغالبًا ما تجدُ أنَّأصلَ القصة موجودٌ في مصادرَ موثَّقةٍ وبأسانيدَ صحيحةٍ ، والزيادات مأخوذةٌ مِنْمصادرَ مشكوكٍ فيها وفي صحةِ إسنادها .
ولا شك أنَّ هذه الزيادات الشَّاذةالباطلةَ لَعِبَتْ وما زالت تَلعبُ دورًا مُهمًا في ضياعِ الحقائقِ واختلاطِها علىكثيرٍ مِنَ الناسِ ، مما جعلَ بعضَهُم يَرسمُ صورةً مشوَّهةً للتاريخ ، ويصدرُأحكامًا ظالمةً على رموزِ الأُمَّةِ الإسلاميةِ بسببِ هذا التّزويرِ .
يتبع **للموضوع تتمه
تعليق