"ترغيم انفوف المعاندين في بيان قبح الحاسدين"
" بسم الله الرحمن الرحيم "
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله الطاهرين ، وبعد ، اللهم اكفني حسد الحاسدين ، وبغي الباغين ، وكيد الكائدين ، ومكر الماكرين ، وحيلة المحتالين ، وغيلة المغتالين ، وظلم الظالمين ، وجور الجائرين ، واعتداء المعتدين ، وسخط المسخطين ، وتشحب المتشحبين ، وصولة الصائلين ، واقتسار المقتسرين ، وغشم الغاشمين ، وخبط الخابطين ، وسعاية الساعين ، ونميمة النامين ، وسحر السحرة والمردة والشياطين ، وجور السلاطين ، ومكروه العالمين ، انك سميع مجيب .
لعلي انتقلت في مرحلتي هذه إلى مواضيع تبتعد قليلا عن العقائد المذهبية ، ذلك لأني وجدت المصلحة في كتابة هذا الموضوع المهم وهو موضوع الحسد ! وما أدراك ماالحسد ؟! وهل تجرعة مرارة الحاسدين ؟! ولماذا ؟! نعم هذه الاسئلة تتردد كثيرا في عقول المحسودين الذين يتساءلون لماذا ياترى الحسد يلاحقنا حتى في منامنا ؟! وهذه هي عقدة الحقارة التي تدل على ضعف شخصية الحاسدين وقبحهم ، واعلم إن الحسد علامة من علامات نجاح المحسود ! فكلما كان النجاح كبيرا كلما كان الحسد كثيرا ! وهذه هي نقطة البداية التي عانى ويعاني منها العظماء والفضلاء وأمثالهم ،لذلك ابتدأت كلامي ب
" ترغيم انفوف المعاندين في بيان قبح الحاسدين"
وجعلته عنوانا لكلماتي هذه التي ارتأيت أن اسطرها على أوراق بيضاء أبثها في قلوب سوداء قد أسنت من السواد حتى بدت واضحة لمن يستنشق عطاء محمد وال محمد ع ، حيث ذهب بها الريح بعيدا جدا حتى كاد أن يريمي بها في الحميم ، ذلك لأني رأيت الجهل قد انتشر وتفشى حتى أصبح واضحا كوضوح الشمس في وضح النهار ، وحقيقة الأمر إنه التكليف الشرعي أمام الله الذي جعلني امسك القلم واسطر ما أريد ذكره كما ذكرت لكم ، فهناك قاعدة فيزيائية تقول لكل فعل ردة فعل تساويه بالقوة وتعاكسه في الاتجاه ! وهذه القاعدة معروفة ، وتذكرني بشخص الإنسان الفاشل ، فان الإنسان الفاشل اجتماعيا وعلميا ومجردا من كل شئ ، تراه يبحث عن عنوان يسد به ثغرة نقصه ، فيبقى متحيرا أين يذهب ليسد ثغرة نقصه ؟ عندها لايخلو تفكيره من ثلاثة نقاط :
الأولى : يتجه نحو العمل السلكي كالتطوع في مراكز التطوع للمعيشة ، أو العمل في الأسواق كالبيع والشراء من اجل كسب المعيشة ، وهو أمر جيد وهذا لايعتبر نقصا في الشخص إنما النقص في المصلحة فيحاول إيجاد مصلحة يسد بها ثغرة فراغه .
الثانية : يتجه للسرقة والأعمال الشاذة الأخرى ، فان مثل هذه الشخصيات لم تكن فاشلة في تلك المستويات المذكورة فقط بل فشلت حتى في إيجاد من يسد فراغها اليومي وفراغها المعيشي ، فتلجئ إلى البحث عن وظيفة منحرفة كي ترتقي سلم الذين سبقوها بإيجاد عمل هادئ تسد به نقص العمل الذي فقدته نتيجة عدم حصول التخصص الذي يحلم به كل شخص منذ نعومة أظافره ! وهذا طبعا لايدوم فان مصير مثل هذه الشخصيات الفشل والكشف الذي سيجعلها تمضي بقية حياتها بين مقتولة ومذمومة وهي من الشخصيات التي خسرت الدنيا وألاخرة .
الثالثة : يتجه اتجاه دينيا نتيجة النقص وفيها فرعين :
الأول- لبس ثوب الدين :وهو أن يتوجه اتجاها دينيا والعمل بهذا الأمر دون التطبيق وحقيقته لا دين ! ولا علم ! أي خال من كل ما ذكرته ، إنما أراد أن يشغل حيزا في الفراغ وهذا اخطر عنصر يولد في المجتمع !!، ويا مكثر الذين هربوا من واقعهم المرير ولبسوا هذا الثوب ، وبدؤا يغوصون في أعماق المجتمع بعبارات لم ينزل الله بها من سلطان لان قضيتهم لم تكن عن اعتقاد على الإطلاق إنما كانت نابعة نتيجة دوافع أخرى ذكرتها أعلاه ! وقطعا مصيرهم الكشف والكشف أصبح واضحا من خلال السيرة العفنة التي يمتطيها الفرد الذي يعتنق هذه الفكرة النامية من عدم الاعتقاد بالقصة أصلا ! إنما وجدها مهنة جيدة يمتهنها من خلال استعطاف قلوب الآخرين تحت عنوان كونه رجل دين ومرة أخرى تجده يتصرف تصرفات لاتمت إلى العمل الشرعي لا من بعيد ولامن قريب منها :
أ- النفاق :
وهو إظهار مايبطن خلافه ـ وهو مبدأ من لا مبدأ له ، حيث يعمل جاهدا على الحديث الأعرج على من هم أفضل منه حيث لايستطيع أن يصل إلى ما وصلوا إليه من إيمان وعلم ومعرفة ، فممكن أن يُعرف هذا الشخص من خلال طعنه بالآخرين ، بأن هذا الذي يتحدث عن الآخرين بكل زيادة ونقيصة فمثل هذا الرجل دخيل على الفكر الديني من حيث أعماله الدالة عليه ! حيث هي أعمال سوقية لاتمت إلى الإسلام والأخلاق الاسلامية ولا أخلاق أهل البيت ع !! أو وضع نفسه في موضع القدوة !!، حيث تجده لا يتحدث و لايمت بحديث واحد فيه طاعة لله أو موعظة على الإطلاق ! سوى الاستهزاء والشتيمة والتنقيص اللامبرر له ، حيث بقيت تلك التصرفات التي اعتاد عليها تجول في خواطره لان الدين أو ثوب الدين الذي لبسه لم يغير من واقعه شئ ، فهو غير معتقد به ، بل العملية مجرد تغيير للصورة بإطالة اللحية ولبس الثوب الديني أو غيره وقال ها أنا ذا !! فهو مسكين أحمق ، لايدري أن هذا اشد من الإنعام عند الله ، فعندما تقرأ قوله تعالى : إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا : حيث يتبين من هذه الآية أن النفاق في نظر الإسلام أشد أنواع الكفر ، وإن المنافقين أبعد الخلق من الله ، ولهذا السبب فإن مستقرهم ومكانهم النهائي في أحط نقطة من نقاط جهنم ، وهم يستحقون هذا العقاب ، لأن ما يلحق البشرية من ويلات من جانب هؤلاء هو أشد خطرا من كل الأخطار ، فإن هؤلاء بسبب احتمائهم بظاهر الإيمان يحملون بصورة غادرة وبمطلق الحرية على المؤمنين العزل ويطعنونهم من الخلف بخناجرهم المسمومة ، وبديهي أن يكون حال أعداء - كهؤلاء - يظهرون بلباس الأصدقاء ، أشد خطرا من الأعداء المعروفين الذين يعلنون عداوتهم صراحة ، وفي الواقع فإن النفاق هو أسلوب وسلوك كل فرد أبتر ومنحط ومشبوه وجبان وملوث بكل الخبائث ومن لا شخصية له .
ب- الحسد ،
وهو أمر مهم جدا حيث الحسد من جملة علامات عدم التقوى وسؤالي ، أما علمتم أن الحسد يأكل الحسنات ؟! فلو كل شخص يتتبع الكلمات التي تصدر منه ، أو تأمل قليلا في عبارات الأئمة والعلماء التي هي عبارة عن حكم نمشي عليه في حياتنا التي هي أيام قلائل لعلم معنى العبارات التي تسكب وهذا شيء يتطلب التأمل قبل التسرع في الحكم على شخص تريد أن تحكم عليه ، فمثلا إذا أردت أن تعرف شخصا هل هو محب أم مبغض ؟؟ فانك تعرفه من غير أن تغوص في أعماقه أو تتطلع في أجوائه !! بل تعرفه من خلال كلماته التي هي تعبر عن مايريده وما يخبئه ، أو من خلال التمعن في وجهه وهذا ما يحصل كثيرا وهي اخطر حالة موجودة فان الحاسد مخبوء تحت طي لسانه وتُبان كما عبر أمير المؤمنين ع بقوله مضمونا ( ما اضمر ابن ادم شئ إلا وبانت في صفحة من صفحات وجهه أو فلته من فلتات لسانه ) فانه عندما يتحدث معك يتحدث بنبرة خاصة !! خصوصيتها صفحة الوجه المتقلب الألوان حيث يرى بعد المسافة بينه وبين غيره !! وها هو علي ابن أبي طالب ع خير مثال على ذلك وتذكرني برواية لطيفة قرأتها إما في مروج الذهب أو في تاريخ الخلفاء للسيوطي ، بأنه في زمن احد الولاة جاء رجل أعرابي إلى الخليفة وجلس عنده في قضاء حاجة ! فأُعجب الخليفة به ، وقربه إليه ، فلما رأى ذلك وزير الخليفة انتابه حسدا شديدا ، فأراد أن يكد كيدا للإعرابي ، فدعاه للطعام وأكثر من الثوم في الطعام ، بعد ما أنهى كل واحد منهم الطعام قال له الوزير إذا رجعت إلى الخليفة ضع يدك على فيك عند الحديث معه لأنه يكره رائحة الثوم ! فعندما خرج الأعرابي ذهب الوزير مسرعا إلى الوالي قال له أن الأعرابي الذي قربته يتحدث عنك ! قال له الوالي وماذا يقول ؟ قال له يقول إن الوالي تفوح منه رائحة نتنه ، فعندما جاء الإعرابي إلى الوالي وضع يده على فيه كما قال له الوزير ، فقال الوالي اذن الوزير صدق القول !! لو لم يكن كذلك لما وضع يده على فيه ! فكتب كتابا قال فيه: حامل كتابي هذا اضربوا عنقه ، وأعطاه للإعرابي وقال له اذهب به إلى مدير الشرطة ، فعند خروجه لاقى الوزير الإعرابي ، قال له ماذا قال لك الوالي ؟ قال له الأعرابي أعطاني كتابا ! الوزير من شدة حسده ظن أن الكتاب هو منصب للإعرابي ! قال الوزير للأعرابي خذ هذه مائتين دينار وأنا اذهب بكتابك هذا لاتتعب نفسك ، ذهب الوزير أعطاهم الكتاب ضربوا عنقه ، في اليوم التالي وصل الخبر للخليفة بعث خلف الأعرابي وقص له ماحدث ، ضحك الخليفة وقال الحسد يبدأ بصاحبه ! ونصّب الإعرابي بدلا من الوزير ! اذن نحن مرادنا من الرواية الحكمة سواء صحة الرواية أم لم تصح لكن لم ولن تكن قصة الحسد نابعة نتيجة الإيمان أو الدين أو غيره من الصفات الحميدة بل هو نام نتيجة الشعور المفرط من النقص اتجاه ذلك المحسود ! وشاهد تلك الصفات الذميمة كثيرة فتأمل .
الثاني - أنْ يدعي الدين , واقصد أن يتظاهر بالدين كي يفرض نفسه في المجتمع وذلك بأنه يتظاهر بالكلمات الدينية تظاهرا كي يضع لنفسه بعض الاحترام ، وانتحاله لصفة ألدين دون غيره ! لان الدين أصبح أرخص شئ عند الناس الذين لايمتون إلى الدين بصلة ، فيلجئون إليه ! حيث لايمكن لهم اللجوء إلى الطب مثلا فهو أمر غير ممكن ولا يمكن لهم إن ينتحلوا صفة رجل دولة كي يفرضوا احترامهم لأنهم سيعاقبون بتهمة انتحال الصفة ! فنتيجة انسداد المنافذ المقفلة أو قل الموصدة بوجوههم ، اذن لا طريق أمامهم سوى التظاهر بالتفقه !! ولا تفقه في الواقع ، والتظاهر بالإيمان !! ولا إيمان في الحقيقة ، اذن الدين طريق مفتوح بوجه الذين يريدون التظلل تحت سقفه لإشغالهم حيزا من الفراغ بنحو أو بآخر وهذا الأمر شمل حتى البعض ممن ينتحلون صفة رجل الدين والدين براء منهم ، فيترتب عليهم هذا الأمر حيث لم يكن هذا يختلف عن ذاك ، وهم على يقين بان أمرهم مكشوف حيث سيسلبون ابسط مقومات طالب العلم ألا وهو التوفيق حيث لاتوفيق حيث لاشئ يقدم للمجتمع سوى نبرات النساء اللمامات اللاتي لايمتلكن من الحياة سوى اللمم !!
نهاية المطاف :
التخصص الصادق في الدين :
وهو الطريق الصحيح لأنه ينبع من معرفته وشعوره باتجاه المسؤولية الصادقة والنقطة الحقيقية الواقعة التي يجب أن ينطلق منها الفرد المخلص حاملا رسالة صادقة تاركا كل خزعبلات العبث وإهدار الوقت والتمسك بما قاله المعصوم ع بقوله:
"ليت السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقهوا في الدين"
وعندما قال بذلك ع أراد أن يبين أن التفقه والتعلم من الضروريات التي ينبغي أن يتعلمها الفرد وخاصة إذا كان قد وضع نفسه في موضع السؤال ، لكن هذا لايعد مبررا أن يجلس في داره ولا يبحث عن عمل أو لايعمل تحت عنوان انه يتعلم ، ولو نتتبع أصحاب الأئمة ع من خلال السير نجدهم وخاصة أصحاب الباقر والصادق ع نرى أنهم لم يكونوا متفرغين بعنوان التفقه على الإطلاق بل كانوا يعملون كي يتقووا على دينهم وهو أمر جدي اطرحه اليوم فإننا نعلم إن رجل الدين إن صحة التسمية أو طالب العلم وبالذات العلم الإسلامي لابد له من مال وفير وكثير يتقوى به على دينه لنشر المؤلفات إن وجدت والتحرك والتنقل لخدمة المنهج الذي يعتقده وكل ذلك يحتاج إلى مال وفير فهذا يؤكد عليه العمل كي يحقق كل ذلك ، ولو كان مخلصا في منهجه فان إخلاصه كاف في أن يجمع بين العمل والدراسة والاطلاع ، نعم قد تحصل له مشقة لابل أكيدا يقع في مشقة ذلك لان طريقه صعب ووعر ومميز ويحتاج إلى جهد مبذول لاسيما إننا نرى أصحاب الأئمة ع منهم من كان صاحب الحانوت، ومنهم ألتمار كميثم، ومنهم الصيرفي، والزيات، والبزاز، والخياط، وما شابه ذلك.. فهؤلاء كانوا يجمعون بين عملهم الوظيفي والتجاري، وبين التفقه في الدين.
إذن على الإنسان أن يحتاط لدينه ويتعلم المسائل المهمة -على الأقل- وهي ليست بالكثير، فمثل هؤلاء المتفقهون بحق وحقيقة وعلمهم واهتمامهم بالرسالة الاسلامية تعرية لكل من ينتحل صفة الدين ويمارس باسمه أبشع الصور باسم شريعة محمد ص ، نعم هناك توفيقات ولايمكن أن يكون الجميع بمستوى واحد لكن رغم ذلك لابد أن تكون مقدمات لرجل الدين كي يكون أهلا لحمل هذه الرسالة ، وفي قولي هذا لعله حث لمن لم يوفق لحد الآن بعلم أو فقه أو منهج معين ، كي يبادر إلى التسارع في ذلك ما دام قادرا على ذلك قبل أن يفوت الأوان ، !! فلو تبحث عن السبب من محاربة النبي ص فانك لاترى أثرا لهذه الحرب إلا الحسد ! فلو كان قد بُعث نبيا من غير بني هاشم لما وقفوا ضده هذا الموقف ، فان حسد قريش ووقوفها ضد النبي ودعوته عندما أعلن الرسول الأعظم محمد بن عبد الله الهاشمي ( ص ) أنباء النبوة والرسالة والكتاب : كانت قريش تتعايش في ظل صيغة سياسية جاهلية قائمة على اقتسام مناصب الشرف ، فكانت السقاية والرفادة لبني هاشم ، وهو منصب من أخطر المناصب آنذاك ، وكانت القيادة لبني هاشم ، وكان اللواء لبني عبد الدار ، والسفارة لتيم . . . إلخ . كانت قريش تشعر بالقلق والحسد من التميز الهاشمي ، وتحس بأن هذا التميز يشكل خطرا على الصيغة السياسية ، فقد برزت من بني هاشم شخصيات ، فرضت نفوذها الأدبي على قريش خاصة والعرب عامة ، فكان هاشم سيد قريش حتى مات ، ثم صار عبد المطلب سيدها وحكيمها حتى مات ، وكانت قريش تسعى جاهدة لإبطال مفاعيله ، فكانت تتكارم لتحاكي الكرم الهاشمي ، وتتفاخر لتقلد الفخر الهاشمي كما يروى ، وتتصنع الحكمة لتردم الحكمة الهاشمية ، فقد جاء في شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج 15 - ص 209 – 210ط 1962 م
حدثني يزيد بن عبد الملك بن المغيرة بن نوفل ، عن أبيه ، قال : اصطلحت قريش على أن ولي هاشم بعد موت أبيه عبد مناف السقاية والرفادة ، وذلك أن عبد شمس كان يسافر ، قل أن يقيم بمكة وكان رجلا معيلا ، وكان له ولد كثير ، وكان هاشم رجلا موسرا ، فكان إذا حضر الحج قام في قريش فقال : يا معشر قريش ، إنكم جيران الله ، وأهل بيته ، وإنه يأتيكم في هذا الموسم زوار الله يعظمون حرمة بيته ، فهم لذلك ضيف الله ، وأحق ضيف بالكرامة ضيف الله ، وقد خصكم الله بذلك ، وأكرمكم به ، ثم حفظ منكم أفضل ما حفظ جار من جاره ، فأكرموا ضيفه وزواره ، فإنهم يأتون شعثا غبرا من كل بلد ضوامر كالقداح ، وقد أرجفوا وتفلوا وقملوا وأرملوا ، فأقروهم وأعينوهم . قال : فكانت قريش تترافد على ذلك ، حتى أن كل أهل بيت ليرسلون بالشئ اليسير على قدر حالهم ، وكان هاشم يخرج في كل سنه مالا كثيرا ، وكان قوم من قريش يترافدون ، وكانوا أهل يسار ، فكان كل إنسان ربما أرسل بمائة مثقال ذهب هرقلية وكان هاشم يأمر بحياض من أدم تجعل في مواضع زمزم من قبل أن تحفر ، يستقى فيها من البئار التي بمكة ، فيشرب الحاج ، وكان يطعمهم أول ما يطعم قبل يوم التروية بيوم بمكة وبمنى وبجمع وعرفة ، وكان يثرد لهم الخبز واللحم والسمن والسويق والتمر ، ويحمل لهم الماء فيسقون بمنى ، والماء يومئذ قليل ، إلى أن يصدر الحاج من منى ، ثم تنقطع الضيافة ، وتتفرق الناس إلى بلادهم . قال الزبير : وإنما سمي هاشما لهشمه الثريد ، وكان اسمه عمرا ، ثم قالوا : " عمرو العلا " لمعاليه . انتهى
وفي الطبقات الكبرى - محمد بن سعد - ج 1 - ص 77 – 79ط دار صادر – بيروت .
عن عبد الملك بن المغيرة النوفلي عن أبيه قال فاصطلحوا يومئذ أن ولي هاشم بن عبد مناف بن قصي السقاية والرفادة وكان رجلا موسرا وكان إذا حضر الحج قام في قريش فقال يا معشر قريش إنكم جيران الله وأهل بيته وإنه يأتيكم في هذا الموسم زوار الله يعظمون حرمة بيته فهم ضيف الله وأحق الضيف بالكرامة ضيفه وقد خصكم الله بذلك وأكرمكم به وحفظ منكم أفضل ما حفظ جار من جاره فأكرموا ضيفه وزوره يأتون شعثا غبرا من كل بلد على ضوامر كأنهن القداح قد أزحفوا وتفلوا وقملوا وأرملوا فأقروهم وأسقوهم فكانت قريش ترافد على ذلك حتى أن كان أهل البيت ليرسلون بالشئ اليسير على قدرهم وكان هاشم بن عبد مناف بن قصي يخرج في كل عام مالا كثيرا وكان قوم من قريش أهل يسارة يترافدون وكان كل إنسان يرسل بمائة مثقال هرقلية وكان هاشم يأمر بحياض من أدم فتجعل في موضع زمزم ثم يستقي فيها الماء من البئار التي بمكة فيشربه الحاج وكان يطعمهم أول ما يطعم قبل التروية بيوم بمكة وبمنى وجمع وعرفة وكان يثرد لهم الخبز واللحم والخبز والسمن والسويق والتمر ويجعل لهم الماء فيسقون بمنى والماء يومئذ قليل في حياض الادم إلى أن يصدروا من منى فتنقطع الضيافة ويتفرق الناس لبلادهم قال وأخبرنا محمد بن عمر الأسلمي قال حدثني القاسم بن العباس اللهبني عن أبيه عن عبد الله بن نوفل بن الحارث قال كان هاشم رجلا شريفا وهو الذي أخذ الحلف لقريش من قيصر لان تختلف آمنة وأما من على الطريق فألفهم على أن تحمل قريش بضائعهم ولا كراء على أهل الطريق فكتب له قيصر كتابا وكتب إلى النجاشي أن يدخل قريشا أرضه وكانوا تجارا فخرج هاشم في عير لقريش فيها تجارات وكان طريقهم على المدينة فنزلوا بسوق النبط فصادفوا سوقا تقوم بها في السنة يحشدون لها فباعوا واشتروا ونظروا إلى امرأة على موضع مشرف من السوق فرأى امرأة تأمر بما يشتري ويباع لها فرأى امرأة حازمة جلدة مع جمال فسأل هاشم عنها أأيم هي أم ذات زوج فقيل له أيم كانت تحت أحيحة بن الجلاح فولدت له عمرا ومعبدا ثم فارقها وكانت لا تنكح الرجال لشرفها في قومها حتى يشترطوا لها أن أمرها بيدها فإذا كرهت رجلا فارقته وهي سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار فخطبها هاشم فعرفت شرفه ونسبه فزوجته نفسها ودخل بها وصنع طعاما ودعا من هناك من أصحاب العير الذين كانوا معه وكانوا أربعين رجلا من قريش فيهم رجال من بني عبد مناف ومخزوم وسهم ودعا من الخزرج رجالا وأقام بأصحابه أياما وعلقت سلمى بعبد المطلب فولدته وفي رأسه شيبة فسمي شيبة وخرج هاشم في أصحابه إلى الشام حتى بلغ غزة فاشتكى فأقاموا عليه حتى مات فدفنوه بغزة ورجعوا بتركته إلى ولده ويقال إن الذي رجع بتركته إلى ولده أبورهم بن عبد العزى العامري وعامر بن لؤي وهو يومئذ غلام بن عشرين سنة . انتهى
ولما جهر النبي الأكرم ( ص ) بالنبوة ، فقدت قريش صوابها ، وقررت أن تقف وقفة رجل واحد لإبطال النبوة الهاشمية ، أو إجهاضها . إلتقى ابن أبي شريف مع أبي جهل فقال له : أترى محمدا يكذب ؟ فقال له أبو جهل : كيف يكذب على الله وقد كنا نسميه الأمين ، لأنه ما كذب قط ؟ ولكن إذا اجتمعت في بني عبد مناف السقاية والرفادة والمشورة ، ثم تكون فيهم النبوة : فأي شئ يبقى لنا ؟ وكان أبو سفيان يقول : كنا وبنو هاشم كفرسي رهان ، كلما جاءوا بشئ جئنا بشئ مقابل ، حتى جاء منهم من يدعي بخبر السماء فأنى نأتيهم بذلك ؟ ! . لقد اعتبر زعماء قريش عامة والزعماء الأمويون خاصة ، أنهم المتضررون من هذا الدين الجديد ، فقد اعتبروا - مخطئين - أن النبوة الهاشمية موجهة ضدهم ، وأن غايتها منصبة على استبدال زعامة قريش بزعامة محمد الهاشمية ، وإقامة ملك محمد على أنقاض ملك قريش ، وإلغاء الصيغة السياسية الجاهلية على اقتسام مناصب الشرف بينها ، وإلغاء القيادة الأموية ، وإقامة نظام جديد يعطي الهاشميين الحق بالتمتع بكل مناصب الشرف وحيازتها ، ويعطي لمحمد القيادة بدلا من أبي سفيان ، وهكذا ينال الهاشميون شرف النبوة والملك معا انتهى
وعليه أن الحسد كان من الأسباب الرئسية في محاربة النبي ص ، وقد أفصح عمر بن الخطاب في حواره مع ابن عباس عندما قال له : لقد كرهت قريش أن تجتمع الخلافة والنبوة في بيت واحد ، ولم يكن ذلك الحسد قائما إلا لأنهم وجدوا الفضيلة استمرت في بني هاشم حتى جُعل منهم نبيا ، فقد عمى الحسد أبصارهم كما أعمى قلوبهم ، وكذلك القصة في علي ع فإنهم مابغضوه هذا البغض وشنت عليه هذه الهجمات إلا لأنه من نفس تلك الملة المنزهة المميزة بالعفة والنجابة والشجاعة والشرف والكرم ، ومن ثم بعد كل ذلك ومع كونهم مميزين من الأصل بدون أي سبب آخر ، ومن ثم جاء محمد ص وبُعث نبيا وصار قائدا للأمة ومن ثم انتقلت هذه القيادة إلى علي بن ابي طالب ، إذاً من يستطيع من قريش أن يتحمل كل ذلك ؟ وعليه فلابد من محاربة الإمام علي ع بكل معنى المحاربة لان قريش لم تكن تحتمل أن يكون عليا قائدا للأمة الاسلامية ، وأساس هذا كله هو الحسد يقول الرازي في تفسيره - ج 10 - ص 133
واعلم أن الحسد لا يحصل إلا عند الفضيلة ، فكلما كانت فضيلة الإنسان أتم وأكمل كان حسد الحاسدين عليه أعظم ، ومعلوم أن النبوة أعظم المناصب في الدين ، ثم انه تعالى أعطاها لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وضم إليها انه جعله كل يوم أقوى دولة وأعظم شوكة وأكثر أنصارا وأعوانا وكل ذلك مما يوجب الحسد العظيم . انتهى ، وقد قال ذلك صراحة النعمان بن الحرث الفهري فقد جاء في شواهد التنزيل - الحاكم الحسكاني - ج 2 - ص 381 – 382ط 1990 م ط مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي – طهران . وفي مصادر أخرى .
قال : لما نصب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا يوم غدير خم فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه . طار ذلك في البلاد ، فقدم على رسول الله النعمان بن الحرث الفهري فقال : أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، وأمرتنا بالجهاد والحج والصلاة والزكاة والصوم فقبلناها منك ، ثم لم ترض حتى نصبت هذا الغلام فقلت : من كنت مولاه فهذا مولاه . فهذا شئ منك أو أمر من عند الله ؟ قال : أمر من عند الله . قال : الله الذي لا إله إلا هو إن هذا من الله ؟ قال : الله الذي لا إله إلا هو إن هذا من الله . قال : فولى النعمان وهو يقول : ( اللهم ) إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم . فرماه الله بحجر على رأسه فقتله فأنزل الله تعالى ( سأل سائل ) . انتهى
ولا يخفى أن للقوم دواعي شتى لصرف الخلافة عن أمير المؤمنين إلى أنفسهم ، فإنهم حسدوه كما حسدوا النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبله ، لرفعته عنهم حسبا ونسبا وعلما وشجاعة بل وفي جميع كمالاته ونزلت فيه خاصة آيات من القرآن ، وذكر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في فضله أمورا عظيمة جدا ، وكان يقدمه على غيره في جميع الأمور ، فلما اشتعل نار الحسد في قلوبهم أخرجوا الأمر عن معدنه بغيا وظلما ، وبغضا وعداوة لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، ورجاء أن يتداولوها بينهم ، ثم عللوا أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) حديث السن . . ! وإنه صاحب زهو وتيه ويستصغر الناس لعجبه ! ! ويؤثر بني عبد المطلب على غيرهم . . وتبغضه العرب ولا تطيعه لأنه وترها ! ! وقريش تنظر إليه كما ينظر الثور إلى جازره ! ! بل لا تجتمع الخلافة والنبوة في بيت واحد ! ! فلما زين ذلك في قلوبهم لم يروا بدا من إجبار أهل البيت ( عليهم السلام ) على البيعة لأبي بكر ليتم لهم الأمر أو إهلاكهم إن أبوا عن الإجابة إلى ذلك ، وقديما قالوا : الملك عقيم .
قلت : وتحقيقا في المقام اود الإشارة إلى بعض الشواهد من واقعنا ، فلو تلاحظ الآن في الواقع العملي من أناس عاديين لاعلى مستوى قيادة الأمة أو كونهم مرسلين من السماء ، تلاحظ أن واقعنا العملي الآن الذي نعيشه ونحن مسلمون ونعلم أن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ، ترى الذي يُميّز بميزة على غيره واعتبرت تلك الميزة فضيلة له فان العيون تتطاير شرارة على صاحب الفضيلة وبدون أي تفكير من أن الحسد محرم ٌ وكأنّ الروايات أكدت على استحباب الحسد لا على ذمه ، واعلم إن القضية تتطور حتى تضع الإنسان في الدرك الأسفل من النار وهو لايعلم ! فترى البعض تصل لديهم مرحلة بالطعن والتشويش ضد المحسود بأي كلام ممكن أن يخرج من الفم ! مجرد تشويش وتنقيص ، وهذا أكيدا يبدأ بهم واقصد إن الحسد يبدأ بصاحبه ، والحسد : هو تمني زوال النعمة عن صاحبها ، ولذلك قيل : إن كل أحد تقدر أن ترضيه إلا حاسد نعمة فإنه لا يرضيه إلا زوالها انتهى ، قلت وكم من حاسد يتمنى زوال نعمة المحسود ولو على حساب الدين ؟ وهذا الأمر أصبح متفش اليوم وكأنه لا توجد آخرة وحساب وكتاب فهناك بعض الحاسدين وضعوا دينهم تحت أقدامهم من اجل التنقيص من المحسود ! وما زادوه إلا رفعة ، مع ملاحظة أن الحسد والنفاق والجبن والبخل غالبا ودائما مجتمعة في الشخص الحاسد ! وأنت خبير إن هذه الصفات واحدها محقرة فكيف باجتماعهن في الشخص ؟ لكن الله رافع المحسودين رفعة لاحدود لها يقول الإمام علي ع "ولولا أن قريشا جعلت اسمه ذريعة إلى الرياسة ، وسلما إلى العز والإمرة ، لما عبدت الله بعد موته يوما واحدا " والدليل على صحة كلامه انه لماذا لم يبالوا بإيذاء من هي بضعة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومن يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها ؟! وعليه فان دراسة العوامل التي كانت سببا في ماحصل هو الحسد البغيض ، واليوم نعيش نفس المأساة فان الحسد يلاحق كل من يحمل صفة حميدة أو يحمل صفة مميزة في منهج معين ففي مثل هذه الصورة تبرز الطبقة المنافقة الحاسدة وتجتمع في لياليها وتبدأ بعملها القبيح ، لكنها خاسرة في الدنيا وخاسرة في الآخرة والله رافع المحسودين درجات فقد كتب ابن نما الحلي إلى بعض الحاسدين له :
انا ابن نما إن نطقت فمنطقي * فصيح إذا ما مصقع القوم أعجما
وإن قبضت كف امرئ عن فضيلة * بسطت لها كفا طويلا ومعصما
بنى والدي نهجا إلى ذلك العلا * بأفعاله كانت إلى المجد سلما
كبنيان جدي جعفر خير ماجد * فقد كان بالإحسان والفضل مغرما
وجد أبي الحبر الفقيه أبي البقا * فما زال في نقل العلوم مقدما
يود أناس هدم ما شيد العلى * وهيهات للمعروف ان يتهدما
يروم حسودي نيل شأوي سفاهة * وهل يقدر الإنسان يرقى إلى السما
منالي بعيد ويح نفسك فانئد * فمن أين في الأجداد مثل التقي نما
وفي مورد آخر يتحدث احد الشعراء عن الحاسدين بقوله :
كذبت نفوس الحاسدين ظنونها من آفك منهم ومن مأفوك
إن السماء لدون ما ترقى له والنجم أقرب نهجك المسلوك
وارى الملوك إذا رأيتك سوقة وارى عفاتك سوقة كملوك
لا يعدمنك أعوجي صعرت عادات نصرك منه خد مليك
يقول أحد العلماء : إن الحسد من أخطر الصفات ، ويجب أن يعتبر من أعدى أعداء السعادة ، فيجب أن يجتهد الإنسان لدفعه والتخلص منه . إن المجتمعات التي تتألف من الحاسدين الضيقي النظرة مجتمعات متأخرة متخلفة ، والحساد - في الأغلب - عناصر قلقة وأفراد مرضى يعانون من متاعب وآلام جسدية وعصبية ، وذلك قد أصبح من المسلم اليوم أن أكثر الأمراض والآلام الجسدية تنشأ من علل نفسية ، فإننا نلاحظ الآن بحوثا مفصلة في الطب حول الأمراض التي تختص بمثل هذه . هذا والجدير بالذكر ورود التأكيد على هذه المسألة في أحاديث أئمة الدين وقادة الإسلام ، ففي رواية عن الإمام علي ( عليه السلام ) نقرأ قوله : " صحة الجسد من قلة الحسد " و " العجب لغفلة الحساد عن سلامة الأجساد " . بل ووردت روايات تصرح بأن الحسد يضر بالحاسد قبل أن يضر بالمحسود ، بل ويؤدي إلى القتل والموت تدريجا .
إن الحسد يعد - من الناحية المعنوية - من علائم ضعف الشخصية وعقدة الحقارة ، ومن دلائل الجهل وقصر النظر وقلة الإيمان ، لأن الحاسد - في الحقيقة - يرى نفسه أعجز وأقل من أن يبلغ ما بلغه المحسود من المكانة أو أعلى من ذلك ، ولهذا يسعى الحاسد إلى أن يرجع المحسود إلى الوراء ، هذا مضافا إلى أنه بعمله يعترض على حكمة الله سبحانه واهب جميع النعم وجميع المواهب ، وعلى إعطائه سبحانه النعم إلى من تفضل بها عليه من الناس ، ولهذا جاء في الحديث الشريف عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) " الحسد أصله من عمى القلب والجحود لفضل الله تعالى ، وهما جناحان للكفر ، وبالحسد وقع ابن آدم في حسرة الأبد ، وهلك مهلكا لا ينجو منه أبدا " . فهذا هو القرآن الكريم يصرح بأن أول جريمة قتل ارتكبت في الأرض كان منشؤها الحسد . وجاء في نهج البلاغة عن الإمام علي ( عليه السلام ) أنه قال : " إن الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب " وذلك لأن الحاسد يزداد سوء ظنه بالله وبحكمته وعدالته شيئا فشيئا ، وهذا الأمر يؤدي به إلى الخروج عن جادة الإيمان . إن آثار الحسد وأضراره المادية والمعنوية وتبعاته الفردية والاجتماعية كثيرة جدا ، وما ذكرناه إنما هو في الحقيقة جدول سريع عن بعض هذه الآثار والمضار .
وعليه لابد لنا من مكافحة هذه الظاهرة التي مابرحت ان تحط من قدر الإنسان وتجعله في الدرك الأسفل من النار ولابد لنا ان نجعل الرمز والقدوة لنا في مسيرتنا هذه ونبحث أين هم حساد النبي ص وأين هم حساد أمير المؤمنين ع ؟ وحاصل الكلام ان المتتبع لما حصل ضد النبي ص وضد علي ع هو الحسد بالدرجة الأولى ! مع ملاحظة ان تطور الحسد عند الحاسد توصله إلى مرحلة لايرى للحق ضياء وبالتالي سيبقى يراوح في محله ويراوح ويراوح كما راوحة هند وزوجها وبالتالي خضعوا للنبي على مضض لا عن اعتقاد فاسأل الله تعالى ان يجعلنا من المحبين للخير ومن الذين يتمنون الخير للجميع وان لايجعلنا من الحاسدين وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين .
ولله در القائل
إني أدأب على جمع الفضائل جاهدا * وأدم لها تعب القريحة والجسد
واقصد بها وجه الإله ونفع من * بلغته ممن جد فيها واجتهد
واترك كلام الحاسدين وبغيهم * هملا فبعد الموت ينقطع الحسد
الشيخ واثق الشمري
Alshaikh_alshimary@yahoo.com
" بسم الله الرحمن الرحيم "
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله الطاهرين ، وبعد ، اللهم اكفني حسد الحاسدين ، وبغي الباغين ، وكيد الكائدين ، ومكر الماكرين ، وحيلة المحتالين ، وغيلة المغتالين ، وظلم الظالمين ، وجور الجائرين ، واعتداء المعتدين ، وسخط المسخطين ، وتشحب المتشحبين ، وصولة الصائلين ، واقتسار المقتسرين ، وغشم الغاشمين ، وخبط الخابطين ، وسعاية الساعين ، ونميمة النامين ، وسحر السحرة والمردة والشياطين ، وجور السلاطين ، ومكروه العالمين ، انك سميع مجيب .
لعلي انتقلت في مرحلتي هذه إلى مواضيع تبتعد قليلا عن العقائد المذهبية ، ذلك لأني وجدت المصلحة في كتابة هذا الموضوع المهم وهو موضوع الحسد ! وما أدراك ماالحسد ؟! وهل تجرعة مرارة الحاسدين ؟! ولماذا ؟! نعم هذه الاسئلة تتردد كثيرا في عقول المحسودين الذين يتساءلون لماذا ياترى الحسد يلاحقنا حتى في منامنا ؟! وهذه هي عقدة الحقارة التي تدل على ضعف شخصية الحاسدين وقبحهم ، واعلم إن الحسد علامة من علامات نجاح المحسود ! فكلما كان النجاح كبيرا كلما كان الحسد كثيرا ! وهذه هي نقطة البداية التي عانى ويعاني منها العظماء والفضلاء وأمثالهم ،لذلك ابتدأت كلامي ب
" ترغيم انفوف المعاندين في بيان قبح الحاسدين"
وجعلته عنوانا لكلماتي هذه التي ارتأيت أن اسطرها على أوراق بيضاء أبثها في قلوب سوداء قد أسنت من السواد حتى بدت واضحة لمن يستنشق عطاء محمد وال محمد ع ، حيث ذهب بها الريح بعيدا جدا حتى كاد أن يريمي بها في الحميم ، ذلك لأني رأيت الجهل قد انتشر وتفشى حتى أصبح واضحا كوضوح الشمس في وضح النهار ، وحقيقة الأمر إنه التكليف الشرعي أمام الله الذي جعلني امسك القلم واسطر ما أريد ذكره كما ذكرت لكم ، فهناك قاعدة فيزيائية تقول لكل فعل ردة فعل تساويه بالقوة وتعاكسه في الاتجاه ! وهذه القاعدة معروفة ، وتذكرني بشخص الإنسان الفاشل ، فان الإنسان الفاشل اجتماعيا وعلميا ومجردا من كل شئ ، تراه يبحث عن عنوان يسد به ثغرة نقصه ، فيبقى متحيرا أين يذهب ليسد ثغرة نقصه ؟ عندها لايخلو تفكيره من ثلاثة نقاط :
الأولى : يتجه نحو العمل السلكي كالتطوع في مراكز التطوع للمعيشة ، أو العمل في الأسواق كالبيع والشراء من اجل كسب المعيشة ، وهو أمر جيد وهذا لايعتبر نقصا في الشخص إنما النقص في المصلحة فيحاول إيجاد مصلحة يسد بها ثغرة فراغه .
الثانية : يتجه للسرقة والأعمال الشاذة الأخرى ، فان مثل هذه الشخصيات لم تكن فاشلة في تلك المستويات المذكورة فقط بل فشلت حتى في إيجاد من يسد فراغها اليومي وفراغها المعيشي ، فتلجئ إلى البحث عن وظيفة منحرفة كي ترتقي سلم الذين سبقوها بإيجاد عمل هادئ تسد به نقص العمل الذي فقدته نتيجة عدم حصول التخصص الذي يحلم به كل شخص منذ نعومة أظافره ! وهذا طبعا لايدوم فان مصير مثل هذه الشخصيات الفشل والكشف الذي سيجعلها تمضي بقية حياتها بين مقتولة ومذمومة وهي من الشخصيات التي خسرت الدنيا وألاخرة .
الثالثة : يتجه اتجاه دينيا نتيجة النقص وفيها فرعين :
الأول- لبس ثوب الدين :وهو أن يتوجه اتجاها دينيا والعمل بهذا الأمر دون التطبيق وحقيقته لا دين ! ولا علم ! أي خال من كل ما ذكرته ، إنما أراد أن يشغل حيزا في الفراغ وهذا اخطر عنصر يولد في المجتمع !!، ويا مكثر الذين هربوا من واقعهم المرير ولبسوا هذا الثوب ، وبدؤا يغوصون في أعماق المجتمع بعبارات لم ينزل الله بها من سلطان لان قضيتهم لم تكن عن اعتقاد على الإطلاق إنما كانت نابعة نتيجة دوافع أخرى ذكرتها أعلاه ! وقطعا مصيرهم الكشف والكشف أصبح واضحا من خلال السيرة العفنة التي يمتطيها الفرد الذي يعتنق هذه الفكرة النامية من عدم الاعتقاد بالقصة أصلا ! إنما وجدها مهنة جيدة يمتهنها من خلال استعطاف قلوب الآخرين تحت عنوان كونه رجل دين ومرة أخرى تجده يتصرف تصرفات لاتمت إلى العمل الشرعي لا من بعيد ولامن قريب منها :
أ- النفاق :
وهو إظهار مايبطن خلافه ـ وهو مبدأ من لا مبدأ له ، حيث يعمل جاهدا على الحديث الأعرج على من هم أفضل منه حيث لايستطيع أن يصل إلى ما وصلوا إليه من إيمان وعلم ومعرفة ، فممكن أن يُعرف هذا الشخص من خلال طعنه بالآخرين ، بأن هذا الذي يتحدث عن الآخرين بكل زيادة ونقيصة فمثل هذا الرجل دخيل على الفكر الديني من حيث أعماله الدالة عليه ! حيث هي أعمال سوقية لاتمت إلى الإسلام والأخلاق الاسلامية ولا أخلاق أهل البيت ع !! أو وضع نفسه في موضع القدوة !!، حيث تجده لا يتحدث و لايمت بحديث واحد فيه طاعة لله أو موعظة على الإطلاق ! سوى الاستهزاء والشتيمة والتنقيص اللامبرر له ، حيث بقيت تلك التصرفات التي اعتاد عليها تجول في خواطره لان الدين أو ثوب الدين الذي لبسه لم يغير من واقعه شئ ، فهو غير معتقد به ، بل العملية مجرد تغيير للصورة بإطالة اللحية ولبس الثوب الديني أو غيره وقال ها أنا ذا !! فهو مسكين أحمق ، لايدري أن هذا اشد من الإنعام عند الله ، فعندما تقرأ قوله تعالى : إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا : حيث يتبين من هذه الآية أن النفاق في نظر الإسلام أشد أنواع الكفر ، وإن المنافقين أبعد الخلق من الله ، ولهذا السبب فإن مستقرهم ومكانهم النهائي في أحط نقطة من نقاط جهنم ، وهم يستحقون هذا العقاب ، لأن ما يلحق البشرية من ويلات من جانب هؤلاء هو أشد خطرا من كل الأخطار ، فإن هؤلاء بسبب احتمائهم بظاهر الإيمان يحملون بصورة غادرة وبمطلق الحرية على المؤمنين العزل ويطعنونهم من الخلف بخناجرهم المسمومة ، وبديهي أن يكون حال أعداء - كهؤلاء - يظهرون بلباس الأصدقاء ، أشد خطرا من الأعداء المعروفين الذين يعلنون عداوتهم صراحة ، وفي الواقع فإن النفاق هو أسلوب وسلوك كل فرد أبتر ومنحط ومشبوه وجبان وملوث بكل الخبائث ومن لا شخصية له .
ب- الحسد ،
وهو أمر مهم جدا حيث الحسد من جملة علامات عدم التقوى وسؤالي ، أما علمتم أن الحسد يأكل الحسنات ؟! فلو كل شخص يتتبع الكلمات التي تصدر منه ، أو تأمل قليلا في عبارات الأئمة والعلماء التي هي عبارة عن حكم نمشي عليه في حياتنا التي هي أيام قلائل لعلم معنى العبارات التي تسكب وهذا شيء يتطلب التأمل قبل التسرع في الحكم على شخص تريد أن تحكم عليه ، فمثلا إذا أردت أن تعرف شخصا هل هو محب أم مبغض ؟؟ فانك تعرفه من غير أن تغوص في أعماقه أو تتطلع في أجوائه !! بل تعرفه من خلال كلماته التي هي تعبر عن مايريده وما يخبئه ، أو من خلال التمعن في وجهه وهذا ما يحصل كثيرا وهي اخطر حالة موجودة فان الحاسد مخبوء تحت طي لسانه وتُبان كما عبر أمير المؤمنين ع بقوله مضمونا ( ما اضمر ابن ادم شئ إلا وبانت في صفحة من صفحات وجهه أو فلته من فلتات لسانه ) فانه عندما يتحدث معك يتحدث بنبرة خاصة !! خصوصيتها صفحة الوجه المتقلب الألوان حيث يرى بعد المسافة بينه وبين غيره !! وها هو علي ابن أبي طالب ع خير مثال على ذلك وتذكرني برواية لطيفة قرأتها إما في مروج الذهب أو في تاريخ الخلفاء للسيوطي ، بأنه في زمن احد الولاة جاء رجل أعرابي إلى الخليفة وجلس عنده في قضاء حاجة ! فأُعجب الخليفة به ، وقربه إليه ، فلما رأى ذلك وزير الخليفة انتابه حسدا شديدا ، فأراد أن يكد كيدا للإعرابي ، فدعاه للطعام وأكثر من الثوم في الطعام ، بعد ما أنهى كل واحد منهم الطعام قال له الوزير إذا رجعت إلى الخليفة ضع يدك على فيك عند الحديث معه لأنه يكره رائحة الثوم ! فعندما خرج الأعرابي ذهب الوزير مسرعا إلى الوالي قال له أن الأعرابي الذي قربته يتحدث عنك ! قال له الوالي وماذا يقول ؟ قال له يقول إن الوالي تفوح منه رائحة نتنه ، فعندما جاء الإعرابي إلى الوالي وضع يده على فيه كما قال له الوزير ، فقال الوالي اذن الوزير صدق القول !! لو لم يكن كذلك لما وضع يده على فيه ! فكتب كتابا قال فيه: حامل كتابي هذا اضربوا عنقه ، وأعطاه للإعرابي وقال له اذهب به إلى مدير الشرطة ، فعند خروجه لاقى الوزير الإعرابي ، قال له ماذا قال لك الوالي ؟ قال له الأعرابي أعطاني كتابا ! الوزير من شدة حسده ظن أن الكتاب هو منصب للإعرابي ! قال الوزير للأعرابي خذ هذه مائتين دينار وأنا اذهب بكتابك هذا لاتتعب نفسك ، ذهب الوزير أعطاهم الكتاب ضربوا عنقه ، في اليوم التالي وصل الخبر للخليفة بعث خلف الأعرابي وقص له ماحدث ، ضحك الخليفة وقال الحسد يبدأ بصاحبه ! ونصّب الإعرابي بدلا من الوزير ! اذن نحن مرادنا من الرواية الحكمة سواء صحة الرواية أم لم تصح لكن لم ولن تكن قصة الحسد نابعة نتيجة الإيمان أو الدين أو غيره من الصفات الحميدة بل هو نام نتيجة الشعور المفرط من النقص اتجاه ذلك المحسود ! وشاهد تلك الصفات الذميمة كثيرة فتأمل .
الثاني - أنْ يدعي الدين , واقصد أن يتظاهر بالدين كي يفرض نفسه في المجتمع وذلك بأنه يتظاهر بالكلمات الدينية تظاهرا كي يضع لنفسه بعض الاحترام ، وانتحاله لصفة ألدين دون غيره ! لان الدين أصبح أرخص شئ عند الناس الذين لايمتون إلى الدين بصلة ، فيلجئون إليه ! حيث لايمكن لهم اللجوء إلى الطب مثلا فهو أمر غير ممكن ولا يمكن لهم إن ينتحلوا صفة رجل دولة كي يفرضوا احترامهم لأنهم سيعاقبون بتهمة انتحال الصفة ! فنتيجة انسداد المنافذ المقفلة أو قل الموصدة بوجوههم ، اذن لا طريق أمامهم سوى التظاهر بالتفقه !! ولا تفقه في الواقع ، والتظاهر بالإيمان !! ولا إيمان في الحقيقة ، اذن الدين طريق مفتوح بوجه الذين يريدون التظلل تحت سقفه لإشغالهم حيزا من الفراغ بنحو أو بآخر وهذا الأمر شمل حتى البعض ممن ينتحلون صفة رجل الدين والدين براء منهم ، فيترتب عليهم هذا الأمر حيث لم يكن هذا يختلف عن ذاك ، وهم على يقين بان أمرهم مكشوف حيث سيسلبون ابسط مقومات طالب العلم ألا وهو التوفيق حيث لاتوفيق حيث لاشئ يقدم للمجتمع سوى نبرات النساء اللمامات اللاتي لايمتلكن من الحياة سوى اللمم !!
نهاية المطاف :
التخصص الصادق في الدين :
وهو الطريق الصحيح لأنه ينبع من معرفته وشعوره باتجاه المسؤولية الصادقة والنقطة الحقيقية الواقعة التي يجب أن ينطلق منها الفرد المخلص حاملا رسالة صادقة تاركا كل خزعبلات العبث وإهدار الوقت والتمسك بما قاله المعصوم ع بقوله:
"ليت السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقهوا في الدين"
وعندما قال بذلك ع أراد أن يبين أن التفقه والتعلم من الضروريات التي ينبغي أن يتعلمها الفرد وخاصة إذا كان قد وضع نفسه في موضع السؤال ، لكن هذا لايعد مبررا أن يجلس في داره ولا يبحث عن عمل أو لايعمل تحت عنوان انه يتعلم ، ولو نتتبع أصحاب الأئمة ع من خلال السير نجدهم وخاصة أصحاب الباقر والصادق ع نرى أنهم لم يكونوا متفرغين بعنوان التفقه على الإطلاق بل كانوا يعملون كي يتقووا على دينهم وهو أمر جدي اطرحه اليوم فإننا نعلم إن رجل الدين إن صحة التسمية أو طالب العلم وبالذات العلم الإسلامي لابد له من مال وفير وكثير يتقوى به على دينه لنشر المؤلفات إن وجدت والتحرك والتنقل لخدمة المنهج الذي يعتقده وكل ذلك يحتاج إلى مال وفير فهذا يؤكد عليه العمل كي يحقق كل ذلك ، ولو كان مخلصا في منهجه فان إخلاصه كاف في أن يجمع بين العمل والدراسة والاطلاع ، نعم قد تحصل له مشقة لابل أكيدا يقع في مشقة ذلك لان طريقه صعب ووعر ومميز ويحتاج إلى جهد مبذول لاسيما إننا نرى أصحاب الأئمة ع منهم من كان صاحب الحانوت، ومنهم ألتمار كميثم، ومنهم الصيرفي، والزيات، والبزاز، والخياط، وما شابه ذلك.. فهؤلاء كانوا يجمعون بين عملهم الوظيفي والتجاري، وبين التفقه في الدين.
إذن على الإنسان أن يحتاط لدينه ويتعلم المسائل المهمة -على الأقل- وهي ليست بالكثير، فمثل هؤلاء المتفقهون بحق وحقيقة وعلمهم واهتمامهم بالرسالة الاسلامية تعرية لكل من ينتحل صفة الدين ويمارس باسمه أبشع الصور باسم شريعة محمد ص ، نعم هناك توفيقات ولايمكن أن يكون الجميع بمستوى واحد لكن رغم ذلك لابد أن تكون مقدمات لرجل الدين كي يكون أهلا لحمل هذه الرسالة ، وفي قولي هذا لعله حث لمن لم يوفق لحد الآن بعلم أو فقه أو منهج معين ، كي يبادر إلى التسارع في ذلك ما دام قادرا على ذلك قبل أن يفوت الأوان ، !! فلو تبحث عن السبب من محاربة النبي ص فانك لاترى أثرا لهذه الحرب إلا الحسد ! فلو كان قد بُعث نبيا من غير بني هاشم لما وقفوا ضده هذا الموقف ، فان حسد قريش ووقوفها ضد النبي ودعوته عندما أعلن الرسول الأعظم محمد بن عبد الله الهاشمي ( ص ) أنباء النبوة والرسالة والكتاب : كانت قريش تتعايش في ظل صيغة سياسية جاهلية قائمة على اقتسام مناصب الشرف ، فكانت السقاية والرفادة لبني هاشم ، وهو منصب من أخطر المناصب آنذاك ، وكانت القيادة لبني هاشم ، وكان اللواء لبني عبد الدار ، والسفارة لتيم . . . إلخ . كانت قريش تشعر بالقلق والحسد من التميز الهاشمي ، وتحس بأن هذا التميز يشكل خطرا على الصيغة السياسية ، فقد برزت من بني هاشم شخصيات ، فرضت نفوذها الأدبي على قريش خاصة والعرب عامة ، فكان هاشم سيد قريش حتى مات ، ثم صار عبد المطلب سيدها وحكيمها حتى مات ، وكانت قريش تسعى جاهدة لإبطال مفاعيله ، فكانت تتكارم لتحاكي الكرم الهاشمي ، وتتفاخر لتقلد الفخر الهاشمي كما يروى ، وتتصنع الحكمة لتردم الحكمة الهاشمية ، فقد جاء في شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج 15 - ص 209 – 210ط 1962 م
حدثني يزيد بن عبد الملك بن المغيرة بن نوفل ، عن أبيه ، قال : اصطلحت قريش على أن ولي هاشم بعد موت أبيه عبد مناف السقاية والرفادة ، وذلك أن عبد شمس كان يسافر ، قل أن يقيم بمكة وكان رجلا معيلا ، وكان له ولد كثير ، وكان هاشم رجلا موسرا ، فكان إذا حضر الحج قام في قريش فقال : يا معشر قريش ، إنكم جيران الله ، وأهل بيته ، وإنه يأتيكم في هذا الموسم زوار الله يعظمون حرمة بيته ، فهم لذلك ضيف الله ، وأحق ضيف بالكرامة ضيف الله ، وقد خصكم الله بذلك ، وأكرمكم به ، ثم حفظ منكم أفضل ما حفظ جار من جاره ، فأكرموا ضيفه وزواره ، فإنهم يأتون شعثا غبرا من كل بلد ضوامر كالقداح ، وقد أرجفوا وتفلوا وقملوا وأرملوا ، فأقروهم وأعينوهم . قال : فكانت قريش تترافد على ذلك ، حتى أن كل أهل بيت ليرسلون بالشئ اليسير على قدر حالهم ، وكان هاشم يخرج في كل سنه مالا كثيرا ، وكان قوم من قريش يترافدون ، وكانوا أهل يسار ، فكان كل إنسان ربما أرسل بمائة مثقال ذهب هرقلية وكان هاشم يأمر بحياض من أدم تجعل في مواضع زمزم من قبل أن تحفر ، يستقى فيها من البئار التي بمكة ، فيشرب الحاج ، وكان يطعمهم أول ما يطعم قبل يوم التروية بيوم بمكة وبمنى وبجمع وعرفة ، وكان يثرد لهم الخبز واللحم والسمن والسويق والتمر ، ويحمل لهم الماء فيسقون بمنى ، والماء يومئذ قليل ، إلى أن يصدر الحاج من منى ، ثم تنقطع الضيافة ، وتتفرق الناس إلى بلادهم . قال الزبير : وإنما سمي هاشما لهشمه الثريد ، وكان اسمه عمرا ، ثم قالوا : " عمرو العلا " لمعاليه . انتهى
وفي الطبقات الكبرى - محمد بن سعد - ج 1 - ص 77 – 79ط دار صادر – بيروت .
عن عبد الملك بن المغيرة النوفلي عن أبيه قال فاصطلحوا يومئذ أن ولي هاشم بن عبد مناف بن قصي السقاية والرفادة وكان رجلا موسرا وكان إذا حضر الحج قام في قريش فقال يا معشر قريش إنكم جيران الله وأهل بيته وإنه يأتيكم في هذا الموسم زوار الله يعظمون حرمة بيته فهم ضيف الله وأحق الضيف بالكرامة ضيفه وقد خصكم الله بذلك وأكرمكم به وحفظ منكم أفضل ما حفظ جار من جاره فأكرموا ضيفه وزوره يأتون شعثا غبرا من كل بلد على ضوامر كأنهن القداح قد أزحفوا وتفلوا وقملوا وأرملوا فأقروهم وأسقوهم فكانت قريش ترافد على ذلك حتى أن كان أهل البيت ليرسلون بالشئ اليسير على قدرهم وكان هاشم بن عبد مناف بن قصي يخرج في كل عام مالا كثيرا وكان قوم من قريش أهل يسارة يترافدون وكان كل إنسان يرسل بمائة مثقال هرقلية وكان هاشم يأمر بحياض من أدم فتجعل في موضع زمزم ثم يستقي فيها الماء من البئار التي بمكة فيشربه الحاج وكان يطعمهم أول ما يطعم قبل التروية بيوم بمكة وبمنى وجمع وعرفة وكان يثرد لهم الخبز واللحم والخبز والسمن والسويق والتمر ويجعل لهم الماء فيسقون بمنى والماء يومئذ قليل في حياض الادم إلى أن يصدروا من منى فتنقطع الضيافة ويتفرق الناس لبلادهم قال وأخبرنا محمد بن عمر الأسلمي قال حدثني القاسم بن العباس اللهبني عن أبيه عن عبد الله بن نوفل بن الحارث قال كان هاشم رجلا شريفا وهو الذي أخذ الحلف لقريش من قيصر لان تختلف آمنة وأما من على الطريق فألفهم على أن تحمل قريش بضائعهم ولا كراء على أهل الطريق فكتب له قيصر كتابا وكتب إلى النجاشي أن يدخل قريشا أرضه وكانوا تجارا فخرج هاشم في عير لقريش فيها تجارات وكان طريقهم على المدينة فنزلوا بسوق النبط فصادفوا سوقا تقوم بها في السنة يحشدون لها فباعوا واشتروا ونظروا إلى امرأة على موضع مشرف من السوق فرأى امرأة تأمر بما يشتري ويباع لها فرأى امرأة حازمة جلدة مع جمال فسأل هاشم عنها أأيم هي أم ذات زوج فقيل له أيم كانت تحت أحيحة بن الجلاح فولدت له عمرا ومعبدا ثم فارقها وكانت لا تنكح الرجال لشرفها في قومها حتى يشترطوا لها أن أمرها بيدها فإذا كرهت رجلا فارقته وهي سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار فخطبها هاشم فعرفت شرفه ونسبه فزوجته نفسها ودخل بها وصنع طعاما ودعا من هناك من أصحاب العير الذين كانوا معه وكانوا أربعين رجلا من قريش فيهم رجال من بني عبد مناف ومخزوم وسهم ودعا من الخزرج رجالا وأقام بأصحابه أياما وعلقت سلمى بعبد المطلب فولدته وفي رأسه شيبة فسمي شيبة وخرج هاشم في أصحابه إلى الشام حتى بلغ غزة فاشتكى فأقاموا عليه حتى مات فدفنوه بغزة ورجعوا بتركته إلى ولده ويقال إن الذي رجع بتركته إلى ولده أبورهم بن عبد العزى العامري وعامر بن لؤي وهو يومئذ غلام بن عشرين سنة . انتهى
ولما جهر النبي الأكرم ( ص ) بالنبوة ، فقدت قريش صوابها ، وقررت أن تقف وقفة رجل واحد لإبطال النبوة الهاشمية ، أو إجهاضها . إلتقى ابن أبي شريف مع أبي جهل فقال له : أترى محمدا يكذب ؟ فقال له أبو جهل : كيف يكذب على الله وقد كنا نسميه الأمين ، لأنه ما كذب قط ؟ ولكن إذا اجتمعت في بني عبد مناف السقاية والرفادة والمشورة ، ثم تكون فيهم النبوة : فأي شئ يبقى لنا ؟ وكان أبو سفيان يقول : كنا وبنو هاشم كفرسي رهان ، كلما جاءوا بشئ جئنا بشئ مقابل ، حتى جاء منهم من يدعي بخبر السماء فأنى نأتيهم بذلك ؟ ! . لقد اعتبر زعماء قريش عامة والزعماء الأمويون خاصة ، أنهم المتضررون من هذا الدين الجديد ، فقد اعتبروا - مخطئين - أن النبوة الهاشمية موجهة ضدهم ، وأن غايتها منصبة على استبدال زعامة قريش بزعامة محمد الهاشمية ، وإقامة ملك محمد على أنقاض ملك قريش ، وإلغاء الصيغة السياسية الجاهلية على اقتسام مناصب الشرف بينها ، وإلغاء القيادة الأموية ، وإقامة نظام جديد يعطي الهاشميين الحق بالتمتع بكل مناصب الشرف وحيازتها ، ويعطي لمحمد القيادة بدلا من أبي سفيان ، وهكذا ينال الهاشميون شرف النبوة والملك معا انتهى
وعليه أن الحسد كان من الأسباب الرئسية في محاربة النبي ص ، وقد أفصح عمر بن الخطاب في حواره مع ابن عباس عندما قال له : لقد كرهت قريش أن تجتمع الخلافة والنبوة في بيت واحد ، ولم يكن ذلك الحسد قائما إلا لأنهم وجدوا الفضيلة استمرت في بني هاشم حتى جُعل منهم نبيا ، فقد عمى الحسد أبصارهم كما أعمى قلوبهم ، وكذلك القصة في علي ع فإنهم مابغضوه هذا البغض وشنت عليه هذه الهجمات إلا لأنه من نفس تلك الملة المنزهة المميزة بالعفة والنجابة والشجاعة والشرف والكرم ، ومن ثم بعد كل ذلك ومع كونهم مميزين من الأصل بدون أي سبب آخر ، ومن ثم جاء محمد ص وبُعث نبيا وصار قائدا للأمة ومن ثم انتقلت هذه القيادة إلى علي بن ابي طالب ، إذاً من يستطيع من قريش أن يتحمل كل ذلك ؟ وعليه فلابد من محاربة الإمام علي ع بكل معنى المحاربة لان قريش لم تكن تحتمل أن يكون عليا قائدا للأمة الاسلامية ، وأساس هذا كله هو الحسد يقول الرازي في تفسيره - ج 10 - ص 133
واعلم أن الحسد لا يحصل إلا عند الفضيلة ، فكلما كانت فضيلة الإنسان أتم وأكمل كان حسد الحاسدين عليه أعظم ، ومعلوم أن النبوة أعظم المناصب في الدين ، ثم انه تعالى أعطاها لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وضم إليها انه جعله كل يوم أقوى دولة وأعظم شوكة وأكثر أنصارا وأعوانا وكل ذلك مما يوجب الحسد العظيم . انتهى ، وقد قال ذلك صراحة النعمان بن الحرث الفهري فقد جاء في شواهد التنزيل - الحاكم الحسكاني - ج 2 - ص 381 – 382ط 1990 م ط مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي – طهران . وفي مصادر أخرى .
قال : لما نصب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا يوم غدير خم فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه . طار ذلك في البلاد ، فقدم على رسول الله النعمان بن الحرث الفهري فقال : أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، وأمرتنا بالجهاد والحج والصلاة والزكاة والصوم فقبلناها منك ، ثم لم ترض حتى نصبت هذا الغلام فقلت : من كنت مولاه فهذا مولاه . فهذا شئ منك أو أمر من عند الله ؟ قال : أمر من عند الله . قال : الله الذي لا إله إلا هو إن هذا من الله ؟ قال : الله الذي لا إله إلا هو إن هذا من الله . قال : فولى النعمان وهو يقول : ( اللهم ) إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم . فرماه الله بحجر على رأسه فقتله فأنزل الله تعالى ( سأل سائل ) . انتهى
ولا يخفى أن للقوم دواعي شتى لصرف الخلافة عن أمير المؤمنين إلى أنفسهم ، فإنهم حسدوه كما حسدوا النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبله ، لرفعته عنهم حسبا ونسبا وعلما وشجاعة بل وفي جميع كمالاته ونزلت فيه خاصة آيات من القرآن ، وذكر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في فضله أمورا عظيمة جدا ، وكان يقدمه على غيره في جميع الأمور ، فلما اشتعل نار الحسد في قلوبهم أخرجوا الأمر عن معدنه بغيا وظلما ، وبغضا وعداوة لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، ورجاء أن يتداولوها بينهم ، ثم عللوا أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) حديث السن . . ! وإنه صاحب زهو وتيه ويستصغر الناس لعجبه ! ! ويؤثر بني عبد المطلب على غيرهم . . وتبغضه العرب ولا تطيعه لأنه وترها ! ! وقريش تنظر إليه كما ينظر الثور إلى جازره ! ! بل لا تجتمع الخلافة والنبوة في بيت واحد ! ! فلما زين ذلك في قلوبهم لم يروا بدا من إجبار أهل البيت ( عليهم السلام ) على البيعة لأبي بكر ليتم لهم الأمر أو إهلاكهم إن أبوا عن الإجابة إلى ذلك ، وقديما قالوا : الملك عقيم .
قلت : وتحقيقا في المقام اود الإشارة إلى بعض الشواهد من واقعنا ، فلو تلاحظ الآن في الواقع العملي من أناس عاديين لاعلى مستوى قيادة الأمة أو كونهم مرسلين من السماء ، تلاحظ أن واقعنا العملي الآن الذي نعيشه ونحن مسلمون ونعلم أن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ، ترى الذي يُميّز بميزة على غيره واعتبرت تلك الميزة فضيلة له فان العيون تتطاير شرارة على صاحب الفضيلة وبدون أي تفكير من أن الحسد محرم ٌ وكأنّ الروايات أكدت على استحباب الحسد لا على ذمه ، واعلم إن القضية تتطور حتى تضع الإنسان في الدرك الأسفل من النار وهو لايعلم ! فترى البعض تصل لديهم مرحلة بالطعن والتشويش ضد المحسود بأي كلام ممكن أن يخرج من الفم ! مجرد تشويش وتنقيص ، وهذا أكيدا يبدأ بهم واقصد إن الحسد يبدأ بصاحبه ، والحسد : هو تمني زوال النعمة عن صاحبها ، ولذلك قيل : إن كل أحد تقدر أن ترضيه إلا حاسد نعمة فإنه لا يرضيه إلا زوالها انتهى ، قلت وكم من حاسد يتمنى زوال نعمة المحسود ولو على حساب الدين ؟ وهذا الأمر أصبح متفش اليوم وكأنه لا توجد آخرة وحساب وكتاب فهناك بعض الحاسدين وضعوا دينهم تحت أقدامهم من اجل التنقيص من المحسود ! وما زادوه إلا رفعة ، مع ملاحظة أن الحسد والنفاق والجبن والبخل غالبا ودائما مجتمعة في الشخص الحاسد ! وأنت خبير إن هذه الصفات واحدها محقرة فكيف باجتماعهن في الشخص ؟ لكن الله رافع المحسودين رفعة لاحدود لها يقول الإمام علي ع "ولولا أن قريشا جعلت اسمه ذريعة إلى الرياسة ، وسلما إلى العز والإمرة ، لما عبدت الله بعد موته يوما واحدا " والدليل على صحة كلامه انه لماذا لم يبالوا بإيذاء من هي بضعة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومن يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها ؟! وعليه فان دراسة العوامل التي كانت سببا في ماحصل هو الحسد البغيض ، واليوم نعيش نفس المأساة فان الحسد يلاحق كل من يحمل صفة حميدة أو يحمل صفة مميزة في منهج معين ففي مثل هذه الصورة تبرز الطبقة المنافقة الحاسدة وتجتمع في لياليها وتبدأ بعملها القبيح ، لكنها خاسرة في الدنيا وخاسرة في الآخرة والله رافع المحسودين درجات فقد كتب ابن نما الحلي إلى بعض الحاسدين له :
انا ابن نما إن نطقت فمنطقي * فصيح إذا ما مصقع القوم أعجما
وإن قبضت كف امرئ عن فضيلة * بسطت لها كفا طويلا ومعصما
بنى والدي نهجا إلى ذلك العلا * بأفعاله كانت إلى المجد سلما
كبنيان جدي جعفر خير ماجد * فقد كان بالإحسان والفضل مغرما
وجد أبي الحبر الفقيه أبي البقا * فما زال في نقل العلوم مقدما
يود أناس هدم ما شيد العلى * وهيهات للمعروف ان يتهدما
يروم حسودي نيل شأوي سفاهة * وهل يقدر الإنسان يرقى إلى السما
منالي بعيد ويح نفسك فانئد * فمن أين في الأجداد مثل التقي نما
وفي مورد آخر يتحدث احد الشعراء عن الحاسدين بقوله :
كذبت نفوس الحاسدين ظنونها من آفك منهم ومن مأفوك
إن السماء لدون ما ترقى له والنجم أقرب نهجك المسلوك
وارى الملوك إذا رأيتك سوقة وارى عفاتك سوقة كملوك
لا يعدمنك أعوجي صعرت عادات نصرك منه خد مليك
يقول أحد العلماء : إن الحسد من أخطر الصفات ، ويجب أن يعتبر من أعدى أعداء السعادة ، فيجب أن يجتهد الإنسان لدفعه والتخلص منه . إن المجتمعات التي تتألف من الحاسدين الضيقي النظرة مجتمعات متأخرة متخلفة ، والحساد - في الأغلب - عناصر قلقة وأفراد مرضى يعانون من متاعب وآلام جسدية وعصبية ، وذلك قد أصبح من المسلم اليوم أن أكثر الأمراض والآلام الجسدية تنشأ من علل نفسية ، فإننا نلاحظ الآن بحوثا مفصلة في الطب حول الأمراض التي تختص بمثل هذه . هذا والجدير بالذكر ورود التأكيد على هذه المسألة في أحاديث أئمة الدين وقادة الإسلام ، ففي رواية عن الإمام علي ( عليه السلام ) نقرأ قوله : " صحة الجسد من قلة الحسد " و " العجب لغفلة الحساد عن سلامة الأجساد " . بل ووردت روايات تصرح بأن الحسد يضر بالحاسد قبل أن يضر بالمحسود ، بل ويؤدي إلى القتل والموت تدريجا .
إن الحسد يعد - من الناحية المعنوية - من علائم ضعف الشخصية وعقدة الحقارة ، ومن دلائل الجهل وقصر النظر وقلة الإيمان ، لأن الحاسد - في الحقيقة - يرى نفسه أعجز وأقل من أن يبلغ ما بلغه المحسود من المكانة أو أعلى من ذلك ، ولهذا يسعى الحاسد إلى أن يرجع المحسود إلى الوراء ، هذا مضافا إلى أنه بعمله يعترض على حكمة الله سبحانه واهب جميع النعم وجميع المواهب ، وعلى إعطائه سبحانه النعم إلى من تفضل بها عليه من الناس ، ولهذا جاء في الحديث الشريف عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) " الحسد أصله من عمى القلب والجحود لفضل الله تعالى ، وهما جناحان للكفر ، وبالحسد وقع ابن آدم في حسرة الأبد ، وهلك مهلكا لا ينجو منه أبدا " . فهذا هو القرآن الكريم يصرح بأن أول جريمة قتل ارتكبت في الأرض كان منشؤها الحسد . وجاء في نهج البلاغة عن الإمام علي ( عليه السلام ) أنه قال : " إن الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب " وذلك لأن الحاسد يزداد سوء ظنه بالله وبحكمته وعدالته شيئا فشيئا ، وهذا الأمر يؤدي به إلى الخروج عن جادة الإيمان . إن آثار الحسد وأضراره المادية والمعنوية وتبعاته الفردية والاجتماعية كثيرة جدا ، وما ذكرناه إنما هو في الحقيقة جدول سريع عن بعض هذه الآثار والمضار .
وعليه لابد لنا من مكافحة هذه الظاهرة التي مابرحت ان تحط من قدر الإنسان وتجعله في الدرك الأسفل من النار ولابد لنا ان نجعل الرمز والقدوة لنا في مسيرتنا هذه ونبحث أين هم حساد النبي ص وأين هم حساد أمير المؤمنين ع ؟ وحاصل الكلام ان المتتبع لما حصل ضد النبي ص وضد علي ع هو الحسد بالدرجة الأولى ! مع ملاحظة ان تطور الحسد عند الحاسد توصله إلى مرحلة لايرى للحق ضياء وبالتالي سيبقى يراوح في محله ويراوح ويراوح كما راوحة هند وزوجها وبالتالي خضعوا للنبي على مضض لا عن اعتقاد فاسأل الله تعالى ان يجعلنا من المحبين للخير ومن الذين يتمنون الخير للجميع وان لايجعلنا من الحاسدين وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين .
ولله در القائل
إني أدأب على جمع الفضائل جاهدا * وأدم لها تعب القريحة والجسد
واقصد بها وجه الإله ونفع من * بلغته ممن جد فيها واجتهد
واترك كلام الحاسدين وبغيهم * هملا فبعد الموت ينقطع الحسد
الشيخ واثق الشمري
Alshaikh_alshimary@yahoo.com