شهر الأحزان والرزايا
﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾
نحن الآن على مشارف شهر محرم والذي تكون فيه الذكرى السنوية للفاجعة الأليمة والمصيبة العظيمة التي أقرحت القلوب وأبكت العيون على امتداد الأجيال وعلى مدى السنين المتطاولة، ألا وهي مصيبة أبي الأحرار وأبيِّ الضيم، ريحانة رسول الله أبي عبد الله الحسين، فيحسن بنا ونحن نعيش في أجواء هذا الشهر الموشح بالسواد أن نلتفت إلى بعض الأمور بمقدار الممكن وما يساعد عليه الحال لأخذ العظة والعبرة ويكون الكلام ضمن النقاط التالية:
أولاً: إننا إذا بحثنا عن أسباب بقاء الثورة الحسينية ومقومات خلودها فإننا سوف نجدها كثيرة بطبيعة الحال، ولكننا يمكن أن نلتفت بهذه العجالة إلى سببين مهمين:
السبب الأول: ونستطيع أن نسميه بالسبب التشريعي، وحاصله ما تواتر عن أهل بيت العصمة من الروايات التي حثت على إحياء ذكرياتهم بشكل عام، وإحياء ذكرى الإمام الحسين بشكل خاص.
فقد ورد في -وسائل الشيعة- للحر العاملي ج 21 ص 20:
عن أبى عبد الله قال: تجلسون وتحدثون؟ قلت نعم، قال تلك المجالس احبها، فأحيوا أمرنا. رحم الله من أحيى أمرنا. من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج عن عينيه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر.
وعن أبي جعفر قال: قال لي: أتخلون وتحدثون تقولون ما شئتم؟ فقلت: إي والله، فقال: أما والله لوددت أني معكم في بعض تلك المواطن.
وكذلك الروايات التي حثت على ذكر الحسين وتذكر مصيبته واستحباب البكاء عليه.
فقد ورد في -كامل الزيارات- لجعفر بن محمد بن قولويه ص 201:
عن أبي جعفر قال: كان علي بن الحسين يقول: أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي دمعة حتى تسيل على خده بوأه الله بها في الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً، وأيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خده فينا لأذى مسنا من عدونا في الدنيا بوأه الله بها في الجنة مبوأ صدق، وأيما مؤمن مسه أذى فينا فدمعت عيناه حتى تسيل على خده من مضاضة ما أوذي فينا صرف الله عن وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار.
وعن أبي عبد الله قال: إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع، ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن علي، فإنه فيه مأجور.
وعن أبي هارون المكفوف قال: قال أبو عبد الله في حديث طويل له: ومن ذكر الحسين عنده فخرج من عينيه من الدموع مقدار جناح ذباب، كان ثوابه على الله عز وجل، ولم يرض له بدون الجنة.
وعن الربيع بن منذر، عن أبيه قال: سمعت علي بن الحسين يقول: من قطرت عيناه فينا قطرة ودمعت عيناه فينا دمعة، بوأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقاباً.
إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة والطافحة في مختلف المصادر، والتي تشير بشكل كبير إلى أهمية ذكر الحسين والاهتمام بمصيبته وتجديد الأحزان لأجله.
مضافاً إلى السيرة العملية التي كان عليها أهل البيت وتعظيمهم لهذه الذكرى وإظهار الحزن والبكاء، حتى روي عن الإمام السجاد أنه كان يمزج طعامه أو شرابه بدموع عينه.
وورد في -الأمالي- للشيخ الصدوق ص 190:
عن إبراهيم بن أبي محمود قال: قال الرضا: إن المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون فيه القتال، فاستحلت فيه دماؤنا، وهتكت فيه حرمتنا، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأضرمت النيران في مضاربنا، وانتهب ما فيها من ثقلنا، ولم ترع لرسول الله حرمة في أمرنا.
إن يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذل عزيزنا، بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء، إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإن البكاء يحط الذنوب العظام.
ثم قال: كان أبي إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكاً، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه، ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين.
وكل ذلك يحفز الفرد المؤمن ويشحذ همته لأجل إحياء ذكرى الحسين وتعظيمها والاهتمام بها أكيداً.
السبب الثاني: ونستطيع أن نسميه بالسبب التكويني، وهو عبارة عن الزخم العاطفي الذي يجعله الله سبحانه وتعالى في قلوب المحبين تجاه مصيبة الحسين والانجذاب إليها والتفاعل معها وبشكل ملفت للنظر، حتى أننا نجد أن لشهر محرم حرارة خاصة ومشاعر فريدة، وخصوصاً في الأيام العشرة الأولى منه، وهذا واضح بالوجدان، ولا يمكن أن يفسر بغير العناية والتأييد الإلهيين.
وحتى ورد في الرواية عن النبي أنه قال: "إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً"، وهذا من المعاجز التي أيدت الثورة الحسينية وأمدتها بالدوام والبقاء، وأنها تتجدد عبر الأعوام والدهور، مما لم تعط أي مصيبة أخرى مهما عظمت هذا الزخم من العواطف والأحزان، حتى قال الشاعر:
أنست زيتكم رزايانا التي سلفت وهونت الرزايا الآتية
ثانياً: إننا يجب أن نستغل هذه الشعائر الحسينية كوسائل مهمة في التربية وتوعية المجتمع وتثقيفهم على كل ما يهم شؤونهم الحياتية والأخلاقية، فإنها تعتبر من الوسائل المهمة والرئيسية والتي استخدمها أهل البيت في توعية الأمة وهدايتها، واستغلها سلفنا الصالح عبر الأجيال لأجل تحصيل هذه النتيجة.
مع الالتفات إلى الهجمات الشرسة التي يحاول بها الأعداء أن يعصفوا بكل ما هو حق وأساسي من ثوابتنا الإسلامية. مضافاً إلى كثرة الإمكانات الدنيوية والوسائل الإعلامية في طرف الباطل وضعفها غالباً في طرف الحق.
فلابد من التمسك بهذه الشعائر وتفعيلها والتكثيف منها لأجل أن تكون قوة فاعلة تجذب الفرد نحو الخير والهداية والسداد، وتبعده عن كل المغريات والسموم الفكرية والأخلاقية التي يريد الاستعمار أن يزرعها في المجتمعات المسلمة وبكل صورة.
ثالثاً: إننا وبسبب الحرية النسبية التي أعطيت لنا فإنه من الممكن أن تدخل الكثير من الأفكار الهدامة وبمختلف الأثواب ضمن برنامج تخريبي مدروس ومخطط له، يريد من هذه الأمة أن تفقد هويتها وأن يسير وراء شعارات ومشاريع خاوية تفقد لأي محتوى حقيقي، وليس فيها إلا التقليد الأعمى للغرب الكافر وأخذ القشور الواهية منهم ليس إلا.
فقد تسمع الكثير من المصطلحات التي تخفي خلفها الكثير من النتائج السيئة على المستوى الفردي والاجتماعي. وقد تطرح الكثير من المقترحات والتي تهدف إلى النيل من كل ما هو أصيل عندنا.
فتصل النوبة إلى الشعائر الحسينية لإفقادها وتفريغها من محتواها الحقيقي، فيفسحون المجال لمناقشة الكثير من الأمور التي تساهم في شد المجتمع نحو الثورة الحسينية كالبكاء واللطم وغير ذلك، فيبدءون وبحجة النظرة الواعية لهذه الأمور وتشذيبها بما يتماشى ومتطلبات العصر، وينسجم مع التطور الفكري وغيره. ومن ثم يصلون إلى مرادهم الحقيقي وهو إبعاد الناس عن هذه الأمور المؤثرة بشكل إيجابي ومجرب عبر هذه السنين المتطاولة.
فلابد من الحذر مما يخطط له الأعداء، وعلينا أن نتمسك بالشعائر الحسينية، وأن يتواصل ارتباطنا بثورة الحسين لأنها القوة الحقيقية التي تمد المجتمع بمختلف المعاني العظيمة والمهمة بكل تأكيد.
رابعاً: إن ما قلناه في النقطة السابقة لا ينفي أننا لابد لنا من أن نضيف إلى هذه الوسائل التربوية وسائل أخرى مبتكرة، بشرط انسجامها مع الخط العام لهذه الشعائر، وبما يتوافق مع الشريعة المقدسة، كالتفلسف بقضية الحسين بشكل أدق، وطرح الثورة بأبعادها المعمقة وأهدافها الرئيسية التي نفهمها ونطيقها.
مضافاً إلى إيجاد ومعرفة الجرعات المناسبة للمجتمع، حتى يكون المستوى الفكري الذي يطرح، والوقت المناسب له وحدوده، ومقدار المحاضرات أو المجالس أو غير ذلك مما يرتبط بهذه الشعائر، خاضعاً إلى دراسة موضوعية وهادفة.
فإنه لابد من الالتفات في كل ذلك إلى المستوى النفسي الاجتماعي، وأن يكون ما يطرح على مختلف الآليات خاضعاً إلى دراسة اجتماعية نفسية، أو قل ناظرة إلى ما قد يسمى بعلم النفس الاجتماعي. لكي لا يكون ما يطرح من الأفكار أو يستخدم من الوسائل في هذه الشعائر هو عبارة عن أمور عشوائية مبعثرة.
فإن المسألة أشبه بالدواء الذي يعطى للمريض، فلابد فيه من مراعاة الجرع المناسبة لكي لا ينتج النتائج السلبية في العلاج.
وهذا الأمر بحاجة إلى تصدي جماعة من ذوي الاختصاص ممن يستطيع أن يتكفل دراسة ذلك، ويعطي نتائج هذه الدراسة إلى الحوزة الشريفة أو إلى المتصدين لإقامة الشعائر بشكل عام والشعائر الحسينية بشكل خاص.
خامساً: إن عمق المصيبة التي يشعر بها الفرد تجاه واقعة الطف يحفزه نحو الشعور بحب مواساة الحسين والرغبة في إبداء المعونة والنصرة له. وهذا يمكن تحصيله في كل وقت وفي كل جيل، وذلك بالالتزام بطاعة الله سبحانه وتعالى وتطبيق شريعة جده رسول الله.
فإن القيام بأي عمل صالح، والالتزام بأي طاعة من الطاعات لله سبحانه وتعالى إنما هو نصرة للحسين وتعظيم وتكريم لتلك التضحيات الجسام التي قدمها على ثرى الطف في كربلاء المقدسة.
وفي قبال ذلك وبعكسه فإن كل من قصر في أداء مسؤوليته أمام الله تعالى وتورط في المعصية مهما صغرت فقد خان الحسين وخان الجهود التي بذلها لأجل إصلاح الأمة، والدماء الزاكية التي أريقت منه ومن أهل بيته الميامين وأصحابه المنتجبين.
إلى غير ذلك من الأمور والأفكار التي يمكن أن نستفيدها من ثورة الإمام الحسين والتي لا يسع المجال لاستقصائها، بل لا يمكن الإحاطة الكاملة بها من قبلنا أكيداً.
﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾
نحن الآن على مشارف شهر محرم والذي تكون فيه الذكرى السنوية للفاجعة الأليمة والمصيبة العظيمة التي أقرحت القلوب وأبكت العيون على امتداد الأجيال وعلى مدى السنين المتطاولة، ألا وهي مصيبة أبي الأحرار وأبيِّ الضيم، ريحانة رسول الله أبي عبد الله الحسين، فيحسن بنا ونحن نعيش في أجواء هذا الشهر الموشح بالسواد أن نلتفت إلى بعض الأمور بمقدار الممكن وما يساعد عليه الحال لأخذ العظة والعبرة ويكون الكلام ضمن النقاط التالية:
أولاً: إننا إذا بحثنا عن أسباب بقاء الثورة الحسينية ومقومات خلودها فإننا سوف نجدها كثيرة بطبيعة الحال، ولكننا يمكن أن نلتفت بهذه العجالة إلى سببين مهمين:
السبب الأول: ونستطيع أن نسميه بالسبب التشريعي، وحاصله ما تواتر عن أهل بيت العصمة من الروايات التي حثت على إحياء ذكرياتهم بشكل عام، وإحياء ذكرى الإمام الحسين بشكل خاص.
فقد ورد في -وسائل الشيعة- للحر العاملي ج 21 ص 20:
عن أبى عبد الله قال: تجلسون وتحدثون؟ قلت نعم، قال تلك المجالس احبها، فأحيوا أمرنا. رحم الله من أحيى أمرنا. من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج عن عينيه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر.
وعن أبي جعفر قال: قال لي: أتخلون وتحدثون تقولون ما شئتم؟ فقلت: إي والله، فقال: أما والله لوددت أني معكم في بعض تلك المواطن.
وكذلك الروايات التي حثت على ذكر الحسين وتذكر مصيبته واستحباب البكاء عليه.
فقد ورد في -كامل الزيارات- لجعفر بن محمد بن قولويه ص 201:
عن أبي جعفر قال: كان علي بن الحسين يقول: أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي دمعة حتى تسيل على خده بوأه الله بها في الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً، وأيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خده فينا لأذى مسنا من عدونا في الدنيا بوأه الله بها في الجنة مبوأ صدق، وأيما مؤمن مسه أذى فينا فدمعت عيناه حتى تسيل على خده من مضاضة ما أوذي فينا صرف الله عن وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار.
وعن أبي عبد الله قال: إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع، ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن علي، فإنه فيه مأجور.
وعن أبي هارون المكفوف قال: قال أبو عبد الله في حديث طويل له: ومن ذكر الحسين عنده فخرج من عينيه من الدموع مقدار جناح ذباب، كان ثوابه على الله عز وجل، ولم يرض له بدون الجنة.
وعن الربيع بن منذر، عن أبيه قال: سمعت علي بن الحسين يقول: من قطرت عيناه فينا قطرة ودمعت عيناه فينا دمعة، بوأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقاباً.
إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة والطافحة في مختلف المصادر، والتي تشير بشكل كبير إلى أهمية ذكر الحسين والاهتمام بمصيبته وتجديد الأحزان لأجله.
مضافاً إلى السيرة العملية التي كان عليها أهل البيت وتعظيمهم لهذه الذكرى وإظهار الحزن والبكاء، حتى روي عن الإمام السجاد أنه كان يمزج طعامه أو شرابه بدموع عينه.
وورد في -الأمالي- للشيخ الصدوق ص 190:
عن إبراهيم بن أبي محمود قال: قال الرضا: إن المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون فيه القتال، فاستحلت فيه دماؤنا، وهتكت فيه حرمتنا، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأضرمت النيران في مضاربنا، وانتهب ما فيها من ثقلنا، ولم ترع لرسول الله حرمة في أمرنا.
إن يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذل عزيزنا، بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء، إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإن البكاء يحط الذنوب العظام.
ثم قال: كان أبي إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكاً، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه، ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين.
وكل ذلك يحفز الفرد المؤمن ويشحذ همته لأجل إحياء ذكرى الحسين وتعظيمها والاهتمام بها أكيداً.
السبب الثاني: ونستطيع أن نسميه بالسبب التكويني، وهو عبارة عن الزخم العاطفي الذي يجعله الله سبحانه وتعالى في قلوب المحبين تجاه مصيبة الحسين والانجذاب إليها والتفاعل معها وبشكل ملفت للنظر، حتى أننا نجد أن لشهر محرم حرارة خاصة ومشاعر فريدة، وخصوصاً في الأيام العشرة الأولى منه، وهذا واضح بالوجدان، ولا يمكن أن يفسر بغير العناية والتأييد الإلهيين.
وحتى ورد في الرواية عن النبي أنه قال: "إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً"، وهذا من المعاجز التي أيدت الثورة الحسينية وأمدتها بالدوام والبقاء، وأنها تتجدد عبر الأعوام والدهور، مما لم تعط أي مصيبة أخرى مهما عظمت هذا الزخم من العواطف والأحزان، حتى قال الشاعر:
أنست زيتكم رزايانا التي سلفت وهونت الرزايا الآتية
ثانياً: إننا يجب أن نستغل هذه الشعائر الحسينية كوسائل مهمة في التربية وتوعية المجتمع وتثقيفهم على كل ما يهم شؤونهم الحياتية والأخلاقية، فإنها تعتبر من الوسائل المهمة والرئيسية والتي استخدمها أهل البيت في توعية الأمة وهدايتها، واستغلها سلفنا الصالح عبر الأجيال لأجل تحصيل هذه النتيجة.
مع الالتفات إلى الهجمات الشرسة التي يحاول بها الأعداء أن يعصفوا بكل ما هو حق وأساسي من ثوابتنا الإسلامية. مضافاً إلى كثرة الإمكانات الدنيوية والوسائل الإعلامية في طرف الباطل وضعفها غالباً في طرف الحق.
فلابد من التمسك بهذه الشعائر وتفعيلها والتكثيف منها لأجل أن تكون قوة فاعلة تجذب الفرد نحو الخير والهداية والسداد، وتبعده عن كل المغريات والسموم الفكرية والأخلاقية التي يريد الاستعمار أن يزرعها في المجتمعات المسلمة وبكل صورة.
ثالثاً: إننا وبسبب الحرية النسبية التي أعطيت لنا فإنه من الممكن أن تدخل الكثير من الأفكار الهدامة وبمختلف الأثواب ضمن برنامج تخريبي مدروس ومخطط له، يريد من هذه الأمة أن تفقد هويتها وأن يسير وراء شعارات ومشاريع خاوية تفقد لأي محتوى حقيقي، وليس فيها إلا التقليد الأعمى للغرب الكافر وأخذ القشور الواهية منهم ليس إلا.
فقد تسمع الكثير من المصطلحات التي تخفي خلفها الكثير من النتائج السيئة على المستوى الفردي والاجتماعي. وقد تطرح الكثير من المقترحات والتي تهدف إلى النيل من كل ما هو أصيل عندنا.
فتصل النوبة إلى الشعائر الحسينية لإفقادها وتفريغها من محتواها الحقيقي، فيفسحون المجال لمناقشة الكثير من الأمور التي تساهم في شد المجتمع نحو الثورة الحسينية كالبكاء واللطم وغير ذلك، فيبدءون وبحجة النظرة الواعية لهذه الأمور وتشذيبها بما يتماشى ومتطلبات العصر، وينسجم مع التطور الفكري وغيره. ومن ثم يصلون إلى مرادهم الحقيقي وهو إبعاد الناس عن هذه الأمور المؤثرة بشكل إيجابي ومجرب عبر هذه السنين المتطاولة.
فلابد من الحذر مما يخطط له الأعداء، وعلينا أن نتمسك بالشعائر الحسينية، وأن يتواصل ارتباطنا بثورة الحسين لأنها القوة الحقيقية التي تمد المجتمع بمختلف المعاني العظيمة والمهمة بكل تأكيد.
رابعاً: إن ما قلناه في النقطة السابقة لا ينفي أننا لابد لنا من أن نضيف إلى هذه الوسائل التربوية وسائل أخرى مبتكرة، بشرط انسجامها مع الخط العام لهذه الشعائر، وبما يتوافق مع الشريعة المقدسة، كالتفلسف بقضية الحسين بشكل أدق، وطرح الثورة بأبعادها المعمقة وأهدافها الرئيسية التي نفهمها ونطيقها.
مضافاً إلى إيجاد ومعرفة الجرعات المناسبة للمجتمع، حتى يكون المستوى الفكري الذي يطرح، والوقت المناسب له وحدوده، ومقدار المحاضرات أو المجالس أو غير ذلك مما يرتبط بهذه الشعائر، خاضعاً إلى دراسة موضوعية وهادفة.
فإنه لابد من الالتفات في كل ذلك إلى المستوى النفسي الاجتماعي، وأن يكون ما يطرح على مختلف الآليات خاضعاً إلى دراسة اجتماعية نفسية، أو قل ناظرة إلى ما قد يسمى بعلم النفس الاجتماعي. لكي لا يكون ما يطرح من الأفكار أو يستخدم من الوسائل في هذه الشعائر هو عبارة عن أمور عشوائية مبعثرة.
فإن المسألة أشبه بالدواء الذي يعطى للمريض، فلابد فيه من مراعاة الجرع المناسبة لكي لا ينتج النتائج السلبية في العلاج.
وهذا الأمر بحاجة إلى تصدي جماعة من ذوي الاختصاص ممن يستطيع أن يتكفل دراسة ذلك، ويعطي نتائج هذه الدراسة إلى الحوزة الشريفة أو إلى المتصدين لإقامة الشعائر بشكل عام والشعائر الحسينية بشكل خاص.
خامساً: إن عمق المصيبة التي يشعر بها الفرد تجاه واقعة الطف يحفزه نحو الشعور بحب مواساة الحسين والرغبة في إبداء المعونة والنصرة له. وهذا يمكن تحصيله في كل وقت وفي كل جيل، وذلك بالالتزام بطاعة الله سبحانه وتعالى وتطبيق شريعة جده رسول الله.
فإن القيام بأي عمل صالح، والالتزام بأي طاعة من الطاعات لله سبحانه وتعالى إنما هو نصرة للحسين وتعظيم وتكريم لتلك التضحيات الجسام التي قدمها على ثرى الطف في كربلاء المقدسة.
وفي قبال ذلك وبعكسه فإن كل من قصر في أداء مسؤوليته أمام الله تعالى وتورط في المعصية مهما صغرت فقد خان الحسين وخان الجهود التي بذلها لأجل إصلاح الأمة، والدماء الزاكية التي أريقت منه ومن أهل بيته الميامين وأصحابه المنتجبين.
إلى غير ذلك من الأمور والأفكار التي يمكن أن نستفيدها من ثورة الإمام الحسين والتي لا يسع المجال لاستقصائها، بل لا يمكن الإحاطة الكاملة بها من قبلنا أكيداً.