صيغة الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله):
لقد أجمع فقهاء مذهب أهل البيت (عليهم السلام) على عدم جواز الاكتفاء بذكر النبي (صلى الله عليه وآله) في الصلاة ووجوب ذكر آله معه(5)، مستدلّين على ذلك بأخبار قطعية وردت في تراث الفريقين معاً، كالخبر المشهور في المصادر السنّية، أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) (خرج علينا فقلنا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلّم عليك، فكيف نصلّي عليك؟ قال: (فقولوا اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلّيت على إبراهيم انك حميد مجيد)(6)، وقد أورد مثل هذا النصّ سائر المفسرين عند هذه الآية: (إن الله وملائكته يصلون على النبي...)(7) وفي صيغة الجزم والتأكيد تقف عندما رواه ابن حجر في الصواعق المحرقة، أنه (صلى الله عليه وآله) قال: (لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء، فقالوا: وما الصلاة البتراء؟ قال: تقولون اللهم صلّ على محمد وتمسكون، بل قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد)(8).
ورغم وفرة هذه الأدلّة وكثرتها وتأكيدها على الجمع بين النبيّ وآله، إلاّ أن الفقه السنّي لم يقطع بوجوب الصلاة على الآل، فهناك من أوجب ذكر الآل في الصلاة عليه وهناك من لم يوجبه(9)، محتجّاً بوجوه واهية يأنف القلم الرفيع عن ذكرها، فضلاً عن الاعتقاد بها، كقوله: إن عدم الوجوب أولى لأن (النبي (صلى الله عليه وآله) إنّما أمرهم بهذا ـ يعني ذكر الآل مع النبي ـ حين سألوه تعليمهم ولم يبتدئهم به)(10).
والجواب عليه: إن النبي (صلى الله عليه وآله) قد يكتفي بسؤالهم في إيراد الأحكام المتعلقة بموضوع المسألة، ولو لم يسألوا لكان قد بادر إلى بيان هذا الحكم الشرعي. وهذه الحالة لها نظائر قرآنية كثيرة أوردها القرآن الكريم بعنوان يسألونك، كما في: (يسألونك عن المحيض)(11)، (يسألونك عن الشهر الحرام)(12)، (يسألونك عن الخمر والميسر)(13)، وغير ذلك، وعلى هذا الادعاء يلزم أن لا يكون لهذه المسائل أحكام شرعية، لو لم يكن يظهر سؤال من الناس عنها، فهل هذا الاستنتاج صحيح؟!!
مـن هـم الآل؟
المقطوع به في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام): إن الآل المقصودين في الصلاة هم (المعصومون من أهل بيته، إذ لا تجب الصلاة على غيرهم)(14) وهذا أشبه ما يكون بضروريات هذا المذهب التي تستغني عن الإثبات والبرهنة، وتؤيده عشرات الأحاديث المروية في المصادر السنّية عن الرسول (صلى الله عليه وآله)، كمسند أحمد، والمستدرك على الصحيحين، والدر المنثور للسيوطي، وكنز العمال، ومجمع الزوائد، حيث تدل جميعاً على أن آل محمد (صلى الله عليه وآله) هم فاطمة وعلي والحسن والحسين(15)، منها ما رواه الإمام أحمد في مسنده، أن النبي (صلى الله عليه وآله) جمع فاطمة وعلياً والحسن والحسين، وألقى عليهم كساءاً، ثم وضع يده على الكساء، ثم قال: (اللهم إن هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وآل محمد إنّك حميد مجيد)(16).
ومع أن وفرة هذه الأحاديث ووضوحها تجعل الأمر مستغنياً عن البحث، إلاّ أننا نجد رغم ذلك ظهور تفاسير غريبة تقول إنهم: أتباعه، أو أُمته، أو الأتباع والرهط والعشيرة، وقيل: قومه، وقيل: أهله الذين حرمت عليهم الصدقة...
ويجيء على مذهب الحسن أن المراد بآل محمد، محمد نفسه!! وهذا من أغرب الآراء!!
وهناك من فسّر الآل بكونهم بني هاشم(17).
وأفضل ما نختم به هذا البحث في هذه النقطة هو ما قاله الفخر الرازي في تفسيره الكبير، حيث كتب يقول: (وأنا أقول: آل محمد (صلى الله عليه وآله) هم الذين يؤول أمرهم إليه، فكل من كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل. ولا شك أنّ فاطمة وعلياً والحسن والحسين (عليهم السلام)، كان التعلق بينهم وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله) أشد التعلقات، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر فوجب أن يكونوا هم الآل، وإن حملناه على الأُمة الذين قبلوا دعوته فهم أيضاً آل، فثبت أن على جميع التقديرات هم الآل.
وأما غيرهم فهل يدخلون تحت لفظ الآل؟ فمختلف فيه، وروى صاحب الكشاف أنّه لما نزلت هذه الآية ـ يقصد آية المودّة ـ قيل يا رسول الله: من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ فقال: (علي وفاطمة وابناهما) فثبت أنّ هؤلاء الأربعة أقارب النبي (صلى الله عليه وآله)، وإذا ثبت هذا وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد من التعظيم ويدل عليه وجوه.
وثاني الوجوه التي ذكرها الفخر الرازي هو: إنّ الدعاء للآل منصب عظيم، ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلاة، وهو قوله : (اللّهم صلِّ على محمّد وآل محمّد وارحم محمداً وآل محمّد) وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير الآل(18).
هذا، وقد كان الفخر الرازي أكّد في تفسيره أنّ صيغة الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) هي: (اللّهم صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد...)(19).
أن المقصود بالصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) هي ما ذكر فيها أهل بيته معه، وأن الصلاة الخالية من ذكرهم (عليهم السلام) صلاة سمّاها الرسول (صلى الله عليه وآله) بالصلاة البتراء، وقد نهى عنها الرسول نفسه، وبالتالي فالفريضة الخالية من ذكرهم (عليهم السلام) كالخالية من ذكره (صلى الله عليه وآله) أصلاً.
وكلتاهما محكوم عليهما بالبطلان، كما قال الإمام الشافعي:
يا آل بــــيـــت رســــــول الله حبّكـــم***فرض مــــــن الله في القــرآن أنزله
كفــــــاكم من عظـــيم القدر إنّكـــــم***من لم يصلِّ عليكم لا صلاة له(20)
أما ذكر غيرهم معه في الصلاة فتكلف واضح لا دليل عليه، والأمر كما قال الفخر الرازي في الصلاة عليهم (عليهم السلام) معه (صلى الله عليه وآله) منصب عظيم خاص بهم دون سائر الناس.
المصادر:
ــــــــــــــــــــــ
5- الخلاف للشيخ الطوسي : 1 / 373، تذكرة الفقهاء : 3 / 233، جواهر الكلام : 10 / 261.
6- صحيح البخاري: 6/217، ح 291، سنن الترمذي: 5/359 ح 3220، والحديث متفق عليه.
7- الأحزاب: 56.
8- الصواعق المحرقة : 225 ط . بيروت.
9- المجموع للإمام النووي : 3/466 ـ 467.
10- المغني لابن قدامة: 1/581، الشرح الكبير : 1 / 581 بهامش المغني ط دار الكتاب العربي.
11- البقرة: 222.
12- البقرة: 217.
13- البقرة: 219.
14- تذكرة الفقهاء : 3/234.
15- قام المرحوم الفيروز آبادي بجمع شطر من هذه الأحاديث في كتابه فضائل الخمسة من الصحاح الستّة : 1/219 ـ 222.
16- مسند أحمد : 6/323.
17- الصواعق المحرقة : 225، انظر كذلك المجموع للنووي : 3/ 466 ط دار الفكر.
18- التفسير الكبير : 27 / 166.
19- المصدر السابق : 25 / 277.
20- الصواعق المحرقة لابن حجر : 228 في تفسير آية (إن الله وملائكته يصلون على النبي...). وقد فسر كلام الشافعي في هذين البيتين، فاحتمل كون المقصود عنده لا صلاة صحيحة فيكون موافقاً لقوله بوجوب الصلاة على الآل مع النبي في الصلاة، واحتمل كون المقصود لا صلاة كاملة ليوافق قوله الأمر في المسألة.
أفلح من صلى على محمد وآل محمد
لقد أجمع فقهاء مذهب أهل البيت (عليهم السلام) على عدم جواز الاكتفاء بذكر النبي (صلى الله عليه وآله) في الصلاة ووجوب ذكر آله معه(5)، مستدلّين على ذلك بأخبار قطعية وردت في تراث الفريقين معاً، كالخبر المشهور في المصادر السنّية، أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) (خرج علينا فقلنا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلّم عليك، فكيف نصلّي عليك؟ قال: (فقولوا اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلّيت على إبراهيم انك حميد مجيد)(6)، وقد أورد مثل هذا النصّ سائر المفسرين عند هذه الآية: (إن الله وملائكته يصلون على النبي...)(7) وفي صيغة الجزم والتأكيد تقف عندما رواه ابن حجر في الصواعق المحرقة، أنه (صلى الله عليه وآله) قال: (لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء، فقالوا: وما الصلاة البتراء؟ قال: تقولون اللهم صلّ على محمد وتمسكون، بل قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد)(8).
ورغم وفرة هذه الأدلّة وكثرتها وتأكيدها على الجمع بين النبيّ وآله، إلاّ أن الفقه السنّي لم يقطع بوجوب الصلاة على الآل، فهناك من أوجب ذكر الآل في الصلاة عليه وهناك من لم يوجبه(9)، محتجّاً بوجوه واهية يأنف القلم الرفيع عن ذكرها، فضلاً عن الاعتقاد بها، كقوله: إن عدم الوجوب أولى لأن (النبي (صلى الله عليه وآله) إنّما أمرهم بهذا ـ يعني ذكر الآل مع النبي ـ حين سألوه تعليمهم ولم يبتدئهم به)(10).
والجواب عليه: إن النبي (صلى الله عليه وآله) قد يكتفي بسؤالهم في إيراد الأحكام المتعلقة بموضوع المسألة، ولو لم يسألوا لكان قد بادر إلى بيان هذا الحكم الشرعي. وهذه الحالة لها نظائر قرآنية كثيرة أوردها القرآن الكريم بعنوان يسألونك، كما في: (يسألونك عن المحيض)(11)، (يسألونك عن الشهر الحرام)(12)، (يسألونك عن الخمر والميسر)(13)، وغير ذلك، وعلى هذا الادعاء يلزم أن لا يكون لهذه المسائل أحكام شرعية، لو لم يكن يظهر سؤال من الناس عنها، فهل هذا الاستنتاج صحيح؟!!
مـن هـم الآل؟
المقطوع به في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام): إن الآل المقصودين في الصلاة هم (المعصومون من أهل بيته، إذ لا تجب الصلاة على غيرهم)(14) وهذا أشبه ما يكون بضروريات هذا المذهب التي تستغني عن الإثبات والبرهنة، وتؤيده عشرات الأحاديث المروية في المصادر السنّية عن الرسول (صلى الله عليه وآله)، كمسند أحمد، والمستدرك على الصحيحين، والدر المنثور للسيوطي، وكنز العمال، ومجمع الزوائد، حيث تدل جميعاً على أن آل محمد (صلى الله عليه وآله) هم فاطمة وعلي والحسن والحسين(15)، منها ما رواه الإمام أحمد في مسنده، أن النبي (صلى الله عليه وآله) جمع فاطمة وعلياً والحسن والحسين، وألقى عليهم كساءاً، ثم وضع يده على الكساء، ثم قال: (اللهم إن هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وآل محمد إنّك حميد مجيد)(16).
ومع أن وفرة هذه الأحاديث ووضوحها تجعل الأمر مستغنياً عن البحث، إلاّ أننا نجد رغم ذلك ظهور تفاسير غريبة تقول إنهم: أتباعه، أو أُمته، أو الأتباع والرهط والعشيرة، وقيل: قومه، وقيل: أهله الذين حرمت عليهم الصدقة...
ويجيء على مذهب الحسن أن المراد بآل محمد، محمد نفسه!! وهذا من أغرب الآراء!!
وهناك من فسّر الآل بكونهم بني هاشم(17).
وأفضل ما نختم به هذا البحث في هذه النقطة هو ما قاله الفخر الرازي في تفسيره الكبير، حيث كتب يقول: (وأنا أقول: آل محمد (صلى الله عليه وآله) هم الذين يؤول أمرهم إليه، فكل من كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل. ولا شك أنّ فاطمة وعلياً والحسن والحسين (عليهم السلام)، كان التعلق بينهم وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله) أشد التعلقات، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر فوجب أن يكونوا هم الآل، وإن حملناه على الأُمة الذين قبلوا دعوته فهم أيضاً آل، فثبت أن على جميع التقديرات هم الآل.
وأما غيرهم فهل يدخلون تحت لفظ الآل؟ فمختلف فيه، وروى صاحب الكشاف أنّه لما نزلت هذه الآية ـ يقصد آية المودّة ـ قيل يا رسول الله: من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ فقال: (علي وفاطمة وابناهما) فثبت أنّ هؤلاء الأربعة أقارب النبي (صلى الله عليه وآله)، وإذا ثبت هذا وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد من التعظيم ويدل عليه وجوه.
وثاني الوجوه التي ذكرها الفخر الرازي هو: إنّ الدعاء للآل منصب عظيم، ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلاة، وهو قوله : (اللّهم صلِّ على محمّد وآل محمّد وارحم محمداً وآل محمّد) وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير الآل(18).
هذا، وقد كان الفخر الرازي أكّد في تفسيره أنّ صيغة الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) هي: (اللّهم صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد...)(19).
أن المقصود بالصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) هي ما ذكر فيها أهل بيته معه، وأن الصلاة الخالية من ذكرهم (عليهم السلام) صلاة سمّاها الرسول (صلى الله عليه وآله) بالصلاة البتراء، وقد نهى عنها الرسول نفسه، وبالتالي فالفريضة الخالية من ذكرهم (عليهم السلام) كالخالية من ذكره (صلى الله عليه وآله) أصلاً.
وكلتاهما محكوم عليهما بالبطلان، كما قال الإمام الشافعي:
يا آل بــــيـــت رســــــول الله حبّكـــم***فرض مــــــن الله في القــرآن أنزله
كفــــــاكم من عظـــيم القدر إنّكـــــم***من لم يصلِّ عليكم لا صلاة له(20)
أما ذكر غيرهم معه في الصلاة فتكلف واضح لا دليل عليه، والأمر كما قال الفخر الرازي في الصلاة عليهم (عليهم السلام) معه (صلى الله عليه وآله) منصب عظيم خاص بهم دون سائر الناس.
المصادر:
ــــــــــــــــــــــ
5- الخلاف للشيخ الطوسي : 1 / 373، تذكرة الفقهاء : 3 / 233، جواهر الكلام : 10 / 261.
6- صحيح البخاري: 6/217، ح 291، سنن الترمذي: 5/359 ح 3220، والحديث متفق عليه.
7- الأحزاب: 56.
8- الصواعق المحرقة : 225 ط . بيروت.
9- المجموع للإمام النووي : 3/466 ـ 467.
10- المغني لابن قدامة: 1/581، الشرح الكبير : 1 / 581 بهامش المغني ط دار الكتاب العربي.
11- البقرة: 222.
12- البقرة: 217.
13- البقرة: 219.
14- تذكرة الفقهاء : 3/234.
15- قام المرحوم الفيروز آبادي بجمع شطر من هذه الأحاديث في كتابه فضائل الخمسة من الصحاح الستّة : 1/219 ـ 222.
16- مسند أحمد : 6/323.
17- الصواعق المحرقة : 225، انظر كذلك المجموع للنووي : 3/ 466 ط دار الفكر.
18- التفسير الكبير : 27 / 166.
19- المصدر السابق : 25 / 277.
20- الصواعق المحرقة لابن حجر : 228 في تفسير آية (إن الله وملائكته يصلون على النبي...). وقد فسر كلام الشافعي في هذين البيتين، فاحتمل كون المقصود عنده لا صلاة صحيحة فيكون موافقاً لقوله بوجوب الصلاة على الآل مع النبي في الصلاة، واحتمل كون المقصود لا صلاة كاملة ليوافق قوله الأمر في المسألة.
أفلح من صلى على محمد وآل محمد
تعليق