تحريف وقائع عاشوراء
[FONT='Arial','sans-serif'] استهدفت نهضة الإمام الحسين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنقاذ الإسلام ومحاربة الطغيان والتسلط ، ولا شك إن للتطلعات الكبرى أهداف سياسة واجتماعية ، وهذا التشجيع الذي يدعو إلى البكاء على سيد الشهداء ، والعزاء على سيد المظلومين إنما يرمي إلى الحفاظ على مدرسة الجهاد والشهادة وصيانة القيم ، ولكن مما يبعث على الأسف أن الكثير من التحريف قد طرأ على هذه الواقعة سواء فيما يتعلق بأهدافها ودوافعها ، أم فيما يخص الشخصيات البارزة التي شاركت في صنع تلك الملحمة ، أم في منهجها وتوجهاتها .[/FONT]
بعض التحريف لواقعة عاشوراء استهدف محتواها ، والبعض الآخر تعرض لصورتها الظاهرية وشخصياتها ؛ فبعض الكتب التي كتبت تحت عنوان المقتل ، والمجالس التي تعقد لإحياء ذكرى عاشوراء والتي تبدو وكأنها قد وضعت لمجرد إبكاء المستمعين ، امتزجت بالأخبار الضعيفة وغير المسندة ، حتى الكاذبة .
إن المحبوبية التي حظيت بها شخصيات عاشوراء في قلوب الناس دفعت إلى نقل أحداث تلك الملحمة بكثير من الغلو والمبالغة غير المعقولة ، والبعد عن الصدق . فأضيفت أرقام إلى عدد القتلى ، ونقلت بعض الحوادث المأسوية ظاهريا ، بمزيد من التهويل والغلو .
وانحدر الدافع من وراء تلك الملحمة الدموية حتى إلى درجة " القتل لغرض الشفاعة لذنوب الآمة " أحيانا . وبدت مواقف الإمام الحسين ، وزينب ، والإمام السجاد والأطفال ، أهل البيت بصورة العجز والذلة والحقارة والمهانة إمام بعض الفساق من أمثال يزيد ، وعمر بن سعد ، وابن زياد ، وشمر . وتبدّلت الإرادة الكبرى للإمام في ساحة القتال هذه – والتي تلخصت برفض البيعة للحكومة الجائرة – تبدلت إلى طلب جرعة من الماء لشفاهه الذابلة ، أو لفم طفله الرضيع . وعرضت في مجالس العزاء أشعار وقصائد تصوّر زينب والإمام السجاد ومسلم بن عقيل بصورة تتنافى مع الروح السامية ، والنفس الأبية لسلالة العزة والشرف .
وحتى الخصومة المتأصلة عند بني أمية ضد الدين والوحي والنبوة ، تحولت إلى عداء شخصي بين الحسين ويزيد ، وتقلصت رسالة مناصرة الجبهة الحسينية الواسعة على طول التاريخ إلى مجرد البكاء على عطش ومظلومية أصحاب الكساء . وصار يُعرض جسم الحسين المبضّع قبل استعراض أفكاره واستقراء منهجه . وحتى المناوئين لأصل فكرة إقامة العزاء على الشهداء صاروا ممن يدعو لحرية تلك الشعائر ويُروّج لها ، ولكن إذا اقترنت بمسخ حقيقة عاشوراء وفلسفة ثورة كر بلاء ؛ بحيث لا يتعارض برنامجها مع حكومات الجور والفسق. وكان هذا أكبر تحريف لمحتوى الثورة ، في حين إن ثورة التوابين إنما تبلورت بعد البكاء على مزار شهداء كر بلاء وذكر مظلومية الإمام الحسين .
وثار الشيعة في كر بلاء بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي مستلهمين مبادئ ثورتهم من ثورة الطف . وعاشوراء في حقيقته كان يفرض تكليفا على كل مسلم ، ولا يعني أبدا إن الإمام أدى واجبا خاصا به وانتهى الأمر .
إن الاعتقاد بشفاعة سيد الشهداء ، والإيمان بثواب البكاء عليه بالنتائج الحسنة المترتبة على محبة أهل البيت صحيحة كلها . إلا أن طرح هذه الأمور من جانب واحد جعل الكثير من محبي آهل البيت لا يرون أي تعارض بين البكاء على الحسين ، وارتكاب المعاصي وهضم حق الناس وإهمال الفرائض الدينية ، أملهم في ذلك هو الحسين عليه السلام حتى وان غرقوا في الآثام .
كانت للإمام السجاد عليه السلام تلك الروح الحسينية والشجاعة العلوية ذاتها ، وقضت المصلحة الربانية أن يمرض في عاشوراء ويفقد القدرة على القتال، إلا إن هذه الحقيقة حرّفت حتى سمّي في الأخبار "بالإمام المريض " وصُوّر في أذهان الناس وكأنه رجل نحيف ممتقع اللون أصفر الوجه نحيل ويتوكّأ على العصا ، بل واختلفت أمور لا أساس لها من الصحّة من قبيل حجرة زواج القاسم في ليلة عاشوراء ، لأجل استدرار دموع الحاضرين في مجالس العزاء ، وتسللت أمثال هذه التلفيقات إلى كتب المقاتل والمراثي، وفتح باب القضايا تحت عنوان الرؤيا (الصادقة أم الكاذبة) وتم تناقلها من فم إلى فم حتى أضحت تدريجيا وكأنها أمر صحيح وبديهي لاغبارعليه .
إن واجب الواعين والمتصدين لهذه القضايا هو التبيان الصحيح لماهية الثورة الحسينية ، وعرض المقاتل والمراثي والخطب الصحيحة التي تنقل من مصادر موثوقة، وكذلك الوقوف دون قراءة المراثي الكاذبة، ومنع قراء المراثي الجاهلين ، والمداحين المتكسّبين والوعاظ الأميين من نقل أمثال هذه الأكاذيب والتحريفات .
[FONT='Arial','sans-serif'] [/FONT]
[FONT='Arial','sans-serif'] تم في العقدين الآخرين تأليف كتب قيمة في تحليل ماهية وأهداف الثورة الحسينية، ونظمت أشعار ذات مغزى ومتطابقة مع روح عاشوراء . وأشارت بعض الكتب إلى التحريفات التي وقعت في نقل وقائعها وحقيقتها سواء في اللفظ أم في المضمون[/FONT][FONT='Arial','sans-serif']( نوصي في هذا الصدد بمطالعة كتاب: "الملحمة الحسينية" للشهيد المطهري كما يمكن مراجعة كتاب "اللؤلؤ والمرجان" للمحدث النوري الذي نقل فيه أمثله كثيرة للأخبار الكاذبة ، والحوادث المختلفة التي جاءت على ألسنة قرّاء المراثي وفي الأشعار بشأن وقائع الطف ، التي أوردها في باب ضرورة اجتناب الكذب ، والتزام الصدق في الكلام ، ويمكن أيضا مراجعة كتاب "التنزيه لإعمال الشبيه" الذي أورد السيد محسن الأمين خلاصة له في كتاب "أعيان الشيعة 373:10" فما بعدها ، وكتاب "إكسير السعادة في أسرار الشهادة" للسيد عبد الحسين اللاري، و"الآيات البينات في قمع البدع والضلالات" لكاشف الغطاء) [/FONT]
[FONT='Arial','sans-serif'] استهدفت نهضة الإمام الحسين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنقاذ الإسلام ومحاربة الطغيان والتسلط ، ولا شك إن للتطلعات الكبرى أهداف سياسة واجتماعية ، وهذا التشجيع الذي يدعو إلى البكاء على سيد الشهداء ، والعزاء على سيد المظلومين إنما يرمي إلى الحفاظ على مدرسة الجهاد والشهادة وصيانة القيم ، ولكن مما يبعث على الأسف أن الكثير من التحريف قد طرأ على هذه الواقعة سواء فيما يتعلق بأهدافها ودوافعها ، أم فيما يخص الشخصيات البارزة التي شاركت في صنع تلك الملحمة ، أم في منهجها وتوجهاتها .[/FONT]
بعض التحريف لواقعة عاشوراء استهدف محتواها ، والبعض الآخر تعرض لصورتها الظاهرية وشخصياتها ؛ فبعض الكتب التي كتبت تحت عنوان المقتل ، والمجالس التي تعقد لإحياء ذكرى عاشوراء والتي تبدو وكأنها قد وضعت لمجرد إبكاء المستمعين ، امتزجت بالأخبار الضعيفة وغير المسندة ، حتى الكاذبة .
إن المحبوبية التي حظيت بها شخصيات عاشوراء في قلوب الناس دفعت إلى نقل أحداث تلك الملحمة بكثير من الغلو والمبالغة غير المعقولة ، والبعد عن الصدق . فأضيفت أرقام إلى عدد القتلى ، ونقلت بعض الحوادث المأسوية ظاهريا ، بمزيد من التهويل والغلو .
وانحدر الدافع من وراء تلك الملحمة الدموية حتى إلى درجة " القتل لغرض الشفاعة لذنوب الآمة " أحيانا . وبدت مواقف الإمام الحسين ، وزينب ، والإمام السجاد والأطفال ، أهل البيت بصورة العجز والذلة والحقارة والمهانة إمام بعض الفساق من أمثال يزيد ، وعمر بن سعد ، وابن زياد ، وشمر . وتبدّلت الإرادة الكبرى للإمام في ساحة القتال هذه – والتي تلخصت برفض البيعة للحكومة الجائرة – تبدلت إلى طلب جرعة من الماء لشفاهه الذابلة ، أو لفم طفله الرضيع . وعرضت في مجالس العزاء أشعار وقصائد تصوّر زينب والإمام السجاد ومسلم بن عقيل بصورة تتنافى مع الروح السامية ، والنفس الأبية لسلالة العزة والشرف .
وحتى الخصومة المتأصلة عند بني أمية ضد الدين والوحي والنبوة ، تحولت إلى عداء شخصي بين الحسين ويزيد ، وتقلصت رسالة مناصرة الجبهة الحسينية الواسعة على طول التاريخ إلى مجرد البكاء على عطش ومظلومية أصحاب الكساء . وصار يُعرض جسم الحسين المبضّع قبل استعراض أفكاره واستقراء منهجه . وحتى المناوئين لأصل فكرة إقامة العزاء على الشهداء صاروا ممن يدعو لحرية تلك الشعائر ويُروّج لها ، ولكن إذا اقترنت بمسخ حقيقة عاشوراء وفلسفة ثورة كر بلاء ؛ بحيث لا يتعارض برنامجها مع حكومات الجور والفسق. وكان هذا أكبر تحريف لمحتوى الثورة ، في حين إن ثورة التوابين إنما تبلورت بعد البكاء على مزار شهداء كر بلاء وذكر مظلومية الإمام الحسين .
وثار الشيعة في كر بلاء بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي مستلهمين مبادئ ثورتهم من ثورة الطف . وعاشوراء في حقيقته كان يفرض تكليفا على كل مسلم ، ولا يعني أبدا إن الإمام أدى واجبا خاصا به وانتهى الأمر .
إن الاعتقاد بشفاعة سيد الشهداء ، والإيمان بثواب البكاء عليه بالنتائج الحسنة المترتبة على محبة أهل البيت صحيحة كلها . إلا أن طرح هذه الأمور من جانب واحد جعل الكثير من محبي آهل البيت لا يرون أي تعارض بين البكاء على الحسين ، وارتكاب المعاصي وهضم حق الناس وإهمال الفرائض الدينية ، أملهم في ذلك هو الحسين عليه السلام حتى وان غرقوا في الآثام .
كانت للإمام السجاد عليه السلام تلك الروح الحسينية والشجاعة العلوية ذاتها ، وقضت المصلحة الربانية أن يمرض في عاشوراء ويفقد القدرة على القتال، إلا إن هذه الحقيقة حرّفت حتى سمّي في الأخبار "بالإمام المريض " وصُوّر في أذهان الناس وكأنه رجل نحيف ممتقع اللون أصفر الوجه نحيل ويتوكّأ على العصا ، بل واختلفت أمور لا أساس لها من الصحّة من قبيل حجرة زواج القاسم في ليلة عاشوراء ، لأجل استدرار دموع الحاضرين في مجالس العزاء ، وتسللت أمثال هذه التلفيقات إلى كتب المقاتل والمراثي، وفتح باب القضايا تحت عنوان الرؤيا (الصادقة أم الكاذبة) وتم تناقلها من فم إلى فم حتى أضحت تدريجيا وكأنها أمر صحيح وبديهي لاغبارعليه .
إن واجب الواعين والمتصدين لهذه القضايا هو التبيان الصحيح لماهية الثورة الحسينية ، وعرض المقاتل والمراثي والخطب الصحيحة التي تنقل من مصادر موثوقة، وكذلك الوقوف دون قراءة المراثي الكاذبة، ومنع قراء المراثي الجاهلين ، والمداحين المتكسّبين والوعاظ الأميين من نقل أمثال هذه الأكاذيب والتحريفات .
[FONT='Arial','sans-serif'] [/FONT]
[FONT='Arial','sans-serif'] تم في العقدين الآخرين تأليف كتب قيمة في تحليل ماهية وأهداف الثورة الحسينية، ونظمت أشعار ذات مغزى ومتطابقة مع روح عاشوراء . وأشارت بعض الكتب إلى التحريفات التي وقعت في نقل وقائعها وحقيقتها سواء في اللفظ أم في المضمون[/FONT][FONT='Arial','sans-serif']( نوصي في هذا الصدد بمطالعة كتاب: "الملحمة الحسينية" للشهيد المطهري كما يمكن مراجعة كتاب "اللؤلؤ والمرجان" للمحدث النوري الذي نقل فيه أمثله كثيرة للأخبار الكاذبة ، والحوادث المختلفة التي جاءت على ألسنة قرّاء المراثي وفي الأشعار بشأن وقائع الطف ، التي أوردها في باب ضرورة اجتناب الكذب ، والتزام الصدق في الكلام ، ويمكن أيضا مراجعة كتاب "التنزيه لإعمال الشبيه" الذي أورد السيد محسن الأمين خلاصة له في كتاب "أعيان الشيعة 373:10" فما بعدها ، وكتاب "إكسير السعادة في أسرار الشهادة" للسيد عبد الحسين اللاري، و"الآيات البينات في قمع البدع والضلالات" لكاشف الغطاء) [/FONT]