حدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ بْنِ مُوسَى التَّلَّعُكْبَرِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ الْفَزَارِيُّ الْكُوفِيُّ، قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سِنَانٍ الصَّيْرَفِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَلِيٍّ الْحُوَارِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْكَانَ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ الْجُعْفِيِّ، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ:
لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وَ وَرَدَ نَعْيُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَ وَرَدَ الْأَخْبَارُ بِجَزِّ رَأْسِهِ وَ حَمْلِهِ إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَ قَتْلِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَ ثَلَاثٍ وَ خَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ شِيعَتِهِ، وَ قَتْلِ عَلِيٍّ ابْنِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ هُوَ طِفْلٌ بِنُشَّابَةٍ، وَ سَبْيِ ذَرَارِيِّهِ أُقِيمَتِ الْمَآتِمُ عِنْدَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّىاللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي مَنْزِلِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَ فِي دُورِ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ،
قَالَ: فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ صَارِخاً مِنْ دَارِهِ لَاطِماً وَجْهَهُ شَاقّاً جَيْبَهُ يَقُولُ يَا مَعْشَرَ بَنِي هَاشِمٍ وَ قُرَيْشٍ وَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ يُسْتَحَلُّ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (ص) فِي أَهْلِهِ وَ ذُرِّيَّتِهِ وَ أَنْتُمْ أَحْيَاءٌ تُرْزَقُونَ لَا قَرَارَ دُونَ يَزِيدَ، وَ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ تَحْتَ لَيْلِهِ، لَا يَرِدُ مَدِينَةً إِلَّا صَرَخَ فِيهَا وَ اسْتَنْفَرَ أَهْلَهَا عَلَى يَزِيدَ، وَ أَخْبَارُهُ يُكْتَبُ بِهَا إِلَى يَزِيدَ، فَلَمْ يَمُرَّ بِمَلَإٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا لَعَنَهُ وَ سَمِعَ كَلَامَهُ، وَ قَالُوا هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ابْنُ خَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ (ص) وَ هُوَ يُنْكِرُ فِعْلَ يَزِيدَ بِأَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ يَسْتَنْفِرُ النَّاسَ عَلَى يَزِيدَ، وَ إِنَّ مَنْ لَمْ يُجِبْهُ لَا دِينَ لَهُ وَ لَا إِسْلَامَ، وَ اضْطَرَبَ الشَّامُ بِمَنْ فِيهِ، وَ وَرَدَ دِمَشْقَ وَ أَتَى بَابَ اللَّعِينِ يَزِيدَ فِي خَلْقٍ مِنَ النَّاسِ يَتْلُونَهُ، فَدَخَلَ آذِنُيَزِيدَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ بِوُرُودِهِ وَ يَدُهُ عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ وَ النَّاسُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ قُدَّامَهُ وَ وَرَاءَهُ، فَقَالَ يَزِيدُ فَوْرَةٌ مِنْ فَوْرَاتِ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَ عَنْ قَلِيلٍ يُفِيقُ مِنْهَا، فَأَذِنَ لَهُ وَحْدَهُ فَدَخَلَ صَارِخاً يَقُولُ لَا أَدْخُلُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ قَدْ فَعَلْتَ بِأَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَا لَوْ تَمَكَّنَتِ التُّرْكُ وَ الرُّومُ مَا اسْتَحَلُّوا مَا اسْتَحْلَلْتَ، وَ لَا فَعَلُوا مَا فَعَلْتَ، قُمْ عَنْ هَذَا الْبِسَاطِ حَتَّى يَخْتَارَ الْمُسْلِمُونَ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْكَ، فَرَحَّبَ بِهِ يَزِيدُ وَ تَطَاوَلَ لَهُ وَ ضَمَّهُ إِلَيْهِ وَ قَالَ لَهُ:
يَا أَبَا مُحَمَّدٍ اسْكُنْ مِنْ فَوْرَتِكَ، وَ اعْقِلْ، وَ انْظُرْ بِعَيْنِكَ وَ اسْمَعْ بِأُذُنِكَ، مَا تَقُولُ فِي أَبِيكَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَ كَانَ هَادِياً مَهْدِيّاً خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ (ص) وَ نَاصِرَهُ وَ مُصَاهِرَهُ بِأُخْتِكَ حَفْصَةَ، وَ الَّذِي قَالَ لَا يُعْبَدُ اللَّهُ سِرّاً.
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ :
هُوَ كَمَا وَصَفْتَ، فَأَيَّ شَيْءٍ تَقُولُ فِيهِ.
قَالَأَبُوكَ قَلَّدَ أَبِي أَمْرَ الشَّامِ أَمْ أَبِي قَلَّدَ أَبَاكَ خِلَافَةَ رَسُولِ اللَّهِ (ص).فَقَالَ أَبِي قَلَّدَ أَبَاكَ الشَّامَ.
قَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍأَ فَتَرْضَى بِهِ وَ بِعَهْدِهِ إِلَى أَبِي أَوْ مَا تَرْضَاهُ.
قَالَ بَلْ أَرْضَى.
قَالَ أَ فَتَرْضَى بِأَبِيكَ.
قَالَ نَعَمْ، فَضَرَبَ يَزِيدُ بِيَدِهِ عَلَى يَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَ قَالَ لَهُ قُمْ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ حَتَّى تَقْرَأَ،
فَقَامَ مَعَهُ حَتَّى وَرَدَ خِزَانَةً مِنْ خَزَائِنِهِ، فَدَخَلَهَا وَ دَعَا بِصُنْدُوقٍ فَفَتَحَهُ وَ اسْتَخْرَجَ مِنْهُ تَابُوتاً مُقَفَّلًا مَخْتُوماً فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ طُومَاراً لَطِيفاً فِي خِرْقَةِ حَرِيرٍ سَوْدَاءَ، فَأَخَذَ الطُّومَارَ بِيَدِهِ وَ نَشَرَهُ، ثُمَّ قَالَ :
يَا أَبَا مُحَمَّدٍ هَذَا خَطُّ أَبِيكَ.
قَالَ إِي وَ اللَّهِ..
فَأَخَذَهُ مِنْ يَدِهِ فَقَبَّلَهُ، فَقَالَ لَهُ اقْرَأْ، فَقَرَأَهُ ابْنُ عُمَرَ، فَإِذَا فِيهِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِنَّ الَّذِي أَكْرَهَنَا بِالسَّيْفِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ فَأَقْرَرْنَا، وَ الصُّدُورُ وَغْرَةٌ، وَ الْأَنْفُسُ وَاجِفَةٌ، وَ النِّيَّاتُ وَ الْبَصَائِرُ شَائِكَةٌ مِمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ جَحْدِنَا مَا دَعَانَا إِلَيْهِ وَ أَطَعْنَاهُ فِيهِ رَفْعاً لِسُيُوفِهِ عَنَّا، وَ تَكَاثُرِهِ بِالْحَيِّ عَلَيْنَا مِنَ الْيَمَنِ، وَ تَعَاضُدِ مَنْ سَمِعَ بِهِ مِمَّنْ تَرَكَ دِينَهُ وَ مَا كَانَ عَلَيْهِ آبَاؤُهُ فِي قُرَيْشٍ، فَبِهُبَلَ أُقْسِمُ وَ الْأَصْنَامِ وَ الْأَوْثَانِ وَ اللَّاتِ وَ الْعُزَّى مَا جَحَدَهَا عُمَرُ مُذْ عَبَدَهَا وَ لَا عَبَدَ لِلْكَعْبَةِ رَبّاً وَ لَا صَدَّقَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَوْلًا، وَ لَا أَلْقَى السَّلَامَ إِلَّا لِلْحِيلَةِ عَلَيْهِ وَ إِيقَاعِ الْبَطْشِ بِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ أَتَانَا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ، وَ زَادَ فِي سِحْرِهِ عَلَى سِحْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَ مُوسَى وَ هَارُونَ وَ دَاوُدَ وَ سُلَيْمَانَ وَ ابْنِ أُمِّهِ عِيسَى، وَ لَقَدْ أَتَانَا بِكُلِّ مَا أَتَوْا بِهِ مِنَ السِّحْرِ وَ زَادَ عَلَيْهِمْ مَا لَوْ أَنَّهُمْ شَهِدُوهُ لَأَقَرُّوا لَهُ بِأَنَّهُ سَيِّدُ السَّحَرَةِ، فَخُذْ يَا ابْنَ أَبِي سُفْيَانَ سُنَّةَقَوْمِكَ وَ اتِّبَاعَ مِلَّتِكَ وَ الْوَفَاءَ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُكَ مِنْ جَحْدِ هَذِهِ الْبَنِيَّةِ الَّتِي يَقُولُونَ إِنَّ لَهَا رَبّاً أَمَرَهُمْ بِإِتْيَانِهَا وَ السَّعْيِ حَوْلَهَا وَ جَعَلَهَا لَهُمْ قِبْلَةً فَأَقَرُّوا بِالصَّلَاةِ وَ الْحَجِّ الَّذِي جَعَلُوهُ رُكْناً، وَ زَعَمُوا أَنَّهُ لِلَّهِ اخْتَلَقُوا، فَكَانَ مِمَّنْ أَعَانَ مُحَمَّداً مِنْهُمْ هَذَا الْفَارِسِيُّ الطمطاني [الطُّمْطُمَانِيُ] رُوزْبِهُ، وَ قَالُوا إِنَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدىً لِلْعالَمِينَ، وَ قَوْلُهُمْ قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ، وَ جَعَلُوا صَلَاتَهُمْ لِلْحِجَارَةِ، فَمَا الَّذِي أَنْكَرَهُ عَلَيْنَا لَوْ لَا سِحْرُهُ مِنْ عِبَادَتِنَا لِلْأَصْنَامِ وَ الْأَوْثَانِ وَ اللَّاتِ وَ الْعُزَّى وَ هِيَ مِنَ الْحِجَارَةِ وَ الْخَشَبِ وَ النُّحَاسِ وَ الْفِضَّةِ وَ الذَّهَبِ، لَا وَ اللَّاتِ وَ الْعُزَّى مَا وَجَدْنَا سَبَباً لِلْخُرُوجِ عَمَّا عِنْدَنَا وَ إِنْ سَحَرُوا وَ مَوَّهُوا، فَانْظُرْ بِعَيْنٍ مُبْصِرَةٍ، وَ اسْمَعْ بِأُذُنٍ وَاعِيَةٍ، وَ تَأَمَّلْ بِقَلْبِكَ وَ عَقْلِكَ مَا هُمْ فِيهِ، وَ اشْكُرِاللَّاتَ وَ الْعُزَّى وَ اسْتِخْلَافَ السَّيِّدِ الرَّشِيدِ عَتِيقِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ وَ تَحَكُّمَهُ فِي أَمْوَالِهِمْ وَ دِمَائِهِمْ وَ شَرِيعَتِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ وَ حَلَالِهِمْ وَ حَرَامِهِمْ، وَ جِبَايَاتِ الْحُقُوقِ الَّتِي زَعَمُوا أَنَّهُمْيَجْبُونَهَا لِرَبِّهِمْ لِيُقِيمُوا بِهَا أَنْصَارَهُمْ وَ أَعْوَانَهُمْ، فَعَاشَ شَدِيداً رَشِيداً يَخْضَعُ جَهْراً وَ يَشْتَدُّ سِرّاً، وَ لَا يَجِدُ حِيلَةً غَيْرَ مُعَاشَرَةِ الْقَوْمِ، وَ لَقَدْ وَثَبْتُ وَثْبَةً عَلَى شِهَابِ بَنِي هَاشِمٍ الثَّاقِبِ، وَ قَرْنِهَا الزَّاهِرِ، وَ عَلَمِهَا النَّاصِرِ، وَ عِدَّتِهَا وَ عُدَدِهَا الْمُسَمَّى بِحَيْدَرَةَ الْمُصَاهِرِ لِمُحَمَّدٍ عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي جَعَلُوهَا سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ يُسَمُّونَهَا فَاطِمَةَ، حَتَّى أَتَيْتُ دَارَ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ ابْنَيْهِمَا الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ وَ ابْنَتَيْهِمَا زَيْنَبَ وَ أُمِّ كُلْثُومٍ، وَ الْأَمَةِ الْمَدْعُوَّةِ بِفِضَّةَ، وَ مَعِي خَالِدُ بْنُ وَلِيدٍ وَ قُنْفُذٌ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ وَ مَنْ صَحِبَ مِنْ خَواصِّنَا، فَقَرَعْتُ الْبَابَ عَلَيْهِمْ قَرْعاً شَدِيداً، فَأَجَابَتْنِي الْأَمَةُ، فَقُلْتُ لَهَا قُولِي لِعَلِيٍّ دَعِ الْأَبَاطِيلَ وَ لَا تَلِجْ نَفْسَكَ إِلَى طَمَعِ الْخِلَافَةِ، فَلَيْسَ الْأَمْرُ لَكَ، الْأَمْرُ لِمَنِ اخْتَارَهُ الْمُسْلِمُونَ وَ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، وَ رَبِّاللَّاتِ وَ الْعُزَّى لَوْ كَانَ الْأَمْرُ وَ الرَّأْيُ لِأَبِي بَكْرٍ لَفَشِلَ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى مَا وَصَلَ إِلَيْهِ مِنْ خِلَافَةِ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، لَكِنِّي أَبْدَيْتُ لَهَا صَفْحَتِي، وَ أَظْهَرْتُ لَهَا بَصَرِي، وَ قُلْتُ لِلْحَيَّيْنِ نِزَارٍ وَ قَحْطَانَ بَعْدَ أَنْ قُلْتُ لَهُمْ لَيْسَ الْخِلَافَةُ إِلَّا فِي قُرَيْشٍ، فَأَطِيعُوهُمْ مَا أَطَاعُوا اللَّهَ، وَ إِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ لِمَا سَبَقَ مِنِ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ وُثُوبِهِ وَ اسْتِيثَارِهِ بِالدِّمَاءِ الَّتِي سَفَكَهَا فِي غَزَوَاتِ مُحَمَّدٍ وَ قَضَاءِ دُيُونِهِ، وَ هِيَ ثَمَانُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَ إِنْجَازِ عِدَاتِهِ، وَ جَمْعِ الْقُرْآنِ، فَقَضَاهَا عَلَى تَلِيدِهِ وَ طَارِفِهِ، وَ قَوْلِ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ لَمَّا قُلْتُ إِنَّ الْإِمَامَةَ فِي قُرَيْشٍ قَالُوا هُوَ الْأَصْلَعُ الْبَطِينُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الَّذِي أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) الْبَيْعَةَ لَهُ عَلَى أَهْلِ مِلَّتِهِ، وَ سَلَّمْنَا لَهُ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاطِنَ، فَإِنْ كُنْتُمْ نَسِيتُمُوهَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ فَمَا نَسِينَاهَا وَ لَيْسَتِ الْبَيْعَةُ وَ لَا الْإِمَامَةُ وَ الْخِلَافَةُ وَ الْوَصِيَّةُ إِلَّا حَقّاً مَفْرُوضاً، وَ أَمْراً صَحِيحاً، لَا تَبَرُّعاً وَ لَا ادِّعَاءًفَكَذَّبْنَاهُمْ، وَ أَقَمْتُ أَرْبَعِينَ رَجُلًا شَهِدُوا عَلَى مُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِمَامَةَ بِالِاخْتِيَارِ. فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ الْأَنْصَارُ نَحْنُ أَحَقُّ مِنْ قُرَيْشٍ، لِأَنَّا آوَيْنَا وَ نَصَرْنَا وَ هَاجَرَ النَّاسُ إِلَيْنَا، فَإِذَا كَانَ دَفْعُ مَنْ كَانَ الْأَمْرُ لَهُ فَلَيْسَ هَذَا الْأَمْرُ لَكُمْ دُونَنَا، وَ قَالَ قَوْمٌ مِنَّا أَمِيرٌ وَ مِنْكُمْ أَمِيرٌ. قُلْنَا لَهُمْ قَدْ شَهِدُوا أَرْبَعُونَ رَجُلًا أَنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَبِلَ قَوْمٌ وَ أَنْكَرَ آخَرُونَ وَ تَنَازَعُوا، فَقُلْتُ وَ الْجَمْعُ يَسْمَعُونَأَلَا أَكْبَرُنَا سِنّاً وَ أَكْثَرُنَا لِيناً. قَالُوا فَمَنْ تَقُولُ. قُلْتُ أَبُو بَكْرٍ الَّذِي قَدَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ (ص) فِي الصَّلَاةِ، وَ جَلَسَ مَعَهُ فِي الْعَرِيشِ يَوْمَ بَدْرٍ يُشَاوِرُهُ وَ يَأْخُذُ بِرَأْيِهِ، وَ كَانَ صَاحِبَهُ فِي الْغَارِ، وَ زَوْجَ ابْنَتِهِ عَائِشَةَ الَّتِي سَمَّاهَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ،
فَأَقْبَلَ بَنُو هَاشِمٍ يَتَمَيَّزُونَ غَيْظاً، وَ عَاضَدَهُمُ الزُّبَيْرُ وَ سَيْفُهُ مَشْهُورٌ وَ قَالَ لَا يُبَايَعُ إِلَّا عَلِيٌّ أَوْ لَا أَمْلِكُ رَقَبَةَ قَائِمَةِ سَيْفِي هَذَا، فَقُلْتُ يَا زُبَيْرُ صَرَخَتْكَ سَكَنٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، أُمُّكَ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ ذَلِكَ وَ اللَّهِ الشَّرَفُ الْبَاذِخُ وَ الْفَخْرُ الْفَاخِرُ، يَا ابْنَ حَنْتَمَةَ وَ يَا ابْنَ صُهَاكَ اسْكُتْ لَا أُمَّ لَكَ، فَقَالَ قَوْلًا فَوَثَبَ أَرْبَعُونَ رَجُلًا مِمَّنْ حَضَرَ سَقِيفَةَ بَنِي سَاعِدَةَ عَلَى الزُّبَيْرِ، فَوَ اللَّهِ مَا قَدَرْنَا عَلَى أَخْذِ سَيْفِهِ مِنْ يَدِهِ حَتَّى وَسَّدْنَاهُ الْأَرْضَ، وَ لَمْ نَرَ لَهُ عَلَيْنَا نَاصِراً، فَوَثَبْتُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَصَافَحْتُهُ وَ عَاقَدْتُهُ الْبَيْعَةَ وَ تَلَانِي عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَ سَائِرُ مَنْ حَضَرَ غَيْرَ الزُّبَيْرِ، وَ قُلْنَا لَهُ بَايِعْ أَوْ نَقْتُلَكَ، ثُمَّ كَفَفْتُ عَنْهُ النَّاسَ، فَقُلْتُ لَهُ أَمْهِلُوهُ، فَمَا غَضِبَ إِلَّا نَخْوَةً لِبَنِي هَاشِمٍ، وَ أَخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ بِيَدِهِ فَأَقَمْتُهُ وَ هُوَ يَرْتَعِدُ قَدِ اخْتَلَطَ عَقْلُهُ، فَأَزْعَجْتُهُ إِلَى مِنْبَرِ مُحَمَّدٍ إِزْعَاجاً، فَقَالَ لِي يَا أَبَا حَفْصٍ أَخَافُ وَثْبَةَ عَلِيٍّ. فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ عَلِيّاً عَنْكَ مَشْغُولٌ، وَ أَعَانَنِي عَلَى ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ كَانَ يَمُدُّهُ بِيَدِهِ إِلَى الْمِنْبَرِ وَ أَنَا أُزْعِجُهُ مِنْ وَرَائِهِ كَالتَّيْسِ إِلَى شِفَارِ الْجَاذِرِ، مُتَهَوِّناً، فَقَامَ عَلَيْهِمَدْهُوشاً، فَقُلْتُ لَهُ اخْطُبْ فَأُغْلِقَ عَلَيْهِ وَ تَثَبَّتَ فَدَهِشَ، وَ تَلَجْلَجَ وَ غَمَّضَ، فَعَضَضْتُ عَلَى كَفِّي غَيْظاً، وَ قُلْتُ لَهُ قُلْ مَا سَنَحَ لَكَ، فَلَمْ يَأْتِ خَيْراً وَ لَا مَعْرُوفاً، فَأَرَدْتُ أَنْ أُحِطَّهُ عَنِ الْمِنْبَرِ وَ أَقُومَ مَقَامَهُ، فَكَرِهْتُ تَكْذِيبَ النَّاسِ لِي بِمَا قُلْتُ فِيهِ، وَ قَدْ سَأَلَنِي الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ كَيْفَ قُلْتَ مِنْ فَضْلِهِ مَا قُلْتَ مَا الَّذِي سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (ص) فِي أَبِي بَكْرٍ فَقُلْتُ لَهُمْ قَدْ قُلْتُ سَمِعْتُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ مَا لو وددت [لَوَدِدْتُ] أَنِّي شَعْرَةٌ فِي صَدْرِهِ وَ لِي حِكَايَةٌ، فَقُلْتُ قُلْ وَ إِلَّا فَانْزِلْ، فَتَبَيَّنَهَا وَ اللَّهِ فِي وَجْهِي وَ عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ نَزَلَ لَرَقِيتُ، وَ قُلْتُ مَا لَا يَهْتَدِي إِلَى قَوْلِهِ،فَقَالَ بِصَوْتٍ ضَعِيفٍ عَلِيلٍ وَلِيتُكُمْ وَ لَسْتُ بِخَيْرِكُمْ وَ عَلِيٌّ فِيكُمْ، وَ اعْلَمُوا أَنَّ لِي شَيْطَاناً يَعْتَرِينِي وَ مَا أَرَادَ بِهِ سِوَايَ فَإِذَا زَلَلْتُ فَقَوِّمُونِي لَا أَقَعْ فِي شُعُورِكُمْ وَ أَبْشَارِكُمْ، وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَ لَكُمْ، وَ نَزَلَ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ وَ أَعْيَنُ النَّاسِ تَرْمُقُهُ وَ غَمَزْتُ يَدَهُ غَمْزاً، ثُمَّ أَجْلَسْتُهُ وَ قَدَّمْتُ النَّاسَ إِلَى بَيْعَتِهِ وَ صُحْبَتِهِ لِأُرْهِبَهُ، وَ كُلَّ مَنْ يُنْكِرُ بَيْعَتَهُ وَ يَقُولُ
مَا فَعَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
فَأَقُولُ:
خَلَعَهَا مِنْ عُنُقِهِ وَ جَعَلَهَا طَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ قِلَّةَ خِلَافٍ عَلَيْهِمْ فِي اخْتِيَارِهِمْ،
فَصَارَ جَلِيسَ بَيْتِهِ، فَبَايَعُوا وَ هُمْ كَارِهُونَ، فَلَمَّا فَشَتْ بَيْعَتُهُ عَلِمْنَا أَنَّ عَلِيّاً يَحْمِلُ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ إِلَى دُورِ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ يُذَكِّرُهُمْ بَيْعَتَهُ عَلَيْنَا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاطِنَ،
وَ يَسْتَنْفِرُهُمْ فَيَعِدُونَهُ النُّصْرَةَ لَيْلًا وَ يَقْعُدُونَ عَنْهُ نَهَاراً، فَأَتَيْتُ دَارَهُ مُسْتَيْشِراً لِإِخْرَاجِهِ مِنْهَا، فَقَالَتِ الْأَمَةُ فِضَّةُ وَ قَدْ قُلْتُ لَهَا قُولِي لِعَلِيٍّ يَخْرُجْ إِلَى بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ
فَقَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَقَالَتْ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (ع) مَشْغُولٌ، فَقُلْتُ خَلِّي عَنْكِ هَذَا وَ قُولِي لَهُ يَخْرُجْ وَ إِلَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ وَ أَخْرَجْنَاهُ كَرْهاً،
یدوم بعون الله
یدوم بعون الله
تعليق