بسم الله الرحمن الرحيم
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآل ِمُحَمَّدٍ وَعَجِّلْ فَرَجَهم ُوَإِلْعَنْ أَعدَائَهِمْْ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
* * * * *
الاهداء
اليك يا سيدي ومولاي .
اليك أيها الإمام وأبو الأئمة.
اليك يا من هز الضمير .
اليك يا سيدي يا من فاق صبره صبر الأنبياء .
اليك يا من تصدعت لجلال هيبتك الرجال .
اليك يا من تحت قبته الدعاء مستجاب .
اليك يا من تربته دواء من كل داء .
فكن شفيعاً لي ولوالدي .
المقدمة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين .
ان الإمام الحسين وقف ليعارض مرضاً من امراض الامة وهي حالة انعدام الادارة مع وضوح الطريق ، وكان الطريق الوحيد لعلاج هذه الفحالة المرضية هون الخط الذي سار عليه سيد الشهداء عليه افضل الصلاة والسلام ، فبقدر ما يكون هذا المرض عميقاً في جسم الامة يجب ان تكون التضحية أيضاً عميقة مكافئة لدرجة عمق هذا المرض في جسم الامة وكان يشمل كل قطاعات الامة .
والأًمة حينما تنهزم وينتزع منها شخصيتها وتموت ارادتها تنسج بالتدرج اخلاقية معينة تنسج مع الهزيمة النفسية التي يتعيشها بوصفها امة من دون ارادة امة لا تشعر بكرامتها وشخصيتها ، وبهذا كان الإمام الحسين ( عليه السلام ) بين اخلاقيتين : بين اخلاقية الهزيمة التي تعيشها الامة الإسلامية قبل ان تهزم فعلياً يوم عاشوراء ، والاخلاقية الاخرى التي كان يريد ان يبثها وينشرها في الامة الإسلامية هي اخلاقية الارادة والتضحية والعزيمة والكرامة .
لقد رفع راية الإسلام عالية خفاقة ، وحرر ارادة الامة العربية الإسلامية ، اشهد ان دمك سكن الخلد وإقشعرت له أظلة العرش وبكت له السماوات والأرض .
واقعة الطف
كانت واقعة الطف من الوقائع العظيمة في تاريخ أهل البيت ( عليهم السلام ) لإنها غنية بالعبر والمعاني ، لكونها واقعة تجلت فيها كل معاني الشجاعة ، والبطولات والاباء ، والتضحية والفداء ، وذكر الله وإقامة الصلاة ، والقتال حباً لله عز وجل ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، وكان يوم عاشوراء يوم المجد والشرف ، ويوم البطولة والشجاعة ويوم الايمان والثبات ، وإذ كان معسكر الإمام الحسين ( عليه السلام ) يمثل الإيمان بمبدأ الدين ، فقد كان معسكر يزيد ( لعنه الله ) يمثل الطغيان والقسوة والتخلي عن المبادىء التي جاء بها رسول الله محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، واشتمل عاشوراء على درسين درس في المواعظ والإرشاد ودرس في الحرب والقتال .
لقد كانت ثورة ابي الاحرار ( عليه السلام ) من أعظم الثورات التحررية في الارض ، فقد حملت مشعل النور والفكر في الارض وسجلت شرفاً للاسلام ، وشرفاً للانسانية ، فهو المنقذ والمجدد لهذا الدين العظيم ، ورأى انه المسؤول الوحيد أمام الله ، وأمام اجيال الأُمة .
وثورة الحسين ( عليه السلام ) هي التي خلدت نفسها بذاتها ، لقوتها وقوت الوقائع والمواقف البطولية والعناصر الاخرى التي تركتها هذه الواقعة العظيمة .
ان ثورة الحسين ( عليه السلام ) بفصولها الخالدة في دنيا الاحزان قد استهدفت تحرير الانسان فكراً وسلوكاً وارادة ، وتنمية قدراته وملكاته بالاشراف والوعي ، ليكون خلية صالحة لمجتمع سليم ناهض عامل بالحق ، مطبق للعدل حسب ما يريد الله تعالى لابن آدم ان لا يتلوث بمأثم الحياة وموبقاتها ، لقد ارعبت هذه الواقعة الطواغيت في العصر الاموي والعباسي وما بعدهما الى اليوم ولهذا لاتزال تواجه الحرب الإعلامية ، والتصفيات الجسدية لروادها ودعاتها ومقيمي شعارها ، لأن الحسين ( عليه السلام ) ثورة في قبره وثورة الحسين ( عليه السلام ) كتبت بالدم ، باللون الاحمر القاني الذي يعتبر من اكثر الالوان ثباتاً على صفحات التاريخ والمجتمعات البشرية ، فواقعة الطف حية نابضة بالحياة الى يوم القيامة ، فأن ثورة الحسين ( عليه السلام ) تخلدت خلوداً عجيباً وأبدياً بعد مضي سنين متطاولة ، ودهور متباعدة ، لم تنسى ولم تموت ثورة الحسين ( عليه السلام ) بل تزداد طراوة على مر السنين . . . . . .
كذب الموت فالحسين ii مخلد كلما مر الزمان ذكره يتجدد
أهداف ثورة الحسين ( عليه السلام )
إذاً كان هدف الثورة أو كل عمل يريده الإنسان لله عز وجل فأنه ينمو ويرتقي ويصعد ولا يقف أمامه شيء يصده ابداً ( ما كان لله ينمو ) .
وذا كان الهدف لغير الله عز وجل لا ينمو ويتسافل ويضمحل اثره ، وتدرس معلم وسبب ثورة المدينة .
حين قال : " . . . . اني لم اخرج اشراً ولا بطراً ، ولا مفسداً ، ولاظالماً ، وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اريد ان امر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، واسير بسيرة جدي ، وأبي علي إبن ابي طالب ( عليه السلام ) ، فمن قبلني بقبول الحق ، ومن رد علي اصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم ، وهوخير الحاكمين " (1) الا ترون ان الحق لا يعمل به ، وان الباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في الله محقاً . . . " ، " وأيها الناس من رأى سلطاناً جائراً . . . " (2) .
الإمام الحسين ( عليه السلام ) حينما كان يلقي شعارات هذا التخطيط على هذه الامة الإسلامية المهزومة اخلاقياً ، والمهزوزة روحياً ، المتميعة نفسياً ، الفاقدة لارادتها ، حينما كان يلقي شعارات هذا التحرك على هذه الامة لم يكن في كل القاءاته صريحاً واضحاً محدداً ، وذلك لانه كان يجامل تلك الاخلاقية التي عاشتها الامة الإسلامية ، وكانت هذه المجاملة جزاءاً ضرورياً من انجاح الحسين في اهدافه . (3)
فهدف الإمام الحسين ( عليه السلام ) كان لاصلاح اُمة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وإحياء احكام القرآن ، فما دام الإسلام أبدي والقرآن ابدي ومخلد ، ولقد حفظه الله ، قولهُ تعالى : « انا نحن نزلنا الذكر ز وإنا له لحافظون » ، فثورة الحسين ( عليه السلام ) باقية مخلدة ومحفوظة مع القرآن والإسلام الى يوم القيامة .
خطاب الإمام الحسين ( عليه السلام ) لأهل مكة قبل خروجه منهم وتوجهه إلى العراق
لم يدع الإمام الحسين ( عليه السلام ) فرصة الخروج من مكة دون ان يعض الناس، ولم يمنع تهيؤه ( عليه السلام ) للسفر ومن وعض الناس في مكارم الاخلاق ، وهو يعلم علم اليقين بأن الشهادة ستكون خاتمة حياته ( عليه السلام ) ، فقام خطيباً في اللحظات الاخيرة في مكة وقال : " الحمد لله ما شاء الله ولا حول ولا قوة الا بالله ، وصلى الله على رسوله وآله وسلم ، خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة . . . " ، وقال بعد ذلك " ان الحلم زينة ، والوفاء مرؤة ، والصلة نعمة ، والاستكبار صلف ، والعجلة سفه ، والسفهة ضعف ، والغلوورطة ، ومجالسة اهل الدناءة شر ، ومجالسة اهل الفسق ريبة " (4) .
خُطَب الإمام الحسين ( عليه السلام ) يوم عاشوراء
واستثمر الامكام الحسين ( عليه السلام ) اسلوب الموعظة الحسنة ، لعلهم يرجعون فيها الى رشدهم ويؤبوا الى صوابهم ، فخطب فيهم مراراً .
1 ـ تقدم الحسين ( عليه السلام ) حتى وقف بأزاء القوم ، فجعل ينظر الى صفوفهم كانهم السيل ، ونظر الى ابن سعد واقفاً في صناديد الكوفة فقال : " الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال ، متصرفة بأهلها حالاً بعد حال ، فالمغرور من غرته والشقي من فتنته ، فلا تغرنكم هذه الدنيا فانها تقطع رجاء من ركن اليها ، وتخيب من طمع فيها ، وأراكم قد إجتمعتم على أمراً قد اسخطتم الله فيه عليكم ، واعرض بوجهه الكريم عنكم وأحل بكم نقمة . . . .
2 ـ ولما دنا من القوم دعا براحلته فركبها ، ثم خطب في الناس فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر الله بما هوأهله ، وصلى على محمد ( صلى الله عليه وآله ) وعلى ملائكته وأنبيائه ، قائلا : ( أيها الناس ! إسمعوا قولي ، ولا تعجلوني حتى اعظم بها هو حق لكم علي ، وحتى اعتذر اليكم من مقدمي عليكم . . . فاجمعوا امركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا الي ولا تنظرون " (5) " ان ولي الله الذي نزل الكتاب وهويتولى الصالحين (6) . . . فانسبوني وأنظروا من أنا ؟ الست إبن بنت نبيكم ( صلى الله عليه وآله ) وإبن وصيه وابن عمه ، وأول المؤمنين بالله والمصدقين لرسول الله بما جاء من عند ربه ، أوليس حمزة سيد الشهداء عم أبي ؟ أوليس جعفر الشهيد الطيار ذوالجناحين عمي ؟ ! . . . لا والله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل ، ولا أُقر إقرار العبيد ! عباد الله ( إني عذت بربي وربكم أن ترجمون ) " (7) " . . . اني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب " (8) .
3 ـ وخطب مرة أُخرى قائلاً : " يا قوم الكوفة ان الدنا قد تغيرت وتكدرت وهذه دار فناء وزوال تتصرف باهلها من حال إلى حال ، فالمغرور من اغتر بها وركن اليها وطمع فيها ، معاشر الناس : أما قرأتم القرآن ، أما عرفتم شرائع الإسلام ؟ وثبتم على ابن بنت نبيكم تقتلونه ظلماً وعدواناً . . . " وذكرهم : " عباد الله اتقوا الله وكونوا من الدنيا على حذر فان الدنيا لوبقيت على أحدٍ أوبقي عليها أحد لكانت الأنبياء احق بالبقاء وأولى بالرضى وارضى بالقضاء ، . . . . " ، " . . . وتزودوا فان خير الزاد التقوى وأتقون يا أولوا الالباب " (9) .
4 ـ قام الحسين ( عليه السلام ) بتعبئة اصحابه في الميمنة والميسرة ، فأحاطوا بالحسين ( عليه السلام ) من كل جانب حتى جعلوه في مثل الحلقة ، فخرج الحسين ( عليه السلام ) من أصحابه حتى اتى الناس فاستنصتهم فأبوا ان ينصتوا فقال لهم : " ويلكم ماعليكم ان تنصتوا الي فتستمعوا قولي ، وإنما ادعوكم سبيل الرشاد ، فمن اطاعني كان من الراشدين ، ومن عصاني كان من المهلكين ، . . . اما لا تلبثون بعدها الا كريث ما يركب الفرس حتى تدور بكم دور الرحى ، عهد عهده الي ابي عن جدي ، فاجمعوا امركم وشركائكم فيكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون . . . وابعث عليهم سنين كسني يوسف ، وسلط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كاساًَ مصبرة ، فلا يدع فيهم احداً قتلة بقتلة وضربة بضربة ينتقم لي ولأوليائي ولاهل بيتي (10) وأشياعي منهم ، فأنهم غرونا وكذبونا وخذلونا ، وأنت ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير " .
لم يترك الحسين ( عليه السلام ) النصيحة لهؤلاء القوم حباً لهداية الامة ولعل أحد منهم يرجع من ضلالته ، فنادى : ( هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله ؟ هل من موحد يخاف الله فينا ؟ هل من مغيث يرجوالله في إغاثتنا ؟ ، هل من معين يرجوالله في إعانتنا ) (11) . . . .
دلالات الخطاب
1 ـ إستثمر الإمام الحسين ( عليه السلام ) تلك الفرصة لتذكيرهم بأمور الدين والاخرة ، ودعاهم إلى عدم الإغترار بالدنيا .
2 ـ ذكرهم بحرمة قتله ( عليه السلام ) وإنتهاك حرمته ، كيف لا وقد وصفه الصادق ( عليه السلام ) عن رسول الله ( ص ) الذي لا ينطق عن الهوى بأنه سيد شباب أهل الجنة .
3 ـ حاججهم بكل حجة ممكنة من أجل أن يدفع عنهم غائلة العقاب الإلهي .
4 ـ ولكنه ( عليه السلام ) تنبأ بأن تدور عليهم الدوائر وتنقلب ضدهم الموازين ، سوف يضربون بسيف البغي الذي سلوه عليه . .
الحسين ( عليه السلام ) ينعى نفسه
قال علي إبن الحسين ( عليه السلام ) إني جالس في تلك اليلة التي قُتل أبي في صبيحتها وعندي عمتي زينب تمرضني إذ إعتزل أبي في خباء له وعنده ( جون ) مولى أبي ذر الغفاري وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول :
يـا دهـر افٌ لكَ مِـن iiخليلِ كم لكَ في الإشراق و الأصيل
مـــــِن صـاحبٍ وطالبٍ قتيلِ و الـدهـــرُ لا يـقنعُ iiبالبديـــلِ
و إنـما الامـرُ إلـى ii الجليــــلِ و كـلُ حـيٍ سـالكٌ iiسبيلِِ (12)
.
فلسفة النهضة الحسينية
(( . . . إن الحكم في صواب الحسين ( عليه السلام ) وخطئه لامرين ، لا يختلفان بإختلاف الزمان ، وأصحاب السلطان ، والبواعث النفيسة التي تدور على طبيعة الانسان الباقية ، والنتائج المقررة ، التي مثلت للعيان باتفاق الاقوال . . . ))
فنوضح العلل والبواعث النفسية على الشكل التالي :
اولاً : يبدوان ملك يزيد لم يكن ثابتاً ومحكماً كما كان ملك معاوية ، ذلك ان الشخص الوحيد الذي كان متحمساً لولاية عهد يزيد هوالمغيرة بن شعبة ، الذي لم يكن أحد يتقبل اقتراحه يومها حتى معاوية نفسه ، وعندما تشاور مع زياد لم يكن رأي زياد موافقاً لاقتراح المغيرة ( على الاقل ذلك الحين ) .
وأما مروان إبن الحكم ، فقد كان يقف بشدة ضد فكرة تولية يزيد ، لانه كان هويسعى الى مثل ذلك المنصب بل وحتى كان يستعد للتمرد على الخليفة ، إلا انه قبل بالامر الواقع من خلال رشوة قدرها ( 1000 دينار ) شهرياً له و( 100 دينار ) لاصحابه ، وأما سعيد ابن عثمان فانه خاطب معاوية يومها ، وقال له بان أباه وأُمه أفضل من أُم يزيد وأبيه ، لكنه رضي بالتالي بولاية خرسان ، نستنتج من ذلك إن حكومة يزيد لم تكن حكومة مستقرة في ذاتها .
ثانياً : إن حكم يزيد قام في الواقع على قاعدة سب علي ( عليه السلام ) وآل علي وأي بيعة من الحسين ( عليه السلام ) كانت تعني وجوب وفاءه بالعهد ، وعقد البيعة ، وهذا كان يعني قطعاً إضفاء الشرعية على هذه السنة السيئة ، جيلاً بعد جيل ، ( إن حكومة يزيد كانت أسوء من حكومة معاوية مئة بالمئة ، لأنها كانت حكومة مفضوحة العداء للإسلام ) .
وأما حول نتائج التحرك الحسيني قبل كل شيء يمكن القول : إن يزيد نفسه لم يهنأ بالحكم ، ولم يرى الاستقرار للحظة واحدة بعد اندلاع الثورة الحسينية .
فبعد واقعة كربلاء ، واجهته واقعة المدينة المنورة ، ثم بدأ عبد الله ابن الزبير من بعد ذلك حربه الداعية ضد يزيد وجاءت قضية مكة ، ثم تتالت على الحكم الاموي سلسلة تمردات ( يا لثارات الحسين ) التي استمرت عاماً من حكم بني أمية ، وهي تزلزل عرش تلك العائلة .
ولهذا ترى البعض أمثال ( مارتن ) الألماني ، يعتقدون إن السياسة الحسينية كانت بالواقع قد وضعت مثل هذه الاهداف نصب عينها من الاساس .
أما بشأن حركة النساء والاطفال في القاقلة ، " . . . إنما يبدوالخطأ في هذه الحركة حين تنظر اليها من زاوية واحدة ضيقة المجال قريبة المرمى ، وهي زاوية العمل الفردي ، الذي يراض باساليب المعيشة اليومية ، ويدور على النفع العاجل للقائمين به والداعين اليه . . . " .
وإن مسلم بن عقيل إنما كان يقدر بالحقيقة على فعل الكثير مما كان يفعله إبن زياد ، إذ كان باستطاعته أن يأخذ الأموال ، ويعطيها ويوزعها ، لكن مثل هذه الأعمال كانت تعني مخالفة المبادئ التي كان يمثلها مسلم ، فمسلم الذي كان يستعد لإستقبال الموت تراه كان يفكر في إداء دينه فيوصي ببيع درعه ، وسيفه من بعده ، حتى يدفع الدين الذي كان عليه وهو( 700 درهم ) إذا لم يكن مسلم يفكر في كيفية جمع الأموال من الناس ، والاستغناء باموالهم ، حتى مع تهيؤ ضروف الحكم المؤقت له ، هذا على الرغم من توكل الإمام الحسين ( عليه السلام ) له كان يحمل معه معنى الممثل المالي (13) .
فلسفة تعظيم شعائر عاشوراء
إن فلسفة تعظيم شعائر عزاء سيد الشهدء ، مكافأة يقدمها التاريخ لابطال عاشوراء ، لأن العطف الإنساني هوكل ما يملك التاريخ من جزاء وهوالثروة الوحيدة التي يحتفظ بها الخلود ، وإحياء ذكرى سيد الشهداء تربط بنا من إحدى الجهات بإعتبار إن هذه الذكرى عبارة عن نبع من الفيض الرباني الذي يمكننا الإستفادة منه ، وهي من جهة أخرى تقدير منا للشهداء والشهادة ، ومن جهة ثالثة تعبير عن الواجب التاريخي ، والفريظة الإجتماعية ، الملقاة على عاتقنا أمام المجتمع ، إن المنفعة الفردية عبارة عن عامل تنازع وتضارب وقبض ، وإستخدام للمجتمع .
بينما حس المنفعة العامة أوبعبارة أخرى المبادئ الاخلاقية الانسانية السامية تشكل في الواقع عامل حفظ ، وتعاون وافاضة وإعانة للمجتمع ، وعليه فإن أصحاب الخير العام هم الخدام الواقعيون للاصول والمبادئ والنواميس الإجتماعية ومن هنا وجب على المجتمع تقديرهم ، واجلائهم وإحياء ذكرهم على مر الدهور .
شعارات عاشوراء
إن الشعارات التي رفعها الإمام ابي عبد الله الحسين ( عليه السلام ) وأهل بيته وأصحابه في يوم عاشوراء ، وتحول عاشوراء الواقعة والقضية بالنسبة لنا نحن الشيعة إلى الشعار دائم في حياتنا ، يوم عاشوراء بين من خلالها روح نهضته ، وحدد بالضبط الهدف الذي دفعه للمجيء إلى تلك الديار والقبول بإراقة دمه حتى القطرة الاخيرة ، وعدم التسليم والمضي بالحروب حتى نهايتها ، إن امتنا قد أكدوا الواحد بعد الآخر على ضرورة إحياء هذه المناسبة العظيمة ( عاشوراء ) وانه لا يجوز نسيان هذه المصيبة ، فهي مدرسة خالدة لا بد لنا من التمسك بها .
إن على شيعتنا أن يحيوا هذه المناسبة العظيمة في كل عام يمر فيه علينا محرم ، وعاشوراء .
إن عنوان عاشوراء اصبح شعار الشيعة ، وعلينا اذاً عندما نواجه احداً من أهل السنة ، أوحتى ونحن نقف أمام أصحاب الاديان الاُخرى كالمسيحية أواليهودية أوأمام الملحدين الذين سيسألوننا جميعاً : ماذا تريدون أنتم الشيعة في تاسوعاء وعاشوراء ، عندما تعطلون كل اعمالكم وتنظمون المسيرات وتلطمون على الصدور وتقيمون المآتم البكائية ؟ .
وماذا تريدون القول من خلال كل ذلك ؟ ولابد أن يكون لدينا ما نقوله أمام هذه التساؤلات ، إن ابا عبد الله الحسين ( عليه السلام ) لم يقم من أجل أن يقتل دون أن يقول ما يريد وما يهدف من وراء ذلك القيام ، إنه قال ما يريد ، وشرح اهداف نهضته وحدد الغاية من وراء قيامه .
إنما الشعارات التي أحيت الإسلام وأحيت التشيع وزلزلت أساس حكم الخلافة الاموية ، تلك الخلافة لو لم تكن ثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) لبقيت ، ربما لالف عام مهيمنة على مصير البلاد الإسلامية ، ولم يكن باستطاعة بني العباس أن يحكموا لمدة خمسمئة عام ، بعد أن إنتزعوا الحكم من بني أمية بفضل ذلك الإهتزاز الذي أوجدته واقعة الطف في أركانها ، إن ابا عبد الله الحسين ( عليه السلام ) كان يفتخر في ذلك اليوم أن يعلن بوضوح إنه ينهج نهج أبيه علي المرتضى ( عليه السلام ) .
إن أبيات الشعر التي كان يرددها أبوعبد الله الحسين ( عليه السلام ) في يوم عاشوراء كثيرة ومختلفة ، وقد نُضمت بأوزان مختلفة ، ومنها ما كان من نُضم الحسين ( عليه السلام ) نفسه ومنها ماكان يستشهد بها ( عليه السلام ) وهي لشعراء آخرين .
إن أحد الابيات التي كان يرددها أبوعبد الله ( عليه السلام ) في يوم عاشوراء والذي صار بمثابة الشعار العام له ، هذا البيت :
الموت أولى مِن ركوب iiالعـــارِ و العــــارُ اولى مِــن دخول النـــارِ
تعليق