بسم الله الرحمن الرحيم
توكلت على الله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الخلق الرسول المسدد أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين والعنة الدائمة على أعدائهم من الأولين والآخرين إلى يوم الدين
بهذه الذكرى الأليمة علة قلوبنا وقلوب كل المحبين والمناصرين لأهل البيت الكرام نذكر روايات أهل البيت
التي تجوز إحياء ذكراهم عليهم السلام
إن إقامة العزاء على أهل البيت (ع) تندرج ضمن الشعائر التي ذكرها ، الله تعالى بقوله : ( وَمَن يعَظُم شَعَائرَ اللُه فإنُها من تَقوَى القلوب) ( الحج : 32 ) وعدم إقامة هذه المراسيم والطقوس لا يترتب عليه إثم شرعي ، لأن إقامتها ليس واجباً شرعياً ، فهي من المستحبات المؤكدة وتركها يؤدي إلى فوات أجر عظيم وثواب لا يحصى ، كما أنها تدخل في إطار أجر الرسالة التي ورد في قوله تعالى : ( قل لا أسَلكم عَلَيه أجراً إلا المَودٌة في القربَى) (الشورى: 23 ) نحن جميعا نبكي على الإمام الحسين (ع) ونقيم المأتم عليه ، لأن رسول الله (ص) بكى على الحسين قبل استشهاد الحسين (ع) عندما اخبره جبرائيل (ع) بما سيجري على الحسين (ع) أيبكي رسول الله (ص) قبل الفاجعة ونحن لانبكي عليه ؟ !
ما هذا شأن المتأسي بنبيه والمقتص لأثره إن ترك الحزن والبكاء خروج عن قواعد المتأسين بل عدول عن سنن النبيين فأن رسول الله ( ص) يستيقظ يوماً من النوم فزعاً وفي يده تربة حمراء يقلبها بيده وعيناه تنهمل منها الدموع وهو يقول : أخبرني حبيبي جبرائيل أن أبني الحسين يقتل بأرض العراق ( المعجم الكبير للطبراني / 1282، المستدرك للحاكم 4/ 398 ، سير أعلام النبلاء 3/ 289 ، جمع الجوامع للسيوطي 1/ 26
الكثير يتساءل هل عندكم أدلة على استحباب البكاء حزناً على الإمام الحسين عليه السلام ؟
الأئمة عليهم السلام يقيمون العزاء على الإمام الحسين (ع) الحزن على استشهاد الإمام الحسين (ع) الذي أكد عليه أهل البيت (عليهم السلام) فقد قال : الإمام الصادق (ع) تاريخ العزاء الحسيني متى بدأ العزاء الحسيني ؟
اتفقت كتب الحديث والرواية سواء كانت من مؤلفات الشيعة أو من مصنفات السنة على أن جبرائيل قد أوحى للنبي (ص) بنبأ مقتل الإمام الحسين (ع) ومكان استشهاده ، إضافة إلى بكاءه (ص) العلني على مصيبة الحسين (ع) في عدة أماكن وأمام الصحابة ليدلل على عظمة الحسين (ع) ومصيبته ، وتعتبر هذه أول صور العزاء الحسيني (4) ذكر العلامة الشيخ عبد الحسين ألأميني في كتابه : سيرتنا وسنتنا ، بشكل مفصل الروايات الواردة في بكاء الرسول (ص) على الحسين (ع) وذكر مقتله في كربلاء قام عندي جبرائيل من قبل فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات ، وقال : هل لك أن أشمك من تربته ؟ قلت : نعم ، فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطاني إياها ، فلم أملك عيني أن فاضتا (1
المعجم الكبير للطبراني حديث رقم : 2811 ، كنز العمال للمتقي الهندي حديث رقم 34321
أخبر رسول الله (ص) ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسين وما يجري عليه من المحن ، بكت فاطمة (ع) بكاءً شديداً ... وقالت : ( يا أبت فمن يبكي عليه ؟ ومن يلتزم بإقامة العزاء له ؟
فقال : النبي(ص) : يا فاطمة إن نساء أمتي يبكون على أهل بيتي ، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي ويجددون العزاء جيلاً بعد جيل ، في كل سنة .....) ( 2 ) بحار الأنوار العلامة ألمجلسي ج 44 ص 292 ح 37 ب 34 .
عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس قال : رأيت رسول الله (ص) في المنام نصف النهار أشعث أغبر ، معه قارورة فيها دم ، فقلت : بأبي وأمي يا رسول الله ، ما هذا ؟ قال : هذا دم الحسين (ع) وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم .
قال عمار : فأحصينا ذلك اليوم فوجدناه قد قتل في ذلك اليوم (3
البداية والنهاية لابن كثير ، حوادث سنة 61 ه فصل مقتل الحسين (ع)
أول صارخة صرخت بالمدينة
لقد كانت أول صارخة لمصرع الحسين (ع) في المدينة هي أم سلمه زوجة النبي (ص) لأن النبي ( ص) دفع أليها قارورة فيها تربة ، وقال لها : إن جبرائيل أعلمني أن أمتي تقتل الحسين (ص) وأعطاني هذه التربة ، وقال لي : إذا صارت دما عبيطا فأعلمني أن الحسين قد قتل ، وكانت عندها ، فلما حضر ذلك الوقت جعلت تنظر إلى القارورة في كل ساعة ، فلما رأتها قد صارت دما صاحت : و ا حسيناه وابن رسول الله ! وتصارخت النساء من كل ناحية ، حتى ارتفعت المدينة بالرجة التي ما سمع بمثلها قط (4 ) تاريخ اليعقوبي ج2 ص46 ) وأما زينب (ع) فإنها لما رأت الرأس أهوت إلى جيبها فشقته ، ثم نادت بصوت حزين يقترح القلوب .
يا حسيناه ، ياحبيب رسول الله ، يا ابن مكة ومنى ، يا ابن فاطمة الزهراء سيدة نساء ، يا ابن بنت المصطفى فأبكت والله كل من كان حاضراً في المجلس .. وكان من السبايا الرباب زوجة الحسين (ع) وهي أم سكينة بنت الحسين وأم عبد الله الرضيع ، فأخذت الرباب الرأس الشريف ووضعته في حجرها وقبلته ... ثم أقيمت المناحة ثلاثة أيام متواصلة ) ( 1 المجالس السنية للسيد محسن الأمين ص134
وكانت هذه أول مناحة عامة على الحسين (ع) وأهله وآله وصحبه تقام في خربة الشام حيث أسكن الأمويون فيها سبايا آل محمد بعد واقعة كربلاء . مجلس عزاء ولطم على الحسين عليه السلام
عقد على الحسين (ع) هو ما ذكره السيد ابن طاووس حيث يقول :قال الراوي :
لما رجع نساء الحسين (ع) وعياله من الشام وبلغوا الى العراق ، قالوا للدليل : مر بنا على طريق كربلاء . فوصلوا الى موضع المصرع ، فوجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري (رض) وجماعة من بني هاشم ورجالاً من آل الرسول (ص) قد وردوا لزيارة قبر الحسين (ع) فوافوا في وقت واحد وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم ، وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد ، واجتمعت إليهم نساء ذلك السواد ، وأقاموا على ذلك أياماً(2
الملهوف على قتلى الطفوف، باب وصول السبايا الى العراق وذهابهم إلى كربلاء مجالس الأئمة (ع)
في عهد الأئمة عليهم السلام بدأ تطور العزاء الحسيني ، كما ورد عنهم (ع) أنهم كانوا يقيمون المآتم والمجالس ، ولم يكتف الأئمة (ع) بذلك ، حتى وجهوا شيعتهم إلى ذلك رغم الضغوط السياسية من هم البكائين الخمس ولماذا لقبوا بذلك
المجالس للسيد محسن ألأميني ص 146
وعن الإمام الصادق (ع) أنه قال للفضل بن يسار : تجلسون وتتحدثون ؟ فقال : نعم ، فقال أن تلك المجالس أحبها ، أحيوا أمرنا ، فرحم الله من أحيا أمرنا ، فإن من جلس مجلساً يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب .(1
وسائل الشيعة : ج10 ، باب 66 أ استحباب البكاء لقتل الحسين (ع) وما أصاب أهل بيته عليهم السلام
وروى الصدوق في( العيون ) أن دعبل بن علي لما أنشد الرضا (ع) – تائيته المشهورة وانتهى الى قوله
أ فاطم لو خلت الحسين مجد لاً وقد مات عطشاناً بشط فرات
أذاً للطمت الخد فاطم عنده وأجريت دمع العين في الوجنات
لطمت النساء وعلا صراخ من وراء الستر ، وبكى الإمام الرضا عليه السلام بكاءً شديداً حتى أغمي عليه مرتين .(1
عيون أخبار الرضا ، ج2 ، ص263 ، حديث 34 و 35 .
وعن الإمام الرضا (ع) : إن يوم الحسين (ع) أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذل عزيزنا بأرض الكرب والبلاء ، وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء ، فعلى مثل الحسين فليبكي الباكون ، فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام . (3
وعن الإمام الباقر عليه السلام : ثم ليندب الحسين (ع) ويبكيه ويأمر من في داره بالبكاء عليه ويقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه ، ويتلاقون بالبكاء بعضهم بعضاً بمصاب الحسين (ع) . بحار الأنوار ، ج98 ، ص 290 ، الحديث رقم 1 )
ما ورد أن البكاء عليه يسعد فاطمة سيدة نساء العالمين عليها السلام ، كما في خبر أبي بصير عن أبي عبد الله : في حديث ( يا أبا بصير ، إذا نظرت إلى ولد الحسين أتاني ما لا أملكه بما أوتى إلى أبيهم وأبيهم
يا أبا بصير ، إن فاطمة عليها السلام لتبكيه وتشهق – إلى أن قال – يا أبا بصير ، أما تحب أن تكون فيمن يسعد فاطمة عليها السلام ، فبكيت حين قالها ، فما قدرت على المنطق ، وما قدرت على كلامي من البكاء ) كامل الزيارات ص169 -171 باب 26 حديث9 .
وأيضاً يستفاد رجحان هذا الفعل للتأسي بفعل النبي (ص) في البكاء على الشهداء وسادات الدين حين سمع نساء الأنصار يبكيان على من قتل من أزواجهن في( أحد ) فقال رسول الله (ص) ولكن حمزة لا بواكي له .
ولا يخفى ما في قوله (ص) ولكن حمزة لابواكي له ، من الحث على البكاء على سيد الشهداء حمزة (ع)
والملامة لنساء الأنصار لتركهن البكاء على حمزة(ع)
وفي ترجمة حمزة من الاستيعاب ، نقلاً عن الواقدي قال : لم تبك امرأة من الأنصار على ميت بعد رسول الله (ص) ولكن حمزة لا بواكي له الى اليوم الا وبدأت بالكاء على حمزة . فهذه سيرة الأنصار والصحابة في رجحان البكاء على الميت عموماً وعلى الحمرة خصوصا وأن بعد العهد بموته . مارواه الصدوق : قال الإمام الصادق عليه السلام
لما مات إبراهيم بن رسول الله (ص) قال رسول الله (ص) حزنا عليك يا إبراهيم ، وأنا لصابرون ، يحزن القلب وتدمع العين ، ولا نقول مايسخط الرب ( الوسائل ج2 ص 921 حديث 4 ، باب 87
من أبواب الدفن النبي صلى الله عليه وآله لأبي ذر : ( يا أبا ذر ، ومن أوتي من العلم ما لا يعمل به لحقيق أن يكون أوتي علماً لا ينفعه الله عز وجل به – إلى إن قال -: يا أبا ذر ، من استطاع أن يبكي قلبه فليبك ، ومن لم يستطع فليشعر قلبه الحزن وليتباك
يا أبا ذر ، أن القلب القاسي بعيد من الله ، ولكن لاتشعرون
أمالي الطوسي ، الطبعة المحققة ص 529 -530 ، ومكارم الأخلاق للطبرسي ص 462
وأول من أقام تلك المدرسة وأسس لهذه الحسينيات هو الإمام زين العابدين عليه السلام حينما أرتقى المنبر أمام الملعون يزيد وحزبه وأشياعه كان أول مجلس نصبه في الشام عندما خطب في ذلك الحشد وأخذ ينعى ويعدد صفات أبيه ومظلوميته والناس من حوله تبكي
في الجامع الأموي ( الخصال ج1 ، ص 272 ، بحار الأنوار ج45 ، ص 143
إلى غير ذلك من الطوائف والأخبار ، ويكفينا في عظمة أجر البكاء ، ما ورد في خبر معاوية بن وهب قال : استأذنت علي بن أبي عبد الله فقيل لي : ادخل ، فدخلت فوجدته في مصلاه ، فجلست حتى قضى صلاته ، فسمعته وهو يناجي ربه وهو يقول
يا من خصنا بالكرامة ، وخصنا بالوصية ، ووعدنا بالشفاعة ، وأعطانا علم ما مضى وما بقي ، وجعل أفئدة من الناس تهوى إلينا ، اغفر لي ولإخواني ، ولزوار قبر أبي الحسين صلوات الله عليه ، الذين أنفقوا أموالهم ، واشخصوا أبدانهم رغبة في برنا ، ورجاءً لما عندك في صلتنا ، وسروراً ادخلوه على نبيك صلواتك عليه وآله وإجابة منهم لأمرنا وغيظاً أدخلوه على عدونا ، أرادوا بذلك رضاك ، فكافهم عنا بالرضوان واكلأهم بالليل والنهار )) – إلى إن قال -: (( فارحم تلك الوجوه التي قد غيرتها الشمس وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا ، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا ، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا ، وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا ، اللهم اني أستودعك تلك الأنفس ، وتلك الأبدان ، حتى توافيهم على الحوض يوم العطش ، فما زال وهو ساجد يدعوا الله بهذا الدعاء )) الخبر ، الوسائل ج10 ص 320 – 321 حديث 7 ، باب 37 ، من أبواب المزار
وخبر مسمع بن عبد الملك ، كردين البصري ( قال لي أبو عبد الله
أما تذكر ما صنع به الحسين ؟ قلت : نعم . قال : فتجزع .؟ قلت : إي والله ، واستعبر لذلك ، حتى يرى أهلي أثر ذلك علي ، فامتنع عن الطعام ، حتى يستبين ذلك في وجهي قال : رحم الله دمعتك ، أما انك من الذين يعدون من أهل الجزع لنا ، والذين يفرحون لفرحنا ، ويحزنون لحزننا ، ويخافون لخوفنا ، ويؤمنون إذا أمنا ( كامل الزيارات ، الطبعة المحققة ، ص 203 – 206 حديث 7 ب32
والبكاء من الرياء كبكاء إخوة يوسف ، قال تعالى (وجاءوا أَبَاهُم عِشَاء يَبكٌونَ ) يوسف آيهَ 16 ، وباقي أقسام البكاء معروف عند الجميع
لذا ورد في الخبر عن الإمام الصادق . كنا عنده فذكرنا الحسين بن علي عليه السلام، وعلى قاتله لعنة الله عليه ، فبكى أبو عبد الله
وبكينا ، ثم رفع رأسه فقال : قال الحسين بن علي عليه السلام : أنا قتيل العبرة ، لايذكرني مؤمن إلا بكى )) كامل الزيارات ، باب 36 ، حديث 6 ، ص 215
وخبر الأربعمائة ، قال أمير المؤمنين عليه السلام
أن الله تبارك وتعالى أطلع على الأرض فاختارنا ، واختار لنا شيعةً ينصروننا ، يفرحون لفرحنا ، ويحزنون لحزننا ، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا ، أولئك منا وإلينا )) بحار الأنوار ، ج44 ص 287 ، حديث 26
أن الله تبارك وتعالى أطلع على الأرض فاختارنا ، واختار لنا شيعةً ينصروننا ، يفرحون لفرحنا ، ويحزنون لحزننا ، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا ، أولئك منا وإلينا )) بحار الأنوار ، ج44 ص 287 ، حديث 26
وخبر مسمع بن عبد الملك قال لي أبو عبد الله
في حديث : ( رحم الله دمعتك ، أما إنك من الذين يعدون من أهل الجزع لنا ، والذين يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا
وقد نقل الشيخ الصدوق في ( أماليه – ص – 131 ، قال : ( حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق ( رحمه الله ) قال : أخبرنا أحمد بن محمد ا لهمداني ، عن علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه ، قال : قال الإمام الرضا (ع) : من تذكر مصابنا وبكى لما أرتكب منا كان معنا في درجتنا يوم القيامة ، ومن ذكر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبكي عينه يوم تبكي العيون ، ومن جلس مجلسا يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب .
فالإمام أقام العزاء للحسين عليه السلام وجدد مصيبته في كل محرم بحزنه وبكائه ، وتغير لونه .وهناك روايات كثيرة واردة في أن الأئمة (ع) كانوا يظهرون الحزن والعزاء عند دخول شهر محرم ، وهناك مسألة لابد من الالتفات لها هي إن الأئمة سلام الله عليهما ماكانوا عليه من المطاردة والمحاصرة والمراقبة المشددة من قبل الدولتين الأموية – هي التي وقعت فيها معركة كربلاء – والدولة العباسية ، ومعلوم موقف الدولتين من أئمة أهل البيت ، فلذلك لاتجد أن الإمام يقيم العزاء العام ويدعوا الناس إليه.
ما ورد في خبر صالح بن عقبة ، عن أبيه ، عن أبي جعفر الصادق عليه السلام في حديث :
ثم ليندب الحسين ويبكيه ، ويأمر من في داره ممن لا يتقيه بالبكاء عليه ، ويقيم في داره المصيبة بإظهار الجزع عليه ) (مصباح المتهجد ص 536 ، وفي مقتل الخوارزمي ج2 ص130 – 131
سيدة النساء عليها السلام عن أبيها (صلى الله عليه وآله ) على ما في العقد الفريد ج3 ص 194 – 195 : وقفت فاطمة عليها السلام على قبر أبيها ، صلى الله عليه وآله فقالت :
إذا فقدناك فقد الأرض وإبلها**** وغاب مذ غبت عنا الوحي و الكدٌب
فليت قبلك كان الموت صادفنا **** لما نعيت وحالت دونك الكدب فاطمة عليها السلام
الله عنها : أطابت نفوسكم أن تحثوا على رسول الله (ص) ، وأخذت من تراب القبر الشريف ، ووضعته على عينيها ، وأنشأت تقول :
فليت قبلك كان الموت صادفنا **** لما نعيت وحالت دونك الكدب فاطمة عليها السلام
الله عنها : أطابت نفوسكم أن تحثوا على رسول الله (ص) ، وأخذت من تراب القبر الشريف ، ووضعته على عينيها ، وأنشأت تقول :
ماذا على من شم تربة أحمدٍ أن لا يشم مدى الزمان غواليا
صبت علي مصائب لو أنها ****** صبت على الأيام عدن لياليا
ذكره ابن الجوزي في كتابه ( الوفاء ) بأحوال المصطفى ) ج2 ص 803
وذكر هذه الأبيات والموقف ابن سيد الناس في عيون الأثر ، ج2 ص 423 وسير أعلام النبلاء للذهبي ، ج2 ص 134 ، وتاريخ الخميس للديار بكري ج2 ص173 ، ووفاء الوفاء للسمهودي ج4 ص113 ، و الإتحاف بحب الإشراف للشبراوي ص33
أوضح ذلك الإمام الصادق عليه السلام حيث قال :البكائون خمسة :
آدم ، ويعقوب ، ويوسف ، وفاطمة بنت المصطفى ، وعلي بن الحسين ، عليهم السلام
إما آدم عليه السلام فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الأودية .
وأما يعقوب عليه السلام فبكى على يوسف حتى ذهب بصره .
إما يوسف عليه السلام فبكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن ، فقالوا : إما إن تبكي بالنهار وتسكت بالليل ، وإما إن تبكي بالليل وتسكت بالنهار ، فصالحهم على واحد منهما
إما فاطمة بنت محمد (ص) فبكت على رسول الله (ص) حتى تآذى بها أهل المدينة ، وقالوا لها : قد آذيتنا بكثرة بكائك ! فكانت تخرج إلى المقابر مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف .
وأما علي بن الحسين عليه السلام : عشرين أو أربعين عاما ، وما وضع بين يديه طعام إلا بكى ، حتى قال له مولى له : جعلت فداك يا بن رسول الله ، إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين ! قال : إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ، وأعلم من الله مالا تعلمون ، إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني لذلك عبرة ( أمالي الصدوق ص 204 .
هناك نصوص كثيرة تدل على مشروعية تحمل الأذى ، حزنا على أولياء الله وأصفيائه ، نذكر منها ما يلي :
إن النبي يعقوب عليه السلام بكى على ولده النبي يوسف عليه السلام – رغم انه كان يعلم بأنه على قيد الحياة – حتى أبيضت عيناه من الحزن ، وقد قال له أبناؤه أيضاً : [ قٌَالٌوا تالله تَفتَؤَا تَذََكٌر يُوسفَ حَتٌى تَكٌونَ حَرَضاً أَو تَكونَ مِنَ الهَالِكِينَ] [يوسف 85
ثانيا : قد أجاب الإمام زين العابدين (ع) بما دل من القرآن على استمرار حزن يعقوب عند رده على من أشكل عليه باستمرار حزنه على أبيه كما أورده أبو نعيم الأصفهاني عن الحسين (ع) في ( حلية الأولياء ) ج3 ص 162 عن كثرة بكائه – أي بكاء زين العابدين (ع) –فقال : لا تلوموني فإن يعقوب فقد سبطا من ولده فبكى حتى ابيضت عيناه ولم يعلم أنه مات وقد نظرت إلى أربعة عشر رجلا من أهل بيتي ومن أصحابنا وموالينا ومحبينا في غزاة واحدة أفترون حزنهم يذهب من قلبي .
وروي ان الإمام السجاد (ع) كان يبكي عند شرب الماء ، حتى يجري مع الدمع الدم في الإناء ( تاريخ النياحة ج6 ص146 عن جلاء العيون للسيد عبد الله شبر ، وعن أعيان الشيعة .
يقولون لماذا نحيي ذكرى الحسين أكثر من غيره قال الإمام زين العابدين عليه السلام
لا يوم كيومك يا أبا عبد الله (ع) وردت هذه الجملة على لسان الإمام السجاد (ع) حين وقع بصره يوماً على ولد العباس فبكى ،
وذكر يوم أحد يوم قتل الحمرة ، وذكر معركة مؤتة يوم قتل جعفر بن أبي طالب عليهم السلام ثم قال :
لايوم كيوم الحسين إذ لف إليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنهم من هذه الأمة كل يتقرب الى الله عز وجل بدمه وهو بالله يذكرهم فلا يتعظون حتى قتلوه بغياً وظلماً وعدواناً ناسخ التواريخ ، 4 : 73 ، بحار الأنوار 22 : 274 ) ، رحم الله العباس الذي بذل مهجته دون الحسين معالي السبطين 2 ، 10 ، المناقب لابن شهر أشوب 4 ، 86
وكان أمير المؤمنين ، والإمام الحسن عليهما السلام قد خاطبا الحسين بالقول لا يوم كيومك يا أبا عبد الله ( نفس المصدر السابق )
مع ان جميع مصائب آل البيت مؤلمة ومريرة إلا أن ما جرى في كربلاء يعد أكثرها ألما ومرارة ، إذا ليست مرارة واقعة أكثر لوعة وأسى من واقعة عاشوراء ، ولم يتعرض إمام لمثل ما تعرض له الحسين وأبناؤه تستخدم الجملة أعلاه لتطييب الخواطر ومواساة المفجوعين ، وكثيرا ما حث الأئمة على استذكار عاشوراء عند مواجهة أية مصيبة ليخف وطؤها وألمها على المصاب بها .
والخطباء وقراء المراثي حينما يتحدثون عن حياة أي إمام يذكرون هذه الجملة عادة للا نتقال من ذلك الموضوع أو أي موضوع آخر إلى الحديث عن مصيبة كربلاء التي هي من أشد مصائب أهل البيت وتهون إلى جانبها أية مصيبة أخرى
مقولة للإمام الحسن عليه السلام :
يصف فيها عظم واقعة كربلاء ، وإنها كبيرة بالقياس إلى دس السم إليه ، وأن الذي يستحق البكاء الكثير والحزن الطويل هو مصيبة أبي عبد الله الحسين ومهما يفعل الظالمون اليوم من ويلات وكوارث فان واقعة ألطف تبقى أكثر ألماً واشد حسرة ، وذلك انه قتل فيها سبط رسول الله _صلى الله عليه وآله) والحجة على الخلق أجمعين بأبشع قتلة ، حتى امتلأ جسده جراحات حتى صار الجرح على الجرح والطعنة على الطعنة ، وقتل معه خيرة أهل بيته من أخوته وولده وقتل الأطفال وخيرة الأصحاب خير الناس بعد المعصومين على وجه الأرض وسبيت نساءه وضربن وهتكن ولوعن . إذن ليس هناك مصيبة مهما تكن بلغت إلى تلك الفظاعة