السلام عليكم و رحمة الله و بركاته..
مسألة منع تدوين أحاديث رسول الله بأمر من الخليفتين الاول و الثاني أشهر من نار على علم...و التالي بعض الروايات الدالة على ذلك:
أولا: أبوبكر:
ورد عن عائشة أنَّها قالت: «جَمَع أبي الحديث عن رسول الله (ص) وكانت خمسمائة حديث، فبات ليلته يتقلّب كثيراً.
قالت: فغمّني، فقلت: أتتقلّب لشكوى أو لشيء بَلَغك؟
فلمّا أصبح قال: أي بُنيّة، هَلُمِّي الاَحاديث التي عندك.
فجئته بها، فدعا بنار فحرقها.
فقلت: لِمَ أحرقتها؟
قال: خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنتُه ووثقتُ [به]، ولم يكن كما حدّثني فأكون نقلت ذلك».
المصدر: تذكرة الحفّاظ 1: 5، الاعتصام بحبل الله المتين 1: 30، حجّيّة السنّة: 394.
جاء في تذكرة الحفّاظ: ومن مراسيل ابن أبي مُليكة: «أنّ الصدِّيق جمع الناس بعد وفاة نبيّهم، فقال: إنَّكم تحدّثون عن رسول الله (ص) أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشدّ اختلافاً، فلا تحدّثوا عن رسول الله شيئاً. فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلّوا حلاله، وحرّموا حرامه».
المصدر: تذكرة الحفّاظ 1: 2 3، حجّيّة السنّة: 394.
ثانيا: عمر:
عن عروة بن الزبير: إنّ عمر بن الخطّاب أراد أن يكتب السنن فاستشار في ذلك أصحاب رسول الله (ص)، فأشاروا عليه أن يكتبها، فطفق عمر يستخير الله فيها شهراً، ثمّ أصبح يوماً، وقد عزم الله له، فقال: إنّي كنت أردت أن أكتب السنن، وإنّي ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً، فأكبّوا عليها، فتركوا كتاب الله تعالى، وإنّي والله لا أُلبِسُ كتابَ الله بشيء أبداً.
المصدر:تقييد العلم: 49، حجّيّة السنّة 395 عن البيهقيّ في المدخل ، وابن عبدالبرّ.
وروي عن يحيى بن جعدة: «أنّ عمر بن الخطّاب أراد أن يكتب السنّة ثمّ بدا له أن لا يكتبها.
ثمّ كتب في الاَمصار: من كان عنده منها شيء فليمحُه
المصدر:تقييد العلم: 53، حجّيّة السنّة: 395.
عن القاسم بن محمّد بن أبي بكر: إنّ عمر بن الخطّاب بلغه أنّه قد ظهرت في أيدي الناس كتب، فاستنكرها وكرهها، وقال: أيُّها الناس! إنّه قد بلغني أنّه قد ظهرت في أيديكم كتب فأحبُّها إلى الله أعدلها وأقومها، فلايُبقينَّ أحدٌ عنده كتاباً إلاّ أتاني به، فأرى فيه رأيي.
قال: فظنّوا أنّه يريد أن ينظر فيها ويقوّمها على أمرٍ لا يكون فيه اختلاف، فأتَوْه بكتبهم،فأحرقها بالنار!!
ثمّ قال: أُمنية كأُمنية أهل الكتاب.
المصدر: حجّيّة السنّة: 395.
وفي الطبقات الكبرى: «مثناة كمثناة أهل الكتاب».
المصدر:الطبقات الكبرى لابن سعد 1: 140.
إذن: ألم يأت تدوين الأحاديث النبوية في عصر متأخر؟؟
إن كان ذلك كذلك...فما قيمة صحة السند و علم الجرح و التعديل مادام المتن أصلا غير مأمون عليه من أن
يكون قد تغير مضمونه؟؟ كأن يكذب أحدهم كذبه..ثم يتناقلها أصحابه "بأمانه"...ما فائدة الأمانه بنتاقل كذبة؟
أضيفوا إلى ذلك، إن الفترة الزمنية بين رسول الله و فترة حكم عمر بن عبدالعزيز تقارب
التسعين سنة! فكيف نصل لدرجة الاطمئنان بصحة الرواية وهي مدونه بعد أن قيلت بعدة عقود!؟
و حتى لو لم نشأ أن نتهم أحد بأمانة النقل..فإن الوهم جائز على من سمع بأذنه...فما بالكم بمن دوّن بعد سنين طويله؟؟
و أضرب مثالا على من سمع بأذنه و فهم فهما خاطئا للحديث:
عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة قال : توفيت ابنة لعثمان ، فجئنا لنشهدها ، وحضرها ابن عمر وابن عباس ، فقال عبد الله بن عمر : لعمرو بن عثمان ألا تنهى عن البكاء ؟ فان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ، فقال ابن عباس : قد كان عمر ، يقول بعض ذلك ، . . . . فذكر ذلك لعائشة فقالت : رحم الله عمر والله ما حدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ان الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه ، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه .
المصدر: صحيح البخاري كتاب العمرة باب ، كم اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم 1774 و 1775 .
فلاحظ كيف حصل الالتباس في عصر الصحابة في حديث مضمونه بسيط جدا...فكيف
نأمن على أي حديث من بعد ذلك مروي من أناس بينهم و بين رسول الله

أما من ناحية السند...فعلم الجرح و التعديل قائم على رأي شخصي للقائم بعملية الجرح و التعديل..
فمن أين نعلم أن ذلك لم يفسده ما في النفس من أهواء و ضغائن و أحقاد و ميول؟؟
و من قال أن العلماء القائمون بالجرح و التعديل هم بمقام إصدار أحكام على الناس؟؟
و من قال أن الناس الذين طالهم الجرح و التعديل هم على حال واحدة؟؟
فسبحان الذي يغيّر و لا يتغيَّر!!! فالإنسان بين طرفة عين و انتباهتها في أحوال مختلفه!!
أضف إلى ذلك معارضة علم الجرح و التعديل لكلام الله سبحانه و تعالى...
فقد قال تعالى: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا" - النساء 49
و قال تعالى: "فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى" -النجم 32
و قال عز من قائل: "وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا" - النساء 112
ثم اليس الكلام عن الغير و الخوض فيهم مخالف لقول الله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ " - الحجرات 11 : 12
فهل علماء الجرح و التعديل مطلعون على السرائر؟؟ و هل يعلمون الغيب؟؟؟
هل يقدر أي رجل أن يقسم بالله يمينا مغلظة بأن الرجل الفلاني المجروح، لم يظلم في ذلك الجرح قطعا؟؟؟
و هل يقدر أي رجل أن يقسم بالله يمينا مغلظة بأن الرجل الفلاني المعدّل، هو فوق أن يجرح قطعا؟؟؟
إذن مسألة الجرح و التعديل مسألة هوائية بالتأكيد و لا تعبر إلا عن رأي شخص أو جماعة
من الأشخاص عن ظنّهم بشخص ما....فالمسألة ظنية إلا أن يزعم شخص ما أنه يعلم الغيب..
و الكلام هنا بالطبع ليس عمن ظهر فسقه و فجوره عيانا..فالمسألة هنا منتهية..
بل الكلام عن رجال عاديين...لهم محاسن و لهم مثالب...مثلنا جميعا....فكيف نحكم على هؤلاء؟؟
و ما هو المعيار؟؟
لا يوجد معيار ثابت!! فبعض الرواة يصححهم البعض و يضعفهم البعض الآخر..
و بعض الرواة يكون لعالم واحد أكثر من رأي فيهم!!
و من شاء أن أسوق له أمثلة كثيرة جدا في هذا الخصوص فسأنعم له عينا!!
و مثال على أن الجرح و التعديل علم تلعب فيه الأهواء بشكل كبير هو ما رواه الحاكم:
حدثنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم المزكي ثنا أحمد بن سلمة والحسين بن محمد القتباني وحدثني أبو الحسن أحمد بن الخضر الشافعي ثنا إبراهيم بن أبي طالب ومحمد بن إسحاق وحدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أمية القرشي بالساقة ثنا أحمد بن يحيى بن إسحاق الحلواني قالوا ثنا أبو الأزهر وقد حدثناه أبو علي المزكي عن أبي الأزهر قال ثنا عبد الرزاق أنبأ معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس رضي الله عنهما قال نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلي فقال ثم يا علي أنت سيد في الدنيا سيد في الآخرة حبيبك حبيبي وحبيبي حبيب الله وعدوك عدوي وعدوي عدو الله والويل لمن أبغضك بعدي صحيح على شرط الشيخين وأبو الأزهر بإجماعهم ثقة وإذا تفرد الثقة بحديث فهو على أصلهم صحيح.
ثم قال:
سمعت أبا عبد الله القرشي يقول سمعت أحمد بن يحيى الحلواني يقول لما ورد أبو الأزهر من صنعاء وذاكر أهل بغداد بهذا الحديث أنكره يحيى بن معين فلما كان يوم مجلسه قال في آخر المجلس أين هذا الكذاب النيسابوري الذي يذكر عن عبد الرزاق هذا الحديث فقام أبو الأزهر فقال هو ذا أنا فضحك يحيى بن معين من قوله وقيامه في المجلس فقربه وأدناه ثم قال له كيف حدثك عبد الرزاق بهذا ولم يحدث به غيرك فقال أعلم يا أبا زكريا أني قدمت صنعاء وعبد الرزاق غائب في قرية له بعيدة فخرجت إليه وأنا عليل فلما وصلت إليه سألني عن أمر خراسان فحدثته بها وكتبت عنه وانصرفت معه إلى صنعاء فلما ودعته قال لي قد وجب علي حقك فأنا أحدثك بحديث لم يسمعه مني غيرك فحدثني والله بهذا الحديث لفظا فصدقه يحيى بن معين واعتذر إليه. انتهى النقل.
( المستدرك على الصحيحين ج: 3 ص: 138)
فلاحظوا سرعة حكم يحى بن معين على الراوي بالكذب...سبحان الله على المزاجية
و استسهال إطلاق الأحكام على الناس...ثم بعد أن صار هناك أخذ و رد صدق ابن معين الرواية!!
ليس الغرض من هذا الموضوع كله التوقف عن أخذ الأحاديث النبوية و العياذ بالله..
فقد كذب من قال: "حسبنا كتاب الله"...بل هي دعوة للتوقف عن عبادة الأسانيد لمجرد أن
فلانا قال عن فلان أنه ثقة...ما أدراك؟؟ أو رد حديث لمجرد أن فلانا قال عن فلان أنه كذاب..ما أدراك؟؟
بعد الكلام أعلاه...أود من الإخوة السنة و الشيعة أن يدلوا بدلوهم في هذا الموضوع..من دون تعصب..
و ليس الغرض هو الجدال...بل معرفة الآراء للإثراء الفكري..
و صلى الله على رسوله المصطفى أبي القاسم محمد و آله الطيبين الطاهرين..
تعليق