في قضية هي من أغرب القضايا التي مرَّت علي القضية التي سأعرض لها.
ذلك لأننا اعتدنا أن المجسمة ممن تأثر بفكر شيخهم يقدّمون رأيه على أي رأي سابق أو لاحق ، حتى ولو تعارض مع رأي الصحابة .. ولا أريد القول ــ حتى على أقوال النبي الأعظم روحي فداه ــ فمواضيعنا ومواضيع غيرنا ممن تطرق لهذا الأمر يلمس ذلك يقيناً .
لكن الغريب أن يأتي مجسم غارق في التجسيم ومتأثر بشيخ المجسمة وبعقائده وأفكاره لحدّ يفوق مستوى الغلوـــ الشيخ محمد حامد الفقي (ت 1378 هـ) ـــ فيرميه بالكذب فيما يحكيه عن نفسه !!! ... فهذا ما لم أجده من قبله ولا بعده ممن تأثر به كما أسلفت !!
ذلك لأننا اعتدنا أن المجسمة ممن تأثر بفكر شيخهم يقدّمون رأيه على أي رأي سابق أو لاحق ، حتى ولو تعارض مع رأي الصحابة .. ولا أريد القول ــ حتى على أقوال النبي الأعظم روحي فداه ــ فمواضيعنا ومواضيع غيرنا ممن تطرق لهذا الأمر يلمس ذلك يقيناً .
لكن الغريب أن يأتي مجسم غارق في التجسيم ومتأثر بشيخ المجسمة وبعقائده وأفكاره لحدّ يفوق مستوى الغلوـــ الشيخ محمد حامد الفقي (ت 1378 هـ) ـــ فيرميه بالكذب فيما يحكيه عن نفسه !!! ... فهذا ما لم أجده من قبله ولا بعده ممن تأثر به كما أسلفت !!
[قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ القَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ] {القصص:63} .
لن نطيل الحديث ، فلنترك الشيخ السلفي أحمد محمد شاكر ( المتوفى سنة 1377 هـ ) في كتابه "كلمة الحق" ...
لكن قبل ذلك سأنقل الشاهد لموضوعي ، ثم أترككم مع الشيخ شاكر لسرد القضية بالتفصيل ...
جاء في مجلة (الهدى النبوي) ، التي يترأسها المجسم محمد حامد الفقي ، في عدد شهري رجب وشعبان من المجلد 19 سنة 1374، في ص31، أثناء فتوى ابن تيمية تيمية، (في الرد والإنكار على طوائف من الضلال) تعليق للفقي المذكور على كلام ابن تيمية ، حين يقول ــ أي ابن تيمية ــ :
(وأما كونه لم يتبين له كيفية الجن ومقاماتهم، فهذا ليس فيه إلا إخباره بعدم علمه، لم ينكر وجودهم. إذ وجودهم ثابت بطرق كثيرة غير دلالة الكتاب والسنة. فإن من الناس من رآهم، ومنهم من رأى من رآهم، وثبت ذلك عندهم بالخبر اليقين. ومن الناس من كلّمهم وكلموه. ومن الناس من يأمرهم وينهاهم ويتصرف فيهم. وهذا يكون للصالحين ولغير الصالحين. ولو ذكرتُ ما جرى لي ولأصحابي معهم لطال الخطاب ! !. وكذلك ما جرى لغيرنا).
فجاء تعليق حامد الفقي الكارثي ــ في هامش الفتوى ــ ، عند قوله (ويتصرَّف فيهم)، بما نصه:
"ليس ثمّ دليل على صدق أولئك المخبرين. ولعل أكثرهم كان واهماً ومتخيلاً. وقد قال الله: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ)". انتهى تعليق الفقي.
وهذا ما جعل الشيخ شاكر وهو من مريدي ابن تيمية ايضاً أن ينكر على الفقي اشد الإنكار !! إذ كيف يكذب شيخ الإسلام !! في دعواه وإخباره عن نفسه أنه رأى الجن وأنه يأمرهم ويتصرَّف فيهم ...إلخ ؟!!!
بل إن حامد الفقي أراد أن يكحلها فأعماها ــ كما يقال ــ إذ أنه لما أراد الدفاع عن نفسه استشهد بقول الشافعي فيمن يدّعي رؤية الجن بقوله في تعقيبه على الشيخ شاكر :
(.. وقد روى البيهقي في مناقب الشافعي رحمه الله عن الربيع بن سليمان أنه سمع الشافعي يقول "من زعم أنه يرى الجن رددنا شهادته !! ، إلا أن يكون نبياً") انتهى
فيكون أضاف إلى تكذيب ابن تيمية أنه غير مقبول الشهادة أيضاً وإن كانت الثانية مترتبة على الأولى !!.
[كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ] {الأعراف:38} .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والآن اسمحوا لي أن أترككم مع الشيخ أحمد محمد شاكر ليسرد لنا القضية من بدايتها حتى نهايتها بقلمه .
يقول الشيخ أحمد محمد شاكر في كتابه "كلمة الحق" الطبعة الأولى ، سنة 1407 هـ ، تقديم الأستاذ عبدالسلام هارون ، طبع دار الكتب السلفية ، القاهرة ،
ص 311 وما بعدها تحت فصل (بيني وبين الشيخ حامد الفقي) ، ما نصه :
(ولمن انتصـر بعـد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد رسول الله، خاتم الأنبياء والمرسلين، وسيد الخلق أجمعين، وعلى آله وصحبه الطيبين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
فما كنت لأود أن أقف من صديقي القديم الشيخ محمد حامد الفقي –هذا الموقف. ولكنه أبى إلا أن يدمِّر صداقة عاشت على الدهر قرابة نصف قرن. ولكنه سئمها فدمرها تدميراً.
وليست فعلته هذه بأول ما فعل، ولكنها خاتمته التي اختارها وعمل لها بضع سنين، إن لم يكن وأكثر، ونحن لا ندري.
ولست أظن بصديقي القديم –وهو قوي الذاكرة، حافظ للأحداث –أن ينسى ما فعل ويفعل، أو ينسى ما خطّته يمينه، مما لا نريد كشف الغطاء عنه.
وقد أعتدنا طول حياتنا الأخوية أن نختلف في الرأي، وأن يطول بيننا الخلاف والجدال، فلا يُغضب أحداً منا خلافُ الآخرِ إياه. واعتدنا أن ينقد الآخر أشدّ النقد، فلا يظهر لهذا النقد أثر فيما بيننا. ولكن الصديق القديم اختطّ لنفسه منذ بضع سنين، خطة الاستعلاء والطغيان العلمي –بما اعتقد في نفسه أنه أعلم الناس في هذا العصر، كما صارحني بذلك. حتى لقد صارحته حينذاك بأن لا أجادله في العلم، لئلا أؤرِث حقده الذي بدا، ولا أثير طغيانه الذي اتخذه لنفسه سبيلاً.
ولكن كان يغلبني الفينة بعد الفينة ما درجنا عليه عمراً طويلاً، فأُناقشه في شيء من العلم، ثم أستدرك خطئي وأسكت.
فكان آخر ذلك أن قرأت في مجلة (الهدى النبوي) في عدد (شهري رجب وشعبان سنة 1374) تعليقاُ له على رسالة منشورة في المجلة، من رسائل شيخ الإسلام ابن تيمية –فهمتُ من هذا التعليق أنه يتضمن تكذيباً لشيخ الإسلام، يكاد يكون صريحاً في ذلك. فكبُر على الأمر، ولم أجد مناصاً من وضع الحق في نصابه، وتبرئة شيخ الإسلام رحمه الله من هذه التهمة، ومحاولة تبرئة الصديق القديم من أن يرمي إلى هذا أو يقصد إليه. ووضعت بين يديه فرصة يهْتبِلُها، لتأويل ما أفلت من قلمه من الباطل. أو للاعتراف بالخطأ صراحة والرجوع عنه علناً، وإن لم يكن لي في ذلك أمل، فأنا أعرف صديقي.
فكتبت مقالاً يوم الثلاثاء 3 رمضان سنة 1374، وأرسلته إليه بالبريد المسجل، لما يشقّ علي من كثرة الحركة في رمضان، مع ارتفاع سني وضعف صحتي.
وكان أكثر ما أخشاه أن يطوىَ المقال فلا ينشره في المجلة، لما أعرفُه من خُلُقه. فحاولت الاتصال به تلفونياً في منزله وفي مقر (جماعة أنصار السنة المحمدية) مراراً، فلم أوفق. فحدثت صديقاً لي وله –كريماً- في هذا الشأن، ورجوتُه أن ينصحه بنشر المقال والتعقيب عليه بما شاء. ثم زارني هذا الصديق الكريم، في رفقة من إخواننا مساء الخميس 20 رمضان –فأخبرني أنه استطاع هذا اليوم الاتصال بالشيخ حامد، وحدّثه بشأن المقال، فأنكر له أنه ورد إليه. فعجبت وسكتُّ. ثم جاء الصديق القديم الشيخ حامد مصادفة ونحن بالمجلس، فلم أستحسن أن أتحدث إليه في ذلك على ملأ من الحاضرين. ولكني حدثته بشأنه منفردين عند عزمه على الانصراف –فكان حديثاً عجباً:
لم أخبره بما قال الصديق الكريم لئلا أُحْرِجه. بل سألته عن المقال ونيته فيه. فقال: ولماذا تهتم به وتريد نشره؟ وفهمت منه أنه لا يريد نشره. فأفهمته وجهة نظري: أني أرمي بذلك إلى تبرئة شيخ الإسلام ابن تيمية من شبهة تظهر من كلامه (أعني كلام الشيخ حامد). فقال لي –وهو يحاورني: "ابن تيمية بتاعي قبلك"! فأجبتُه بأن ابن تيمية ليس خاصاً بي ولا بك، بل هو لجميع المسلمين. وتحاورنا قليلاً نحو هذا المعنى، ثم سكتُّ –كعادتي معه- إذ لم أجد فائدة من الكلام واستيقنت حينئذ أنه سيطوى المقال، وأنه غير ناشره. فلم أحرِّك ساكناً بعد ذلك، حتى أرى عاقبة أمره.
ولم أعجب من إنكاره للصديق الكريم وصول مقالي إليه –صدر النهار، واعترافه لي ضمن كلامه- مساء اليوم نفسه! فإن الحقائق عند الصديق القديم تتغيّر بتغيُّر المتحدث إليه. وأنا أعرف صديقي.
وكان من المصادفات التي لم يكن لي يد فيها: أن وصل إليّ يوم الأربعاء 11 رمضان سنة 1374 كتاب طبع حديثاً، فيه أربع رسائل، ثلاث منها تأليف عالم فاضل من إخواننا علماء الحجاز السلفيين، هو (الشيخ محمد سلطان المعصومي الخجندي)، حفظه الله. والرابعة من تأليف (الشيخ محمود شويل) رحمه الله. كلها في الرد على الشيخ حامد الفقي.
وهي: (تنبيه النبلاء من العلماء. إلى قول حامد الفقي: إن الملائكة غير عقلاء). و(القول الفصل، في حقيقة سجود الملائكة واتصافهم بالعقل)، وهذه للشيخ محمود شويل. و(الرد الوفي، على تعليقات حامد الفقي). و(نغمة جديدة من رئيس أنصار السنة المحمدية).
فحين جاءني هذا الكتاب وقرأته تأكد مصير مقالي عنده. فإن الصديق القديم يعيد النظر في مثل هذه الشؤون، لا يأمن لأحد من إخوانه، ولا يثق بصدق أحد ولا بصداقته. يغلبه سوء الظن بالناس، حتى بأقرب الناس إليه. ففهمت أنه سيربط بين مقالي وبين هذا الكتاب برباط وثيق، ويعتبرهما جزءاً من مؤامرة ينسج شباكها (المعوِّقون الذين يلقون في طريقه الغبار والأشواك) –كما يقول. وعلمت أني مهما أفعل لأنفي العلاقة بين مقالي وبين الكتاب –ومع معرفته بخُلُقي، ويقينه من نفوري من المؤامرات والدسائس- فما ذلك بنافعي عنده، ولا بمبرئي من سوء ظنه. وأنا أعرف صديقي.
فلم أقل شيئاً، ولم أحرك ساكناً، حتى أستبين عاقبة أمره.
ثم جاءني بالبريد، العدد التالي من مجلة (الهدى النبوي) –عدد رمضان وشوال سنة 1374- فتحقق ما استيقنت من قبل: طوى مقالي فلم ينشره، ولم يؤد الأمانة التي اؤتمن عليها. ووجدت بدلاً منها مقالاً بقلمه، يبرأ فيه من رمى شيخ الإسلام ابن تيمية بالكذب، حسناً فعل. وليته اكتفى بهذا فستر نفسه! ولكنه ذهب يتأول كلامه لينفي عن نفسه التهمة، بطريقة عجيبة، تثبت عليه الذي يتبرأ منه، والذي كنا نحسن الظن به فنفهم أنه لم يقصد إليه، وأنه إنما أفلت منه عن تعجّل كعادته. ثم ملأ مقاله بمدح نفسه، بما الله أعلم بحقيقته منه. وختَمه بالغمز واللمز كعهدنا به، ولم يذكر اسمي في مقاله، ترفُّعا منه واستكباراً..
فرأيت أن أضع الحق موضعه، وأن أؤدي الأمانة التي اؤتمنت عليها. ولم أجد من اللائق بي وبه، أن ألجأ إلى صحيفة أخرى غير مجلته. ووجدت أن خير ما أعمل، أن أنشر على الناس هذا الكتاب، أُثبت فيه مقالي كاملاً، ومقاله كله، غير مُخْف منهما حرفاً واحداً. ثم أعقب على مقاله فيما يتصل بالمعنى العلمي، معرضاً عن اللغو، وعما اجترأ عليه من الغمز واللمز. فما كان ذلك لينصر رأياً، أو يقيم حجة على أحد. وما كان ذلك من شأن أهل العلم.
وسيقرأ كتابي هذا إخواننا السلفيون، أنصار السنة، وغيرهم من أهل العلم، في مصر وفي غير مصر –إن شاء الله- وسيكون رأيهم الفيصل، وقولهم الحكم، فيما بيني وبينه.
والله يهدينا جميعاً إلى سواء الصراط... )
يتبع ....
تعليق