حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضي الله عنه قال حدثنا أبي قال حدثني محمد بن يحيى قال حدثني محمد بن خلف الطاطري قال حدثني هرثمة بن أعين قال
كنت ليلة بين يدي المأمون حتى مضى من الليل أربع ساعات ثم أذن لي في الانصراف فانصرفت فلما مضى من الليل نصفه قرع قارع الباب فأجابه بعض غلماني فقال له قل لهرثمة أجب سيدك قال فقمت مسرعا و أخذت على أثوابي و أسرعت إلى سيدي الرضا ع فدخل الغلام بين يدي و دخلت وراءه فإذا أنا بسيدي ع في صحن داره جالس فقال لي يا هرثمة فقلت لبيك يا مولاي فقال لي اجلس فجلست فقال لي اسمع وعه يا هرثمة هذا أوان رحيلي إلى الله تعالى و لحوقي بجدي و آبائي ع و قد بلغ الكتاب أجله و قد عزم هذا الطاغي على سمي في عنب و رمان مفروك فأما العنب فإنه يغمس السلك في السم و يجذبه بالخيط بالعنب و أما الرمان فإنه يطرح السم في كف بعض غلمانه و يفرك الرمان بيده ليتلطخ حبه في ذلك السم و إنه سيدعوني في اليوم المقبل و يقرب إلى الرمان و العنب و يسألني أكلها فآكلها ثم ينفذ الحكم و يحضر القضاء فإذا أنا مت فسيقول أنا أغسله بيدي فإذا قال ذلك فقل له عني بينك و بينه أنه قال لي لا تتعرض لغسلي و لا لتكفيني و لا لدفني فإنك إن فعلت ذلك عاجلك من العذاب ما أخر عنك و حل بك أليم ما تحذر فإنه سينتهي
قال فقلت نعم يا سيدي قال فإذا خلى بينك و بين غسلي حتى ترى فيجلس في علو من أبنيته مشرفا على موضع غسلي لينظر فلا تتعرض يا هرثمة لشيء من غسلي حتى ترى فسطاطا أبيض قد ضرب في جانب الدار فإذا رأيت ذلك فاحملني في أثوابي التي أنا فيها فضعني من وراء الفسطاط و قف من ورائه و يكون من معك دونك و لا تكشف عني الفسطاط حتى تراني فتهلك فإنه سيشرف عليك و يقول لك يا هرثمة أ ليس زعمتم أن الإمام لا يغسله إلا إمام مثله فمن يغسل أبا الحسن علي بن موسى و ابنه محمد بالمدينة من بلاد الحجاز و نحن بطوس فإذا قال ذلك فأجبه و قل له إنا نقول إن الإمام لا يجب أن يغسله إلا إمام مثله فإن تعدى متعد فغسل الإمام لم تبطل إمامة الإمام لتعدي غاسله و لا بطلت إمامة الإمام الذي بعده بأن غلب على غسل أبيه و لو ترك أبو الحسن علي بن موسى الرضا ع بالمدينة لغسله ابنه محمد ظاهرا مكشوفا و لا يغسله الآن أيضا إلا هو من حيث يخفى فإذا ارتفع الفسطاط فسوف تراني مدرجا في أكفاني فضعني على نعشي و احملني فإذا أراد أن يحفر قبري فإنه سيجعل قبر أبيه هارون الرشيد قبلة قبري و لا يكون ذلك أبدا فإذا ضربت المعاول نبت عن الأرض و لم يحفر لهم منها شيء و لا مثل قلامة ظفر فإذا اجتهدوا في ذلك و صعب عليهم فقل له عني أني أمرتك أن تضرب معولا واحدا في قبلة قبر أبيه هارون الرشيد فإذا ضربت نفذ في الأرض إلى قبر محفور و ضريح قائم فإذا انفرج القبر فلا تنزلني إليه حتى يفور من ضريحه الماء الأبيض فيمتلئ منه ذلك القبر حتى يصير الماء مساويا مع وجه الأرض ثم يضطرب فيه حوت بطوله فإذا اضطرب فلا تنزلني إلى القبر إلا إذا غاب الحوت و أغار الماء فأنزلني في ذلك القبر و ألحدني في ذلك الضريح و لا تتركهم يأتوا بتراب يلقونه علي فإن القبر ينطبق من نفسه و يمتلئ قال قلت نعم يا سيدي ثم قال لي احفظ ما عهدت إليك و اعمل به و لا تخالف قلت أعوذ بالله أن أخالف لك أمرا يا سيدي
قال هرثمة ثم خرجت باكيا حزينا فلم أزل كالحبة على المقلاة لا يعلم ما في نفسي إلا الله تعالىثم دعاني المأمون فدخلت إليه فلم أزل قائما إلى ضحى النهار ثم قال المأمون امض يا هرثمة إلى أبي الحسن ع فاقرأه مني السلام و قل له تصير إلينا أو نصير إليك فإن قال لك بل نصير إليه فاسأله عني أن يقدم ذلك
قال فجئته فلما اطلعت عليه قال لي يا هرثمة أ ليس قد حفظت ما أوصيتك به قلت بلى قال قدموا إلي نعلي فقد علمت ما أرسلك به قال فقدمت نعليه و مشى إليه فلما دخل المجلس قام إليه المأمون قائما فعانقه و قبل ما بين عينيه و أجلسه إلى جانبه على سريره و أقبل عليه يحادثه ساعة من النهار طويلة
ثم قال لبعض غلمانه يؤتى بعنب و رمان قال هرثمة فلما سمعت ذلك لم أستطع الصبر و رأيت النفضة قد عرضت في بدني فكرهت أن يتبين ذلك في فتراجعت القهقرى حتى خرجت فرميت نفسي في موضع من الدار فلما قرب زوال الشمس أحسست بسيدي قد خرج من عنده و رجع إلى داره ثم رأيت الأمر قد خرج من عند المأمون بإحضار الأطباءوالمترفقين فقلت ما هذا فقيل لي علة عرضت لأبي الحسن علي بن موسى الرضا ع و كان الناس في شك و كنت على يقين لما أعرف منه قال فما كان من الثلث الثاني من الليل علا الصياح وسمعت الصيحة من الدار فأسرعت فيمن أسرع فإذا نحن بالمأمون مكشوف الرأس محلل الأزرار قائما على قدميه ينتحب و يبكي قال فوقفت فيمن وقف و أنا أتنفس الصعداء ثم أصبحنا فجلس المأمون للتعزية ثم قام فمشى إلى الموضع الذي فيه سيدنا ع فقال أصلحوا لنا موضعا فإني أريد أن أغسله فدنوت منه فقلت له ما قاله سيدي بسبب الغسل و التكفين و الدفن فقال لي لست أعرض لذلك ثم قال شأنك يا هرثمة
قال فلم أزل قائما حتى رأيت الفسطاط قد ضرب فوقفت من ظاهره و كل من في الدار دوني و أنا أسمع التكبير و التهليل و التسبيح و تردد الأواني و صب الماء و تضوع الطيب الذي لم أشم أطيب منه قال فإذا أنا بالمأمون قد أشرف على بعض أعالي داره فصاح يا هرثمة أ ليس زعمتم أن الإمام لا يغسله إلا إمام مثله فأين محمد بن علي ابنه عنه و هو بمدينة رسول الله ص و هذا بطوس خراسان قال فقلت له يا أمير المؤمنين إنا نقول إن الإمام لا يجب أن يغسله إلا إمام مثله فإن تعدى متعد فغسل الإمام لم تبطل إمامة الإمام لتعدي غاسله و لا تبطل إمامة الإمام الذي بعده بأن غلب على غسل أبيه و لو ترك أبو الحسن علي بن موسى الرضا ع بالمدينة لغسله ابنه محمد ظاهرا و لا يغسله الآن أيضا إلا هو من حيث يخفى قال فسكت عني
ثم ارتفع الفسطاط فإذا أنا بسيدي ع مدرج في أكفانه فوضعته على نعشه ثم حملناه فصلى عليه المأمون و جميع من حضر ثم جئنا إلى موضع القبر فوجدتهم يضربون المعاول دون قبر هارون ليجعلوه قبلة لقبره و المعاول تنبو عنه حتى ما يحفر ذرة من تراب الأرض فقال لي ويحك يا هرثمة أ ما ترى الأرض كيف تمتنع من حفر قبر له فقلت له يا أمير المؤمنين إنه قد أمرني أن أضرب معولا واحدا في قبلة قبر أمير المؤمنين أبيك الرشيد و لا أضرب غيره قال فإذا ضربت يا هرثمة يكون ما ذا قلت إنه أخبر أنه لا يجوز أن يكون قبر أبيك قبلة لقبره فإذا أناضربت هذا المعول الواحد نفذ إلى قبر محفور من غير يد تحفره و بان ضريح في وسطه قال المأمون سبحان الله ما أعجب هذا الكلام و لا أعجب من أمر أبي الحسن ع فاضرب يا هرثمة حتى نرى قال هرثمة فأخذت المعول بيدي فضربت به في قبلة قبر هارون الرشيدقال فنفذ إلى قبر محفور من غير يد تحفره و بان ضريح في وسطه و الناس ينظرون إليه
فقال أنزله إليه يا هرثمة فقلت يا أمير المؤمنين إن سيدي أمرني أن لا أنزل إليه حتى ينفجر من أرض هذا القبر ماء أبيض فيمتلئ منه القبر حتى يكون الماء مع وجه الأرض ثم يضطرب فيه حوت بطول القبر فإذا غاب الحوت و غار الماء وضعته على جانب القبر و خليت بينه و بين ملحده فقال فافعل يا هرثمة ما أمرت به قال هرثمة فانتظرت ظهور الماء و الحوت فظهر ثم غاب و غار الماء و الناس ينظرون ثم جعلت النعش إلى جانب قبره فغطي قبره بثوب أبيض لم أبسطه ثم أنزل به إلى قبره بغير يدي و لا يد أحد ممن حضر فأشار المأمون إلى الناس أن هاتوا التراب بأيديكم و اطرحوه فيه
فقلت لا نفعل يا أمير المؤمنين قال فقال ويحك فمن يملؤه فقلت قد أمرني أن لا يطرح عليه التراب و أخبرني أن القبر يمتلئ من ذات نفسه ثم ينطبق و يتربع على وجه الأرضفأشار المأمون إلى الناس أن كفوا قال فرموا ما في أيديهم من التراب ثم امتلأ القبر و انطبق و تربع على وجه الأرض فانصرف المأمون و انصرفت فدعاني المأمون و خلاني ثم قال لي أسألك بالله يا هرثمة لما صدقتني عن أبي الحسن قدس الله روحه بما سمعته منه قال فقلت قد أخبرت يا أمير المؤمنين بما قال لي فقال بالله إلا ما صدقتني عما أخبرك به غير هذا الذي قلت لي قال فقلت يا أمير المؤمنين فعما تسألني فقال لي يا هرثمة هل أسر إليك شيئا غير هذا قلت نعم قال ما هو قلت خبر العنب و الرمان قال فأقبل المأمون يتلون ألوانا يصفر مرة و يحمر أخرى و يسود أخرى ثم تمدد مغشيا عليه فسمعته في غشيته و هو يجهر و يقول ويل للمأمون من الله ويل له من رسول الله ص و ويل له من علي بن أبي طالب ع ويل للمأمون من فاطمة الزهراء ع ويل للمأمون من الحسن و الحسين ويل للمأمون من علي بن الحسين ويل للمأمون من محمد بن علی ويل للمأمون من جعفر بن محمد ويل له من موسى بن جعفر ويل للمأمون من علي بن موسى الرضا ع هذا و الله هو الخسران المبين يقول هذا القول و يكرره فلما رأيته قد أطال ذلك وليت عنه و جلست في بعضنواحي الدار قال فجلس و دعاني فدخلت عليه و هو جالس كالسكران فقال و الله ما أنت علي أعز منه و لا جميع من في الأرض و السماء و الله لئن بلغني أنك أعدت مما رأيت و سمعت شيئا ليكونن هلاكك فيه قال فقلت يا أمير المؤمنين إن ظهرت علي شيء من ذلك مني فأنت في حل من دمي قال لا و الله و تعطيني عهدا و ميثاقا على كتمان هذا و ترك إعادته فأخذ علي العهد و الميثاق و أكده علي قال فلما وليت عنه صفق بيديه و قال
يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَ هُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَ كانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً
و كان للرضا ع من الولد محمد الإمام ع و كان يقول له الرضا ع الصادق و الصابر و الفاضل و قرة أعين المؤمنين و غيظ الملحدين
عيونأخبارالرضا(ع) ج : 2 ص : 246الی 250