اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
أوقفوا الهرولة:
لكل أمة طابعها العملي الخاص المستلهم من حضارتها ودرجات وعيها وهادفيتها ورشدها ومستوى جديتنها ورسالتها، وحضارة هذه الأمة إلهية ووعيها كبير ورؤيتها متجذرة وهدافيتها عالية ورشدها بالغة، وهي أمة رسالية جادة على طريق صنع الانسان الكبير والأوضاع الحياتية المتقدمة وتثبيت المسار القيمي الكريم القويم العادل الوضيء في هذه الحياة والإتجاه الصاعد بعقل الإنسان وقلبه وإرادته وسلوكه على صراط ربه العظيم .
إنها أغنى الأمم في مستوى إنتمائها وإرثها الحضاري ودورها الرسالي الضخم ورموزها الشامخه وقيمها الخلقية الرفيعة ودينها القويم، وأمة هي الأغنى في كل ذلك لا تستورد الخبيث ولا تهبط إلى مستوى الإسفاف ولا تكون أمعة ولا تركض برجلها وراء كل ساقط ولا ترفع صوطها مع كل ناعق ولا تقبل أن تكون سوقاً مفتوحاً لكل العادات والتقاليد من مبتكرات الجاهلية ولا تسرع في استقبال كل جديدٍ وإن سف، ولا تخترق لكل المحاولات الخبيثة .
أمة بهذا المستوى تجدد وجودها وحياتها بوعي على خطها الحضاري الكريم وتعيد إنتاج ذاتها على نفس الخط صاعدة صامدة، وتحقق كل يوم قفزة على هذا الطريق وتنجز نجاحات مستجدة متوالية، وتنتقي الجيد مما تعرضه سوق الفكر وسوق الثقافة والسياسية والإجتماع وغيرها، وتختار لنفسها بوعي، لا أن تعطي بيدها لخيارات الأخر ومخططاته ومؤمراته وصياغاته في سذاجة واستسلام .
وقد نهت الأحاديث المعصومة الشريفة عن ظاهرة فقد الوزن وعدم الإحساس بالذات والثقة المفرطة في الأخر أو التبعية البلهاء لكل ما يكون عليه ولكل ما يدخل فيه ويبتلي به ويقع في مهاويه، وذلك بمثل هذا المضمون : ( لو دخلوا جحر ضبٍ لدخلتم ). دخلتم جحر ضبٍ على ضيقه ومنافاته لسلامتكم ومصلحتكم المعنوية والمادية وحجمكم الكبير كما دخلوا، وليس عن وعي ولكنه لأنهم دخلوا، وذلك لأنكم تعيشون نظرة مخدوعة لهم تريكم إياهم كباراً عظماء، وأن كل ما يأتي عنهم صحيحٌ وتقدميٌ وموثوق ، وتعيشون واهمين نظرة إحتقارٍ لأنفسكم وحضارتكم ودينكم وكل تراثكم العظيم ورموزكم الفذة .
من المؤلم جداً أن صرنا أمة مهزوزة الثقة بنفسها، فاقدة للوزن، محتقرة لذاتها، تعيش الشعور بالحاجة في كل شيء عند الأخر، وتتبعه في رديئه قبل جيده، على أنه ليس له من الجيد ما لا يقدمه لها دينها وشريعتها، وتدخل معه كل مدخل، ولو شرق لشرقة بتشريقه ولو غرب لغربة بتغريبه، وإذا لبس لبسة ما يلبس وإذا أكل أكلت ما يأكل وإذا شرب شربت ما يشرب[9] وإن إكتسى إكتست وإن تعرى تعرت، من غير أن تطرح سؤالاً واحداً على نفسها في هذه التبعية المجنونة وآثارها المدمرة .
أما الأخر فيهب فزعاً محارباً بشدة لأي جديد من فكرا او سلوك او لباس او غيره يفد دياره من بلاد الاسلام وحضارة الإيمان القران الكريم[10] .
المسموع أو المعلوم أن الصلاة على محمد وآل محمد في الإحتفال بمناسبة الفرح الديني وغيرها تبدلت في أوساطنا الإجتماعية إلى تصفق، قلنا أن التصفيق ليس محرما ولكن هل سألنا أنفسنا عن سبب هذا الإستبدال ووجاهته؟ وهل هو أقرب إلى تربية الجيل تربية سليمة وتثبيت التوجه الديني وغرز حب محمد وآله في النفوس وتأكيد ولائهم؟ وهل الصلاة على محمد وآل محمد تنافي أجواء الفرح والمناسبات السعيدة؟
وصعدت المسألة أن ضُم إلى التصفيق التصفير وضرب الأكتفاف بعضها ببعض، وما مقام هذا التعبير من الدين وأدابه وقيمه ووقار الإنسان المسلم وركازة شخصيته، ومن الجديد في هذا المجال ان تشيع هذه الظاهرة بان ينشئ البعض مقطوعة شعرية في فلان وفلانه باسميهما الصريحين لتنشد ليلة زفافهما والكلفة المالية لهذا الانشاء والانشاد عالية وفوق ما تتصور[11] .
ولا يدرى إلى اي حدٍ تصل هذه المقطوعة غدًا في الغزل المكشوف بما يتعلق بأعراض المؤمنين، وحتى تأخذ أي بادرة من هذا النوع مستوى الظاهرة وتفرض نفسها على الأوضاع والأوساط الإجتماعية في كل مستوياتها لا تحتاج في العادة إلى وقت طويل وجهد مضاعف، إن أسوارنا مفتوحة وقلاعنا مفتوحة وأسواقنا مفتوحة ويدخل الغريب والممجود والضار المهلك والساقط الرديئ من العادات والتقاليد من دون رخصة وبلا حواجز .
والمجتمع ـ وحتى في الأوساط الملتزمة ـ قد يتلقى كل ذلك بسذاجة بينما قد يكون وراء هذا الأمر بصورة مستقربة جداً إختراقات خطيرة وخطيرة لا يشعر بها الكثيرون[12]. هناك من يخطط بمهارة ومكر خبيث لتذويب أخلاق المجتمع وتمييعه وإنفصاله عن قواعد السلوك الإسلامي وأخلاقه وأدابه وهذا الغزو السلوكي هو الأقل كلفة[13] والأكثر شيوعاً والأسرع نفوذاً من الغز الفكري، وهو الباب المفتوح والطريق المؤدي إليه ـ أي إلى الغزو الفكري ـ فإذا سقط المجتمع الإسلامي أخلاقيا لم يعد قابلاً لهضم الفكر الإسلامي وتقبله والصبر عليه مع إرتفاع قامته .
وهنا يبدأ الإنفصال عن هذا الفكر لإستثقال النفس لمقتضياته وتكاليفه ويبدأ تبرير النفس حتى لا تعيش العذاب الداخلي والمفارقة المؤلمة لهذا الإنفصال لمناقشة الفكر نفسه والتشكيك فيه ثم مواجهته[14] .
الكلمة الأخيرة: ألا يا أيها المؤمنون أوقفوا الهرولة وراء كل مستورد خارجي ومنتج محلي من الفكر والسلوك قبل التمحيص والدراسة الممعنة .
---------------------------
[9]ها نحن الأن ، هكذا.
[10]قطعة قماش على رآس فتاة مسلمة في الغرب تثير الغرب ويشن حرباً عليها.
[11] يقول ثقة بان الثمن المدفوع سبع مئة دينار إلى ألف دينار وغداً سيطالب العريس بها، سيضاف إلى التكاليف الف دينار وخمس مئة دينار.
[12]يتراء لك أن هذه العادة جائت اعتباط، هذا الدخيل قد يكون مخطط، وهناك جماعات وفرق في الأوساط الإجتماعية المؤمنة من يندسون ليدخلوا مثل هذه العادات ويستبدلوا عن العادة الإسلامية عادة أخرى، إلتفتوا يا إخوان إنتبهوا لإسلامكم، لا يبقى شيء من الإسلام بعد هذا التسيب وبعد هذا الإستغفال وبعد هذه الهرولة.
[13] أقل كلفة من الغزو الفكري وأسرع.
[14]نتحول غدا علمانيين، الأن نحن نعيش درجة كبيرة من العلمانية السلوكية وغداً نعيش علمانية فكرية ونواجه الفكر الإسلامي بأنفسنا، لما تسقط النفوس يثقل عليها الفكر الإسلامي، الفكر الإسلامي له مقتضيات تتحملها النفوس السوية أما النفوس التي فقدت وزنها فإنها ليس لها كاهل يحمل التكاليف.
من خطبة الجمعة للعلامة الشيخ عيسى احمد قاسم 19-3-2010 , 2 ربيع الثاني 1431
المصدر
للاستماع إلى الخطبة
أوقفوا الهرولة:
لكل أمة طابعها العملي الخاص المستلهم من حضارتها ودرجات وعيها وهادفيتها ورشدها ومستوى جديتنها ورسالتها، وحضارة هذه الأمة إلهية ووعيها كبير ورؤيتها متجذرة وهدافيتها عالية ورشدها بالغة، وهي أمة رسالية جادة على طريق صنع الانسان الكبير والأوضاع الحياتية المتقدمة وتثبيت المسار القيمي الكريم القويم العادل الوضيء في هذه الحياة والإتجاه الصاعد بعقل الإنسان وقلبه وإرادته وسلوكه على صراط ربه العظيم .
إنها أغنى الأمم في مستوى إنتمائها وإرثها الحضاري ودورها الرسالي الضخم ورموزها الشامخه وقيمها الخلقية الرفيعة ودينها القويم، وأمة هي الأغنى في كل ذلك لا تستورد الخبيث ولا تهبط إلى مستوى الإسفاف ولا تكون أمعة ولا تركض برجلها وراء كل ساقط ولا ترفع صوطها مع كل ناعق ولا تقبل أن تكون سوقاً مفتوحاً لكل العادات والتقاليد من مبتكرات الجاهلية ولا تسرع في استقبال كل جديدٍ وإن سف، ولا تخترق لكل المحاولات الخبيثة .
أمة بهذا المستوى تجدد وجودها وحياتها بوعي على خطها الحضاري الكريم وتعيد إنتاج ذاتها على نفس الخط صاعدة صامدة، وتحقق كل يوم قفزة على هذا الطريق وتنجز نجاحات مستجدة متوالية، وتنتقي الجيد مما تعرضه سوق الفكر وسوق الثقافة والسياسية والإجتماع وغيرها، وتختار لنفسها بوعي، لا أن تعطي بيدها لخيارات الأخر ومخططاته ومؤمراته وصياغاته في سذاجة واستسلام .
وقد نهت الأحاديث المعصومة الشريفة عن ظاهرة فقد الوزن وعدم الإحساس بالذات والثقة المفرطة في الأخر أو التبعية البلهاء لكل ما يكون عليه ولكل ما يدخل فيه ويبتلي به ويقع في مهاويه، وذلك بمثل هذا المضمون : ( لو دخلوا جحر ضبٍ لدخلتم ). دخلتم جحر ضبٍ على ضيقه ومنافاته لسلامتكم ومصلحتكم المعنوية والمادية وحجمكم الكبير كما دخلوا، وليس عن وعي ولكنه لأنهم دخلوا، وذلك لأنكم تعيشون نظرة مخدوعة لهم تريكم إياهم كباراً عظماء، وأن كل ما يأتي عنهم صحيحٌ وتقدميٌ وموثوق ، وتعيشون واهمين نظرة إحتقارٍ لأنفسكم وحضارتكم ودينكم وكل تراثكم العظيم ورموزكم الفذة .
من المؤلم جداً أن صرنا أمة مهزوزة الثقة بنفسها، فاقدة للوزن، محتقرة لذاتها، تعيش الشعور بالحاجة في كل شيء عند الأخر، وتتبعه في رديئه قبل جيده، على أنه ليس له من الجيد ما لا يقدمه لها دينها وشريعتها، وتدخل معه كل مدخل، ولو شرق لشرقة بتشريقه ولو غرب لغربة بتغريبه، وإذا لبس لبسة ما يلبس وإذا أكل أكلت ما يأكل وإذا شرب شربت ما يشرب[9] وإن إكتسى إكتست وإن تعرى تعرت، من غير أن تطرح سؤالاً واحداً على نفسها في هذه التبعية المجنونة وآثارها المدمرة .
أما الأخر فيهب فزعاً محارباً بشدة لأي جديد من فكرا او سلوك او لباس او غيره يفد دياره من بلاد الاسلام وحضارة الإيمان القران الكريم[10] .
المسموع أو المعلوم أن الصلاة على محمد وآل محمد في الإحتفال بمناسبة الفرح الديني وغيرها تبدلت في أوساطنا الإجتماعية إلى تصفق، قلنا أن التصفيق ليس محرما ولكن هل سألنا أنفسنا عن سبب هذا الإستبدال ووجاهته؟ وهل هو أقرب إلى تربية الجيل تربية سليمة وتثبيت التوجه الديني وغرز حب محمد وآله في النفوس وتأكيد ولائهم؟ وهل الصلاة على محمد وآل محمد تنافي أجواء الفرح والمناسبات السعيدة؟
وصعدت المسألة أن ضُم إلى التصفيق التصفير وضرب الأكتفاف بعضها ببعض، وما مقام هذا التعبير من الدين وأدابه وقيمه ووقار الإنسان المسلم وركازة شخصيته، ومن الجديد في هذا المجال ان تشيع هذه الظاهرة بان ينشئ البعض مقطوعة شعرية في فلان وفلانه باسميهما الصريحين لتنشد ليلة زفافهما والكلفة المالية لهذا الانشاء والانشاد عالية وفوق ما تتصور[11] .
ولا يدرى إلى اي حدٍ تصل هذه المقطوعة غدًا في الغزل المكشوف بما يتعلق بأعراض المؤمنين، وحتى تأخذ أي بادرة من هذا النوع مستوى الظاهرة وتفرض نفسها على الأوضاع والأوساط الإجتماعية في كل مستوياتها لا تحتاج في العادة إلى وقت طويل وجهد مضاعف، إن أسوارنا مفتوحة وقلاعنا مفتوحة وأسواقنا مفتوحة ويدخل الغريب والممجود والضار المهلك والساقط الرديئ من العادات والتقاليد من دون رخصة وبلا حواجز .
والمجتمع ـ وحتى في الأوساط الملتزمة ـ قد يتلقى كل ذلك بسذاجة بينما قد يكون وراء هذا الأمر بصورة مستقربة جداً إختراقات خطيرة وخطيرة لا يشعر بها الكثيرون[12]. هناك من يخطط بمهارة ومكر خبيث لتذويب أخلاق المجتمع وتمييعه وإنفصاله عن قواعد السلوك الإسلامي وأخلاقه وأدابه وهذا الغزو السلوكي هو الأقل كلفة[13] والأكثر شيوعاً والأسرع نفوذاً من الغز الفكري، وهو الباب المفتوح والطريق المؤدي إليه ـ أي إلى الغزو الفكري ـ فإذا سقط المجتمع الإسلامي أخلاقيا لم يعد قابلاً لهضم الفكر الإسلامي وتقبله والصبر عليه مع إرتفاع قامته .
وهنا يبدأ الإنفصال عن هذا الفكر لإستثقال النفس لمقتضياته وتكاليفه ويبدأ تبرير النفس حتى لا تعيش العذاب الداخلي والمفارقة المؤلمة لهذا الإنفصال لمناقشة الفكر نفسه والتشكيك فيه ثم مواجهته[14] .
الكلمة الأخيرة: ألا يا أيها المؤمنون أوقفوا الهرولة وراء كل مستورد خارجي ومنتج محلي من الفكر والسلوك قبل التمحيص والدراسة الممعنة .
---------------------------
[9]ها نحن الأن ، هكذا.
[10]قطعة قماش على رآس فتاة مسلمة في الغرب تثير الغرب ويشن حرباً عليها.
[11] يقول ثقة بان الثمن المدفوع سبع مئة دينار إلى ألف دينار وغداً سيطالب العريس بها، سيضاف إلى التكاليف الف دينار وخمس مئة دينار.
[12]يتراء لك أن هذه العادة جائت اعتباط، هذا الدخيل قد يكون مخطط، وهناك جماعات وفرق في الأوساط الإجتماعية المؤمنة من يندسون ليدخلوا مثل هذه العادات ويستبدلوا عن العادة الإسلامية عادة أخرى، إلتفتوا يا إخوان إنتبهوا لإسلامكم، لا يبقى شيء من الإسلام بعد هذا التسيب وبعد هذا الإستغفال وبعد هذه الهرولة.
[13] أقل كلفة من الغزو الفكري وأسرع.
[14]نتحول غدا علمانيين، الأن نحن نعيش درجة كبيرة من العلمانية السلوكية وغداً نعيش علمانية فكرية ونواجه الفكر الإسلامي بأنفسنا، لما تسقط النفوس يثقل عليها الفكر الإسلامي، الفكر الإسلامي له مقتضيات تتحملها النفوس السوية أما النفوس التي فقدت وزنها فإنها ليس لها كاهل يحمل التكاليف.
من خطبة الجمعة للعلامة الشيخ عيسى احمد قاسم 19-3-2010 , 2 ربيع الثاني 1431
المصدر
للاستماع إلى الخطبة