كتابات - وائل القادري
لقد كشف كل ما حدث منذ يوم الجمعة الماضي حتى الان حقائق مذهلة كنت احاول جاهدا في الماضي ان لا اؤمن بها او حتى التفكير بها , لكنها كشفت عن نفسها امامي بشكل بات من الصعب علي تجاهلها او تحاشيها . لقد كنت اعتقد بان السياسيين في العراق بالرغم من كل انتمائاتهم المذهبية والعرقية والقومية وعقائدهم السياسية لابد ان يمتلكوا على الاقل ذرة من الحياء الوطني , وان تكون لهم غيرة على هذا البلد حتى وان كانت مجرد غيرة لا تنعكس منها اية افعال او مواقف . لكن ما حدث بعد اعلان نتائج الانتخابات بالعراق كشف زيف كل شيء وكشف معدن كل شخص طفا على الساحة منذ عام 2003 لحد الان . لا ادري لماذا هرع الجميع فجأة الى طهران , ولماذا اصبح أحمدي نجاد الذي يثير منظر وجهه القرف في نفسي , هو صاحب القرار وهو من يعول عليه في تشكيل الحكومة العراقية القادمة . ماذا كان دور الناخب العراقي اذن , وما فائدة اصواته التي واجه في سبيل الادلاء بها خطر الموت بتفجيرات الانتحاريين ومفخخات الارهابيين اذا كان اية الله العظمى الولي الفقيه في طهران هو من سيقرر كيف وممن ستكون الحكومة القادمة . انها مهزلة المهازل التي لم يوصلها الى هذا الدرك الا السياسة الامريكية في العراق بصورة خاصة وفي المنطقة بصورة عامة .
لقد اثبت الساسة الشيعة في العراق بانهم عملاء لايران لحد النخاع وانهم رجالها في العراق والمنطقة بلا منازع , واثبتت احزابهم بانها احزاب فارسية وليست عراقية . كما اثبت معظم افراد الطائفة الشيعية في العراق وبشكل سافر بانهم ايرانيين وليسوا عراقيين وان ولائهم موجه لايران رغم جميع الاعتبارات . لا ادري لماذا قامت الدنيا ولم تقعد على الرئيس حسني مبارك قبل عدة سنوات حين قال بان الشيعة في العراق موالين لايران وليسوا موالين للعراق , فهل بين ما يجري الان غير هذه الحقيقة . تنطلق بعص الصيحات من هناك وهناك لتشبه بين الارتماء السني في احضان الوسط العربي مع الارتماء الشيعي في الاحضان الايرانية , ومع ان اي ارتماء عراقي في احضان الغير هو عمالة صريحة لكن هل يمكن ان يقارن لجوء العراقي الى اخيه العربي مثل لجوئه الى العدو الايراني . هل جاء وقت من الاوقات في التاريخ لم يكن فيه الايراني عدوا للعراقي وعدوا للعربي . لم يأتي مثل هذا الوقت على مدى التاريخ ابدا , والايراني هو عدو دائم للعراقيين وللعرب مهما قيل او ادعي بغير ذلك . ومن بين جميع من ركضوا وارتموا في الاحضان الايرانية لم استغرب الا لموقف شخص واحد هو الرئيس جلال الطالباني . فمع ان هذا الرجل حمل السلاح وحارب معظم الحكومات العرقية السابقة لكني مع ذلك كنت اتصور بانه يحمل مع ذلك قدرا لا بأس به من الوطنية وانه كان يستحق تقليده منصب رئيس الجمهورية بسبب ماضيه الوطني . لكن ان يهرول الى طهران من اجل ان تضمن وتبارك استلامه لمنصب رئيس الجمهورية لدورة ثانية قد اسقط كل مفاهيمي عنه ودحض بشكل دامغ كل الوطنية التي تصورتها فيه . هل يعقل بان رجلا تجاوز السبعين من عمره بسنوات ويكاد لا يسير الا بصعوبة يهرول بهذه القوة والسرعة الى طهران تاركا ورائه مؤتمر القمة العربي الذي كان يجب ان يحضره وباصقا على ماضيه الوطني (اذا كان فعلا وطنيا) من اجل ان يعينه احمدي نجاد رئيسا لجمهورية العراق . هل يمكن ان يضحي الانسان بكل ورقة مشرفة في حياته من اجل منصب لا يحمل سوى فضفاضية لامعة لكنها فارغة . يبدوا بانه الرجل وجد نفسه مضطرا لذلك بعد ان يئس بسبب الجبروت البارزاني من الوصول الى منصب رئيس كردستان .
ان كل ما حدث ويحدث الان في العراق هو نتيجة طبيعية للسياسة الامريكية التي سلمت العراق على طبق من ذهب لكي يضم الى ولاية الفقيه الايراني , والا ما هذا الصمت المطبق من قبل الادارة الامريكية تجاه ما يحاك في طهران وما يخطط هناك لرسم ملامح الحكومة القادمة . ان ما يجري في العراق الان هو اما يجري برغبة امريكية , او انه يجري بسبب ضعف المواقف الامريكية وغياب رامبو الامريكي عن الساحة والذي ما كان ليجري لو كان موجودا . في عام 1991 وبعد انتهاء حرب الخليج الثانية التي ارعبت كل دول العالم حدث اجتياح ايراني للعراق قادما من الشرق فيما سمي بعد ذلك بالانتفاضة الشعبانية , فما كان من الرئيس الامريكي بوش الاب سوى ان يوجه كلمة لايران قال فيها اذا تدخلتم في الموقف في العراق فساجعل كل ما جرى له في تلك الحرب تافها ولا شيء مقارنة بما سافعله بكم . عندها فقط توقف الاجتياح الايراني وتمكن صدام حسين من تصفية كل التمرد الذي حصل في الجنوب والشمال في اسبوعين . ان هذا مجرد مثل لما هدد به رامبو الامريكي , وهناك امثلة كثيرة لا حاجة لتعدادها على قوته وجبروته وما يمكن ان يفعله حين يكون موجودا . لكن اليوم وقد غاب رامبو وانتشرت الصراصير والجرذان واخذت تفعل فعلها فليس لنا سوى ان ننتظر ما ستمليه علينا هذه الجرذان ونتقبل الوجوه المقيتة التي ستنصبها علينا ونقول (حسبنا الله ونعم الوكيل) .
* كاتب من العراق
تعليق