اللهم صلي على محمد وال محمد وعجل فرجهم واهلك عدوهم
تشير بعض قصص غزوة الخندق (22) وحتى الطبيعة بخلت عليها بمائها حيث أجدب الناس جدباً شديداً فاستسقى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالناس في رمضان في السنة السادسة (23)
(20) ( الكامل في التاريخ ) ابن الأثير ، ج 2 ، 307 .
(21) ( سيرة الرسول وخلفائه ) السيد علي الحسني ج 3 ، ص 281 .
(22) المصدر السابق ص 319 .
(23) ( الكامل في التاريخ ) ابن الأثير ج 2 ، ص 210
وفي هذه الفترة تألق نجم علي بن أبي طالب ( ع ) أكثر في سماء المجتمع الإسلامي ، حيث حسمت شجاعته الرائعة الموقف لصالح المسلمين في واقعة الخندق بقتله عمرو عبد ودّ العامري .
وكانت اشراقة النور بولادة السيدة زينب ( ع ) خلال هذه الفترة التي تحدثنا عن أجوائها وظروفها وأوضاعها فان اقوال المؤرخين قد اختلف في تحديد تاريخ ولادتها ، والأرجح من أقوال المؤرخين قولان :
السنة الخامسة في الخامس من شهر جمادى الأول أو السنة السادسة مطلع شهر شعبان (24) .
أي بين سنتي : ( 626 م ـ 627 م )
(24) ( زينب الكبرى ) النقدي ص 18
لابد وأن العائلة قد استبشرت وابتهجت بولادة السيدة زينب ( عليها السلام ) ، لأنها أول طفلة يحتفي بها بيت علي وفاطمة ( ع ) فقد سبق وان ازدان البيت الطاهر بوليدين صبيين هما الحسن ( ع ) الذي ولد منتصف شهر رمضان في السنة الثالثة للهجرة ، والحسين ( ع ) الذي ولد في الثالث من شعبان للسنة الرابعة من الهجرة ، وتأتي الآن زينب ( ع ) في السنة الخامسة كما يرجح ذلك المحققون (1) وبعد عام أو أكثر أنجبت السيدة الزهراء ( ع ) بنتاً أخرى هي أم كلثوم لتكون شقيقة لأختها زينب ( ع ) .
وخلافاً لما كان منتشراً عند بعض العرب في الجاهلية من التشاؤم والاستياء عند ولادة البنت واعتبارها مولوداً ناقص القيمة والشأن ، بل قد تسبب لهم العار والفضيحة ، كما أنها لا تنفعهم في المعارك والحروب ، ولذلك كان بعضهم يئدها عند ولادتها بقتلها أو بدفنها حية كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم بقوله : ( وإذا بشر أحدهم بالانثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما
____________
(1) ( زينب الكبرى ) النقدي ص 18 .
وجاء الخاطبون يتوافدون على بيت علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) كل منهم يتمنى أن يحظى بشرف الاقتران بالعقيلة زينب ، رغبة في الاتصال بالنسب النبوي الشريف ، ولما يعرفونه من كمال زينب وفضلها وأدبها ، لكن أباهاً علياً كان يرد كل خاطب لأنه ( عليه السلام ) قد اختار لابنته الزوج المناسب والكفوء .
يقول السيد الهاشمي : إن العقيلة زينب بنت علي خطبها الأشراف من قريش والرؤساء من القبائل . . ويروى انه خطبها الأشعث بن قيس وكان من ملوك كندة (6) .
والعناية الآلهية التي أحاطت بالسيدة زينب ( عليها السلام ) ووجهت مسارات حياتها كان لابد وأن تتدخل في شأن هذا الأمر الخطير من حياة السيدة زينب ، وهو اختيار القرين والزوج المناسب الكفوء لهذه المرأة العظيمة . . وهذا ما حصل بالفعل فقد شاء الله ( تعالى ) أن تقترن العقيلة زينب بواحد من أعظم وأنبل شباب الهاشميين وهو ابن عمها عبدالله بن جعفر بن أبي طالب .
واختيار الامام علي لعبدالله بن جعفر ليكون زوجاً لابنته زينب اختيار أكثر من موفق ، فعلي يعرف مكانة أخيه جعفر ، وعبدالله ربيب للامام علي حيث أصبح في رعايته بعد شهادة أبيه جعفر ، وأمه اسماء بنت عميس وثيقة الصلة والعلاقة بالسيدة الزهراء أم العقيلة زينب ، ثم هي قد أصبحت زوجاً للامام علي ، اضافة لكل ذلك المؤهلات الشخصية التي كان يجدها الامام في ابن أخيه عبدالله بن
____________
(5) ( ميزان الحكمة ) الري شهري ج 4 ، ص 274 .
(6) ( عقيلة بني هاشم ) السيد علي الهاشمي ص 31 .
جعفر ، وقد أصدق الامام ابنته زينب 480 درهماً من خالص ماله كصداق أمها فاطمة الزهراء ( ع ) .
ولنسلط الأضواء الآن على شخصية هذا الرجل العظيم :
وجعفر الطيار هو ابن أبي طالب ، وأخو الامام علي ، وهو أكبر من الامام علي بعشر سنين ، وهو ثالث من أسلم وصلى مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، بعد علي وخديجة ، حيث كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يتقدمهم للصلاة وعلي عن يمينه وجعفر عن يسارةه وخديجة من خلفه .
وكان جعفر يشبه النبي ( صلى الله عليه وآله ) في خلقه وخُلقه ، وكان يكنيه « أبا المساكين » .
وعن الزمخشري في ( ربيع الأبرار ) : كان جعفر أشبه الناس برسول الله خلقاً وخُلقاً ، وكان الرجل يرى جعفر فيقول : السلام عليك يا رسول الله . يظنه اياه ، فيقول : لست برسول الله أنا جعفر .
وهو الذي قاد أول مجموعة مسلمة مهاجرة الى الحبشة ، من مكة المكرمة ومعه زوجته أسماء بنت عميس .
وبقي جعفر في الحبشة حتى السنة السابعة من الهجرة ، وعندما ترك الحبشة قاصداً المدينة ، كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) راجعاً من حرب خيبر ، والتقاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقبله بين عينيه ، وقال : ما أدري بأيهما أشد فرحاً بقدوم جعفر أو بفتح خيبر .
وقال له : أنت أشبه الناس بخلقي وخُلقي وقد خلقت من الطينة التي خلقت منها .
اولاد زينب ع
من يتأمل نضال السيدة زينب وأدوارها الرسالية العظيمة يكاد يغفل عن أن لها ابناءً كانت تتحمل مسؤولية رعايتهم وتربيتهم ، لتكون العقيلة زينب ( عليها السلام ) قدوة كاملة متكاملة للمرأة المسلمة الطموحة ، والتي تقوم بكل الأعباء والمهام العائلية المنزلية والدينية الأجتماعية ، ولنتعرف الآن على ثمرات فؤادها وفلذات كبدها :
1 ـ عون بن عبدالله بن جعفر
كان مع أمه زينب في صحبة خاله الإمام الحسين ، وقد نال شرف الشهادة في كربلاء ، وفجعت به أمه زينب الى جنب فجائعها الأخرى .
وقد برز الى ساحة الجهاد ، فجعل يقاتل قتال الأبطال
وتمكن الشاب البطل من قتل ثلاثة فوارس ، وثمانية عشر راجلاً . ثم ضربه
عبدالله بن قطنة الطائي النبهاني بسيفه فقتله .
وقد ورد ذكر عون في الزيارة الواردة في الناحية المقدسة أي عن الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر ( عليه السلام حيث قال« السلام على عون بن عبدالله بن جعفر الطيار في الجنان ، حليف الإيمان ، ومنازل الأقران ، الناصح للرحمن ، التالي للمثان ، لعن الله قاتله عبدالله بن قطنة النبهاني » (30) .
2 ـ محمد :
وقد ذكره العديد من الباحثين في حياة السيدة زينب ، كالسبط ابن الجوزي في ( تذكرة الخواص ) ( ص 110 ) (31) وذكره السيد الهاشمي في كتابه ( عقيلة بني هاشم ) ( ص 36 ) والدكتورة بنت الشاطي في ( السيدة زينب ) ( ص 50 ) والشيخ محمد جواد مغنية ( مع بطلة الطف ) ( ص 36 ) و م . صادق ( زينب وليدة النبوة والإمامة ) ( ص 62 ) وكتاب آخرون .
ولكن يبدو أن لعبدالله بن جعفر ولداً آخر اسمه محمد من زوجة اخرى هي الخوصاء من بني بكر بن وائل ، وقد استشهد مع الإمام الحسين ( عليه السلام ) في كربلاء ، مما سبب الأشتباه عند بعض الباحثين فاعتبروا ولدّي عبدالله بن جعفر الشهيدين بكربلاء اعتبروهما ولدي السيدة زينب ( عليها السلام ) لكن التحقيق يثبت أن عوناً فقط هو ابن السيدة زينب ، أما أخوه محمد فهو ابن ضرتها « الخوصاء » كما نص على ذلك الباحثون حول شهداء كربلاء (32) .
3ـ عباس :
ذكر المؤرخون اسمه دون الأشارة الى شيء من حياته وسيرته
31) المصدر السابق ص 128 .
(32) يراجع : ( ابصار العين في أنصار الحسين ) للشيخ محمد السماوي ص 40 ، و ( حياة الإمام الحسين ) للشيخ باقر شريف القرشي ج 3 ، ص 259
4ـ علي :
المعروف بالزينبي ، وفي نسله الكثرة والعدد ، وفي ذريته الذيل الطويل والسلالة الباقية ، وهو كما في ( عمدة الطالب ) أحد ارجاء آل أبي طالب الثلاثة .
وفي ( تاج العروس ) مادة « زينب » : « والزينبون بطن من ولد علي الزينبي بن عبدالله الجواد بن جعفر الطيار ، نسبة الى أمه زينب بنت سيدنا علي ( رضي الله عنه ) وأمها فاطمة ( رض ) وولد علي هذا أحد أرجاء آل أبي طالب الثلاثة ) (33) .
ويقول عنه السيد الهاشمي : وأما علي بن عبدالله فهو المعروف بالزينبي ، نسبة الى أمه زينب بنت علي ( عليهما السلام ) ذكروا (34) أنه كان ثلاثة في عصر واحد بني عم ، يرجعون الى أصل قريب ، كلهم يسمى علياً ، وكلهم يصلح للخلافة ، وهم : علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( السجاد ) ، وعلي بن عبدالله بن العباس ، وعلي بن عبدالله بن جعفر الطيار ، ولكن إمام المسلمين وقتئذٍ كان السجاد زين العابدين ، يعظمه القريب والبعيد ، وتعنوا له كبار المسلمين ، وقد تزوج علي بن عبدالله بن جعفر ، لبابة بنت عبدالله بن عباس حبر الأمة ، وكان نسل عبدالله بن جعفر منه ، والسادة الزينبية كثيرون في العراق وفارس ومصر والحجاز والأفغان والهند ، وقد جعل الله البركة في نسل هذه السيدة الطاهرة وطيب سلالتها (35) .
وقال ابن عنبة : كان علي الزينبي يكنى أبا الحسن وكان سيداً كريماً (36) .
وقد ألف الحافظ جلال الدين السيوطي ( 849 ـ 911 هـ ) رسالة حول ذرية السيدة زينب سماها ( العجاجة الزرنبية في السلالة الزينبية ) (37
(33) ( زينب الكبرى ) جعفر النقدي ص 127 .
(34) نقل ذلك الأزورقاني من كتاب ( المصابيح ) لأبي بكر الوراق .
(35) (عقيلة بني هاشم ) الهاشمي ص 40 .
(36) ( عقيلة الطهر والكرم ) موسى محمد علي ص 114 .
(37) مجلة ( الموسم ) ص 858
5 ـ أم كلثوم :
أم كلثوم : وهي البنت الوحيدة كما يبدوا للسيدة زينب ، ولابد وأنها قد ورثت شمائل أمها ، وتحلت بمكارم أخلاق أبيها ، ولذلك تسابق الخاطبون لطلب يدها وكان من جملتهم معاوية بن أبي سفيان خطبها أيام سلطته لولده يزيد ، وكلف واليه على المدينة مروان بن الحكم أن يخطبها من أبيها ليزيد بن معاوية ، فقال أبوها عبدالله بن جعفر .
إن أمرها ليس اليّ إنما هو الى سيدنا الحسين وهو خالها .
فأخبر الحسين بذلك ، فقال : أستخير الله ( تعالى ) اللهم وفق لهذه الجارية رضاك من آل محمد .
فلما اجتمع الناس في مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أقبل مروان حتى جلس الى الحسين ( عليه السلام ) وقال :
إن أمير المؤمنين معاوية أمرني بذلك ، وأن أجعل مهرها حكم أبيها بالغاً ما بلغ ، مع صلح ما بين هذين الحيين ، مع قضاء دينه ، واعلم ان من يغبطكم بيزيد أكثر ممن يغبطه بكم ، والعجب كيف يستمهر يزيد وهو كفؤ من لا كفؤ له ، وبوجهه يستسقي الغمام ، فردّ خيراً يا أبا عبدالله .
فقال الحسين : الحمد لله الذي اختارنا لنفسه ، وارتضانا لدينه ، واصطفانا على خلقه .
ثم قال : يا مروان قد قلت فسمعنا .
أما قولك : مهرها حكم أبيها بالغاً ما بلغ ، فلعمري لو أردنا ذلك ما عدونا سنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في بناته ونسائه وأهل بيته ، وهو اثنتا عشرة أوقية يكون اربعمائة وثمانين درهماً .
وأما قولك : مع قضاء دين أبيها ، فمتى كنّ نساؤنا يقضين عنّا ديوننا ؟ .
وأما صلح ما بين هذين الحيّين ، فإنا قوم عاديناكم في الله ، ولم نكن نصالحكم للدنيا ، فلعمري لقد اعيا النسب فكيف السبب ؟ .
وأما قولك : والعجب كيف يستمهر يزيد ؟ فقد استمهر من هو خير من يزيد ، ومن أبي زيد ، ومن جدّ يزيد ! .
وأما قولك : إن يزيد كفؤ من لا كفؤ له ، فمن كان كفوه قبل اليوم فهو كفوه اليوم ما زادته امارته في الكفاءة شيئاً .
وأما قولك : وجهه يستسقى به الغمام : فإنما كان ذلك وجه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
وأما قولك : من يغبطنا به أكثر ممن يغبطه بنا ، فإنما يغبطنا به أهل الجهل ويغبطه بنا أهل العقل
.
ثم قال ( عليه السلام ) : فاشهدوا جميعاً إني قد زوجت أم كلثوم بنت عبدالله بن جعفر من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر على اربعمائة وثمانين درهماً وقد نحلتها ضيعتين بالمدينة ـ أو قال أرضي العقيق ـ وإن غلتها بالسنة ثمانية آلاف دينار ففيهما لهما غنى إن شاء الله تعالى . فتغير وجه مروان ، وقال :
أردنا صهركم لنجد وداً قد أخلقه به حدث الزمان
فلما جئتكم فجبهتموني وبحتم بالضمير من الشنان
فأجابه ذكوان مولى بني هاشم :
أماط الله عنهم كل رجس وطهرهم بذلك في المثاني
فمالهم سواهم من نظير ولا كفو هناك ولا مداني
أتجعل كل جبارعنيد الى الأخيار من أهل الجنان (38)
38) ( زينب الكبرى ) جعفر النقدي ص 129
(20) ( الكامل في التاريخ ) ابن الأثير ، ج 2 ، 307 .
(21) ( سيرة الرسول وخلفائه ) السيد علي الحسني ج 3 ، ص 281 .
(22) المصدر السابق ص 319 .
(23) ( الكامل في التاريخ ) ابن الأثير ج 2 ، ص 210
وفي هذه الفترة تألق نجم علي بن أبي طالب ( ع ) أكثر في سماء المجتمع الإسلامي ، حيث حسمت شجاعته الرائعة الموقف لصالح المسلمين في واقعة الخندق بقتله عمرو عبد ودّ العامري .
وكانت اشراقة النور بولادة السيدة زينب ( ع ) خلال هذه الفترة التي تحدثنا عن أجوائها وظروفها وأوضاعها فان اقوال المؤرخين قد اختلف في تحديد تاريخ ولادتها ، والأرجح من أقوال المؤرخين قولان :
السنة الخامسة في الخامس من شهر جمادى الأول أو السنة السادسة مطلع شهر شعبان (24) .
أي بين سنتي : ( 626 م ـ 627 م )
(24) ( زينب الكبرى ) النقدي ص 18
لابد وأن العائلة قد استبشرت وابتهجت بولادة السيدة زينب ( عليها السلام ) ، لأنها أول طفلة يحتفي بها بيت علي وفاطمة ( ع ) فقد سبق وان ازدان البيت الطاهر بوليدين صبيين هما الحسن ( ع ) الذي ولد منتصف شهر رمضان في السنة الثالثة للهجرة ، والحسين ( ع ) الذي ولد في الثالث من شعبان للسنة الرابعة من الهجرة ، وتأتي الآن زينب ( ع ) في السنة الخامسة كما يرجح ذلك المحققون (1) وبعد عام أو أكثر أنجبت السيدة الزهراء ( ع ) بنتاً أخرى هي أم كلثوم لتكون شقيقة لأختها زينب ( ع ) .
وخلافاً لما كان منتشراً عند بعض العرب في الجاهلية من التشاؤم والاستياء عند ولادة البنت واعتبارها مولوداً ناقص القيمة والشأن ، بل قد تسبب لهم العار والفضيحة ، كما أنها لا تنفعهم في المعارك والحروب ، ولذلك كان بعضهم يئدها عند ولادتها بقتلها أو بدفنها حية كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم بقوله : ( وإذا بشر أحدهم بالانثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما
____________
(1) ( زينب الكبرى ) النقدي ص 18 .
وجاء الخاطبون يتوافدون على بيت علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) كل منهم يتمنى أن يحظى بشرف الاقتران بالعقيلة زينب ، رغبة في الاتصال بالنسب النبوي الشريف ، ولما يعرفونه من كمال زينب وفضلها وأدبها ، لكن أباهاً علياً كان يرد كل خاطب لأنه ( عليه السلام ) قد اختار لابنته الزوج المناسب والكفوء .
يقول السيد الهاشمي : إن العقيلة زينب بنت علي خطبها الأشراف من قريش والرؤساء من القبائل . . ويروى انه خطبها الأشعث بن قيس وكان من ملوك كندة (6) .
والعناية الآلهية التي أحاطت بالسيدة زينب ( عليها السلام ) ووجهت مسارات حياتها كان لابد وأن تتدخل في شأن هذا الأمر الخطير من حياة السيدة زينب ، وهو اختيار القرين والزوج المناسب الكفوء لهذه المرأة العظيمة . . وهذا ما حصل بالفعل فقد شاء الله ( تعالى ) أن تقترن العقيلة زينب بواحد من أعظم وأنبل شباب الهاشميين وهو ابن عمها عبدالله بن جعفر بن أبي طالب .
واختيار الامام علي لعبدالله بن جعفر ليكون زوجاً لابنته زينب اختيار أكثر من موفق ، فعلي يعرف مكانة أخيه جعفر ، وعبدالله ربيب للامام علي حيث أصبح في رعايته بعد شهادة أبيه جعفر ، وأمه اسماء بنت عميس وثيقة الصلة والعلاقة بالسيدة الزهراء أم العقيلة زينب ، ثم هي قد أصبحت زوجاً للامام علي ، اضافة لكل ذلك المؤهلات الشخصية التي كان يجدها الامام في ابن أخيه عبدالله بن
____________
(5) ( ميزان الحكمة ) الري شهري ج 4 ، ص 274 .
(6) ( عقيلة بني هاشم ) السيد علي الهاشمي ص 31 .
جعفر ، وقد أصدق الامام ابنته زينب 480 درهماً من خالص ماله كصداق أمها فاطمة الزهراء ( ع ) .
ولنسلط الأضواء الآن على شخصية هذا الرجل العظيم :
وجعفر الطيار هو ابن أبي طالب ، وأخو الامام علي ، وهو أكبر من الامام علي بعشر سنين ، وهو ثالث من أسلم وصلى مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، بعد علي وخديجة ، حيث كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يتقدمهم للصلاة وعلي عن يمينه وجعفر عن يسارةه وخديجة من خلفه .
وكان جعفر يشبه النبي ( صلى الله عليه وآله ) في خلقه وخُلقه ، وكان يكنيه « أبا المساكين » .
وعن الزمخشري في ( ربيع الأبرار ) : كان جعفر أشبه الناس برسول الله خلقاً وخُلقاً ، وكان الرجل يرى جعفر فيقول : السلام عليك يا رسول الله . يظنه اياه ، فيقول : لست برسول الله أنا جعفر .
وهو الذي قاد أول مجموعة مسلمة مهاجرة الى الحبشة ، من مكة المكرمة ومعه زوجته أسماء بنت عميس .
وبقي جعفر في الحبشة حتى السنة السابعة من الهجرة ، وعندما ترك الحبشة قاصداً المدينة ، كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) راجعاً من حرب خيبر ، والتقاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقبله بين عينيه ، وقال : ما أدري بأيهما أشد فرحاً بقدوم جعفر أو بفتح خيبر .
وقال له : أنت أشبه الناس بخلقي وخُلقي وقد خلقت من الطينة التي خلقت منها .
اولاد زينب ع
من يتأمل نضال السيدة زينب وأدوارها الرسالية العظيمة يكاد يغفل عن أن لها ابناءً كانت تتحمل مسؤولية رعايتهم وتربيتهم ، لتكون العقيلة زينب ( عليها السلام ) قدوة كاملة متكاملة للمرأة المسلمة الطموحة ، والتي تقوم بكل الأعباء والمهام العائلية المنزلية والدينية الأجتماعية ، ولنتعرف الآن على ثمرات فؤادها وفلذات كبدها :
1 ـ عون بن عبدالله بن جعفر
كان مع أمه زينب في صحبة خاله الإمام الحسين ، وقد نال شرف الشهادة في كربلاء ، وفجعت به أمه زينب الى جنب فجائعها الأخرى .
وقد برز الى ساحة الجهاد ، فجعل يقاتل قتال الأبطال
وتمكن الشاب البطل من قتل ثلاثة فوارس ، وثمانية عشر راجلاً . ثم ضربه
عبدالله بن قطنة الطائي النبهاني بسيفه فقتله .
وقد ورد ذكر عون في الزيارة الواردة في الناحية المقدسة أي عن الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر ( عليه السلام حيث قال« السلام على عون بن عبدالله بن جعفر الطيار في الجنان ، حليف الإيمان ، ومنازل الأقران ، الناصح للرحمن ، التالي للمثان ، لعن الله قاتله عبدالله بن قطنة النبهاني » (30) .
2 ـ محمد :
وقد ذكره العديد من الباحثين في حياة السيدة زينب ، كالسبط ابن الجوزي في ( تذكرة الخواص ) ( ص 110 ) (31) وذكره السيد الهاشمي في كتابه ( عقيلة بني هاشم ) ( ص 36 ) والدكتورة بنت الشاطي في ( السيدة زينب ) ( ص 50 ) والشيخ محمد جواد مغنية ( مع بطلة الطف ) ( ص 36 ) و م . صادق ( زينب وليدة النبوة والإمامة ) ( ص 62 ) وكتاب آخرون .
ولكن يبدو أن لعبدالله بن جعفر ولداً آخر اسمه محمد من زوجة اخرى هي الخوصاء من بني بكر بن وائل ، وقد استشهد مع الإمام الحسين ( عليه السلام ) في كربلاء ، مما سبب الأشتباه عند بعض الباحثين فاعتبروا ولدّي عبدالله بن جعفر الشهيدين بكربلاء اعتبروهما ولدي السيدة زينب ( عليها السلام ) لكن التحقيق يثبت أن عوناً فقط هو ابن السيدة زينب ، أما أخوه محمد فهو ابن ضرتها « الخوصاء » كما نص على ذلك الباحثون حول شهداء كربلاء (32) .
3ـ عباس :
ذكر المؤرخون اسمه دون الأشارة الى شيء من حياته وسيرته
31) المصدر السابق ص 128 .
(32) يراجع : ( ابصار العين في أنصار الحسين ) للشيخ محمد السماوي ص 40 ، و ( حياة الإمام الحسين ) للشيخ باقر شريف القرشي ج 3 ، ص 259
4ـ علي :
المعروف بالزينبي ، وفي نسله الكثرة والعدد ، وفي ذريته الذيل الطويل والسلالة الباقية ، وهو كما في ( عمدة الطالب ) أحد ارجاء آل أبي طالب الثلاثة .
وفي ( تاج العروس ) مادة « زينب » : « والزينبون بطن من ولد علي الزينبي بن عبدالله الجواد بن جعفر الطيار ، نسبة الى أمه زينب بنت سيدنا علي ( رضي الله عنه ) وأمها فاطمة ( رض ) وولد علي هذا أحد أرجاء آل أبي طالب الثلاثة ) (33) .
ويقول عنه السيد الهاشمي : وأما علي بن عبدالله فهو المعروف بالزينبي ، نسبة الى أمه زينب بنت علي ( عليهما السلام ) ذكروا (34) أنه كان ثلاثة في عصر واحد بني عم ، يرجعون الى أصل قريب ، كلهم يسمى علياً ، وكلهم يصلح للخلافة ، وهم : علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( السجاد ) ، وعلي بن عبدالله بن العباس ، وعلي بن عبدالله بن جعفر الطيار ، ولكن إمام المسلمين وقتئذٍ كان السجاد زين العابدين ، يعظمه القريب والبعيد ، وتعنوا له كبار المسلمين ، وقد تزوج علي بن عبدالله بن جعفر ، لبابة بنت عبدالله بن عباس حبر الأمة ، وكان نسل عبدالله بن جعفر منه ، والسادة الزينبية كثيرون في العراق وفارس ومصر والحجاز والأفغان والهند ، وقد جعل الله البركة في نسل هذه السيدة الطاهرة وطيب سلالتها (35) .
وقال ابن عنبة : كان علي الزينبي يكنى أبا الحسن وكان سيداً كريماً (36) .
وقد ألف الحافظ جلال الدين السيوطي ( 849 ـ 911 هـ ) رسالة حول ذرية السيدة زينب سماها ( العجاجة الزرنبية في السلالة الزينبية ) (37
(33) ( زينب الكبرى ) جعفر النقدي ص 127 .
(34) نقل ذلك الأزورقاني من كتاب ( المصابيح ) لأبي بكر الوراق .
(35) (عقيلة بني هاشم ) الهاشمي ص 40 .
(36) ( عقيلة الطهر والكرم ) موسى محمد علي ص 114 .
(37) مجلة ( الموسم ) ص 858
5 ـ أم كلثوم :
أم كلثوم : وهي البنت الوحيدة كما يبدوا للسيدة زينب ، ولابد وأنها قد ورثت شمائل أمها ، وتحلت بمكارم أخلاق أبيها ، ولذلك تسابق الخاطبون لطلب يدها وكان من جملتهم معاوية بن أبي سفيان خطبها أيام سلطته لولده يزيد ، وكلف واليه على المدينة مروان بن الحكم أن يخطبها من أبيها ليزيد بن معاوية ، فقال أبوها عبدالله بن جعفر .
إن أمرها ليس اليّ إنما هو الى سيدنا الحسين وهو خالها .
فأخبر الحسين بذلك ، فقال : أستخير الله ( تعالى ) اللهم وفق لهذه الجارية رضاك من آل محمد .
فلما اجتمع الناس في مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أقبل مروان حتى جلس الى الحسين ( عليه السلام ) وقال :
إن أمير المؤمنين معاوية أمرني بذلك ، وأن أجعل مهرها حكم أبيها بالغاً ما بلغ ، مع صلح ما بين هذين الحيين ، مع قضاء دينه ، واعلم ان من يغبطكم بيزيد أكثر ممن يغبطه بكم ، والعجب كيف يستمهر يزيد وهو كفؤ من لا كفؤ له ، وبوجهه يستسقي الغمام ، فردّ خيراً يا أبا عبدالله .
فقال الحسين : الحمد لله الذي اختارنا لنفسه ، وارتضانا لدينه ، واصطفانا على خلقه .
ثم قال : يا مروان قد قلت فسمعنا .
أما قولك : مهرها حكم أبيها بالغاً ما بلغ ، فلعمري لو أردنا ذلك ما عدونا سنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في بناته ونسائه وأهل بيته ، وهو اثنتا عشرة أوقية يكون اربعمائة وثمانين درهماً .
وأما قولك : مع قضاء دين أبيها ، فمتى كنّ نساؤنا يقضين عنّا ديوننا ؟ .
وأما صلح ما بين هذين الحيّين ، فإنا قوم عاديناكم في الله ، ولم نكن نصالحكم للدنيا ، فلعمري لقد اعيا النسب فكيف السبب ؟ .
وأما قولك : والعجب كيف يستمهر يزيد ؟ فقد استمهر من هو خير من يزيد ، ومن أبي زيد ، ومن جدّ يزيد ! .
وأما قولك : إن يزيد كفؤ من لا كفؤ له ، فمن كان كفوه قبل اليوم فهو كفوه اليوم ما زادته امارته في الكفاءة شيئاً .
وأما قولك : وجهه يستسقى به الغمام : فإنما كان ذلك وجه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
وأما قولك : من يغبطنا به أكثر ممن يغبطه بنا ، فإنما يغبطنا به أهل الجهل ويغبطه بنا أهل العقل
.
ثم قال ( عليه السلام ) : فاشهدوا جميعاً إني قد زوجت أم كلثوم بنت عبدالله بن جعفر من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر على اربعمائة وثمانين درهماً وقد نحلتها ضيعتين بالمدينة ـ أو قال أرضي العقيق ـ وإن غلتها بالسنة ثمانية آلاف دينار ففيهما لهما غنى إن شاء الله تعالى . فتغير وجه مروان ، وقال :
أردنا صهركم لنجد وداً قد أخلقه به حدث الزمان
فلما جئتكم فجبهتموني وبحتم بالضمير من الشنان
فأجابه ذكوان مولى بني هاشم :
أماط الله عنهم كل رجس وطهرهم بذلك في المثاني
فمالهم سواهم من نظير ولا كفو هناك ولا مداني
أتجعل كل جبارعنيد الى الأخيار من أهل الجنان (38)
38) ( زينب الكبرى ) جعفر النقدي ص 129
اختكم ايات كريمة
تعليق