السيد كدر "قدر" السيد سلمان الياسري
الثائر الوطني الذي ظلمته الذاكرة
أعده قسم الوثائق في
مؤسسة الياسري الخيرية
الثائر الوطني الذي ظلمته الذاكرة
أعده قسم الوثائق في
مؤسسة الياسري الخيرية
· شارك ببسالة في ثورة العشرين ومقاومة المحتل البريطاني عام 1914 و1915 و1918 في لواء المنتفك .
· أحد قادة ثورة سوق الشيوخ عام 1935 .
· حكم عليه بالإعدام بعد ثورة 35 وخفف الى الأشغال الشاقة بكرامة شهيرة
عام 1876م ولد السيد كدر السيد سلمان الياسري في ليلة القدر المباركة التي هي خير من ألف شهر وقد أسماه والده (كدر) وهي اللفظة العامية ل(قدر) تيمنا بهذه الليلة المباركة .
وذلك أبان حكم الوالي العثماني مدحت باشا .. ولد في لواء المنتفك ومركزه سوق الشيوخ غابة النخيل وسليلة المجد التي ورثت حضارة سومر بالصميم .. مرتع الأدب والأشعار حارسة الصحراء والقوافل والحداء .. حاضرة المضايف والدواوين .. قامت على أيشان سومرية .. مر بها العثمانيون الأتراك ولم تبتسم لهم ودخلها الإنجليز وإنحسروا بعد أن حاربتهم .
شهدت تسميتها بسوق الشيوخ عام 1761 بعد أن إتخذها الشيوخ مركزا لمشيختهم .. ثم في عام 1870م إعتبرت قضاءا وعين حسين باشا قائمقاما فيها .
هناك وفي إحدى القرى الجميلة التي يقطنها السادة آل ياسر الكبير وتشتهر نخوتهم "أخوة سمية" .. ولد السيد كدر السيد سلمان السيد موسى السيد مذخور بن ناصر بن شلال بن محمود بن محمد بن شوكة بن علي بن خفان بن ياسر الأول الكبير الجد الأكبر للسادة آل ياسر في عموم العراق .. وجائت نخوتهم بأخوة سمية من حادثة طريفة تعبر عن القيم العربية الهاشمية السامية والغيرة الأصيلة التي يتحلى بها السادة حيث إنتصروا لإمرأة مظلومة مضطهدة فأصبحت معززة مكرمة في فومها وهذه النخوة يختص بها أولاد السيد ناصر بن شلال السبعة والسيد ناصر هو أخ السيد ياسر الثاني جد السادة آل علي ومنهم السيد نور والسيد علوان في المشخاب .
نشأ السيد كدر السيد سلمان الياسري في ناحية العكيكة الدرة العالقة في جيد ذي قار وهي أكبر نواخي سوق الشيوخ وقد وصفها أحد أبنائها الأدباء بقوله " جزيرة ساحرة غافية على ضفة الفرات تستظل ببساتين النخيل الكثيفة المحيطة بها من كل الجهات وتمثل أشهر أنواع التمور وأطيبها مذاقا .. حيث نخيل شطئ نهر السفحة المتفرع من الفرات جنوب العكيكة ويمثل مركز الناحية نقطة تفرع لنهر الفرات الى فرعين ينتهيان بعد مسافة قصيرة في هور الحمار بعد أن يمر أحدهما بسوق الشيوخ ليجعل ثلثيه على الجانب الأيمن منه .. ومع نهر غليوين الذي يسبق هذا التفرع لينشق عن نهر الفرات قريب دخوله الى الناحية تلتقي هذه الفروع لتقول أن الفرات واحد بكل مافيه من تجزئة جغرافية وهذه الأفرع الثلاثة تلتقي جميعها جنوب شرقي سوق الشيوخ مشكلة نهرا واحدا يعتبر المصب الرئيسي لهور الحمار والذي بدوره يمتد الى أن يصل الى القرنة ليلتأم شمل الفرات مع دجلة في شط العرب .
وإسم العكيكة جاء كونها مركزا تجاريا نهريا بين الأرياف التابعة لها وفيها سوق تباع فيه البضائع الغذائية المحلية وغيرها وأشهرها " العكة " وهي وعاء يوضع فيه الزيت الحيواني " الدهن الحر " وهناك روايات أخرى في سبب التسمية .
في هذه الطبيعة الجذابة التي تعكس نعم الخالق التي لا تعد ولا تحصى نشأ الثائر الوطني الراحل في أرض طيبة ومجتمع متآخي يضج بالكرم والشجاعة والمضائف العربية المشرعة أبوابها للرائح والغادي .. الحافلة برجالاتها وفحولها وهي مضائف لا تخلو من العلم والأدب والمناظرات والمباريات الشعرية وإحياء الشعائر الدينية وحل النزاعات العشائرية وقد أنجبت العديد من علماء وأدباء ورجال العراق .
وهو من البيت الهاشمي العلوي الذي يتمتع بمكانه خاصة بين العشائر هناك ويكون مسؤولا بدرجة كبيرة عن حل النزاعات العشائرية فتتعقد الأمور وتذكى النزاعات فيأتي السيد ليكون مصلحا بين الأطراف والأكثر من ذلك يدخل السيد في وسط المعارك الضارية التي تدور بين عشيرة وأخرى ليفرض عليهم الهدنة (العطوة) فتتوقف المعركة التي عجزت عن إيقاف بعضها الحكومات المتعاقبة .
وكان الآباء آنذاك يهتمون بتعليم أبنائهم ركوب الخيل والسباحة والرماية والصيد للدفاع عن أرضه وعرضه وكرامته ويربوهم على الكرم وإقراءالضيف وإعزازه والإنتصار للمظلوم .. فتتشكل شخصية كريمة شجاعة متدينة مسؤولة .
وكان السيد كدر السيد سلمان الياسري بحق مضربا للمثل في الشجاعة والكرم فهو وجه قومه وكبيرهم بعد والده .. وكان بارعا في السلاح والقتال مقداما في النزال لا يخشى الرجال وإن كثروا .
وقد برز كمقاتل باسل مقاوم في المعارك الضارية التي شهدتها العكيكة في سوق الشيوخ بين العشائر وقوات الإحتلال البريطاني عام 1915 فكانت العكيكة القلعة التي دمرت عندها أكبر المراكب العسكرية البريطانية والتي غرق الكثير منها قبالة الثكنة في معركة السفحة حيث توجد سدة يبلغ سمكها 30 قدما كانت قد بنتها العشائر وقامت هندسة القوات البريطانية بنسفها .. وكان السيد كدر وعشيرتة كبقية العشائر قد بدأؤوا منذ عام 1914 بتزييت بنادقم كما يشير عبد الرزاق الحسني في تاريخ الوزارات العراقية وحفر الخنادق تحت الأشجار..
وينقل أن إحدى الأشجار قد آذت القوات البريطانية كثيرا حيث كان بعض الثوار يتستر بها فأمر أحد الضباط بنسفها قائلا (إقطعوا تلك الشجرة الخبيثة ) و يعتبر البعض أن ماكنة الدعاية البعثية الصدامية قد أشاعت هذه العبارة ضد أبناء ذي قار لأنها من المدن المعارضة للنظام الجائر .
ويؤكد الدكتور عبد الله الجوراني في كتابه " دراسة وثائقية في تاريخ المنتفك الوطني " ( وبالفعل تحركت القوات البريطانية في السابع والعشرين من حزيران 1915 يحدوها الأمل بإحتلال مدينة الناصرية وعند وصول هذه القوات الى ضفة نهر الفرات اليسرى دارت معركة عنيفة .. وبعد مقاومة أبداها المدافعون تمكنت من عبور هور السفحة الى نهر الفرات في الخامس من تموز 1915 بعد أن فقد " 25" قتيلا و " 84" جريحا ).
من هنا فقد واجه البريطانيون مقاومة عنيفة في المنتفك تكبدوا خلالها خسائر كبيرة .. كما انتشرت في صفوف جنودهم الأمراض مما إضطرهم الى طلب تعزيزات عسكرية لتحشيدها بإتجاه إحتلال الناصرية .
وقد إستجاب السيد كدر الياسري لنداء الجهاد الذي أطلقه علماء الدين في النجف الأشرف .. فقد توجه من النجف الأشرف الى ساحة الحرب عن طريق الفرات عدد من المجتهدين مع أتباعهم مستنهضين همم العشائر .. وكانت أول مجموعة من المجاهدين برئاسة آية الله السيد محمد سعيد الحبوبي وكان أشد المجاهدين حماسا للجهاد وقد أطلق على ذي قار " مدينة الجهاد " وفي منتصف كانون الثاني 1915 كان الثوار بإنتظاره .
وقد إلتحق السيد كدر بركب الجهاد المقدس الذي يقوده المجاهد الحبوبي الذي إلتحق به الالاف من عشائر سوق الشيوخ فتوجه بهم الى الشعيبة .. تحملهم مئات السفن الشراعية وهي تمخر مياه الفرات وهور الحمار .. كما يروي المرحوم الشبيبي في مذكراته .. ويقدر عددهم بثلاثين ألف راجل وعشرة آلالاف فارس وقد إلتحق معهم عدة آلالآف من الجنود .
ونتيجة المقاومة الشديدة التي واجهها البريطانيون من أبناء المنتفك فرضوا عليهم فيما بعد حصارا ومنعوهم من التبضع من المدينة .. فقابلتهم العشائر بالمثل ورفضوا إرسال منتوجاتهم المحلية الى المدينة مما إضطر البريطانيين الإتفاق مع بعض المتعهدين المحلين للحصول عن طريقهم على المواد الغذائية اللازمة لقواتهم وقد أضحى المتعهدون مثار إزدراء الناس .
في هذه الفترة بدأ أبناء العشائر يعدوا العدة لمعركة كبيرة مقبلة وقد أعد السيد كدر السيد سلمان نفسه مع قومه لمعركة طويلة لطرد المحتل البريطاني .
فقد أسهمت السياسة التعسفية للإدارة البريطانية في تأجيج مشاعر العداء ضدهم والإستعداد لثورة العشرين المجيدة وبدأت الإجتماعات في المنتفك ومدن الفرات الأوسط تتوالى وقد ذهب ممثلون عن عشائر سوق الشيوخ للاجتماع في دار السيد علوان الياسري في المشخاب في السادس عشر من نيسان عام 1920م .. وقد إتفق زعماء المنتقك على قطع خطوط سكك الحديد ومهاجمة القوات البريطانية كما تشير التقارير البريطانية السرية الى ذلك .
وفي التاسع من آب 1920 بدأت العشائر بالهجوم على القوات البريطانية وقطعت أجزاءا من سكة الحديد أثناء الليل لمنع وصول الإمدادات العسكرية كما قطع الثوار خطوط التلغراف وفي الحادي والثلاثين من آب 1920 أعلن الثوار بعد معارك كبيرة عن طردهم المحتلين وتسلم إدارة المدينة وقد أنزلوا العلم البريطاني من على سراي السلطة ورفعوا بدله العلم العراقي .
وهكذا شارك السيد كدر الياسري ببسالة في ثورة العشرين وماسبقا من مقاومة ضد المحتل البريطاني .. وهو نضال شعبي عظيم شاركت فيه جميع شرائح المجتمع وعدت المساهمة فيه واجبا مقدسا والفرار عنه عار يلاحق الفارون الى يوم الناس .
تعليق