- مع ضوء الصباح الخافت ، سمعت صياح الديك و تأكدت فورا أنني على قيد الحياة، و تهادى عبر النافذة فيض من الضياء و النعسان،و رائحة الصباح تنقر في الأنوف ممزوجة بروائح الفطير و الرغيف ، استغل الناموس الفرصة ليخرج عبر النافذة المفتوحة ،لعله كان يطمع في قليل من الهواء المنعش أو شيئ من الإنطلاق، و قبل أن أكمل فنجان القهوة جاء من الناحية اليمنى صوت الجرس فأفزعني و قمت فورا من مكاني، فتحت الباب و أنا أمضغ خبزا :
- أوه...... يوسف لقد تأخرت .ظننت أنك لن تأتي أبدا.
- تأخرت ؟.. يا لك من محب للمواعيد يا جمال... عموما هل قرأت أبدا عن يوم بخمسين ألف سنة ؟
- أجل فعلت. فلماذا تسأل ؟!
فصاح يوسف من غير أدب :
- أترك الأكل و دعنا نذهب لمشاغلنا قبل حلول الظلام.
- لقد استيقضنا للتو فكيف يحل الظلام ؟...لا بد أنك تعاني من الحمى .
ثم تمتم جمال بكلمات غير مفهومة و أردف :
- إنك مجنون !!................
يوسف بحاجة إلى وثائق رسمية من أجل عقد الزواج الأسبوع القادم ،و لا مكان لاستصدارها إلا من البلدية، و قريبا ستدق الثامنة صباحا، و دخلا مع بعض إلى مبنى البلدية و لم يكن هناك غير الحارس. و أمام حيرة الشابين تقدم الحارس و صاح فيهما :
- مرحبا بكما في يوم بخمسين ألف سنة !!
و بدأت أفواج من الناس تظهر و تتكدس عند باب البلدية ،و بسرعة تناثر دخان السجائر في الأجواء معلنا عن إحتراق الأعصاب!!.. و هتف أحد المتكدسين أمام البلدية :
- يا لهذا الباب اللعين.... و تعسا للمكاتب المغلوقة.
- و لكن من سيسمعك.... و من يدري لعلك ستصاب بمرض القلق و تموت آخر الأمر.
و قال منزعج آخر :
- ما أصعب الموت بمرض القلق..... و أين ؟.... عند باب البلدية !!
ضحك جمال ضحكة صفراء و قال مبددا بعض القلق :
- الساعة الآن تشير إلى التاسعة و قريبا ستفتح المكاتب أبوابها ، و ستحصلون كلكم على شهادات الميلاد و بطاقات الإقامة... فلا تقلقوا أبدا.
و عندما التفت حوله وجد الناس ينظرون إليه بعيون تود أن تذبحه، و وكزه على الفور يوسف و قال في أذنه :
- ليس هذا يوم المزاح.
و بدأت أشعة الشمس تستجمع قواها الحارقة ، و سال العرق باعثا في الأجواء رائحة النكد، كأن الشمس قد دنت من رؤوس الخلائق، متى ستستريح تلك المرأة من عناء حمل رضيعها؟ و متى ستستريح من بكائه، لقد أتت لتستخرج شهادة ميلاد و لا بد أنها تتمنى الآن شهادة وفاة لها و لإبنها، ووصل أول العاملين في المكاتب، يحمل جريدة و قهوة و سيجارة، و بدى بمشيته مزهوا ببدلته الكلاسيكية، و كان حليق الوجه و عيونه في السماء معلقة، و طارت من وجهه رائحة عطر ما بعد الحلاقة... أنا رجل و أعرف هذا العطر، إنه من النوع الرخيص جدا.. و شيعته العيون المنتظرة منذ الصباح الباكر حتى دخل إلى مكتبه و بعده، توالى وصول الموظفين واحدا تلو الآخر، كأن الكسل يسكن في أقدامكم ، افتحوا مكاتبكم و أخلوا سبيل هؤلاء جميعا ،و مال يوسف إلى أذن جمال و قال :
- ألم أقل لك أنه يوم بخمسين ألف سنة ؟!
و ببطء قاتل بدأت الأوراق تكتب و تختم ، و من خلف الشبابيك ارتفع صوت الطابع الدائري بوتيرة غير مشجعة:
- لا يوجد من يمضي الأوراق هذا اليوم ؟
- و ماذا سنفعل إذن ؟
- انتظروا حتى الرابعة ................... أو عودوا غدا صباحا.
كأنه يوم الحشر حقا ، و في حينها قال يوسف لجمال :
- ألا ترى أن نذهب ؟
- إلى أين ؟!
- إلى البيت ..... أو إلى آخر الدنيا...
- و ماذا عن وثائقك ؟
- ليست مهمة..... سأأجل زواجي إلى العام القادم !!
- أوه...... يوسف لقد تأخرت .ظننت أنك لن تأتي أبدا.
- تأخرت ؟.. يا لك من محب للمواعيد يا جمال... عموما هل قرأت أبدا عن يوم بخمسين ألف سنة ؟
- أجل فعلت. فلماذا تسأل ؟!
فصاح يوسف من غير أدب :
- أترك الأكل و دعنا نذهب لمشاغلنا قبل حلول الظلام.
- لقد استيقضنا للتو فكيف يحل الظلام ؟...لا بد أنك تعاني من الحمى .
ثم تمتم جمال بكلمات غير مفهومة و أردف :
- إنك مجنون !!................
يوسف بحاجة إلى وثائق رسمية من أجل عقد الزواج الأسبوع القادم ،و لا مكان لاستصدارها إلا من البلدية، و قريبا ستدق الثامنة صباحا، و دخلا مع بعض إلى مبنى البلدية و لم يكن هناك غير الحارس. و أمام حيرة الشابين تقدم الحارس و صاح فيهما :
- مرحبا بكما في يوم بخمسين ألف سنة !!
و بدأت أفواج من الناس تظهر و تتكدس عند باب البلدية ،و بسرعة تناثر دخان السجائر في الأجواء معلنا عن إحتراق الأعصاب!!.. و هتف أحد المتكدسين أمام البلدية :
- يا لهذا الباب اللعين.... و تعسا للمكاتب المغلوقة.
- و لكن من سيسمعك.... و من يدري لعلك ستصاب بمرض القلق و تموت آخر الأمر.
و قال منزعج آخر :
- ما أصعب الموت بمرض القلق..... و أين ؟.... عند باب البلدية !!
ضحك جمال ضحكة صفراء و قال مبددا بعض القلق :
- الساعة الآن تشير إلى التاسعة و قريبا ستفتح المكاتب أبوابها ، و ستحصلون كلكم على شهادات الميلاد و بطاقات الإقامة... فلا تقلقوا أبدا.
و عندما التفت حوله وجد الناس ينظرون إليه بعيون تود أن تذبحه، و وكزه على الفور يوسف و قال في أذنه :
- ليس هذا يوم المزاح.
و بدأت أشعة الشمس تستجمع قواها الحارقة ، و سال العرق باعثا في الأجواء رائحة النكد، كأن الشمس قد دنت من رؤوس الخلائق، متى ستستريح تلك المرأة من عناء حمل رضيعها؟ و متى ستستريح من بكائه، لقد أتت لتستخرج شهادة ميلاد و لا بد أنها تتمنى الآن شهادة وفاة لها و لإبنها، ووصل أول العاملين في المكاتب، يحمل جريدة و قهوة و سيجارة، و بدى بمشيته مزهوا ببدلته الكلاسيكية، و كان حليق الوجه و عيونه في السماء معلقة، و طارت من وجهه رائحة عطر ما بعد الحلاقة... أنا رجل و أعرف هذا العطر، إنه من النوع الرخيص جدا.. و شيعته العيون المنتظرة منذ الصباح الباكر حتى دخل إلى مكتبه و بعده، توالى وصول الموظفين واحدا تلو الآخر، كأن الكسل يسكن في أقدامكم ، افتحوا مكاتبكم و أخلوا سبيل هؤلاء جميعا ،و مال يوسف إلى أذن جمال و قال :
- ألم أقل لك أنه يوم بخمسين ألف سنة ؟!
و ببطء قاتل بدأت الأوراق تكتب و تختم ، و من خلف الشبابيك ارتفع صوت الطابع الدائري بوتيرة غير مشجعة:
- لا يوجد من يمضي الأوراق هذا اليوم ؟
- و ماذا سنفعل إذن ؟
- انتظروا حتى الرابعة ................... أو عودوا غدا صباحا.
كأنه يوم الحشر حقا ، و في حينها قال يوسف لجمال :
- ألا ترى أن نذهب ؟
- إلى أين ؟!
- إلى البيت ..... أو إلى آخر الدنيا...
- و ماذا عن وثائقك ؟
- ليست مهمة..... سأأجل زواجي إلى العام القادم !!